تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۷ 5)
الجزء السابع
بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ
الحمد للّه ربّ العالمين و الصلاة و السلام على أشرف خلقه محمد و آله الطيبين الطاهرين
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۷ 6)
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۷ 7)
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۷ 8)
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۷ 9)
بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ
كتاب الخمس و هو من الفرائض،و قد جعلها اللّه تعالى لمحمد صلّى اللّه عليه و آله و ذريته عوضا عن الزكاة إكراما لهم،و من منع منه درهما أو أقل كان مندرجا في الظالمين لهم و الغاصبين لحقهم،بل من كان مستحلا لذلك كان من الكافرين،ففي الخبر عن أبي بصير،قال:قلت لأبي جعفر عليه السّلام:ما أيسر ما يدخل به العبد النار، قال عليه السّلام:«من أكل من مال اليتيم درهما و نحن اليتيم»و عن الصادق عليه السّلام:«إن اللّه لا إله إلاّ هو حيث حرّم علينا الصدقة أنزل لنا الخمس فالصدقة علينا حرام و الخمس لنا فريضة و الكرامة لنا حلال»و عن أبي جعفر عليه السّلام:«لا يحلّ لأحد أن يشتري من الخمس شيئا حتى يصل إلينا حقنا»و عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«لا يعذر عبد اشترى من الخمس شيئا أن يقول:يا رب اشتريته بمالي؛حتى يأذن له اهل الخمس».
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۷ 10)
[فصل في ما يجب فيه الخمس]
فصل في ما يجب فيه الخمس و هي سبعة أشياء:
[الأول:الغنائم المأخوذة من الكفار من أهل الحرب قهرا بالمقاتلة معهم]
الأول:الغنائم المأخوذة من الكفار من أهل الحرب قهرا بالمقاتلة معهم بشرط أن يكون بإذن الإمام عليه السّلام،من غير فرق بين ما حواه العسكر و ما لم يحوه و المنقول و غيره كالأراضي(1)و الأشجار و نحوها،بعد إخراج المؤن التي أنفقت على الغنيمة بعد تحصيلها بحفظ و حمل و رعي و نحوها منها، و بعد إخراج ما جعله الإمام عليه السّلام من الغنيمة على فعل مصلحة من المصالح، و بعد استثناء صفايا الغنيمة كالجارية الورقة و المركب الفاره و السيف القاطع و الدّرع فإنها للإمام عليه السّلام و كذا قطائع الملوك فإنها أيضا له عليه السّلام،و أما إذا كان الغزو بغير إذن الإمام عليه السّلام فإن كان في زمان الحضور و إمكان الاستئذان منه فالغنيمة للإمام عليه السّلام،و إن كان في زمن الغيبة فالأحوط
هذا هو المعروف و المشهور بين الأصحاب،و هو الصحيح بمقتضى اطلاق الآية الشريفة،و مجموعة من الروايات..
منها:صحيحة عبد اللّه بن سنان،قال:«سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:ليس الخمس إلاّ في الغنائم خاصة» 1.
و منها:صحيحة عمار بن مروان قال:«سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:فيما
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۷ 11)
……….
يخرج من المعادن و البحر و الغنيمة و الحلال المختلط بالحرام إذا لم يعرف صاحبه و الكنوز الخمس» 1فان الغنيمة لغة و عرفا بمعنى مطلق الفائدة،فكل ما يغتنمه المرء من المال فهو غنيمة،و لا تختص بغنائم الحرب،فإنها من أحد مصاديقها و افرادها،و على هذا فلا شبهة في أن الآية الشريفة و كذلك الروايات تعم باطلاقها الأراضي المأخوذة من الكفار بالقهر و الغلبة لصدق الغنائم عليها كغيرها من الأموال المأخوذة منهم بعنوة و هراقة دم،و لكن قد تواجه اطلاق الآية الشريفة مجموعة من الاشكالات و الشكوك.
الأول:ان الأراضي المفتوحة عنوة بما أنها ملك للمسلمين قاطبة،فلا تعد غنيمة للغانم و القاتل لكي تكون مشمولة للآية الشريفة.
و الجواب:أولا:أنها انما لا تعد غنيمة للغانم لو قيل بأنها ملك لطبيعي المسلمين لا لآحادهم الموجودين و من سيوجد في المستقبل،و على هذا فيصدق عليها أنها غنيمة للغانمين و المقاتلين،غاية الأمر أنها لا تكون على نحو الاختصاص بهم،بل على نحو الاشتراك بينهم و بين غيرهم،و من المعلوم أن هذا المقدار يكفى في صدق الآية الشريفة.
و ثانيا:مع الاغماض عن ذلك و تسليم أن الآية الشريفة لا تشمل الأراضي،الا انه لا مانع من شمول الروايات لها،حيث انه لا مجال للإشكال المذكور فيها.
الثاني:ان الغنيمة في الآية الكريمة قد فسرت في صحيحة ابن مهزيار بالفائدة التي يستفيدها المرء،و على أساس هذا التفسير يكون الموضوع في الآية عبارة عن الفوائد المالية الشخصية،و نصوص ملكية المسلمين للأرض المفتوحة عنوة تخرجها عن كونها فائدة شخصية،و تجعلها فائدة عامة لعموم المسلمين،فلا يصدق عليها عنوان الغنيمة بالمعنى المفسر في الصحيحة،فلا
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۷ 12)
……….
يبقى حينئذ للآية اطلاق تشمل الأرض المفتوحة عنوة.
و الجواب:ان هذا التفسير لا ينافي اطلاق الآية و شمولها للأرض المفتوحة عنوة،و لا يوجب حكومة نصوص مالكية المسلمين عليها،لأن هذا التفسير في الصحيحة للإشارة إلى أن الغنيمة في الآية الشريفة إنما هي بمعناه اللغوي و العرفي،و هو ما يغنمه المرء و يفيده،و من الطبيعي انه لا مانع من أن يرجع ما يفيد المرء و يغنمه إلى غيره أيضا كالأرض المفتوحة عنوة،فانها غنيمة و فائدة جزما يغنمها المرء و يفيدها رغم أنها لا ترجع إلى خصوص الغانمين،بل إلى عموم المسلمين منهم الغانمين و المقاتلين،على أساس أنه يصدق على كل من الغانمين عنوان المغنم و المفيد،و عليه فقوله عليه السّلام في الصحيحة:«فالغنائم و الفوائد-يرحمك اللّه-فهي الغنيمة يغنمها المرء و الفائدة يفيدها…» 1يصدق على كل من الغانمين للأرض على ما هو الصحيح و المستفاد من الروايات ان الأرض المذكورة ملك لآحاد المسلمين على سبيل الاشاعة،لا للطبيعي.
و مع الاغماض عن ذلك يكفى في تعلق الخمس بالأرض المفتوحة عنوة اطلاق الروايات.
الثالث:ان تقسيم الغنائم الوارد في مجموعة من النصوص قرينة عرفا على أن المراد من الغنيمة في الآية المباركة و الروايات الغنائم المنقولة دون الأعم منها و من غيرها.
منها:صحيحة معاوية بن وهب قال:«قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:السرية يبعثها الإمام فيصيبون غنائم،كيف تقسم؟قال:إن قاتلوا عليها مع أمير أمّره الامام عليهم أخرج منها الخمس للّه و للرسول و قسم بينهم أربعة أخماس» 2.
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۷ 13)
……….
و منها:صحيحة ربعي بن عبد اللّه بن الجارود عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:
«كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا أتاه المغنم أخذ صفوه كان ذلك له،ثم يقسم ما بقي خمسة أخماس-الحديث-» 1.
و الجواب:ان تقسيم الغنائم في هذه الروايات قرينة على أن المراد منها فيها الغنائم المنقولة و لا يصلح أن يكون قرينة على أن المراد منها في الآية المباركة و الروايات المتقدمة أيضا الغنائم المنقولة،فاذن تبقى الآية الشريفة و الروايات على اطلاقهما و لا مقيد له.
الرابع:انه لم يتعرض وجوب الخمس في شيء من الروايات الواردة لبيان أحكام الأراضي الخراجية،و من المعلوم ان سكوت تلك الروايات على الرغم من كونها في مقام بيان ما يتعلق بتلك الأراضي من الأحكام و الآثار دليل على عدم وجوبه.
و الجواب:ان هذه الروايات تصنف إلى مجموعتين.
الأولى:ما كانت في مقام بيان أن الأراضي الخراجية ملك عام للمسلمين.
الثانية:ما كانت في مقام بيان ما يتعلق بتلك الأراضي من الأحكام.
و أما المجموعة الأولى:فهي ليست في مقام بيان ما يتعلق بها من الأحكام لكي يكون سكوتها في مقام البيان دليلا على عدم وجوب الخمس فيها،بل هي في مقام بيان مالكية المسلمين للأرض المغنومة في مقابل الغنائم المنقولة التي هي ملك خاص للمقاتلين و تقسّم بينهم،و لا تنظر إلى جهة أخرى كتعلق الخمس بها أو نحوه لا نفيا و لا اثباتا،فمن أجل ذلك لا تنافي ما دل على وجوب الخمس فيها.
و أما المجموعة الثانية:فمنها صحيحة أبي نصر قال:«ذكرت لأبي الحسن
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۷ 14)
إخراج خمسها(1)من حيث الغنيمة خصوصا إذا كان للدعاء إلى الإسلام،
الرضا عليه السّلام الخراج و ما سار به أهل بيته،فقال:العشر و نصف العشر على من اسلم طوعا و تركت أرضه بيده-إلى أن قال-و ما أخذ بالسيف فذلك إلى الامام عليه السّلام يقبله بالذي يرى كما صنع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بخيبر قبل ارضها و نخلها و الناس يقولون لا تصلح قبالة الأرض و النخل إذا كان البياض أكثر من السواد و قد قبل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله خيبر و عليهم في حصصهم العشر و نصف العشر» 1فانها تدل على أمرين..
أحدهما:أن أمر الأرض المفتوحة عنوة بيد الإمام عليه السّلام فله أن يقبلها بالذي يرى.
و الآخر:ان على المتقبلين في حصصهم من حاصل الأرض الزكاة،و لا نظر لها إلى تعلق الخمس بها و عدم تعلقه لا نفيا و لا اثباتا،و ساكتة عنه.
و إن شئت قلت:ان هذه الروايات انما هي ناظرة إلى بيان ما يتعلق بنتاج تلك الأراضي و حاصلها كالزكاة،و لا نظر لها إلى بيان ما يتعلق برقبتها كالخمس،فاذن لا تنافي ما دل على تعلق الخمس بها،هذا اضافة إلى أن أمر خمسها أيضا بيد الامام عليه السّلام فله أن يقبله بالذي يرى،كما هو الحال في أربعة أخماسها.
فالنتيجة:ان الأظهر تعلق الخمس بالأراضي المغنومة كسائر الغنائم، فيكون خمس رقبتها للّه و للرسول و لذي القربى و اليتامى…الخ و أربعة أخماسها للمسلمين عامة.
بل لا يبعد أن تكون للإمام عليه السّلام إذا كان الغزو بدون اذن من الحاكم
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۷ 15)
……….
الشرعي في زمن الغيبة شريطة أن يكون الغزو ابتدائيا،فان صحيحة معاوية بن وهب قال:«قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام السريّة يبعثها الامام فيصيبون غنائم كيف تقسم؟قال:إن قاتلوا عليها مع أمير أمره الامام عليهم اخرج منها الخمس للّه و للرسول و قسم بينهم أربعة أخماس،و إن لم يكونوا قاتلوا عليها المشركين كان كل ما غنموا للإمام يجعله حيث أحب» 1و إن كانت موردها زمان الحضور،الاّ انه لا خصوصية له،حيث أن مقتضى اطلاقات الكتاب و السنة عدم اختصاص الجهاد بزمان الحضور،بل هو مشروع في كل زمان شريطة توفر شروطه،و عليه فلا محالة يكون حكمه في زمن الغيبة حكمه في زمن الحضور، غاية الأمر انه إن كان في زمن الحضور فلا بد أن يكون باشراف النبي الأكرم صلّى اللّه عليه و آله أو أحد الأئمة الأطهار عليهم السّلام،و إن كان في زمن الغيبة فلا بد ان يكون باشراف الفقيه الجامع للشرائط،و على هذا فان كان باذن الفقيه وجب اخراج خمس ما غنم و تقسيم الباقي بين الغانمين و المقاتلين.و بذلك يظهر حال ما يأخذه السلاطين من الكفار بالمقاتلة معهم بدون اذن ولي الأمر،فان ذلك كله يرجع إلى بيت المال و لا يحق المقاتلون فيه شيئا،فلا موضوع حينئذ لوجوب الخمس.
و دعوى:ان الصحيحة قاصره في نفسها عن الدلالة على اعتبار الاذن حتى في موردها و هو زمان الحضور فضلا عن زمان الغيبة على اساس أنها ظاهرة في التفصيل بين القتال و عدمه لا بين الاذن و عدم الإذن.
مدفوعة:بأنه لا قصور فيها،بتقريب انها تتكفل قضية شرطية قد أخذ فيها قيدان..
أحدهما:أن يصيب المقاتلون الغنائم بالقتال و هراقة الدماء.
و الآخر:أن يكون ذلك بأمر الامام عليه السّلام و اذنه،فاذا توفر القيدان معا
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۷ 16)
فما يأخذه السلاطين في هذه الأزمنة من الكفار بالمقاتلة معهم من المنقول و غيره يجب فيه الخمس على الأحوط و إن كان قصدهم زيادة الملك لا الدعاء إلى الإسلام.
و من الغنائم التي يجب فيها الخمس:الفداء الذي يؤخذ من أهل الحرب(1)،بل الجزية المبذولة لتلك السرية بخلاف سائر أفراد الجزية.
فالغنيمة تقسم أخماسا:خمس منها للّه و للرسول،و أربعة أخماس منها تقسم بين المقاتلين،و إذا انتفى القيد الأول و هو القتال فالغنيمة كلها للإمام عليه السّلام كما نص بذلك في ذيل الصحيحة،و إذا انتفى القيد الثاني و هو الاذن فالأمر أيضا كذلك بمقتضى الفهم العرفي و إن لم يصرح به في الصحيحة.و تصريح الامام عليه السّلام في الصحيحة بأحد فردي مفهوم القضية دون الفرد الآخر لا يمنع عن ظهورها فيه لعدم علاقة بين الأمرين من هذه الناحية،و هذا يعني ان التصريح بأحدهما لا يكون قرينة على عدم الآخر عند العرف.
فالنتيجة:ان الصحيحة ظاهرة في تعليق ملكية الغنيمة للمقاتلين على مجموع الأمرين هما القتال و الإذن من الامام عليه السّلام و بانتفاء كل واحد منها تنتفي ملكيتهم لها،و عليه فبطبيعة الحال يرجع أمرها إلى الامام عليه السّلام فلا تكون مشمولة لأدلة الخمس.
و اما الدفاع عن الإسلام فهو واجب على كل أحد إذا كان متمكنا و قادرا عليه،و لا يتوقف على الإذن حتى في زمان الحضور،و إذا أخذ المدافعون من الكفار الغنائم وجب تخميسها أولا ثم تقسيم الباقي بينهم لإطلاق الآية الشريفة و الروايات.
لا شبهة في وجوب الخمس فيه،و لكن كونه من الغنيمة بالمعنى
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۷ 17)
و منها أيضا:ما صولحوا عليه،و كذا ما يؤخذ منهم عند الدفاع معهم إذا هجموا على المسلمين في أمكنتهم و لو في زمن الغيبة،فيجب إخراج الخمس من جميع ذلك قليلا كان أو كثيرا من غير ملاحظة خروج مئونة السنة على ما يأتي في أرباح المكاسب و سائر الفوائد.
[مسألة 1:إذا غار المسلمون على الكفار فأخذوا أموالهم فالأحوط بل الأقوى إخراج خمسها من حيث كونها غنيمة]
[2877]مسألة 1:إذا غار المسلمون على الكفار فأخذوا أموالهم فالأحوط بل الأقوى إخراج خمسها من حيث كونها غنيمة(1)و لو في زمن الغيبة فلا يلاحظ فيها مئونة السنة،و كذا إذا أخذوا بالسرقة و الغيلة(2)،نعم لو أخذوا منهم بالربا أو بالدعوى الباطلة فالأقوى إلحاقه بالفوائد المكتسبة فيعتبر فيه الزيادة عن مئونة السنة،و إن كان الأحوط إخراج خمسة مطلقا.
الأخص يتوقف على أن يكون أخذه بملاك الغلبة و القهر و هراقة الدم،و الاّ فلا يكون من الغنيمة بالمعنى الأخص بل هو داخل حينئذ في مطلق الغنيمة و الفائدة،و يكون من ارباح المكاسب و يعتبر فيه ما يعتبر فيها.و كذلك الحال في الجزية المبذولة لتلك السرية و ما صولحوا عليه،فان صدق الغنيمة بالمعنى الأخص عليهما يرتبط بمدى ربطهما بالقهر و الغلبة و هراقة الدماء،و الاّ فهما يدخلان في مطلق الفائدة،و يكون حكمهما حكم ارباح المكاسب.
هذا إذا كانت الغارة باذن ولي الأمر،و الاّ فهي للإمام،و تدخل حينئذ في بيت المال فلا خمس فيها كما مر.
فيه اشكال بل منع،و الظاهر أنها داخلة في مطلق الفوائد التي يستفيدها المرء،و يكون حكمها حكم أرباح المكاسب حيث انه لا يصدق عليها الغنيمة بالمعنى الأخص،و هي المأخوذة من الكفار بالغلبة و هراقه الدماء.
و من هنا يظهر أنه لا فرق بين أخذها بالسرقة و الغيلة و أخذها بالمعاملات الربوية،او الدعوى الباطلة،فانها في تمام هذه الصور من الفوائد
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۷ 18)
[مسألة 2:يجوز أخذ مال النّصاب أينما وجد]
[2878]مسألة 2:يجوز أخذ مال النّصاب أينما وجد،لكن الأحوط إخراج خمسه مطلقا(1)،و كذا الأحوط إخراج الخمس مما حواه العسكر من البغاة إذا كانوا من النّصاب و دخلوا في عنوانهم و إلا فيشكل حلية مالهم(2).
و ارباح المكاسب.
بل هو الأظهر فان صحيحة حفص بن البختري عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«خذ مال الناصب حيثما وجدته و ادفع إلينا الخمس» 1ظاهرة في وجوب اخراج خمسه فورا إذا أخذ من دون انتظار زيادته على مئونة السنة.و مثلها رواية معلى بن خنيس.و على الجملة فالصحيحة ظاهرة في أن خمس مال الناصب كخمس المعادن و المال المختلط بالحرام و غنائم دار الحرب و الغوص، و ليس كخمس ارباح المكاسب،فلا يكون المالك مرخصا في تأخير اخراجه إلى ما بعد مؤنة السنة.
و اما على تقدير عدم ظهور الصحيحة في وجوبه فورا و اجمالها من هذه الناحية،فلا مانع من الرجوع إلى اطلاق ما دل على أن الخمس بعد المئونة،كما في صحيحة ابن أبي نصر قال:«كتبت إلى أبي جعفر عليه السّلام:الخمس اخرجه قبل المئونة أو بعد المئونة؟فكتب:بعد المئونة» 2و الخارج من اطلاقها المعادن و غنائم الحرب و المال المختلط بالحرام و الغوص،و لا دليل على اخراج مال الناصب عنه،لأن ما دل على وجوب الخمس فيه مجمل فلا يصلح ان يكون مقيدا لإطلاقها،فاذن يكون هو المرجع فيه،و بذلك يظهر حال ما بعده.
بل الظاهر عدم الحلية،فان الثابت انما هو حلية مال المسلم إذا كان
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۷ 19)
[مسألة 3:يشترط في المغتنم أن لا يكون غصبا من مسلم أو ذمي أو معاهد أو نحوهم ممن هو محترم المال]
[2879]مسألة 3:يشترط في المغتنم أن لا يكون غصبا من مسلم أو ذمي أو معاهد أو نحوهم ممن هو محترم المال(1)و إلا فيجب ردّه إلى مالكه،نعم لو كان مغصوبا من غيرهم من أهل الحرب لا بأس بأخذه و إعطاء خمسه و إن لم يكن الحرب فعلا مع المغصوب منهم،و كذا إذا كان عند المقاتلين مال غيرهم من أهل الحرب بعنوان الأمانة من وديعة أو إجارة أو عارية أو نحوها.
[مسألة 4:لا يعتبر في وجوب الخمس في الغنائم بلوغ النصاب عشرين دينارا]
[2880]مسألة 4:لا يعتبر في وجوب الخمس في الغنائم بلوغ النصاب عشرين دينارا فيجب إخراج خمسه قليلا كان أو كثيرا على الأصح.
[مسألة 5:السلب من الغنيمة فيجب إخراج خمسه على السالب]
[2881]مسألة 5:السلب من الغنيمة فيجب إخراج خمسه على السالب(2).
ناصبيا لا مطلقا.
هذا مضافا إلى أنه على القاعدة،فلا يحتاج إلى دليل تدل عليه صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«سأله رجل عن الترك يغزون على المسلمين فيأخذون أولادهم فيسرقون منهم،أ يرد عليهم؟قال:نعم و المسلم أخو المسلم،و المسلم أحق بماله أينما وجده» 1.و موردها و إن كان مال المسلم،و لكن العرف لا يفهم خصوصية له الاّ باعتبار ان ماله محترم و إن كان غير مسلم كالذمي و المعاهد.
هذا هو الصحيح لأنه داخل في غنائم الحرب،و اما القول بأنه للسالب خاصة فلا دليل عليه،و اما ما روي عن النبي الأكرم صلّى اللّه عليه و آله من:«أن من قتل قتيلا فله سلبه و سلاحه»فهو غير ثابت.
نعم،لولي الأمر ذلك إذا رأى فيه مصلحة،و عندئذ يدخل في ارباح المكاسب.
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۷ 20)
[الثاني:المعادن]
الثاني:المعادن من الذهب و الفضّة و الرصاص و الصفر و الحديد و الياقوت و الزبرجد و الفيروزج و العقيق و الزّيبق و الكبريت و النفط و القير و السبخ و الزاج و الزرنيخ و الكحل و الملح بل و الجصّ و النورة و طين الغسل و حجر الرحى و المغرة-و هي الطين الأحمر-على الأحوط،و إن كان الأقوى(1)عدم الخمس فيها من حيث المعدنية بل هي داخلة في أرباح المكاسب فيعتبر فيها الزيادة عن مئونة السنة.
[الثاني:المعادن]
في القوة اشكال بل منع،إذ لا يبعد صدق المعدن عليها عرفا.
بيان ذلك:ان المعدن على نوعين..
أحدهما:الظاهر.
و الآخر:الباطن.
اما المعدن الظاهر في المصطلح الفقهي فهو عبارة عما تكون طبيعته المعدنية ظاهرة و بارزة سواء أ كان الوصول إليها بحاجة إلى بذل جهد و انفاق عمل،كما إذا كانت في أعماق الأرض،أم لم يكن،كما إذا كانت على سطح الأرض.أو فقل ان المراد بالظاهر ما يبدو جوهره من غير عمل،و السعي و العمل انما هو لتحصيله و الوصول إليه،و هو اما أن يكون سهلا أو متعبا كالنفط،و الملح، و القار،و القطران،و الموميا،و الكبريت،و أحجار الرحى،و البرمة،و الكحل، و الياقوت،و مقالع الطين،و الجص،و النورة و أشباهها.و الظاهر صدق المعدن على كل منهما عرفا شريطة أن تكون طبيعته المعدنية متكونة في مساحة من الأرض و إن كانت بارزة على سطح الأرض.
و اما المعدن الباطن في المصطلح الفقهي فهو عبارة عما لا يبدو جوهره من دون بذل جهد و عمل في سبيل انجازه،و ذلك كالذهب و الفضة و ما شاكلها، فان المادة الذهبية لا تصبح ذهبا بشكله الكامل الاّ بعد التصفية و التطوير العملي،
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۷ 21)
……….
و هذه المادة قد تكون قريبة من سطح الأرض،و قد تكون متوغلة في اعماق الأرض بحيث لا يمكن الوصول إليها الاّ من خلال الحفر المتزايد و الجهد الأكبر و العمل الشاق.
فالنتيجة انه لا فرق في صدق المعدن عرفا بين المعدن الباطن و الظاهر، كما أنه لا فرق بين أن تكون طبيعته المعدنية مستورة في باطن الأرض و عمقها،أو تكون مكشوفة على سطح الأرض.و تؤكد ذلك صحيحة محمد بن مسلم قال:«سألت أبا جعفر عليه السّلام عن الملاحة؟فقال:ما الملاحة؟فقلت:أرض سبخة مالحة يجتمع فيها الماء فيصير ملحا،فقال:هذا المعدن فيه الخمس، فقلت:و الكبريت و النفط يخرج من الأرض،قال:فقال:هذا و اشباهه فيه الخمس» 1.فانها تدل على أنه معدن عرفا و واقعا،لا أنه معدن تنزيلا و شرعا لا واقعا،لما مر من ان المعيار في المعدن لدى العرف العام هو أن تكون طبيعته المعدنية متكونة في مساحة من الأرض سواء أ كانت في باطنها أم كانت في ظاهرها.و أما إذا شك في شيء انه من المعدن أو لا،كالجص مثلا أو نحوه،فان كان هناك أصل موضوعي لإثبات انه ليس بمعدن كما إذا كانت طبيعته المعدنية تصبح معدنا بالتدريج و الحركة الذاتية بعد ما لم تكن معدنا في زمان جزما،كما هو الحال في بعض الاحجار الكريمة،و شك فيه فلا مانع من استصحاب بقائه على حالته الأولى،و به يحرز انه ليس بمعدن فيكون مشمولا لعموم ما دل على وجوب الخمس في كل فائدة.
و أما إذا لم يكن هناك أصل موضوعي في البين فالمرجع الأصل اللفظي و هو العام الفوقي على اساس ان المخصص المنفصل إذا كان مجملا مفهوما لم يكن حجة الاّ في المقدار المتيقن،و في الزائد المشكوك يرجع إلى عموم العام.
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۷ 22)
و المدار على صدق كونه معدنا عرفا،و إذا شك في الصدق لم يلحقه حكمها فلا يجب خمسه من هذه الحيثية بل يدخل في أرباح المكاسب و يجب خمسه إذا زادت عن مئونة السنة من غير اعتبار بلوغ النصاب فيه.
و لا فرق في وجوب إخراج خمس المعدن بين أن يكون في أرض مباحة أو مملوكة،و بين أن يكون تحت الأرض أو على ظهرها،و لا بين أن يكون المخرج مسلما أو كافرا ذميا بل و لو حربيا،و لا بين أن يكون بالغا أو صبيا(1)و عاقلا أو مجنونا فيجب(2)على وليهما إخراج الخمس،
في عدم الفرق بينهما اشكال بل منع،لأن الظاهر من حديث الرفع هو رفع قلم التشريع عنه،و من الطبيعي انه يعم التشريع وضعا و تكليفا،و هو يصلح ان يكون مقيدا لإطلاق دليل وجوب الخمس في المعادن.
و دعوى ان حديث الرفع رافع للتكليف فقط دون الوضع،مدفوعة بأن الظاهر من الحديث بمناسبة الحكم و الموضوع الارتكازية هو رفع تشريع الاحكام المجعولة على البالغين عن الصبيان،و من المعلوم انه لا فرق فيها بين الاحكام الوضعية و التكليفية،فان كلتيهما مجعولتان في الشريعة المقدسة، و حديث الرفع انما يرفع تشريعها و جعلها عن الصبيان،و يوجب تقييده بالبالغين.
هذا هو الظاهر حيث انه لا دليل على عدم تعلق الخمس بالمعادن إذا كان مالكها مجنونا،و أما حديث رفع القلم المتضمن للمجنون فهو ضعيف من ناحية السند،فلا يمكن الاعتماد عليه،فاذن اطلاقات أدلة الخمس فيها محكمة،و مقتضاها عدم الفرق بين أن يكون مالكها عاقلا أو مجنونا.
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۷ 23)
و يجوز للحاكم الشرعي إجبار الكافر(1)على دفع الخمس مما أخرجه و إن كان لو أسلم سقط عنه مع عدم بقاء عينه.
و يشترط في وجوب الخمس في المعدن بلوغ ما أخرجه عشرين دينارا بعد استثناء مئونة الإخراج و التصفية و نحوهما(2)فلا يجب إذا كان المخرج أقل منه و إن كان الأحوط إخراجه إذا بلغ دينارا بل مطلقا،و لا يعتبر في الإخراج أن يكون دفعة فلو أخرج دفعات و كان المجموع نصابا وجب إخراج خمس المجموع،و إن أخرج أقل من النصاب فاعرض ثم عاد و بلغ المجموع
فيه ان هذا مبني على عدم صحة أداء العبادة من الكافر،و قد تقدم في أول كتاب الزكاة في المسألة(16)الاشكال في مانعية الكفر عن صحة العبادة.
فيه اشكال بل منع،و الظاهر انه يكفى في وجوب الخمس في المعدن بلوغ قيمة المخرج عشرين دينارا قبل استثناء المئونة،كما إذا كانت قيمة ما اخرج من المعدن تعادل عشرين دينارا،و المئونة التي قد صرفت في عملية الاخراج تعادل خمسة دنانير،و في هذه الحالة يجب الخمس في الباقي بعد المئونة و هو خمسة عشر دينارا في المثال،فيكون وجوبه فيه مشروطا ببلوغ المجموع النصاب.و تدل على ذلك صحيحة أبي نصر قال:«سألت أبا الحسن عليه السّلام عما اخرج المعدن من قليل أو كثير هل فيه شيء؟قال:ليس فيه شيء حتى يبلغ ما يكون في مثله الزكاة عشرين دينارا» 1بتقريب أنها ظاهرة في أن فيه شيئا إذا بلغت قيمته عشرين دينارا من دون تقييد بلوغها بما بعد المئونة،كما أنها لا تدل على أن ما اخرج من المعدن كله متعلق للخمس،بل تدل
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۷ 24)
……….
على أن فيه خمسا إذا بلغ ما يكون في مثله الزكاة،و أما انه تعلق بالمجموع أو تعلق به بعد استثناء المئونة فهي ساكتة عنه،و عليه فاستفادة ان تعلقه به يكون بعد المئونة انما هي من الآية الشريفة و روايات الباب بقرينة مناسبة الحكم و الموضوع الارتكازية حيث إنهما على ضوء هذه القرينة تدلان على ان موضوع وجوب الخمس مطلقا الفائدة التي يستفيدها المرء و الغنيمة التي يغنمها،سواء أ كان الاغتنام بالتكسب بمختلف أصنافه أم كان بالاخراج من المعادن.
نعم،يختلف الخمس المتعلق بالفائدة التي يستفيدها المرء من الكسب و الفائدة التي يستفيدها من المعادن في بعض الشروط.
و إن شئت قلت:ان متعلق الخمس في ظاهر الدليل و إن كان عنوان المعدن،الاّ ان المتفاهم العرفي منه بمناسبة الحكم و الموضوع الارتكازية أن تعلقه به بما هو غنيمة و فائدة،غاية الأمر ان الاغتنام قد يكون بالتكسب،و قد يكون بالغوص،و قد يكون باخراج المعدن،فان كل ذلك نوع اغتنام يغتنمه المرء و فائدة يستفيدها،فالخمس مجعول في الغنيمة و الفائدة بعناوين مختلفة، فمن أجل ذلك يختلف في بعض الشروط باختلاف تلك العناوين،فان الغنيمة و الفائدة إن كانت بالتكسب فلها حكم و هو ان الخمس فيها بعد مؤنة السنة،فاذا زادت وجب اخراج خمس الزائد و الاّ فلا،و إن كانت من المعدن فلها حكم و هو ان الخمس فيها بعد مؤنة الاخراج دون مؤنة المالك طول السنة،و لذا يجب اخراج خمسها فورا،و لا يجوز تأخيره و المسامحة فيه.
فالنتيجة:ان مناسبة الحكم و الموضوع الارتكازية تقتضى كون موضوع وجوب الخمس الفوائد و الغنائم سواء أ كانت من التجارة و الزراعة و الصناعة و نحوها،أم كانت باخراجها من المعادن و لا يرى العرف لعنوان المعدن موضوعية من هذه الناحية،و انما تكون له موضوعية من ناحية أخرى و هي
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۷ 25)
نصابا فكذلك على الأحوط(1)،و إذا اشترك جماعة في الإخراج و لم يبلغ حصة كل واحد منهم النصاب و لكن بلغ المجموع نصابا فالظاهر وجوب
وجوب خمسه فورا و عدم استثناء مؤنة السنة منه،و على هذا فاستثناء مؤنة الصرف من موضوع وجوب الخمس في المعدن يكون على القاعدة حيث لا يصدق عنوان الفائدة و الغنيمة إلاّ على الباقي و ذلك يحدد موضوعه فيه.
بل على الأقوى حتى بناء على القول بان الاعراض سبب لخروج المال عن ملك مالكه-كما استظهرناه في محله-فانه إذا عاد إليه مرة ثانية و أخذه ملكه.
و دعوى ان ظاهر صحيحة أبي نصر المتقدمة هو أن يبلغ المخرج النصاب باخراج واحد عرفا،و أما إذا كان متعددا كما إذا كان أخرج في هذا اليوم كمية،و في اليوم الثاني كمية أخرى،أو في هذا الاسبوع كمية و في الاسبوع الثاني كمية أخرى و هكذا فالمجموع بلغ حد النصاب فلا يكون مشمولا لها،بتقريب ان الظاهر من امثال المقام عرفا ان كل اخراج موضوع مستقل على أساس ان الحكم انحلالي.
مدفوعة..أولا:ان الصحيحة لا تكون ظاهرة في ذلك،بل قوله عليه السّلام فيها:
«ليس فيه شيء حتى يبلغ ما يكون في مثله الزكاة عشرين دينارا»يدل على ان المعيار في وجوب الخمس ببلوغ قيمة المجموع عشرين دينارا،سواء أ كان دفعة واحدة،أو دفعات متعددة،بل اخراج النصاب دفعة واحدة و في يوم واحد في زمان التشريع بالوسائل اليدوية العادية بعيد جدا،فانه بحاجة إلى طول الزمان و اخراجه فيه بدفعات متعددة.
و ثانيا:مع الاغماض عن ذلك و تسليم ان الصحيحة ظاهرة فيه،الاّ انه لا
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۷ 26)
خمسه(1)،و كذا لا يعتبر اتحاد جنس المخرج فلو اشتمل المعدن على
مفهوم لها،و لا تدل على نفي الخمس عما إذا كان اخراج النصاب دفعات متعددة عرفا،فاذن لا مانع من التمسك باطلاق أدلة وجوب الخمس في المعادن لإثبات وجوبه فيه.
فالنتيجة:ان مناسبة الحكم و الموضوع الارتكازية تقتضى عدم الفرق بين اخراج المعدن بقدر النصاب دفعة واحدة عرفا،أو دفعات متعددة كذلك،فان المعيار انما هو ببلوغ المخرج النصاب و إن كان ذلك بدفعات متعددة،نعم لو أخرج المعدن و صرفه،ثم أخرج و صرفه و هكذا فلا خمس لأن كل واحد لم يبلغ النصاب،و المجموع لا وجود له.
في الظهور اشكال بل منع،فان الخطاب باخراج الخمس المتعلق بالمخرج من المعدن هل هو متوجه إلى كل واحد منهم،أو إلى المجموع على نحو يكون كل واحد منهم جزء المجموع،و كلا الأمرين لا يمكن.
أما الأول:فلفرض أن حصة كل منهم لم تبلغ النصاب.
و أما الثاني:فلأن المجموع بما هو لا وجود له في الخارج لكي يمكن توجيه الخطاب التكليفي إليه.
و إن شئت قلت:ان عنوان المجموع إن لوحظ على نحو الموضوعية فلا وجود له في الخارج الاّ في عالم الذهن،فلا يمكن القاء الخطاب نحوه،و إن لوحظ على نحو المعرفية الصرفة إلى آحاده و افراده في الخارج فالمفروض ان حصة كل واحد منهم لم تبلغ النصاب.
و دعوى ان صحيحة أبي نصر المتقدمة ظاهرة في أن ما استخرج من المعدن إذا بلغت قيمته حد النصاب ففيه الخمس،و مقتضى اطلاقها عدم الفرق بين ان يكون المستخرج ملكا لفرد واحد أو متعدد.
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۷ 27)
جنسين أو أزيد و بلغ قيمة المجموع نصابا وجب إخراجه،نعم لو كان هناك معادن متعددة اعتبر في الخارج من كل منهما بلوغ النصاب دون المجموع و إن كان الأحوط كفاية بلوغ المجموع خصوصا مع اتحاد جنس المخرج منها لا سيما مع تقاربها بل لا يخلو عن قوة(1)مع الاتحاد و التقارب،و كذا لا يعتبر استمرار التكون و دوامه فلو كان معدن فيه مقدار ما يبلغ النصاب فأخرجه ثم انقطع جرى عليه الحكم بعد صدق كونه معدنا.
مدفوعة بان الصحيحة ليست في مقام البيان من هذه الناحية أصلا،لأنها انما تكون في مقام بيان أن ما اخرج منه إذا بلغت قيمته النصاب ففيه الخمس شريطة توفر سائر شروطه،و لا نظر لها إلى أنها متوفرة أولا،و انما تنظر إلى أنه لا مانع من تعلق الخمس به من هذه الناحية و من شروطه أن يكون له مالك،و يبلغ سهمه النصاب،و اما إذا لم يكن له مالك،أو كان و لكن لم يبلغ سهمه وحده النصاب و إن بلغه سهم المجموع فلا أثر له كما مر،هذا اضافة إلى أن توجيه الخطاب باخراج الخمس إلى المجموع بحيث يكون توجيهه إلى كل واحد منهم ضمنيا مرتبطا مع الآخر ثبوتا و سقوطا بحاجة إلى دليل و لا دليل عليه.
هذا هو الصحيح لأن المناجم و المعادن المتعددة إذا كانت من جنس واحد،كما إذا كان الكل من الذهب أو الفضة أو الفحم،فانه إذا بلغ ما اخرج من الجميع النصاب تعلق الخمس به و إن لم يبلغ ما اخرج من كل منهما ذلك، و النكتة فيه ما تقدم من ان المتفاهم العرفي من أدلة الخمس على أساس المناسبات الارتكازية ان موضوعه الفائدة التي يستفيدها المرء و الغنيمة التي يغتنمها سواء أ كان اغتنامها من المعادن أم المكاسب أم غيرها،غاية الأمر ان اغتنامها إن كان من المعادن و المناجم فهو يختلف عما إذا كان اغتنامها من
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۷ 28)
[مسألة 6:لو أخرج خمس تراب المعدن قبل التصفية]
[2882]مسألة 6:لو أخرج خمس تراب المعدن قبل التصفية فإن علم بتساوي(1)الأجزاء في الاشتمال على الجوهر أو بالزيادة فيما أخرجه خمسا أجزأ و إلا فلا لاحتمال زيادة الجوهر فيما يبقى عنده(2).
المكاسب في نقطتين..
الأولى:ان وجوب الخمس في الأول مشروط ببلوغ الغنيمة النصاب دون الثاني.
الثانية:ان المستثنى عن وجوب الخمس في الأول مؤنة العمل و الجهد في سبيل اخراجها دون مؤنة السنة،و المستثنى منه في الثاني كلتا المئونتين معا على تفصيل يأتي في ضمن المسائل القادمة،و على هذا فإذا اغتنم من مناجم الذهب ما بلغ حد النصاب تعلق به الخمس سواء أ كان اغتنامه من منجم واحد أو أكثر لصدق انه استفاد و اغتنم من المعادن و المناجم ما بلغ النصاب،و لا يتوقف هذا الصدق على أن يكون من منجم واحد.
بل يكفى الوثوق و الاطمئنان بالتساوي أو الزيادة فيما أخرجه خمسا.
في اطلاقه اشكال بل منع،لأن قوة الاحتمال إن كانت ضئيلة بدرجة لا تمنع من الوثوق بعدم الزيادة في الباقي عنده فلا قيمة له،كما إذا كانت لدى المكلف احتمالات:
1-تساوي اجزاء التراب في الاشتمال على الجوهر.
2-زيادته في المقدار المخرج خمسا.
3-زيادته في المقدار الباقي عنده.
و في مثل هذه الحالة إن كانت هذه الاحتمالات متساوية أو لم تكن قوة بعضها بمرتبة تؤدي إلى الوثوق و الاطمئنان بالخلاف فالأمر كما في المتن.
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۷ 29)
[مسألة 7:إذا وجد مقدارا من المعدن مخرجا مطروحا في الصحراء]
[2883]مسألة 7:إذا وجد مقدارا من المعدن مخرجا مطروحا في الصحراء فإن علم أنه خرج من مثل السيل أو الريح أو نحوهما أو علم أن المخرج له حيوان أو إنسان لم يخرج خمسه وجب عليه إخراج خمسه على الأحوط إذا بلغ النصاب(1)،
و أما إذا افترض ان قوة الاحتمال الأول أو الثاني كانت بمرتبة تؤدي إلى الوثوق و الاطمئنان بعدم الزيادة في المقدار الباقي عنده فلا يتم ما في المتن.
في الوجوب اشكال بل منع،لأن الظاهر من الروايات التي تنص على وجوب الخمس في المعادن بمناسبة الحكم و الموضوع الارتكازية انه انما يجب على من بذل جهده و طاقته في سبيل استكشافها و الوصول إليها و استخراجها إذا كانت متوغلة في اعماق الأرض،أو على من قام بعملية الأخذ و الاستيلاء عليها خارجا إذا كانت متكونة على وجه الأرض،و هذا يعني ان العامل في الفرض الأول يملك المادة التي يستخرجها خاصة من اعماق الأرض و لا يملك شيئا منها ما دام في موضعه الطبيعي،و في الفرض الثاني يملك المادة التي جعلها في حوزته و لا يملك شيئا منها ما دام خارجا عنها،و على هذا الأساس فإذا وجد مقدار من المادة المعدنية مخرجا و مطروحا على الأرض و لا يدري انه بسبب السيل أو الزلزلة أو حفر الحيوان أو ما شاكل ذلك فهذا غير داخل في المعدن و لا يجب عليه خمسه من باب خمس المعدن.
أو فقل ان الروايات تنص على وجوب الخمس في المعدن،و من المعلوم ان وجوبه انما هو على من يملك المعدن بأحد الطريقين و لا يصدق المعدن على المخرج منه و المطروح على وجه الأرض بسبب أو بآخر لكي يجب خمسه على من جعله في حوزته بملاك خمس المعدن،بل هو داخل في الفائدة و يجري عليها حكمها،و لا فرق في ذلك بين أن يكون خروجه مطروحا
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۷ 30)
……….
على وجه الأرض بعد اكتشافه و الوصول إليه بعملية الحفر و بذل الجهد أو قبل ذلك،اذ قد يخرج المعدن من اعماق الأرض مطروحا على وجهها بسبب الزلزلة التي قد توجب احداث الحفر فيها أو الانفجار الذي قد يسبب خروج المعدن و القائه على وجه الأرض،كما انه لا فرق بين أن يكون المستولى عليه و من يحوزه صاحب الحفرة أولا،باعتبار أن صاحبها لا يملك من المعدن شيئا ما دام يظل باقيا في موضعه الطبيعي.
نعم،هو باكتشافه و الوصول إليه من خلال عملية الحفر و بذل الجهد أصبح أحق به من الآخرين،و لا يحق لغيره أن يقوم باستخراجه من حفرته،و أما إذا خرج منها بطريق أو آخر مطروحا على وجه الأرض فهو ليس ملكا له، و يجوز لغيره أن يحوزه و يستولى عليه.
فالنتيجة انه لا يجرى حكم المعدن على المخرج منه المطروح على وجه الأرض،بل هو داخل في مطلق الفائدة.
و أما إذا كان المخرج له انسانا فان كان اخراجه اتفاقيا و على نحو الصدفة، كما إذا كان قيامه بعملية الحفر لغاية أخرى،و لكن وصل إلى المعدن و المنجم اتفاقا و اخرج منه بدون قصد استملاكه و حيازته ثم طرحه على وجه الأرض كان حكمه حكم ما تقدم،و عليه فكل من يحوزه و يجعله في حوزته يدخل في فائدته التي يستفيدها دون المعدن،و إن كان بغاية الوصول إليه و اكتشافه و بعده قام بعملية الاخراج فأخرج مقدارا منه و جعله في حوزته قاصدا به التملك ثم أعرض عنه فلا يسقط عنه خمسه،بل هو مأمور باخراجه،و لكنه إذا عصى فعلى كل من يحوزه أن يقوم باخراج خمسه.
و أما بالنسبة إلى أربعة أخماسه الأخرى فلا شيء عليه،باعتبار أنها داخلة في الفائدة التي يستفيدها المرء أثناء السنة دون المعدن،و كذلك الحال إذا شك في انه أخرج خمسه ثم طرحه و أعرض عنه،فانه بمقتضى الاستصحاب بقاء
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۷ 31)
بل الأحوط(1)ذلك و إن شك في أن الإنسان المخرج له أخرج خمسه أم لا.
[مسألة 8:لو كان المعدن في أرض مملوكة فهو لمالكها]
[2884]مسألة 8:لو كان المعدن في أرض مملوكة فهو لمالكها(2)،و إذا
خمسه فيه،فيجب على من يحوزه اخراجه.
نعم،إذا كان الحائز شيعيا لم يجب عليه خمسه في كلتا الصورتين بمقتضى اخبار التحليل،و سيأتي الكلام فيها بعونه تعالى في آخر بحث الخمس.
و أما إذا شك في أن طرحه و اعراضه عنه هل هو بعد الحيازة أو قبلها فلا يجب عليه شيء لعدم العلم بأنه متعلق للخمس،و حينئذ يدخل الكل في الفائدة،فان بقى إلى آخر السنة وجب اخراج خمسه و الاّ فلا شيء عليه.
بل هو الأقوى للاستصحاب كما مر.
فيه اشكال بل منع،و التخريج الفني لذلك:ان المعادن الموجودة في الأراضي المملوكة بملكية خاصة ليست خاضعة للأرض في مبدأ الملكية، و ذلك لأن مصدر علاقة الفرد بالأرض و مبدأها انما هو عملية الاحياء،فلا يمكن ان تنشأ العلاقة بينهما بدون ان تنتهى إلى تلك العملية في نهاية المطاف،و الناتج من عملية الاحياء انما هو علاقة المحيى بالأرض،و من الطبيعي ان أثرها لا يمتد إلى المعادن الموجودة فيها و غيرها من الثروات الطبيعية التي لها كيان مستقل في مقابل الأرض،و الفرض أنها ليست أرضا، و مقتضى النصوص الشرعية التي جاءت بهذا اللسان«من أحيا أرضا مواتا فهي له» 1أو قريبا منه هو أن أثر الاحياء من المحيى ملكية الأرض لا غيرها،و عليه فالمصادر و الثروات الطبيعية التي تتكون فيها بكيان مستقل قائم بذاته ليست من
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۷ 32)
……….
توابع الأرض و شئونها و اذيالها،بل نسبتها اليها نسبة الظرف إلى المظروف، فلذلك لا تكون مشمولة للنصوص.
و إن شئت قلت:ان احياء الأرض عبارة عن توفير الشروط للانتفاع بها بمختلف صنوفه،كبناء أو زرع أو نحوهما التي لم تكن متوفرة فيها قبل عملية الاحياء،و انما نتجت منها،و من الواضح أن تلك الشروط شروط للانتفاع بالأرض و الاستفادة منها،و لا علاقة لها بغيرها من المصادر و الثروات الطبيعية الموجودة فيها،حيث ان علاقة العامل بتلك المصادر و الثروات انما هي على أساس إنفاق العمل و السعي و بذل الجهد و الطاقة في سبيل الاستيلاء و السيطرة عليها،مثلا علاقة العامل بالمناجم و العيون الموجودة في اعماق الأرض انما هي باكتشافها من خلال عمليات الحفر و بذل الجهد للوصول إليها،و من هنا لا يصدق على ذلك عنوان الاحياء،فما في كلمات الأصحاب من اطلاقه عليه مبني على المسامحة.
نعم،تصدق عملية الاحياء على تصفية المواد المعدنية،كما إذا كانت من المعادن الباطنة كالذهب و الفضة و ما شاكلهما،فانه لا يبدو جوهرها بشكل كامل الاّ بعد عملية التصفية و التطوير،و هذه العملية و إن كانت احياء بالنسبة إليها إلاّ أنها لا تؤثر في شيء على أساس أن هذه العملية من العامل انما هي بعد دخول تلك المواد المعدنية في نطاق ملكيته،فان القيام بها لا يمكن ما دامت تلك المواد في موضعها الطبيعي،فلا محالة يتوقف على أخذها و اخراجها من موضعها الطبيعي و نقلها إلى مكان هذه العملية،و من المعلوم ان علاقة العامل بها قد تحققت بنفس عملية الأخذ و الاخراج و جعلها في حوزته.
فالنتيجة:ان عملية الاحياء لا تكون منشأ لعلاقة العامل بالمواد المعدنية، هذا اضافة إلى أن هذه العملية خاصة بالمعادن الباطنة،و لا موضوع لها في المعادن الظاهرة.
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۷ 33)
أخرجه غيره لم يملكه(1)بل يكون المخرج لصاحب الأرض،و عليه الخمس(2)من دون استثناء المؤونة لأنه لم يصرف عليه مئونة.
إلى هنا قد ظهر ان مصدر علاقة الفرد بالمواد المعدنية ليس عملية الاحياء،و انما هو عملية استخراجها إذا كانت في اعماق الأرض،و عملية الأخذ و الاستيلاء عليها خارجا إذا كانت متكونة على وجه الأرض،و هذا يعني ان الفرد لا يملك منها شيئا ما دامت في موضعها الطبيعي.
نعم،ان قيامه بعملية الحفر و بذل الجهد في سبيل اكتشافها و الوصول اليها يجعله أحق بها من الآخرين على أساس أنه يخلق بعمله و جهده هذا فرصة الانتفاع بها و الاستفادة منها،و ما دامت تلك الفرصة موجودة فقد ظل حقه ثابتا و إن لم يكن ممارسا الانتفاع بها،و ليس لأيّ واحد أن يستخدم تلك الحفرة التي حفرها في سبيل الحصول عليها،و هذا لا بمعنى ان قيامه بعملية الحفر قد خلق علاقة الاختصاص له بتلك المواد في اعماق الأرض على مستوى الملك أو الحق،بل بمعنى انه اتاح له فرصة الانتفاع من هذه الحفرة للاستفادة منها دون الآخرين،و هذا يعني ان العملية هذه قد خلقت له علاقة الاختصاص بتلك الحفرة على مستوى الملك أو الحق دون المواد المعدنية ما دامت باقية في موضعها.
بل يملكه كما مر،غاية الأمر أن تصرفه في أرض الغير بدون اذنه محرم و يضمن أجرة مثل تصرفه فيها.
الأمر كما ذكره بناء على مسلكه قدّس سرّه من ان المعادن خاضعة للأرض في مبدأ الملكية،إذ عندئذ تختلف هذه المسألة عن المسألة المتقدمة،فانه اذا وجد مقدارا من المعدن مطروحا على وجه الأرض بسبب الحوادث الأرضية أو نحوها،فان كانت الأرض من الأراضي المباحة فلا يجري عليه حكم
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۷ 34)
[مسألة 9:إذا كان المعدن في معمور الأرض المفتوحة عنوة التي هي للمسلمين]
[2885]مسألة 9:إذا كان المعدن في معمور(1)الأرض المفتوحة عنوة التي هي للمسلمين فأخرجه أحد من المسلمين ملكه(2)و عليه الخمس،و إن
المعدن،باعتبار أن علاقة الواجد به على مستوى الملك انما هي بسبب حيازته و جعله في حوزته فعلا لا باستخراجه من الأرض،و لذا لا يجب عليه خمسه فورا،باعتبار انه داخل حينئذ في ارباح المكاسب.و إن كانت من الأراضي المملوكة بملكية خاصة فعلى ما بنى عليه الماتن قدّس سرّه من ان المصادر و الثروات الطبيعية المتكونة في الأرض تابعة لها في مبدأ الملكية يجري عليه حكم المعدن على أساس انه مملوك لمالك الأرض قبل خروجه منها،فإذا خرج سواء أ كان بجهده و تعبه أم كان بسبب آخر كحادث أرضي كان المخرج مملوكا له من البداية،أي في حال كونه في موضعه الطبيعي،فلذلك يجب عليه اخراج خمسه فورا.
في التقييد بالمعمور اشكال بل منع و إن كان مشهورا،إذ لا دليل عليه غير تقييد الأرض في صحيحة الحلبي بالسواد،و لكن بما أن هذا التقييد قد ورد في كلام السائل دون الامام عليه السّلام فلا قيمة له،مع أن مقتضى مجموعة من الروايات ان موضوع ملكية المسلمين مطلق الأرض سواء أ كانت ميتة أم كانت حية،طبيعيا كانت أو بشريا،فإذا أخذت الأرض الموات من الكفار قهرا و عنوة فهي ملك للمسلمين.
في الملك اشكال بل منع،و الأظهر انه يمنحه الحق فيه،و الوجه في ذلك ان المصادر و الثروات الطبيعية الموجودة في الأراضي المفتوحة عنوة خاضعة لها في مبدأ الملكية،يعني كما ان الأرض ملك عام للمسلمين كذلك المصادر و الثروات الموجودة فيها.
و النكتة فيه ان مصدر علاقة المسلمين بالأرض التي كانت بأيدي الكفار
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۷ 35)
……….
و تحت استيلائهم انما هو استيلاء المقاتلين من المسلمين عليها بعنوة و هراقة دم و أخذها منهم بالسيف،و من الطبيعي ان أثر الاستيلاء يمتد إلى المصادر و الثروات الطبيعية كالمناجم و نحوها الموجودة في الأرض،سواء أ كانت متوغلة في أعماقها أم كانت على وجهها،على أساس ان الاستيلاء خارجا على بقعة من الأرض لدى العرف و العقلاء استيلاء على جميع ما في هذه البقعة من الثروات الطبيعية،باعتبار ان الاستيلاء على الظرف استيلاء على المظروف طبعا، و بذلك يختلف مفهوم الاستيلاء عن مفهوم الاحياء،و على أثر هذا الاختلاف تختلف النتيجة،فان ملكية الأرض إن كانت نتيجة الاستيلاء عليها فامتدت إلى المعادن المتكونة فيها و غيرها من الثروات الطبيعية،و إن كانت نتيجة الاحياء فلا تمتد،لأن الاحياء انما يخلق صفة في الأرض فحسب و لا يمتد أثره إلى المصادر و الثروات الطبيعية المتكونة فيها بكيان مستقل كالمناجم و نحوها،غاية الأمر ان الأرض ظرف لها،و من المعلوم ان المظروف ليس من تبعات الظرف و شئونه،و لا فرق في ذلك بين أن يكون الناتج من عملية الاحياء الملك أو الحق.
فالنتيجة:ان المناجم الموجودة في الأراضي المفتوحة عنوة تخضع للأرض في مبدأ الملكية و ليست من المشتركات العامة،و المناجم الموجودة في الأراضي التي هي من الأنفال تخضع لتلك الأراضي في مبدأ الملكية، و المناجم الموجودة في الأراضي المملوكة بملكية خاصة لا تكون خاضعة لها في مبدأ الملكية و انما هي من المشتركات العامة.
ثم ان حكم المناجم الموجودة في الأراضي المفتوحة عنوة حكم نفس تلك الأراضي،و قد ذكرنا في كتابنا«الأراضي»ان لكل فرد من المسلمين يحق أن يقوم بالتصرف فيها و الانتفاع بها على ضوء الخطوط المرسومة من قبل ولي الأمر حفاظا على مصالح الأمة و تحقيقا للتوازن بين طبقاتهم،و كذلك الحال في
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۷ 36)
أخرجه غير المسلم ففي تملكه إشكال(1)،و أما إذا كان في الأرض الموات حال الفتح فالظاهر أن الكافر أيضا يملكه(2)و عليه الخمس.
[مسألة 10:يجوز استئجار الغير لإخراج المعدن فيملكه المستأجر]
[2886]مسألة 10:يجوز استئجار الغير لإخراج المعدن فيملكه المستأجر، و إن قصد الأجير تملكه لم يملكه.
[مسألة 11:إذا كان المخرج عبدا كان ما أخرجه لمولاه و عليه الخمس]
[2887]مسألة 11:إذا كان المخرج عبدا كان ما أخرجه لمولاه و عليه الخمس.
المعادن الموجودة فيها.
و أما في مسألة الخمس فلا فرق بين أن تكون علاقة الفرد بالمعدن في مستوى الملك أو الحق.
الأظهر عدم التملك لما مر من ان المعادن كالأراضي ملك عام للمسلمين،و لا يحق لغير المسلم أن يتصرف فيها،و لو تصرف فبما انه في ملك المسلم فلا أثر له،و لا يمنح حقا،بداهة انه تصرف منه بلا مبرر له،فلا يمكن أن يحدث حقا له.
فالنتيجة:ان تملك الكافر لها بالاستخراج كتملكه الأرض بالاحياء بحاجة إلى دليل و لا دليل عليه في المقام.
الأظهر انه لا يملك،و قد ذكرنا في كتابنا«الأراضي»ان علاقة المحيي بالأرض ترتبط بأمرين..
أحدهما:أن يكون الاحياء باذن الامام عليه السّلام أو نائبه،و تدل عليه اخبار التحليل،فان كل من شملته تلك الأخبار فهو مأذون في التصرف فيها باحياء أو غيره.
و الآخر:اسلام المحيى،و تدل عليه صحيحة الكابلي على أساس تقييد المحيي بكونه من المسلمين،فان القيد و إن كان مما لا يدل على المفهوم الاّ أنه
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۷ 37)
[مسألة 12:إذا عمل فيما أخرجه قبل إخراج خمسه عملا يوجب زيادة قيمته]
[2888]مسألة 12:إذا عمل فيما أخرجه قبل إخراج خمسه عملا يوجب زيادة قيمته كما إذا ضربه دراهم أو دنانير أو جعله حليا أو كان مثل الياقوت و العقيق فحكّه فصّا مثلا اعتبر في إخراج الخمس مادته(1)فيقوّم حينئذ
لا شبهة في ظهوره عرفا في أن الحكم غير ثابت للطبيعي الجامع بين المسلمين و غيرهم و الاّ لكان لغوا محضا،هذا من ناحية،و من ناحية أخرى قد مر أن المعادن الموجودة في الأراضي التي هي ملك للإمام عليه السّلام خاضعة لها في مبدأ الملكية،يعني كما أن تلك الأراضي ملك للإمام عليه السّلام كذلك المعادن الموجودة فيها،و على هذا فحكمها حكم الأراضي.
ثم ان عدم ملك الكافر الأرض الموات بالاحياء و المعادن فيها بالاستخراج انما هو فيما إذا كان قيامه بذلك متأخرا زمنيا عن تاريخ تشريع ملكية الانفال للإمام عليه السّلام،و أما إذا كان متقدما زمنيا على تاريخ التشريع فلا شبهة في أنه يوجب الملك،لأن عملية الاحياء و الاستخراج و الحيازة كل ذلك من أسباب الملك لدى العرف و العقلاء بلا فرق بين الكافر و المسلم،و كذلك الحال في الأرض المفتوحة عنوة و المناجم فيها.و بذلك يظهر انه لا فرق بين المناجم الموجودة في الأرض المفتوحة عنوة و المناجم الموجودة في الأرض الموات التي هي ملك للإمام عليه السّلام.
في الاعتبار اشكال بل منع،لأنه اما أن يكون مبنيا على أن متعلق الخمس مالية العين دون نفس العين بحدودها الشخصية،و الفرض ان مالية المادة في المسألة تظل باقية على حالها،و الهيئة الطارئة عليها انما توجب زيادة القيمة فيها بحدّها الشخصي لا ماليتها،و المفروض عدم الشركة في العين،فاذن ما فيه الشركة و هو المالية فلا زيادة فيه،و ما فيه الزيادة و هو العين بحدّها فلا
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۷ 38)
……….
شركة فيه،أو يكون مبنيا على أن الهيئة ملك للعامل بقانون ان كل عامل يملك نتيجة عمله و جهده.
و الجواب:اما عن الأول،فلما سوف يأتي في ضمن البحوث القادمة من أن متعلق الخمس نفس العين على نحو الاشاعة فيها،و على هذا فكل ما يوجب زيادة قيمة العين بحدّها فهي مشتركة بالنسبة،و لا فرق بين أن يكون ذلك بانفاق عمل و بذل جهد في سبيل تطويرها و انجازها كالمادة الذهبية مثلا،فانها لا تصبح ذهبا بشكله الكامل الاّ بعد التصفية و التطوير،أو يكون باجراء عمل عليها و جعلها دينارا أو حليا أو ما شاكل ذلك.
و اما عن الثاني،فلأن قانون أن كل عامل يملك نتيجة عمله و جهده و آثاره القيمة قانون عقلائي و شرعي.
أما الأول:فلأن العقلاء حسب فطرتهم الأولية لا يعترفون بالأسباب التي تكون مظهرا من مظاهر القوة و التحكيم و الظلم على الآخرين،فانها أسباب ولدتها الظروف الثانوية في المجتمعات التي لا تقوم على أساس العدل و التوازن الاجتماعي و القيم الانسانية،و انما تقوم على أساس القوة و اللاّأخلاقية اخلاقية،فلا يسمح لدى العقلاء ان من كانت عنده قوة و وسائل و معدات أن يستولي على الأراضي الشاسعة أو المصادر و الثروات الطبيعية بالقوة و التحكيم على الآخرين في ميدان المنافسة من دون انفاق عمل و بذل جهد في سبيل ذلك.
و أما الثاني:فلأن الإسلام لم يعترف بالسيطرة و الاستيلاء على الثروات الطبيعية كالمناجم و المياه و الأراضي و الكلاء و الغابات و نحوها بالقوة و التحكيم على الآخرين في ميدان المنافسة و منعهم من الاستفادة منها،مع ان نسبة الكل اليها نسبة واحدة،و انما اعترف بالعمل و بذل الجهد و الطاقة في سبيل الاستيلاء عليها و أن كل فرد انما يأكل ثمار عمله و يملك نتيجته دون أكثر،و يجعل
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۷ 39)
سبيكة أو غير محكوك مثلا و يخرج خمسه،و كذا لو اتجر به فربح قبل أن يخرج خمسه ناويا الإخراج من مال آخر(1)ثم أداه من مال آخر،و أما إذا اتجر به من
مصدر علاقة كل فرد بها العمل و بذل الجهد وجودا و عدما و سعة و ضيقا،و قد اكتشفنا ذلك من خلال نصوصه التشريعية التي جاءت في مختلف الموارد بمختلف الألسنة حيث جعل الاحياء مصدر علاقة الفرد بالأرض الموات، و الحيازة مصدر علاقته بالثروات الطبيعية المنقولة،و عملية التنقيب و الإخراج في المناجم و المياه في باطن الأرض و اعماقها مصدر علاقته بهما و هكذا.
و على ضوء هذا الأساس فالمالك في المقام و إن كان يملك نتيجة عمله و جهده،الاّ ان ذلك انما هو بالنسبة إلى حصته و هي الأربعة الأخماس،و لا قيمة لعمله بالنسبة إلى حصة غيره ما لم يكن باذن من بيده أمرها كالفقيه الجامع للشرائط،و لا احترام له حينئذ،فلذلك تصبح الهيئة المندمجة في المادة أيضا مشتركة باعتبار أنها هيئة لمال الشريكين معا،و أما اختصاص المالك بالهيئة المندمجة في حصته فهو على القاعدة،و اما اختصاص الفقير بالهيئة المندمجة في حصته فهو بقاعدة أن من ملك شيئا ملك أثره و لازمه،غاية الأمر ان ايجاد الغير إن كان باذن المالك استحق أجرة عمله إذا لم يقصده مجانا و الاّ لم يستحقها على أساس انه لا قيمة لعمله حينئذ كعمل الغاصب.
فيه انه لا أثر للنية المجردة،لأن البيع إن كان شخصيا فهو فضولي بالنسبة إلى مقدار الخمس فيه،و مجرد انه ينوي الأداء لا يؤثر في صحته،فانها تتوقف على أحد أمور..
الأول:أداء البائع خمس المبيع من مال آخر عنده شريطة أن يكون ذلك باذن الحاكم الشرعي،فانه إذا أداه ملك خمسه،و حينئذ فإذا أجاز صح بناء على
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۷ 40)
غير نية الإخراج من غيره فالظاهر أن الربح مشترك بينه و بين أرباب الخمس(1).
ما هو الحق من صحة العقد الفضولي و إن كان المجيز غير المالك حين العقد، فانه حينئذ داخل في كبرى قاعدة من باع ثم ملك.
الثاني:أداء المشتري خمسه اما من نفس المبيع أو من مال آخر عنده، و يرجع حينئذ إلى البائع و يأخذ منه بدله الذي هو عوض عن الثمن المأخوذ من المشتري ازاء خمس المبيع،و بذلك يتم البيع،و في هذين الفرضين يكون الربح كله للبائع.
الثالث:اجازة الحاكم الشرعي البيع،فانه إذا أجازه صح و انتقل الخمس إلى ملك المشتري و الثمن إلى ملك أهله،و في هذا الفرض يكون الربح كله لأهل الخمس.
و أما إذا لم يتوفر أحد هذه الأمور فيظل البيع باطلا بالنسبة إلى مقدار الخمس،و لا فرق في ذلك بين أن يكون البائع ناويا الأداء من مال آخر أولا، فانه على كلا التقديرين يكون البيع فضوليا بالنسبة إليه و باطلا،و لا أثر لنية الأداء أصلا.فما في المتن من الفرق بينهما لا أساس له،و لا يمكن تبريره بشيء.
و أما إذا كان البيع كليا و لكن في مقام التسليم فقد سلّم إلى المشتري المال المتعلق للخمس،فلا شبهة في صحة البيع حينئذ،و انما يضمن البائع خمس ما سلّمه إلى المشتري بسبب اتلافه له،و بذلك يظهر ان هذا الفرع ليس كالفرع الأول في المسألة،و لا وجه لما في المتن من أنه مثله بقوله:و كذا لو اتجر به فربح…الخ.
قد مرّ ان الربح انما يكون مشتركا بينهما إذا كان البيع باجازة الحاكم
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۷ 41)
[مسألة 13:إذا شك في بلوغ النصاب و عدمه فالأحوط الاختبار]
[2889]مسألة 13:إذا شك في بلوغ النصاب و عدمه فالأحوط الاختبار(1).
[الثالث:الكنز]
الثالث:الكنز،و هو المال المذخور في الأرض أو الجبل أو الجدار أو الشجر،و المدار الصدق العرفي،سواء كان من الذهب أو الفضة المسكوكين أو غير المسكوكين أو غيرهما من الجواهر(2)،و سواء كان في بلاد الكفار الحربيين أو غيرهم أو في بلاد الإسلام في الأرض الموات أو الأرض الخربة
الشرعي،و أما إذا لم يكن باجازته كما هو المفروض في المسألة فالبيع يكون باطلا بالنسبة إلى مقدار الخمس إذا كان شخصيا،و إذا كان ما في الذمة فالبيع يكون صحيحا و الربح كله للبائع و لكنه يضمن مقدار الخمس كما مر.
لا بأس بتركه،لأن الشبهة موضوعية و المرجع فيها الأصل المؤمن من الأصل الموضوعي أو الحكمي،و لم يقم دليل على وجوب الاختبار و الفحص فيها.
و دعوى ان الرجوع إلى الأصل المؤمن في المسألة بما أنه قد يؤدي إلى مخالفة الواقع التي لا يرضى الشارع بها فلا يجري.
مدفوعة بأن مجرد مخالفته للواقع بل الظن بها لا يمنع عن جريانه،لأن الواقع إذا لم يكن منجزا فلا أثر لمخالفته،و لا إدانة عليها،و لا يحكم العقل بقبحها،نعم إذا كان المكلف واثقا و مطمئنا بأن اجراء الأصل بدون الاختبار و الفحص يؤدي إلى مخالفة الواقع لم يجز،بل يجب عليه الاختبار و الفحص سواء أ كان في هذه المسألة أم كان في غيرها.
في وجوب الخمس في غير المسكوكين من الذهب و الفضة و كذلك في غيرهما من الجواهر اشكال بل منع و إن كان وجوب الخمس في الجميع هو المعروف و المشهور بين الأصحاب.
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۷ 42)
……….
بيان ذلك:ان مقتضى اطلاق مجموعة من الروايات التي تجعل من الأشياء التي تعلق بها الخمس الكنز وجوب الخمس في الجميع،فان كلمة (الكنز)موضوعة لغة و عرفا للمال المدفون في الأرض أو في بطن الشجر أو في الجدار،و لا فرق بين أن يكون دفنه عن ارادة و قصد أو لا،هذا من ناحية.و من ناحية أخرى ان المال المدفون لا يختص بالذهب و الفضة،بل يعم غيرهما من الجواهر كالأحجار الكريمة و غيرها من النفائس الثمينة.
فالنتيجة:ان مقتضى اطلاق هذه المجموعة وجوب الخمس في الكل شريطة أن يكون مكنوزا و مدفونا.و لكن صحيحة البزنطي عن أبي الحسن الرضا عليه السّلام قال:«سألته عمّا يجب فيه الخمس من الكنز؟فقال:ما تجب الزكاة في مثله ففيه الخمس…» 1تدل على وجوب الخمس في مثل ما تجب فيه الزكاة، و ظاهر المماثلة بينهما المماثلة في الجنس و المقدار معا،لا في المقدار فقط،اذ حمل الصحيحة على المماثلة في المقدار فحسب خلاف الظاهر عرفا حيث ان الظاهر منها لدى العرف المماثلة في الجنس و المقدار معا كما هو مقتضى الاطلاق،أو لا أقل من ظهورها في المماثلة في الجنس فقط،و حيث ان الزكاة تجب في الذهب و الفضة إذا كانا مسكوكين بسكة المعاملة لا مطلقا،و لا في مطلق الجواهر فبطبيعة الحال يكون الخمس واجبا فيهما كذلك لا مطلقا،و لا في مطلق الكنز،فاذن لا بد من تقييد اطلاق تلك الروايات بها.
فالنتيجة:ان الكنز إذا كان من الذهب أو الفضة المسكوكين بسكة المعاملة وجب خمسهما من باب خمس الكنز،و أما إذا كان منهما غير مسكوكين بها،أو كان مسكوكا بها و لكن من غير الذهب أو الفضة فهو داخل في مطلق الغنيمة و الفائدة،و يجب خمسه من باب خمس أرباح المكاسب و مع هذا فالأحوط و الأجدر به اخراج خمسه فورا بقصد الأعم من
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۷ 43)
التي لم يكن لها مالك أو في أرض مملوكة له بالإحياء أو بالابتياع مع العلم بعدم كونه ملكا للبائعين(1)،و سواء كان عليه أثر الإسلام أم لا،ففي جميع هذه يكون ملكا لواجده و عليه الخمس(2)،و لو كان في أرض مبتاعة مع
خمس الفائدة أو الكنز.
بل يكفي عدم العلم بذلك،و لا يضر احتمال انه ملك لهم على أساس أن الواجد في هذه الحالة و إن علم اجمالا بأنه اما ملك لمالك سابق لم يبق في قيد الحياة عادة،و لا يعلم بوجود وارث له فعلا،أو ملك لأحد هؤلاء البائعين،الاّ انه لا أثر لهذا العلم الإجمالي حيث انه لا يمنع من استصحاب عدم وجود وارث له بالفعل لعدم المعارض له،و استصحاب عدم كونه ملكا لأحد هؤلاء لا يعارضه لأنه أصل حكمي و ذاك موضوعي،و لا مانع من جريان كليهما معا، و نتيجة ذلك أنه من الانفال،فإذا وجده شخص فهو له و عليه خمسه لدى توفر شروطه.
بل حتى مع عدم العلم بكونه ملكا لأحد البائعين كما مر.
ثم ان علاقة الواجد بالكنز تختلف باختلاف هذه الصور،ففي بعضها تكون على مستوى الملك،و في بعضها الآخر تكون على مستوى الحق.
بيان ذلك:ان مصدر علاقة الفرد بالكنز انما هو بوجدانه سواء أ كان ببذل الجهد و انفاق العمل في سبيله أم كان بطريقة الصدفة،و على هذا فان كان تاريخ الكنز زمنيا مقدما على تاريخ الإسلام فهو لواجده على مستوى الملك بلا فرق بين أن يكون في دار الكفر أو الإسلام،و إن كان متأخرا عن الإسلام زمنيا،فان كان في دار الكفر فهو أيضا لواجده على مستوى الملك،و لا فرق في ذلك بين أن يكون الواجد واثقا و متأكدا بأن له مالكا غير محترم بالفعل أو لا.
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۷ 44)
……….
فالنتيجة:ان علاقة الواجد بالكنز في تمام هذه الصور علاقة الملك، و عليه خمسه شريطة توفر شروطه ككونه من الذهب أو الفضة المسكوكة بسكة المعاملة،و بلوغه النصاب.
و إن كان في دار الإسلام سواء أ كان في الأرض التي لا ربّ لها من الميتة أو المعمورة،أم في الأرض المفتوحة عنوة،أم المحياة،أو المبتاعة،فان علم بوجود مالك محترم له بالفعل و مجهول عنده جرى عليه حكم اللقطة،فان كان ذات علامة مميزة وجب التعريف سنة كاملة،و بعد السنة إذا لم يوجد فهو مخير بين التصدق مع الضمان و التملك به و التحفظ عليه إلى أن يجيء صاحبه،و إن لم يكن ذات علامة أو انه كان و لكن لا يمكن التعريف أو انه بلا أثر فحكمه التصدق،و إن لم يعلم بوجود مالك محترم له فعلا كما إذا كان تاريخه الزمني قبل مئات السنين و لا يحتمل عادة بقاء مدخره في قيد الحياة،و حينئذ فان علم بوجود وارث له فعلا و امكان الوصول إليه بالتعريف إذا كان ذات علامة مميزة وجب،و الاّ تصدق به.و إن لم يعلم بوجود وارث له فعلا فهو لواجده على أساس أن موضوع علاقته به مركب من أمرين..
أحدهما:وجدان الكنز.
و الآخر:أن لا يكون له مالك محترم بالفعل.و الأول محرز بالوجدان، و الثاني بالاستصحاب.و كذلك الحال إذا وجد كنزا في دار الكفر و علم بقرائن أنه لمالك محترم تطبيقا لنفس ما تقدم،هذا من ناحية.و من ناحية أخرى ان علاقة الواجد بالكنز في هذه الصورة انما هي على مستوى الحق دون الملك بلا فرق بين أن يكون الكنز في الأرض التي لا ربّ لها،أو في الأرض المفتوحة عنوة،أو المحياة،أو المبتاعة،أما على الأول،فلأنه من الانفال و ملك للإمام عليه السّلام كالمعادن و المناجم و المياه و غيرها من الثروات الطبيعية الموجودة فيها،و هذا لا من جهة ان الروايات التي تنص على ملكية الأرض التي لا رب لها للإمام عليه السّلام
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۷ 45)
……….
تدل على ملكية الكنوز الموجودة فيها أيضا له عليه السّلام،فان تلك الروايات لا تدل عليها لا بالمطابقة باعتبار أنها ليست من الأرض بل هي مدفونة فيها و موجودة مستقلة في قبالها،و لا بالالتزام لأنها ليست من توابعها و شئونها،بل لها كيان مستقل و تكون نسبتها اليها نسبة المظروف إلى الظرف لا نسبة الثمرة الى الشجرة،بل من جهة الروايات التي تنص على أن من مات و ليس له موالي فما له من الأنفال،بتقريب ان الكنوز الموجودة فيها إذا كان تاريخها الزمني قبل مئات السنين و لا يحتمل بقاء مدخرها في قيد الحياة لحد الآن عادة،و لا يعلم بوجود وارث له،و إذا شك فيه فمقتضى الأصل عدمه،تكون من الأنفال تطبيقا لتلك الروايات،و حيث ان الامام عليه السّلام قد أباح التصرف في الانفال لكل من شملته نصوص التحليل،فتكون النتيجة ان من وجد كنزا فيها و لم يعلم بوجود مالك محترم له فعلا فهو له،و لا فرق بين أن يكون وجدانه بانفاق عمل و بذل جهد في سبيله قاصدا اياه،أو بطريقة الصدفة و الاتفاق،و بذلك يظهر ان علاقته به لا محالة تكون على مستوى الحق دون الملك و إن كان المشهور هو الثاني و ذلك لعدم الدليل على انقطاع علاقة الامام عليه السّلام عنه.و من هنا قلنا ان الاحياء انما يمنح علاقة المحيي بالأرض على مستوى الحق دون الملك لعدم الدليل على انقطاع علاقة الامام عليه السّلام عن الأرض.على تفصيل ذكرناه في كتابنا«الأراضي»،و لكن في المقام لا تظهر الثمرة بين القولين،فانه على كلا القولين يجب عليه خمسه عند توفر شروطه كما مر.
و اما على الثاني،و هو ما إذا كان الكنز في الأرض المفتوحة عنوة فهو ملك للمسلمين كالأرض،على أساس ان مصدر علاقة المسلمين بالأرض التي كانت تحت سيطرة الكفار و بأيديهم انما هو استيلاء جيوش المسلمين عليها بعنوة و هراقة دم و أخذها منهم بالسيف،و من الطبيعي ان أثر الاستيلاء يمتد إلى المصادر و الثروات الطبيعية الموجودة فيها كالمناجم و المياه و الكنوز و نحوها،
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۷ 46)
……….
سواء أ كانت متوغلة في أعماقها أم كانت متكونة على وجهها باعتبار ان الاستيلاء على بقعة من الأرض خارجا استيلاء على ما في هذه البقعة من الثروات الطبيعية بنظر العرف و العقلاء،فمن يستولي على الظرف يستولي على المظروف طبعا،فلا ينفك الاستيلاء على الأول عن الاستيلاء على الثاني،هذا من ناحية.
و من ناحية أخرى:ان الشارع أجاز لكل فرد من آحاد المسلمين أن يمارس حقه في الانتفاع بالأراضي المفتوحة عنوة و أنه حرّ في ممارسة أيّ لون من ألوان الانتاج منها و الانتفاع بها في ضمن المناهج التي رسمت من قبل ولي الأمر أو الدولة الاسلامية في حدود دائرة الشرع و عدم التعدي و التجاوز عنها بخلق شروطها كتشجير الاشجار و زرع الحبوب و اخراج المعادن و الكنوز و غيرهما من الثروات الطبيعية فيها.
و من ناحية ثالثة:ان علاقة الممارس بها إنما هي على مستوى الحق دون الملك لعدم الدليل على انقطاع علاقة المسلمين عنها،فاذن هو أحق بها،على أساس انه أوجد فيها شروطا و خلق لها صفات و هيأ فيها فرصا للعمل لم تكن، و أما ذات الرقبة فهي مشتركة بين الكل على مستوى الملك،و على هذا فإذا وجد فرد فيها كنزا فهو أحق به،و عليه خمسه إذا توفر شروطه.
و أما على الثالث:و هو ما إذا كان الكنز في الأرض المحياة أو المبتاعة،فهو ليس لصاحب الأرض،و ذلك لأن الناتج من عملية الاحياء انما هو علاقة المحيى بالأرض،و من الطبيعي ان أثرها لا يمتد إلى الكنوز المدفونة فيها،و لا إلى غيرها من الثروات الطبيعية الموجودة في اعماقها أو المتكونة على وجهها، على أساس أنها موجودات مستقلة في قبال الأرض،و ليست من أجزائها، و نصوص الاحياء انما تمنح المحيي علاقة بالأرض على مستوى الحق كما هو الصحيح أو الملك-كما هو المشهور-لا بأشياء أخرى التي لا ترتبط بالأرض
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۷ 47)
……….
الاّ ارتباط المظروف بالظرف،كالطفل في بطن الأم و البيض في بطن الدجاج، و كذلك الحال في الأرض المبتاعة فان علاقة الفرد بها الناشئة من الأسباب الثانوية كالبيع أو الهبة أو الإرث أو نحوها ليست أقوى و أعمق من علاقته بها الناشئة من عملية الاحياء على أساس أنها كلا تنتهى في نهاية المطاف إلى تلك العملية التي هي مبدأ علاقة الانسان بالأرض،و على هذا فالكنوز الموجودة في تلك الأراضي إذا كان تاريخها الزمني قبل قرون بحيث لا يحتمل عادة بقاء مدخرها على قيد الحياة،و لا يعلم بوجود وارث له فعلا،و إذا شك فيه فمقتضى الاستصحاب عدمه،فهي من الانفال تطبيقا للروايات المتقدمة،و حينئذ فإذا وجد فرد كنزا فيها و لم يعلم بوجود مالك محترم له فهو أحق به على مستوى الحق دون الملك تطبيقا لما تقدم.
نعم،إذا علم أنه لمالك محترم قبل تاريخ تشريع الانفال و لم يبق في قيد الحياة إلى زمان التشريع،و لا يعلم بوجود وارث له،فهو ليس من الانفال،و أما إذا شك في أن تاريخ موته قبل تاريخ تشريع الانفال أو بعده مع فرض عدم العلم بوجود وارث له فعلا،فلا يكون هنا أصل لإثبات تأخر موته عن زمان التشريع أو تأخره عن زمان الموت،فانه في نفسه لا يجرى أما لابتلائه بمحذور الاستصحاب في الفرد المردد إذا لوحظ زمان كل منهما على نحو المعرفية الصرفة إلى واقع زمان مردد بين زمانين يقطع بحدوث الحادث الآخر في أحدهما و عدم حدوثه في الآخر،فلا شك في البين بالنسبة إلى كل من الفردين الطوليين،أو لعدم الحالة السابقة له إذا لوحظ ذلك على نحو الموضوعية، و عندئذ فتصل النوبة إلى الأصل الحكمي و هو استصحاب عدم انتقاله إلى الإمام لكي يكون من الانفال،و لكن غير خفى ان البحث عن الشك في التقدم و التأخر في المسألة بحث نظري محض و لا أثر عملي له في مقام التطبيق،فان الكنز سواء أ كان من الانفال أم لم يكن فعلى واجده أن يخمسه شريطة أن يكون من
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۷ 48)
……….
الذهب أو الفضة المسكوكين بسكة المعاملة،و أن يكون بقدر النصاب،إذ لا فرق في هذا الحكم بين أن تكون علاقته به على مستوى الملك أو الحق.
لحد الآن قد وصلنا إلى هذه النتيجة،و هي ان الكنوز من الانفال إذا كانت في الأراضي التي هي خاضعة لمبدإ ملكية الدولة كالأراضي التي لا رب لها سواء أ كانت ميتة أم معمورة،و في الأراضي التي هي خاضعة لمبدإ الملكية الخاصة كالأرض المحياة أو المبتاعة،على تفصيل قد مر.
و أما الكنوز المدفونة في الأراضي التي هي خاضعة لمبدإ الملكية العامة كالأراضي المفتوحة بالقهر و الغلبة،فان كان تاريخها الزمني قبل الفتح فهي ملك للمسلمين،و ان كان تأريخها الزمني بعد الفتح فهي من الانفال شريطة أن لا يكون لها مالك محترم،و الاّ فيجرى عليها حكم اللقطة كما مر،و إذا شك في أن تاريخها الزمني قبل تاريخ الفتح حتى تكون خاضعة لملكية المسلمين أو بعده حتى تكون خاضعية لملكية الدولة،ففي مثل ذلك لا يجري الاستصحاب إذا كان تاريخ كل من دفنها في تلك الأراضي و فتحها مجهولا،أو كان تاريخ الفتح معلوما و تاريخ الدفن مجهولا تطبيقا لنفس ما تقدم من المحذور،و هو الابتلاء اما بمحذور الاستصحاب في الفرد المردد،أو بعدم الحالة السابقة للمستصحب، و اما استصحاب عدم الدفن في زمان الفتح و إن كان لا مانع منه في نفسه الاّ أنه لا يجري من جهة عدم ترتب أثر عملي عليه الاّ على القول بالأصل المثبت،و أما إذا فرض ان تاريخ الدفن معلوم و تاريخ الفتح مجهول فلا يجري استصحاب عدم الدفن في زمان الفتح لعين المحذور المتقدم،و أما استصحاب عدم الفتح في زمان الدفن فهو لا يجرى من جهة انه لا يترتب عليه نفي الموضوع و هو الطبيعي الجامع بينه و بين الفرد المقطوع العدم الاّ على القول بالأصل المثبت،اذ نفي الطبيعي بنفي فرده من المثبت على تفصيل ذكرناه في ضمن البحوث الفقهية و الأصولية،و لكن غير خفي انه لا أثر عملي لهذه المسألة في مرحلة
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۷ 49)
……….
التطبيق،و انما هي مسألة نظرية صرفة لأن تلك الكنوز سواء أ كانت من الانفال أم كانت ملكا للمسلمين فإذا وجدها فرد فهي له على مستوى الحق و عليه خمسها عند توفر شروطه.
و من هنا يظهر أن ما ذهب إليه جماعة من التفصيل بين ما إذا كان الكنوز في دار الكفر،و ما إذا كان في دار الإسلام،فعلى الأول فهو لواجده مطلقا و إن كان عليه أثر الإسلام،و على الثاني فهو من اللقطة معللا بأن كونه في دار الإسلام أمارة على انه ملك لمالك محترم،فلا يمكن المساعدة عليه،لما مر من ان الكنز إذا كان في دار الكفر فالأمر و إن كان كذلك فانه لواجده مطلقا،أي سواء أ كان تاريخه الزمني متقدما مئات السنين أم لا،و سواء أ كان عليه أثر الإسلام أم لا،الاّ إذا علم بأنه ملك لمالك محترم،فان حكمه قد ظهر مما تقدم،و إذا كان في دار الإسلام فان كان تاريخه الزمني قبل عدة قرون بحيث لا يحتمل بقاء مدخره عادة لحد الآن و لا يعلم بوجود وارث له فعلا فقد مر انه من الانفال،و إذا وجده فرد فهو أحق به و ليس ملكا لأحد،و ان كان تاريخه الزمني متأخرا بحيث يحتمل بقاء مدخره عادة على قيد الحياة فعلا جرى عليه حكم اللقطة دون الكنز.
و أما صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال:«سألته عن الدار يوجد فيها الورق؟فقال:ان كانت معمورة فيها أهلها فهي لهم،و إن كانت خربة قد جلا عنها أهلها فالذي وجد المال أحق به» 1.و قريب منها صحيحته الأخرى،فهي و إن دلت على أن الورق لواجده و مقتضى اطلاقها أنه له و إن علم بوجود مالك له فعلا المجهول عنده،لأن جلاء أهل الدار عنها لا يستلزم انقطاع علاقتهم بها،فانه أعم من الاعراض،الا أنها لا تدل على أنه لواجده بملاك الكنز، إذ كما يحتمل ذلك يحتمل أن يكون بملاك الاعراض.أو فقل انه لا بد من حمل الصحيحة على الاعراض عن الدار بما فيها من الورق كما هو غير بعيد،بل هو
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۷ 50)
……….
قريب باعتبار أن خراب الدار يكشف عن طول مدة الجلاء،و من الطبيعي أن طول مدته يكشف إما عن اعراض المالك عنها بما فيها من الورق و الاّ كان يرجع إليه في هذه المدة طبعا،أو أنه لم يبق في قيد الحياة،و لا علم له بوجود وارث له بالفعل.
ثم أن هاهنا أربع مسائل،كل واحدة منها متمثلة في عنوان خاص في الفقه:
1-الكنز.
2-اللقطة.
3-المجهول مالكه وصفا لا عينا.
4-المعروف مالكه المفقود عينا.
أما الكنز فهو عبارة عن المال المدفون في الأرض أو الجدار أو غير ذلك، و ليس له مالك محترم فعلا،و قد مرّ انه لواجده إذا وجده،و حكمه وجوب الخمس شريطة توفر أمرين فيه.
أحدهما:أن يكون من الذهب أو الفضة المسكوكين بسكة المعاملة.
و الآخر:أن يبلغ النصاب،و الاّ فلا شيء فيه.
و اما اللقطة بالمعنى الأخص فهي عبارة عن المال الضائع غير الانسان و الحيوان و له مالك محترم بالفعل و مجهول الهوية عينا و وصفا،و لها أحكام خاصة..
منها:ان على الملتقط أن يقوم بتعريفها سنة كاملة شريطة توفر أمور..
الأول:أن لا يكون جازما بعدم جدواه لليأس عن وجدان صاحبها.
الثاني:أن تكون ذات علامة مميزة.
الثالث:أن لا يكون فيه تعريض النفس في الخطر،فإذا توفرت تلك الأمور وجب القيام بتعريفها طول السنة.
و منها:أن الملتقط بعد سنة من التعريف مخيّر بين التصدق بها مع
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۷ 51)
……….
الضمان،و تدل عليه صحيحة علي بن جعفر عن أخيه عليه السّلام قال:«و سألته عن الرجل يصيب اللقطة فيعرفها سنة،ثم يتصدق بها فيأتي صاحبها،ما حال الذي تصدق بها؟و لمن الأجر،هل عليه أن يرد على صاحبها أو قيمتها؟قال:هو ضامن لها و الأجر له الاّ أن يرضى صاحبها فيدعها و الآجر له» 1،و بين جعلها في عرض ماله و يجرى عليها ما يجرى على ماله حتى يجيء لها طالب،و الاّ فعليه أن يوصى بها في وصيته،و تدل عليه صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال:«سألته عن اللقطة؟قال:لا ترفعها،فان ابتليت بها فعرّفها سنة،فان جاء طالبها و الاّ فاجعلها في عرض مالك يجري عليها ما يجري على مالك حتى يجيء لها طالب،فان لم يجيء لها طالب فاوص بها وصيتك» 2و قريب منها صحيحته الأخرى.و بين تملكها،و تدل عليه صحيحة حنان بن سدير،قال:
«سأل رجل أبا عبد اللّه عليه السّلام و أنا اسمع عن اللقطة:فقال:تعرّفها سنة،فان وجدت صاحبها و الاّ فأنت أحق بها» 3.
ثم ان هذه الصحيحة بما أنها ناصة في أحقية الواجد لها فتصلح أن تكون قرينة على رفع اليد عن ظهور صحيحة علي بن جعفر و غيرها في وجوب التصدق بها تعيينا،و حملها على الوجوب المشروط،و رفع اليد عن ظهور صحيحة محمد بن مسلم في وجوب التحفظ عليها تعيينا و حملها على الوجوب المشروط،فالنتيجة أن وجوب كل من التصدق و التحفظ مشروط بعدم التملك،كما ان وجوب كل منهما مشروط بعدم الآخر،هذا من ناحية،و من ناحية أخرى انه إذا تملكها فهل عليه ضمان إذا جاء صاحبها و لم يرض به و طالبه بها؟المعروف و المشهور الضمان،و لكن الصحيح عدم الضمان،لأنه بحاجة إلى دليل،و لا يوجد دليل عليه في المقام على اساس ان مقتضى القاعدة فيه عدم الضمان،باعتبار ان تصرفه فيها و تملكه لها باذن الشارع بعد تعريفها
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۷ 52)
……….
سنة كاملة،و هو لا يقتضى الضمان،و التعدي عن مورد الصدقة إلى هذا المورد بحاجة إلى قرينة و لا قرينة عليه،لا فيه و لا في الخارج.فالنتيجة عدم الضمان هو الأظهر في صورة تملك الواجد لها.
و منها:أن المشهور بين الفقهاء عدم وجوب تعريفها إذا كانت قيمتها أقل من الدرهم،و لكنه لا يخلو عن اشكال بل منع،لأن مقتضى الاطلاقات وجوب تعريفها سنة و إن كانت قيمتها أقل من الدرهم،و لا دليل على تقييد تلك الإطلاقات الا مرسلة محمد بن أبي حمزة عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«سألته عن اللقطة؟قال:تعرف سنة قليلا كان أو كثيرا،قال:و ما كان دون الدرهم فلا يعرف» 1و هذه المرسلة و إن كانت تامة دلالة الا انه لا يمكن الاعتماد عليها من جهة الارسال،فاذن الأظهر وجوب تعريفها و إن كانت قيمتها أقل من الدرهم.
و منها:جواز تملكها إذا لم تكن ذات علامة مميزة قابلة للتعريف،و لكنه أيضا لا يخلو عن اشكال بل منع،لأن تملك مال الغير بحاجة إلى دليل و لا دليل عليه في المقام،و مقتضى القاعدة حينئذ هو التصدق بها،لأنه غاية ما يمكن ايصاله إلى المالك،نعم،في خصوص من وجد حيوانا في فلاة كالشاة أو نحوها فالرواية تنص على أنه له،كصحيحة هشام بن سالم و غيرها.
و لكن ذلك خارج عن محل الكلام فانه في اللقطة بالمعنى الأخص لا في الضالة،و التعدي بحاجة إلى قرينة،و من هنا يظهر ان الكنز يختلف عن اللقطة موضوعا و حكما،اما موضوعا فلأن الكنز هو المال المقيد بقيدين..
أحدهما:أن يكون مدفونا في الأرض أو نحوها.
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۷ 53)
……….
و الآخر:أن لا يكون له رب محترم فعلا.و اما اللقطة فهي مقيدة بأن يكون لها رب محترم فعلا و مجهول،كما أنها لا تكون مقيدة بالدفن.و اما حكما فلأن الكنز من الواجد و عليه خمسه كما مر دون اللقطة.
فالنتيجة:ان الكنز الذي له حكم خاص يفترق عن اللقطة في أمرين..
أحدهما:ان الكنز هو المال المدفون في الأرض أو نحوها،و اللقطة أعم من أن تكون مدفونة أو مكشوفة.
و الآخر:ان المعتبر في الكنز أن لا يكون له مالك محترم بالفعل،و اما في اللقطة فيعتبر فيها أن يكون لها مالك كذلك و مجهول،فذلك يختلف حكمه عن حكمها.
و اما المجهول مالكه وصفا لا عينا فهو يتمثل في المال الذي يكون مالكه معلوما عينا و مجهولا مكانا و بلدة أو وصفا،فمن أجل ذلك لا موضوع للتعريف و إن كان ذات علامة،و لا يمكن ايصاله إليه،و حكمه التصدق به تعيينا من قبله لأنه غاية ما يمكن ايصاله اليه.و تدل عليه صحيحة يونس ابن عبد الرحمن قال:«سئل أبو الحسن الرضا عليه السّلام و أنا حاضر..إلى أن قال:
فقال:رفيق كان لنا بمكة فرحل منها إلى منزله و رحلنا إلى منازلنا، فلما أن صرنا في الطريق أصبنا بعض متاعه معنا،فأي شيء نصنع به؟قال:
تحملونه حتى تحملوه إلى الكوفة،قال:لسنا نعرفه و لا نعرف بلده و لا نعرف كيف نصنع؟قال:إذا كان كذا فبعه و تصدق بثمنه،قال له:على من جعلت فداك؟ قال:على أهل الولاية» 1.ثم ان المراد من قول السائل«لسنا نعرفه»أي لا نعرفه وصفا لا أنه لا نعرفه عينا،فانه لا ينسجم مع كونه رفيقا له في مكة، نعم إذا كان المالك مجهولا عينا أيضا فعندئذ إذا احتمل امكان ايصاله
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۷ 54)
احتمال كونه لأحد البائعين عرّفه(1)المالك قبله فإن لم يعرفه فالمالك قبله
إليه بالتعريف وجب إذا كان ذات علامة مميزة قابلة للتعريف إلى أن ينسى من وجدان صاحبه،على أساس أن وجوب التعريف لا يتوقف على صدق اللقطة عليه،بل هو على طبق القاعدة باعتبار أن رد المال و ايصاله إلى مالكه واجب شرعا و عقلا،فإذا كان الايصال متوقفا على التعريف وجب.ثم ان هذا التعريف لا يكون محدودا إلى سنة،لأن التعريف المحدود بها انما هو في اللقطة للنص الخاص،و اما في المقام فبما أنه على طبق القاعدة فلا يكون محدودا الاّ باليأس عن الوصول إلى مالكه،فإذا يئس وجب التصدق به،و لا يجري عليه حكم اللقطة من التخيير بين الأمور الثلاثة المتقدمة،لفرض عدم صدقها عليه،فلا يكون مشمولا لدليلها،و أما إذا لم يكن ذات علامة،أو كان و لكن لا يمكن تعريفه،أو لا أثر له،فالوظيفة التصدق به.
و أما المال المعروف مالكه المفقود عينا فيجب الفحص و الطلب عنه أو عن وارثه ببذل أقصى جهده في سبيل الوصول إليه،فان قدر عليه،و الاّ فهو كسبيل ماله حتى يجيء صاحبه،و إن لم يجيء فيوصي به،و تنص عليه مجموعة من الروايات،منها:صحيحة هشام بن سالم قال:«سأل خطاب الأعور أبا ابراهيم عليه السّلام و أنا جالس،فقال:انه كان عند أبي أجير يعمل عنده بالأجرة،ففقدناه و بقى من أجره شيء،و لا يعرف له وارث،قال:فاطلبوه،قال:قد طلبناه فلم نجده،فقال:مساكين-و حرك يده-قال:فأعاد عليه،فقال:اطلب و اجهد فان قدرت عليه و الاّ فهو كسبيل مالك حتى يجيء له طالب،فان حدث بك حدث فأوص به إن جاء لها طالب أن يدفع إليه» 1هذا كله مع احتمال مجيء صاحبه و اما مع اليأس و انقطاع الأمل فحكمه التصدق.
لكن ظهر مما تقدم انه لا أثر لهذا الاحتمال،لأن المشتري إذا وجد
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۷ 55)
……….
كنزا في الأرض المبتاعة فان كان واثقا و متأكدا بأنه كان لأحد البائعين السابقين شريطة علمه ببقائهم في قيد الحياة و لو ببقاء وراثهم وجب الرجوع إليهم و القيام بتعريفه لهم،و حينئذ فأي واحد منهم أعطى وصفا مطابقا للوصف الموجود في الكنز فهو له،و أما إذا افترض عدم تمكن أيّ منهم من اعطاء وصف مطابق للوصف الموجود فيه لسبب من الأسباب كالنسيان،أو أن مدخره لم يبق في قيد الحياة و وارثه لا يعلم خصوصياته و أوصافه المميزة،فوظيفته الرجوع إلى القرعة و تعيين المالك بها دون التصدق،فانه وظيفة من لا يتمكن من تعيين المالك و لو بالأمارة الشرعية و ايصاله اليه،و إن كان واثقا و متأكدا بأن مدخره لم يبق على قيد الحياة جزما و يشك في وجود وارث له و انتقاله إليه، فقد مر ان المرجع في مثل ذلك استصحاب عدم وجوده،و به يحرز انه من الانفال،و حينئذ فإذا وجده المشتري فهو له،و عليه خمسه لدى توفر شروطه كما مر.
و دعوى ان الأرض المبتاعة بما أنها كانت تحت الأيادي المتعددة،فكل يد كانت عليها فهي أمارة على الملك في ظرفها،و على هذا فوظيفة المشتري أن يرجع إلى صاحب اليد اللاحقة،فإن نفى علاقته بالكنز سقطت يده عن الأمارية، و يرجع حينئذ إلى صاحب اليد السابقة عليها،و هكذا فان نفى الكل علاقته به كان لواجده شريطة أن لا يحتمل بقاء مدخره عادة على قيد الحياة،و لا يعلم بوجود وارث له.
مدفوعة بأن يد هؤلاء البائعين على الأرض المبتاعة لا تصلح أن تكون أمارة على ملكية الكنز فيها،فانه إن أريد من أمارية اليد أن المنتقل من البائع السابق إلى البائع اللاحق الأرض بما فيها من الكنز،اما بملاك ان انتقال الأرض من فرد إلى فرد آخر يستلزم انتقال كل المصادر و الثروات الطبيعية الموجودة في اعماقها أو المتكونة على سطحها منها الكنز اليه،أو بملاك ان البائع يبيع الأرض بما فيها من الكنز لا الأرض وحدها،فيرد عليه..
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۷ 56)
……….
أولا:ان انتقال الأرض من فرد إلى آخر لا يستلزم انتقال مصادرها و ثرواتها الطبيعية اليه لما تقدم من أنها لا تكون خاضعة للأرض في مبدأ الملكية باعتبار أنها ليست من اجزاء الأرض و لا من توابعها و شئونها،بل هي موجودات مستقلة في قبال وجود الأرض،و اما انتقال الكنز بعنوان جزء المبيع فهو خلاف الفرض،لأن المفروض ان المبيع هو الأرض وحدها لا مع الكنز، و بذلك يظهر ان الكنز كما لا ينتقل إلى البائع الثاني بتبع انتقال الأرض إليه لعدم كونه تابعا لها،كذلك لا ينتقل إليه بعنوان جزء المبيع.
و ثانيا:ان لازم ذلك هو انتقال الكنز إلى المشتري فعلا،و هو خلف الفرض،و إن أريد من أمارية يد هؤلاء أنها تكشف عن ان صاحبها هو الذي ادخره في الأرض و دفنه فيها،فيرد عليه..
أولا:انها لا تكشف عن ذلك و لا تكون أمارة عليه،و انما هي أمارة على الملك فقط في ظرف الشك في أنها يد أمانة أو عادية أو ملك على أساس الغلبة.
و ثانيا:أن كل واحدة من هذه الأيادي لو كانت كاشفة عن ان صاحبها هو الذي ادخره في الأرض و دفنه فيها لزم التعارض و التنافي بين هذه الأيادي و سقوط الجميع عن الأمارية من جهة المعارضة،الاّ أن يقال ان كشف اليد اللاحقة عن ذلك مشروط بعدم سبقها بيد أخرى،و نتيجة ذلك ان الكاشف عن ذلك انما هو يد البائع الأول دون غيره،و عليه فلا بد من الرجوع إليه دون الباقي مع أن صاحب هذه الدعوى يقول بالرجوع إلى البائع الأخير،فالنتيجة أن هذه الدعوى لا ترجع بالتحليل إلى معنى محصل،فالصحيح هو ما ذكرناه،هذا حسبما تقتضيه القاعدة الأولية.
و اما بالنظر إلى الروايات،فقد يقال-كما قيل-:أنها تدل على وجوب الرجوع إلى البائع..
منها:صحيحة عبد اللّه بن أبي جعفر الحميري،قال:«كتبت إلى
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۷ 57)
……….
الرجل عليه السّلام أسأله عن رجل اشترى جزورا أو بقرة للأضاحي،فلما ذبحها وجد في جوفها صرة فيها دراهم أو دنانير،أو جوهرة لمن يكون ذلك؟فوقع عليه السّلام:
عرّفها البائع فان لم يكن يعرفها فالشيء لك رزقك اللّه إياه» 1و مثلها صحيحته الأخرى 2.فانها تنص على وجوب تعريف الصرة التي وجدها في جوف الأضاحي للبائع،فان لم يعرفها فهي لواجدها.
و منها:موثقة محمد بن قيس عن أبي جعفر عليه السّلام قال:«قضى علي عليه السّلام في رجل وجد ورقا في خربة أن يعرّفها،فان وجد من يعرفها و الاّ تمتع بها» 3فانها تدل على وجوب التعريف،و مقتضى اطلاقها عدم الفرق بين أن يكون عالما بوجود المالك له،أو لا.
و منها:موثقة اسحاق بن عمار قال:«سألت أبا ابراهيم عليه السّلام عن رجل نزل في بعض بيوت مكة فوجد فيها نحوا من سبعين درهما مدفونة فلم تزل معه و لم يذكرها حتى قدم الكوفة كيف يصنع؟قال:يسأل عنها أهل المنزل لعلهم يعرفونها،قلت فان لم يعرفوها،قال:يتصدّق بها» 4.
و لكن للمناقشة في تلك الروايات مجال،أما الرواية الأولى،فلأن الصرة التي وجدها في جوف الجزور أو البقرة لا يصدق عليها الكنز لكي يجري عليها حكمه،و أما اللقطة فهي و إن كانت تصدق عليها الاّ أنه لا يجري حكمها عليها و هو وجوب تعريفها سنة كاملة،إذ لا يكفي تعريفها للبائع فقط،فانه إذا لم يعرفها علم الواجد أنها لفرد آخر،و حينئذ فان علم وجوده فعلا و امكان ايصالها إليه وجب عليه تعريفها،فان لم يوجد فهو مخير بين الأمور الثلاثة المتقدمة، و مع اليأس عن الايصال سقط وجوب التعريف و تصدق بها،و إن لم يعلم بوجوده فعلا بمعنى انه يعلم من القرائن الخارجية ان مالكها الأول لم يبق على قيد الحياة لحد الآن،و لا يعلم بوجود وارث له بالفعل،و مقتضى الأصل عدمه،
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۷ 58)
……….
فهي من الانفال،و حكمها أنها لواجدها شريطة أن يكون ممن شملته روايات التحليل.
و اما الصحيحة التي تنص على أن البائع إذا لم يعرفها فهي لواجدها فلا تنسجم مع كونها لقطة،فان حكمها وجوب التعريف لا أنها لواجدها،كما أنه لا يترتب عليها حكم مجهول المالك،فان حكمه التصدق بها،فاذن لا مناص من التصرف فيها إما بحملها على صورة العلم بعدم وجود المالك لها فعلا و لو بمقتضى الاستصحاب،أو الاقتصار على موردها و إن علم الواجد بوجود المالك لها بالفعل غير البائع المجهول عنده و عدم التعدي عنه إلى سائر الموارد.
و اما الرواية الثانية:فلا بد من حملها على ما إذا كان الورق قابلا للتعريف، بأن تكون ذات علامة مميزة من جهة،و على أن الواجد واثق و مطمئن بوجود المالك له من جهة أخرى،و مما يؤكد ذلك انه لم يفرض فيها جلاء أهلها كما فرض في صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة،و على الجملة فطبع القضية في مورد الموثقة و امثاله يتطلب كون الواجد واثقا بوجود المالك له بالفعل،اذ فرض أن أهلها قد جلا عنها مئات السنين و لم يبق أحد منهم على قيد الحياة و لا يعلم بوجود وارث لهم،فرض نادر جدا و لا يضر بالاطمئنان و الوثوق بوجود المالك له في الواقع المجهول في الظاهر،فالنتيجة انه لا بد من حمل الموثقة على اللقطة.
و أما الرواية الثالثة:فلا شبهة في ان موردها اللقطة حيث ان من وجد الدراهم فيه يعلم بطبيعة الحال أن لها مالكا محترما،إذ لا يحتمل عادة أنها مدفونة في الدار قبل مئات السنين بل هو واثق و متأكد بأنها من أحد النازلين فيها،أو من صاحبها باعتبار أنها معدّة لنزول الحجاج و الزوار فيها، فمن أجل ذلك يجب عليه الفحص عن أهلها،فان يئس يتصدق بها.ثم ان ظاهر هذه الرواية و إن كان وجوب التصدق بها تعيينا،الاّ انه لا بد من رفع اليد عن ظهورها في ذلك بقرينة نص صحيحة حنان بن سدير المتقدمة في ان الواجد
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۷ 59)
و هكذا فإن لم يعرفوه فهو للواجد و عليه الخمس،و إن ادعاه المالك السابق فالسابق أعطاه بلا بينة(1)،و إن تنازع الملاّك فيه يجري عليه حكم التداعي،
احق بها.
فالنتيجة ان الروايات لا تدل على وجوب الرجوع إلى البائع،اما الرواية الأولى فلا بد من الاقتصار على موردها،و لا يمكن التعدي عنه إلى سائر الموارد، و اما الرواية الثانية و الثالثة فموردهما اللقطة،فلذلك يجب الفحص عن أهلها و التعريف.
في اطلاقه اشكال بل منع،فانه انما يتم إذا نفى الكل ملكية المال المكنوز،و عندئذ تكون دعواه بأنه ملكه حجة و إن لم يكن ثقة،و تدل عليه صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«قلت:عشرة كانوا جلوسا وسطهم كيس فيه ألف درهم،فسأل بعضهم بغضا أ لكم هذا الكيس؟فقالوا كلهم:لا،و قال واحد منهم هو لي،فلمن هو؟قال:للذي ادعاه» 1.فانها ناصة في أن دعواه مسموعة إذا نفى الباقي علاقته به.و اما إذا كان ساكتا و لا يدعي علاقته بالمال و لا ينفيها حيث انه يحتمل في الواقع أن يكون المال ملكا له،فلا تدل الصحيحة على قبول دعواه في هذا الفرض،لأنه خارج عن موردها،فاذن قبولها فيه بحاجة إلى دليل و لا دليل عليه،الاّ إذا كان ثقة،و أما الواجد للمال المكنوز فان احتمل ان تاريخه الزمني متقدم بمئات السنين على تاريخ أصحاب الأيادي المتأخرة المتعاقبة و لا يكون واثقا و متأكدا بأنه ملك لأصحاب تلك الأيادي، و انما ذلك مجرد احتمال،كما انه لا يعلم بوجود وارث لمدخره فعلا فهو له لاستصحاب عدم دخوله في ملك هؤلاء من ناحية،و استصحاب عدم وجود وارث له من ناحية أخرى،و بذلك يحرز الموضوع بضم الوجدان إلى الأصل،
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۷ 60)
و لو ادعاه المالك السابق إرثا و كان له شركاء نفوه دفعت إليه حصته(1)و ملك
لأن كونه مالا محرز بالوجدان،و عدم وجود مالك محترم له بالفعل بالاستصحاب،فاذن يدخل في الأنفال و يكون واجده أحق به و عليه خمسه شريطة توفر شروطه،نعم إذا علم الواجد بأنه ملك لأصحاب الأيادي المتعاقبة الموجودين بالفعل،فعندئذ إذا ادعى واحد منهم أنه ماله،فان نفى الباقون علاقتهم به فهو للمدعي بمقتضى اطلاق الصحيحة،و إن سكتوا عنه و لم ينفوا العلاقة به لم تسمع دعواه في هذه الحالة،الاّ إذا كان ثقة،فإنها غير مشمولة لإطلاق الصحيحة كما مر،و في هذا الفرض اذا ادعى كل واحد منهم انه ماله فتدخل المسألة حينئذ في مسألة التداعي،و هي ما إذا كان المال في يد فرد ثالث غير المدعيين كما هو المفروض في المقام،أو كان في أيديهما معا.
هذا إذا كان ثقة،و الا فلا تكون دعواه مسموعة،لأنها ليست من موارد الصحيحة حيث ان دعواه معارضة بنفي شركائه،غاية الأمر أن نفيهم انما يكون نافذا في حصصهم دون حصة المدعي،و عليه فان كان المدعي ثقة كانت دعواه حجة بالنسبة إلى اثبات حصته بملاك عدم الفرق في حجية خبر الثقة بين الموضوعات و الأحكام الشرعية.
ثم ان حصة الشركاء بما أنها ليست ملكا لهم على أساس اقرارهم النافذ عليهم،و كونها ملكا لغيرهم غير معلوم،فلا مانع حينئذ من التمسك بأصالة عدمه،و بها يحرز انه مال و لم يكن له مالك فعلا،فإذا كان كذلك فهو لواجده.
و إن شئت قلت:ان المدعي يدعي ان المال المكنوز عند الواجد كان لوالده فانتقل منه إلى ورثته،و أما سائر أخوته الشركاء معه فهم منكرون ذلك، و يقولون ان المال المذكور لم يكن ملكا للوالد،و عندئذ فان كان المدعي ثقة كان قوله حجة في انتقال حصته إليه دون حصص سائر الأخوة،فانها لا تنتقل إليهم
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۷ 61)
الواجد الباقي(1)و أعطى خمسه.
و يشترط في وجوب الخمس فيه النصاب و هو عشرون دينارا(2).
[مسائل]
[مسألة 14:لو وجد الكنز في أرض مستأجرة أو مستعارة وجب تعريفهما و تعريف المالك أيضا]
[2890]مسألة 14:لو وجد الكنز في أرض مستأجرة أو مستعارة وجب
على أساس انكارهم و اعترافهم بعدم الإرث منه،و هو نافذ في حقهم و إن لم يكونوا ثقة،و على هذا فإن علم الواجد بوجود مالك له بالفعل المجهول عنده جرى عليه حكم اللقطة،و إن لم يعلم بوجود مالك له فعلا و عدم بقاء مالكه السابق على قيد الحياة عادة كانت حصص هؤلاء الأخوة ملكا له ظاهرا،و إن لم يكن المدعي ثقة لم يكن قوله حجة،و عليه فحكم حصته حكم حصص سائر الإخوة،نعم إذا أقام المدعي بينة على ان المال المدفون عند الواجد كان ملكا لوالده،و عندئذ فإن أنكر سائر الاخوة البينة و اعترفوا بأن المال المذكور لم يكن ملكا للوالد كانت البينة حجة بالنسبة إلى حصة المدعي فحسب دون حصص سائر الإخوة،فان اقرارهم مانع عن حجيتها،و إن لم ينكروها قسم المال بين الجميع بالسوية.
هذا إذا لم يعلم الواجد بوجود مالك آخر للباقي بالفعل،فانه حينئذ يكون له ظاهرا،باعتبار انه ليس ملكا لسائر أخوة المدعي أيضا بمقتضى اقرارهم،و الظاهر ان هذا هو مراد الماتن قدّس سرّه بقرينة انه قد فرض في المسألة احتمال كونه من أحد البائعين،و عليه فلا وجه لحمل كلامه على صورة علمه بوجود مالك له بالفعل المجهول عنده لكي يستشكل عليه بأنه حينئذ يكون من مجهول المالك،فان كان ذات علامة مميزة وجب تعريفه،و الاّ تصدق به.
على الأظهر،هذا في الذهب المسكوك،و أما في الفضة المسكوكة فهو مائتا درهم،و مع هذا كان الأحوط و الأجدر اخراج الخمس منه و إن كان أقل
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۷ 62)
تعريفهما و تعريف المالك أيضا(1)،فإن نفياه كلاهما كان له و عليه الخمس(2)،و إن ادعاه أحدهما اعطي بلا بينة(3)،و إن ادعاه كل منهما ففي
من ذلك،لأن الدليل عليه قوله عليه السّلام في صحيحة البزنطي:«ما تجب الزكاة في مثله ففيه الخمس» 1على أساس ظهوره عرفا في المماثلة في الجنس و المقدار معا، و هذا الظهور و إن كان قريبا عرفا إلاّ انه مع ذلك كان الاحتياط في محله.
في اطلاقه اشكال بل منع،لأن من وجد كنزا فيها،فإن كان تاريخه الزمني قديما و يكون قبل مئات السنين و لا يحتمل بقاء مدخره لحد الآن على قيد الحياة،و لا يعلم بوجود وارث له بالفعل فهو لواجده،و لا فرق بين أن يكون في تلك الأراضي أو الأراضي التي لا ربّ لها،أو المفتوحة عنوة،لما مر من ان الكنوز الموجودة في الأراضي المملوكة بالاحياء أو بالابتياع لا تتبع رقبة الأرض باعتبار أنها موجودات مستقلة لا ترتبط بها الاّ ارتباط المظروف بالظرف.و إن كان تاريخه الزمني حديثا و يكون قبل عدة سنين فعندئذ إذا دار أمره بين أن يكون من المستأجر أو من المالك وجب عليه الفحص،لأنه داخل في اللقطة حينئذ،و لا يكون من الكنز،نعم إذا نفياه معا فعندئذ إن علم اجمالا بأنه ملك لمالك آخر موجود فعلا وجب عليه التعريف سنة كاملة شريطة أن لا يكون مأيوسا منه جزما،و إن علم بأن مدخره لم يبق على قيد الحياة عادة لحد الآن فهو له و عليه خمسه.
هذا إذا علم بعدم وجود مالك له بالفعل المجهول عنده و لو بمقتضى الأصل،و الاّ جرى عليه حكم اللقطة إذا علم بوجود مالك له فعلا و لو بالاستصحاب.
في اطلاقه اشكال بل منع،فانه انما يتم لدى توفر أمرين فيه..
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۷ 63)
……….
أحدهما:ان يعلم الواجد إجمالا ان المال المكنوز لأحدهما.
الثاني:ان الآخر ينفي علاقته به،فإذا توفر هذان الأمران اعطى للمدعى بمقتضى صحيحة منصور بن حازم المتقدمة،و الاّ فلا.
و إن شئت قلت:أن هاهنا صورا:
الأولى:أن يعلم الواجد ان المال إما للمدعي،أو للآخر،و في هذه الحالة إن نفى الآخر علاقته به فهو للمدعي و إن لم يكن ثقة،و إن لم ينف و يحتمل أنه في الواقع ملك له لم يحكم بأنه للمدعي،و لا يجب عليه حينئذ ردّه إليه الاّ إذا كان ثقة على أساس أن قول الثقة حجة إذا لم يكن له معارض،و الفرض عدم المعارض له في المقام.
الثانية:أن يعلم الواجد ان المال اما أن يكون للمدعي،أو لصاحبه،أو لمالك ثالث مجهول عنده،و في هذه الحالة لا تكون دعوى المدعي حجة الاّ إذا كان ثقة.
قد يقال:ان تقديم قول المدعي انما هو على أساس حجية قول ذي اليد باعتبار ان المال تحت يدي المالك و المستأجر معا،فإذا ادعى أحدهما ملكية المال دون الآخر كان قوله حجة بملاك حجية قول ذي اليد إن لم يكن ثقة.
و الجواب..أولا:ان الأرض تحت أيديهما معا دون الكنز،فانه موجود مستقل و ليس من توابع الأرض و شئونها كما مر،فاذن لا تكون دعوى أحدهما الكنز حجة بملاك حجية قول ذي اليد.
و ثانيا:ان الأرض و ما فيها تحت يد المستأجر فعلا دون المالك،و بذلك يظهر حال ما بعده.
الثالثة:إذا ادعى كل منهما ملكية المال فان أقام أحدهما بينة دون الآخر فالمال له و ان أقام كلاهما بينة قسم المال بينهما للنص الخاص.
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۷ 64)
تقديم قول المالك وجه لقوة يده(1)،و الأوجه الاختلاف بحسب المقامات في قوة إحدى اليدين.
[مسألة 15:لو علم الواجد أنه لمسلم موجود هو أو وارثه في عصره مجهول]
[2891]مسألة 15:لو علم الواجد أنه لمسلم موجود هو أو وارثه في عصره مجهول ففي إجراء حكم الكنز أو حكم مجهول المالك عليه وجهان(2)،و لو علم أنه كان ملكا لمسلم قديم فالظاهر جريان حكم الكنز عليه(3).
[مسألة 16:الكنوز المتعددة لكل واحد حكم نفسه في بلوغ النصاب و عدمه]
[2892]مسألة 16:الكنوز المتعددة لكل واحد حكم نفسه في بلوغ النصاب و عدمه،فلو لم يكن آحادها بحد النصاب و بلغت بالضم لم يجب فيها
في القوة اشكال بل منع،لأن اليد على الأرض على تقدير كونها أمارة على علاقة صاحبها بالكنوز الموجودة فيها و لا فرق بين يد المالك و يد المستأجر،فكما ان الأولى كاشفة عنها فكذلك الثانية،و لا يكون كشف الأولى أقوى من كشف الثانية،و لا سيما إذا كانت الاجارة في مدة طويلة.
فيه ان الظاهر اجراء حكم اللقطة عليه لا الكنز و لا مجهول المالك،اما الكنز فقد تقدم ان حكمه مرتبط باحراز عدم وجود مالك محترم له بالفعل و لو بمقتضى الاستصحاب،و أما مجهول المالك فهو مرتبط بأن لا يكون وجوده عند فرد مستندا إلى التقاطه و وجدانه إياه من ناحية،و عدم الموضوع للتعريف فيه من ناحية أخرى كما مر،و حكمه وجوب التصدق به تعيينا،و هذا بخلاف اللقطة فان حكمها وجوب التعريف إلى سنة،ثم التخيير بين التصدق بها،أو التملك لها،أو التحفظ عليها إلى أن يجيء صاحبها،نعم إذا لم يمكن تعريفها فحكمها وجوب التصدق بها،فاذن لا فرق بينها و بين مجهول المالك في الحكم،و لعله قدّس سرّه أراد منه المعنى العام الشامل للقطة أيضا.
هذا إذا لم يعلم بوجود وارث له بالفعل،و الاّ فهو من اللقطة و يجب
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۷ 65)
الخمس(1)،نعم المال الواحد المدفون في مكان واحد في ظروف متعددة يضم بعضه إلى بعض فإنه يعد كنزا واحدا و إن تعدد جنسها.
الفحص عن صاحبه بتعريفها.
في عدم الوجوب اشكال بل منع،لأن الكنوز المتعددة من الذهب أو الفضة إذا بلغ مجموعها النصاب،فالظاهر وجوب الخمس فيه،و الوجه في ذلك ان اطلاق دليل الكنز يقتضي وجوبه مطلقا،سواء أ كان قليلا أم كان كثيرا،باعتبار ان الموضوع فيه طبيعي الكنز و لكن صحيحة الحلبي المتقدمة تدل على تقييده بما إذا بلغ عشرين دينارا إذا كان الكنز ذهبا،و مائتي درهم إذا كان فضة،و مقتضى اطلاقها عدم الفرق بين بلوغه النصاب من كنز واحد أو كنوز متعددة،فالتقييد بكنز واحد بحاجة إلى قرينة،أو فقل ان الموضوع في الصحيحة طبيعي الكنز، و تدل على أنه إذا بلغ النصاب ففيه الخمس،و الفرض ان الطبيعي يصدق على الواحد و الكثير في عرض واحد،فلا وجه للتقييد بالواحد.و يؤكد ذلك ما أشرنا إليه سابقا من ان المتفاهم العرفي من روايات الخمس في كل باب بمناسبة الحكم و الموضوع الارتكازية ان موضوع وجوبه الفائدة و الغنيمة التي يغتنمها المرء،غاية الأمر تكون الفائدة مرة بعنوان المعدن،و أخرى بعنوان الكنز،و ثالثة بعنوان الغوص،و رابعة بعنوان أرباح المكاسب و هذه العناوين و إن كانت قد توجب الاختلاف في بعض شروط الخمس الاّ أنها جميعا تشترك في نقطة واحدة،و هي ان الموضوع للوجوب الفائدة و الغنيمة،سواء أ كان اغتنامها بالتكسب،أم باستخراج المعدن،أو وجدان الكنز،أو نحو ذلك،و على هذا فلا فرق في الفائدة التي يستفيدها المرء بوجدان الكنز بين أن تكون من كنز واحد أو كنوز متعددة،كما انه لا فرق بين أن يجد المرء كنوزا متعددة في مكان واحد و يبلغ المجموع قدر النصاب،و أن يجد كنوزا في أمكنة متعددة في زمن واحد
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۷ 66)
[مسألة 17:في الكنز الواحد لا يعتبر الإخراج دفعة بمقدار النصاب]
[2893]مسألة 17:في الكنز الواحد لا يعتبر الإخراج دفعة بمقدار النصاب(1)فلو كان مجموع الدفعات بقدر النصاب وجب الخمس و إن لم يكن كل واحدة منها بقدره.
[مسألة 18:إذا اشترى دابة و وجد في جوفها شيئا فحاله حال الكنز الذي يجده في الأرض المشتراة]
[2894]مسألة 18:إذا اشترى دابة و وجد في جوفها شيئا فحاله حال الكنز الذي يجده في الأرض المشتراة في تعريف البائع(2)و في إخراج الخمس إن
عرفا و يبلغ المجموع النصاب.
نعم،إذا وجد كنوزا بفاصل زمني كما إذا وجد كنزا لم يبلغ النصاب ثم بعد مدة وجد كنزا آخر كذلك،و لكن إذا ضمّه إلى الأول يبلغ المجموع النصاب، ففي مثل ذلك لا خمس فيه،لأن الأول حين ما وجده لم يكن مشمولا لدليل الخمس،و أما بقاء فلا دليل عليه،لأن ما دل على وجوب الخمس في الكنز كغيره من أدلة الخمس ظاهر في وجوبه حينما وجده شريطة أن يبلغ النصاب في ذلك الحين و الاّ فلا يكون مشمولا له،و لا يوجد دليل آخر يدل على كفاية الضم في وجوبه،أو فقل انه حينما يصدق عليه أنه فائدة يستفيدها المرء و يغنمها لم تكن مشمولة لدليل الخمس من جهة عدم توفر شرطه و هو النصاب،و حينما يتحقق ذلك الشرط بقاء لا يصدق عليه أنه فائدة يستفيدها المرء و يغنمها،بل انه كان فائدة يستفيدها و يغنمها.
فيه ان اخراج الكنز من موضعه غير معتبر في وجوب الخمس فيه حتى يقال ان اخراجه دفعة واحدة بمقدار النصاب غير معتبر فيه،بل تكفي الدفعات ضرورة ان المعيار فيه إنما هو بوجدانه و الاستيلاء عليه،فإذا وجده وجب خمسه و إن لم يخرجه بل ظل باقيا في مكانه،فقياس الكنز بالمعدن من هذه الناحية قياس مع الفارق.
تقدم ان الكنز الذي يجده في الأرض المبتاعة انما يجب تعريف
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۷ 67)
لم يعرفه(1)،و لا يعتبر فيه بلوغ النصاب،و كذا لو وجد في جوف السمكة
البائع إذا علم واجده انه لأحد البائعين السابقين،و أما إذا علم انه مدفون في الأرض قبل مئات السنين و لا يعلم بوجود وارث لمدخره فعلا فهو من الأنفال، و يكون واجده أحق به،و إذا لم يعلم بالحال و شك في انه لأحد هؤلاء البائعين الموجودين فعلا،أو أنه مدفون قبل سنين متمادية بحيث لا يحتمل بقاء مدخره على قيد الحياة عادة،و لا يعلم بوجود وارث له فعلا،فلا يجب عليه تعريف البائع،لأن وجوبه مبنى على أن تكون يده أمارة على ملكية الكنز،و قد مر أنها لا تصلح أن تكون أمارة عليها،فاذن مقتضى الأصل عدم انتقاله إليه من ناحية، و عدم وجود الوارث له من ناحية أخرى،فالنتيجة انه من الأنفال أيضا،و يكون واجده أحق به،و عليه خمسه عند توفر شروطه،و أما الصرة التي وجدها في بطن دابة مشتراة فلا يصدق عليها مفهوم الكنز،و على هذا فمقتضى القاعدة هو أن المشتري إذا كان واثقا بأنها للبائع وجب تعريفه و الرجوع إليه،و إن نفى البائع و لم يعرفه فحينئذ إن اطمأن بأن لها مالكا موجودا فعلا و مجهولا عنده جرى عليها حكم اللقطة لصدقها،و أما إذا اطمأن بأن مالكها لم يبق على قيد الحياة لحد الآن و لا يعلم بوجود وارث له فهي من الأنفال،أي ملك للإمام عليه السّلام،و عليه فيكون واجدها أحق بها،و هل تلحق بالكنز في وجوب الخمس،أو تدخل في أرباح المكاسب؟الظاهر هو الثاني،إذ لا دليل على الالحاق،و أما بالنظر إلى النص فقد مر أن صحيحة عبد اللّه بن جعفر الحميري المتقدمة تنص على وجوب تعريف البائع،فان لم يعرفها فهي لواجدها،و مقتضى اطلاقها أنها له و إن علم بوجود مالك لها فعلا المجهول عنده،فمن أجل ذلك قلنا آنفا انه لا بد من الاقتصار على موردها.
مر أن ما وجد في جوف الدابة ليس بكنز،و لا يترتب عليه حكمه و هو وجوب خمسه شريطة توفر أمرين فيه..
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۷ 68)
المشتراة مع احتمال كونه لبائعها(1)،و كذا الحكم في غير الدابة و السمكة من سائر الحيوانات.
أحدهما:أن يكون من الذهب أو الفضة المسكوكة بسكة المعاملة.
و الآخر:أن يبلغ النصاب،بل هو داخل في مطلق الفائدة و الغنيمة،كما انه لا يترتب عليه أحكام اللقطة و ان صدق عليه عنوانها،و لا أحكام مجهول المالك،بل مقتضى النص وجوب تعريف البائع فحسب فان لم يعرفه فهو لواجده،فيدخل في أرباح المكاسب.
فيه انه لا موجب لتعريف البائع خاصة مع احتمال أنها له ما لم يكن واثقا بذلك كما مر،و السبب فيه أن ما وجده من الجوهرة في بطن السمكة إن كان من جوهرة البحر كاللؤلؤ و المرجان و نحوهما فهو من الأنفال،و ليس ملكا للصائد،على أساس أن مصدر علاقته بها إنما هو حيازتها،و هي عبارة عن وقوعها في الشبكة التي وضعها لاصطيادها،إذ وقوعها فيها الموجب لشلّ حركتها و هروبها أدى إلى وجود حق للصياد فيها،و لا يسمح لآخر بموجبه أن يأخذها من الشبكة،و لكن هذه العلاقة له انما هي ما دامت في حوزته و تحت استيلائه،و أما إذا هربت منها فينتهى حقه بهروبها منها و لا يظل باقيا،و من الطبيعي أن هذه العلاقة لا تمتد إلى ما هو الموجود في جوفها بوجود مستقل غير مرتبط بوجود السمكة الاّ ارتباط المظروف بالظرف،فاذن يبقى ما في جوفها على ما كان عليه قبل اصطيادها،فيجوز للمشتري حيازته و لا مقتضى حينئذ لتعريف البائع و الرجوع إليه.
و إن شئت قلت:ان ما في جوف السمكة لو كان من تبعات وجودها و شئونه كفى في حيازته حيازتها،و أما إذا كان موجودا مستقلا مباينا لوجود السمكة كما هو المفروض،فلا يكفي في حيازته حيازتها،بل بحاجة إلى حيازة
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۷ 69)
……….
مستقلة،و الفرض ان الصائد لم ينو حيازته مع أن حيازة شيء تتوقف على القصد و تتقوم به،فالنتيجة أن الجوهرة الموجودة في جوف السمكة بما أنها تظل باقية على اباحة التصرف لكل من شملته روايات التحليل،فللمشتري أخذها و حيازتها،و عليه خمسها من باب ارباح المكاسب.و إذا كان ما في جوفها ملكا لمسلم كما إذا سقط منه في البحر خاتمه،أو دينار من الذهب،أو درهم من الفضة،أو نحو ذلك فهو داخل في اللقطة،و إذا كانت فيه علامة مميزة مع عدم اليأس عن امكان ايصاله إلى صاحبه وجب تعريفها سنة كاملة،فان لم يوجد فيتخير بين التصدق به مع الضمان،و تملكه و الحفاظ عليه برجاء مجيء صاحبه.
و دعوى أنه لا يجب عليه الرجوع إلى البائع و لا إلى غيره،أما الثاني فلأن التعريف إذا لم يجب في الدابة بمقتضى صحيحة الحميري المتقدمة ففي السمكة بالأولوية القطعية،على أساس أن ما ابتلعته السمكة يعدّ لدى العرف تالفا،و أما الأول فلأنه لا خصوصية للبائع في وجوب الرجوع إليه،فان حاله بالنسبة إلى ما في جوف السمكة حال غيره على حد سواء،فلا مقتضى للرجوع إليه دون غيره.
مدفوعة:بأن وجوب تعريفه انما هو على أساس صدق اللقطة عليه،لأن المشتري إذا وجده في جوفها و علم بوجود مالك محترم بالفعل له مردد بين البائع و غيره و أن لا يكون مأيوسا من امكان ايصاله اليه بالتعريف وجب، و حينئذ فان نفى البائع علاقته به و اطمأن المشتري بأن مالكه غيره، فإن لم يكن مأيوسا من ايصاله إليه بالفحص لزم.و دعوى عدم وجوب الفحص عنه في المقام ثابت بالأولوية القطعية لا أساس لها،لأن عدم وجوب الفحص في مسألة الدابة انما هو ثابت بالنص،و هو صحيحة الحميري المتقدمة، و لولاه لكان مقتضى القاعدة وجوبه فيها أيضا بلا فرق بين البائع و غيره، نعم إذا فرض ان المشتري يعلم انه لو كان لغير البائع فهو لم يبق على
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۷ 70)
[مسألة 19:إنما يعتبر النصاب في الكنز بعد إخراج مئونة الإخراج]
[2895]مسألة 19:إنما يعتبر النصاب في الكنز بعد إخراج مئونة الإخراج(1).
قيد الحياة لحد الآن،و لا يعلم بوجود وارث له فعلا،ففي مثل ذلك انه من الانفال،و يكون المشتري أحق به،و عليه خمسه من باب خمس أرباح المكاسب،هذا كله فيما إذا كانت مهنة البائع صيد الاسماك ثم بيعها،و أما إذا كانت مهنته تربية الاسماك في الأحواض المعدة لها ليبيعها عند بلوغها كأصحاب الدواجن،و عندئذ فإذا وجد المشتري في جوف السمكة اللؤلؤ و المرجان أو الياقوت أو الفيروزج أو نحو ذلك فهو واثق بأنه من أصحاب الأحواض أو عمالها لا من الخارج،و حينئذ فيجرى عليه حكم اللقطة كوجوب تعريفه إذا كانت ذات علامة مميزة،و الاّ فالتصدق به من قبل صاحبه الاّ إذا كان مشتبها بين جماعة محصورة،و عندئذ لا يبعد الرجوع إلى القرعة لتعيين المالك.
و بذلك يظهر حال الطيور،فانها كالسمكة فانه إذا اصطادها ثم باعها و وجد المشتري في جوفها شيئا فهو له شريطة أن يعلم بعدم وجود مالك محترم له فعلا و لو بمقتضى الأصل،و أما إذا علم بوجوده كذلك و لو بالأصل فإن أمكن الفحص وجب،و الاّ تصدق به،و إذا رباها في أقفاصها ثم باعها فالحكم كما في السمكة.
فيه اشكال بل منع،و الأظهر اعتبار النصاب فيه قبل اخراج المئونة، فإذا بلغ الكنز النصاب تعلق الخمس بالزائد على المئونة،و يكون تعلقه به مشروطا ببلوغ مجموع ما صرف في المئونة و الباقي النصاب،فإذا صرف في سبيل الوصول إلى كنز ما يعادل خمسة دنانير مثلا و بلغ الكنز عشرين دينارا تعلق الخمس بالزائد،أما الأول فلإطلاق دليل النصاب و عدم تقييده بما بعد المئونة،و أما الثاني فلأن موضوع وجوب الخمس هو الفائدة،و هي لا تصدق الاّ
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۷ 71)
[مسألة 20:إذا اشترك جماعة في كنز فالظاهر كفاية بلوغ المجموع نصابا]
[2896]مسألة 20:إذا اشترك جماعة في كنز فالظاهر كفاية بلوغ المجموع نصابا(1)و إن لم يكن حصة كل واحد بقدره.
على الزائد على المئونة.
في الظهور اشكال بل منع،لأن المكلف باخراج الخمس من النصاب لا يخلو إما أن يكون المجموع من حيث المجموع،أو كل واحد واحد، و كلاهما لا يمكن،أما الأول فلأن المجموع من حيث المجموع لا يمكن أن يكون مكلفا لأنه لا وجود له في الخارج لكي يمكن القاء الخطاب اليه و ما هو موجود فيه الأفراد،و الفرض ان حصة كل واحد منهم لا يبلغ النصاب حتى يكون مكلفا باخراج الخمس منها،و به يظهر حال الفرض الثاني،هذا اضافة إلى أن موضوع وجوب الخمس هو الفائدة الشخصية التي يستفيدها المرء،غاية الأمر قد يكون تعلق الخمس بتلك الفائدة بعنوان أرباح المكاسب،و قد يكون بعنوان المعدن،و قد يكون بعنوان الكنز و هكذا،و الفرض عدم تحقق موضوع وجوب الخمس بعنوان الكنز بالنسبة إلى كل منهم،لأن الفائدة التي يستفيدها كل فرد منهم لم تبلغ النصاب،و قد مر نظير ذلك في باب المعدن.
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۷ 72)
نتائج بحوث الكنز تتمثل في مجموعة من المسائل:
الأولى:
1-الكنز:المال المدفون في الأرض أو نحوها الذي لا يكون له مالك محترم فعلا و لو بمقتضى الأصل،و هو من الانفال،و حكمه انه لواجده على مستوى الحق و عليه خمسه شريطة توفر أمرين فيه..
الأول:أن يكون من الذهب أو الفضة المسكوكين بسكة المعاملة.
و الثاني:أن يبلغ النصاب.
2-اللقطة بالمعنى الأخص:المال الضائع الذي يكون له مالك محترم فعلا و مجهول عينا،و حكمه وجوب الفحص و التعريف على واجده شريطة أمرين..
أحدهما:أن لا يكون مأيوسا من وجدان مالكه جزما.
و الآخر:أن تكون فيه علامة مميزة،فإذا توفر الأمران وجب تعريفه سنة كاملة،فان لم يوجد فهو مخير بين التصدق به مع الضمان و التملك له و المحافظة عليه برجاء مجيء صاحبه،و الاّ فحكمه التصدق به فقط بلا ضمان، بمعنى ان صاحبه إذا جاء فلا يحق له أن يطالبه ببدله.
3-المال المجهول مالكه وصفا لا عينا:و حكمه وجوب التصدق به.
4-المال المعروف مالكه المفقود عينا:و حكمه وجوب الفحص عنه،و المحافظة على ماله إلى أن يجيء،و إن لم يجيء فيوصي به.
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۷ 73)
الثانية:
ان الكنز إذا كان تاريخه الزمني قبل الإسلام فهو لواجده على مستوى الملك،و إن كان بعد الإسلام،فان كان في دار الكفر فأيضا الأمر كذلك،الاّ إذا علم من الخارج انه ملك لمالك محترم فانه حينئذ يدخل في الفرض الثاني،و إن كان في دار الإسلام فان كان تاريخه الزمني قبل مئات السنين بحيث لا يحتمل عادة بقاء مدخرة على قيد الحياة،و لا يعلم بوجود وارث له فعلا فهو من الانفال،و يكون واجده أحق به،و إن كان تاريخه الزمني متأخرا بحيث يحتمل عادة بقاء مدخره على قيد الحياة جرى عليه حكم اللقطة دون الكنز.
الثالثة:
ان الكنز إذا كان في الأرض المملوكة بملكية خاصة لا يخضعها في مبدأ الملكية،بل هو من الانفال،و يكون واجده أحق به،و من هنا لا فرق بين الكنز فيها و الكنز في الأرض التي لا رب لها،نعم إذا كان الكنز في الأرض المفتوحة عنوة كان خاضعا لها في مبدأ الملكية،و ليس من الأنفال،و أما من حيث الحكم فلا فرق فانه لواجده على مستوى الملك إن كان تاريخه زمنيا قبل تاريخ تشريع الأنفال و تاريخ الفتح،و على مستوى الحق إن كان بعد ذلك،و لكن لا تترب على ذلك ثمرة عملية،فان عليه خمسه على كلا التقديرين لدى توفر شروطه.
الرابعة:
ان من وجد الكنز في الأرض المشتراة،فان علم انه من أحد البائعين السابقين الموجودين فعلا و لو بوجود ورثتهم وجب التعريف و الرجوع إليهم في عرض واحد،و لا يلزم الرجوع إلى اللاحق ثم السابق فالسابق،لأنه مبني على اعتبار تلك الأيادي على نحو الترتيب من اليد اللاحقة إلى اليد السابقة،و قد تقدم عدم اعتبارها،و إن لم يعلم به و احتمل انه من الكنز القديم الذي لا يحتمل
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۷ 74)
الرابع:الغوص(1)،و هو إخراج الجواهر من البحر مثل اللؤلؤ بقاء مدخره على قيد الحياة عادة،و لا يعلم بوجود وارث له فعلا فهو لواجده.
الخامسة:
إذا ادعى أحد من هؤلاء ملكية المال المدفون دون الآخرين،فان كان ثقة فعلى الواجد أن يرده إليه،و إن لم يكن ثقة فإن نفى الآخرون علاقتهم به كان قوله مسموعا،و الاّ فلا،و إن ادعى الكل دخل في التداعي،فإن أقام واحد منهم بينة على ما ادعاه دون غيره فهو له،و إن أقام الكل البينة قسم المال بينهم بالسوية على ما في النص،و إن أقام اثنان منهم البينة قسم بينهما كذلك،و إن لم تكن بينة فان حلف بعضهم فالمال للحالف،و إن حلف الكل قسم المال بينهم على السوية،كل ذلك للنص.
السادسة:
لا يعتبر في وجوب الخمس بلوغ كل كنز النصاب،بل يكفى في وجوبه بلوغ الكنوز المتعددة من الذهب أو الفضة النصاب شريطة أن يكون في زمن واحد عرفا.
السابعة:
ان من وجد شيئا في بطن الدابة المشتراة يرجع فيه إلى البائع،فان لم يعرفه فهو له للنص الخاص،و لا يجرى عليه حكم الكنز،بل يدخل في أرباح المكاسب،و أما ما في جوف السمكة،فان كان من جوهرة البحر من دون كونه مسبوقا بملك مسلم فهو لواجده،و إن كان مسبوقا بملكه وجب تعريفه إذا كان ذات علامة مميزة و لم يكن مأيوسا من صاحبه،و الاّ فحكمه التصدق به.
[الرابع الغوص]
فيه أنه لا خصوصية له،و الأظهر وجوب الخمس فيما يخرج من الماء،سواء أ كان بالغوص فيه أم بالآلات الحديثة،كما أنه لا فرق بين أن يكون من البحر أو الأنهار الكبار،(و الوجه في ذلك)ان الوارد في روايات الباب
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۷ 75)
و المرجان و غيرهما معدنيا كان أو نباتيا،لا مثل السمك و نحوه من الحيوانات،فيجب فيه الخمس بشرط أن يبلغ قيمته دينارا(1)فصاعدا فلا
عنوانان..
أحدهما:الغوص.
و الآخر:ما يخرج من البحر،و المتفاهم العرفي منها بمناسبة الحكم و الموضوع الارتكازية أن موضوع وجوب الخمس هو ما يخرج من الماء كاللؤلؤ و المرجان و نحوهما،و لا يفهم العرف منها خصوصية لعنوان البحر و أنه دخيل في موضوع وجوب الخمس بأن يكون موضوعه اخراج اللؤلؤ و المرجان منه فقط،و لو أخرجهما من غيره كالأنهار الكبار لم يكن موضوعا له،كما أنه لا يرى خصوصية للغوص الاّ كونه وسيلة للإخراج، فالموضوع له ما يخرج من الماء و لا قيمة و لا شأن للغوص الاّ كونه وسيلة له.
و على الجملة فمصدر علاقة الفرد بتلك الجواهر انما هو حيازتها المتمثلة في عملية الإخراج،و لا يرى العرف خصوصية للغوص الممثل لتلك العملية،بداهة ان العرف لا يرى الغوص الاّ وسيلة،و من الطبيعي أنه لا قيمة للوسيلة لدى العرف.
في الشرط اشكال بل منع،و الأظهر اخراج الخمس مطلقا،إذ لا دليل عليه ما عدا رواية محمد بن علي بن أبي عبد اللّه عن أبي الحسن عليه السّلام قال:«سألته عما يخرج من البحر من اللؤلؤ و الياقوت و الزبرجد و معادن الذهب و الفضة،هل فيها زكاة؟فقال:إذا بلغ قيمته دينارا ففيه الخمس» 1و هذه الرواية و إن كانت تامة دلالة الاّ أنها ضعيفة سندا،فان محمد بن علي بن عبد اللّه لم يرد فيه توثيق،
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۷ 76)
خمس فيما ينقص من ذلك،و لا فرق بين اتحاد النوع و عدمه فلو بلغ قيمة المجموع دينارا وجب الخمس،و لا بين الدفعة و الدفعات فيضم بعضها إلى بعض،كما أن المدار(1)على ما أخرج مطلقا و إن اشترك فيه جماعة لا يبلغ نصيب كل منهم النصاب،و يعتبر بلوغ النصاب بعد إخراج المؤن كما مر في المعدن،و المخرج بالآلات من دون غوص في حكمه على الأحوط(2)،و أما لو غاص و شدّه بآلة فأخرجه فلا إشكال في وجوبه فيه،نعم لو خرج بنفسه على الساحل أو على وجه الماء فأخذه من غير غوص لم يجب فيه من هذه الجهة بل يدخل في أرباح المكاسب فيعتبر فيه مئونة السنة و لا يعتبر فيه النصاب.
[مسألة 21:المتناول من الغواص لا يجري عليه حكم الغوص إذا لم يكن غائصا]
[2897]مسألة 21:المتناول من الغواص لا يجري عليه حكم الغوص إذا لم يكن غائصا،و أما إذا تناول منه و هو غائص أيضا فيجب عليه إذا لم ينو الغواص الحيازة،و إلا فهو له و وجب الخمس عليه.
[مسألة 22:إذا غاص من غير قصد للحيازة فصادف شيئا ففي وجوب الخمس عليه وجهان]
[2898]مسألة 22:إذا غاص من غير قصد للحيازة فصادف شيئا ففي وجوب الخمس عليه وجهان،و الأحوط إخراجه(3).
فمن أجل ذلك لا يمكن الاعتماد عليها،و بذلك يظهر حال ما بعده.
بل المدار بلوغ نصيب كل واحد منهم النصاب على تقدير اعتباره كما مر في الكنز و المعدن،و به يظهر حال ما بعده.
بل على الأظهر كما مر.
بل على الأقوى،إذ لا يعتبر في وجوب الخمس فيه أن يكون الغائص قاصدا حيازته من ابتداء الغوص،بل لو كان غوصه بغاية أخرى و في الأثناء إذا صادف اللؤلؤ أو المرجان فأخذه ثم أخرجه كفى ذلك في وجوب الخمس، لصدق انه أخرجه بالغوص،و لا سيّما بناء على ما استظهرناه من أنه لا
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۷ 77)
[2899]مسألة 23:إذا أخرج بالغوص حيوانا و كان في بطنه شيء من الجواهر فإن كان معتادا وجب فيه الخمس،و إن كان من باب الاتفاق بأن يكون بلع شيئا اتفاقا فالظاهر عدم وجوبه و إن كان أحوط.
[مسألة 24:الأنهار العظيمة كدجلة و النيل و الفرات حكمها حكم البحر]
[2900]مسألة 24:الأنهار العظيمة كدجلة و النيل و الفرات حكمها حكم البحر بالنسبة إلى ما يخرج منها بالغوص إذا فرض تكوّن الجوهر فيها كالبحر.
[مسألة 25:إذا غرق شيء في البحر و أعرض مالكه عنه فأخرجه الغواص ملكه]
[2901]مسألة 25:إذا غرق شيء في البحر و أعرض مالكه عنه فأخرجه الغواص ملكه و لا يلحقه حكم الغوص على الأقوى و إن كان من مثل اللؤلؤ و المرجان،لكن الأحوط(1)إجراء حكمه عليه.
[مسألة 26:إذا فرض معدن من مثل العقيق أو الياقوت أو نحوهما تحت الماء بحيث لا يخرج منه إلا بالغوص]
[2902]مسألة 26:إذا فرض معدن من مثل العقيق أو الياقوت أو نحوهما تحت الماء بحيث لا يخرج منه إلا بالغوص فلا إشكال في تعلق الخمس به، لكنه هل يعتبر فيه نصاب المعدن أو الغوص؟وجهان،و الأظهر الثاني(2).
خصوصية للغوص،و انما الموضوع لوجوب الخمس هو ما يخرج من الماء.
الاحتياط و إن كان استحبابيا الاّ أنه ضعيف جدا،على أساس ان الروايات التي جعلت ما يخرج من البحر في سياق ما يخرج من المعادن ظاهرة في أن المراد منه خروج ما يتكون في البحر ابتداء،كما هو الحال في المعادن، فلا تعم خروج ما غرق في البحر،بل هو داخل في ارباح المكاسب.
بل الأظهر هو الأول،لما مر من انه لا موضوعية لعنوان الغوص المأخوذ في بعض الروايات،و لا يدور وجوب الخمس مداره وجودا و عدما، بل هو مجرد وسيلة لإخراج ما يتكون في البحار أو الأنهار الكبار كاللؤلؤ و المرجان و نحوهما،و من المعلوم أن ذلك لا يرتبط بالمعدن،لأن المعدن سواء أ كان من المعادن الباطنة أم الظاهرة فتكون في اعماق الأرض و متوغل فيها،بلا
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۷ 78)
[مسألة 27:العنبر إذا اخرج بالغوص جرى عليه حكمه]
[2903]مسألة 27:العنبر إذا اخرج بالغوص جرى عليه حكمه(1)،و إن
فرق بين أن تكون الأرض من الأراضي التي تحت البحار أو الأنهار أو غيرها، فإذا أخرج المعدن من تلك الأراضي التي هي تحت الماء فهو معدن،و يترتب عليه حكمه و إن كان اخراجه بالغوص،هذا اضافة إلى أنه لا بد أولا من اخراج المعدن منها ببذل جهد و انفاق عمل في سبيله،ثم اخراجه من اعماق البحار و الأنهار بالغوص،أو وسيلة أخرى،و من المعلوم ان ذلك لا يغير الواقع.
و إن شئت قلت:ان المعدن اسم لما يتكون في الأرض بحيث يكون وجود الأرض دخيلا في تكونه فيها،و الغوص عنوان لإخراج ما يتكون في البحار أو الأنهار الكبار بحيث يكون وجود الماء دخيلا في تكونه فيها كاللؤلؤ و المرجان و نحوهما،فاذن يكون موضوع وجوب الخمس في الغوص حقيقة هو المخرج مما يتكون في اعماق البحار أو الأنهار،و موضوع وجوبه في المعدن هو المخرج مما يتكون في باطن الأرض،فاذن لا يمكن تعلق الخمس به بعنوان الغوص و إن كان اخراجه به.أو فقل ان موضوع وجوب الخمس في المعدن حصة خاصة من الفائدة،و هي الفائدة التي يستفيدها المرء باخراج المادة المعدنية التي تتكون في باطن الأرض و جعلها في حوزته،فانه يملك تلك المادة المستخرجة و لا يملك شيئا منها ما دامت في موضعها الطبيعي،و لا فرق في ذلك بين أن تكون في الأراضي التي تحت البحار و الأنهار أو غيرها، و موضوع وجوب الخمس في الغوص حصة خاصة أخرى من الفائدة و هي الفائدة التي يستفيدها المرء باخراج ما يتكون في البحر أو النهر الكبير،سواء أ كان اخراجه بالغوص أم بغيره،فاذن لا يمكن القول بان اخراج المعدن من قاع البحر بالغوص يوجب تعلق الخمس به بعنوان الغوص.
فيه ان وجوب الخمس في العنبر ليس من جهة الحاقه بالغوص،بل هو بعنوانه متعلق للخمس،و تنص على ذلك صحيحة الحلبي،قال:«سألت أبا
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۷ 79)
أخذ على وجه الماء أو الساحل ففي لحوق حكمه له وجهان،و الأحوط(1) اللحوق،و أحوط منه إخراج خمسه و إن لم يبلغ النصاب أيضا.
الخامس:المال الحلال المخلوط بالحرام على وجه لا يتميز مع الجهل بصاحبه و بمقداره(2)،فيحلّ بإخراج خمسه،و مصرفه مصرف سائر أقسام الخمس على الأقوى،و أما إن علم المقدار و لم يعلم المالك تصدّق به عنه،
عبد اللّه عليه السّلام عن العنبر و غوص اللؤلؤ؟فقال:عليه الخمس» 1باعتبار أنها جعلت العنبر عنوانا مستقلا في مقابل الغوص،و مقتضى ذلك انه موضوع لوجوب الخمس سواء أخرج من البحر بالغوص أو بغيره،أم أخذ من سطح الماء أو من الساحل،على أساس أن الموضوع هو العنبر،و لا دخل لخصوصية أخرى فيه،كما أن مقتضى اطلاق الصحيحة وجوب خمسه فورا،و عدم اعتبار النصاب فيه.
بل هو الأقوى كما مر.
[الخامس المال الحلال المخلوط بالحرام]
في اطلاقه اشكال بل منع،فان وجوب الخمس في المال المختلط بالحرام مختص بمناسبة الحكم و الموضوع الارتكازية بما إذا كانت نسبة الاختلاط بمقدار الخمس محفوظة بين انحاء النسب و الاحتمالات،إذ لو علم المالك ان نسبة الحرام إلى الحلال أكثر من الخمس أو أقل منه،و لا يحتمل نسبة الخمس في البين نهائيا،فلا معنى لإيجاب اخراج الخمس منه،لأنه كان يعلم انه غير مطابق للواقع جزما،إذ لا شبهة في أن المتفاهم العرفي بمناسبة الحكم و الموضوع من قوله عليه السّلام في صحيحة عمار بن مروان:«..و الحلال المختلط بالحرام إذا لم يعرف صاحبه و الكنوز الخمس» 2هو ما إذا كان الخمس من أحد
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۷ 80)
……….
محتملات نسبة الحرام إلى الحلال حتى يكتفى الشارع باخراجه بدلا عن الحرام،و أما إذا لم يكن الخمس من أحد أنحاء المحتملات و النسب،كما إذا علم ان نسبة الحرام إلى الحلال لا تقل عن الربع،أو علم أنها لا تزيد على السدس،فلا مقتضى لإخراجه عوضا عن الحرام مع انه يعلم بعدم المطابقة و أن الحرام اما أنه أكثر منه أو أقل.
و إن شئت قلت:ان نسبة الاختلاط بين الحلال و الحرام تتمثل في ثلاث صور..
الأولى:متمثلة في نسبة مرددة بين الخمس و غيره.
الثانية:متمثلة في نسبة محددة بما إذا علم ان الحرام أزيد من الخمس.
الثالثة:متمثلة في نسبة محددة بما إذا علم ان الحرام أقل من الخمس.
فنسبة الخمس في هاتين الصورتين غير محتملة،و من الواضح أن مناسبة الحكم و الموضوع تقتضي اختصاص الصحيحة بالصورة الأولى،و لا تعم الصورتين الأخيرتين،إذ لا مبرر لإيجاب اخراج الخمس من المال المختلط عوضا عن الحرام مع العلم بأنه أزيد من الخمس فضلا عما إذا كان أقل منه.
فالنتيجة:ان المستفاد من الصحيحة على أساس المناسبات الارتكازية العالقة في أذهان العرف أن موضوع وجوب الخمس حصة خاصة من المال المختلط بالحرام،و هي الحصة المتمثلة في الصورة الأولى من الصور الثلاث، دون الصورتين الأخيرتين.
و لو تنزلنا عن ذلك و سلمنا ان الصحيحة لم تكن ظاهرة في الاختصاص، فلا شبهة في أنها غير ظاهرة في العموم أيضا،فتكون مجملة،فيؤخذ بالقدر المتيقن منها و هو الصورة الأولى،و يرجع في الباقي إلى مقتضى القاعدة و هو وجوب التصدق به،فانه لا يحتاج إلى دليل خاص باعتبار أن ايصال عين المال إلى صاحبه لا يمكن في المقام،و أما تملكه و التصرف فيه كالتصرف في ماله
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۷ 81)
و الأحوط(1)أن يكون بإذن المجتهد الجامع للشرائط،و لو انعكس بأن علم المالك و جهل المقدار تراضيا بالصلح و نحوه،و إن لم يرض المالك بالصلح ففي جواز الاكتفاء بالأقل أو وجوب إعطاء الأكثر وجهان،الأحوط الثاني،
فهو بحاجة إلى دليل و إذن من وليّ الأمر،و الفرض عدم الدليل عليه،فاذن لا مناص من التصدق به من قبل صاحبه لإيصال أجره و ثوابه لأنه غاية ما يمكن ايصاله إليه،و أما نصوص التصدق التي عمدتها صحيحة يونس فموردها و إن كان المال المتميز المجهول مالكه،الاّ ان الإمام عليه السّلام بما أنه قد علق وجوب التصدق به على عدم امكان ايصاله إلى صاحبه على أساس عدم معرفته وصفا و بلدة و ان عرف عينا،فيفهم منه ان المعيار في وجوب التصدق انما هو بعدم امكان ايصاله إلى صاحبه من دون دخل شيء آخر فيه،و عليه فلا فرق بين أن يكون المال المجهول مالكه متميزا أو مختلطا،فانه إذا لم يمكن ايصاله إلى صاحبه يتصدق به،لإيصال أجره إليه،و هو لا يقل عن ايصال أصل المال عند اللّه تعالى،هذا اضافة إلى أن الحكم يكون على القاعدة،فاذن لا يحتمل عرفا دخل التميز في وجوب التصدق.
لا بأس بتركه و إن كانت رعاية الاحتياط أولى و أجدر،لأن المستفاد من نصوص الباب كصحيحة يونس 1و غيرها أن الإمام عليه السّلام قد أعطى ولاية التصرف فيه لمن بيده المال.
و دعوى ان القدر المتيقن من جواز التصرف فيه أن يكون باذن المجتهد، الجامع للشرائط باعتبار أن مقتضى القاعدة عدم جواز التصرف فيه.
مدفوعة أولا:بأنها لو تمت لكان مقتضاها اعتبار إذن المجتهد المذكور فيه،لا أنه مبني على الاحتياط.
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۷ 82)
و الأقوى الأول(1)إذا كان المال في يده،و إن علم المالك و المقدار وجب دفعه إليه.
[مسألة 28:لا فرق في وجوب إخراج الخمس و حلية المال بعده بين أن يكون الاختلاط بالإشاعة أو بغيرها]
[2904]مسألة 28:لا فرق في وجوب إخراج الخمس و حلية المال بعده بين أن يكون الاختلاط بالإشاعة أو بغيرها كما إذا اشتبه الحرام بين أفراد من جنسه أو من غير جنسه.
و ثانيا:ان هذه الصحيحة تدل على أمرين..
أحدهما:بيان مصرفه و هو أهل الولاية.
و الآخر:اعطاء ولاية التصرف فيه لمن بيده المال،فان قوله عليه السّلام فيها:«بعه و تصدّق بثمنه» 1يدل على ذلك.
في القوة اشكال بل منع،و الأظهر الرجوع إلى القرعة في المقدار المشتبه الذي لا يعلم من بيده المال المختلط انه ماله أو مال غيره دون قاعدة اليد،مثال ذلك:إذا كان عنده عشرون دينارا و كان يعلم ان أربعة منها ملك لزيد -مثلا-و العشرة ملك له،و الستة الباقية مرددة،و لا يعلم أنها له أو لزيد،ففي هذه الحالة لا تكون يده عليها أمارة على الملك سواء ادعى زيد أنها ملك له أم لا، فان اليد انما تكون امارة على الملك في موردين..
أحدهما:ما إذا شك في أن من بيده المال هل هو مالك أو أمين أو غاصب؟بنى على انه مالك على أساس اليد التي هي قاعدة عقلائية،و يترتب على الماء آثار الملك،و من هنا قد ورد في بعض الروايات أنه:«لو لا اليد لما قام للمسلمين سوقا».
و الآخر:في موارد الدعاوي،كما إذا ادعى أحد ملكية الدار التي في يد زيد و هو ينكر ذلك،فان أقام المدعي البينة على أنها له فهو،و الاّ فحكم بأنها
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۷ 83)
……….
لزيد مع الحلف بمقتضى قاعدة اليد،و كذلك الحال في موارد التداعي إذا كان المال في يد أحدهما،فانه إذا أقام كلاهما بينة على أن المال له سقطت البينتان للتعارض،و حكم بأن المال لصاحب اليد،و لا ينطبق شيء من هذه الموارد على المقام،فان ذي اليد في المقام يعلم بأن المال الذي في يده و هو العشرون دينارا في المثال يختلط مع مال زيد،فإذا علم بأن عشرة منها له،و أربعة منهما لزيد، و الستة الباقية مرددة بينهما،فلا مجال للتمسك بقاعدة اليد لأنها ساقطة بالنسبة إلى كل فرد من أفراد هذا المال لمكان العلم الإجمالي.
و دعوى ان قاعدة اليد و إن سقطت بالنسبة إلى كل دينار للعلم الإجمالي، إلا أنه لا مانع من التمسك بها بالنسبة إلى الجامع الزائد على الأربعة أعنى الستة عشر الباقية،على أساس ان الشك في اشتمالها على مال الغير بما انه بدوي فلا مانع من التمسك بها،و نتيجة ذلك أن ستة عشر من هذه الدنانير ملك له،و أربعة منها ملك لزيد.
مدفوعة:بأن الجامع المذكور إن لوحظ على نحو الموضوعية فلا أثر له، لأنه مترتب على الموجود الخارجي دون ذلك الجامع الذي لا موطن له الاّ في عالم الذهن،باعتبار انه أمر انتزاعي فلا يعقل وقوعه تحت اليد،و إن لوحظ على نحو المعرفية الصرفة إلى الواقع الخارجي،فقد عرفت ان قاعدة اليد لا تجري فيه لمكان العلم الإجمالي،و نظير ذلك ما لو علم اجمالا بنجاسة أحد الثوبين، و احتمل نجاسة الآخر أيضا،كما إذا علم بوقوع قطرة بول في أحدهما و احتمل وقوع قطرة أخرى في الآخر،ففي مثل ذلك قد يقال كما قيل:انه لا مانع من جريان أصالة الطهارة في الآخر،بدعوى ان نجاسة أحدهما معلومة لنا،و أما نجاسة الآخر فهي غير معلومة،فلا مانع من كونه مجرى الأصل،لأن العلم الإجمالي بنجاسة أحدهما يوجب سقوط أصالة الطهارة في كل من الإناءين بخصوصه للمعارضة،و أما الآخر لا بعينه الكلي فبما انه مشكوك الطهارة
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۷ 84)
[مسألة 29:لا فرق في كفاية إخراج الخمس في حلية البقية في صورة الجهل بالمقدار و المالك بين أن يعلم إجمالا زيادة مقدار الحرام أو نقيصته عن الخمس]
[2905]مسألة 29:لا فرق في كفاية إخراج الخمس في حلية البقية في صورة الجهل بالمقدار و المالك بين أن يعلم إجمالا زيادة مقدار الحرام أو نقيصته عن الخمس و بين صورة عدم العلم و لو إجمالا(1)،ففي صورة العلم
و النجاسة فلا مانع من الرجوع إلى أصالة الطهارة فيه،و يترتب على ذلك جواز تكرار الصلاة في الثوبين المذكورين باعتبار انه يعلم بوقوع الصلاة في ثوب محكوم بالطهارة ظاهرا،و هذا بخلاف ما لو منعنا عن جريان اصالة الطهارة في الجامع،فعندئذ لا تجوز الصلاة في شيء منهما.
و الجواب:ان هذا القول لا يرجع إلى معنى صحيح،لأن الجامع المذكور إن لوحظ على نحو الموضوعية فهو مفهوم صرف لا موطن له الاّ عالم الذهن، و لا يكون موضوعا للأثر الشرعي و هو الطهارة في المثال،لأنها مترتبة على الموجود الخارجي،و إن لوحظ على نحو المعرفية الصرفة إلى الواقع الخارجي فقد عرفت أن أصالة الطهارة لا تجرى فيه للعلم الإجمالي.أو فقل:ان الجامع بينهما ان لوحظ على نحو الموضوعية فلا يكون محلا للأثر لكي تجرى أصالة الطهارة فيه،و إن لوحظ على نحو المعرفية الصرفة إلى الواحد المردد في الخارج،فانه غير معقول،و إن كان إلى الواحد المعين فيه فقد تقدم أن أصالة الطهارة لا تجري فيه للمعارضة تطبيقا للعلم الإجمالي.
إلى هنا قد استطعنا أن نخرج بهذه النتيجة،و هي أن من بيده المال المختلط بالحرام إذا كان مالكه معلوما و كان جهله بنسبة الاختلاط،فالمرجع هو القرعة في المقدار المشتبه هو ستة دنانير في المثال،و لا قيمة لليد كما مر،كما هو الحال إذا لم تكن هناك يد،و لا فرق في ذلك بين أن يكون الاختلاط بالاشاعة أو غيرها،و كذلك الحال إذا كان مالكه مجهولا أيضا شريطة أن لا يكون الاختلاط من موارد وجوب الخمس فيه،تطبيقا لإطلاق دليل القرعة.
تقدم ان الأظهر اختصاص وجوب الخمس بهذه الصورة و عدم
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۷ 85)
الإجمالي بزيادته عن الخمس أيضا يكفي إخراج الخمس فإنه مطهر للمال تعبدا،و إن كان الأحوط مع إخراج الخمس المصالحة مع الحاكم الشرعي أيضا بما يرتفع به يقين الشغل و إجراء حكم مجهول المالك عليه،و كذا في صورة العلم الإجمالي بكونه أنقص من الخمس،و أحوط من ذلك المصالحة معه بعد إخراج الخمس بما يحصل معه اليقين بعدم الزيادة.
[مسألة 30:إذا علم قدر المال و لم يعلم صاحبه بعينه لكن علم في عدد محصور]
[2906]مسألة 30:إذا علم قدر المال و لم يعلم صاحبه بعينه لكن علم في عدد محصور ففي وجوب التخلص من الجميع و لو بإرضائهم بأي وجه كان أو وجوب إجراء حكم مجهول المالك عليه أو استخراج المالك بالقرعة أو توزيع ذلك المقدار عليهم بالسوية وجوه أقواها الأخير(1)،و كذا إذا لم يعلم
وجوبه في الصورتين الأوليين و هما صورة العلم بكون الحرام أزيد من الخمس،و صورة العلم بكونه أقل منه،اذ في الأولى لا يكفي الخمس،و في الثانية لا يجب عليه ان يتصدق من ماله،بل يكفى اخراج أكبر احتمالات الحرام، و لكن هل يجب عليه ذلك في هاتين الصورتين؟الظاهر عدم الوجوب و الرجوع إلى القرعة فيهما،و بذلك يظهر حال ما بعده.
بل أقواها الثالث و هو القرعة،لأن مقتضى القاعدة و إن كان الوجه الأول و هو الاحتياط لمكان العلم الإجمالي،الاّ انه لما كان ضرريا لم يجب على أساس حكومة قاعدة لا ضرر،بتقريب أن جعل الضمان لمالكه الواقعي المردد بين الأشخاص المحصورين بما انه يؤدي إلى وجوب الاحتياط الموجب للضرر فيكون مشمولا للقاعدة،لما ذكرناه في علم الأصول من أن مفاد القاعدة نفي جعل كل حكم ينشأ من قبله الضرر.
و دعوى انه لا ضرر في جعل الضمان للمالك الواقعي،و الضرر انما جاء من قبل حكم العقل بوجوب الاحتياط و ضم غير المالك إلى المالك في وجوب
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۷ 86)
……….
ايصال المال إليه مقدمة لإحراز امتثاله،و الفرض ان القاعدة لا تكون حاكمة على حكم العقل.
مدفوعة:بأن منشأ حكم العقل في المقام انما هو ثبوت حكم الشرع و تنجزه بالعلم الإجمالي،و عليه فينتهى الضرر في نهاية المطاف إلى جعل الضمان و ثبوته في الشريعة المقدسة،و قد مر أن مفاد القاعدة نفي ثبوت كل حكم في الشريعة إذا نشأ من قبله الضرر،و بما ان الضرر قد نشأ من قبل جعل الضمان في المسألة فهو منفي،فالنتيجة عدم وجوب الاحتياط في المسألة.
و أما الوجه الثاني و هو اجراء حكم مجهول المالك عليه فلا أساس له أصلا،لأن روايات مجهول المالك لا تشمل هذه الصورة جزما،لأن موردها اما أن يكون المالك مفقودا أو مجهولا،و أما إذا كان مشتبها بين الأفراد المحصورين فهو ليس من مواردها،و لا يعامل مع ماله معاملة المال المجهول مالكه.
و أما الوجه الرابع،فلأن قاعدة العدل و الانصاف و إن كانت قاعدة عقلائية و قد حكم العقل بحسنها،و يعترف الإسلام بها في الجملة و قد حكم بتطبيقها في بعض الموارد للحفاظ على العدالة الاجتماعية،الا ان تطبيقها في كل مورد منه المقام بحاجة إلى دليل،هذا اضافة إلى أن المقام ليس من صغريات هذه القاعدة باعتبار انه إذا قام بعملية توزيع المال بين هؤلاء فهو يستلزم ايصال جزء منه إلى صاحبه جزما،و إذا قام بعملية القرعة فهو يستلزم احتمال ايصال كل المال إلى صاحبه،فالأمر يدور بين الموافقة القطعية في البعض و المخالفة القطعية في الآخر،و بين الموافقة الاحتمالية في الكل،و لا يكون الأول أولى و أرجح من الثاني،فضلا عن الوجوب،و عليه فلا مناص من الأخذ بالثاني لإطلاق روايات القرعة و شمولها للمقام،و اما التنصيف في مسألة الودعي،ففيه او لا انه غير ثابت لضعف النص الدال عليه و على تقدير تسليم صحة النص فانه ثابت به و لولاه لكان مقتضى القاعدة فيها القرعة،و بذلك يظهر حال ما بعده.
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۷ 87)
قدر المال و علم صاحبه في عدد محصور فإنه بعد الأخذ بالأقل كما هو الأقوى(1)أو الأكثر كما هو الأحوط يجري فيه الوجوه المذكورة.
[مسألة 31:إذا كان حق الغير في ذمته لا في عين ماله فلا محل للخمس]
[2907]مسألة 31:إذا كان حق الغير في ذمته لا في عين ماله فلا محل للخمس(2)،و حينئذ فإن علم جنسه و مقداره و لم يعلم صاحبه أصلا أو علم
قد مر في الأمر الخامس ان الأقوى هو الرجوع إلى القرعة في تعيين المقدار المشتبه من المال المردد بين كونه لصاحب اليد أو لغيره.
في اطلاقه اشكال بل منع،فانه انما يتم إذا كان ثبوته في الذمة من الابتداء،اذ حينئذ لا موضوع للخمس حيث انه المال المختلط بالحرام،و من المعلوم ان الاختلاط من صفات الأعيان الخارجية،و لا يتصور بينها في الذمة، لأن الثابت فيها انما هو نفس المال الحرام بداهة أن الثابت فيها لو كان نفس المال المختلط لزم أن يكون صاحب المال مدينا لنفسه و هو كما ترى،و أما إذا كان التالف المال المختلط عنده قبل أن يخرج خمسه فالظاهر أن المنتقل إلى ذمته نفس خمسه دون المال الحرام،على أساس ما تقدم من أن الخمس المتعلق به هو الخمس المتعلق بسائر الاشياء كالغنيمة و المعدن و الكنز و نحوها، باعتبار انه مجعول في الجميع بلسان واحد،كما في صحيحة عمار بن مروان 1، و عليه فلا يمكن أن يراد منه التصدق في المال المختلط و الخمس في الباقي، و هذا لا من جهة استلزام ذلك استعمال لفظ الخمس في معنيين..
أحدهما:معناه المجازي و هو التصدق.
و الآخر:معناه الحقيقي و هو الخمس بمعناه المعهود في الشرع،لأنه مستعمل في الصحيحة في معنى واحد و هو معناه المعهود في مرحلة الاستعمال و التصور،غاية الأمر انه يراد منه معنى آخر في مرحلة التصديق و الارادة الجدية
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۷ 88)
في عدد غير محصور تصدّق به عنه(1)بإذن الحاكم أو يدفعه إليه(2)،
في المال المختلط دون الباقي،فالتعدد انما هو في هذه المرحلة بسبب القرينة الخارجية،لا في مرحلة الارادة التصورية المستندة إلى دلالة اللفظ وضعا،بل من جهة ان ذلك بحاجة إلى قرينة،باعتبار أن ظاهر سياق الكلام هو أن المدلول التصديقي مطابق للمدلول التصوري،و إذا كان مخالفا فلا بد أن يكون مستندا إلى القرينة،و الفرض انه لا قرينة في الصحيحة على ذلك،و لا توجد من الخارج، فاذن لا مانع من الأخذ بظهورها في أن الخمس المجعول في الجميع بمعنى واحد،و هو المعنى المعهود في الشرع لا ثبوتا و لا اثباتا.
أما الأول:فلما تقدم من انه لا مانع من أن يجعل الشارع من باب الولاية خمسه عوضا عن الحرام حقيقة.
و أما الثاني:فلما عرفت من عدم القرينة على الخلاف.
فالنتيجة:ان المال الحرام الذي لا يعرف مالكه إذا كان ثابتا في ذمة فرد ابتداء فحكمه التصدق به للفقراء شريطة أن يكون مأيوسا عن صاحبه،و إن كان ثابتا في ذمته بعد الاختلاط و تعلق الخمس به فهو متمثل في الخمس،يعني انه ثابت فيها دون نفس المال الحرام.
هذا هو الصحيح شريطة توفر أمرين فيه..
أحدهما:اليأس من صاحبه.
و الآخر:عدم امكان تعيينه بالقرعة،أما الأمر الثاني فهو متوفر في المقام، إذ لا موضوع للقرعة فيه،فإذا توفر الأمر الأول تعين التصدق به،نعم إذا احتمل رجوع مالكه إليه في وقت ما وجب عليه الانتظار إلى أن يطمئن بعدم الرجوع.
على الأحوط الأولى لما مر من أن الظاهر من روايات الباب ان الشارع منح من بيده المال ولاية التصدق.
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۷ 89)
و إن كان في عدد محصور ففيه الوجوه المذكورة و الأقوى(1)هنا أيضا الأخير، و إن علم جنسه و لم يعلم مقداره بأن تردد بين الأقل و الأكثر أخذ بالأقل المتيقن و دفعه إلى مالكه إن كان معلوما بعينه،و إن كان معلوما في عدد محصور فحكمه كما ذكر،و إن كان معلوما في غير المحصور أو لم يكن علم إجمالي أيضا تصدّق به عن المالك(2)بإذن الحاكم أو يدفعه إليه(3)،و إن لم يعلم جنسه و كان قيميا فحكمه كصورة العلم بالجنس إذا يرجع إلى القيمة و يتردد فيها بين الأقل و الأكثر،و إن كان مثليا ففي وجوب الاحتياط و عدمه وجهان(4).
بل الأقوى هو القرعة تطبيقا لما مر في المسألة المتقدمة حيث انه لا فرق بينها و بين هذه المسألة الاّ في كون المال المجهول مالكه في تلك المسألة عينا خارجية،و في هذه المسألة دينا في الذمة،و من المعلوم ان ذلك الفرق لا يوجب فرقا بينهما فيما هو معيار الرجوع إلى القرعة و هو تردد المالك بين عدد محصور و عدم امكان تعيينه و تمييزه عن غيره الاّ بالقرعة بلا فرق فيه بين أن يكون المال عينا أو دينا،نعم تفترق هذه المسألة عن المسألة المتقدمة في نقطة أخرى و هي ما إذا تردد مجهول المالك بين الأقل و الأكثر،فانه في المسألة المتقدمة بما أن العين الخارجية مرددة بينهما فيرجع في الزائد على المقدار المتيقن إلى القرعة و تعيين المالك بها،دون اليد كما مر،و في هذه المسألة بما أن العين في الذمة مرددة بينهما فيشك في ضمان الزائد و اشتغال الذمة به،و المرجع فيه أصالة البراءة عنه،و بذلك يظهر حال ما بعده.
مر أن التصدق به منوط باليأس من مالكه.
على الأحوط الأولى كما مر.
الظاهر الوجوب بمقتضى العلم الإجمالي باشتغال ذمته بأحد شيئين
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۷ 90)
[مسألة 32:الأمر في إخراج هذا الخمس إلى المالك]
[2908]مسألة 32:الأمر في إخراج هذا الخمس إلى المالك كما في سائر أقسام الخمس،فيجوز له الإخراج و التعيين من غير توقف على إذن الحاكم، كما يجوز دفعه من مال آخر(1)و إن كان الحق في العين.
[مسألة 33:لو تبين المالك بعد إخراج الخمس فالأقوى ضمانه]
[2909]مسألة 33:لو تبين المالك بعد إخراج الخمس فالأقوى ضمانه(2)،
متباينين كالحنطة و الشعير،أو الدرهم و الدينار،هذا إذا لم يمكن التصالح مع الكل و ارضاء الجميع،و الاّ فهو مخير بينهما،نعم إذا كان الاحتياط ضرريا و التصالح غير ممكن فالمرجع هو القرعة.
في الجواز اشكال بل منع،إذا كان الدفع من مال آخر غير النقدين الاّ إذا كان باجازة من الحاكم الشرعي،و أما إذا كان منهما،فالمعروف بين الأصحاب و إن كان الجواز،الاّ أنه لا يخلو عن اشكال،و الأحوط وجوبا أن يكون باذن من الحاكم الشرعي على أساس أن مورد النص الدال على الجواز الزكاة،و التعدي عن مورده إلى المقام بحاجة إلى قرينة كما سوف يأتي تفصيل ذلك ان شاء اللّه تعالى في المسألة(75).
في القوة اشكال بل منع،لما مر من أن صحيحة عمار بن مروان 1ظاهرة عرفا في ان الخمس المتعلق به هو الخمس المتعلق بسائر الأنواع، و نتيجة ذلك ان المكلف إذا أخرج خمسه و أعطاه لأهله ثم تبين مالكه فلا قيمة له،على أساس ما تقدم من أن معنى تعلق الخمس به هو أن الشارع جعله عوضا عن الحرام فيه،و هذا يعني أن خمسه ينتقل إلى ملك أهله من الإمام عليه السّلام و السادة،و الحرام فيه ينتقل إلى ملك من بيده المال،و حينئذ فيصبح مالك الحرام المجهول أجنبيا عنه نهائيا،غاية الأمر يصل إليه ثوابه و أجره،هذا شريطة أن لا يتبين مالكه لحين اخراج خمسه و اعطائه لأهله،و الاّ فينتفى
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۷ 91)
كما هو كذلك في التصدق عن المالك في مجهول المالك،فعليه غرامته(1)له حتى في النصف الذي دفعه إلى الحاكم بعنوان أنه للإمام عليه السّلام.
[مسألة 34:لو علم بعد إخراج الخمس ان الحرام أزيد من الخمس أو أقل لا يستردّ الزائد على مقدار الحرام في الصورة الثانية]
[2910]مسألة 34:لو علم بعد إخراج الخمس ان الحرام أزيد من الخمس أو أقل لا يستردّ الزائد على مقدار الحرام في الصورة الثانية،و هل يجب عليه التصدق بما زاد على الخمس في الصورة الأولى أو لا؟وجهان،أحوطهما الأول و أقواهما الثاني(2).
الخمس بانتفاء موضوعه،باعتبار أنه مقيد بالجهل بمالكه.
في الغرامة اشكال بل منع،و الأظهر عدمها لأنها بحاجة إلى دليل،و مقتضى القاعدة العدم باعتبار انه كان مأمورا بالتصدق به للفقراء من قبل الشارع،و معه لا مبرر للضمان،إذ لا يكون مفرطا فيه و مقصرا، نعم في خصوص اللقطة بعد تعريفها سنة كاملة إذا تصدق بها ثم جاء طالبها و لم يرض بالتصدق و طالبه بها فعليه الغرامة من المثل أو القيمة، و هذا للنص الخاص،و إلاّ فمقتضى القاعدة عدم الضمان،و لا يمكن التعدي عن مورده إلى المقام للفرق بينهما أولا،و كون الضمان خلاف القاعدة ثانيا.
مر أن هذا هو الظاهر من صحيحة عمار بن مروان 1المتقدمة التي تنص على أن الخمس المتعلق به هو الخمس المتعلق بسائر الأشياء،و معنى ذلك هو أن الشارع على أساس ولايته جعل الباقي له في مقابل خمسه، و مقتضى اطلاقها عدم الفرق بين أن يكون الحرام فيه بمقدار خمسه أو أقل أو أكثر.و تؤيد ذلك رواية السكوني التي تنص على ان الباقي له بعد اخراج
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۷ 92)
[مسألة 35:لو كان الحرام المجهول مالكه معينا فخلطه بالحلال ليحلله بالتخميس خوفا من احتمال زيادته على الخمس فهل يجزئه إخراج الخمس أو يبقى على حكم مجهول المالك؟]
[2911]مسألة 35:لو كان الحرام المجهول مالكه معينا فخلطه بالحلال ليحلله بالتخميس خوفا من احتمال زيادته على الخمس فهل يجزئه إخراج الخمس أو يبقى على حكم مجهول المالك؟وجهان،و الأقوى الثاني لأنه كمعلوم المالك حيث إن مالكه الفقراء قبل التخليط(1).
الخمس منه،نعم لو كان المقصود من وراء خمسه التصدق بهذا المقدار لا الخمس المعهود في الشرع فحينئذ إذا ظهر أن الحرام أزيد من الخمس وجب التصدق بالزائد أيضا.
فيه اشكال بل منع،لأن الفقراء مصرفه قبل التخليط لا أنه ملك لهم ضرورة أن الجهل بالمالك ليس في الشرع من أحد أسباب خروج المال عن ملكه و دخوله في ملك الفقراء،نعم ان الفقير يملكه بالقبض.
و ان شئت قلت:ان الوظيفة في المال المجهول مالكه التصدق به للفقراء على أساس أن علاقتهم به انما هي على مستوى المصرف لا على مستوى الملك،فلا يقاس من هذه الجهة بالزكاة و الخمس،ثم ان الصحيحة هل تشمل ما إذا كان الاختلاط بينهما بالعناية و الارادة،بأن يكون الحرام المجهول مالكه معينا في الخارج فخلطه بالحلال عامدا و ملتفتا بغرض تحليله باخراج الخمس منه فقط؟الظاهر أنها لا تشمل هذه الصورة و تختص بما إذا كان الاختلاط بينهما بالطبع،بأن جمع عنده أموال من الطرق المحرمة و المحللة معا،كما إذا كان لديه تجارات و من خلال مواصلته فيها يعامل معاملات ربوية أو باطلة أيضا،و عليه فبطبيعة الحال تختلط الفوائد و الأرباح المترتبة عليها الواصلة إليه و لا يعلم من البداية نسبة الحرام إلى الحلال فيما يصل إليه من الأرباح و الفوائد،و أما إذا كان الحرام معينا عنده و مميزا فخلطه بالحلال عامدا ليحلّله
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۷ 93)
[مسألة 36:لو كان الحلال الذي في المختلط مما تعلّق به الخمس]
[2912]مسألة 36:لو كان الحلال الذي في المختلط مما تعلّق به الخمس وجب عليه بعد التخميس(1)للتحليل خمس آخر للمال الحلال الذي فيه.
بالخمس خوفا من احتمال زيادته عليه،فلا يكون مشمولا لها،بل لا شبهة في انصرافها عنه و اختصاصها بما إذا كان الاختلاط بينهما بالطبع لا بالارادة و الاختيار.
في وجوب التقديم اشكال بل منع،و الأظهر انه مخيّر بين أن يخمس أولا المال المختلط بالحرام ثم الحلال،و بين العكس،هذا شريطة توفر أمور..
الأول:أن يكون المال الحلال متعلقا للخمس،كما إذا كان من فوائد المكاسب أو المعادن أو نحوهما،و الاّ فعليه خمس واحد و هو خمس المال المختلط.
الثاني:أن يحول عليه حول كامل عنده إذا كان من فوائد المكاسب،و الاّ لم يكن ملزما باخراج الخمس منه.
الثالث:أن لا يؤدي تعلق الخمس به إلى العلم التفصيلي بزيادة نسبة الحرام إلى الحلال عن الخمس،و الاّ فيوجب ذلك انتفاء موضوع وجوب الخمس فيه لما تقدم من اختصاص دليله بما إذا كانت نسبة الخمس من أحد محتملات أنحاء النسب،و أما إذا لم تكن محتملة كما في صورة العلم التفصيلي بالزيادة أو النقيصة فلا تكون مشمولة له.مثال ذلك:إذا كان عنده مأئة دينار -مثلا-و علم بأن فيه حراما لا يقل عن خمس المبلغ و هو عشرون دينارا و لا يزيد عن ثلاثين دينارا،و في المقابل كان يعلم بأن حلاله لا يقل عن السبعين و لا يزيد على الثمانين،و حينئذ فان كان السبعون متعلقا للخمس أدى ذلك إلى العلم التفصيلي بأن الحرام فيه أزيد من خمس ماله،لأنه إذا أخرج خمس السبعين فيبقى عنده ستة و خمسون دينارا و إذا أضيف إليه الثلاثون صار
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۷ 94)
……….
المجموع ستة و ثمانين دينارا،و عندئذ كان يعلم بأن الحرام فيه أزيد من الخمس باعتبار أنه لا يقل عن ربع المبلغ تقريبا و هو غير مشمول لدليل الوجوب على الفرض،فإذا توفرت هذه الأمور الثلاثة وجب عليه خمسان:
أحدهما:الخمس المتعلق بالمال الحلال بملاك الفائدة و الغنيمة.
و الآخر:الخمس المتعلق بالمال المختلط بالحرام بملاك الاختلاط ثم ان وظيفته هل هي التخيير بينهما؟أو تقديم الثاني على الأول،أو بالعكس؟فيه وجوه..
الوجه الأول:التخيير،و هو الأظهر.
الوجه الثاني:تقديم خمس المال المختلط على المال الحلال،و قد اختار هذه الوجه السيد الماتن قدّس سرّه.
الوجه الثالث:تقديم خمس المال الحلال على المال المختلط،و قد اختار هذا الوجه جماعة منهم السيد الاستاذ قدّس سرّه.
أما الوجه الثاني،فيمكن أن يستدل عليه بوجوه،و لكن لا يتم شيء منها..
الأول:ان نسبة الحرام إلى الحلال في المال المختلط ملحوظة بما في الحلال من الخمس لا باستثنائه،و هذا يعني ان موضوع وجوب هذا الخمس هو الحلال المختلط مع الحرام مطلقا لا حصة خاصة منه و هي الحلال الخالص المختلط مع الحرام،فإذا كان عنده مأئة دينار-مثلا-و علم بأن فيه حراما يحتمل أن يكون بمقدار خمسه كان موضوع وجوبه تمام هذا المبلغ المختلط و هو المائة لا بعد استثناء خمس الحلال منه،و على هذا الأساس فيجب أن يخمس المختلط أولا ثم الحلال إذ في العكس تفويت لمقدار من خمس المختلط بنسبة عامدا و ملتفتا إلى عدم جوازه و هو غير جائز.
و الجواب:ان موضوع وجوب هذا الخمس بمناسبة الحكم و الموضوع الارتكازية هو الحلال الخالص له المختلط مع الحرام،باعتبار أن الخمس
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۷ 95)
……….
المتعلق بحلاله ليس ماله و ملكه بل هو مال و ملك لغيره،فلا يكون جزء الموضوع،و عليه فالموضوع في المثال المذكور ستة و ثمانون دينارا لا المائة، و حينئذ فلا فرق بين أن يخمس المال المختلط أولا ثم المال الحلال أو بالعكس.
الثاني:انه لا يقصد من وراء الخمس المتعلق بالمال المختلط معناه المعهود،بل يقصد به التصدق منه بهذا المقدار،هذا من ناحية،و من ناحية أخرى ان مصرف الصدقة بما أنه غير الهاشمي،فالنتيجة انه لا يجوز أن يخمس المال الحلال أولا،ثم المال المختلط،لاستلزام ذلك اشتمال خمس الحلال على ما هو صدقة بحكم الشارع بنسبة خاصة،مع أنها محرمة على الهاشمي، فمن أجل ذلك لا بد من تقديم خمس المال المختلط على خمس الحلال.
و الجواب..أولا:ان هذا الوجه في نفسه غير صحيح لأنه مبني على القول بأن الخمس المتعلق بالمال المختلط صوري،و أن المقصود من ورائه التصدق منه بهذا المقدار،لا معناه المعهود في الشرع،و قد مر أن ذلك خلاف ظاهر صحيحة عمار بن مروان المتقدمة،فان الظاهر منها ان الخمس المجعول فيه هو الخمس المجعول في سائر الأنواع.
و ثانيا:ان ما ذكره الماتن قدّس سرّه من التقديم لا يمكن أن يكون مبنيا على هذا الوجه باعتبار انه قدّس سرّه بنى على أن الخمس المجعول فيه خمس حقيقي لا صوري.
و ثالثا:ان ذلك مبني على أن يكون مطلق الصدقة الواجبة محرمة على الهاشميين،مع أن الأمر ليس كذلك فان المحرم عليهم انما هو الزكاة الواجبة الأعم من زكاة المال و زكاة الفطرة.
و رابعا:ان هذا الوجه لو تم فانما يتم إذا اخرج خمس الحلال من نفس المال المختلط بالحرام،و أما إذا اخرج من مال آخر فلا يتم،بل لا موضوع له.
الثالث:ان التصرف في المال المختلط قبل تحليله باخراج خمسه غير
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۷ 96)
……….
جائز،و عليه فلا بد أولا من اخرج خمسه لكي يسوغ له التصرف فيه منه اخراج خمس المتيقن من الحلال.
و الجواب..أولا:انه بناء على ما هو الصحيح من أن الخمس المتعلق به هو الخمس المتعلق بسائر الأنواع لا يتوقف جواز التصرف فيه على اخراج خمسه عمليا،بل يكفي في جوازه تعلق الخمس به،على اساس ما مر من ان معنى تعلقه به ان الشارع جعل الباقي ملكا طلقا له في مقابل خمسه،فيكون حاله حال سائر الانواع المتعلقة للخمس من هذه الجهة.
و ثانيا:مع الاغماض عن ذلك و تسليم ان التصرف فيه غير جائز قبل اخراج خمسه،الاّ انه انما يجوز إذا كان بدون الإذن من الحاكم الشرعي،و أما معه فلا بأس به حيث ان له ذلك بملاك ولايته.
و ثالثا:ان هذا المحذور انما يلزم إذا اخرج خمس المال الحلال من نفس المال المختلط،و اما اذا أخرجه من مال آخر فلا موضوع له.
و اما الوجه الثالث،فقد استدل عليه بأن خمس المال الحلال بما أنه للإمام عليه السّلام و السادة فلا بد من اخراجه أولا لكي يتمحض ماله في الحلال الخالص مخلوطا بالحرام،باعتبار ان الموضوع انما هو اختلاط ماله الخاص مع الحرام لا ماله و مال غيره معه،فمن أجل ذلك يجب عليه أولا أن يخمس الحلال،ثم المختلط،و تترتب على ذلك ثمرة عملية في الفقه،مثلا إذا فرضنا ان مجموع المال المخلوط بالحرام خمسة و سبعون دينارا،فعلى طريقة الماتن قدّس سرّه يخمس المجموع أولا للتحليل فيبقى ستون دينارا،ثم يخمس الحلال فيبقى ثمانية و اربعون دينارا.و على الطريقة الثانية يخمس المتيقن من الحلال أولا و فرض انه خمسون دينارا في المثال ثم يخمس الباقي و هو خمسة و ستون دينارا فيبقى عنده حينئذ اثنان و خمسون دينارا بدل ثمانية و أربعين،فتختلف الطريقة الأولى عن الثانية بأربعة دنانير،و إذا كان المتيقن من الحلال أقل كان
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۷ 97)
……….
التفاوت بين الطريقتين أكثر.
و الجواب:ان الموضوع و إن كان هو المختلط من ماله الخاص مع الحرام، و الخمس المتعلق به بما أنه ليس مالا و ملكا له،بل هو مال و ملك لغيره خارج عن الموضوع،الاّ ان الناتج من ذلك ليس وجوب اخراج خمس الحلال أولا ثم المختلط،و ذلك لأن الحلال إذا كان متعلقا للخمس فالموضوع أربعة أخماسه مخلوطة مع الحرام،باعتبار أن خمسه ملك لغيره و من المعلوم انه لا يتوقف على اخراج خمس الحلال،و الاّ لزم عدم تحققه قبل اخراجه،و هو كما ترى.
و إن شئت قلت:ان موضوع وجوب الخمس هنا هو الحلال المختلط بالحرام،و ذكرنا أن مناسبة الحكم و الموضوع تقتضى ان المراد من الحلال هو الحلال الخالص،باعتبار انه ماله في مقابل الحلال المشترك بينه و بين أصحاب الخمس،فإذا كان متعلقا للخمس كان الموضوع أربعة اخماسه مختلطة مع الحرام،و أما خمسه فبما انه ملك لأصحابه فهو خارج عن الموضوع،و على ضوء هذا الأساس لا فرق بين تقديم خمس الحلال على خمس المختلط و بين العكس أصلا،و لا تظهر الثمرة بين الطريقتين نهائيا،لأن ظهورها مبني على نقطة خاطئة و هي استثناء خمس الحلال عن موضوع خمس المختلط شريطة اخراجه منه أولا،و الاّ فهو لم يستثن،و هذا كما ترى،لأن لازم ذلك ان موضوع خمس المختلط في المثال المتقدم متمثل في خمسة و سبعين دينارا إذا اخرج خمس الحلال أولا،و الاّ فهو متمثل في خمسة و سبعين دينارا،و هذا يعني انه إذا أخرج خمس المختلط أولا فلا بد أن يكون من خمسة و سبعين دينارا،و إذا اخرج بعد اخراج خمس الحلال فلا بد أن يكون من خمسة و ستين دينارا، و لكن هذا بالتحليل لا يرجع إلى معنى محصل،فان الموضوع ان كان الحلال الخالص المختلط مع الحرام وجب اخراج خمسه من خمسة و ستين دينارا على كلا التقديرين،و إن كان الحلال المشترك بينه و بين أصحاب الخمس المختلط
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۷ 98)
[مسألة 37:لو كان الحرام المختلط في الحلال من الخمس أو الزكاة أو الوقف الخاص أو العام فهو كمعلوم المالك على الأقوى]
[2913]مسألة 37:لو كان الحرام المختلط في الحلال من الخمس أو الزكاة أو الوقف الخاص أو العام فهو كمعلوم المالك على الأقوى فلا يجزئه إخراج الخمس حينئذ(1).
مع الحرام وجب اخراج خمسه من خمسة و سبعين دينارا على كل تقدير،غاية الأمر أنه إذا أخرج خمس الحلال في هذا الفرض أولا فقد أتلف خمس المختلط فيه بالنسبة فيضمن.
و قد تحصل من ذلك ان المكلف مخير بين أن يخمس المتيقن من الحلال أولا،ثم المختلط،و بين العكس.ثم ان المقدار الزائد على خمس المختلط بما انه مشتبه و مردد أمره بين كونه من الحلال أو الحرام فلا يجب عليه اخراج خمسه،باعتبار انه ليس بامكانه اثبات انه داخل في حلاله لا بقاعدة اليد لسقوط يده عن الاعتبار لمكان العلم الإجمالي كما مر،و الاّ انتفى وجوب الخمس بانتفاء موضوعه و هو الاختلاط و الاشتباه و لا بالأصل العملي لعدم العلم بحالته السابقة،و لكنه إذا بقى عنده و حال عليه الحول وجب خمسه إما من جهة انه كان متعلقا للخمس من الأول إذا كان في الواقع من حلاله،أو من جهة انه من فوائد هذه السنة إذا كان في الواقع حراما باعتبار انه صار ملكا له عوضا عن الخمس بحكم الشارع.
هذا هو الصحيح لأن دليل الخمس و هو الصحيحة المذكورة لا يشمل ما نحن فيه لاختصاصه بما إذا كان مالكه مجهولا،و أما إذا كان معلوما فلا بد من ايصال المال إليه بلا فرق فيه بين المالك الشخصي و المالك الكلي،غاية الأمر ان المالك إذا كان كليا كما في المقام فلا بد من الرجوع إلى من له الولاية على ذلك كالحاكم الشرعي أو المتولي،و يصالح معه في المقدار المشتبه بما يتفقان عليه أو يرجعان فيها إلى القرعة.
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۷ 99)
[مسألة 38:إذا تصرف في المال المختلط قبل إخراج الخمس بالإتلاف لم يسقط]
[2914]مسألة 38:إذا تصرف في المال المختلط قبل إخراج الخمس بالإتلاف لم يسقط و إن صار الحرام في ذمته(1)فلا يجري عليه حكم ردّ المظالم على الأقوى(2)،و حينئذ فإن عرف قدر المال المختلط اشتغلت
فيه ان هذا لا ينسجم مع مسلكه في هذا الباب،لما مر من أن مسلكه فيه ان الخمس المجعول فيه هو الخمس المجعول في سائر الأنواع،و الناتج من ذلك انه إذا أتلف المال المختلط انتقل خمسه إلى ذمته دون نفس الحرام، لفرض ان الشارع جعل خمسه عوضا عنه،و نتيجة ذلك ان الحرام صار ملكا له في مقابل خمسه،فلا معنى حينئذ لانتقاله إلى ذمته.
في القوة اشكال بل منع،لأن ذمته لو اشتغلت بالحرام في مفروض المسألة جرى عليه حكم رد المظالم،لما مر من أن روايات مجهول المالك لا تقصر عن شمول ما في الذمة و وجوب التصدق به للفقراء من قبل صاحبه شريطة أن يكون مأيوسا من رده إلى مالكه،هذا اضافة إلى أن وجوب التصدق به يكون على القاعدة،فلا يحتاج إلى النص على أساس ان ايصال نفس المال إذا لم يمكن إلى مالكه فيدور الأمر بين التصدق به من قبله و ايصال اجره و ثوابه إليه،و بين تملكه،و من المعلوم ان المتعين هو الأول،فانه بمثابة البدل له دون الثاني فانه بحاجة إلى دليل.فالنتيجة ان جريان حكم رد المظالم عليه لا يحتاج إلى دليل.
و لكن قد تقدم ان هذا القول غير صحيح،فانه لو تصرف في المال المختلط قبل اخراج خمسه بالاتلاف ضمن الخمس لا نفس الحرام،فما ذكره الماتن قدّس سرّه من أنه يضمن بالاتلاف نفس الحرام دون الخمس لا ينسجم مع القول بأن الخمس المجعول فيه هو الخمس المجعول في سائر الأنواع كما هو مختاره قدّس سرّه أيضا،و إنما ينسجم مع القول الآخر و هو ان تعلق الخمس به
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۷ 100)
ذمته بمقدار خمسه،و إن لم يعرفه ففي وجوب دفع ما يتيقن معه بالبراءة أو جواز الاقتصار على ما يرتفع به يقين الشغل وجهان،الأحوط الأول و الأقوى الثاني.
[مسألة 39:إذا تصرف في المختلط قبل إخراج خمسه ضمنه]
[2915]مسألة 39:إذا تصرف في المختلط قبل إخراج خمسه ضمنه كما إذا باعه مثلا،فيجوز لولي الخمس الرجوع عليه،كما يجوز له الرجوع على من انتقل إليه،و يجوز للحاكم أن يمضي معاملته(1)فيأخذ مقدار الخمس من العوض إذا باعه بالمساوي قيمة أو بالزيادة،و أما إذا باعه بأقل من قيمته فإمضاؤه خلاف المصلحة،نعم لو اقتضت المصلحة ذلك فلا بأس.
[السادس:الأرض التي اشتراها الذمي من المسلم]
السادس:الأرض التي اشتراها الذمي من المسلم،سواء كانت أرض
صوري لا حقيقي.
هذا إذا لم يكن المشتري ممن شملته روايات التحليل،و الاّ فالمعاملة محكومة بالصحة،و لازم صحتها اشتغال ذمة البائع بالخمس،و مقتضى اطلاقها عدم الفرق بين أن يكون البائع معتقدا بالخمس و لكن لا يخمس،أو غير معتقد به،نعم إذا لم يكن المشتري ممن شملته تلك الروايات فصحتها تتوقف على أحد أمور..
الأول:أن يمضيها الحاكم الشرعي،فإذا امضاها صحت.
الثاني:أن يعطى البائع خمسه من مال آخر،فإذا اعطاه ملك الخمس، و حينئذ فإذا أجاز المعاملة صحت.
الثالث:ان يمضيها المشتري بإعطاء خمس المبيع ثم الرجوع الى البائع و يطالبه بما يعادل ثمنه.