آثار حضرت آیة الله العظمی شیخ محمد اسحاق فیاض
البنوک
جلد
1
البنوک
جلد
1
فتح الاعتماد المستندي – من الناحية الشرعية نذكر فيما يلي عددا من الحالات:
الحالة الأولى:
ما إذا كان للمستورد رصيد مالي لدى البنك في بلده و حينئذ فيقوم البنك بدوره بتكليف البنك المراسل في بلد المصدر بدفع قيمة البضاعة بعد تسلم المستندات مطابقة لتمام الشروط الواردة في الاعتماد المستندي، ثم يقوم البنك الاصيل بخصم القيمة من رصيده المالي بسعر الوقت، ويمكن تخريج ذلك فقهيا بأحد وجوه:
الأول: إن البنك يقوم بدفع ثمن البضاعة للمصدر بواسطة البنك المراسل في بلده بعملة أجنبية بموجب تعهده بذلك في عقد الاعتماد، وحيث إن هذا الدفع كان بامر المستورد، فبطبيعة الحال يضمن تلك العملة ويصبح بذلك مدينا للبنك بعملة أجنبية، والبنك مدين له بعملة محلية، وبما إن فتح الاعتماد يتضمن توكيل البنك في أن يخصم قيمة البضاعة من حسابه الجاري لديه، فبأمكانه أن يأخذ عملة محلية من حسابه بديلا عن العملة الأجنبية بسعر الوقت، وهذا جائز شرعا، كما يجوز له اخذ العمولة عليه، على أساس أن الدائن أمر المدين بأداء دينه في غير مكانه الطبيعي، وله أن لا يقبل ذلك من دون عمولة.
الثاني: إن المشتري المستورد يقوم بخصم مبلغ من رصيده لدى البنك المساوي لثمن البضاعة، ثم يقوم ببيعه على البنك بعملة أجنبية، فإذا باع أصبح مالكا في ذمة البنك عملة أجنبية، وبعد ذلك يقوم البنك بدوره بتكليف البنك المراسل في بلد المصدر بدفع الثمن إليه بالعملة الأجنبية وهذا جائز شرعا لأنه من يبيع عملة محلية حاضرة بعملة أجنبية في الذمة.
نعم، لا يجوز للمستورد أن يبيع ما في ذمة البنك من العملة المحلية بعملة أجنبية في ذمته لأنه من بيع الدين بالدين وهو غير جائز، كما أن للبنك أن يأخذ عمولة لقاء تسديد الدين في غير مكانه الطبيعي.
الثالث: إن البنك في بلد المستورد يقوم باحالته على البنك المراسل في بلد المصدر الأجنبي، وبموجب هذه الحوالة أصبح ذلك البنك في بلد المصدر مدينا للمستورد بعملة أجنبية، وحينئذ فيحيل المستورد دائنه المصدر على
البنك المراسل المدين له، فتكون هنا حوالتان متعاقبتان، وكلتاها من الحوالة على المدين، وتكون صحتها على القاعدة، وكما يجوز للبنك أخذ العمولة على هذه الحوالة، على أساس أنها تتضمن أداء الدين في غير مكانه الطبيعي بموجب طلب الدائن.
الحالة الثانية:
ما إذا لم يكن للمستورد رصيد مالي لدى البنك، ولكن البنك بموجب اعتماده عليه وثقته به قبل طلبه بفتح الاعتماد المستندي، واصدر خطاب ضمان وتعهد للبائع بدفع الثمن الأجنبي له في بلده من ماله الخاص عند تسلم المستندات بكامل شروطها، وحينئذ فإذا قام البنك بدوره بتكليف البنك المراسل بدفع الثمن له ضمن المستورد قيمة الثمن بموجب أمره بالدفع، وأصبح مدينا له، وهذه العملية في نفسها جائزة شرعا، ويجوز أخذ عمولة عليها كذلك.
نعم إن هذه العملية تتبع فائدة ربوية في حالتين:
أحداهما: إن البنك – بموجب نظامه التقليدي الربوي – يحسب فائدة على المستورد مقابل الدين في ذمته.
والأخرى: إن البنك إذا أخر دفع الثمن الذي يستحقه المصدر على المستورد عن وقت الدفع إلى فترة يحسب له فائدة، وحيث إنها فائدة على تأخير الدين فهي ربوية، فلا يجوز أخذها.
وهل بامكاننا تكييف هذه الفائدة في كلتا الحالتين فقهيا إلى فائدة غير ربوية أو لا؟
والجواب: نعم، فان بامكاننا ذلك.
أما في الحالة الأولى، فيمكن للبنك أن يضيف هذه الفائدة المجددة إلى عمولة فتح الاعتماد، فأنه حينما قبل فتح الاعتماد بموجب طلب عميله في مقابل عمولة يضيف إليها تلك الفائدة ولا يحسب على الدين، كما ان بامكانه أن يأخذ الفائدة المذكورة بعنوان أجرة الكتابة والتسجيل وغيرهما مما تتطلبه هذه العملية من الخدمات، فإذالا ربا في القرض.
وأما في الحالة الثانية فيمكن للمصدر ان يشترط في عقد البيع على المستورد أن يدفع دينارا مثلا عن كل شهر يسبق تحصيل الثمن، فان المستورد حينئذ يكون ملزما بدفع دينار عن كل شهر يتأخر فيه عن دفع الثمن وليس ذلك الزاما بالربا المحرم، لأن ذلك الألزام إنما هو بحكم عقد البيع لا بحكم عقد القرض حتى يكون ربا.
نعم، إذا أشترط عليه أن يكون له دينار في كل شهر يتأخر فيه عن دفع الثمن بنحو شرط النتيجة، لم يجز وإن كان في عقد البيع، لأن المستورد حينئذ يكون ملزما بدفع الدينار للمصدر، على أساس أنه مالك له في مقابل الأجل، وهو من اشتراط الربا، وهذا بخلاف ما إذا كان ذلك بنحو شرط الفعل، فان الزام المستورد به إنما هو بحكم عقد البيع لا بحكم عقد القرض، ولا بحكم كونه عوضا مملوكا في مقابل الأجل، كما في شرط النتيجة.
والخلاصة: إن الشرط المدعى في المقام بما أنه غير واقع في عقد القرض لكي يكون قرضا ربويا، ولا هو من أشتراط كون المال في مقابل الأجل بنحو شرط النتيجة لكي يكون من اشتراط الربا، بل هو واقع في عقد البيع بنحو شرط الفعل والالزام به بملاك أنه في عقد البيع.
الحالة الثالثة:
يجوز للبنك أن يتقاضى عمولة على عملية الاعتماد المستندي، على أساس إنها تتطلب قيامه بدور الاتصال مع البنك المراسل في بلد المصدر، واطلاعه بفتح الاعتماد وتكليفه بدفع الثمن عندما تسلم مستندات البضاعة مطابقة لجميع الشروط والمواصفات الواردة في الاعتماد المستندي.
ويمكن تخريج ذلك فقهيا بأحد وجوه:
الأول: أن يكون ذلك من باب الجعالة، فان المستورد – بموجب طلبه من البنك فتح الاعتماد – يقول له، إن قمت بهذه العملية ومتطلباتها فلك كذا وكذا مبلغا محددا من المال، وحينئذ فان وافق البنك على ذلك وقام بدوره بكامل متطلباته، أستحق الجعل المحدد له في العقد.
الثاني: أن يكون ذلك من باب الاجارة، فان المستورد يقوم باستئجار البنك للقيام بعملية الاعتماد مقابل أجرة معينة، فاذا قبل البنك ذلك ووافق استحق الاجرة.
الثالث: أن يكون ذلك من باب أجرة المثل التي تتقاضاها الاجراء عادة بالقيام بمثل هذا العمل، فانه إذا لم تحدد الاجرة بالعقد لا بعقد الاجارة ولا بالجعالة، فالمتعين أجرة المثل.
الحالة الرابعة:
ان ديون البنوك على المستثمرين ورجال الاعمال الذين يقومون باستيراد البضائع من الدول الاجنبية أو تصديرها إليها بواسطة الاعتماد المستندي لديها على نحوين:
أحدهما:
أن تكون الديون بموجب عقد القرض الواقع بين المستورد والبنك، فإن المستورد في هذه الحالة يرجع إلى البنك ويقترض منه مباشرة مبلغا محددا ثم بعد عملية القرض سلم المبلغ إلى البنك لكي يقوم البنك بدوره بتكليف البنك المراسل في بلد المصدر بدفع الثمن إليه عندما تسلم مستندات ملكية البضاعة بكاملها.
الثاني:
إن المستورد لا يرجع إلى البنك لا بنفسه ولا بوكيله، بل يتصل به من مكتبه ويطلب منه الاعتماد المستندي ودفع ثمن البضاعة للمصدر في بلد إقامته عند تسلم المستندات منه، وبذلك يصبح المستورد مدينا للبنك بقيمة ثمن البضاعة، ولا فرق بين الحالتين من هذه الناحية، وإنما الفرق بينهما من ناحية أخرى، وهي إن سبب الدين في الحالة الأولى عملية القرض، وفي الحالة الثانية الأمر بالاتلاف، على أساس إن المستورد إذا أمر البنك بدفع دينه للمصدر في بلده الأجنبي و هو ثمن البضاعة، وقام البنك بدوره وأدى دينه من ماله الخاص، ضمن المستورد قيمة التالف، بأعتبار أنه كان بأمره،
ولا مانع من وفاء دين شخص بمال شخص آخر حتى تبرعا، فضلا عما إذا كان بأمر الشخص المدين.
وقد تسال: هل هناك فرق بين الزيادة على الدين في الحالة الأولى والزيادة في الحالة الثانية أو لا؟
قد يقال بالفرق بينهما، بتقريب ان الزيادة في الحالة الأولى زيادة على المال المقترض في عقد القرض فتكون ربا، وفي الحالة الثانية لا تكون كذلك، إذ ليس فيها عقد قرض بين المستورد والبنك لكي تكون الزيادة على المال المقترض في عقد القرض بل فيها ضمان غرامة للمال التالف بسبب أمره بالاتلاف، ولا يكون هذا الضمان ضمانا قرضيا، بل هو ضمان إتلاف، وعلى هذا فالزيادة المشترطة على المستورد على ما دفعه البنك للمصدر من ثمن البضاعة ليست زيادة على المال المقترض في عقد القرض لكي تكون ربا، ولا يصدق عنوان القرض على ضمان الغرامة، فأنه لا يتضمن تمليكا معامليا لا التمليك على وجه الضمان بالمثل ولا غيره.
وبكلمة: إن الربا المحرم إنما يكون في المعاملة كعقد القرض أو البيع، وأما ضمان الغرامة فإنه ضمان ابتداء بموجب الأمر بالاتلاف ولا يتضمن أي تمليك عقدي، فلهذا لا يجري فيه الربا.
ويمكن المناقشة في ذلك:
أما أولا: فلان المتفاهم العرفي من أدلة حرمة الربا – بمناسبة الحكم والموضوع الارتكازية – هو حرمة الزام الدائن مدينه بالزيادة على مقدار الدين، سواء أكان الدين حاصلا بالقرض أم بالأمر بالاتلاف، حيث لا يرى العرف خصوصية لعنوان القرض وموضوعية له إلا كونه سببا للدين واشتغال الذمة، بل إن هذا هو مقتضى إطلاق بعض روايات المسألة ايضا، وعلى هذا فلا فرق بين أن يكون الشخص مدينا بموجب عقد القرض أو بموجب الأمر بالاتلاف، فعلى كلا التقديرين لا يجوز للدائن أن يلزم مدينه بالزيادة على مقدار الدين.
ثانيا: لو سلمنا اختصاص الربا المحرم في عقد القرض لا مطلقا ولا يكون الزام الدائن مدينه بالزيادة في الحالة الثانية محرما، إلا ان ذلك بحاجة
إلى موجب وسبب يجعل المدين ملزما بدفع الزيادة كاشتراطها في ضمن عقد، والمفروض أنه لا عقد هنا غير الأمر بالاتلاف، فإذن لا يكون أشتراطها عليه من الشرط في ضمن العقد لكي يجب الوفاء به، بل هو من الشرط الابتدائي الذي لا دليل على صحته ونفوذه.
نعم، بأمكان البنك أن يقوم في هذه الحالة بعملية أشتراط الزيادة في ضمن عقد الجعالة، على أساس إن من حق البنك أن لا يقبل تسديد دين المستورد بموجب طلبه للمصدر في بلد إقامته من دون جعل و عمولة، فإذا وافق على ذلك وحدد الجعل لقاء قيامه بعملية التسديد فإذا قام بها أستحق الجعل المحدد بموجب عقد الجعالة وقيمة الدين بقانون ضمان الاتلاف.
والحاصل: إن البنك بعد قيامه بالعملية المذكورة أستحق أمرين:
أحدهما: قيمة الدين بموجب الأمر بالاتلاف.
والآخر: الجعل بموجب عقد الجعالة.
قد يناقش في صحة الجعالة في المقام، بتقريب ان صحتها مبنية على أن للعمل المجعول عليه قيمة مالية لدى العرف والعقلاء، على أساس إن الجعالة مركبة من جزئين:
أحدهما: الأمر بالعمل الذي تكون له أجرة المثل في نفسه وقابل للضمان.
والآخر: تعيين الجعل والأجر بأزاء ذلك العمل.
والجزء الأول من الجعالة: هو ملاك الضمان والضمان فيها من قبيل ضمان الغرامة، لا الضمان المعاوضي.
والجزء الثاني: يحدد قيمة العمل المضمون بضمان الغرامة، حيث إن الأصل في الضمان هو أجرة المثل ما لم يحصل الاتفاق على الضمان بغيرها.
وحيث انه ليس لعملية تسديد الدين مالية وراء مالية نفس المال المسدد، فلا يحق للبنك ان يتقاضى عمولة لقاء قيامه بعملية التسديد زائدة على قيمة المال المسدد، فأنه إذا لم تكن للعملية مالية زائدة على مالية نفس المال المسدد، فلا يتحمل المستورد إلا ضمانا واحد، وهو ضمان المال المسدد، ولا
يعقل ضمانا آخر وهو ضمان عملية التسديد في مقابل الضمان الأول، لعدم الموضوع له وهو المالية، فمن أجل ذلك لا يعقل الجعالة، لأنها لا تنشىء الضمان وإنما تحدده في الأجر المعين.
ويمكن الجواب عن هذه المناقشة في المقام: بأن العميل المديون هنا فبما انه يطلب من البنك القيام بتسديد دينه لدائنه في البلد الأجنبي، فمن الواضح أنه يتطلب بذل جهد وعمل زائد على مجرد دفع المال إلى الدائن، وحينئذ فيكون من حقه أن يتقاضى عمولة على ذلك إذا طلب منه القيام به، على أساس ان لعملية التسديد عندئذ قيمة مالية زائدة على القيمة المالية للمال المسدد.
والخلاصة:
إن المدين المستورد إذا طلب من البنك القيام بعملية التسديد للمصدر الدائن في بلد إقامته، فبما أنه يتطلب بذل جهد وعمل زائد كاتصاله بالبنك المراسل وإصدار خطاب إليه بدفع دينه في بلده، فله أن لا يقبل ذلك بدون عمولة، فإذاً لا مانع من عقد الجعالة عليها، بأعتبار انها مضمونة بضمان آخر غير ضمان المال المسدد، ويحدد الضمان في الأجر المعين بموجب عقد الجعالة.
نعم، إذا لم تتطلب عملية تسديد الدين بذل جهد وعمل زائد على نفس دفع المال إلى الدائن، كما إذا كانت العملية في نفس بلد البنك، فلا تصح الجعالة عليها لأنه لا ضمان لها في مقابل ضمان المال المسدد لكي تقبل الجعالة.
إلى هنا قد وصلنا إلى هذه النتيجة، وهي أن اشترط الزيادة في كلتا الحالتين المذكورتين من أشتراط الربا، إلا إذا كان ذلك الاشتراط في عقد الجعالة أو الإجارة.
وقد تسأل: هل بأمكاننا تحويل شرط الزيادة الربوية إلى غيرها أو لا؟
والجواب: نعم، أما في الحالة الأولى فبأمكاننا هذا التحويل بالطريق التالي:
وهو أن المستورد يقوم بعملية الاقتراض من البنك مبلغا محددا، وبعد القبض يقدم البنك على شراء المبلغ منه بعملة أجنبية في ذمته، ويضيف إلى المبلغ مقدار الفائدة بدلا عما إذا إشترطها عليه في عقد القرض، فتحول الفائدة بذلك من الربوية إلى غيرها عن طريق البيع والشراء، ويصبح البنك حينئذ
مدينا للمستورد بعملة أجنبية، ثم يقوم البنك بعملية التسديد من طريق البنك المراسل في الخارج، ويجوز للبنك عندئذ ان يتقاضى عمولة لقاء قيامه بالعملية بتخريجين:
أحدهما: إنها تتطلب بذل عمل زائد، والآخر: إنها تمثل تأدية الدين في غير مكانه الطبيعي.
وأما في الحالة الثانية فبأمكاننا تخريج ذلك بالنحو التالي:
وهو ان المستورد يوكل البنك من اقراضه مبلغا معينا من ماله الخاص، ثم يقبضه بالوكالة عنه، وبعد تمامية عملية القرض بالقبض والإقباض، يقوم البنك ببيع ذلك المبلغ لنفسه وكالة منه بعملة أجنبية في ذمته، ويضيف إليه مقدار الفائدة، فتحول الفائدة الربوية إلى غيرها من طريق البيع والشراء، كما أن للبنك أن لا يقبل طلب المستورد تسديد دينه للمصدر في بلد إقامته بدون عمولة على أساس أنه تسديد الدين في غير مكانه، مضافا إلى أنه يتطلب مؤنة زائدة.
قوم البنك في الحالة الخامسة:
إن الربا المحرم هو اشتراط الفائدة على المدين بإزاء الدين، سواء أكان الدين بعقد القرض أم كان بضمان الغرامة كما مر.
وأما إذا كانت الفائدة لقاء عمل له مالية وراء مالية نفس المال المقترض، فهل يجوز أخذها ولا يكون ربا أو لا؟
والجواب: نعم، يجوز أخذها، على أساس انها ليست لقاء المال المقترض لكي تكون ربا، بل لقاء عمل له قيمة مالية زائدة على القيمة المالية لنفس المال المقترض، فإذا أفترض إن لعملية الإقراض مالية وراء مالية المال المقترض – كما إذا طلب العميل من البنك الإقراض في بلد أجنبي – فان الاقراض فيه بحاجة إلى بذل عمل وجهد زائد على مجرد دفع المال إلى المقترض وحينئذ فله أن لا يقبل ذلك بدون عمولة.
فالنتيجة: أنه لا يجوز للمقرض بنكا كان أم غيره أخذ فائدة على المال المقترض، ويجوز له أخذها لقاء عملية الإقراض إذا تطلبت مؤنة زائدة مضمونة ولا يؤدي إلى الربا نعم إذا لم تتطلب مؤنة زائدة على مجرد دفع المال إلى المقترض – كما إذا كانت العملية في مكان المقرض – فلا مالية لها
زائدة على مالية نفس المال المقترض – وحينئذ فلا يجوز أخذ العمولة عليها، لأن أخذها عليها أخذ فائدة على المال المقترض فيكون ربا، ولهذا لا تصح الجعالة عليها أيضا.
الحالة السادسة:
إن اقتراض المستورد من البنك إذا كان ربويا، فهل يجوز للبنك أن يقوم بعملية تسديد دينه المستحق عليه للمصدر في البلد الأجنبي ويتقاضى منه عمولة لقاء ذلك، على أساس أن العملية بحاجة إلى مؤنة زائدة أو لا؟
والجواب: أنه جائز بناءاً على ما هو الصحيح من عدم بطلان عقد القرض الربوي، والباطل إنما هو الربا، أي: الزيادة، وحينئذ فالمقترض مالك لأصل المال المقترض، كما ان المقرض يملك مثله في ذمة المقترض وإنما لا يملك الزيادة فقط، وعلى هذا فيجوز للبنك أن يقوم بعملية تسديد دينه من ماله المقترض، وإذا كانت العملية بحاجة إلى مؤنة زائدة، جاز له أن يأخذ عمولة عليها.
نعم، لو قلنا ببطلان القرض الربوي وعدم كون المقترض مالكا للمال المقترض، فلا يكون البنك حينئذ وكيلا ومخولا من قبله في تسديد دينه من ماله المقترض لفرض أنه لم ينتقل إليه بعقد القرض على أساس بطلانه.
الحالة السابعة:
إن دور البنك في الاعتماد المستندي بالنسبة إلى البائع المصدر المستفيد هو في الواقع دور ضمان، لا بمعنى نقل دين من ذمة إلى ذمة، ولا ضم ذمة إلى ذمة فإن الثاني باطل، والأول ليس مقصودا منه في المقام، بل بمعنى: تعهد البنك بدفع ثمن البضاعة الذي يستحقه البائع المصدر على المشتري المستورد عند تسلم المستندات من البائع مطابقة لجميع الشروط الواردة في الاعتماد المستندي، ولا يكون تعهده مشروطا بامتناع المشتري عن الوفاء بالثمن، بل يكون مطلقا، فإن البائع ملزم بتسليم مستندات البضاعة منها سند الشحن للبنك المراسل، والبنك المراسل ملزم بدفع الثمن إليه إذا وجد المستندات مطابقة للشروط، وهذا معنى آخر للضمان عند العقلاء يتصور في الديون والأعيان الخارجية معا.
وأما دوره بالنسبة إلى المشتري المستورد، فهو في الواقع أيضا تعهد منه بتسلّم المستندات بكاملها من البائع وفحصها بدقة، فإن كانت مطابقة لتمام المواصفات والشروط المقيدة في الاعتماد المستندي قام بدفع الثمن إليه، و إلا فلا.
الحالة الثامنة:
إن المشتري المستورد إذا تقاعس عن الوفاء بالتزاماته وتخلف لسبب أو آخر، وامتنع عن تسلم المستندات التي تمثل نقل البضاعة أو عن الوفاء بالثمن، فللبنك أن يحبس المستندات إلى فترة محددة من تاريخ إخطاره بوصول المستندات المطابقة للشروط، فان لم يدفع الثمن خلال هذه الفترة يقوم البنك ببيع البضاعة في الأسواق لاستيفاء ما دفعه إلى البائع من الثمن.
ويمكن تخريج ذلك فقهيا بأحد وجهين:
الأول: إن دفع البنك ثمن البضاعة لما كان بأمر المشتري فهو ضامن له بضمان الغرامة وهي ضمان الإتلاف، باعتبار إن الإتلاف كان بأمره، وحيث أنه ممتنع عن الأداء، فللبنك أن يقوم ببيع البضاعة لإستيفاء ما دفعه إلى البائع من الثمن تقاصا.
نعم لو كان بامكان البنك تحصيل الثمن منه بطريق آخر كالرجوع إلى المحاكم والقضاة، لم يجز بيعها لإستيفاء ما دفعه تقاصا، وأما إذا أنحصر الطريق بالتقاص فيجوز.
الثاني: ان جواز بيع البضاعة في هذه الحالة، إنما هو على أساس الشرط الضمني من البنك على المستورد في ضمن عقد فتح الاعتماد المستندي، فان المرتكز فيه إن المستورد إذا أمتنع عن الوفاء بالتزاماته ودفع الثمن، فالبنك لا يصبر إلى الأبد، فلا محالة يتحرك ويقوم ببيعها بعد فترة محددة من تاريخ الإخطار بوصول المستندات، وحينئذ فيجوز للغير الشراء.
****************
الاعتماد الشخصي:
هو أن العميل قد يطلب من البنك تزويده بخطاب الاعتماد الشخصي باسمه في الخارج لدى فرع من فروعه أو مراسله هناك، وحينئذ يقوم البنك بعملية إصدار خطاب الاعتماد لصالحه بموجب طلبه، ويحدد المبلغ في ظهر الخطاب، وهل للبنك أن يتقاضى عمولة لقاء قيامه بهذه الخدمة أو لا؟
والجواب: نعم.
وهل فرق بين أن يكون للعميل رصيد مالي لدى البنك أو لا يكون؟
والجواب: أنه لا فرق بين الحالتين في جواز أخذ العمولة.
**************
أخذ العمولة في الحالة الأولى:
يمكن تخريج ذلك فقهيا بأحد وجوه:
الأول: أن يكون خطاب الوثيقة بمثابة التوكيل للعميل الدائن في استيفاء دينه من حساب البنك في الخارج بجنس الدين كان أم بغير جنسه، وحيث أنه لا يجب على البنك المدين تسديد الدين في غير مكانه الطبيعي، فإذا طلب الدائن منه ذلك، فله أن لا يقبل بدون عمولة.
الثاني: أنه لا يجب على المدين أداء الدين من غير جنسه، فإذا طلب الدائن منه ذلك، كان من حقه أن لا يقبله من دون عمولة.
الثالث: إن البنك يقوم بشراء عملة محلية حاضرة من عميله بعملة أجنبية في ذمته بسعر الوقت ويضيف إليها مقدار حق العمل، وبعد عملية البيع والشراء يصبح العميل مالكا للعملة الأجنبية في ذمة البنك بديلا عن العملة المحلية، وحينئذ فالبنك أما أن يقوم بإحالة العميل الدائن على فرع من فروعه هناك أو على بنك آخر، فإن كان على الفرع فبما أنه يمثل نفس ذمته، فلا تكون هذه العملية حوالة بالمعنى الفقهي، بل هي اختلاف في شكل عملية الأداء، على أساس إن الذمة واحدة، وان كان على بنك آخر هناك فهو حوالة بالمعنى الفقهي، وحينئذ فان كان البنك الآخر مدينا للبنك الأول كانت الحوالة على المدين، و إلا فعلى البري.
والخلاصة: إن بيع العملة الأجنبية بالمحلية جائز شرعا، وحينئذ فيجوز للبنك أن يضيف إلى الثمن حق العمل أو يتقاضاه من العميل لقاء قيامه بتزويده بخطاب الحوالة في خارج البلد، فان له أن لا يقبل ذلك بدون عمولة.
أخذ العمولة في الحالة الثانية:
يمكن تخريج ذلك فقهيا بما يلي:
إن مرد خطاب الوثيقة من البنك إلى عميله في خارج البلد إلى إقراضه، وحيث أن القرض لا يتم إلا بالقبض، فإذا قبض العميل المبلغ المحدد على ظهر خطاب الاعتماد أصبح مديونا للبنك، وعلى هذا فالفائدة التي يتقاضاها البنك من العميل إن كانت على القرض فهي فائدة ربوية محرمة وان كانت
لقاء قيامه بعملية الاقراض في الخارج التي تتطلب جهدا وعملا زائدا على عملية الإقراض في نفس البلد فهي جائزة، وعلى هذا فبامكان البنك أن يتقاضى فائدة في تلك الحالة لقاء قيامه بهذه العملية لا لقاء المال المقترض، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى إن العميل إذا قام بتسديد دين البنك في مكان القرض، فليس من حق البنك أن لا يقبل ذلك، وان قام بتسديده في بلد آخر لا في مكان القرض كان من حق البنك أن لا يقبل ذلك مجانا وبدون عمولة.
*****************
تخزين البضائع:
تخزين البنك للبضائع تارة يكون على حساب المصدر وأخرى على حساب المستورد.
أما الأول /فلأن المصدر إذا قام بتصدير البضائع المحلية بواسطة أحد البنوك، فبطبيعة الحال يقوم البنك بعملية التخزين في المخازن المخصصة لذلك إلى موعد شحنها، وهذه العملية جائزة شرعا، ويجوز للبنك أن يأخذ عمولة عليها زائدة على أجرة المخازن وغيرها من المصارف.
وأما الثاني /فلأن البضائع إذا وصلت إلى الجمارك يتحرك البنك للقيام بتخزينها في المخازن المخصصة عند تأخر المشتري المستورد عن تسلم البضائع أو أمتناعه عنه لسبب او آخر فإن صلة تلك البضائع قد أنقطعت عن المصدر بتسلم البنك المراسل المستندات منه ودفع الثمن إليه، فيكون التخزين على حساب المستورد فقط، وعملية التخزين جائزة شرعا، ويجوز للبنك ان يأخذ عمولة لقاء قيامه بها.
وقد تسأل: هل يجوز للبنك إذا لم يقم المستورد بتسلم البضائع خلال فترة محددة من تاريخ إخطاره بوصول تلك البضائع مطابقة لتمام المواصفات والشروط الواردة في الاعتماد المستندي، أن يقوم ببيعها بالمزاد العلني أو من مستثمر آخر أو لا؟
والجواب: يجوز له ذلك، على أساس إن تخزين البنك البضائع المستوردة في مخازن متخصصة إنما هو في فترة محددة، وبعد إنتهاء تلك الفترة يقوم البنك ببيعها ويعلم التاجر المستورد بهذه الشروط، ومع هذا إذا امتنع عن تسلم البضائع خلال تلك الفترة عامدا وملتفتا، فمعناه أنه راض ببيعها، لأن ذلك شرط في ضمن العقد الذي يوقع عليه التاجر الحاصل بينه وبين البنك، وأنه من أحد الشروط الواردة في هذا العقد.
والخلاصة: إن التاجر المستورد إذا لم يستلم البضاعة خلال الفترة المحددة، سواء أكان من جهة إنخفاظ أسعارها في السوق بشكل لا يفي ثمنها
لأجور المخازن ومصارف الجمارك والنقل أم كان بسبب آخر، فيجوز للبنك حينئذ أن يبيعها بموجب الشرط المذكور، وكذلك الحال إذا استورد التاجر البضائع من الدول الأجنبية مباشرة، وفي كلتا الحالتين يجوز للغير ان يقوم بشرائها والتصرف فيها فإنها إذا وصلت إلى الجمارك وأخطر التاجر بوصول البضائع، ومع هذا إذا أمتنع عن تسلمها خلال فترة محددة، جاز للجمارك أن تقوم ببيعها – بنفس ذلك الملاك وهو الشرط الضمني – مباشرة و من دون واسطة البنك.
وأما العمولة التي يأخذها البنك لقاء عملية التخزين فيمكن تكييفها بأحد وجهين:
الأول: أن يكون ذلك على أساس الجعالة، بأن يأمر التاجر البنك بالقيام بعملية التخزين لقاء مبلغ محدد، فإذا قبل البنك ذلك وقام بالعملية استحق المبلغ المحدد.
الثاني: أن يكون على أساس الإجارة، بأن يستأجر التاجر البنك على ممارسة هذه العملية مقابل أجر معين، فإذا وافق البنك على ذلك تحقق العقد أستحق الأجر.
**************
خصم الأوراق التجارية:
هو لون من ألوان التسليف المصرفي، إذ المستفيد يتقدم بالورقة التجارية ذات الاجل المحدود قبل حلول موعد وفائها إلى بنك معين بغرض تحصيل قيمتها، فيقوم البنك بدفع قيمتها بعد خصم مبلغ معين بعنوان فائدة القرض من يوم الدفع إلى يوم الوفاء، وإذا كانت هناك خدمة أخرى كان للبنك أن يتقاضى عمولة لقاء قيامه بها، كما إذا كانت الورقة تدفع في مكان آخر غير المكان الموجود فيه.
وإذا حل الأجل أخطر البنك محرر الشيك بحلول موعد الوفاء وطلب منه قيمته، وفي حالة تخلف المحرر المدين عن دفع قيمة الشيك المستحقة عليه يرجع إلى المستفيد من الشيك الذي خصم له البنك الورقة، فإنه المسؤول أمام البنك عن دفع المبلغ على أساس تعهده بذلك في عقد القرض، وفي حالة الإتفاق على تأخر الدفع بعد حلول الاجل، فإن البنك يحتسب فائدة على مدة التأخير، على أساس النظام التقليدي للفائدة على القرض، ويتقاضى هذه الفائدة من المحرر المدين للشيك.
تكييف هذه العملية:
إن خصم الورقة التجارية وتكييف هذه العملية يتمثل في تقديم قرض من البنك للمستفيد من الورقة مع تحويل المستفيد البنك الدائن على محرر الورقة المديون، ووعليه فهذا التحويل من الحوالة على المدين وفي جانب القرض، و وهذا التحويل يتضمن عنصرا آخر وهو تعهد المستفيد لدى البنك بوفاء محرر الورقة عند حلول أجلها، ونتيجة ذلك إن المستفيد يصبح مالكا للمبلغ المقترض وهو المبلغ الذي خصم البنك به الشيك بحكم القرض، ويصبح محرر ذلك الشيك مدينا للبنك بحكم الحوالة، ويصبح المستفيد مسؤولا ومطالبا بتسديد قيمة الشيك إذا تخلف محرره عن الوفاء بها عند حلول الاجل بحكم تعهده به في حالة التخلف، وبحكم كون المحرر مدينا للبنك يتقاضى البنك منه فوائد على تأخير الدين عن موعده المحدد. وعلى أساس هذا التكييف فهنا صورتان ربويتان:
الأولى: إن ما يقتطعه البنك من قيمة الشيك مبلغا محدداً لقاء المدة الباقية من موعد الدفع، ممثل للفائدة التي يتقاضاها على تقديم القرض إلى المستفيد وهو محرم شرعا لأنه ربا.
الثانية: إن ما يتقاضاه من الفائدة على تأخير دفع الدين عن موعده المحدد ربا محرم، نعم إذا كان تحصيل قيمة الشيك في مكان آخر فمن حق البنك أن يتقاضى منه عمولة لقاءقبوله قيمته في ذلك المكان، على أساس ان البنك بخصم قيمة الشيك قد أصبح دائنا للمستفيد الذي خصم له الشيك بعقد القرض، فإذا طلب منه قبول الدين في غير مكان القرض، فله أن لا يقبل مجانا ومن دون عمولة.
وهل يمكن تكييف هذه العملية من الناحية الشرعية؟
والجواب: نعم، فإن بإمكان البنك ان ما اقتطعه من قيمة الشيك يعتبره أجرة لما قدمه له من الخدمات كأجرة الكاتب وغيرها من المتطلبات لذلك، بدلا عن ان يعتبره لقاء الأجل الباقي، حيث أن للبنك أن يشترط في عقد القرض على المقترض العميل ان يدفع له أجرة معقولة مقابل تسجيل الدين وحفظه وغير ذلك من الخدمات.
ولكن بهذا الوجه لا يمكن تكييف العملية شرعا في الصورة الثانية، وذلك لأنه ليس بإمكان البنك في هذه الصورة أن يأخذ من محرر الشيك بدلا عن الفائدة على تأخير دفع الدين مبلغا مماثلا بعنوان الاجرة، بأعتبار إن المحرر أصبح مدينا للبنك بموجب حوالة ضمنية من المستفيد للبنك عليه من دون إنشاء أي عقد بينهما، لكي يشترط البنك في ضمن ذلك العقد الأجرة عليه.
نعم يمكن تكييفها شرعا في هذه الصورة بالطريقة التالية:
وهي إن المستفيد من الشيك بعد أقتراض قيمته من البنك بعملية الخصم، يقوم بتوكيل البنك في تحصيل قيمة الشيك من محرره عند حلول الأجل لا باحالته عليه، ونتيجة ذلك ان محرر الشيك يظل مدينا للمستفيد الذي خصم الشيك لصالحه لا للبنك، وإنما البنك دائن للمستفيد ووكيل عنه في تحصيل قيمة الشيك عند حلول الأجل وحينئذ فللبنك أن يشترط في إقراضه للمستفيد أن يدفع له أجرة معقولة (اجرة المثل) لقاء كتابة الدين وتسجيله وما تتطلبه من النفقات.
ثم إن هنا طريقا آخر ذكره الفقهاء، وهو تكييف عملية خصم الشيك، على أساس بيع الدين الذي يمثله الشيك بأقل منه حاضرا.
مثلا إذا كان الشيك يمثل خمسة الاف دينار، فالمستفيد يقوم ببيعه بأربعة ألاف وتسعمائة دينار حاضرا، وبموجب هذا البيع يملك البنك الدين الذي كان المستفيد مالكا له في ذمة موقع الشيك لقاء الثمن الذي يدفعه إليه نقدا، فيكون من بيع الدين باقل منه، وحيث إن الدين المباع بأقل منه نقدا، على أساس عملية الخصم ليس من النقود الذهبية أو الفضية ولا من المكيل أو الموزون، بل هو من النقود الورقية، فلا مانع من بيعها بأقل منها، لأن أحكام الصرف من التماثل والقبض في المجلس لا تترتب عليها، هذا وإن كان معروفا ومشهورا بين الاصحاب ولكنه لا يخلو عن أشكال، بل لا يبعد عدم جوازه للنص الخاص الدال على أن الدائن إذا باع دينه باقل منه، فلا يستحق المشتري من المدين إلا بقدر ما دفع إلى البائع، ويعتبر الزائد ساقطا من ذمة المدين راسا، وسوف نشير إلى شرح ذلك بأوسع من هذا.
*****************
القروض والتسليفات:
تقديم البنوك القروض والتسليفات لعملائها بأشكالها المختلفة من طويلة الأجل أو متوسطة الأجل أو قصيرة الأجل:
إذا تقدم العميل بطلب إلى البنك لمبلغ محدد إلى أجل معين، فإذا تأكد البنك على ذلك وعزز ثقته به قام بدفع مبلغ له قرضا إلى أجل محدد طويلا كان أم قصيرا، ويتقاضى منه فائدة على هذا القرض، وتعتبر هذه الفائدة فائدة ربوية محرمة.
وقد تسأل هنا: هل يمكن تخريج هذه الفائدة من الناحية الشرعية وتحويلها إلى فائدة غير ربوية أو لا؟
والجواب: أنه يمكن تخريج ذلك بوجوه:
الأول:
يمكن تحويل القروض والتسليفات الربوية إلى بدائل مشروعة كالمضاربات ونحوها كما تقدم تفصيل ذلك.
الثاني:
إن بأمكان العميل أن يقوم بشراء شيء من البنك ويضيف إلى ثمنه مقدار الفائدة، ويشترط القرض عليه بمبلغ معين في ضمنه.
الثالث:
إن للبنك أن يتقاضى من عملائه أجرة معقولة لقاء قيامه بالخدمات التي تتطلبها تقديم القروض لهم، كأجرة الكاتب والحارس والمحاسب والعمال الفنيين وغيرهم، وقيمة الدفاتر والسجلات التقليدية او التقنية وغير ذلك.
وبكلمة: إن من أهم خدمات المصارف والبنوك وأكثرها أنتشارا في البلاد تقديم القروض والتسليفات بأشكالها المختلفة وأحجامها المتعددة لعملائها، ومن الواضح إن قيام البنوك بهذه العمليات يتطلب وجود كاتب وحارس ومحاسب ودفاتر وسجلات وغيرها، وحينئذ فللبنوك بدلا عما
يتقاضى عمولة على هذه القروض، يتقاضى أجرة معقوله منهم لقاء ما تتطلبه تلك العمليات من الخدمات.
******************
صرف العملات الأجنبية:
تقوم البنوك بصرف العملات الأجنبية لرجال الأعمال والمستثمرين من أفراد دول متعددة، على أساس الديون التي تتولد بينهم بتصدير البضاعة إلى الخارج أو أستيرادها منه، فان المستورد للبضاعة من بلده يكون مدينا لقيمتها بعملة تلك البلدة والمصدر من دوله يكون دائنا لقيمتها بعملة منها وحينئذ فالمدين بعملة أجنبية بدلا عن أن يشتري من سوق الصرف مبلغا من تلك العملة بالمقدار الكافي لتسديد دينه ثم يرسله إلى دائنه في الخارج، يرجع إلى البنك ويطلب منه القيام بعملية الصرف وتأدية الدين على اساس ان البنوك والمصارف قد تطورت في عمليات الصرف وتادية الديون الخارجية من طريق إصدار الشيكات والحوالات وغيره من الطرق والوسائل التقنية الحديثة بدون نقل أي نقد من بلد إلى بلد آخر، فلذلك أستطاعت السيطرة على عمليات التأدية في داخل البلاد وخارجها، وأتسعت رقعتها بأتساع الأعمال والتبادلات الخارجية، وتطورت بتطورها، وأصبحت من الوسائل والأدوات الاطمئنانية، فإذا استورد رجل عراقي بضاعة من دولة أجنبية بقيمة عشرة آلاف دولار مثلا، أصبح مدينا بالمبلغ من مصدر تلك الدولة، وحينئذ فبأمكانه تسديد دينه من طريق شيك تجاري يأخذه من بنك عراقي على بنك أجنبي بقيمة الدين من الدولارات، فهنا حوالتان:
الأولى:
حوالة من المستورد دائنه المصدر الأجنبي على بنك عراقي، وبذلك يصبح المصدر الأجنبي مالكا قيمة البضاعة في ذمة البنك العراقي.
الثانية:
حوالة من البنك العراقي دائنه الأجنبي على بنك خارجي يكون له حساب جار عنده.
وكلتا الحوالتين صحيحة شرعا.
*******************
بيع العملات الأجنبية وشراؤها:
تقوم البنوك والمصارف ببيع العملات الأجنبية وشرائها للتسهيلات المصرفية المؤثرة في تطور التجارات الخارجية لعملائها يوما بعد يوم، وبغرض الحصول على ربح من تفاوت بين سعر الشراء وسعر البيع أو بداعي توفير النقود والعملات الاجنبية عنده، ولهذا تقوم ببيع وشراء العملات الأجنبية التي يحملها السياح الأجانب أو السياح العائدون من الخارج.
نعم، في العصر الحاضر قد أستطاعت البنوك أن تقلل إلى درجة كبيرة من أهمية هذه الخدمة على المستوى العام، بإيجاد بديل لها أكثر تطورا وهو البطاقات الإئتمانية وتزويد عملائها بها، فإنها قد أصبحت من أهم الخدمات المصرفية في العالم، وتحقق أمانا كبيرا للإنسان على أمواله في السفر والحضر، فإن السواح بدلا عن أن يحملوا معهم في السفر نقودا أو شيكات التي لا تخصم إلا في البنوك والمصارف، يحملوا البطاقة الإئتمانية ويستعملونها لتوفير متطلباتهم متى شاؤوا، كقطع التذاكر للسفر وأجور الفنادق والمطاعم والسيارات والخدمات في المحطات وغيرها، ويستغني حاملها من عمليات بيع و شراء العملات الاجنبية وخصم الشيكات في البنوك والمصارف، وعملية بيع وشراء العملات الأجنبية وتبادل بعضها مع بعضها الآخر جائزة شرعا، سواء أكانت نقدية أم مؤجلة، كما إذا قام البنك بشراء عملة اجنبية من البنوك الخارجية مؤجلة إلى شهر مثلا بثمن حاضر لسبب أو آخر ما لم يكن الثمن أيضا مؤجلا، وإلا فهو محل إشكال بل منع لأنه من بيع الدين بالدين.
****************
المصرفي الخارجي:
التحويل المصرفي الخارجي من أهم أسباب التعامل بالتجارات الخارجية وأسلم الوسائل، فإن المستورد إذا أستورد بضاعة أجنبية أصبح مدينا لمصدر أجنبي، وفي هذه الحالة يلجأ إلى البنك ويطلب منه الحوالة لصالح المصدر الاجنبي الدائن على البنك المراسل في بلده، فإذا قبل البنك الحوالة قام العميل المدين بدفع قيمة الحوالة إليه بعملة بلده أما نقدا أو بالخصم من رصيده.
ويمكن تخريج ذلك فقهياً بأحد وجوه:
الأول:
إن عملية التحويل المصرفي الخارجي تقوم على أساس إن البنك يبيع ما يملكه من عملة أجنبية في ذمة البنك المراسل في خارج البلد بما يملكه المستورد من عملة محلية حاضرة عنده (البنك) في الداخل.
وبذلك تصبح ذمة البنك المراسل في الخارج مدينة للمستورد، وحينئذ يقوم المستورد بتحويل دائنه المصدر على ذلك البنك الأجنبي.
مثال ذلك:
إن البنك في الداخل مدين للمستورد بعملة محلية وفي الخارج مالك للعملة الأجنبية في ذمة البنك المراسل، وحينئذ فيقوم البنك ببيع ما يملكه من العملة الخارجية بما يملكه العميل المستورد من العملة الداخلية عنده وبموجب هذا البيع يصبح العميل المستورد مالكا للعملة الأجنبية في ذمة البنك الأجنبي مقابل ما ملكه البنك الداخلي من رصيده من العملة الداخلية، وعندئذ فبأمكان المستورد ان يحيل دائنه المصدر على ذلك البنك الاجنبي المراسل فتكون هنا عمليتان:
الأولى: بيع الدين.
الثانية: حوالة الدين.
وكل ذلك جائز شرعا، وهل يجوز للبنك حينئذ أن ياخذ عمولة لقاء قيامه بعملية بيع عملة اجنبية بعملة محلية، والجواب يجوز له ذلك على أساس ان هذه العملية بحاجة إلى مؤنة زائدة على ما تتطلبه طبيعة البيع، وبأمكانه أن يضيف العمولة إلى الثمن في عملية البيع.
الثاني:
إن البنك يقوم بتسديد دين عميله المستورد لدائنه الاجنبي بغير جنسه في الخارج بواسطة فرعه أو بنك مراسل، و هذا جائز شرعا مع رضا الدائن به، وله ان يتقاضى عمولة لقاء تسديد دينه في غير مكانه الطبيعي إذا طلب منه ذلك كما هو المفروض في المقام.
الثالث:
إن العميل المدين يحيل دائنه المصدر على البنك في الداخل بعملة أجنبية، وحيث إن البنك لا يكون مدينا له بهذه العملة، وإنما هو مدين له بعملة داخلية، فيكون هذا من الحوالة على البري، فإن قبل البنك صحت وإلا فلا.
ويجوز للبنك أن يتقاضى عمولة لقاء قبوله الحوالة.
نعم قد تكون الحوالة المصرفية مجرد إصدار أمر من البنك إلى البنك المراسل في الخارج بدفع مبلغ محدد للمصدر، وهذا ليس حوالة بالمعنى الفقهي، فإن المصدر لا يصبح بذلك مالكا لقيمة التحويل في ذمة البنك المراسل، فإنه إنما يملك المبلغ بالتسليم والقبض مباشرة أو بالتوكيل، وهذه العملية جائزة شرعا، وللبنك أن يتقاضى عمولة لقاء قيامه بها إذا طلب منه ذلك.
****************
الأول: الودائع الثابتة.
وهي رؤوس أموال يقوم عملاء البنك بتقديمها إليه في فترة زمنية محددة بدافع الأدخار والاستثمار، وليس من حقهم المطالبة بها في تلك الفترة المحددة.
الثاني: الودائع المتحركة.
وهي ودائع تحت الطلب التي يطلق عليها أسم الحساب الجاري، ولمودعها الحق في أن يسحب أي مبلغ على ذلك البنك، شريطة أن لا تزيد قيمة المبلغ المسحوب عما هو له من الرصيد عنده.
نعم قد يسمح البنك له في أن يسحب مبالغ يعين البنك مقدارها، على أساس عنصر الثقة بينهما، ويسمى ذلك بالسحب على المكشوف.
الثالث: ودائع التوفير.
ولا فرق بين القسم الثاني والثالث، فإن كليهما تحت الطلب، والمودع متى شاء قادر على السحب، إلا أن البنك بموجب نظامه التقليدي ملتزم بتقديم الفائدة على ودائع التوفير ولو بنسبة ضئيلة.
هذا بحسب مصطلحات البنوك والمصارف الربوية.
وأما بالنظر إلى مفهوم الوديعة في الفقه الإسلامي، فلا يمكن أن تكون الاموال وديعة عند البنوك حتى تخرج فوائدها عن كونها فوائد ربوية على القرض، لأن المودعين يسمحون للبنك التصرف فيها بكامل حريته وسلطنته من التصرفات الأعتبارية والخارجية، ومن الواضح إنه لا يراد بهذا الإذن السماح له بالتصرف مع بقاء الوديعة في ملك صاحبها، وإلا لزم حينئذ أن يعود الثمن والربح معا إلى المالك بقانون المعاوضة لا إلى البنك بل يراد بالإذن المذكور السماح للبنك بتملك الوديعة على وجه الضمان بالمثل، وهو معنى القرض، وعليه فتكون الفوائد التي يدفعها البنك إلى المودعين فوائد على القرض وهي ربا المحرم شرعا.
نعم، قد ذكرنا في مقدمة الكتاب إن الأموال المودعة لدى البنك وإن أمكن كونها وديعة بالمعنى الفقهي، إلا إنه مجرد تصور نظريا ولا واقع موضوعي له خارجا، وعلى هذا فتلك الاموال ليست وديعة فقهية، بل هي قروض ربوية، والمبالغ التي يتقاضاها المودعون فوائد على القرض وهي محرمة، وهل بأمكاننا إيجاد بديل لهذه الفوائد والتخلص من كونها فوائد ربوية أو لا؟
والجواب: نعم، انه ممكن شريطة أن لا يتقيد البنك بنظامه التقليدي الربوي، ويمارس عملياته على طبق النظام الإسلامي، إذ حينئذ بأمكانه أن يقوم بهبة مبلغ للمودع مسبقة، ويشترط في ضمنها الاقراض بمبلغ معين إلى فترة ويلحظ في الهبة نسبة الفائدة الربوية على القرض بعين الإعتبار، ولا مانع من ذلك شريطة أن تكون الهبة بينهما واقعية لا صورية، وإن كان الدافع من ورائها القرض المماثل، إلا أن ذلك كما لا يجعل الهبة صورية كذلك لا يجعل القرض ربويا، كما إن بإمكان البنك أن يقوم بعملية بيع شيء للمودع بثمن أقل مسبقا، وأشتراط قرض مبلغ معين عليه في مدة محددة، أو يقوم بالمصالحة كذلك.
والخلاصة:
إن بأمكان كل من البنك والمودع إيجاد البديل الإسلامي للفائدة الربوية والتعامل به بدلا عن التعامل بالفائدة على القرض التي هي محرمة شرعا.
***************
الشيكات المصرفية:
كما قد يسحب العميل صاحب الحساب الجاري لدى البنك شيكا عليه، كذلك قد يسحب البنك نفسه شيكا لصالح عميله على البنك المراسل في البلد الأجنبي، فيقدم العميل الشيك إلى البنك المسحوب عليه لتسلم قيمته، وتؤخذ قيمة الشيك من حساب البنك لدى البنك المسحوب عليه، وهنا حالتان:
الأولى: أن لا يكون للعميل المستفيد رصيد مالي بالعملة الداخلية عند البنك الساحب.
الثانية: ان يكون له رصيد مالي كذلك.
ففي الحالة الأولى بما أن الشيك مجرد تسهيل مصرفي للعميل دون غطاء ورصيد مالي، فيمكن تخريج ذلك بأحد وجوه:
الأول:
أن يعتبر الشيك من البنك الساحب أمرا منه للبنك المسحوب عليه باقراض العميل من رصيده الدائن لديه، فإذا تمت عملية القرض أصبح العميل المستفيد مدينا للبنك الساحب.
وهذه العملية جائزة شرعا، ويجوز أخذ العمولة عليها من الناحية الشرعية، على أساس أحد تخريجين:
الأول // أن للبنك الساحب ان يتقاضى عمولة لقاء قيامه بعملية اقراض العميل في الخارج بواسطة البنك المراسل بعملة أجنبية، على أساس ان هذه العملية بحاجة إلى بذل جهد وعمل زائد على مجرد دفع المال المقترض إلى المقترض، ولها قيمة مالية زائدة على قيمة نفس المال المقترض.
نعم، إذا لم تتوقف عملية الاقراض على بذل جهد زائد على مجرد دفع المال المقترض، فليست لها قيمة مالية زائدة على المال المقترض، ولا يجوز أخذ العمولة عليها.
والخلاصة: إن عملية الاقراض إذا توقفت على بذل عمل وجهد زائد كما إذا طلب العميل الاقراض في مكان آخر كان من حق المقرض أن يأخذ عمولة لقاء تحمله الجهد الزائد.
الثاني:
إن العميل المستفيد بما انه أصبح مدينا للبنك الساحب بعملة أجنبية، فللبنك الساحب أن يبيعها عليه بعملة داخلية حاضرة ويضيف إليها مقدار الفائدة على القرض، ولا مانع من ذلك، على أساس ان أحكام الصرف لا تترتب على الأوراق النقدية.
الثالث:
إن الشيك الصادر من البنك الساحب يعتبر أمرا للبنك المسحوب عليه باقراض العميل قيمة الشيك من ماله الخاص بضمان البنك الساحب، وبذلك يصبح العميل مدينا للبنك المسحوب عليه، وهذه العملية جائزة شرعا، وإذا طلب من البنك القيام بها كان له أن يأخذ عمولة لقاء ذلك ولا يقبل القيام بها مجانا، حيث لا يجب عليه أن يقوم بإصدار شيك على بنك أجنبي في الخارج بإقراض عميله بعملة أجنبية مع الضمان والتعهد بالاداء مجانا وبدون عمولة.
نعم، ليس للبنك المسحوب عليه أن يأخذ عمولة لقاء قيامه بعملية الاقراض، على أساس ان قيامه بها لا يتوقف على بذل جهد زائد على دفع نفس المال إلى الشخص المقترض لأن مالية الاقتراض في نظر العرف والعقلاء إنما هي مالية المال المقترض، وليس لنفس عمل الاقراض بما هو عمل مالية زائدة ما لم يتوقف على بذل جهد وعمل زائد، وعلى هذا فإذا أخذ البنك المسحوب عليه عمولة من العميل المستفيد لقاء قيامه بعملية الاقراض له، فهي زيادة على المال المقترض ومحرمة.
الرابع:
إن البنك الساحب يبيع ما يملكه في ذمة البنك المسحوب عليه من عملة أجنبية بسعر مساو لقيمة الشيك في ذمة العميل المستفيد بالعملة الداخلية الحاضرة، ويضيف على الثمن مقدار الفائدة على القرض.
وهذا العمل جائز شرعا، ولا بأس بهذه الزيادة ما دامت العملية عملية البيع والشراء دون القرض.
وفي الحالة الثانية: يمكن تخريج الشيك المصرفي من الناحية الشرعية بأحد وجوه:
الأول:
إن البنك الساحب يقوم ببيع في حدود قيمة الشيك من العملة الأجنبية في ذمة البنك المراسل بالعملة المحلية التي يملكها العميل المستفيد في ذمته وبذلك يصبح المستفيد مالكا للعملة الأجنبية في ذمة البنك المراسل بدلا عما يملكه البنك الساحب ما يساوي قيمة الشيك من العملة المحلية من رصيد العميل عنده، وهذه العملية جائزة شرعا، شريطة أن لا يكون الثمن مؤجلا أيضا في عقد البيع حتى لا يكون من بيع الدين بالدين، ويجوز للبنك أن يأخذ من العميل المستفيد عمولة لقاء تسديد دينه في بلد آخر غير بلد القرض.
الثاني:
إن بأمكان البنك الساحب أن يحيل دائنه المستفيد على البنك المراسل، وحيث إن البنك مدين للمستفيد بعملة داخلية، فلا بد أن تكون هذه الحوالة مسبوقة ضمنا بعقد بيع بين العمليتين لكي يكون البنك مدينا للمستفيد بعملة خارجية، وحينئذ فيتاح له أن يحيل المستفيد على البنك المراسل المدين له بالعملة الاجنبية حتى يكون من حوالة الدائن على المدين.
وكل ذلك جائز شرعا، وكذا يجوز للبنك أن يأخذ عمولة من المستفيد لقاء قيامه بتسديد دينه في غير مكان القرض.
الثالث:
إن للبنك الساحب أن يفوض عميله الدائن المستفيد من الشيك بتسلم قيمة الشيك من البنك المسحوب عليه وفاء لما يملكه في ذمة البنك الساحب من
العملة الداخلية، ولا مانع من ذلك، لأنه من وفاء الدين بغير جنسه وهو جائز شرعا برضا الدائن.
ويجوز للبنك أن يأخذ عمولة من العميل المستفيد لقاء دفع دينه في غير مكانه بموجب طلبه.
***************
بطاقات الإئتمان:
إن بطاقة الإئتمان من أهم الخدمات المصرفية في العالم في العصر الحاضر، فإنها تحقق أمانا كبيرا للإنسان على أمواله من حملها معه في السفر والحضر، حيث إن في حملها خطرا على المال من الضياع والسرقة، بل على النفس أضافة إلى متاعب خرى، فالإنسان بدلا عن أن يحمل النقود معه لتوفير متطلباته وحاجياته في حال السفر والحضر يحمل معه بطاقة الائتمان ويستعملها في توفير حاجياته من التسويق اليومي وقطع التذاكر للسفر وأجور الفنادق والمطاعم والسيارات والخدمات في المحطات للقطارات ومحطات البنزين وغيرها والمحلات التجارية لشراء السلع والبضائع وسحب النقود من البنوك وأجهزة الصرف الآلي إذا دعت الحاجة إليها ونحوها من الحوائج، كل ذلك شريطة أن لا تتجاوز عن الحد الاعلى للإئتمان الذي توفره له البطاقة.
الطرف الأول:
الجهة التي تصدر البطاقة، وهي في الغالب البنوك والمصارف، وقد تكون جهة أخرى كالشركات العامة أو الخاصة أو المنظمات.
الطرف الثاني:
الجهة التي تحمل البطاقة، وهي عملاء شراء البطاقة.
الطرف الثالث:
الجهة التي تقبل البطاقة، وهي عملاء البيع بالبطاقة.
فحامل البطاقة عندما يرغب شراء سلعة اوخدمة أو الحصول على نقود أو غير ذلك، فما عليه إلا ان يبرز تلك البطاقة للطرف الثالث المسمى بالتاجر، فإذا أبرزها له قدم التاجر إليه ما أراده من السلعة او الخدمة أو النقود او غير ذلك، ثم يسجل رقم بطاقته وتوقيعه على قسيمة تبين ثمن السلعة أو الخدمة بعد التاكد من صحة البطاقة وتاريخ إنتهاء صلاحيتها، ثم يقوم التاجر بتقديم تلك القسيمة إلى الطرف الأول (مصدر البطاقة) مباشرة أو بالواسطة، فيحصل على المبلغ المدون عليها مطروحا منه رسم يتراوح بين 1 إلى 4 أو أكثر على إختلاف البطاقات الائتمانية باختلاف الشركات التي تصدرها، والجهة المصدرة ملتزمة بدفع المبلغ بمجرد التأكد من دقة البيانات، بقطع النظر عما إذا كان حامل البطافة قد سدد الثمن للبنك أو لا، بأعتبار إن ذمتها قد اشتغلت به بقبولها الحوالة تجاه التاجر ثم يقوم بإرسال فاتورة إلى حامل البطاقة في كل شهر مرة تتضمن تمام مشترياته بالبطاقة في فترة شهر واحد، وتطالبه بدفع ما تضمنته الفاتورة من المبلغ.
****************
أنواع البطاقات الإتمانية
النوع الأول:
بطاقة الائتمان باسم الخصوم أو المدينة، وهو متمثل في بطاقة يصدرها البنك مشروطا بأن يكون للعميل حساب مصرفي عنده أو عند أي بنك آخر، ولا يكون حسابه أقل من الحد الأعلى للإئتمان الذي توفره له البطاقة وهو ما يسمى بالخط الائتماني، ولا يسمح له بأن ينخفض رصيد حسابه المذكور عن ذلك المبلغ، وهذا نوع من الضمان النقدي، وعلى هذا فكلما أستخدم العميل البطاقة في شراء حاجياته وتوفير متطلباته، يقوم البنك المصدر بالسحب من رصيده مباشرة لتسديد قيمة الفاتورة المرسلة إليه من التاجر، وهذا النوع من البطاقات متواجد في كثير من الدول النامية.
النوع الثاني:
بطاقة الائتمان العادية، وهذه البطاقة تمتاز عن النوع الأول في عدم إشتراط الجهة المصدرة لها، بأن يفتح العميل حسابا ماليا عندها لا يقل عن الحد الأعلى للإئتمان الذي توفره له البطاقة، فالحصول عليها لا يكون منوطا بوجود مثل ذلك الحساب، وعلى هذا فحامل البطاقة إذا اراد استخدامها لشراء السلع أو الخدمة أو غيرها قام بأبرازها للطرف الثالث وهو بعد التأكد على صحتها وافق على تقديم ما اراد حامل البطاقة واخذ توقيعه على الفاتورة ورقم البطاقة وهذه الموافقة ليست من جهة ان حامل البطاقة يحصل على قرض ائتمان مساوي لقيمة السلع والخدمة من الجهة المصدرة اوتماتكيا باعتبار ان صحة القرض منوط بقبض المال المقترض حتى تشتغل ذمته بمثله وهذا الشرط غير متوفر في المقام بل من جهة ان الطرف الثالث كان يعلم بأن الجهة المصدرة متعهدة بأداء قيمة السلع أو الخدمات والحاجيات للطرف الثالث ومسؤولة عنه عند وصول الفاتورة إليها ويحدد الحد الأعلى للتعهد لكل عميل الحد الأعلى من الائتمان الذي توفره له البطاقة المسمى بخط الائتمان وفي هذه الحالة يلتزم حامل البطاقة طبقا لشروط الاصدار
بتسديد كامل مبلغ الفاتورة خلال فترة لا تزيد عن ثلاثين يوما من تاريخ إستلامه لها، وفي حالة المماطلة يقوم المصدر بإلغاء عضوية حامل البطاقة وسحبها منه وملاحقته قضائيا لتسديد ما تعلق بذمته من المبلغ المذكور وأشهر أنواع هذه البطاقات أمريكان أكسبريس.
النوع الثالث:
بطاقة الائتمان القرضية، وتمتاز هذه البطاقة عن النوع السابق في نقطة، وهي إن الائتمان الذي تخلقه هو عدم الزام حامل البطاقة بدفع المبلغ تماما عند تسلمه للفاتورة الشهرية، والغالب الزامه بدفع نسبة ضئيلة منه، ويظل الباقي في ذمته، ويقوم شهريا بدفع فوائد التأخير، وتحسب الفوائد بصفة يومية على المبالغ المتبقية، وأشهر أنواع هذه البطاقة (بطاقة فيزا) وهناك أنواع أخرى من البطاقة الائتمانية التي تستخدم في جهات خاصة، ولكن حيث أنه لا دخل لها في حكم البطاقة من وجهة النظر الشرعية فلا مبرر للدخول في تفصيلاتها، كما إن إمتياز بعض أقسام البطاقات عن بعض أقسامها الأخرى غير دخيل في حكمها كبطاقة فيزا، فإنها على ثلاثة أقسام:
القسم الأول: بطاقة الفيزا الفضية.
القسم الثاني: بطاقة الفيزا الذهبية.
القسم الثالث: بطاقة الفيزا الألكترونية.
وتمتاز الأولى عن الثانية في نقطة، وهي ان الأولى ذات حدود إئتمانية منخفضة نسبيا، والثانية ذات حدود إئتمانية عالية – فإنها إضافة إلى الخدمات المتوفرة للبطاقة السابقة – أمينا على الحياة وخدمات أخرى دولية فريدة، كاولوية الحجز في مكاتب السفر والفنادق والتأمين الصحي والخدمات القانونية، وأما الأخيرة فهي تستخدم في جهة خاصة، وهي أجهزة الصرف الآلي الدولي.
****************
العلاقة بين الجهة المصدرة للبطاقة وبين حاملها
يمكن تفسير هذه العلاقة بأحد أمرين:
الأول:
على أساس الضمان العقد، ونريد به تعهد الجهة المصدرة للبطاقة لأداء ديون حاملها تجاه التاجر الذي يشتري منه حاجياته بابرازه البطاقة له وجعلته في مسؤوليتها، لا نقل الدين من ذمة إلى ذمة، بل الدين قد ظل في ذمة الحامل للبطاقة، والجهة المصدرة جعلت نفسها مسؤولة عن الأداء، فاذا قامت بأدائه وأدتّه أشتغلت ذمة الحامل بنفس المبلغ لتلك الجهة، وبرأت ذمته عن التاجر.
الثاني:
على أساس تعهد الجهة المصدر للبطاقة لقبول الحوالة من حاملها المدين للتاجر الذي أشترى منه السلع والبضائع بابراز البطاقة له، فإنه بعد الشراء يحيله على تلك الجهة، وهي ملزمة بقبولها على أثر تعهدها في عقد البطاقة وإن لم يكن له رصيد مالي عندها، ثم إن الظاهر منهما التفسير الثاني، وعليه فالعلاقة بينهما متمثلة في تعهد الجهة المصدرة بقبول الحوالة من العضو الحامل للبطاقة لثمن المشتريات بها، والإمارة على الحوالة هي توقيع الحامل على القسيمة.
وقد تسأل: هل يمكن أن تكون العلاقة بينهما على أساس الوكالة بأن تكون الجهة المصدرة – وهي البنك – وكيلة عن حامل البطاقة في أداء دينه تجاه التاجر؟
والجواب: الظاهر أنه لا يمكن أن تكون العلاقة بينهما على أساس الوكالة في جميع أنواع البطاقات الإئتمانية.
نعم، إن العلاقة بينهما في النوع الأول من البطاقة الائتمانية، وهو ما إذا كان لحامل البطاقة رصيد مالي عنده لا تبعد أن تكون بنحو الوكالة، بأن
يكون البنك وكيلا عنه في أداء دينه تجاه التاجر من رصيده، وأما في النوعين الآخرين فهي بعيدة وبحاجة إلى مؤنة زائدة.
وقد تسأل: هل يمكن أن تكون العلاقة بينهما على أساس عقد القرض، بأن تقوم الجهة المصدرة بأقراض العميل الحامل للبطاقة بمقدار ما اشتغلت به ذمته تجاه التاجر أوتوماتيكيا، وهذا يعني: ان العميل هل يحصل صرف استخدامه للبطاقة على قرض اوتوماتيكي من الجهة المصدرة؟
والجواب: أنه لا يمكن ان تكون العلاقة بينهما من باب القرض، فان المعتبر في صحة القرض وتحققه أن يقبض المقترض مبلغ القرض، وهذا لا يوجد في شيء من صيغ البطاقة الائتمانية، إلا إذا فرض أن العميل وكل البنك في قبض مبلغ القرض منه وكالة، ثم يؤدي دينه كذلك، ولكن هذا مجرد افتراض وخارج عن مرتكزات المتعاملين بها.
والخلاصة:
أن العلاقة بينهما على اساس التعهد والالتزام من الجهة المصدرة بقبول الحوالة من الحامل في عقد البطاقة، وهذا المعنى هو المتبادر في الأذهان والمرتكز في أعماق نفوسهم، حيث أن العميل عند ما يبرز بطاقته للتاجر، فأنه بعد التأكد من صحتها يحصل له اليقين بأن الجهة المصدرة متعهدة بأداء ثمن البضائع أو الخدمات ومسؤلة أمامه.
**************
2 – العلاقة بين حامل البطاقة والتاجر:
الظاهر ان هذه العلاقة بينهما متمثلة في عقد الحوالة، فإن العميل الحامل للبطاقة عندما يشتري سلعة أو خدمة من التاجر باستخدامه البطاقة تشتغل ذمته بقيمتها له، فيكون العميل حينئذ مدينا والتاجر دائنا، ويقوم العميل المدين عندئذ لعملية الحوالة فيحيل التاجر الدائن على الجهة المصدرة للبطاقة، ويكون توقيعه على الفاتورة المرسلة إلى تلك الجهة يدل على الاحالة والتاجر يقبلها فيرسل الفاتورة الى الجهة المصدرة التي تقوم بدفع المبلغ له، ولا فرق في ذلك بين أن تكون تلك الجهة مدينة لحامل البطاقة أو لا، فإن الحوالة على الثاني وان كانت حوالة على البريء، إلا أن أصدارها البطاقة الائتمانية بمثابة قبولها الحوالة، فعلى كلا التقديرين فهي ملزمة بقبولها الحوالة، وحينئذ فتصبح بموجب هذه الحوالة مدينة للتاجر بديلا عن حامل البطاقة.
ويمكن ان نتصور بان العلاقة بينهما متمثلة في الوكالة، فحامل البطاقة يجعل التاجر وكيلا عنه في الاقتراض من البنك أي: البنك المصدر للبطاقة باسمه، ثم يقوم بتسديد دين الحامل وكالة عنه لنفسه، ولكن هذا التصور بعيد عن أذهان المتعاملين بالبطاقة كما مر.
3 – العلاقة بين التاجر والجهة المصدرة للبطاقة:
هي علاقة المحال والمحال عليه، على أساس ان حامل البطاقة يحيل التاجر على تلك الجهة ويترتب على ذلك كون الجهة المصدرة مدينة للتاجر، وهذا إضافة إلى أن التاجر من عملاء البيع بالبطاقة أو خدمة أخرى، فتكون علاقته بالجهة المصدرة علاقة العميل، ومعنى ذلك:
أنه قبل تمام شروط البطاقة منها أقتطاع الجهة المصدرة من ثمن البضائع عند تسديده بنسبة مئوية محددة.
قد يقال: – كما قيل – إن الفاتورة التي وقع عليها المشتري أي: حامل البطاقة، هي كمبيالة مستحقة الدفع يقوم التاجر بحسمها لدى البنك المصدر فاذن تكون علاقة التاجر مع البنك المصدر علاقة البيع والشراء، فإن التاجر
يقوم ببيع قيمة الفاتورة في ذمة المشتري للبنك نقدا يأقل منها، فيكون من بيع الدين نقدا بالأقل.
والجواب:
أولا: ان الفاتورة ليست من الأوراق التجارية كالكمبيالة، بل هي قائمة فيها قيمة الاشياء المشتريات، وتوقيع المشتري عليها أمارة على الحوالة لا على انها كمبيالة، فإذا لا وجود للبيع والشراء.
وثانيا: مع الاغماض عن ذلك وتسليم انها كمبيالة، ولكن قد مر أن الاظهر بطلان بيع الدين نقدا بالاقل منه، واما اقتطاع البنك من الثمن بنسبة مئوية فهو على أساس القرار بينه وبين التاجر لقاء ما قدمه البنك المصدر من الخدمة له وقبول التاجر ذلك، ولهذا لا إشكال فيه شرعا.
*****************
العمولة على البطاقات الإئتمانية وتخريجاتها الفقهية:
من حق الجهة المصدرة للبطاقات الائتمانية وتوفيرها للعملاء المستثمرين ورجال الأعمال والسياح أن تتقاضى عمولة لقاء قيامها بهذه الخدمة القيمة التي هي أمان للإنسان على ماله ونفسه، ولا يحتاج مع وجودها إلى حمل أي نقود معه، مع أن ما في حمل النقود من خطر السرقة والضياع وعوائق و متاعب أخرى، وإنها توفر له الراحة والطمئنينة والثقة، وتسهل له الحصول على ما يرغب إليه من شراء سلعة أو خدمة او نقود إذ ليس عليه حينئذ إلا إبراز البطاقة للتاجر.
ويمكن تخريج هذه العمولة من الناحية الشرعية بأحد وجوه:
الأول:
أن تكون من باب أجرة المثل، على اساس أن تزويد العميل بالبطاقة انما كان بامره وطلبه من ناحية، وعدم تحديد الاجرة في عقد من ناحية أخرى.
الثاني:
ان تكون من باب الجعالة، بمعنى: إن العميل يجعل أجرا وجعلا للمصدر لقاء قيامه بهذه الخدمة، بأن يقول له ان زودتني بالبطاقة الائتمانية فلك كذا مبلغا من المال في راس كل شهر، وحينئذ فإذا قام وزوده بالبطاقة استحق الجعل حسب ما عين وحدد.
وبكلمة: ان استحقاق الجعل المحدد في الجعالة ليس في الحقيقة إلا بملاك ضمان عمل غيره بأمره به لا على وجه التبرع، فإذا امرت الخياط مثلا بان يخيط ثوبك كذا او الكاتب بان يكتب لك الدفتر الفلاني، فاذا خاط أو كتب فعليك قيمة عمله من الخياطة او الكتابة، بمعنى: ان ذمتك تشتغل باجرة المثل، وهذا قسم من الضمان الغرامة في الاعمال على حد ضمان الغرامة في الاموال، وفي هذه الحالة بامكانك ان تحول اجرة المثل منذ البدء الى مقدار محدد، فتقول: من خاط ثوبي الفلاني فله دينار، وحينئذ فيكون الضمان بمقدار ما حدد في هذا الجعل، ويسمى هذا جعالة، فالجعالة في الحقيقة تنحل إلى جزئين:
أحدهما: الامر الخاص أو العام بالعمل الذي له قيمة.
والاخر: تعيين مبلغ معين بازاء ذلك، فالجزء الأول من الجعالة هو ملاك الضمان، أي: ضمان الغرامة لا الضمان المعاوضي.
والجزء الثاني يحدد قيمة العمل المضمون، فاجرة المثل هي الاصل في الضمان مالم يحصل الاتفاق على غيرها، وعلى هذا الاساس فان عين العميل الاجرة للجهة المصدرة لقاء تزويده بالبطاقة ضمن نفس الاجرة المحددة، وإلأ فأجرة المثل.
الثالث:
انها عوض في المعاقدة بينهما بالتراضي، فانهما يتفقان على ان تقوم الجهة المصدرة باصدار البطاقة له وتزويده بها مقابل مبلغ محدد بنسبة مئوية في رأس كل شهر، ولا بأس بهذه المعاقدة بينهما شرعا فانه وان لم ينطبق عليها شيء من العناوين الخاصة للمعاملات، الا أنه يكفي في صحتها شرعا عموم قوله تعالى:((إِلاّٰ أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ)) على اساس ان عنوان التجارة عن تراض يصدق عليها.
وقيل أنه لا يجوز شرعا استخدام هذه البطاقات، بدعوى: ان المبالغ التي تحصل عليها الجهة المصدرة للبطاقة، كالبنك او الشركة بطريق الحسم من اثمان البضائع والخدمات عند سداد قيمتها عن اصحابها، ما هي في الحقيقة الا فائدة يدفعها حامل البطاقة الى الجهة المصدرة وهذه الفائدة تعتبر مقابلا لاقراض الجهة المصدرة المبلغ له بالسداد نيابة عنه الى ان يقوم الحامل بدفع القرض لها، وهذه فائدة ربوية محرمة.
والجواب: ان اقتطاع مصدر البطاقة عن اثمان البضائع والخدمات عند سداد قيمتها بنسبة 2% إلى 4% ثم أخذ هذه النسبة من حامل البطاقة ليس بملاك فائدة على الدين، لان حامل البطاقة وان اصبح مدينا للجهة المصدرة اذا لم يكن له رصيد مالي لديها عندما قامت الجهة لدفع اثمان البضائع والخدمات للتاجر، سواء أكان قيامها لذلك بالوكالة والنيابة عنه ام بالحوالة عليها، ولكنه مدين بقدر ما دفعته الى التاجر دون الزائد، واما اخذ الزائد فهو ليس بعنوان الفائدة على الدين، بل من اجل تزويده بالبطاقة وحصوله عليها، حيث انها خدمة كبيرة له.
وبكلمة: ان تقديم البنك او الشركة البطاقة للعميل ليس على وجه التبرع، بل لقاء ما أقتطعه من اثمان السلع والخدمات بنسبة مئوية محددة، والعميل يأخذها في مقابل ذلك، وهذا هو المرتكز في اذهان المتعاملين من بطاقات الائتمان، فاذن ما اقتطعته من الاثمان ليس فائدة على الدين، هذا اضافة الى ان ذلك لا يتم اذا كان للعميل رصيد مالي لدى المصدر إذ حينئذ لا موضوع للدين هذا من ناحية، ومن ناحية اخرى إن الظاهر من استخدام العميل البطاقة لشراء السلع او الخادمات او الحصول على النقود من الطرف الثالث، هو احالته على المصدر من باب احالة الدائن على المدين أو على من تعهد بقبول الحوالة لا التوكيل والاستنابة في اداء الدبن عنه.
والحاصل: إن الظاهر والمرتكز في الذهن ان استخدام العميل البطاقة في شراء السلع او الخدمات او غير ذلك من الطرف الثالث، احالة لذلك الطرف اتوماتيكيا على الجهة المصدرة في اخذ اثمان البضائع والخدمات منها بلا فرق في ذلك بين ان يكون له رصيد مالي عندها أو لا باعتبار ان معنى تزويدها العميل بالبطاقة تعهد منها بتسديد الاثمان وان لم يكن للعميل رصيد مالي لديها، ونتيجة ذلك ان العميل اذا استخدم البطاقة لشراء البضائع او الخدمات واشتراها ووقع على فاتورة المشتريات، فهذه منه حوالة على تلك الجهة تلقائيا.
والخلاصة:
ان المرتكز من البطاقات الائتمانية والتعامل بها ان الزيادة انما هي في مقابل تمتع العميل بالبطاقة لا في مقابل الدين.
نعم، هنا اشكال في خصوص النوع الثاني من البطاقة الائتمانية والنوع الثالث، اما في النوع الثاني فلان حاملها ملتزم بدفع ما عليه من اثمان البضائع او الخدمات خلال ثلاثين يوما والا تقوم الجهة المصدرة بالغاء عضويته في البطاقة الائتمانية وملاحقته عند اجهزة القضاء والامن لارغامه على الدفع، وتنص عقود هذا النوع من البطاقات على ان العضو ملتزم بدفع الفوائد على المبالغ المتأخرة ابتداء من تاريخ الغاء عضويته، وهذا شرط ربوي.
واما في النوع الثالث فعقده لا يوجب الزام العميل بدفع ما عليه من الديون خلال ثلاثين يوما عند تسلمه الفاتورة الشهرية ولكنه ملزم بدفع فائدة
على التاخير، وتحسب الفوائد يوميا على المبالغ المتبقية على ذمة العميل وهذا ربا.
وقد تسال: هل يمكن تخريج ذلك فقهيا من الناحية الشرعية أو لا؟
الجواب: يمكن ذلك بأحد وجهين:
الأول:
ان البنك المصدر يجعل العميل في عقد البطاقة وكيلا عنه في شراء السلع او الخدمات على ذمته، ثم يقوم ببيعها وكالة عنه على نفسه، ويشترط في ضمن هذا البيع على نفسه من قبل البنك وكالة ان يدفع له دينارا في راس كل شهر يتاخر فيه عن دفع الثمن، ولا مانع من ذلك لانه ليس ربا فان الزامه بدفع الدينار انما هو بحكم البيع لا بحكم عقد القرض وليس في مقابل الاجل.
نعم لو شرط ان يكون له دينار في مقابل التاجيل بنحو شرط النتيجة لم يصح، لانه من اشتراط الربا.
وبكلمة: كما يمكن للبائع ان يشترط على المشتري ان يهب له دينارا في كل شهر إلى ستة اشهر مثلا، كذلك له ان يشترط عليه ان يدفع له دينارا في كل شهر يتأخر فيه عن دفع الثمن، ثم ان هذا التخريج الفقهي مبني على ان يشترط العميل على البنك في عقد البطاقة ان يكون وكيلا عنه في شراء البضائع او الخدمات بالبطاقة على ذمته، ثم يبيعها على نفسه وكالة منه، والا فلا تخريج له شرعا.
الثاني:
ان البنك المصدر يتعهد في ضمن عقد البطاقة ان لا يقبل الحوالة من العميل اذا لم يكن له رصيد مالي عنده الا لقاء عمولة يقتطعها من الفاتورة الشهرية بنسبة مئوية لا مجانا، إذ من حقه ان لا يقبل بدون عمولة اذا كان بريئا، واما اذا كان مدينا للعميل، فهو ملزم بقبول الحوالة شرعا، ولا يجوز له ان يتقاضى عمولة لقاء عملية اداء الدين، فانها وظيفة المدين وهو ملزم بها شرعا وان استلزمت مزيد جهد وانفاق عمل، واما اذا كان البنك وكيلا عن العميل في تسديد ديونه، فله ان لا يقبل الوكالة عنه الا لقاء عمولة محددة، حتى فيما اذا كان له رصيد مالي عنده اذ لا يكون ملزما بقبول الوكالة
عنه في اداء دينه لدائنه ولو من ماله عنده مجانا، ولكن هذا الوجه لا يدفع الاشكال عن اشتراط الفوائد على تاخير الديون المتبقية على ذمة العميل، لانه من اشتراط الربا، وانما يدفع الاشكال عن ذلك، على اساس امكان تبديل ذلك باخذ تلك الفائدة بعنوان العمولة لقاء قبول الحوالة أو الوكالة، ويمكن تخريج ذلك فقهيا بالنسبة الى خصوص تعامل حامل البطاقة بها فحسب دون مصدرها، فانه يجوز للعميل الدخول في عضوية عقود البطاقة واشتراكه فيها وحصوله عليها إذا كان ملتزما بالدفع خلال الفترة المسموح بها، أو كان له رصيد مالي عند المصدرلا يقل عن الحد الأعلى من الإئتمان الذي توفره له البطاقة.
واما اذا كان العضو الحامل غير ملتزم بالدفع خلال الفترة المسموح بها فهل يجوز له الدخول في عضوية عقد البطاقة في النوع الثالث من البطاقات الائتمانية أو لا؟
والجواب: أنه لا مانع من دخوله فيها وحصوله على البطاقة والتعامل بها، وأما اشتراط المصدر الفائدة على تأخير الدين الثابت في ذمته فهو وان كان شرطا ربويا، إلا أن بأمكان حامل البطاقة عدم الالتزام به، بل وظيفته ذلك وفساده لا يوجب فساد العقد حتى لو قلنا بأن الشرط الفاسد مفسد، فإن هذا الشرط ليس شرطا للعقد أي: عقد البطاقة الواقع بين المصدر والعميل، بل هو اشتراط فائدة محددة على تأخير الدين على ذمة العميل عن الفترة المسموح بها، هذا نظير من باع داره مثلا من شخص واشترط عليه أن يكون له مبلغ من المال في مقابل تأجيل الثمن بنحو شرط النتيجة، فان فساد هذا الشرط لا يرتبط بالبيع أصلا، لأنه لا يكون من شؤون البيع ولا من شؤون المبيع ولا الثمن، بل هو شرط بازاء التأجيل والتأخير للثمن، وحيث أن هذا الشرط فاسد، فلا يكون العميل ملزما به شرعا نعم هو مجبور بالعمل بهذا الشرط بمعنى انه يفي به بعنوان أنه مجبور لا بعنوان الشرط أو يتبرع به ولو بداعي أن لا تلغي الشركة المصدرة عضويته في عقد البطاقة، وفي هذه الحالة فلا شيء عليه.
نتيجة بحوث البطاقات الائتمانية:
النتائج من وجهة النظر الشرعية أمور:
الأول: أنه يجوز للعميل ان يدخل في عضوية عقود البطاقة والحصول عليها بدون فرق في ذلك بين أنواعها.
الثاني: ان من حق الجهة المصدرة للبطاقة ان تتقاضى عمولة من العميل لقاء قيامها بعملية تزويده بالبطاقة، لأنها خدمة، فلا يجب عليها القيام بها مجانا وبدون أجرة.
الثالث: ان الاجرة التي تتقاضاها لا تخلو من ان تكون من باب أجرة المثل، على اساس ان تزويد العميل بها إنما هو بأمره وطلبه، وهو يوجب الضمان بها أو من باب الجعالة أو المعاقدة أوالمصالحة على ما تقدم شرحه.
الرابع: ان الزيادة التي تأخذها الجهة المصدرة من حامل البطاقة ليست فائدة على الدين كما مر، بل هي أجرة لما قدمته من الخدمة له، فإذا لا ربا.
الخامس: ان الفائدة على تاخير الدين عن المدة المقررة وان كانت ربا، الا ان بامكان حامل البطاقة عدم الالتزام بهذا الشرط الباطل، وهذا لا يضر بصحة عقد البطاقة الواقع بينه وبين الجهة المصدرة، وحينئذ فان أجبر على دفعها فلا شيء عليه، وإلا لم يجز إلا بعنوان الهبة والتبرع.
السادس: يجوز للجهة المصدرة للبطاقة ان تقطع من اثمان البضائع والسلع والخدمات عند تسديدها للتاجر بنسبة مئوية محددة، على أساس قبوله والتزامه بشروط البطاقة حيث لا يجب عليه ذلك مجانا كما تقدم.
السابع: ان المتحصل من كل ذلك، أنه لا مانع شرعا من التعامل بالبطاقات بانواعها واستخدامها في لسفر والحضر في اقسام المعاملات والخدمات السائغة من الناحية الشرعية.
***************
السهم وتعريفه:
هو أوراق مالية ذات قيمة إسمية محددة تكتب عليها، وهي تعادل حصة من رأس المال للشركة.
الشركة المساهمة:
هي التى تتكون من رؤوس أموال محددة تقسم إلى أسهم عديدة، ولهذه الأسهم خصائص مميزة منها تساوي قيمتها حسب ما يحددها قانون الشركة، و منها تساوي حقوقها، ومنها أن مسؤولية كل مساهم بقدر قيمة أسهمه، ومنها قابليتها للتداول في الأسواق، ويتم تداولها وفق أنظمة وإجراءات محددة في الأسواق المالية ((البورصة)).
ويترتب على ملكية الأسهم حقوق وإلتزامات، منها حق بقاء مالكها في الشركة، ومنها حق الأولوية في الإكتتاب، ومنها حق اقتسام موجودات الشركة، ومنها حق التدخل في قرارات الشركة، ومنها غير ذلك.
أقسام الشركة المساهمة:
القسم الأول:
الشركة المساهمة التي رأس مالها حلال، وتتعامل بالحلال بكل نشاطاتها الإستثمارية، على أساس أن نظامها التأسيسى ينص على أنها تتعامل في حدود دائرة الحلال، وذلك كشركة الكهرباء المساهمة، وشركة السمنت والزراعة والمعادن والنفط والصناعة التوليدية وغيرها، شريطة أن تقتصر تلك الشركات على أعمالها الإستثمارية في حدود دائرتها المحللة، ولا تتعامل بالربا اقراضاً و اقتراضاً ولاغيره من الأعمال المحرمة.
القسم الثاني:
الشركة المساهمة التي يتكون رأس مالها من الحرام، أو مخلوطاً به، و تتعامل على الحلال والحرام كتوليد الخمور و بيعها والربا وغير ذلك، ولا تتقيد بالتعاملات المحللة.
القسم الثالث:
الشركة المساهمة التى يتكون رأس مالها من الحلال، ولكنها لا تتقيد على أن تتعامل بالحلال لا بالحرام.
المشاركة في تلك الشركات من الناحية الشرعية:
يجوز المشاركة والمساهمة في القسم الأول من الشركات المساهمة باكتتاب اسهمه وشرائها والإستفادة من الأرباح التي تحصل الشركة عليها.
وما قيل من: إن الأسهم بما أنها جزء من النظام الرأس مالي فلا تتفق جملة وتفصيلاً مع الإسلام غريب جداً، وذلك لأن المراد من النظام الإقتصادي الرأس مالى، هو أن لا يتقيد بحدود دائرة الشرع التي يتبناها الإسلام بنصوصه التشريعية المستمدة من الكتاب والسنة، والمراد من النظام الإقتصادي الإسلامي هو ما يتقيد بحدود دائرة الشرع التي يتبناها الإسلام في جميع نشاطاته الإقتصادية إنتاجية كانت أم تبادلية، ولايعترف بأي نشاط إقتصادي خارج عن هذه الدائرة، ولهذا قد ألغى الإسلام التعامل بالربا بكل ألوانه عن الإقتصاد الإسلامي نصاً وروحاً، وكذلك التعامل بالخمور وإنتاجها ولحوم الميتة والخنزير وغيرها.
وعلى هذا فيجوز المشاركة في شراء أسهم القسم الأول من الشركات المساهمة.
فإذا اشترى أسهماً منها صار شريكاً في جزء من رأس مالها تلقائياً.
وأما المشاركة في القسم الثانى من الشركات المساهمة فقد يقال كما قيل أنها لاتجوز على أساس أن اكتتاب أسهمها وشرائها، والدخول في عضويتها تلقائياً والإستفادة من الأرباح والفوائد التي تحصل الشركة عليها جميعاً من التعامل، والإنتفاع بالمال الحرام، أو المخلوط به وهو غير جائز.
والجواب: التحقيق في المقام أن يقال: أنه لامانع من التعامل مع أسهم الشركات المساهمة كافة بلافرق بين الشركات التي تتقيد بحسب أنظمتها وقراراتها التقليدية الصارمة بالمعاملات المشروعة، ولاتتجاوز عن حدودها إلى المعاملات المحذورة في الشريعة المقدسة، والشركات التي لاتتقيد بذلك بحسب أنظمتها التقليدية، وأنها حرة في تعاملاتها وتبادلاتها بالحلال والحرام، وذلك لأن بطلان المعاملات، كمعاملة بيع الخمور والميتة ولحم الخنزير ونحوها، لايساوق عدم جواز التصرف في أثمانها فإن جواز التصرف فيها منوط برضا المشتري، والمشتري الذي يقدم على شراء هذه الأعيان المحذورة يرضى بتصرف البائع فيها مطلقاً، وإن كان البيع باطلاً شرعاً. لأنه لايتقيد بالشرع، وإلاّ لم يقدم على شرائها، بل هو مقيد بنظام السوق، وفي نظام السوق يجوز التعامل بها.
وحينئذ فإن كان رأس مال الشركة يتكون من أثمان هذه الأعيان و غيرها، فهو حلال ولا إشكال فيه، وعلى هذا فيجوزشراء أسهم هذه الشركات بكل أنواعها وأقسامها فإن شراءها وإن كان موجباً لصيرورة المشتري عضواً فيها و شريكاً بدرجة ثانية تلقائياً، لأنه في الحقيقة قد اشترى جزء من رأس المال للشركة باعتبار أن السهم اسم له ولا موضوعية له غير هذا، ولكن لامانع من ذلك إذا كان راس مالها حلالاً كما هو المفروض، هذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى، إن إيقاع المعاملات في هذه الشركات و تداولها، إنما هو من قبل الأعضاء الأصليين لها الذين هم قاموا بتأسيسها و إنشائها دون الأعضاء الفرعيين، وهم الذين قاموا باكتتاب أسهمها وتبادلها بالبيع والشراء في الأسواق والبورصات، فإنه لاصلة لهم بتلك المعاملات لا بالأصالة ولا بالوكالة.
هذا إضافة إلى أن حرمة كثير من المعاملات المحرمة، حرمة وضعية لاتكليفية وقد تقدم أنه لا أثر لها بعد وجود التراضي.
فالنتيجة، في نهاية المطاف أن التعامل بالسهام بشتى أنواعه وأشكاله في الأسواق المالية بالبيع والشراء بكل أشكالها، كالتعامل بسائر السلع فيها كذلك، بلافرق بين أن تكون السهام من الشركات التي تتقيد في تعاملاتها بالحلال والشركات التي لاتتقيد فيها بالحلال.
وأما القسم الثالث من تلك الشركات فهل تجوز المساهمة والمشاركة فيها أم لا؟
والجواب: قد ظهر مما تقدم أنه يجوز المساهمة والمشاركة فيه.
ودعوى، أن الشركات في هذا القسم لاتتقيد بحسب قوانينها التقليدية الصارمة بالتعامل بالمعاملات المحللة… الخ.
وهذه الدعوى مدفوعة ولا أساس لها ضرورة أنه لامانع من المساهمة والمشاركة في هذا القسم من الشركات أيضاً باكتتاب أسهمها وتبادلها بالبيع والشراء في الأسواق المالية، فإن اكتتاب الأسهم وإن كان موجباً لجعل المكتتب عضواً و شريكاً في الشركة تلقائياً باعتبار أنه اشترى في الحقيقة جزءاً من رأس مالها، ولاموضوعية للسهم غير كونه إسماً له، ومع ذلك قلنا: أن رأس مالها حلال، وذلك من جهة التراضي الموجود بين جميع المكتتبين والمستثمرين في هذه الشركات كافة من البداية إلى النهاية، لأن كل واحد منهم يرضى للآخر بالتصرف في ماله على ضوء العقود المتداولة بينهم في الأسواق المالية البورصات، وإن كانت تلك العقود باطلة من وجهة نظر الشرع.
وعلى هذا الأساس فالمشتري للسهام قد اشترى جزء من رأس مال الشركة باعتبار ان رأس مالها حلال على اساس التراضي وان كان تعاملها بالمعاملات المحرمة.
قد يقال كما قيل: أن هذا صحيح إلاّ أن المشترى بشراء السهام، حيث إنه أصبح عضواً في الشركة فعندئذ يكون طرفاً للمعاملات الواقعة فيها، منها المعاملات المحرمة المحذورة كبيع الخمر ولحم الخنزير والميتة والربا و نحوها.
والجواب: أولاً، أن القائم بإيقاع هذه المعاملات في الشركات المذكورة إنما هو الأعضاء الأصليين الذين هم أسسوا هذه الشركات وأنشأوها دون الأعضاء الفرعيين، وهم المكتتبون للسهام فإنه لا صلة
لهم بتلك المعاملات لا بالأصالة ولا بالوكالة.
وثانياً، إن حرمة أكثر هذه المعاملات وضعية، وهي لاتؤثر في حرمة التصرف في أثمان تلك الأعيان المحذورة، لأن حرمة التصرف فيها منوطة بعدم رضاء المشتري بالتصرف فيها في فرض بطلانها والمفروض أنه راض به مطلقاً وإن كانت تلك المعاملات باطلة من وجهة نظر الشرع، فإن
المناط أنما هو ببطلانها من وجهة نظر العقلاء، والمفروض أنها صحيحة من وجهة نظرهم، لأنها من العقود العقلائية المتعارفة في تلك الأسواق، وتكون على طبق أنظمة السوق وهي لاتتقيد بالتعامل من طريق الحلال، فإنها كما تتعامل من هذا الطريق تتعامل من طريق الحرام أيضاً، ولكن لا مانع من شراء أسهمها بغرض العضوية والمساهمة فيها والإستفادة من أرباحها التي تحصل عليها في الاسواق بالبيع والشراء وعليه فإذا اشترى سهماً منها وان كان قد اشترى جزءاً من رأس مالها فانه حلال بالتراضي بين المساهمين في هذه الشركة كافة باعتبار ان جميع تعاملاتهم في الاسواق على اساس انظمة السوق الصارمة لا أنظمة الشرع.
وبكلمة قد تقدم انه يجوز اكتتاب اسهم جميع الشركات المساهمة سواء أكانت متقيدة في تعاملاتها بالحلال أم لا وسواء أكان اكتتابها وشرائها بغرض العضوية والمساهمة أم لا حيث ان المكتتب باكتتابها قد أصبح عضوا لها تلقائياً وان لم يكن قاصداً لها بل وان كان غافلاً عنها حين الاكتتاب والشراء.
وعندئذٍ يكون شؤيكاً في جميع معاملات الشركة المتداولة في الاسهم وفوائدها ولو في فترة قليلة.
إن الشركة بموجب قراراتها التقليدية وان كانت غير مقيدة بالمعاملات والإتجارات في الحدود المسموح بها شرعاً إذ كما أنها تقوم بالمعاملات والإستثمارات في هذه الحدود كذلك تقوم بها في الحدود غير المسموح بها شرعاً كالإتجار بالخمور والميتة ولحم الخنزير
والربا، فإن حرمة هذه المعاملات وإن كانت وضعية فقط وليست
بتكليفية غير الربا فإن حرمته تكليفية ووضعية معاً إلاّ أنه لا مانع من المساهمة والمشاركة في هذه المعاملات والاستثمارات والاستفادة من ارباحها وفوائدها على اساس التراضي الموجود بين المتعاملين فيها وشرعاً عدم تقييدهم بصحتها وعدم بطلانها شرعاً.
***************
نقسم سوق الاوراق المالية إلى قسمين:
السوق غير المنظم:
ويطلق عليه السوق غير الرسمي أو السوق المفتوح أو سوق فوق الحاجز، وكل ذلك تعبيرات عن شيء واحد، وهو السوق غير الخاضع للنظم، ولا تتوفر فيه كفاءة التداول من حيث عدالة الاسعار، فان لسلوكيات الوسطاء والسماسرة والمستثمرين والمضاربين تاثير كبير في تحديد الاسعار هبوطا وصعودا، وفي عدم الموازنة بين العرض والطلب.
السوق المنظم:
وهو ما يعرف (بالبورصة) حيث انها سوق منظم للأوراق المالية، ومكان تنعقد في ردهته صفقات تداول الاسهم والسندات وتبادلها بالبيع والشراء بطريقة منظمة، ويتم فيها تداول الاسهم والسندات المسجلة بها فقط لا مطلقا، ويكون تداولها خاضعا لقوانين واجراءات رسمية، وفي اوقات محددة، ويتم التداول فيها بواسطة الوسطاء المتخصصين المسجلين لدى ادارة السوق بالتعامل في هذه الاسواق كالسماسرة ونحوهم، حيث انهم يقومون بتنفيذ اوامر عملائهم بيعا وشراءا، ويكون التداول فيها بشكل علني وبصورة مسموعة ومقروءة، ويتم التداول فيها بدون ان يكون هناك تماس بين السماسرة والعملاء، وتشرف على نشاطات السوق هيئة رقابة متخصصة، ومن اجل ان للبورصة هذه المزايا والخصوصيات تكون سوقا مثاليا لبيع وشراء الاسهم والسندات المالية، وحيث انها تخضع لرقابة شديدة فتستبعد امكانية تواجد اتفاقات سرية وحدوث سلوكيات غير قانونية، كالتلاعب بالاسعار واستغلال المعلومات.
ثم ان المستثمر يستعين باحد الوسطاء لتحقيق رغبته في التعامل بالاسهم بافضل الشروط في وقت مناسب، والوسيط – بحكم عمله وتخصصه والمامه باوامر العرض والطلب المتاحة له في السوق – يمكنه ان يحقق امال المستثمر بالبيع أو الشراء، ومن هنا كان لكل سوق من اسواق الاوراق المالية وسطاء (سماسرة) سواء أكان من البورصات ام كان من الاسواق فوق الحاجز والوسيط يتمثل في الشخص المصرح له الاذن بممارسة تداول
الاسهم والسندات لحساب عملائه، وقد يكون الوسيط همزة وصل بين المستثمرين والسماسرة، وقد يمارس مهمة السمسرة احيانا، والمستثمر له حرية اختيار الوسيط وتحديد الشروط والاسعار التي يرغبها لاجراء التداول، ولا يجوز له التعدي عما حدده المستثمر من الشروط والاسعار.
نعم، انه قد يعول الاختيار وتحديد الاسعار للوسيط لثقته فيه، وعلى هذا الاساس فان العملاء الذين يرغبون في التعامل بالاوراق والاسهم المالية يتصلون بالوسطاء كالبنك اما بالهاتف او الانرنيت أو الفاكس ويصدرون اوامر البيع وشراء الاسهم اليهم، والبنك بعد التأكد وتحصيل الاطمئنان والوثوق بالمسألة ووجود ارصدة لهم عنده يقبل التوسط، ويبدا بالاتصال بالبورصة للوقوف والاطلاع على سير الاسعار، فاذا كانت الاسعار بالنحو المرغوب فيها للعميل، قام بانجاز شراء الاسهم والاوراق المالية او البيع من طريق سماسرة او ممثل خاص له.
وبكلمة: ان المستثمر اذا رغب التعامل بالاوراق والاسهم المالية في السوق المنظم (البورصة) فبما انه ليس بامكانه ذلك عن طريق مباشر فيلتجئ الى ذلك من طريق الوسطاء (السماسرة) الذين هم مرخصون في القيام بتنفيذ اوامر عملائهم بيعاً وشراءاً فيه على ضوء الشروط المحددة.
نعم بامكانه التعامل بالأسهم في السوق غير المنظم والمفتوح من طريق مباشر بدون وسيط، كما ان هناك سوقاً آخر يتم فيه تداول الاسهم في شركات الاستثمار بطريق مباشر، ولا يتقيد بان يكون من طريق الوسطاء.
*****************
عملية تداول اسهم القسم الأول
من الشركات المساهمة: يمكن تخريج هذه العملية فقهيا وتطبيقيا على العقود الشرعية بما يلي:
الوجه الأول:
ان يتم تداول الاسهم في السوق المالي او البورصة بين المتعاقدين عاجلا، بان يلتزم كل منهما بتنفيذ العقود بينهما حالا بتسليم البائع الاسهم المالية والمشتري ثمنها أو في مدة لا تتجاوز اليوم. وفي هذه الحالة قد يحتفظ المشتري بها بأمل تحسن وضع السوق وارتفاع الاسعار، فاذا ارتفعت قام ببيعها ويحقق بذلك ربحا، وقد يخسر لانخفاظ الاسعار بسبب قلة الطلب وكثرة العرض، وعلى كل حال فهذا بيع عاجل بكامل الثمن والمثمن.
الوجه الثاني:
ان يتم العقد بين المتعاقدين في السوق بتسليم المثمن، وهو الاسهم، بعد شهر مثلا، وتسلم الثمن عاجلا وفي هذه الحالة اذا تم العقد بينهما، فعلى المشتري ان يقوم بتسليم الثمن الى البائع حالا، وعلى البائع ان يقوم بتسليم الاسهم عند حلول الاجل، وهذا يكون من بيع السلم ولا اشكال في صحته.
الوجه الثالث:
ان العقد يتم بينهما في اسواق البورصة بتسليم الثمن بعد شهر وتسليم المثمن عاجلا على عكس الاول، وعندئذ فيجب على البائع ان يقوم بتسليم المثمن وهو الاسهم الى المشتري حالا وعلى المشتري ان يقوم بتسليم الثمن إليه عند حلول الموعد، وهذا يكون من عقد النسيئة، ولا ريب في صحته شرعا.
الوجه الرابع:
ان تتم المبادلة بين الثمن والاسهم بتسليم كل منهما بعد فترة زمنية محددة، كشهر أو شهرين أو ثلاثة أشهر، وحينئذ فعلى كل من المتعاقدين ان يقوم بالتسليم والتسلم وتصفية الحساب في الموعد المعين المتفق عليه.
وقد تسأل هل يمكن الحكم بصحة هذه المبادلة والمعاقدة على الرغم من أنه لا يصدق عليها عنوان عقد السلم ولا النسيئة أو لا؟
والجواب: نعم، يمكن الحكم بصحتها، على أساس أن صحة العقد لا تتوقف على أن يكون من أحد العقود الخاصة في الشريعة المقدسة، بل يكفي في صحته ومشروعيته إنطباق عنوان عام التجارة عن تراض عليه، والمفروض إنطباق هذا العنوان على المبادلة المذكورة، وبذلك تكون مشمولة لإطلاق قوله تعالى:((لاٰ تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ إِلاّٰ أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ)) فإذا لا مانع من الحكم بصحتها.
وبكلمة: إن نصوص إمضاء المعاملات من الكتاب والسنة على نوعين:
النوع الأول:
ما يدل على إمضاء المعاملات بعناوينها الخاصة، كالبيع والصلح والإجارة والمضاربة ونحوها.
النوع الثاني:
ما يدل على الإمضاء بعنوان عام، كعنوان العقود والتجارة عن تراض، وحيث أن ذلك العنوان العام يصدق على هذه المعاملة، فهي محكومة بالصحة شرعا، لأنها معاملة مستقلة ومشمولة لأطلاق الآية الشريفة.
وقد تسأل: هل للبائع أو المشتري أن يجعل لنفسه خيار التنازل عن حق الأجل أو لا؟
ونتيجة ذلك: إن المشتري عندما يرى مؤشرات لهبوط الاسعار في السوق، فيتنازل عن حق الأجل، ويطلب من البائع تسليم الأسهم المالية المتفق عليها، وحينئذ فإن كانت الأسهم موجودة عنده قام بتسليمها إلى المشتري،
وإلا فيضطر إلى شرائها من السوق بسعر العاجل، والمشتري يقوم ببيعها قبل موعد التصفية عن طريق وسيط، وأما البائع فعندما يرى مؤشرات لإرتفاع الأسعار في السوق فيتنازل عن حق الأجل ويطلب من المشتري تسليم الثمن المتفق عليه، فإذا تسلم البائع الثمن قام بشراء الأسهم من السوق بسعر العاجل.
والجواب: أنه لا مانع من جعل كل من البائع والمشتري هذا الخيار لنفسه في ضمن العقد، فإذا جعل كان متمتعا به، وله أن يقوم بأعماله.
وقد تسأل: هل يجوز لكل من البائع والمشتري ان يجعل لنفسه الخيار في عدم تنفيذ المعاملة التي تمت بينهما آجلا، وفسخها مقابل مبلغ من المال يتم عليه الاتفاق أو لا؟
والجواب: نعم، يجوز ذلك ولا بأس به.
الوجه الخامس:
يجوز شراء الأسهم معجلة بسعر ومؤجلة بسعر آخر، كما هو الحال في سائر السلع والبضائع.
الوجه السادس:
إن شراء الأسهم قد يكون بكامل الثمن، بأن يدفع المستثمر تمام قيمة الأسهم المالية إلى البائع، وهذا النوع من المعاملة قليل التداول في الأسواق والبورصات، إذ الغالب فيها التأجيل، فالذي يجري في أكثر تلك الأسواق، هو ان المستثمر يفتح حسابا مع الوسطاء كالسماسرة، مثل الحساب الجاري في البنك و يودع فيه الأسهم، والأوراق المالية لصالحه، ويودع الوسيط ما يحصل للمستثمر من الارباح والفوائد في حسابه، وحكم هذا النوع اذا كان الشراء بكامل الثمن أو من حسابه الجاري عند الوسطاء هو الصحة.
وقد يكون الشراء بجزء من الثمن، بأن يدفع المشتري جزءاً من الثمن للبائع ويستدين الباقي من السماسرة أو من مصادر أخرى لهذا الغرض، والجزء الذي يعين على المستثمر توفيره من الاول لشراء الاسهم يطلق عليه بالهامش، وتختلف نسبة الهامش من بورصة إلى بورصة أخرى بل في بورصة واحدة تختلف من فترة إلى اخرى، بل وقد تمثل النسبة في بورصة أو في فترة من بورصة واحدة 60% من قيمة السهام، وقد تمثل 40% من
قيمة السهام وهكذا، مثال ذلك مستثمر اشترى مائة سهم كل سهم بمائة دولار مثلا، ودفع للسماسرة ستة الآف دولارا فقط، واقترض منهم أو من مصدر آخر الباقي من الثمن وهو أربعة الآف دولاراً مع الفائدة، وحينئذ يحتفظ السماسرة بالأسهم رهينة على الدين، فالهامش الابتدائي في المثال هو 60%، وإذا انخفضت الاسعار واصبحت قيمة كل سهم ثمانين دولارا، صارت قيمة مجموع السهام ثمانية الاف دولار، ارتفعت نسبة القرض من السماسرة الى مجموع الثمن 50% والهامش 50%، فما هو حكم هذا النوع من الشراء من الناحية الشرعية؟
والجواب: ان حكمه الجواز من وجهة النظر الشرعية، إذ لا مانع من التداول بالأسهم بهذه الطريقة والكيفية في أسواق المال والبورصات شرعا، وان كانت الأسهم من أسهم الشركات التي لاتتقيد بتعاملاتها بالحلال كما مر.
نعم يحرم عليه الاقتراض بالفائدة، لأنه ربا ومحرم.
الوجه السابع:
البيع القصير, ونريد به بيع أسهم في فترة قصيرة, حيث يتم شراؤها مرة أخرى.
بيان ذلك: أن المستثمر عندما يتوقع ويتكهن بسبب أو آخر ارتفاع أسعار الأسهم في السوق في وقت لاحق, فيقوم باقتراض عدد من الأسهم من الشركات أو مثيلاتها في السوق بواسطة الوسطاء ويحتفظ بها, فإذا ارتفعت أسعارها وتحققت توقعاته قام ببيعها بالسعر السائد في السوق, ثم يعيد شراءها منه عندما انخفضت الأسعار, وبعد ذلك يرجع السهام إلى صاحبها الأصلي تسديدا للقرض, ويستفيد المستثمر من خلال هذه العمليات من الفرق بين سعر البيع وسعر الشراء, والوسيط من أرباح الأسهم للشركة في الفترة مابين العمليتين, مضافا إلى ما يحصل عليه مقابل خدماته الاداريه, والمالك المقرض للأسهم من نسبة ربح العمليتين بدون أن يتحمل أي مخاطرة, فلو اتفق انخفاض الأسعار على خلاف ما تكهن المستقرض, فان المستقرض وحده يتحمل مخاطرة هذا التصرف وخسارته.
والخلاصة أن هاهنا عمليتين:
الأولى: عملية القرض.
الثانية: عملية البيع والشراء في فترة قصيرة.
أما حكم عملية القرض من الناحية الشرعية فعدم الجواز, على أساس إنها قرض ربوي وهو محرم شرعا.
وأما حكم عملية البيع من وجهة النظر الشرعية فهو الجواز والصحة.
ودعوى إن صحة هذه العملية بيعا وشراء, تقوم على أساس أن تكون عملية القرض صحيحة حتى يكون المستثمر مالكا للأسهم المقترضة, وحيث أن العملية ربوية فلا تصح, وبالتالي لا يكون المستثمر مالكا للأسهم, مدفوعة بان اصل عقد القرض صحيح شرعا, والباطل إنما هو الربا أي: مقدار الزيادة, وعلى هذا فلا مانع من صحة البيع و الشراء، هذا اضافة الى ان التراضي موجود فيها حتى بالنسبة الى الفائدة.
ثم إن السمسار إذا قام بعملية البيع والشراء بعد قبض السهام من المقرض, فلا إشكال في الصحة, وإما إذا قام بالعملية قبل القبض فهل تصح أو لا؟
والجواب: إنها لا تصح, على أساس إن صحة القرض متوقفة على القبض, وما لم يقبض السهام وكالة عن المستثمر لم يكن المستثمر مالكا لها, وعندئذ يكون هذا البيع من بيع ما لا يملك وهو باطل إذا لم يكن البيع على ما تعهد به السمسار في الذمة, وألا فهو صحيح.
ثم إن التراضي بين المتعاملين في الأسواق أو البورصات موجود بتصرف كل واحد منهم في مال الأخر بموجب قوانينها وأنظمتها التأسيسية وان كانت المعاملات الواقعة بينهم باطلة من وجهة النظرة الشرعية, والمقام داخل في هذه الكبرى على تقدير بطلان البيع.
الوجه الثامن:
البيع الطويل, ونريد به شراء الأسهم بدافع الاحتفاظ بها, بأمل أن يحصل على الأرباح من الشركة أو يقوم ببيعها إذا ارتفعت أسعارها, وحكم هذا النوع من البيع من الناحية الشرعية الجواز وان كان بغرض المشاركة و
المساهمة في الشركة على أساس ما مر من انه لا مانع من المساهمة والمشاركة حتى في الشركة التي لاتتقيد بتعاملاتها على الحلال.
الوجه التاسع:
قد تسأل: هل يجوز للبائع أن يقوم ببيع الأسهم التي اشتراها قبل أن يقبضها أو لا؟
و الجواب: نعم يجوز إذا لم يكن المبيع من المكيل أو الموزون, وإما إذا كان منه فلا يجوز إلا برأس ماله.
وقد تسأل أن البائع قد يقوم ببيع الأسهم للعميل قبل أن يشتريها من الشركة المصدرة لتسليم شهر مثلا, ولكنه في وقت التسليم والتحويل يقوم بشرائها بغرض تسليمها إلى المشتري, فما هو حكم هذا البيع من الناحية الشرعية؟
والجواب: أن بيع المعدوم بما هو معدوم وان كان غير عقلائي بل غير معقول, وإما بيع شيء موجود في وقت التسليم والتحويل، ولكنه كان معدوما في وقت إنشاء العقد فهل هو جائز أو لا؟
الأظهر الجواز، إذ لا مانع من إنشاء ملكية الأسهم، التي كان يملكها في وقت متأخر، من الآن في ذلك الوقت، ثم يقوم بتسليمها للمشتري، ولا يلزم منه محذور انفكاك زمان المنشأ والمجعول عن زمان الإنشاء والجعل لان المنشأ والمجعول موجوده الاعتباري عين الانشاء والجعل ولا فرق بينهما وان ووجودا الا باعتبار كالايجاد والوجود في التكوينات واما بوجوده الفعلي فهو يتوقف على فعلية وجود موضوعه في الخارج، ولا يرتبط بالإنشاء في مرحلة الجعل.
وبكلمة: إن المنشأ – بوجوده الإنشائي – يستحيل أن ينفك عنه، باعتبار انه عين الإنشاء، فلا اثنينية بينهما، وإما بوجوده الفعلي فلا مانع منه ونقصد بوجوده الفعلى فعلية فاعليته ومحركيته في الخارج لا فعلية نفسه إذ يستحيل فعليته ووجوده فيه والا لكان خارجيا وهذا خلف ومن هنا قلنا في الاصول ان للحكم مرتبة واحدة وهي مرتبة الجعل واما مرتبة المجعول وهي مرتبة فعلية الحكم بفعلية موضوعه في الخارج فهي ليست من مراتب الحكم ولا يمكن ان
تكون من مراتبه لان الحكم امر اعتباري يوجد في عالم الاعتبار باعتبار المعتبر ويستحيل ان يوجد في الخارج والا كان موجودا فيه وهو كما ترى ولهذا لا ترتبط مرتبة المجعول بالشارع اصلا.
هذا إضافة إلى إن المتعارف والمرتكز في مثل ذلك، هو إن البائع يبيع الأسهم التي تعهد بتسليمها بعد شهر والمشتري يقوم بشراء ما تعهد من الأسهم، وحينئذ فلا إشكال في صحته.
والخلاصة مضافاً الى ان التراضي موجود بين المتعاملين في تصرف كل واحد منهما في مال الاخر مطلقاً وان كانت المعاملة باطلة شرعاً ومن هنا قلنا بجواز المساهمة والمشاركة في جميع الشركات.
بقصد العضوية والاستفادة من أرباحها التي تحصل عليها، وكذلك يجوز شراء أسهمها بدافع التداول والاتجار بها كسلع في الأسواق المالية والبورصات من يد الى يد، والاستفادة من فوارق الأسعار التي تطرأ عليها يوميا لسبب أو آخر.
عمليات تداول أسهم القسم الثاني من الشركات المساهمة:
تقدم أنه قد يقال، كما قيل بعدم جواز المساهمة والمشاركة في هذا القسم من الشركات التي يكون رأس مالها حراماً، أ, مخلوطاً بالحرام باكتتاب أسهمها بشرائها بغرض العضوية، على أساس أن السهم جزء من رأس المال وهو حرام، أو مخلوط به، فلايصح شراؤه، وكذلك لاتصح عملية تداول أسهمها في الأسواق بغرض الإستثمار والاتجار بها من يد إلى يد، والإستفادة من فروق أسعارها باعتبار أن كل سهم من أسهمها يمثل جزء من رأس مالها، وحيث إنه حرام، أو مخلوط بالحرام فلايصح التصرف فيه بالبيع، أو الشراء، كما لايصح التعامل على الحرام.
والجواب عنه: قد تقدم من أنه لامانع من المساهمة والمشاركة في هذا القسم من الشركة أيضاً، وشراء أسهمها في الأسواق والإتجار بها على تفصيل قد مرّ.
عملية تداول أسهم القسم الثالث من الشركات المساهمة
مر أنه يسوغ وضعاً المساهمة والمشاركة في هذا القسم من الشركات أيضاً. لأنها و إن كانت لاتتقيد بتعاملاتها في الحدود المسموح بها شرعاً،
وتقوم بالأعمال الإستثمارية من طريق الحلال والحرام إلا أنه مع ذلك تجوز المساهمة والمشاركة فيه وذلك لوجود التراضي بين المتعاملين في السوق في تصرف كل منهم في مال الآخرين مطلقاً وان كانت المعاملة باطلة من وجهة نظر الشرع، قد يقال كما قيل، أنا لو قلنا بعدم جواز تداول أسهم الشركة في أسواق البورصة بالبيع، والشراء بدافع العضوية والإستفادة من أرباحها فلا مانع من تداول أسهمها بدافع الإتجار بها كسلعة في السوق والإستفادة من فروق أسعارها التي تعرض عليها يومياً بدون قصد العضوية فيها.
والجواب: أوّلاً — ما تقدم من أنه يجوز تداول اسهمها في الأسواق
المالية ((البورصات)) بدافع العضوية و الشراكة.
وثانياً — إنه لايتصور الإنفكاك بين شراء الأسهم و عدم صيرورة المشتري عضواً وشريكاً فيها لوضوح أن المشتري للأسهم بصرف الشراء أصبح أحد الأعضاء المساهمين للشركة تلقائياً بموجب قوانينها الصارمة، وإن كان غرضه من الشراء بيعها كسلعة للإستفادة من الفروق بين سعر الشراء وسعر البيع لا للعضوية، وقد سبق أنه يجوز المساهمة فيها وإن كانت المعاملات الواقعة فيها من المعاملات المحرمة، إلاّ أنك عرفت أن حرمتها لاتمنع عن جواز المساهمة والمشاركة فيها واكتتاب أسهمها، والإتجار بها بالبيع والشراء في الأسواق المالية.
وبكلمة، إن السهم يمثل جزءاً من رأس مال الشركة، وقد تقدم أن رأس مالها حلال في مرحلة تأسيسها وإحداثها, وكذلك في مرحلة إستثماره والإتجار به وجعله سهاماً تباع و تشترى في الأسواق، وإن كانت الشركة بمقتضى نظامها التقليدي تتعامل بالحلال و الحرام، كبيع الخمر ولحم الخنزير والميتة والربا، وما شاكل ذلك. إلاّ أن حرمتها لاتضر بحلية أثمان هذه الأعيان، لأن حليتها تدور مدار رضا المشتري بالتصرف فيها، والمفروض أن المشتري لهذه الأعيان راض بتصرف البائع في أثمانها مطلقاً وإن كان بيعها باطلاً شرعاً. وعلى هذا فلامانع من اكتتاب أسهمها والإتجار بها في الأسواق.
ودعوى: إن قيمة السهم بعد عملية الإكتتاب في الشركة بقيمتها الاسمية يحددها السوق ولم تبق لتلك القيمة بعد الإكتتاب أية أهمية، فإن قيمتها في السوق قد تصل إلى أضعاف قيمتها الإسمية المحددة، وقد تصل دونها بل إلى جزء بسيط منها، وهذا يدل على أن قيمتها لاترتبط برؤوس أموال الشركة.
مدفوعة، بأن ارتفاع قيمة الأسهم وانخفاضها في الأسواق مرتبط بارتفاع مالية الشركة وانخفاضها بشكل مباشر، وذلك لأن الإرتفاع
والإنخفاض فيها مرتبط بعدة عوامل:
الإول — قوة العرض، أو الطلب.
الثاني — المركز المالي للشركة، فإن كان قوياً ارتفعت أسعار أسهمها، وإلاّ انخفضت.
الثالث: ديون الشركة كثرةً وقلةً، وعلى هذا فالسهم إذا ارتفعت قيمته في السوق، فمعنى ذلك أن مالية الشركة قد زادت.
وبكلمة، إن مالية السهم إنما هي بلحاظ أنه يمثل جزء من رأس مال الشركة، وقد مرّ أنه ليس بحرام.
يتلخص:
إن الشركة المساهمة إذا كانت تتقيد — بموجب أنظمتها التأسيسية — على أن لاتتعامل إلاّ في حدود الحلال جاز الدخول في عضويتها والمساهمة فيها، والإستفادة من أرباحها التي تدر عليها، وكذلك يجوز تداول أسهمها بيعاً وشراء كسلع في الأسواق والبورصات بغرض الإتجار بها والإستفادة من فوارق أسعارها.
وأما إذا كانت لا تتقيد بأن تتعامل بالحلال بموجب قراراتها التقليدية التي منحت لها صفة الحرية في الإستثمار والإتجار من طرق الحلال والحرام معاً، فأيضاً الأمركذلك. يعني تجوز المساهمة والمشاركة فيها واكتتاب أسهمها والإتجار بها كسلع في السوق لما مرّ من أن حرمة المعاملة لاتساوق حرمة أثمانها على تفصيل قد سبق.
وقد تسأل: إن المستثمر إذا لم يعلم أن ما اشتراه من الأسهم هل هو من أسهم القسم الأول من الشركة المساهمة، أو من الثاني، أو من الثالث، فماذا يصنع؟
الجواب: أنه لافرق بين هذه الأقسام الثلاثة في جواز المساهمة والمشاركة فيها واكتتاب أسهمها والإتجار بها.، كما تقدم.
نعم، على هذا الفرض لوعلم إجمالاً بأن الأسهم التي تباع في السوق منها أسهم محرمة، فحينئذ إذا لم يكن جميع أطراف العلم الإجمالي مورد إبتلائه بمعنى: أن ما يكون مورد إبتلائه كان واثقاً و مطمئناً بعدم وجود الحرام فيه، جاز له الشراء والبيع في ذلك المورد، وإلاّ فلا.
وهذا الفرض لايتصور إلاّ إذا علم بأن بعض الأسهم المتداول في السوق غصب، وهذا فرض نادر.
هذا كله في الأسهم العادية، وأما إذا كان بعض أسهم الشركة عادية، وبعضها ممتازة، وحينئذ فإن كان إمتيازها في نسبة الربح التي تحصل عليه الشركة، بأن يجعل من الربح حصة أصحاب الأسهم الممتازة بنسبة 10% من قيمة السهم، وحصة أصحاب الأسهم العادية بنسبة 5% من القيمة، فلا بأس بهذا الإمتياز إذا كان ذلك بالجعل والقرار في عقد الشركة بنحو التراضي، وعلى هذا فالأرباح تقسم على الأعضاء من الصنفين بنسبة متفاوتة، وإن كان امتيازها بأن أصحاب الأسهم الممتازة يحصلون على نسبة معينة من القيمة الأسمية لأسهمهم 10% مثلاً من صافي الأرباح، وقبل توزيع أي ربح على بقية الأسهم الأخرى العادية، ثم يوزع ما تبقى من الأرباح بعد ذلك إما على الأسهم العادية فقط، أو على كل الأسهم من العادية والممتازة، ولهذا قد يتفق أن لايبقى من الربح ما يوزع عليهما، ففيه أن ذلك غير صحيح، حيث إنه على خلاف مقتضى عقد الشركة، فإن مقتضاه أن كل عضو من أعضائها شريك في الربح بنسبة سهمه بنحو الإشاعة، ولايمكن تصحيح ذلك بنحو شرط النتيجة، لأن صحة شرط النتيجة من أصحاب الأسهم الممتازة على الشركة متوقفة على أن تكون الأرباح ملكاً لها ابتداءً لا للمساهمين، ولكن الأمر ليس كذلك، فإن الأرباح تدخل في ملكهم من البداية، والشرط المذكور لايقتضي دخول ما يكون ملكاً لهم في ملكهم في طول دخوله في ملك هؤلاء لا ابتداءً، إلاّ إذا كان هذا الشرط منهم عليهم في عقد الشركة و هو بعيد.
هذا كله في أحكام الأسهم المالية في الشركات المساهمة المؤسسة في البلاد الإسلامية، أو كانت رؤوس أموالها من المسلمين.
إلى هنا قد وصلنا إلى هذه النتيجة، وهي أن الشريعة الإسلامية المقدسة حيث إنها شريعة أبدية لكل البشر على وجه هذه الكرة الأرضية طول التاريخ وإلى الأبد، فهي تستبطن حلولاً ملائمة لكافة مشاكل الإنسان الكبرى في كل عصر من المشاكل الإجتماعية والفردية، والمادية والمعنوية، وهكذا.
ومن هنا قد قدمنا حلولاً ملائمة للإشتراك في الشركات المساهمة بكافة أنواعها وأشكالها واكتتاب أسهمها بكل أقسامها، والإتجار بها في الأسواق المالية ((البورصات)).
المساهمة:
وهي على أقسام:
1 — أن تكون الشركة قائمة على الإستثمارات المحرمة فقط، كتوليد الخمور، وأنواع المسكرات المشروبة والتعامل بالربا.
2 — أن تكون قائمة على الإستثمارات المحللة، والمحرمة معاً.
3 — أن تكون قائمة على الإستثمارات المحللة فقط، كشركة الكهرباء المساهمة والنفط والمعادن ونحوها من الشركات الزراعية والتصنيعية والإنشائية، شريطة إقتصارها على أعمالها المحددة.
حكم المساهمة من وجهة النظر الإسلامية
قد ظهر مما تقدم أنه يجوز المشاركة في جميع هذه الشركات المساهمة بكافة الأقسام المذكورة بشراء أسهمها والقيام بالعمليات الإستشارية فيها لسببين:
الأول — إن قيام المكتتبين لأسهم هذه الشركات بالبيع والشراء في الأسواق انما هو على أساس قوانين السوق الصارمة وأما رضاء كل واجد منهم بالتصرف في مال الآخر فهو مبنى على أن تكون التعاملات والتبادلات على طبق هذه القوانين، وكونها باطلة بنظر الشرع فلادخل له في التراضي الموجود بينهم في هذه التعاملات والتبادلات لانفياً ولاإثباتاً، هذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى، قد تقدم أن رأس مال هذه الشركات بتمام أنواعها و أشكالها حلال وليس بحرام، ولامخلوطاً به فإن حرمته انما تتصور في فرض كونه مغصوباً و هذا غير واقع عادة في مثل تلك الشركات.
ولهذا يجوز اكتتاب أسهمها كافة وتبادلها بالبيع والشراء في السوق والاستفادة من فوارق أسعارها، ولايرد عليه ما قيل من أن جواز اكتتاب أسهم الشركة مبني على إحراز أن رأس مالها حلال.
وأما إذا كان حراماً، أو مخلوطاً به فلايجوز باعتبار أن اكتتاب الأسهم اكتتاب لجزء من رأس المال، وهو حرام، أو مخلوط به.
وجه عدم الإيراد ما مر الآن من أن رؤوس أموال الشركات المساهمة جميعاً حلال ولاتوجد شركة عادة يكون رأس مالها حراماً اومغصوباً.
الثاني — مع الإغماض عن ذلك أن هذه الشركات المساهمة، حيث إن إنشاءها وتكوينها بأموال غير المسلمين فيجوز للمسلم المشاركة والمساهمة فيها باكتتاب أسهمها وتبادلها بالبيع والشراء في السوق، والإستفادة من أرباحها والإستيلاء على ثرواتها بهذه الطريقة استنقاذاً.
إلى هنا قد استطعنا أن نخرج بنتيجتين تاليتين:
الأولى — إن المعاملة الواقعة في الشركات المساهمة بعنوان البيع،
أوالمضاربة، أو الإيجارة، أو غيرذلك مع افتراض كون العوضين من المال الحلال في نفسه كالسهام والسلع ونحوهما ولكنها باطلة من جهة أنها فاقدة لشرط من شروط صحتها فلايمكن الحكم بصحتها بعنوان البيع، أو المضاربة أو غيرها من العناوين الخاصة.
وهل يمكن الحكم بصحتها بعنوان التجارة عن تراض؟
والجواب: نعم، لصدق عنوان التجارة عن تراض عليها لدى العقلاء بدون أن يكون هناك مانع شرعاً عن هذا الصدق، ومعه تكون مشمولة لإطلاق الآية الكريمة، وهي قوله تعالى:(لاٰ تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ إِلاّٰ أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ).
ومن هنا قلنا إن العقود الواقعة في الأسواق المالية ((البورصات)) لايمكن تصحيحها بعنوان البيع والشراء لعدم توفر شروط صحتها بهذا العنوان الخاص إلاّ أنه لا شبهة في صدق عنوان عام عليها، وهوعنوان تجارة عن تراض، ومعه تكون مشمولة لقوله تعالى:(إِلاّٰ أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ).
الثانية — إن المعاملات الواقعة فيها بعنوان البيع والشراء مع افتراض كون المبيع من المال المحذور والحرام شرعاً، كالخمر والميتة ولحم الخنزير و ما شاكلها، فلايمكن أن تكون مشمولة لإطلاق الآية المباركة، لأن بطلانها بعنوان البيع إنما هو من جهة أن المبيع فيه غير قابل للتمليك، والتملك ولا مالية له من وجهة نظر الشرع، ولهذا لاتكون هذه المعاملات مشمولة لقوله تعالى:(إِلاّٰ أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ)، فإن الآية ظاهرة في الأموال القابلة للإتجار بها بالبيع والشراء فلا تشمل الإتجاربالخمر والميتة ولحم الخنزير
والربا باعتبار أن الإتجار بها بنظر الشرع ليس إتجاراً بالمال والملك ومشروعاً.
حكم التداول والإتجار بأسهم هذه الشركات كسلع من وجهة النظر الشرعية.
قد تبين مما تقدم أنه يصح شراء أسهم هذه الشركات المساهمة بتمام أقسامها.
ودعوى، أنه لا موضوعية للسهم بما هو، فإن ما هو المشتري في الحقيقة انما هو جزء من رأس مال الشركة، وهو حرام، أو مخلوط بالحرام وعلى كلا التقديرين لايجوز شرائه وضعاً.
مدفوعة، بأن الأمر و إن كان كذلك، إلاّ أنه ليس بحرام ولا مخلوطاَ به حيث لاتأثير لحرمة المعاملة في حرمة ثمنها ولا ملازمة بينهما، فالمعاملات المحرمة المحذورة شرعاً كبيع الخمر والميتة ولحم الخنزير والربا، وإن كانت فاسدة بنظر الشرع ولكن الأثمان التى استلم البايع مقابل هذه الأعيان الفاسدة المحذورة من المشتري حلال باعتبار أنه راض بتصرف البايع في أثمانها، وإن كان بيعها باطلاً شرعاً.
وعلى هذا فحيث إن راس مال الشركة المساهمة يتكون من أثمان هذه المعاملات المحذورة الباطلة بنظر الشرع وغيرها فهو حلال، فإذا كان حلالاً فلامانع من شراء أسهمها والإتجار بها بالبيع والشراء والإستفادة من فوارق أسعارها.
ومن هنا يظهر أن حال السهام المتبادلة في الأسواق حال سائر السلع التي تباع وتشرى فيها، كالذهب والفضة والنحاس والنفط والحنطة والأرز والتمر وغير ذلك. فكما أن التعامل بها بالبيع والشراء في الأسواق بحسب نظامها وقوانينها الصارمة كان صحيحاً، وإن كان
باطلاً بحسب النظام الشرعى، لأن المناط بالصحة إنما هو بحسب قوانين السوق، حيث إن رضا البائع والمشتري أنيط بها لا بالصحة عند الشارع، فإذا كان بيع السهام وشرائها وكذلك سائر السلع في السوق على طبق نظامه الصارم فهو صحيح، وهو مناط رضا كل منهما بتصرف الآخر في ماله وإن كان باطلاً بنظر الشرع بعنوان البيع.
نعم، أنه صحيح بعنوان تجارة عن تراض، كما تقدم.
ومع الإغماض عن ذلك أيضاً، فبإمكان الشخص التخلص من ذلك، بجعل الشراء وسيلة للإستيلاء على الأسهم من هذه الشركات وأخذها استنقاذاً لا أخذها شراء، فإذا أخذها كذلك، جاز له أن يقوم ببيعها في الأسواق والإتجار بها والإستفادة من فوارق أسعارها.
ومن هنا يظهر أنه لا فرق بين أسهم القسم الأول والثاني والثالث في المقام، فيجوز شراء أسهم الجميع، والتداول بها بيعاً وشراءً في السوق بغرض الإستفادة من فوارق الأسعار.
نذكر فيما يلي نتائج البحث:
1 — تجوز المساهمة والمشاركة في الشركات التي تتقيد بموجب قراراتها التأسيسية بأن لا تتعامل إلاّ في حدود دائرة الشرع بغرض الإستفادة من أرباحها التي تحصل عليها كما يجوز شراء أسهمها بدافع التداول والإتجار بها بيعاً وشراء في السوق كسلع والإستفادة من فوارق الأسعار التي تعرض عليها يومياُ.
2 — وكذلك تجوز المساهمة والمشاركة في الشركات التي لاتتقيد بالتعامل في حدود شرع الله تعالى، وشراء أسهمها وبيعها في الأسواق والإستفادة من فوارق أسعارها.
3 — يجوز تداول الأسهم في الأسواق مباشرة، أو بواسطة الوسطاء بكل أشكال البيع والشراء من العاجل، أو الآجل، أو السلم.
4 — يجوز شراء الأسهم من السوق لتسليم الثمن، أو المثمن بعد فترة زمنية محددة كشهر، او شهرين، أو أقل، أو أكثر.
5 — يجوز قيام البائع ببيع الأسهم في السوق لتسليمها خلال شهر مع أنها غير موجودة عنده فعلاً وحين حلول الشهر يقوم بشرائها من الشركة، أو السوق ويسلمها إلى المشتري، وقد تقدم وجه ذلك.
السندات وأنواعها
1. سندات الدولة تصدرها في الأسواق لتمويل الإنفاق العام.
2. سندات الهيئات العامة كالبنوك الدولية، فإنها تصدرها بدافع تمويل مشاريعها.
3. سندات الهيئات الخاصة كالبنوك المحلية رسمية كانت أم غير رسمية.
4. سندات المؤسسات الحكومية الخاصة التي تصدرها لتمويل مشاريعها والإنفاق عليها.
5. سندات الشركات التجارية أو الصناعية أو الخدمية أو غيرها.
تعريف السند:
هو صك يمثل جزءاً من المال المحدد في ذمة الجهة المصدرة ووثيقة عليه.
جدول المفارقة والمشاركة بين السند والسهم
المشاركة:
1. يشترك السند مع السهم في تساوي القيمة الاسمية لكل فئة.
2. يشترك في القابلية للتداول في الأسواق المالية.
3. يشترك في عدم القابلية للتجزؤ والتقسيم.
المفارقة:
1. إن السند يعتبر شهادة ووثيقة دين على الشركة وليس جزءاً من راس مالها، بينما يعتبر السهم جزء من رأس مالها.
2. صاحب السند يحصل على فائدة ربحت الشركة ام خسرت، بينما صاحب السهم يحصل على فائدة إذا ربحت الشركة ويخسر إذا خسرت.
3. صاحب السند لا يشارك أصحاب الشركة في إدارتها، باعتبار أنه ليس من أحدهم، بينما كان صاحب السهم يشاركهم في الإدارة، باعتبار أنه من أحد الشركاء.
الاتجار بالسند
السند كسائر السلع تتغير أسعاره بتغير أوضاع السوق هبوطاً وصعوداً، فإذا رغب رجال الأعمال والمستثمرين على شرائها بغرض الاستثمار
والربح من الفرق بين سعر الشراء وسعر البيع اتصلوا بالوسطاء في السوق كالبنك أو السماسرة، والوسيط بعد التأكد وجدية الأمر و وجود أرصدة مالية لهم عنده، يبدأ بالاتصال بالبورصة للإطلاع على سير الأسعار فيها ووضع السوق، فإذا كان الوضع بالنحو المرغوب فيه للعميل قام بإنجاز البيع والشراء.
وهاهنا مسألتان:
الأولى:
مسالة تداول السندات وتبادلها من وجهة النظر الشرعية.
الثانية:
مسألة أخذ الوسيط العمولة على ذلك من الناحية الشرعية.
أما المسالة الأولى فبامكاننا تفسيرها على أساس أمرين:
الأول:
إن عملية تبادل السندات وتعاطيها تقوم على أساس عقد القرض، فان الجهة المصدرة للسند التي تصدره بقيمة اسمية محددة، نفرضها مائة دولار وتبيعه مؤجلة إلى ستة اشهر مثلا 95 دولارا نقدا، تمارس في الحقيقة عملية الاقتراض، أي إنها تقترض 95 دولارا نقدا بمائة دولار مؤجلة، وتدفع إلى المقرض السند على أساس انه وثيقة دين، وفي نهاية المدة تعتبر ما دفعته من الزيادة (خمسة دولارات) فائدة ربوية على القرض، وعلى هذا فلا يجوز تداول السندات لأنه في الواقع تداول قرض ربوي.
الثاني:
إن هذه العملية تقوم على أساس عقد البيع والشراء بتأجيل المثمن إلى وقت معين، وذلك لأن الجهة المصدرة للسند في المثال تقوم ببيع مائة دولار مؤجلة إلى ستة اشهر بخمسة وتسعين دولارا نقدا، والمعتبر في البيع أن يكون الثمن والمثمن مختلفين، والفرض انهما مختلفان في المقام، فان الثمن عين خارجية والمثمن أمر كلي في الذمة، وهذا المقدار من المغايرة يكفي في صدق البيع.
ودعوى: أن تفسير هذه العملية بالبيع تغطية لفظية فقط، لأنها في طبيعتها الواقعية قرض، فإن ملاك القرض هو أن يملك شخص مالا من شخص وتصبح ذمته مشغولة بمثله، وهذا الملاك تماما ينطبق على عمليات بيع وشراء السندات.
مدفوعة: بأن مفهوم البيع يختلف عن مفهوم القرض، فإن مفهوم البيع تمليك عين بعوض، ومفهوم القرض تمليك عين على وجه الضمان بمثلها، وعلى هذا فإن قصدت الجهة المصدرة تمليك ما في ذمتها من المبلغ بعوض خارجي، فهو بيع وإن كانت النتيجة نتيجة القرض وإن قصدت تمليك شيء بالضمان بمثله فهو قرض.
والخلاصة:
إن عملية تبادل السندات وتداولها في الأسواق المالية أو البورصات لا يبعد أن تكون قائمة على أساس عملية البيع و الشراء، بان تقوم الجهة المصدرة للسندات ببيع قيمتها في الذمة إلى أجل بعين خارجية، لا على أساس عملية القرض، بأن تجعل السند وسيلة لأن تقترض مبلغا على وجه الضمان بمثله إلى مدة محددة، ويكون السند بمثابة الوثيقة على القرض، ومع ذلك فالاحتياط في المسألة لا يترك.
نعم، إن بامكاننا التخلص عن فكرة – إن هذه العملية مجرد تغطية لفظية عن عملية القرض – الى فكرة اخرى، وهي القيام بعملية تبادل السندات وتداولها بعملات اجنبية، فاذا كانت قيمة السند بعملة محلية كالدينار مثلا تبيعها بعملة أجنبية كالدولار أو التومان تزيد قيمتها على الدينار بحسب اسعار الصرف بمقدار الفائدة، ولا إشكال في ان هذه العملية عملية بيع واقعا وصورة.
واما المسالة الثانية فان كان قيام الوسيط بدور التوسط في بيع وشراء السندات المالية في الاسواق جائزا شرعا، فمن حقه ان يتقاضى عمولة لقاء قيامه بهذا الدور، لأنها أجرة على العمل السائغ.
نعم لو كانت هذه العملية بطبيعتها عملية اقتراض وان كان بصورة البيع والشراء لم يجز قيام الوسيط بهذه الدور، لأن العملية حينئذ غير مسموح بها شرعا، فلا يجوز له ان يتقاضى عمولة عليها، ولا فرق في ذلك بين أنواع السندات التي يتعامل بها في الأسواق المالية أو البورصات.
ثم ان هناك طرقاً أخرى للتخلص من مظنة الربا في تبادل السندات وهي كما يلي:
أما في السندات الحكومية:
فبامكان المستثمر حينما يتسلم السند من الجهة الحكومية أن ينوي تسلمه كوثيقة على الدين غير الربوي، ولا ينوي الزيادة كشرط وان علم ان الحكومة ملتزمة بذلك، فإن تسلم الزيادة تسلّم بعنوان المال المجهول مالكه أو مال لا مالك له، وعلى الأول يتصدق بمقدار نصفها او ثلثها للفقراء وعلى الثاني فلا شيء عليه.
وأما سندات الشركات الأهلية:
فحيث ان المستثمر يعلم ان صاحب الشركة متعهد بدفع الزيادة له على كل حال ومن طيب نفسه بموجب قوانين الشركة الصارمة عند حلول الأجل، فبأمكانه التخلص من الربا بعدم اشتراطها عليه في اعماق نفسه، بمعنى ان يكون جادا في التزامه نفسيا بعدم المطالبة بها اذا لم يدفعها لسبب أو اخر، وحينئذ فاذا دفعها اليه جاز اخذها بملاك انه يرضى بالتصرف فيها واما في سندات الشركات المشتركة بين الحكومة والاهلية فيمكن له التخلص من الربا فيها بنفس الطريقة في السندات الحكومية والاهلية.
سندات المقارضة (المضاربة):
وهي صكوك استثمارية يتمثل كل صك منها جزءاً من رأس مال المضاربة بنحو المشاع، ومن يملك من هذه الصكوك والسندات صكا أو صكين أو أكثر، فهو يملك بقدره من رأس مال المضاربة وشريك في الربح
بعد تحققه بنسبة مئوية منه، وعلى ذلك فيجوز بيع السندات والصكوك في الاسواق المالية وشرائها، ولا مانع من ذلك، لأن كل من يملك من راس مال المشروع بنسبة مئوية معينة، فله أن يبيع ما يملكه من النسبة، على أساس ان الصكوك المقارضة (المضاربة) قابلة للتداول بعد انتهاء الفترة المحددة للأكتتاب، وحينئذ فان كان البيع بعد الاكتتاب وقبل المباشرة في العمل بالمال اعتبر المعاملة نقدا بنقد، باعتبار ان راس ماله لا يزال نقودا، ولا مانع من ذلك، لأن المغايرة بين الثمن والمثمن موجودة، لأن الثمن نقد خارجي معين والمثمن نقد خارجي مشاع، ولا فرق بين ان يكونا متساويين او متفاضلين وان كان بعد المباشرة في العمل، وحينئذ قد يكون المثمن عينا خارجية وقد يكون دينا، وقد يكون مركبا منهما فقط، وقد يكون مركبا منهما ومن النقد جميعا، فان البيع وشراء الصكوك في تمام هذه الصور صحيح ولا بأس به بلا فرق بين أن يكون تكوين راس مال المضاربة من المعاملات المسموح بها شرعاً والمعاملات غير المسموح بها كذلك على اساس انَ التراضي بين المتعاملين في هذه المعاملات المتداولة في الاسواق في تصرف كل منهم بتصرف حاحبه في ماله موجود مطلقاً وان كانت المعاملة باطلة ومن جهة نظر الشرع.
ترضة, وحيييث تقوم على اساس ان تكون عملية القرضض ربوي وهو محرم شرعا. ليتين, مضافا الى ما ما يحصل عليه مقابل
1. النقود الذهبية والفضية.
2. النقود الورقية بمختلف أقسامها.
3. السلع بكافة أنواعها.
4. الطعام بكافة أشكاله.
التعامل بالنقود الذهبية والفضية في السوق ان كان ببيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة، فالمعتبر فيه امر واحد وهو التماثل بين الثمن والمثمن وعدم زيادة احدهما على الاخر، واما التقابض بينهما في مجلس العقد فالاظهر عندي عدم اعتباره، وهذا بلا فرق بين ان يكونا مسكوكين أولا، وان كان ببيع الذهب بالفضة والفضة بالذهب، فالمعتبر فيه أمر واحد وهو التقابض في المجلس، فلو افترق البائع والمشتري قبل القبض بطل البيع، فلا يجوز حينئذ تصرف كل منهما في مال الاخر، إلا إذا كان بينهما التراضي على ذلك، حتى اذا كان البيع باطلا كما هو الحال في الغالب ولا سيما في الاسواق المالية (البورصات)، واما التساوي في الكمية فهو غير معتبر فيه، وان كان ببيع الذهب او الفضة بالنقود الورقية، فلا يعتبر فيه شيء من الامرين، على اساس ان احكام الصرف لا تترتب على النقود الورقية والخلاصة ان تبادلات النقود الذهبية والفضية في الاسواق المالية (البورصات) انما هي على وفق القوانين والنظم السوقية المتبعة فيها الصارمة كانت موافقة للنظم الشرعية ام لا ولهذا يجوز تصرف كل من المتعاملين في مال الاخر على اساس وجود التراضي بينهم في ذلك وان كانت المعاملة باطلة شرعاً.
التعامل بالنقود الورقية ان كان من طريق البيع والشراء النقدي لمختلف العمولات فلا اشكال فيه من الناحية الشرعية، وان كان من طريق البيع والشراء سلما او مؤجلا لتسليم اسبوعين او اشهر مثلا فايضا لا اشكال في صحته شرعا، لا من ناحية الربا، باعتبار ان هذا التعامل انما هو على اساس عملية البيع والشراء، لا على اساس عملية القرض والاقتراض، ولا من ناحية احكام الصرف، لأن احكام الصرف – كاعتبار التقابض في المجلس او التماثل بين العوضين – لا تجري على النقود الورقية.
وقد يتم التعاقد بينهما من طريق التحويلات البريدية البرقية والسفاتح (الحوالات) واكثر التعامل في سوق الورق النقدية يتم من الخارج، واما تكلفة الارسال فهي على حسب الاتفاق الواقع بين المتعاقدين، ولا فرق في الصحة بين ان يكون التعامل بالمباشرة او الحوالة من الخارج، وقد يتم تداول العملات في البورصة بعقود مؤجلة ثمنا ومثمنا بتسليم شهر مثلا، وهل تصح هذه العقود من الناحية الشرعية أو لا؟
والجواب: نعم، انها تصح كما مر، لا بملاك انها من مصاديق العقود الخاصة لما عرفت من انها ليست من مصاديقها، بل بملاك انها من مصاديق التجارة عن تراض، وعليه فتكون مشمولة لاطلاق قوله تعالى ((لاٰ تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ إِلاّٰ أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ))، بل لا يبعد كونها مشمولة لاطلاق قوله تعالى:((أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)).
وهذا اضافة الى وجود التراضي بينهما في تصرف كل منهما في مال الآخر حتى ولو كان العقد باطلا بموجب قوانين السوق الصارمة.
*********************
التعامل بانواع السلع الخارجي في اسواق البورصة وغيرها كالاقمشة والمواد الانشائية والكهربائية والتصنيعية وغيرها، يمكن تكييفه بأحد الأنحاء التالية:
1. يتم التعامل بكمية محددة من تلك الانواع باوصافها المعينة وشروطها الخاصة بعقود معجلة ثمنا ومثمنا.
2. يتم التعامل بها بالبيع والشراء بعقود نقدا ثمنا ومؤجلة مثمنا، بأن يتم الاتفاق بين البائع والمشتري بتحويل المبيع بعد عشرة أيام أو أسبوعين أو أكثر.
3. يتم التعامل بها بعقود معجلة مثمناً ومؤجلة ثمناً، ولا إشكال في صحة هذه العقود بأقسامها الثلاثة.
4. يتم التعامل بها بعقود مؤجلة ثمنا ومثمنا، وقد تقدم ان هذه العقود وان لم تكن مشمولة لادلة الامضاء الخاصة، الا انها مشمولة لاطلاق قوله تعالى: ((إِلاّٰ أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ)) بل لا يبعد ان تكون مشمولة لاطلاق قوله تعالى ((أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)).
هذا اضافة الى وجود التراضي بينهما حتى فيما اذا كانت المعاملة باطلة.
وقد تسال انه اذا قام الشخص ببيع سلع في السوق لتسليم شهر بدون ان يكون مالكا له حين البيع، ولكنه اذا حل الاجل اشتراه من السوق وسلمه الى المشتري، فهل هذا البيع صحيح أو لا؟
والجواب: ان بيع ما لا يملك وان كان باطلا في نفسه، ولكن البائع يملك المبيع عند حلول الاجل وقادرا على تحويله الى المشتري في وقته، فبالامكان تصحيح ذلك بأحد وجهين:
الأول:
ما تقدم من انه لا مانع من ان يقوم شخص بانشاء ملكية ما يملكه في وقت متاخر من الآن، فيكون الانشاء فعلياً والمنشأ متأخراً، ونقصد بالانشاء الوجود الانشائي وهو بطبيعة الحال يكون فعلياً، ولا يتصور فيه التعليق،
وبالمنشا الوجود الفعلي له بفعلية موضوعه، ومن هنا لا محذور في تاخر المنشا عن الانشاء باعتبار انه يتوقف على فعلية موضوعه في الخارج.
الثاني:
الظاهر ان البائع في مثل هذه الحالة يبيع ما تعهد على نفسه، والمشتري يقوم بشراء ما تعهد به لا المعدوم في الخارج، هذا اضافة الى ان كلا منهما كان يرضى بتصرف الاخر في ماله حتى اذا كان البيع باطلاً شرعاً كما مر.
التعامل بالطعام كالحنطة والشعير والارز ونحوها، فان كان الحنطة بالحنطة والشعير بالشعير والشعير بالحنطة وهكذا، اعتبر فيه التماثل حتى اذا كان احد العوضين اجود من الآخر، فلا يجوز بيع خمسين كيلو من الحنطة الجيدة بستين كيلوا من الحنطة الرديئة وان كانتا متساويتين في القيمة، ولا فرق في ذلك بين ان يكون التعامل بالعقود المعجلة او المؤجلة، وان كان التعامل بها بالنقود الورقية او الذهبية أو الفضية فلا اشكال فيه سواء اكان بالعقد العاجل ام الاجل، بل يجوز ذلك حتى اذا كان كل من الثمن والمثمن مؤجلا، لما مر من ان مثل هذه المعاملة صحيحة في نفسها بلحاظ انطباق عنوان التجارة عن تراض عليها هذا اضافة الى ان التراضي موجود بينهما.
******************
سوق الاختيار
نريد به حق شراء أو بيع اسهم او سلع في فترة زمنية محددة بسعر متفق عليه بين البائع والمشتري سلفا، ويكون من له هذا الحق مخيرا بين أمرين، أما ان يقوم بعملية صفقة البيع أو الشراء أو لا يقوم بها.
وهذا الاتفاق يكون بين البائع والمشتري على الأسس التالية:
الأول:
ان يقوم البائع باعطاء مشتريه حق شراء عدد من اسهمه او سلعه بسعر معين متفق عليه مسبقا يسمى سعر الممارسة خلال فترة زمنية محددة، كستة أشهر مثلا.
الثاني:
ان المشتري يدفع ثمن حق الخيار فقط الى البائع دون ثمن الاسهم او السلع، باعتبار انه لم يقدم على شرائها بعد، وانما ياخذ التصميم على الشراء او عدمه خلال تلك الفترة، وهي فترة الخيار لسبب او اخر، وثمن حق الخيار لا يقل عن 10% من القيمة السوقية للسهم او السلعة.
الثالث:
ان يكون الحق للمشتري في تنفيذ عملية شراء الاسهم بنفس القيمة السوقية المتفق عليها خلال فترة الخيار، سواء ارتفعت قيمتها بعد ذلك ام لا،
ويلزم على بائعه ان يقوم ببيع تلك الاسهم والسلع عند طلب المشتري اياه خلال تلك الفترة، واذا لم يمارس المشتري حقه في تنفيذ عملية الشراء الى نهاية الفترة سقط حقه في ذلك اتوماتيكيا، ويخسر حينئذ قيمة الخيار فقط التي دفعها مقدما.
الرابع:
لا يحق للبائع ان يتصرف في اسهمه المباع خيارها بموجب هذا الاتفاق خلال فترة الخيار، ويتعين عليه الاحتفاظ باسهمه حتى نهاية الفترة او حتى ممارسة المشتري حقه في تنفيذ عملية الشراء خلال المدة، والهدف من وراء ممارسة هذا السلوك الاستثماري، وهو حق الخيار أحد العاملين:
الأول:
ان بعض المستثمرين يلجأ الى ممارسة ذلك السلوك، على أساس ان رأس ماله قليل لا يفي بشراء عدد من الأسهم أو السلع، فبدلا عن ان يشتري الف سهم بقيمة خمسين دولارا لسهم واحد بما عنده من المال، يشتري حق الخيار لشراء عشرة الاف سهم في فترة محددة بثمن لا يقل عن 10% من القيمة السوقية ويدفع ثمن الخيار فقط، وحينئذ فاذا ارتفعت اسعار الاسهم او السلع قام ببيع حق الخيار من شخص آخر، ويستفيد من الفرق بين سعر الشراء وسعر البيع، وهكذا يقوم بالاتجار به والتداول في الاسواق، ويستفيد من الفروق بين الاسعار.
الثاني:
ان المستثمرين اذا توقعوا اتجاه اسعار الاسهم نحو الارتفاع الى حد يسمح بتحقق ربح جيد لهم قاموا بممارسة هذه العملية، مثلا لو توقع المشتري وتكهن ان قيمة الاسهم ترتفع في المستقبل القريب بنسبة 20% قام بشراء حق الخيار لتلك الأسهم خلال فترة محددة، وحينئذ فان ارتفعت اسعارها بتلك النسبة خلال شهر او شهرين، فانه حتما يمارس حقه في تنفيذ عملية الشراء بالسعر المتفق عليه سلفا، ويطلب البائع ببيع اسهمه بذلك السعر له بموجب الاتفاق بينهما وتعهده بذلك، واذا كان هذا العقد اي عقد الخيار بواسطة الوسطاء كما في البورصات الرئيسية كلجنة السوق او السماسرة كان الوسيط
هو الضامن لوفاء الطرفين بتعهداتهما، ولو انخفضت الاسعار السوقية بنسبة 20% فإنه حينئذ حتما سيفضل عدم القيام بتنفيذ الصفقة وشراء الأسهم تجنبا من الخسارة بازيد من قيمة حق الخيار، ومن مميزات شراء حق الخيار أنه يعطي للمشتري الأمكانية التالية:
1. امكانية تخفيض نسبة الخسارة عن الحد الاقصى، وهو ما يساوي قيمة الخيار.
2. امكانية زيادة الربح بنسبة غير محددة طبقا للحد الذي يصل إليه ارتفاع الاسعار.
3. امكانية عدم تجاوز الحد الاقصى للخسارة عما يدفعه مقدما لقاء حق الخيار، هذا كله بالنسبة إلى خيار المشتري.
وأما خيار البائع فهو عندما يتوقع المستثمر اتجاه اسعار الأسهم أو السلع نحو الانخفاض بموجب مؤشرات السوق، يقوم بعرض اسهمه في السوق للبيع بالخيار على الاعتبارات التالية:
الأول: أنه يتكهن انخفاض قيمة الاسهم السوقية خلال الأشهر القادمة بنسبة 20% من القيمة.
الثاني: انه لا يرغب في بيع اسهمه باقل من القيمة السوقية الحالية وهي خمسون دولارا.
الثالث: انه لو ارتفعت الاسعار السوقية فهو راغب في بيعها، وإلا فهو يفضل الاحتفاظ بها.
وعلى ضوء هذه الاعتبارات إذا توقع انخفاض الاسعار السوقية خلال الاشهر القادمة لجأ إلى شراء حق خيار البيع بثمن لا يقل عن 10% من القيمة السوقية، فإذا عرض مائة سهم في الاسواق للبيع بالخيار بقيمة مائة دولار لسهم واحد، فسيدفع إلى المشتري الف دولار مقابل ان يعطيه المشتري حق خيار البيع لمدة ستة أشهر، وحينئذ فان انخفضت الاسعار بنسبة 20% من القيمة السوقية ووصل سعر سهم واحد ثمانين دولارا، فان البائع سيقوم حتما بممارسة حقه وتنفيذ بيع اسهمه على المشتري بالقيمة السوقية المتفق عليها وهي مائة دولار لسهم واحد تفاديا عن بيعها بالسعر المنخفض، ولو حدث ان ارتفعت الاسعار السوقية على عكس توقعاته فمن حق البائع الاحتفاظ باسهمه وعدم القيام ببيعها بالقيمة السابقة وهي أقل من القيمة الحالية.
*******************