آثار حضرت آیة الله العظمی شیخ محمد اسحاق فیاض
البنوک
جلد
1
البنوک
جلد
1
عنوان کتاب : البنوک – الاسهم والسندات المتداولة في الاسواق المالية “البورصات” بمختلف انواعها من وجهة النظر الشرعية
نام ناشر : دار البذرة
سال چاپ: 1432 ه.ق – 2011 میلادی
جلد : 1
تعداد صفحات: 254
اسم الكتاب: البنوك
اسم المؤلف:سماحة آية الله العظمى الشيخ محمد اسحاق الفياض (دام ظله)
الناشر: دار البذرة
الطبعة: الخامسة
السنة: 1432 ه – 2011 م
المطبعة: الكلمة الطيبة – النجف الاشرف
رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق ببغداد 1151 لسنة 2009
بسم الله الرحمن الرحيم
1. معالجة مشكلة المعاملات الربوية في البنوك والمؤسسات النقدية، وتحويلها نظريا إلى المعاملات المشروعة في الإسلام.
2. تطبيق هذه النظرية مرتبطة بالعناصر التالية:
أ) عملية التحويل لا تقلل من دور البنوك في طبيعة الحياة الاقتصادية، ونشاطاتها في الحركة التجارية وفوائدها.
ب) عملية تطبيق وظيفة المسلمين ككل بحكم أعتقادهم بالإسلام ومسؤوليتهم أمام الله تعالى.
ب) عملية التطبيق تدل على أصالة المسلمين واستقلالهم في تشريعاتهم المستمدة من الكتاب والسنة.
3. الخدمات البنكية التقليدية في مختلف جوانب الحياة الاقتصادية للإنسان الاجتماعية والفردية، وتخريج هذه الخدمات من الناحية الشرعية.
4. الأسهم والسندات: وهي متمثلة في الأوراق المالية التي تصدرها الشركات المساهمة بقيمة اسمية محددة، وتتغير أسعارها كسائر السلع، وتخريج أحكام تداولها من الناحية الشرعية.
5. التعامل في الأسواق المالية (البورصات) وحكمه من وجهة النظر الشرعية.
********************
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين
السؤال:
هدف هذه الرسالة:
الحصول على فتواكم بخصوص عملي (وضعي الخاص) في المصرف، بعد اطلاعكم على النقاط المدرجة أدناه.
المقدمة:
أنا على علم بالحكم الشرعي بخصوص العمل المصرفي، والذي أبنيه على فتوى السيد الخوئي (قدس سره) بحرمة العمل في البنك، إذا كان له علاقة بالربا. فأنا لست بصدد الحكم الشرعي العام، ولكني بصدد فتواكم في وضعي الخاص، في البيئة الجديدة للعمل المصرفي، في ظل الظروف الحالية التي نعيشها في المنطقة مع مراعاة:
أ) طبيعة عملي.
ب) البيئة الجديدة للعمل المصرفي.
ج) بنوك باسماء أخرى.
ح) حاجتنا لمصرفيين إسلاميين.
خ) ظروف الحصول على وظيفه في المنطقة.
د) علاقة العمل البعيد عن الربا.
ذ) أعمال أخرى في البنك.
أ) طبيعة عملي:
تخصصي هو الحساب الآلي، وأعمل حاليا في قسم نظم المعلومات، وأنا مدير لبعض من الفنيين والمشغلين لأجهزة وبرامج الحاسب الآلي، وعملي هو إدارة هؤلاء الأفراد لتقديم خدمات فنية متعلقة بتركيب وتشغيل هذه الأجهزة لموظفي وعملاء البنك، هذه الأجهزة تشغل برامج تحسب الفائدة وبرامج كثيرة ليس لها علاقة بالفائدة بل بالعكس، فقد أجزم ان معظم الاجهزة لا تستخدم لأغراض ربوية بل تستخدم لبعث الرسائل الالكترونية أو
لطباعتها، أو لتحضير جداول أو خلافه. مثلي بإمكانه القيام بنفس الأعمال في شركة الكهرباء أو في مستشفى، لا يتغير إلاّ اسم الشركة. ليس لي أي علاقة مباشرة بالربا.
ب) البيئة الجديدة للعمل المصرفي:
مصارفنا في المنطقة لا تقوم فقط باعمال ربوية، بل تقدم من الخدمات غير الربوية، وهذه المعاملات غير الربوية تمثل نسبة من إجمالي عمليات المصارف اليومية وكذلك اجمالي ارباح المصارف، والتالي أمثلة على هذه الخدمات:
1. الاعتمادات: لعب دورالوسيط بين تاجرين في بلدين مختلفين لأستلام البضائع وتسليم الاموال.
2. الضمانات: اصدار خطاب ضمان لتاجر معين حتى يعرف في السوق التجاري.
3. الكفالات: اصدار خطاب كفالة لمقاول يضمن البنك حفظ بعض من ماله لصاحب المشروع حال اخلال المقاول بالمواصفات المتفق عليها.
4. الصراف الآلي: يوفر البنك أجهزة آلية تعمل على مدار الساعة لصرف النقود. فبامكان المؤمن ان يسحب من حسابه الخاص من أي جهاز في اي مكان في العالم بالعملة المحلية للبلد الذي هو فيه.
5. نقاط البيع: وهي أجهزة آلية تمكن مستخدمها شراء احتياجاته من المتجر مثلا والدفع باستخدام بطاقة بلاستيكية:
6. بيع وشراء الأسهم المحلية والدولية.
7. بيع وشراء العملات الأجنبية.
ويوجد الكثير من الخدمات الأخرى والتي ليس لها أي علاقة مباشرة بالربا ولكن يقتطع البنك مبلغا معينا باتفاق الطرفين، البنك وطالب الخدمة، اذن مصارف اليوم هي شركات خدمات، تبيع خدماتها لمن يطلبها وكذلك يقوم المصرف باعطاء القروض واخذ الفوائد عليها فينبغي ان يؤخذ بعين الاعتبار هذه الخدمات غير الربوية. فاذا قلنا بان البنك يقدم ثلاثين خدمة لعملائه، وليس منها إلا ثلاث تتعلق بالفائدة، الا يحسن بنا ان نغير مفهومنا للعمل المصرفي.
بعبارة اخرى ان الصورة الراسخة في اذهان الناس على ان البنك لا يتعامل الاّ بالربا ليست صحيحة، بل هناك خدمات كثيره لا تتعلق بالفائدة الربوية، والمصارف اليوم تعمل جاهدة لزيادة الخدمات غير الربوية وزيادة ايراداتها.
ج) بنوك بأسماء أخرى:
يتواجد عندنا في منطقتنا (وفي العالم أيضا) شركات تتعامل بالاستثمار، أو بالمتاجرة تقوم بما يقوم به البنك، فما هو حكم العمل بهذه الشركات؟ بل يوجد شركات تتعامل ظاهرا في اعمال غير مصرفيه مثل شركات بيع المرطبات أو شركات النفط، ويكون لها قسم خاص يسمى بالخزينة، وظيفته ادارة اموال الشركة والحصول على التمويل المالي لمشاريعها، مثل اصدار سندات ذات فائدة ثابتة للاقتراض من عامة الناس، أو الاستدانة من طرف بنسبة ما واقراض نفس المبلغ لطرف آخر بنسبة اعلى، واخذ الفائدة المتمثلة في الفارق بين النسبتين، من ضمنها المصاريف الادارية. فهل العمل في مثل هذه الشركات جائز؟
د) حاجتنا لمصرفيين اسلاميين:
مع اني لست مصرفيا بل خبير حاسب آلي، الاّ انه لا يخفى على سماحتكم بان القوة الاقتصادية وللأسف هي التي تسير حركة عالمنا اليوم. فالمصارف تمثل البنية الأساسية في الاقتصاد وادارة الأموال، والقائمون عليها ربما يؤثرون على مسيرتها حسب رغباتهم وتوجهاتهم. وللاسف لا يوجد عندنا نحن المؤمنون الكثير من العلماء المتخصصين في علم الاموال والمصارف التجارية كما يعرفه الغرب أو كما يعرفه العالم ونحن جزء من هذا العالم، فهو علم يتجدد ويتغير حسب تغير المعاملات التجارية. فانتم على علم بمعاهدة التجارة الدولية وكل دولة لا تشارك فيها سيضيق عليها الخناق اقتصاديا، والدول الاوربية وحدت عملتها لمواجهة التحديات المالية القادمة واليهود وللاسف هم اساتذة فن ادارة الاموال فتراهم مثلا يستغلون الظروف الاقتصادية المرتبطة بامور سياسية للتحكم في سياسات دول أخرى وأنا لا أقلل من معرفة فقهائنا في احكام المعاملات المصرفية والاتحادات التجارية ولكن انى لهم معرفتها اذا لم تنقل لهم عن طريق ابنائهم المؤمنين الثقات. فهل
ترون سماحتكم الحاجة لأن يكون هناك مؤمنون يعملون في القطاع المصرفي؟ هؤلاء ليسوا ربويين، بل لا توجد لديهم حسابات توفير، وخسروا الكثير من التطور الوظيفي بسبب عدم رغبتهم بالقيام بأعمال ربوية، وهم ملتزمون بالأحكام الشرعية ولهم نشاطات في خدمة المجتمع. وأحد الأمور التالية قد يكون سببا لعملهم في المصارف:
1) طلب الرزق.
2) نقل مستجدات التغيير في الاعمال المصرفيه لسماحتكم.
3) تقديم الاستشارات المالية لعموم المؤمنين وتنبيههم لما قد يؤدي بهم إلى الربح أو الخسارة في المعاملات الدولية.
4) عدم ترك الفرصة لغير المسلمين في التحكم في ثروات بلادنا بأعطاء توصيات خاطئة للمسؤليين.
5) الاهتمام بأموال المؤمنين. ومن يوجد اليوم من يحفظ رأسماله في بيته. بل حتى رواتب الحوزات العلمية تحفظ بالبنوك، أليس الأجدر أن يقوم المؤمنون بأدارة أموالهم.
6) قد يكونون هؤلاء هم البذرة في تكوين المصرف الإسلامي المثالي، والذي نبحث عنه جميعا، فللأسف يندر في المنطقة اليوم ما يمكن أن يطلق عليه المصرف الإسلامي المثالي، وأنشاء مثل هذا المصرف يحتاج إلى كفاءات تعرف النظام البنكي العالمي والمعاملات الدولية.
ه -) ظروف الحصول على وظيفة في المنطقة:
صعب مؤخرا-على مثقفينا الحاصلين على شهادات جامعية وفي تخصصات تقنية مثل علوم الكمبيوتر والهندسة الكهربائية – الحصول على وظيفة مناسبة لمؤهلاتهم في قطاعات معينة، حيث يوجد طلب لمثل هؤلاء في البنوك. عمل هؤلاء لا يختلف في البنك عن عملهم في قطاعات أخرى لو حصل لهم. فقد يتخرج الشاب ولا تتوفر له شيء من متطلبات الحياة والعصر التي أصبحت شبه ملحة، ولا يوجد وظيفة لمدة سنة أو أكثر إلا في البنك. فماذا يصنع؟ أيجلس عاطلا عن العمل يعوله أباه والذي كان ينتظر طويلا مساعدة ابنه؟ لقد مر ببعض من الملتزمين الكثير من الضغوط النفسية
والأسرية والاجتماعية التي دعتهم لكره انفسهم واعتزال الناس واحسوا بانهم عالة على المجتمع وتاسفوا لزواجهم المبكر وتاسفوا لانجابهم الاطفال في سن مبكرة لعدم قدرتهم على اعالتهم؟ فاذا لم يجد مثل هؤلاء غير البنك للعمل فيه. هل يجلسون عالة في بيوتهم، أم يعملون في البنك في اعمال غير ربوية مباشرة؟
و) علاقة العمل البعيد بالربا:
حسب ما فهمت من فتوى السيد الخوئي (قدس سره) بأنه يرى حرمة العمل في البنك ان كان له علاقة بالربا من قريب أو بعيد. وعسى ان افهم العلاقة الربوية القريبة مثل مسؤول القروض والذي يحدد الفائدة، أو الكاتب للفائدة، أو من يحصل الفائدة، لكني لا أفهم العلاقة البعيدة. فهل يوجد على وجه المعمورة من لا يتعامل مع البنك. فالموظف عندنا يستلم راتبه عن طريق البنك، والمزارع يودع أمواله في البنك. وكل من له علاقة بالبنك له علاقة بالربا من بعيد. الدولة هنا تستثمر أمواله في بنوك محلية وخارجيه تتعاطى الربا وتجني منها الارباح وتصرف من هذه الارباح رواتب الموظفين والاطباء والمهندسين، هؤلاء الموظفون يعلمون بان رواتبهم تصرف من الدولة عن طريق البنوك، لكنهم لا يعلمون جزما ان كانت مصادر رواتبهم ربويه ام لا، فالاموال مختلطة ومشتركة ربوية وغير ربوية فليس لهؤلاء الموظفين علاقه بعيدة بالربا؟ وما الفرق بينهم وبين العاملين في البنك ان كانوا جميعا (في الدولة أو في البنك) يتعاملون مع الات واجهزة؟ هلا وضح سماحتكم هذه العلاقة البعيدة؟
ز) أعمال أخرى في البنك:
يوجد في البنك عمال متعاقدون عن طريق شركات اخرى لوظائف مختلفه مثل:
مترجم، مزارع، مهندس تلفونات وخلافهم. دوامهم يوميا في البنك، ولكن تدفع رواتبهم عن طريق شركتهم بعد اخذها نسبة معينة. قد ينتهي عقد شركتهم مع البنك في اية لحظة. ما هو حكم عمل هؤلاء كمتعاقدين مع البنك؟
الخاتمه:
أرغب من سماحتكم افتائي بخصوص عملي في البنك مع وضع اعتبار لطبيعة عملي الخاصة كخبير حاسب آلي، وفقا للمفهوم الجديد لتعريف البنك – وهو تقديمه خدمات أخرى غير ربوية كما مر – في ضل ظروفنا الخاصة، وظروف ومخاطر الاقتصاد العالمي.
1 – ان المحرم شرعا من الخدمات المصرفية بوجه مطلق وقطعي هو القروض الربوية.
وقد تسأل عن حدود حرمتها في الشريعة المقدسة بوجه دقيق واضح لا لبس فيه؟
والجواب: ان القروض الربوية محرمة شرعا على المقرض والمقترض وكاتبها وشاهدها ولا تتجاوز حرمتها عن حدود هؤلاء الاشخاص بعناوينهم الخاصة المحددة على اساس ان كل حكم يتبع موضوعه في الخارج ويدور مداره وجوداً وعدماً، وعلى هذا فكل من كان يعمل في البنوك والمصارف ولا ينطبق عليه احد هذه العناوين الخاصة المحددة فلا يكون عمله محرما وان كان مربوطا بالقرض الربوي بجهة من الجهات بدون ان يكون مصداقا له.
وبكلمة أن كل من يكون شغله في البنوك والمصارف القروض الربوية، بان يكون عمله الاقراض او الاقتراض او كتابة ذلك وتسجيله في السجلات فانه محرم.
واما من يكون شغله فيها سائر الخدمات البنكيه التقليدية فلا يكون محرما:
1) كبيع الأسهم والسندات المحلية والدولية على تفصيل يأتي.
2) بيع وشراء العملات الأجنبية.
3) عملية عقد التأمين.
4) الحوالات الداخلية والخارجية.
5) تخزين البضائع المستوردة والمصدرة
6) خصم الأوراق التجارية.
7) الاعتمادات التي تلعب دور الوسيط بين المصدر والمستورد.
8) الضمانات.
9) الكفالات.
10) الصراف الآلي.
11) بطاقات الائتمان.
12) وغيرها من الخدمات الجارية في المصارف والمؤسسات النقدية في العالم.
والمعيار الكلي لذلك ان كل من عمل في البنوك والمصارف فان كان عمله القروض الربوية وكتابتها فهو حرام، وإن كان سائر الخدمات البنكية المشار إلى جلّ منها فهو جائز شرعا.
وأما عمل عملاء البنوك والمصارف في تلك الخدمات قد ترتبط بالتصرف في أموالها، منها الفوائد الربوية كنقلها من مكان إلى مكان آخر أو حسابها أو المحافظة عليها وغير ذلك فهو جائز شريطة أن يكون ذلك مسبوقاً بأذن من الحاكم الشرعي أو وكيله وستأتي الاشارة الى هذه الخدمات البنكية تفصيلا وتخريجها شرعا.
وبذلك يظهر حكم الوظيفه في الشركات الاستثمارية التي تقوم بما يقوم به البنك أيضا، فإن من تكون وظيفته في هذه الشركات عملية الاقراض والاقتراض الربوي أو كتابة ذلك فهي محرمة شرعا والا فلا باس بها.
2 – لا شبهة في ان البنوك والمصارف النقدية من اهم واكبر المؤسسات المالية في العالم ككل، ولها دور أساسي في تدعيم الحركات التجارية والاقتصادية وتوسيعها وتطويرها بشكل أكثر عمقا وحركة بمرور العصور والاوقات، ولكن تاسيس هذه المؤسسات والمصارف وتطويرها وتوسيعها في كل عصر بما يناسب ذلك العصر وتهيئة الكوادر الفنية لها والمتخصصين فيها ليس من وظائف علماء المسلمين وفقهائهم، بل هي من وظائف الدولة الإسلامية ورجال أعمال المسلمين واصحاب الاختصاص في ادارة الاموال والمصارف التجارية عالميا ومحليا، فان عليهم جميعا بحكم ايمانهم بالاسلام كعقيدة ومسؤوليتهم أمام الله تعالى التحكم على ثروات البلاد بتاسيس المصارف والمؤسسات المالية والشركات التجارية الخارجية والداخلية وايجاد الشغل للناس المؤمنين والشباب المثقفين وتهيئة الكوادر الفنية والمتخصصة وتحريك الحياة الاقتصادية في الاسواق الداخلية والخارجية والاستفادة من تجارب المتخصصين في الاقتصاد واستخدامهم في تشغيل الحياة الاقتصادية في البلاد ودخولهم في المعاهدات الدولية والاتفاقيات الاقتصادية وتحريك الحركات التجارية في البلد لرفع مستوى معيشة الناس وايجاد النشاط في الاسواق المالية، وتقديم التسهيلات بكافة اشكالها من التجارية والزراعية والصناعية وغيرها، وفي ذلك خدمة لأنفسهم وفي نفس الوقت يكون خدمة للناس المؤمنين بل خدمة للدين ايضا، فان أتاحة فرصة العمل امام الشباب المثقفين سد منيع عن انحرافاتهم السلوكية واللااخلاقية
وأما وظيفة العلماء فهي ارشاد الناس وبيان وظائفهم الشرعية في التعامل بهذه المؤسسات والمصارف المالية وتخريجها من وجهة النظر الاسلامية، كما هو الحال في الشركات التجارية العالمية والمحلية، والصناعات والزراعات وغيرها من المشاريع المالية فان تاسيسها وتوسيعها وتطويرها ليس من وظيفة العلماء، فان وظيفتهم بيان حدودها في دائرة الشرع كما وكيفا ووظائف الناس في التعامل بها من وجهة نظر الشارع، نعم وظيفة العلماء دعوة الحكومة ورجال الاعمال ببذل اقصى الجهد الجاد بكافة الوسائل الممكنة والمتاحة في دعم الحركات الاقتصادية بكافة اشكالها وانواعها وتاسيس المعاهد والكليات المتخصصة للتقنيات العالية وارسال المفكرين والمبدعين والمثقفين من الشباب الى الخارج للتزود بالعلوم المعاصرة والتكنلوجيا المتقدمة بمختلف انواعها من الطبية والهندسية والاقتصادية والامنية والعسكرية وهكذا لأن تخلف بلاد المسلمين في هذه التقنيات والتكنلوجيات سبب لاضطراباتهم ومشاكلهم الداخلية والخارجية ومنشا لايجاد التطرف والارهاب باسم الاسلام مع ان الاسلام برئ منه تماما لان الاسلام دين عدل وسلم ورافة وهو الدين الوحيد الذي اهتم بحياة البشر اهتماما بالغا وشجب القتل واستنكر غاية الاستنكار بقوله تعالى ((مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسٰادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمٰا قَتَلَ النّٰاسَ جَمِيعاً وَ مَنْ أَحْيٰاهٰا فَكَأَنَّمٰا أَحْيَا النّٰاسَ جَمِيعاً)) ومن هنا على قادة المسلمين رص صفوفهم وتوحيد كلمتهم واتخاذ موقف موحد تجاه الشرق والغرب والاهتمام الجاد والسعي الحثيث بكافة الطرق والوسائل في تكوين مجتمع مترقي امن من التطرف والارهاب لان من العوامل المؤثرة في ايجاد التطرف والارهاب التخلف والفقر في المجتمع، كما ان التخلف فيه يفتح الابواب امام دخول الاجانب في البلاد الاسلامية ونشر افكارهم المضللة وثقافتهم المبتذلة بذرايع مختلفة تارة بذريعة ان الدين الاسلامي يروج التطرف والارهاب رغم انه دين سلم وعدل واخرى بذريعة نشر الحرية والديمقراطية وثالثة ان المسلمين غير قادرين على ازالة التطرف والارهاب عن بلادهم، ومنشأ ذلك كله عدم وحدة الكلمة بين المسلمين وقادتهم السياسيين هذا من ناحية ومن ناحية اخرى ان مسؤولية قادة المسلمين ورؤسائهم السياسيين امام الله تعالى وامام شعوبهم المسلمة تتطلب منهم بذل اقصى الطاقات في اتاحة الفرصة للقادة الدينيين لنشر الافكار الاسلامية وثقافتها الاجتماعية والعائلية والفردية بكافة الوسائل
الممكنة والمتاحة والمنع البات عن نشر الافكار المضللة المتطرفة التي تضر بالاسلام والمسلمين ووحدتهم لان الثقافة الاسلامية تزود الانسان بالملكات الفاضلة والاخلاق السامية وتجهزه بالايمان الراسخ وتهذب سلوكه في الخارج وتمنعه من السلوكيات المنحرفة اللاخلاقية كما ان عليهم السعي الجاد في تطبيق القوانين الاسلامية في بلادها بدل القوانين الوضعية الشرقية والغربية فانهم بذلك يحافظون على كيان المسلمين واستقلالياتهم وعزتهم وكرامتهم وشرفهم لان قوة الاسلام وثقافته الانسانية ترغب الاعداء وتنتشر يوما بعد يوم في الشرق والغرب رغم المعارضة الشديدة باساليب متنوعة وذرايع مختلفه.
وفي الختام ناسف جدا ان قادة المسلمين السياسيين غالبا من الذين كانوا مهتمين بالكرسي كهدف لا كوسيله ولا يهتمون بمصالح البلاد العامة وشعوبها وتطورها اجتماعيا واقتصاديا وتقنيا بقدر ما كانوا يهتمون بالكرسي.
ندعوا الباري عز وجل التوفيق والعناية التامة للجميع ورص الصفوف وتوحيد الكلمة ونبذ الفرقة والله هو الموفق والمعين.
3 – وفي ضوء ذلك يجوز تعامل الناس مع البنوك والمؤسسات المالية في جميع اقسامها الخدمية المشار إليها آنفا غير قسم التعامل بالقروض الربوية كما مر، فيجوز ان يكون الشخص محاسبا في تلك المؤسسات بان تكون وظيفته تشغيل الاجهزة وبرامج الحاسوب الآلي في العصر الحالي، ولا مانع من تشغيلها لحساب الفوائد الربوية وغيرها من البرامج ولا يكون ذلك محرما فان المحرم فيها كما عرفت انما هو عملية الاقراض والاقتراض وتسجيل ذلك دون غيرها من الخدمات التي لا تتعلق بها وهي كثيرة جدا بحيث لا تتجاوز نسبة عملية القرض عن كل الخدمات المتوفرة في هذه المؤسسات عن 5% بنسبة تقريبية، ويجوز ان يكون الشخص مفتشا او مراقبا فيها او محافظا او كاتبا فيما عدا كتابة القروض الربوية. وكذلك الحال في الشركات المالية التجارية والزراعية الصناعية وغيرها في ما عدا المعاملات المحرمة كالتعامل بالربا والخمور ولحوم الميتة والخنزير ونحو ذلك، فان التوظيف فيها غير جائز شرعا هذا من ناحية ومن ناحية أخرى ان القروض الربوية حيث انها من اهم خدمات البنوك والمصارف واكثرها انتشارا فلذلك جعلنا لها في هذا الكتاب بدائل شرعية وسوف نشير اليها، ولكن تطبيق تلك البدائل
عمليا عوضا عن المعاملات الربوية المحرمة في الشريعة المقدسة ليس بايدي العلماء، نعم ان عليهم ارشاد المسلمين ككل الى عملية التطبيق لان عملية التطبيق وظيفة المسلمين كافة بحكم اعتقادهم بالاسلام ومسؤوليتهم امام الله تعالى وعدم خروجهم عن دائرة الشريعة الاسلامية، وان هذه العملية لا تقلل من دور البنوك والمصارف في طبيعة الحياة الاقتصادية ونشاطاتها في الحركات التجارية وفوائدها وانها تدل على اصالة المسلمين واستقلالهم في تشريعاتهم المستمدة من الكتاب والسنة.
4 — يمكن علاج مشكلة عملية القرض والإقتراض الربوية المحرمة في الشريعة الإسلامية المقدسة في البنوك والمصارف بما يلي: وهو أن كل من أودع ماله في تلك البنوك والمصارف فإن كان بعنوان القرض مع الفائدة، فهو ربا ومحرم شرعاً على المقرض والمقترض، والكاتب والشاهد، وإن كان بعنوان إستثمار البنك إياه واتجاره به واقعاً كما هو الحال في سائر الإستثمارات، والإستفادة من ريعه و ربحه فهو حلال شرعاً، وحينئذ فإن حصل التوافق والتراضي بينهما أي بين المودع و البنك بتعيين حصة كل منهما من الربح بالكسور، فهو داخل في عنوان المضاربة بينهما ولا إشكال في صحتها.
وأما إذا حصل التوافق والتراضي بينهما بدفع البنك للمودع مقداراً معيناً من المال سواءً أكان ذلك المقدار بمقدار نصف الربح، أوالأقل، أوالأكثر فهو. وإن لم يدخل في عنوان المضاربة إلاّ أنه ليس من المعاملات المحرمة، بل هو داخل عندئذ تحت عنوان التجارة عن تراض فيكون مشمولاً للمستثنى في الآية المباركة:(لاٰ تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ إِلاّٰ أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ)، وبذلك تنحل مشكلة عملية القرض والإقتراض الربوية المحرمة شرعاً في المصارف المذكورة.
ومن الواضح أن هذه العملية المحللة لاتتوقف على مؤونه زائدة سوى تبديل عنوان القرض بعنوان الإستثمار والإتجارواقعاً، وحقيقة بأن يكون جاداً في نيته الإستثمار به مع بقائه في ملكه، هذا من ناحية.
و من ناحية أخرى، أن كل مسلم ملزم شرعاً بأن يختار هذه العملية المحللة دون عملية القرض المحرمة، هذا إضافة إلى أن فائدتها لولم تكن أكثر من فائدة عملية القرض لم تكن أقل منها جزماً.
ومن هنا يظهر حال ما إذا أعطى البنك المال لزبائنه فإن كان بعنوان القرض مع الفائدة فهو حرام، وإن كان بعنوان الإستثمار، والإتجار به فإنه حلال كما مر الآن.
والخلاصة، إن المشكلة الوحيدة في التعاملات البنكية، والمصرفية في أنحاء العالم من وجهة نظر الدين الإسلامي هي مسألة القرض والإقتراض مع الفائدة، ومع علاج مشكلة هذه المسألة و حلها بالطريقة التى بيّنّاها الآن فلا مشكلة في أعمال البنوك و المصارف حينئذٍ أصلاً.
****************
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة:
هل المبالغ التي يودعها أصحابها في البنوك والمصارف، هي ودائع بالمعنى الفقهي، أو أنها قروض ربوية تملكها البنوك والمصارف على وجه الضمان بالمثل؟
والجواب: أنه لا بد لنا من ملاحظة مفهوم الوديعة بالمعنى الفقهي وحدوده سعة وضيقاً، فنقول أن الوديعة بالمعنى الفقهي عبارة عن إيداع مال عند الأمين المسمى بالودعي بغاية الحفاظ عليه مع بقاء عينه في ملك مالكه، وهي بهذا المفهوم المحدد لا تنطبق على الأموال المودعة لدى البنوك، على أساس أن البنوك مسموح لها – من قبل أصحاب الأموال – بالتصرف بها ما شاءت وتبديلها بأعيان أخرى، وهذا لا ينسجم مع مفهوم الوديعة بالمعنى الفقهي.
ومن هنا ذكر بعض الأعلام إن الودائع المصرفية لا يمكن تصوير كونها ودائع حقيقية، بحيث تخرج فوائدها عن كونها فوائد ربوية على القرض، وذلك لأن المالك يأذن للبنك بالتصرف فيها، ولا يراد بهذا الأذن السماح للبنك بالتصرف مع بقاء الوديعة في ملك صاحبها، والالزم حينئذ أن يعود الثمن والربح إلى المالك بقانون المعاوضة لا إلى البنك، بل يراد بالإذن المذكور السماح للبنك بتملك الوديعة على وجه الضمان بالمثل، وهو معنى القرض، و عليه فتكون الفوائد التي يدفعها البنك إلى المودع فوائد على القرض. وبكلمة إن إباحة التصرف للبنك في الأموال المودعة عنده من قبل أصحابها، إنما هي إباحة في تملك تلك الأموال بضمان مثلها، فإن صاحب المال إذا أذن للأمين وسمح له بالتصرف فيه تصرفا ناقلا، كان معناه الإذن منه بتملك المال على وجه الضمان بالمثل.
ثم إن تملك البنك للأموال المودعة عنده يكون بأحد الطريقين التاليين:
الأول: إن المودع من البداية كان يقصد إقراض البنك للوديعة، أي: تمليكها له على وجه الضمان بالمثل، وهذا المعنى هو المرتكز في أذهان كل
مودع أودع ماله في البنك، لأن الدافع من ورائه تضمينه بالمثل لا بقاء عينه في ملكه.
الثاني: إن المودع بما أنه قد أذن للبنك بالتصرف في الوديعة حتى التصرف الناقل، فلا محالة يكون مرده إلى الإذن و السماح له بالتملك على وجه الضمان بالمثل لا مجاناً.
الخلاصة:
إن الودائع المصرفية جميعا أي: سواء أكانت من الودائع المتحركة أم الثابتة، فهي ليست بودائع حقيقية، بل هي قروض ربوية للبنك فيملكها البنك على وجه الضمان، و إطلاق الودائع عليها إنما هو بالعناية وبدافع إغراء الناس في إيداع أموالهم فيه حفظاً لها من التلف وتعويدا لهم على الإدخار.
نعم، يمكن تصوير أن هذه الودائع، ودائع بالمعنى الفقهي ثبوتاً وباقية في ملك أصحابها، وإن الإذن بالتصرف فيها إنما هو مع الإحتفاظ بملكية المودع للوديعة من طريق ضمان البنك الودائع، لا بالقرض لكي تخرج عن ملك أصحابها، ولا بمعنى النقل من ذمة إلى ذمة، فإنه لا يتصور إلا في الدين، بل بمعنى تعهد البنك وجعلها في مسؤوليته مع بقائها على ملك المودع، وهذا نحو من الضمان المعاملي: فإنه على نحوين:
أحدهما: مختص بباب الديون، ويعبر عنه بنقل الدين من ذمة إلى ذمة.
وثانيهما: لا يختص بها، بل يشمل الأعيان الخارجية أيضاً، وهو التعهد بشيء وجعله في عهدة الشخص، وفي المقام يقوم البنك بإنشاء التعهد وتعاقده مع المودعين على ذلك، فإذا قام البنك بذلك تصبح الودائع في عهدته ومسؤليته مع بقائها على ملك المودعين، ونتيجة هذا التعهد همي أن خسارتها على ذمة البنك لو تلفت.
ولكن هذا التصوير لا ينسجم مع النظام التقليدي الربوي في البنوك والمصارف، فإن مقتضى ذلك النظام إن الودائع المتوفرة لديها جميعا قروض ربوية، وخارجة عن ملك المودعين وداخلة في ملك البنوك على وجه الضمان بالمثل، ولا يمكن أن تكون ودائع حقيقة وبالمعنى الفقهي، إذ لازم كونها ودائع حقيقة أن يعود ثمنها وربحها إلى المودع لا إلى البنك، فإن عوده إلى البنك مع بقاء نفسها في ملك المودع بحاجة إلى عناية زائدة، وهي وقوع شرط في ضمن عقد الضمان أو أي عقد أخر بين البنك والمودع، بأن
يشترط البنك في ضمنه على المودع أن يكون الثمن ملكاً له بنحو شرط النتيجة، بمعنى أنه ينتقل إليه في طول أنتقاله إلى المودع، لا بمعنى أنه ينتقل إليه إبتداءاً، فإنه باطل ومخالف لقانون المعاوضة، وأيضاً لابد على هذا من إستثناء المبلغ الذي دفعه البنك إلى المودع بمعنى: أنه يشترط عليه أن يكون مالكاً لما يزيد على المبلغ المذكور.
فالنتيجة: إن إفتراض تطبيق هذا التصوير والنظرية يستدعي تبديل النظام البنكي التقليدي بنظام جديد، إذ مع فرض بقاء ذلك النظام في البنوك لا يمكن تطبيق هذه النظرية.
نعم، تصلح هذه النظرية أن تكون بديلة عن النظام التقليدي الربوي في البنوك والمصارف، وعلى هذا فبإمكاننا تبديل النظام البنكي التقليدي ببدائل جديدة مطابقة للشرع وهي متمثلة في الصيغ التالية:
1 – عقد المضاربة.
2 – عقد المشاركة.
3 – عقد المرابحة.
4 – عقد الوكالة.
5 – عقد السلم.
6 – بيع الأوراق النقدية الشخصية بمثلها الكلي في الذمة وغيرها، ويأتي شرح الجميع في ضمن البحوث القادمة.
يتلخص من ذلك أن البنوك والمصارف بنظامها التقليدي الربوي تملك الأموال المودعة عندها على نحو الضمان.
***************
وقد تسأل أن البنك إذا كان حكوميا فيرتبط تملكه للمال بتملك الحكومة، على أساس أنه فرع من فروعها، والمفروض أن الحكومة لا تملك ولا نقول بتملك الحكومة.
والجواب: إن البنك جهة مالية ذات شخصية مستقلة، فيملك المال بنفسه وبأسمه لا بعنوان الوكالة عن غيره أو الولاية عليه، لكي يتوقف نفوذ تصرفه وتملكه على إثبات الوكالة أو الولاية، وعلى هذا فلا يتوقف تملك البنك للمال على أي مقدمة، وبكلمة: إن البنك في نفسه قابل لأن يتملك شيئا، سواء أكان بالتمليك أم بالاستيلاء وبذل الجهد، ولا يكون ذلك مشروطا بشيء، ولا هناك مانع يمنع عنه.
وهذا بخلاف الحكومة فإنها شخصية آلية تعمل بعنوان الوكالة عن الملة والرعية والممثلة لهم، أو بعنوان الولاية عليهم اذا كانت الحكومة شرعية وهي الحكومة القائمة على اساس مبدأ المالكية لله وحده لا شريك له وعلى الأول تتوقف شرعيتها على الاذن من الملة أو أوليائها والا فلا تكون شرعية.
والخلاصة أن نفوذ تصرفات الحكومة وتملكها للمال سواء أكان بالتمليك من قبل الغير، أم بالاستيلاء بسبب الأحياء، أو الحيازة أو نحوهما يتوقف على توفر أحد هذين العنصرين فيها: أما الوكالة أو الولاية، وحيث أن شيئا منهما غير متوفر في الحكومات الحاضرة في البلاد الإسلامية فعلا، فلا تكون تصرفاتها نافذة، سواء أكانت في الميادين الاقتصادية كاحياء الأراضي وانشاء السدود لحيازة المياه وإستخراج المعادن الطبيعية من الظاهرية والباطنية وحيازة الثروات الطبيعية وإنشاء المعامل والمصانع وغيرهما، أم كانت في الميادين الإدارية، كإستخدام الأشخاص واستئجارهم في مختلف مرافق الحكومة، فإن نفوذ تلك التصرفات وضعا وتكليفا منوط أما بالوكالة عنهم جميعا أو بالولاية عليهم كذلك، وإلا فلا قيمة لها من وجهة النظر الشرعية.
نعم إذا كانت الحكومة حكومة إسلامية شرعية بأن تكون قائمة على اساس مبدأ الدين ويكون على رأسها الولي الفقيه في زمن الغيبة الجامع للشروط التي منها الأعلمية، كانت تصرفاتها في حدود دائرة الشرع، التي قد حددت من قبل الولي الفقيه، على أساس الخطوط العامة للإسلام المستمدة من الكتاب والسنة نافذة مطلقا، اي: وضعا وتكليفا.
فالنتيجة: ان البنك جهة مالية مستقلة وملحوظ كالمعنى الاسمي، بينما الحكومة جهة آلية غير مستقلة وملحوظة كالمعنى الحرفي، بنكتة أنها تدعي تمثيلها من قبل الشعب، وهي أما بالوكالة أو الولاية، وعلى هذا فلا شبهة في أن البنوك والمصارف تملك الودائع المودعة عندها على وجه الضمان بالمثل وهو معنى القرض، ولها حرية التصرف فيها بالاقراض والمنحة وغيرها، ويترتب على ذلك أن المال المأخوذ من البنك قرضا كان أو منحة ليس من المال المجهول مالكه، بل ملك للآخذ بتمليك البنك أما على وجه الضمان كما في القرض أو مجانا كما في المنحة، ولا يترتب عليه أحكام مجهول المالك، وبكلمة أن ترتيب أحكام مجهول المالك عليه منوط بكون الودائع عنده ودائع حقيقيه وباقية في ملك أصحابها، وقد مر أنه لا يمكن تصوير ذلك على ضوء النظام البنكي التقليدي في البنوك والمصارف.
نعم، تكون أموال البنك مختلطة بالحرام من ناحية أخرى، وهي أن الفوائد التي أخذها البنك على القروض، فإنها باقية في ملك أصحابها، وعليه فتكون أمواله مختلطة بها، وحيث أن نسبة تلك الفوائد إلى روؤس الأموال قليلة، فتكون نتيجة ذلك أن المال المأخوذ من البنك إن كان قرضا، فإن علم المقترض بوجود الحرام فيه بطل القرض بالنسبة إليه فحسب، وعلى المقترض حينئذ أن يعامل معه معاملة المجهول مالكه، فإن كان غنيا تصدق به على الفقراء، وإن كان فقيرا فله أن يقبله صدقة من قبل صاحبه، وإن لم يعلم بوجود الحرام فيه صح القرض في كله ولا شيء عليه، وإن كان منحة، فإن علم بوجود الحرام فيها تصدق به إن كان غنيا، وإلا قبله صدقة، وإن لم يعلم بوجود الحرام فيه فلا شيء عليه، وهذا يختلف بإختلاف الموارد وليس لذلك ضابط كلي.
***************
البدائل الشرعية للمعاملات الربوية
نظرة سريعة ومعمقة في أحكام البنوك والمصارف على ضوء التخريجات الفقهية الإسلامية:
لا ريب في أن البنوك والمصارف النقدية من أهم وأكبر المؤسسات المالية في العالم ككل، ولها دور أساسي في تدعيم الحركات التجارية وتصويرها شكلا وعمقا في الأسواق المالية كافة، وفي تنمية الحياة الاقتصادية بكل أشكالها من التجارية والصناعية والزراعية والمهنية و الحرفية وغيرها، وتقديم خدمات وتسهيلات لعملائها بكافة الوانها وأشكالها وتطور تلك الخدمات والتسهيلات يوما بعد يوم كل ذلك لتحقيق أهدافها الرئيسية المادية، وحيث أن مجموعة من خدماتها الاقتصادية لا تتفق مع طبيعة الشريعة الإسلامية واحكامها، فلذلك نحاول بشكل جاد إيجاد البدائل لها التي تتفق مع الشريعة من ناحية، وتخريج خدماتها فقهياً من وجهة النظر الشرعية من ناحية اخرى، هذا من دون أن يقلل من شأنها في نشاطاتها الاقتصادية وتنميتها وحركاتها التجارية وتحقيق أهدافها المطلوبة.
ويمكن تقسيم الوظائف والخدمات الاساسية التي تمارسها البنوك والمصارف إلى نوعين:
النوع الأول:
تقديم البنوك القروض الربوية لعملائها بمختلف اشكالها وألوانها، وهي من أكبر خدماتها وأكثرها إنتشارا في العالم اليوم.
النوع الثاني:
تقديمها خدمات تسهيلية لعملائها والمستثمرين في مختلف الميادين الاقتصادية، والاستثمارات التجارية أو الصناعية أو الزراعية أو الإنشائية أو غيرها، ومنها الخدمات المصرفية المساعدة مثل الحوالات والشيكات السياحية والمحاسبات الداخلية أو الخارجية، وفتح الاعتمادات وإصدار بطاقات الإئتمان وغيرها.
وهذه الرسالة وضعت لتقديم البدائل الشرعية للنوع الاول من الخدمات التي تمارسها البنوك وهي القروض الربوية التي هي محرمة في الشريعة المقدسة بالكتاب والسنة ومحذورة فيها المعيقة للقيم والمثل الدينية.
أما النوع الثاني من الخدمات التي تمارسها البنوك فهي بكافة أنواعها جائزة شرعا وقد تقدمت الإشارة إلى تلك الخدمات بأسمائها الخاصة وعناوينها المخصوصة وستأتي أحكامها تفصيلا في ضمن البحوث القادمة.
وأما النوع الأول من الخدمات المصرفية هو تقديم البنوك القروض الربوية لعملائها بمختلف أشكالها، وحيث أن ذلك محرم شرعا في الإسلام فلذلك اتجهت أنظار فقهاء الإسلام منذ زمن إلى إيجاد بدائل مطابقة للشرع في البنوك والمصارف التقليدية عن النظام التقليدي الربوي المخالف للشرع، وبأمكاننا تبديل هذا النظام التقليدي الربوي في البنوك والمصارف في البلاد الإسلامية بمجموعة من البدائل الموافقة للشرع بالتخريج الإسلامي وهي كما يلي:
********************
عقد المضاربة:
وهو أول ما اتجهت إليه أنظار علماء المسلمين في بحوثهم عن وجود بدائل للنظام التقليدي الربوي في البنوك والمصارف، وقد نقل إن هذه الفكرة قد تلقت نجاحا كبيرا في بعض البنوك الإسلامية. ونجاحه يتطلب دراسة عدة نقاط:
الأولى:
إن عقد المضاربة في المصطلح الفقهي الإسلامي عقد خاص بين المالك وهو رب المال والعامل المستثمر، فإنهما يقومان بإنشاء عقد تجارة يكون رأس مالها من الاول والعمل من الثاني بشروط، ويحددان حصة كل منهما من الربح بنسبة مئوية، وغالبا يكون إنشاء هذا العقد بين المالك والعامل مباشرة، وقد يكون بواسطة ثالث وهو وسيط بينهما، ووكيل عن المالك في إنشاء هذا العقد بينه وبين العامل، وفي المقام يكون البنك هو الوسيط، فإنه وكيل عن المودع في تقديم أمواله للعملاء لعقد المضاربة بينهم وبين المودع بشروط، وتعيين حصة كل منهما من الربح بنسبة مئوية.
الثانية:
إن نجاح عقد المضاربة – بوصف كونه بديلا عن النظام التقليدي الربوي في تنمية الحياة الاقتصادية و الصناعية والزراعية وغيرها – مرتبط بتعزيز عنصر الثقة والامانة بين الأعضاء الثلاثة:
المالك، والعامل، والوسيط، وتذليل العقبات والعوائق دون تطبيقها، وهو مرتبط بفرض شروط إئتمانية بين الأعضاء الثلاثة.
الأول: أن يكون البنك جاهدا بتوفير المناخ المناسب لعقود المضاربة مع عملائه، ولا يتجاهل في تهيئة الفرص المتاحة له لإنشاء تلك العقود وايجادها، ولا يتسامح في تأخير أستثمار الأموال المودعة عنده.
الثاني: أن يكون للبنك كامل الحرية في التصرف في الودائع بأبرام عقد المضاربة في الأسواق المالية داخل البلد وخارجه والبورصات العالمية مع عملائه بأنواع من المعاملات التجارية كلا أو بعضا حسب مؤشرات السوق عالميا أو محليا إلى التحسن والنمو الاقتصادي العالمي أو المحلي والتحرك في الاسواق المالية.
الثالث: مراقبة البنك بدقة لأوضاع السوق في العرض والطلب وتقلبات الأسعار فيها محليا وعالميا، وتحسن أوضاعها في المستقبل في انشأ العقود معهم.
الرابع: تجزأة رؤوس اموال المضاربة على فترات للتأكد من جدية المضارب وإتقانه في العمل وأمانته.
الخامس: تعزيز عنصر الثقة والأمانة في العامل المضارب لدى البنك الممول، وإلا فمن كان يضمنه ضد الخيانة في التجارة والغش والتزوير والتقصير والتعدي وإخفاء الأرباح، فإن القوانين وحدها لا تكفي ما لم تتوفر فيه حدود معقولة من الأخلاق والأمانة والوثاقة التي تحافظ على اموال الغير كمحافظتها على أمواله.
السادس: أن تكون للعامل خبرة سابقة في مجال التجارة والصناعة والاستثمار المهني والحرفي ووضع الاسواق ومؤشراتها.
السابع: أن يقدم البنك دراسة متكاملة عن مفهوم التجارة وحدوده سعة وضيقا، تصديرا واستيرادا، ودراسة أوضاع السوق في العرض والطلب والمؤشرات التي تشير إلى تحسن أوضاعها، وعلى العامل المضارب أن يتبادل مع البنك ما لديه من الخبرة في أوضاع السوق، وأن يخضع لما يملي البنك عليه من الشروط والقيود لكي تكون باستطاعة البنك تقدير نتائجها والسيطرة عليها للتجنب من المخاطر فيها.
الثامن: أن يلزم البنك المودع بملزم شرعي بإبقاء وديعته مدة لا تقل عن سنة مثلا تحت تصرفه لكي يتيح له الفرصة لتقديمها للمضاربة مع رجال الاعمال، لتلعب دورها في الاستثمار.
التاسع: تقييد البنك المحول للعامل في المضاربة، بأن لا تتجاوز المصارف والأجور عن حد معين ومعقول يتم الإتفاق عليه، وإلا فعليه ضمان الزائد.
العاشر: يشترط البنك على العامل تزويده بكافة المعلومات عن سير دور عملية المضاربة في الأسواق المالية من ساعة تنفيذها إلى ساعة شراء البضائع والمادة، وعن حدود سعرها وقت الشراء والتفاوت بين السعرين وكميتها إلى إنتهاء مدة عقود المضاربة، وبإمكان البنك المحافظة على هذه المعلومات والسيطرة عليها بالوسائل الآلية الحديثة المتوفرة لديه من ناحية، وعلى أوضاع السوق في هذه المدة صعودا ونزولا إقليميا وعالميا من ناحية أخرى، وللبنك أن يزيد في الشروط إذا رأى مصلحة.
الثالثة:
ان البنك كما أنه وكيل من قبل المودعين في إنجاز عقود المضاربة، وكيل من قبلهم في إنشاء الشركة بين ودائعهم جميعا بنحو الاشاعة، وبعد ذلك يقوم بعقد المضاربة من مجموع الودائع، وحينئذ فيكون رأس المال في كل عقد مضاربة مشتركا بين مجموعة من الأطراف، وهذا يعزز ثقة المودعين بنجاح المضاربة وتقليل مخاطرها، على أساس ان احتمال الخسران في تمام هذه العقود غير محتمل عادة، وبكلمة ان وديعة كل مودع وإن كانت تظل محتفظة بملكية صاحبها لها، ولا تنتقل ملكيتها إلى البنك كما هو الحال في البنوك الربوية، إلا انها لا تبقى منعزلة عن ودائع الآخرين، بل البنك بمقتضى وكالته عن أصحابها ككل يقوم بالاجراء الشرعي، وهو جعل مجموع الودائع ملكا مشاعا لمجموع المودعين، وعليه فتكون حصة كل مودع من هذا المجموع بنسبة وديعته، ونتيجة ذلك إن رأس مال كل مضاربة مشترك بين الجميع بنسبة وديعته.
الرابعة:
إن الوديعة في البنوك الربوية مضمونة، على أساس أن الودائع التي تحصل عليها تلك البنوك ليست في الحقيقة ودائع بالمعنى الفقهي، وإنما هي قروض، فإذا كانت كذلك فهي مضمونة بمثلها في الذمة، ولهذا تصبح المبالغ التي يتقاضاها المودعون عليها فوائد على القرض، وأما في البنوك اللاربوية
فبما أنها ودائع بالمعنى الفقهي وباقية في ملك أصحابها، فلا تكون مضمونة من هذه الناحية، ولكن للبنك ولأجل تعزيز ثقة المودعين بنظامه الإسلامي، أن يقوم بضمان الوديعة بقيمتها الكاملة للمودع في حالة خسارة رأس مال المشروع، ولا مانع من قيام البنك بذلك، باعتبار أنه يلعب دور الوسيط لا دور العامل لكي يقال بعدم جواز ضمان العامل رأس المال في عقد المضاربة، ونقصد بهذا الضمان تعهد البنك للمودع بقيمة الوديعة عند وقوع الخسارة عليها في عقد المضاربة، أو تلفت بدون تفريط من العامل وتقصيره.
وبكلمة: إن الضمان المعاملي يتصور على نحوين:
أحدهما: نقل الدين من ذمة إلى ذمة وهذا هو المشهور بين الفقهاء والمرتكز في الأذهان، ومورده الدين خاصة، والآخر التعهد بشيء وجعله في مسؤولية الشخص، ومرده في نهاية المطاف إلى إشتغال ذمته ببدله على تقدير التلف من المثل أو القيمة، وهذا معنى آخر للضمان عرفا، وهو يتصور في الديون والأعيان معا.
أما في الأولى: فليس معناه نقل الدين من ذمة المدين إلى ذمة الضامن ولا ضم ذمة إلى ذمة، فانه باطل شرعا، بل معناه التعهد بأداء الدين مع بقائه في ذمة المدين، ومن هذا القبيل قبول البنك للشيكات، فأنه لا يقصد به نقل الدين من ذمة المدين إلى ذمته، ولا الضم لأنه باطل، بل يقصد به معنى آخر للضمان وهو تعهده بأداء الدين إلى الدائن خارجا مع بقائه في ذمة المدين وعدم إنتقاله إلى ذمته، ونتيجة هذا التعهد ان للدائن أن يرجع إلى البنك إذا أمتنع المدين عن الاداء ومطالبته بذلك على أساس تعهده به.
وأما في الثانية فلأن معناه تعهد الشخص بتكفل الخسارة للعين وتداركها في حالة وقوعها عليها، لأن مقتضى القاعدة كون تلف المال يعتبر خسارة على المالك لا على غيره، ولكن إذا تعهد غيره بتكفل خسارته وتداركها إذا وقعت، كانت عليه لا على مالكه، وما نحن فيه من هذا القبيل، فإن البنك يتعهد للمودع بتكفل خسارة وديعته في حال وقوعها وبدلها في حال تلفه من دون تقصير من العامل، فإذا تعهد البنك الوسيط لذلك فقد عززت ثقة المودع، بأن وديعته مضمونة ولا ترد الخسارة عليه في حال تلفها.
هذا نظير الضمان في باب الغصب، فإن الغاصب ملزم شرعا بأداء نفس العين المغصوبة إلى مالكها ما دامت موجودة، وبدلها من المثل أو القيمة
في حال تلفها، غاية الأمر أن الضمان في باب الغصب يكون على القاعدة، وفي المقام يكون بالجعل والشرط لا على القاعدة.
الخامسة:
إن نسبة الفوائد التي تتقاضاها البنوك اللاربوية على استثمار الودائع بعقود المضاربة مع عملائها والمستثمرين على ضوء الشروط المتقدمة، بدرجة أكبر عن الفوائد التي تتقاضاها البنوك الربوية على قروض عملائها، ولا سيما إذا كانت الظروف الاقتصادية العالمية أو المحلية في نمو و تحسن مستمر ومن الطبيعي ان ذلك من العوامل المهمة، في جلب الناس وأرباب الأعمال لإيداع أموالهم في البنوك اللاربوية هذا مضافا إلى العامل الديني النفسي.
وقد يناقش في ذلك بالفرق بين عقود المضاربة في البنوك الاسلامية وبين القروض الربوية في البنوك التقليدية لأن الفائدة على القروض الربوية في البنوك التقليدية مضمونة ماءة بالماءة بينما الفائدة على عقود المضاربة في البنوك الاسلامية غير مضمونة ماءة في الماءة على أساس انه لايمكن دفع أحتمال الخسارة في العقود المذكورة نهائيا مهما كانت مؤشرات أوضاع السوق في صالح تلك العقود لأنها لا تدفع احتمال الخسارة باسباب غير متوقعة ولهذا السبب لا يرغب الناس ورجال الاعمال بايداع أموالهم في البنوك الاسلامية اللاربوية بينما كانوا يرغبون لايداعها في البنوك التقليدية الربوية؟
والجواب: ان بامكان البنك اللاربوي تقليل احتمال الخسارة في عقوده الاستثمارية الى حد الصفر بحساب الاحتمالات على اساس انه لا يقوم بابرام عقد المضاربة بحساب كل عميل من عملائه بنحو مستقل بماله الخاص بل هو يقوم بعقود تجارية متعددة في مختلف أنواع التجارات الاستثمارية براس مال مشترك بين كل كتلة من عملائه لا يقل عددها عن ماءة فرد مثلا وعلى هذا فجميع اعضاء الكتلة مشتركون في راس مال كل عقد من هذه العقود التجارية بنسبة خاصة وفي ضوء ذلك يكون احتمال الخسارة في جميع هذه العقود غير محتمل على حساب الاحتمالات واما احتمالها في بعضها دون بعضها الاخر وان كان موجودا الا انه ضعيف على ضوء المواصفات والشروط التي تقع هذه العقود عليها فاذن اصل الفائدة مضمون ماءة بالماءة
بل قد تكون الفائدة اكبر بكثير من الفائدة على القروض الربوية في البنوك التقليدية ولا سيما اذا كانت اوضاع السوق في تحسن ونمو مستمر عالميا واقليميا الى هنا قد تبين ان الفائدة كما انها مضمونة في البنوك التقليدية الربوية كذلك هي مضمونة في البنوك الاسلامية اللاربوية بل قد تكون الفائدة في البنوك الاسلامية اكبر بمراتب من الفائدة في البنوك التقليدية ولهذا قلنا ان دور البنوك الاسلامية لا يقل عن دور البنوك التقليدية في نمو الحياة الاقتصادية ونشاطاتها الحيوية في الحركات التجارية الاستثمارية في الاسواق المالية الدولية والاقليمية هذا كله بالنظر الى العامل المادي، و أما العامل الديني الاسلامي فهو الاهم لأنه يتطلب جادا من المسلمين ككل بحكم اعتقادهم بالاسلام ومسؤوليتهم امام الله تعالى والحفاظ على اصالتهم واستقلالهم في تشريعاتهم المستمدة من الكتاب والسنة ان يقوموا بايداع اموالهم في البنوك الاسلامية اللاربوية والابتعاد عن ايداعها في البنوك التقليدية الربوية التي هي محرمة بالكتاب والسنة المعيقة عن القيم والمثل الدينية والاخلاقية.
ويمكن تخريج ذلك بعنوان التجارة عن تراض كما إذا عين المودع الفائدة في كل سنة مثلاً، فإنه عند ئذ وإن لم يكن مضاربة إلاّ أن بطلان المضاربة إنما هو من جهة أنه فاقد لشرط صحتها، وهذا لايمنع من الحكم بصحة هذا الإستثماربعنوان التجارة عن تراض.
و دعوى، أن هذا الإستثمار إذا بطل بعنوان المضاربة انقلب قرضاً لا أنه يدخل في عنوان التجارة عن تراض.
مدفوعة، بأن بطلانه بعنوان المضاربة لايستلزم كونه قرضاً فإن مفهوم القرض مباين لمفهوم الإستثمار، لأن مفهوم القرض تمليك المال للمقترض بنحو التضمين بالمثل، ومفهوم الإستثمار إعطاء المال للعامل لكي يستثمر به، ويتجر مع كون المال باقياً في ملك مالكه، فإذن كيف تنقلب المضاربة إلى القرض إذا بطلت، غاية الأمر يبقى المال حينئذ عند العامل أمانة.
وعلى هذا فإذا رضى المالك باستثمار العامل واتجاره به مشروطاً بأن يدفع له في رأس كل شهر، أو ستة أشهر، او سنة مبلغاً معيناً من المال ورضى العامل به، فلامانع من الحكم بصحته بعنوان التجارة عن تراض لوضوح أنه نحو من التجارة عن تراض عند العقلاء، فيكون مشمولاً للآية المباركة.
فالنتيجة، إنه يمكن علاج مشكلة عملية القروض في البنوك والمصارف بهذه الطريقة أيضاً، وهي عملية سهلة بدون أي تعقيد فيها، وبإمكان كل فرد أن يقوم بها فراراً عن الربا.
تقسيم الأرباح:
تقسم الأرباح بين المالك والعامل بمقتضى عقد المضاربة بنسبة مئوية، وأما البنك فحيث أنه ليس طرفا للعقد، فلا يتطلب العقد أشتراكه في الأرباح، ولكن بما أن قيامه بعملية المضاربة بين المالك والعامل وانجازها والاشراف عليها إلى نهايتها عمل محترم فمن حقه أن يأخذ عمولة لقاء هذا العمل ويمكن تخريج ذلك فقهيا بوجوه:
الأول: أن يكون ذلك على أساس عقد الجعالة، فان المودع يطلب من البنك قيامه بعملية المضاربة لودائعه و انجازها والاشراف عليها لقاء جعل محدد ولا مانع من ذلك، وحينئذ فان كان الجعل من ماله الخارجي المملوك له بالفعل فلا إشكال فيه، وإن كان حصة من الربح فقد يشكل فيه تارة بأنه مجهول وأخرى بأنه معدوم فعلا، ولكن كلا الاشكالين لا أثر له في المقام.
أما الأول فلان كون الجعل مجهول القدر ولا يضر بصحة عقد الجعالة، إذ لا يعتبر فيها كون الجعل معلوم القدر. نعم، يعتبر أن لا يكون أصل وجوده مجهولا، كما يعتبر أن لا يكون من المجهول المطلق كالشيء.
وأما الثاني: فلا يعتبر في صحة عقد الجعالة أن يكون الجعل موجوداً وقابلا للتمليك حين العقد، لأن المجعول له لا يملك الجعل بنفس عقد الجعالة من الجاعل، وإنما يملك بعد إنجاز العمل المأمور به خارجا، وفي هذا الظرف لا بد ان يكون الجعل قابلا للتمليك من الجاعل وإن لم يكن قابلا له حين العقد، والمفروض في المقام أن المودع كان يجعل للبنك حصة من الربح إذا انجز المضاربة و واصل الاشراف عليها إلى إنتهاء مدتها، وفي هذا الظرف تكون الحصة من الربح موجودة في الخارج ومملوكه للجاعل فعلا وقابلة للتمليك كذلك.
وقد تسأل: ان الربح لا يكون مضمونا، فأنه قد يتحقق و قد لا يتحقق، فلا يصح للمودع أن يجعل حصة منه جعلا في عقد الجعالة؟
والجواب: ان الربح بالنسبة إلى كل مضاربة مستقلة وان كان مشكوكا وغير مضمون، إلا أنه بالنسبة إلى مجموع عقود المضاربة التي قام البنك بانجازها كان مضمونا عادة وقد تسال هل يمكن جعل حصة من الربح للبنك على أساس عقد المضاربة أو لا؟
والجواب: أنه لا يمكن، لأن عقد المضاربة إنما هو بين المودع والعامل والبنك ليس طرفا له، وإنما هو وسيط بينهما في إنجازه والأشراف عليه، وحينئذ فمن الطبيعي يكون مفاده اشتراك العامل مع المودع في الربح بنسبة مئوية دون غيره، كالبنك الذي هو خارج عن طرفي العقد، وافتراض عقد مضاربة جديدة بينه وبين المودع خلف.
الثاني: أن يكون ذلك على اساس الاجارة فيستأجر المودع البنك للقيام بعملية المضاربة لأمواله والاشراف عليها إلى نهايتها لقاء اجرة معينة، ولكن هذا التخريج إنما يتم إذا جعل المودع الأجرة من المال القابل للتمليك حين عقد الاجارة، بأن يكون شيئا خارجيا مملوكا له بالفعل، أو شيئا ثابتا في ذمته، ولا يتم هذا التخريج إذا جعل الأجرة حصة من الربح لسببين:
الأول: أن الحصة من الربح بنسبة مئوية مجهولة ويعتبر في صحة الأجارة أن تكون الأجرة فيها معلومة.
الثاني: ان الأجرة لا بد أن تكون قابلة للتمليك من قبل المودع حين العقد، على أساس أن الأجير أنما يملك الأجرة بنفس العقد، والمفروض أن الربح غير موجود حين العقد حتى يملكه المودع للأجير، فالاجرة لا بد أما أن تكون شيئا ثابتا في الخارج المملوك للمودع بالفعل، أو شيئا ثابتا في الذمة، وإلا فلا تصلح أجرة في عقد الإجارة.
الثالث: أن يكون ذلك على أساس شرط النتيجة، فيشترط البنك على المودع في عقد ما أن يكون مالكا لحصة معينة من الربح إذا ظهر، ولا بأس بهذا الشرط، لأن معناه ليس دخول الحصة من الربح في ملكه في ظرف ظهوره ابتداء لكي يقال أنه غير معقول وخلاف قانون المعاوضة، بل معناه دخولها في ملكه في طول دخولها في ملك المودع بمقتضى الشرط ولا مانع من ذلك.
الرابع: ان يكون ذلك على أساس شرط الفعل، فيشترط البنك على المودع أن يعطي مبلغا معينا من الربح أزاء ما قام له من الخدمات، وهي قيامه بعقد المضاربة على أمواله وانجازها والاشراف عليها.
الخامس: أن يكون ذلك على أساس أجرة المثل التي يتقاضاها الاجراء للقيام بمثل هذا العمل.
ثم ان من حق البنك أن يطلب من العامل المضارب أيضا عمولة لقاء ما قدمه له من الخدمة، وهي تقديم الأموال له للمضاربة والاستثمار وإتاحة
الفرصة وتوفير المناخ المناسب لنجاحها، وتقديم المعلومات له عن أوضاع السوق ومؤشراته، ويمكن تخريج ذلك فقهيا أيضا بأحد الوجوه المتقدمة، وهناك جوانب أخرى في المسألة:
(منها) تعيين الوقت لعقد المضاربة مع عملائه وتحديده في كل أسبوع أو شهر مثلا مرة حسب الظروف المالية والودائع المجمعة عنده، واعلان ذلك لعملائه، وطلب حضورهم فيه بشروط محددة.
(ومنها) تحديد أرباح المضاربات التي تمت بواسطته في نهاية مدتها ومعرفتها.
(ومنها) كيفية توزيعها على نسبة رؤوس الأموال للمضاربة بين أصحابها.
(ومنها) غير ذلك.
واما تطبيق هذه الجوانب وغيرها عمليا في الخارج، فهو بيد أهل الفن والخبرة في هذه الأمور، وحينئذ فبأمكان البنك اللاربوي استخدام هيئة فنية في تطبيق تلك الجوانب من عقود المضاربة وتقسيم أرباحها بين جميع المشتركين في راس مال المضاربة بنسب معينة ويصل لكل منهم من الأرباح بنسبة حصته من رأس المال، كما أن بأمكانه استخدام هيئة فنية من أهل الخبرة للمراقبة بالوسائل الحديثة المتوفرة عنده.
هذه فكرة كبروية سريعة عن عقد المضاربة في البنوك والمصارف التقليدية بديلا عن القروض الربوية المحرمة شرعا.
*************
عقد الوكالة:
البنك بصفة كونه وكيلا عن المودعين في التصرف في أموالهم المودعة عنده حسب ما يراه فيه من المصلحة، فله بدلا عن أن يقرض عميله من الودائع بفائدة ربوية يقدم إليه أموالا، ويوكله في شراء متطلباته الشخصية أو التجارية أو الصناعية أو الزراعية أو غيرها من قبله، وبعد الشراء والقبض يبيعها وكالة منه على نفسه بثمن مؤجل يتضمن ربحا لا يقل عن سعر الفائدة في القرض الربوي.
وتطبيق هذا البديل في النظام المصرفي بديلا عن التعامل الربوي فيه يبتني على توفر أمور:
الأول:
عنصر الثقة والأمانة في العميل الوكيل في الشراء، أو هناك طرف ثالث يضمن رأس المال.
الثاني:
إشراف البنك على عملية الشراء وإطلاعه على أوضاع السوق وتقلباته صعودا أو نزولا عالميا أو أقليميا ومؤشرات تحسنه بالنسبة إلى السلع التي أراد العميل أن يشتريها من الأسواق.
الثالث:
إذا لم تكن له خبرة في عملية الشراء أو في معرفة الأجناس، فعلى البنك أن يرسل معه من أهل الخبرة في ذلك، و حينئذ فاما أن يكون شراؤه بنظره أو هو يقوم بالشراء لمتطلباته من الأجناس والبضائع من قبل البنك، ثم يبيعها عليه بربح مؤجل.
الرابع:
تقييد عمله بزمن معين أو مكان كذلك أو شركة خاصة لتجنب المخاطر وغيرها مما يراه البنك دخيلا في تعزيز الثقة والأمانة.
*************
بيع المرابحة:
وهو أن البنك بدلا عن أن يقرض عملاءه بفائدة ربوية لكي يقوموا بشراء حاجياتهم الشخصية أو التجارية، يقوم البنك بنفسه بشراء تلك الحاجيات نقداً ثم يبيعها عليهم بثمن مؤجل يتضمن ربحا، وتطيبق هذه العملية لا يتطلب أن تكون للبنك مخازن ومستودعات تفي بكافة متطلبات عملائه من المواد الشخصية والتجارية أو الإنشائية أو المهنية أو الصناعية أو غيرها، وذلك لأن البنك لا يقوم بشرائها إلا بعد مطالبة العميل بذلك، وحينئذ فاذا لم يرغب العميل في إتمام الشراء من البنك، فله أن يبيع البضاعة إلى طرف ثالث، وإذا خسر في هذا البيع، فهل الخسارة على العميل أولا؟
والجواب: ان الشراء حيث كان بأمره وطلبه كانت الخسارة على ذمته، وبذلك تتفادى مشكلة تراجع العملاء عن الوفاء بعهودهم مع البنك، فان وعد الشراء منه وان كان غير ملزم لهم إذا لم يكن شرطا في ضمن عقد لازم، إلا أن قيام البنك بشراء السلعة والبضاعة لما كان بأمر منهم وطلبهم كان موجبا للضمان، فان الأمر بالعمل الذي له قيمة مالية في نفسه، سواء أكان بالأمر الخاص أم العام موجب للضمان، لأنه ملاك الضمان في باب الجعالة، باعتبار أن الضمان فيه ضمان الغرامة لا ضمان المعاوضة، وعلى هذا فاذا أمر العميل البنك بشراء السلع والبضائع متعهدا على نفسه شراءها منه بفائدة نسبية محددة، وحينئذ فان امتنع عن الشراء لسبب ما و خسر البنك في ذلك, كان العميل ضامنا للخسارة بموجب امره, يمكن تخريج الضمان في المقام فقهيا على اساس الجعالة بلحاظ ان حقيقة الجعالة تنحل الى جزئين:
أحدهما: الامر بالعمل الذي له قيمة مالية, و الآخر: تعيين الأجرة بازاء ذلك العمل و تحديدها, و في المقام يشكل امر العميل البنك بشراء السلع الجزء الاول من الجعالة, و تعهده بشرائها منه بربح نسبي يشكل الجزء الثاني منها, فمن أجل ذلك اذا تراجع العميل عن الشراء منه, ضمن اجرة مثل عمله من ناحية, و الخسارة على تقدير وقوعها من ناحية أخرى, و الاول بموجب عقد الجعلة و الثاني بموجب أمره, وبكلمة ان بامكان البنك بدلا عن تلبية العملاء بالأقراض الربوية, تلبيتهم بشراء الاغراض الشخصية و الأجتماعية من السلع المطلوبة كالسيارات و البيوت السكنية و الاثاث
المنزلي و الادوات الانشائية و غيرها, فانهم اذا كانوا بحاجة اليها طلبوا من البنك شراءها لنفسه نقدا, ثم يبيعها عليهم بنفس تكليفها مع اضافة ربح لا يقل عن سعر الفائدة, و بذلك يصلح ان يكون بيع المرابحة بديلا عن القروض الربوية في كثير من الموارد.
بيع السلم:
و هو عقد بيع يعجل فيه الثمن, و يؤجل فيه تسليم المبيع الى اجل محدود, و على هذا فبدلا عن ان يقرض البنك عملاءه بفائدة ربوية لشراء السلع بغاية الاستثمار و الاتجار او لحاجة شخصية سلما, يقوم البنك بشرائها كذلك, و بعد نهاية المدة و قبض السلع يبيعها عليهم بثمن التكليف مؤجلا مع اضافة ربح محدد يقوم مقام سعر الفائدة, و من هنا يقوم عقد السلم مقام القرض الربوي كوسيلة لتوفير التمويل للشركات التجارية أو المؤسسات الصناعية او الزراعية او الانشائية عن طريق قيام البنك بشراء منتجات تلك الشركات و المؤسسات سلما, و دفع الثمن اليها نقدا لتمويلها بدلا عن اقراضها ربويا, فاذا نتجت الشركات قام اصحابها ببيع منتجاتها لعملائها وكالة عن البنك, و يدفع ثمنها اليه, و بذلك يكون شراء البنك منتجاتها من اصحابها بثمن نقدي سلما, بديلا عن القروض الربوية.
*************
الشركة:
وهي عقد بين شخصين او اكثر, و مقتضاها ان يساهم كل منهم في مشروع معين تجاري أو صناعي أو زراعي, بتقديم حصة من المال لاستثمارها بهدف الربح و الفائدة, و الشركة بدلا عن ان تقترض من البنك بفائدة ربوية، تطلب منه تمويل الشركة بحصة من المال, و تمثل هذه الحصة
مساهمة منه في المشاركة, فيكون البنك من احد الشركاء, و على هذا فيتكون رأس مال الشركة من مجموع حصة من البنك و العميل, و تحدد حصة كل من الشركاء بنسبة مئوية, و تقسم الارباح عليهم بهذه النسبة, و من الطبيعي ان الفائدة التي يحصل عليها البنك من المساهمة و المشاركة في الشركات التجارية او الصناعية او الزراعية او غيرها, لا تقل من الفائدة التي يحصل عليها من تقديم القروض الربوية لعملائه, على اساس ان البنك لا يقدم على المشاركة و المساهمة في الشركات الاستثمارية اعتباطا, و انما يقدم عليها بعد دراسة حدود نجاحها و معرفة المساهمين فيها, و انهم من ذوي سمعة جيدة في المجالات التجارية او الصناعية او غيرها, و بامكان البنك عندئذ ان يجعل نفس العميل وكيلا عنه في ادارة الشركة, او يجعل شخصا آخر وكيلا عنه في ادارتها مع العميل, و في كلتا الحالتين لا يكون الوكيل مسؤولا و ضامنا للخسارة الآمع التعدي و التفريط.
*************
تحويل القرض إلى البيع
وهو ان يقوم البنك بدلا عن ان يقرض مائة دينار مثلا لعمليه بمائة و عشرة دنانير الى ستة اشهر, يبيع المائة عليه بمائة و عشرة الى ستة اشهر, و لا يكون في ذلك ربا.
بيان ذلك: ان الاوراق النقدية المالية بما انها لا تكون من الذهب و الفضة, و لا انها نائبة عنهما لكي تكون محكومة بحكمهما, و لا من المكيل و الموزون, فلذلك لا تعتبر المساواة بين الثمن و المثمن منها مع انها معتبرة في بيع الذهب بالذهب و الفضة بالفضة, كما انها معتبرة في بيع المكيل بالمكيل و الموزون بالموزون, و على هذا فلا مانع من بيع تلك الاوراق نقدا بازيد منها في الذمة مؤجلا, كما اذا اشترى شخص عشرين دينارا خارجيا مثلا بخمسة وعشرين دينارا كليا في الذمة الى ثلاثة أشهر. هذا، و هنا اشكالان:
احدهما:
انه قرض واقعا و لكنه اٍلبس ثوب البيع؛ لان المعتبر في البيع المغايرة بين الثمن و المثمن و لا مغايرة بينهما في المقام, على اساس ان الثمن – و هو الكلي في الذمة – ينطبق على المثمن في الخارج.
والجواب: انه يكفي في صدق البيع عرفا المغايرة الناشئة من كون المثمن عينا خارجية و الثمن امرا كليا في الذمة, و مجرد كون الثمن منطبقا على المثمن في الخارج, لا ينافي المغايرة بينهما الناشئة من كون احدهما كليا في الذمة و الاخر عينا خارجية, و المفروض في المقام ان الثمن هو الكلي الثابت في الذمة, لا خصوص الحصة المنطبقة منه على المثمن في الخارج, لكي يقال انه لا مغايرة بينهما, و من هنا لا اشكال عرفا في صدق البيع على بيع الشيء القيمي الخارجي بجنسه الكلي في الذمة بزيادة, كبيع فرس معين خارجا بفرسين في الذمة الى اجل محدد فانه منصوص, و هذا يدل على ان هذا المقدار من المغايرة يكفي في صدق البيع.
وبكلمة: ان مفهوم البيع غير مفهوم القرض؛ فان مفهوم البيع متمثل في تمليك مال بعوض, و لهذا يعتبر في صدقه ان يكون العوض غير
المعوض و الثمن غير المثمن, و مفهوم القرض متمثل في تمليك مال خارجي على وجه الضمان بمثله بدون النظر الى المبادلة و المعاوضة بينهما, و مجرد كون مألهما واحدا في المقام لا يجعل البيع قرضا؛ لان المعيار في صدق البيع انما هو بانشاء مفهومه عن جد و ان كان قد يفيد فائدة القرض, و من هنا يكون الصلح عقدا مستقلا باعتبار ان مفهومه مغاير لمفهوم البيع، ومفهوم القرض، مع انه قد يفيد فائدة البيع، و قد يفيد فائدة القرض.
ثانيهما:
ان القرض بمقتضى الارتكاز العقلائي تبديل المال المثلي الخارجي بمثله في الذمة, فيصدق عنوان القرض عرفا على كل معاملة تتكفل لهذا التبديل و لو كان المنشأ فيها عنوان التمليك بعوض, و لا يريد العرف من كلمة القرض الا المعاملة التي تؤدي الى ذلك النحو من التبديل.
والجواب: الظاهر ان الامر ليس كذلك, لان المرتكز لدى العرف العام, ان صدق عنوان البيع او القرض او غيره من المعاملات منوط بكون المنشأ فيه مفهومه عن جد, فان كان مفهوم البيع كان بيعا و ليس بقرض و لا غيره, و ان كان مفهوم القرض فهو قرض و ليس ببيع و لا غيره, و هكذا.
وبكلمة: ان مفهوم القرض يتوقف على كون المال المقترض مثليا خارجيا, فانه اذا كان كذلك و قصد تضمينه بمثله في الذمة من دون لحاظ كون احدهما ثمنا و الآخر مثمنا فهو قرض, و مفهوم البيع لا يتوقف على ذلك؛ فانه عبارة عن تمليك عين بعوض و ان لم تكن العين او العوض موجودة في الخارج, فاذا قصد تمليك مائة دينار خارجي مثلا بمائة و عشرة دنانير كلية في الذمة الى ستة اشهر بجعل احدهما ثمنا و الآخر مثمنا كان بيعا, و لا يصدق عليه عنوان القرض.
يتلخص: انه لا مانع من صحة بيع الاوراق النقدية الشخصية بالكلي منها في الذمة, كبيع الف دينار مثلا نقدا بالف وخمسين دينارا في الذمة الى أجل معين, و بيع ثمانية دنانير مثلا بعشرة في الذمة الى ثلاثة اشهر و هكذا, فانه لا يصدق على ذلك عنوان القرض, على اساس انه لوحظ احدهما ثمنا و الآخر مثمنا و قصد المعاوضة بينهما, و لا يصدق على هذا الا عنوان البيع, و مفهومه دون مفهوم القرض.
وعلى هذا فبامكان كل من البنك و العميل تحويل القرض في البنوك إلى البيع, فيخرج بذلك عن النظام التقليدي الربوي.
ولو سلمنا ان تبديل القرض بالبيع لا يمكن في عملة واحدة على النحو الذي عرفته, باعتبار انه قرض في الواقع بصورة البيع, الا انه لا مانع منه بين عملتين كالدينار و التومان و الدينار و الدولار و نحوهما, بأن يبيع ثمانين دينارا مثلا بالفي تومان مؤجلا بدلا عن ان بيع الثمانين بمائة دينار كذلك, على اساس ان احكام بيع الصرف لا تجري على بيع النقود الورقية, فلا يجب فيه التقابض في المجلس, بل يجوز ان يكون الثمن مؤجلا, و حينئذ ففي نهاية الاجل يمكن للبائع ان يتقاضى من المشتري الفي تومان او ما يساوي ذلك من الدنانير العراقية و هو مائة دينار من باب وفاء الدين بغير جنسه, و بذلك تحصل نفس النتيجة المطلوبة لمن يريد ان يقترض من البنك ربويا.
وبكلمة: ان البنك بدلا عن ان يبيع اربعين دينارً مثلاً بخمسين ديناراً مؤجلاً الى ثلاثة اشهر, يبيع الاربعين بالف تومان مؤجلا الى نفس المدة, و لو قيل في بيع اربعين دينارا بخمسين انه قرض واقعاً و ان البس ثوب البيع صورة, فلا يقال هذا في بيع اربعين ديناراً بألف تومان، لعدم المماثلة بين الثمن و المثمن فيه, و كذلك العميل, فانه بدلاً عن يبيع اربعين ديناراً مثلاً من البنك بخمسين ديناراً مؤجلاً, يبيع الاربعين بالف تومان, وفي نهاية المدة يمكن له ان يتقاضى من البنك الف تومان او ما يساوي ذلك من الدنانير و هو خمسون ديناراً مثلاً.
ودعوى: ان النظر العرفي في باب النقود انما هو الى ماليتها دون خصوصياتها, فالمنظور اليه عرفا من بيع اربعين دينارا بالف تومان, هو تبديل مالية بمالية, فاذا كان النظر العرفي الى مالية الدنانير و التوامين التي وقعت ثمناً و مثمنأ, فلا تغاير بين الثمن و المثمن حيئنذٍ الا في كون احدهما امراً خارجياً و الآخر امراً ذميّاً, و هذا معنى تبديل الشيء الى مثله الذي هو معنى القرض.
مدفوعة: بأن المنظور اليه في باب النقود و ان كان المالية, الا انه المالية الخاصة, فإن النظر العرفي الى مالية الدينار إنما هو في ضمن الدينار لا مطلقاً, والى مالية التومان إنما هو في ضمن التومان و إلى مالية الدولار إنما هو في ضمن الدولار و هكذا, و على هذا ففي بيع الدينار
بالتومان يكون النظر العرفي الى تبديل مالية الدينار بمالية التومان, لا الى تبديل مالية بمالية من دون خصوصية للدينار و التومان, فاذن يكون الثمن مغايراً للمثمن و لا مماثلة بينهما.
وقد يقال: ان هذا البديل لا يحقق كل فوائد القرض الربوي المحرم شرعاً, و ذلك لان الشخص اذا أخذ عشرين ديناراً مثلاً من البنك مؤجلاً الى شهرين, فان كان اخذها على اساس القرض الربوي, فان وفى خلال الشهرين فهو, و إلا كان البنك يلزمه بفائدة جديدة عن التأخير, و ان كان اخذها على اساس البيع, لم يجز له الزامه بفائدة جديدة مقابل التأخير. و ان شئت قلت: ان تأخر المدين عن السداد في البنوك التقليدية لا يمثل معضلة كبرى, طالما ان الضمانات كافية لسداد قيمة الدين, و كلما تأخر المدين عن السداد و الوفاء اضيفت فوائد التأخير إلى مديونيته وتكرار التأخير يتضاعف الفائدة على رأس المال, و اما في البنوك غير الربوية فلا يجوز الزام المدين بفائدة جديدة مقابل التأخير لأنه ربا.
والجواب: ان بامكاننا علاج هذه المعضلة بالتقريب التالي, و هو ان يشترط البنك على عميله المشتري في عقد البيع ان يدفع ديناراً مثلاً عن كل شهر اذا لم يسدد الدين في موعده, و لا يكون هذا ربا, فانّ الزام البنك المدين انما يكون بحكم الشرط في ضمن البيع لا في ضمن القرض حتى يكون ربا. نعم, لو اشترط أن يكون له الدينار في كل شهر في مقابل التأجيل والتأخير لكان من أشتراط الربا. وبكلمة كما أن بأمكان البائع أن يشترط على المشتري في ضمن البيع أن يخيط له في كل شهر ثوبا إلى سنة أو اكثر، أو أن يهب له في كل شهر دينارا إلى ستة أشهر مثلا، كذلك بأمكانه أن يشترط عليه في عقد البيع أن يدفع دينارا في كل شهر يتأخر فيه عن دفع الثمن المقرر من حين حلول موعده، وحيث أن الزام المدين هنا بدفع الدينار يكون بحكم البيع لا بحكم عقد القرض، ولا في مقابل الأجل، فلا يكون من اشتراط الربا.
وهناك بدائل أخرى غيرها إذ بأمكان البنك اللاربوي القيام بكل معاملة مشروعة مع عملائه حسب ما يراه فيها من المصلحة والفائدة للطرفين.
الخلاصة:
استعرضنا الآن البدائل التي يمكن تطبيقها عمليا في البنوك والمصارف بديلا عن النظام التقليدي الربوي، ولا يقل دور مجموع هذه البدائل وتطبيقها عمليا في تنمية الاقتصاد والحركة التجارية أو الصناعية أو الزراعية أو غيرها عن دور القروض الربوية فيها، ومن هنا قد ألغى الإسلام بشكل جاد وقاطع النظام الربوي عن الاقتصاد الإسلامي نصا وروحا، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى إن الإسلام بقدر ما يؤكد في نظامه الاقتصادي على الجانب المادي نصا وروحا يؤكد على الجانب المعنوي أيضا، على أساس إن الإسلام هو الدين الوحيد الذي يزود الإنسان بطاقات نفسية وملكات فاضلة وأخلاق سامية لمعالجة مشاكل الإنسان الكبرى المعقدة في مختلف مجالات الحياة الفردية والعائلية والإجتماعية، وهو يرتبط بين الدوافع الذاتية والميول الطبيعية الذاتية للإنسان والمصالح الكبرى، وهي العدالة الإجتماعية التي قد أهتم الإسلام بإيجادها وإيجاد المجتمع الفاضل، فلذلك يكون الدين الإسلامي هو الوسيلة الوحيدة لحل التناقضات بين الدوافع الذاتية لمصالح شخصية وبين المصالح النوعية، وهو يجهز الإنسان بطاقات غريزة الدين ودوافعه المتمثلة في الإيمان بالله العظيم، وبذلك تصبح المصالح العامة للمجتمع الإنساني على طبق الميول الطبيعية والدوافع الذاتية، ومن هنا يكون الإنسان المسلم بحكم غريزة الدين التي أصبحت ميولا ذاتية له يقدم بأقصى درجة الحب والميل والرغبة على بذل أعز ما لديه، وهذا معنى حل الدين الإسلامي مشكلة الإنسان الكبرى.
وتطبيق هذه البدائل عمليا مرتبط بعدة عوامل:
الأول: العامل النفسي وهو ان المسلمين – بحكم ضرورة تبعيتهم للدين الإسلامي ومسؤوليتهم أمام الله تعالى – ملزمون بأستخدام هذه البدائل في طريق التعامل المصرفي بديلا عن النظام التقليدي الربوي المحرم بالضرورة من الشرع.
الثاني: إن تطبيق تلك البدائل عمليا المتمثلة في النظام اللاربوي بديلا عن النظام التقليدي الربوي في البنوك والمصارف، يدل على أصالة المسلمين الفكرية وشخصيتهم التشريعية المستقلة المستمدة من الكتاب والسنة
من ناحية، وعلى النظام الإقتصادي الإسلامي في حدود دائرة الشرع من ناحية أخرى.
الثالث: إن دور هذه البدائل في الحركات التجارية الصناعية والزراعية وغيرها لا يقل عن دور القروض الربوية.
معالجة الديون الميتة:
وهي الديون التي تظل من دون سداد من المدين في البنك ويمكن علاج هذه المعضلة بأحد وجوه:
الأول:
إن إحتمال بقاء الديون في حسبان البنك على أساس النظام البنكي اللاربوي ضعيف جدا، لما تقدم من أن البنك لا يقدم على اعمال البدائل في البنوك والمصارف عوضا عن النظام العملي الربوي فيها، إلا بعد توفر عنصر الثقة والأمانة الكاملة لديه في العملاء المستثمرين وخبرويتهم المسبقة في الأمور التجارية، وتزويدهم بكافة المعلومات عن أوضاع السوق وتقلباته ومؤشراته والاشراف عليها، ومن الطبيعي ان التأكيد على ذلك كفيل عادة على عدم ضياع رأس المال والضمان له.
الثاني:
ان من حق البنك أن يطلب من عميله التأمين على المال الذي يقدمه له للإتجار به والمداولة، فإن أتى بالكفيل والمؤمن فهو المطلوب، وإلا فله الإمتناع عن التقديم، وعلى هذا فبأمكان البنك أن يقوم بنفسه بالتأمين لقاء عمولة معينة، كما أن له أن يطلب منه بضمان من شركة التأمين، فإذا أمّنت الشركة وقبلت التأمين، قدم البنك له المبلغ المقرر، وعليه أن يدفع أجور التأمين، وان كان الشركة فعليه أن يدفع أجوره لها، فإذا وقعت خسارة عندئذ في رؤوس الأموال لسبب أو آخر أو تلفت، فهي على المؤمن سواء أكان البنك أم الشركة.
الثالث:
ان للبنك أن يأخذ مبلغا من كل فائدة لأجل التعويض عن الديون الميتة، فان البنك يقدر على أساس احصاءات سابقة والظروف المالية الاقتصادية،
ان نسبة معينة من الديون تظل دون وفاء، فيعوض عنها بذلك ويمكن تخريج ذلك فقهيا بما يلي:
إن من حق البنك أن يأخذ أجرة على كتابة الدين وشراء أدوات الكتابة وضبط الحسابات وهكذا، فإن له الامتناع عن ذلك مجانا، كما أن بأمكان الدائن ان يمتنع عن تحمل هذه الاجرة، فيتحملها المدين توصلا إلى أخذ المبلغ.
إلى هنا قد تبين أن بأمكان البنك التخلص من الديون الميتة والوقوع في خسارتها بأختيار أحد هذه الوجوه.
*****************
عقد التأمين يشتمل على أركان أربعة:
1 – إيجاب من طالب التأمين.
2 – قبول من المؤمن (الشركة أو البنك).
3 – المؤمن عليه (النفس أو المال أو غير ذلك).
4 – مبلغ التأمين.
فالتعاقد بين طالب التأمين والمؤمن وهو الشركة، أما أن يكون بنحو من الضمان المعاملي، بمعنى أن الشركة قد انشأت تعهدا بتحمل الخسارة أو تداركها على تقدير وقوعها بشروط، فإذا قبل طالب التأمين ذلك تحقق عقد الضمان بينهما، أو يكون من الهبة المعوضة، بمعنى أن طالب التأمين – وهو العميل في المقام – يهب مبلغا محددا في رأس كل شهر للمؤمن – وهو الشركة أو البنك – مشروطا، بأن يتحمل الخسارة في رؤوس الأموال على تقدير وقوعها بسبب من الأسباب، فإذا قبل المؤمن المبلغ الموهوب مشروطا بذلك تحقق الهبة المعوضة، أو يكون عقدا مستقلا بين طالب التأمين والشركة أو البنك، فلا يكون داخلا لا في الهبة المعوضة ولا في الضمان العقدي، ولا ينطبق عليه عنوان آخر من عناوين المعاملات الخاصة.
ودعوى أنه على هذا لا يمكن الحكم بصحته، مدفوعة بأنه وإن لم يكن مشمولا لاطلاق الأدلة الخاصة التي تدل على صحة المعاملات وامضائها بأسمائها المخصوصة، إلا أنه يكفي في الحكم بصحته عموم قوله تعالى:((إِلاّٰ أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ)) فأنه مشمول له، وسيأتي شرح عقد التأمين بصورة أو سع وأشمل في ضمن البحوث الآتية.
****************
تحصيل قيمة الشيكات
يقوم البنك بتحصيل قيمة الشيكات لمصلحة المستفيد بالطرق التالية:
الأول: الشيك الصادر من العميل المدين لمصلحة دائنه المستفيد على البنك المدين له، وفي هذه الحالة تواجه البنك المدين في تحصيل قيمة الشيك حوالة واحدة من محرر الشيك لدائنه المستفيد، فالدائن المستفيد – بموجب هذه الحوالة – يملك قيمة الشيك في ذمة البنك المحول عليه، وعلى هذا فبأمكان المستفيد أن يبيع قيمة الشيك في ذمة البنك من شخص نقدا، ويكون هذا من بيع الدين بنقد ولا مانع منه شرعا، حتى فيما إذا كان الثمن والمثمن من عملة واحدة لما مر من أنه يكفي في صدق البيع وجود المغايرة بينهما الناجمة من كون احدهما شخصياً خارجيا والآخر كليا في الذمة، ويرجع المشتري حينئذ إلى البنك ويطلب منه تقييد قيمة الشيك في حسابه أو تسليمها إليه نقدا.
نعم، إذا اشترط البنك المدين على عملائه الدائنين من الأول في ضمن عقد ما بعدم الحوالة عليه، فعندئذ كان من حقه ان لا يقبل الحوالة بدون اذنه المسبق كما ان له في هذا الفرض المطالبة بالعمولة لقاء قبولها. هذا إذا كان البنك مدينا لصاحب الشيك، واما إذا لم يكن مدينا له، فتدخل الحوالة عليه من الحوالة على البري، وصحة هذه الحوالة مرتبطة بقبولها، فان قبل صحت وأصبح البنك مدينا للدائن المستفيد، وإلا بطلت، كما أن له في هذه الحالة أن لا يقبل الحوالة إلا لقاء عمولة.
الثاني: ان العميل المدين قد أصدر شيكا لمصلحة دائنه المستفيد على فرع من فروع البنك المدين له، وفي هذه الحالة لا توجد ايضا إلا حوالة واحدة، على أساس أن للبنك ذمة واحدة في كافة فروعه في أنحاء البلاد، مثال ذلك البنك المركزي في بغداد أو طهران مثلا، وله فروع في جميع أنحاء العراق أو إيران، وتلك الفروع كلها وكلاء للجهة العامة التي تملك البنك، وكل فرع منه في أي مكان وبلد كان، فهو وكيل لتلك الجهة العامة، وكل مال مودع في فرع من فروعه، فهو في الحقيقة دين على تلك الجهة العامة، فإذا سحب العميل شيكا على فرع من فروعه لصالح دائنه فقد حول في الحقيقة دائنه عليها، فلذلك كانت الحوالة حوالة واحدة لوحدة المدين وهو الجهة العامة، وعلى هذا فإذا كان الفرع المسحوب عليه الشيك في النجف
الأشرف والفرع المطالب بتحصيل قيمة الشيك في البصرة مثلا، فهل بامكان الفرع في البصرة أن يطالب عمولة على تحصيل قيمة الشيك وتسديدها أو لا؟
والجواب: ان المدين لصاحب الشيك وإن كان نفس البنك من دون فرق بين فرع وفرع منه في جميع أنحاء البلاد، فإذا أودع ماله في فرع منه كان المدين له نفس البنك، إلا أنه غير ملزم بدفع الدين إلى الدائن المستفيد إلا في المكان الذي وقع عقد القرض فيه. وبكلمة ان البنك هو المدين وكل فرع من فروعه وكيل عنه، ولكنه غير ملزم بتسديد الدين للدائن في غير مكانه، فان كان مكانه النجف الأشرف مثلا كان عليه تسديده فيه دون مكان آخر كالحلة أو بغداد أو البصرة مثلا، وعلى هذا فإذا كان للعميل حساب جاري مع فرع النجف ولكنه أصدر شيكا لصالح دائنه على فرع البصرة، ففي مثل ذلك لا يكون فرع البصرة ملزما – بعنوان أنه وكيل عن البنك – بتحصيل قيمة الشيك وتسديدها فيها، لأن مكان وقوع القرض هو الأصل في مكان الوفاء، وعليه فيكون من حق البنك أن يطالب المستفيد بعمولة لقاء قيامه بتسديد الدين في مكان آخر غير مكان القرض، وكذلك الحال إذا أصدر العميل شيكا لدائنه المستفيد على نفس المركز، فأنه غير ملزم بتسديد الدين في غير مكان عقد الدين، ومن هذا القبيل ما إذا سلم شخص مبلغا في فرع منه في مكان كالنجف الأشرف مثلا ويطلب منه الحوالة على فرعه في البصرة أو مكان آخر داخل العراق، فانه غير ملزم بقبول الحوالة مجانا، وبأمكانه في هذه الحالة أن يطالب لقاء ذلك عمولة.
الثالث: ان العميل المدين إذا سحب شيكا لصالح دائنه على بنك آخر لا على فرع من فروع البنك الأول، وتقدم الدائن المستفيد بالشيك إلى البنك الأول ليقوم بتحصيل قيمة الشيك من البنك الثاني وتقييدها في رصيده، ففي هذه الحالة فقد حول العميل دائنه على البنك المسحوب عليه الشيك كبنك التجارة مثلا، وبموجب هذه الحوالة صار البنك المذكور مدينا للمستفيد، ولكن المستفيد بسبب أو آخر يرجع إلى البنك الأول كبنك الزراعة مثلا، ويطالب منه تحصيل قيمة الشيك، وعلى هذا فان كان بين البنك الأول والبنك الثاني قرار ومعاهدة على أن بأمكان دائن كل منهما أن يرجع إلى الآخر للوفاء بدينه وتسديده، كان رجوعه إلى البنك الاول حوالة ثانية من البنك الثاني فهنا حوالتان:
الاولى: حوالة العميل دائنه المستفيد على البنك الثاني.
الثانية: حوالة البنك الثاني دائنه على البنك الأول، ولا فرق في صحة الحوالة الثانية بين أن يكون البنك الاول مدينا للبنك الثاني أو لا، لأن صحتها مرتبطة بالمعاهدة بينهما على ذلك، لا بكون البنك المحول عليه مدينا له، واما إذا لم تكن معاهدة بينهما كذلك، فلا يكون رجوع الدائن المستفيد إلى البنك الاول حوالة من البنك الثاني، بل رجوعه إليه يقوم بتحصيل قيمة الشيك ولو عن طريق إتصاله بالبنك المسحوب عليه بعد التأكد من صحة الشيك، وفي هذه الحالة بأمكان المستفيد بدلا عن الرجوع إلى البنك الأول لتحصيل قيمة الشيك أن يقوم ببيع ما ملكه بموجب الحوالة في ذمة البنك الثاني على البنك الأول نقدا، ولا مانع من هذا لأنه من بيع الدين بالنقد.
ثم أنه هل يجوز للبنك الأول (المحصل) أن يطالب عمولة من المستفيد لقاء قيامه بتحصيل قيمة الشيك من البنك الثاني المسحوب عليه، باعتبار أن ذلك عمل محترم، فيجوز له أخذ الأجرة عليه أو لا؟
والجواب: ان في ذلك تفصيلا، فانه ان كانت بينهما معاهدة على ان بامكان دائن كل منهما أن يرجع إلى الآخر لإستيفاء حقه منه، لم يجز للبنك المحصل أن يطالب عمولة لقاء ذلك، على أساس أنه ملزم بالقيام بهذه الخدمة بموجب المعاهدة بينهما، ولا فرق في ذلك بين أن يكون البنك المحصل مدينا للبنك الثاني أو لا، وإن لم تكن معاهدة بينهما كذلك كان من حقه أن يطالب منه عمولة لقاء قيامه بهذا العمل، ولا فرق في ذلك بين أن يكون البنك المحصل مدينا للبنك الثاني أو لا، بأعتبار أن رجوعه إلى البنك المحصل ليس بموجب حوالة البنك الثاني عليه، بل من جهة أنه كان يعلم بأنه إذا رجع إليه وهو يقوم بتحصيل قيمة الشيك من البنك المسحوب عليه، وله حينئذ أن يطالبه بعمولة لقاء هذه الخدمة.
الرابع: إذا كان الشيك مسحوبا من المدين للدائن المستفيد على بنك في البلد ولكن المستفيد يطلب من البنك دفع قيمة الشيك في خارج البلد بعملة أجنبية، كما إذا فرض أن المستفيد يسافر إلى البلد لسبب أو آخر ويحتاج إلى عملة أجنبية، مثال ذلك: شخص مريض أراد أن يسافر إلى لندن مثلا للعلاج، وعنده شيك يتضمن مبلغا من المال على بنك في داخل البلد، يراجع البنك ويطلب منه تحويل المبلغ بعملة أجنبية بسعر الصرف في البلد إلى الخارج كلندن، ففي مثل ذلك يمكن تكييف العملية بأحد وجوه:
الاول / أن يبيع الدائن المستفيد ما ملكه بموجب الحوالة على ذمة البنك من العملة الداخلية بعملة أجنبية كالدولار مثلا، وبذلك يصبح البنك مدينا للمستفيد بعملة أجنبية بديلا عن العملة الداخلية، ثم يقوم البنك بتزويد الدائن بالحوالة على خارج البلاد من طريق ممثله ان كان له فرع فيه، وإلا فعلى بنك آخر هناك، ولكن هذا الوجه غير صحيح شرعا، لأنه من بيع الدين بالدين وهو باطل.
الثاني / ان الدائن يتقدم بالشيك إلى البنك المدين لمحرره ويطالب منه تسليم قيمة الشيك المسحوب عليه، فإذا تسلم القيمة باعها منه بعملة أجنبية على ذمته، وبذلك يصبح البنك مدينا للمستفيد بعملة أجنبية، وحينئذ فان أشترط المستفيد على البنك في عقد البيع تزويده بالحوالة بتلك العملة الأجنبية في الخارج فعليه ذلك، وعلى هذا فان كان له فرع فيه أصدر خطابا إليه بتسديد دين دائنه المستفيد، وحيث أنه لا ذمة للفرع في مقابل الأصل، فلا يصبح مديونا للمستفيد، لما مر من ان فروع البنك جميعا وكلاء له، فلا ذمة لهم في مقابل الأصل، وان لم يكن له فرع ممثل له في الخارج فعليه أن يزوده بالحوالة على بنك آخر هناك، فإذا احاله عليه أصبح البنك مدينا للمستفيد بموجب الحوالة، وعندئذ فإذا سدد دينه في الخارج قيد المبلغ المسدد في حساب البنك المحول، هذا إذا كان للبنك المحول رصيد مالي عنده، وأما إذا لم يكن فهو من الحوالة على البري فان قبلها صحت واصبح مدينا للمستفيد، وإلا بطلت.
نعم له أن يطالب عمولة لقاء قبوله الحوالة ولا مانع شرعا من اخذ العمولة لقاء ذلك لأن المال المأخوذ إنما هو بأزاء قبول الدين لا على الدين، والممنوع إنما هو الثاني، لأنه ربا دون الأول، وأما إذا لم يشترط المستفيد على البنك الحوالة على بلد آخر في ضمن البيع، فلا يجب على البنك قبول الحوالة منه مجانا، وله أن يتقاضى منه عمولة في هذا التحويل لقاء قبوله بالدفع في مكان آخر.
الثالث / ان البنك يقوم بموجب طلب المستفيد من الشيك تزويده بالحوالة بعملة أجنبية في دولة آخرى يريد المستفيد أن يسافر إليها بسبب أو آخر أو يستورد السلع منها أو غير ذلك، فإذا وافق البنك بتنفيذ طلبه وزوده بالحوالة بها هناك، أصبح المستفيد مدينا للبنك بعملة اجنبية والبنك مدين له بعملة داخلية، فلذلك لا يسقط الدين بالتهاتر، لعدم التماثل بينهما، ولكن بإمكان كل
منهما إسقاط ماله عن ذمة الآخر، غاية الأمر إذا كانت مالية أحدهما أزيد من الآخر طولب بالزائد.
وبكلمة: أنه لا مانع من هذه الحوالة شرعا، سواء أكانت على فرع له هناك أم كانت على بنك آخر على تفصيل قد مر، و يمكن للبنك حينئذ أن يتقاضى عمولة من المستفيد لقاء قبوله الحوالة هناك، على أساس أنه لا يجب عليه تسديد الدين في غير المكان الذي وقع فيه عقد القرض ما لم يشترط ذلك في عقد ما، ويمكن تخريج ذلك فقهيا بأحد وجوه:
الاول: أن ذلك يكون في باب الجعالة، فان الدائن يقول للبنك: إذا سددت قيمة الشيك بعملة أجنبية في خارج البلد فلك كذا مبلغا من المال، وحينئذ فاذا قام البنك بالعملية وسدد قيمته بها في الخارج استحق الجعل.
الثاني: أن يكون ذلك بعقد الاجارة، بأن يقوم الدائن المستفيد باستئجار البنك على القيام بهذا العمل، وهو تزويده بالحوالة على خارج البلد بعملة أجنبية لقاء أجرة محددة، فإذا قبل ذلك وتحقق العقد بينهما أستحق الأجرة.
الثالث: أن يكون ذلك من باب أجرة المثل التي يتقاضاها الاجراء للقيام بمثل هذا العمل بدون تحديدها بعقد الجعالة أو الإجارة.
******************
التحويل الداخلي
شخص في بلد كالنجف الأشرف مثلا مدين لشخص في بلد آخر كالبصرة وأراد أن يسدد دينه في بلده المقيم فيه فلذلك طرق:
الأول:
ان الشخص المدين قد أصدر خطابا إلى البنك مباشرة، ويتضمن أمره بدفع مبلغ معين لدائنه المستفيد في بلده المقيم فيه، وحينئذ فان كان للبنك المدين للعميل الآمر فرع ممثل له في بلده أتصل به وأمره بدفع قيمة الدين له، وإن لم يكن له فرع في بلده، فله أن يتصل ببنك آخر هناك ويأمره بدفع قيمة الدين للمستفيد، فإذا دفعها له هناك ضمن البنك الآمر ما دفعه من قيمة الدين بموجب أمره بالدفع، وفي هذه الحالة إذا كان للبنك الآمر رصيد مالي عند البنك المأمور، جاز للبنك المأمور أن يدفع قيمة الدين من رصيد البنك الآمر، على أساس أن امره للبنك هناك بدفع قيمة الدين للمستفيد في بلده إقامته، يدل على إذنه وسماحه له بدفعها من رصيده عنده.
الثاني:
إن العميل المديون يحيل دائنه المستفيد على البنك ويصبح البنك بموجب هذه الحوالة مدينا للمستفيد، على أساس أن معناها نقل الدين من ذمة إلى ذمة، وحينئذ فإن احال البنك المستفيد على فرعه في بلده المقيم فيه لم يكن هذا حوالة ثانية بالمعنى الفقهي، على أساس ما مر أن الفرع ممثل للبنك ووكيل من قبله وليس له ذمة أخرى لكي يحال عليها من جديد، فإذن يكون في المقام حوالة واحدة، وان أحال البنك المستفيد على بنك آخر في بلده كان هذا حوالة ثانية، فهنا حوالتان:
الأولى / من العميل المدين للمستفيد على البنك.
الثانية / من البنك المدين للمستفيد على بنك آخر في بلده، وعندئذ فان كان البنك الآخر مدينا للبنك المحول وجب عليه قبول الحوالة، وكذلك إذا كانت بينهما معاهدة على ذلك، وإن لم يكن مدينا له ولا معاهدة بينهما كان هذا حوالة على البري، فإن قبل صحت، وإلا فلا.
الثالث:
ان البنك بوصف كونه مدينا لعميله، فيحيل العميل على بنك آخر، فيصبح البنك الاخر بموجب هذه الحوالة مدينا للعميل، وحينئذ فإن احال العميل دائنه في بلده على البنك المدين له كان هذا حوالة ثانية، الأولى من البنك لعميله الدائن على بنك آخر، والثانية من العميل لدائنه المستفيد على ذلك البنك.
والخلاصة إن هذه العملية بكل تخريجاتها صحيحة وجائزة شرعا.
وهل يجوز أخذ العمولة عليها أولاً؟
والجواب: إن ذلك يقوم على أساس مجموعة من الضوابط:
1) إن من حق الدائن أن يطالب المدين بتسديد الدين في المكان الذي وقع فيه عقد القرض، من دون فرق في ذلك بين أن يكون الدائن متمثلا في الجهة العامة كالبنك أو في الجهة الخاصة، ولا يسمح شرعا للمدين أن يمتنع عن ذلك إلا إذا تنازل الدائن عن حقه، وعلى هذا فيجوز للدائن أن يتقاضى عمولة لقاء تنازله عن حقه، وقبول الوفاء بالدين في مكان آخر.
2) إن من حق الدائن أن يطالب المدين بتسديد الدين كما أستدان فان استدان نقدا فمن حقه ان يطالبه بتسديده نقدا ولا يقبل الحوالة، وإن استدان حوالة فله أن يطالبه بتسديده كذلك، ولا يقبل تسديده نقدا، كما أن من حق المدين ان لا يقبل الحوالة إذا استدان نقدا، أو لا يقبل التسديد نقدا إذا أستدان حوالة، ويسوغ لكل منهما أن يتقاضى عمولة لقاء تنازله عن حقه.
3) إن من حق المدين الامتناع عن اداء الدين في غير المكان الذي وقع فيه عقد القرض، ولا يحق للدائن أن يطلب منه الوفاء في غير مكان العقد، وله ان يتقاضى عمولة لقاء التنازل عن حقه وقبوله الوفاء في مكان آخر.
وعلى ضوء هذه الضوابط يظهر أنه يسوغ للبنك من الناحية الشرعية أن يتقاضى عمولة لقاء قيامه بهذه العملية بكافة تخريجاتها.
وأما تخريجها على الطريق الأول، فلأن العميل إذا أمر البنك بتسديد قيمة الدين لدائنه المستفيد في بلده المقيم فيه، كان من حق البنك أن يطلب منه عمولة لقاء تسديد دينه في غير بلد القرض، إذ لا يجب عليه أن يلعب دور الاتصال بفرعه هناك أو بنك آخر، ويأمره بدفع قيمة الدين تطبيقا لتنفيذ أمر العميل مجانا، بل له أن لا يقوم بهذا الدور أو الخدمة بدون أجرة وعمولة، على أساس ان البنك غير ملزم بتسديد الدين في أي مكان يقترحه الدائن
تطبيقا للضابط الثالث، وعلى هذا فان أراد الدائن من المدين الوفاء بدينه في مكان آخر غير مكان القرض، كان من حق المدين أن يتقاضى منه عمولة لقاء التنازل عن حقه.
وأما تخريجها على الطريق الثاني، فلأن العميل حيث أنه أحال دائنه على البنك، فيصبح البنك بموجب هذه الحوالة مدينا لدائنه المستفيد ولكن لا يجب على البنك أن يسدد دينه إلا في مكان الحوالة وهو مكان الدين، ولا يكون ملزما بدفعه في بلد الدائن المقيم فيه، وإذا أراد الدائن ذلك، كان من حقه أن يتقاضى عمولة لقاء قيامه بهذا الدور.
وأما تخريجها على الطريق الثالث، فلأن البنك المدين لعميله الآمر بالتحويل غير ملزم بأن يلعب دور الحوالة، بأن يحيل عميله على البنك في بلد المستفيد، لأنه ملزم بالأداء في مكان الدين لا في كل مكان أراد الدائن، وعلى هذا فإذا أمر العميل البنك بالتحويل على البنك في بلد المستفيد، فمن حق البنك المأمور ان لا يقبل ذلك مجانا وبدون عمولة.
يتحصل من ذلك أنه يجوز للبنك أن يتقاضى عمولة لقاء قيامه بهذه العملية بكل تخريجاتها وتكييفاتها الشرعيه.
التحويل الخارجي
شخص في بلد كالعراق مثلا مدين لشخص في بلد آخر كالهند، وأراد تسديد دينه والوفاء به في بلده هناك المقيم فيه فما هو طريقه؟
والجواب: ان لذلك عدة طرق:
الأول:
ان الشخص المدين يصدر خطابا إلى البنك المدين له مباشرة، ويتضمن الخطاب الأمر بدفع قيمة الدين بعملة أجنبيه لدائنه المستفيد في بلده الهند المقيم فيه بواسطة ممثله هناك ان كان، وإلا فبواسطة بنك آخر، فإذا قبل البنك ذلك وقام بالعملية ولعب دورها فادى إلى وصول الدين للمستفيد هناك بأحد الطريقين، أصبح الشخص العميل مدينا للبنك بعملة أجنبية، و هو مدين للعميل بعملة داخلية، وبما أنه لا مماثلة بين الدينين، فلا يسقطان بالتهاتر.
نعم بأمكان كل منهما إسقاط ما في ذمة الآخر، إلا إذا كانت قيمة أحدهما أزيد من قيمة الآخر فيطالب بالزائد، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى إذا كان للبنك فرع في بلد المستفيد وأمره بدفع دين المستفيد هناك بعملة أجنبية فدفعه، لم يضمن البنك ما دفعه، لما مر من أن فرعه ممثل له ووكيل عنه فدفعه دفع البنك، لا دفع جديد في مقابل دفعه، وأما إذا لم يكن له فرع في بلده هناك، فله أن يتصل ببنك آخر فيه ويأمره بدفع دين المستفيد هناك، فإذا دفعه ضمن البنك الآمر ما دفعه البنك المأمور بموجب هذا الآمر، فيصبح بذلك مدينا له. هذا إذا لم يكن للبنك الآمر رصيد مالي عند البنك المأمور هناك، وإلا فهو يدفعه من رصيده، وحينئذ فلا ضمان.
وهل بأمكان البنك من الناحية الشرعية أن يتقاضى عمولة لقاء قيامه بهذه العملية أو لا؟
والجواب: نعم فإن بأمكانه ذلك على أساس أنه غير ملزم بدفع قيمة الدين بعملة أجنبية، ولا ببلدة أخرى غير بلدة القرض، كما إن للبنك في بلد المستفيد إذا لم يكن للبنك الآمر رصيد مالي عنده، ولا قرار ومعاهدة بينهما على ذلك، ان يتقاضى عمولة لقاء قبوله الأمر منه وتنفيذه بدفع قيمة الدين للمستفيد في بلده من ماله.
الثاني:
ان العميل المدين للمستفيد في خارج البلد يقوم ببيع ماله في ذمة البنك من العملة الداخلية بعد قبضها منه أصالة أو وكالة بالعملة الأجنبية، فيصبح البنك بذلك مدينا لعميله بالعملة الأجنبية، ثم يامر العميل البنك بالحوالة، فيقوم البنك بموجب أمر عميله بدور الحوالة، فيحيله على فرع من فروعه في الخارج الممثل له، ولكن هذا لا يكون حوالة بالمعنى الفقهي، على أساس ما مر من أنه ليس للفرع ذمة أخرى في مقابل ذمة الأصل ليحال عليها، وأما إذا لم يكن له فرع فيه، فيحيله على بنك اخر هناك ويكون هذا حوالة بالمعنى الفقهي، إذ بها ينتقل الدين من ذمة البنك المحول إلى ذمة البنك المحول عليه، فيصبح البنك المحول بموجب هذه الحوالة مدينا للعميل الآمر، وحينئذ فبأمكان العميل أن يحيل دائنه المستفيد على البنك المحول عليه، ويكون هذا حوالة ثانية وبموجبها يصبح البنك المحول عليه مدينا للمستفيد وتبرأ ذمة العميل عنه. هذا إذا كان البنك المحول عليه مدينا للبنك المحول، وإلا فصحة الحوالة مشروطة بالقبول، بأعتبار إنها حوالة على البري وهل بأمكان البنك من الناحية الشرعية أن يتقاضى عمولة لقاء قيامه بالحوالة أو لا؟
والجواب: نعم، فإن له ذلك، على أساس أنه غير ملزم بحوالة الدائن في بلد آخر، وله أن يطلب عمولة لقاء تنازله عن هذا الحق وقبوله الحوالة.
الثالث:
ان العميل المدين بعد عملية بيع العملة الداخلية بالعملة الأجنبية مع البنك، يطلب منه أن يدفع العملة الأجنبية للمستفيد بواسطة فرع من فروعه في الخارج أو بنك آخر، فإذا قام البنك بالعملية وتمت، برأت ذمة العميل من المستفيد وذمة البنك من العميل، وأشتغلت ذمته، أي: البنك الآمر للبنك المأمور. هذا إذا لم يكن للبنك الآمر رصيد مالي عند البنك المأمور، وإلا فهو يدفع من رصيده وحينئذ فلا ضمان، وهل للبنك حينئذ أن يتقاضى عمولة شرعا لقاء قيامه بهذه العملية أو لا؟
والجواب: نعم، فإن له ذلك: إذ لا يجب عليه تسديد الدين في بلد آخر غير بلد القرض، وله حق الأمتناع عن ذلك و عدم القبول بدون عمولة.
التحويل إلى غير الدائن
قد يقوم البنك بتحويل عميله غير الدائن على فرعه في بلد آخر أو بنك فيه، ولكن هذا لا يكون حوالة بالمعنى الفقهي، بل هو في الحقيقة اقراض من البنك ذلك العميل أو التبرع والاهداء له، فلذلك لا يكون المحول له مالكا لقيمة الحوالة ما لم يقبضها نقدا، وهذه الحوالة جائزة شرعا، شريطة أن لا تكون ربوية باعتبار إنها ليست بحوالة، بل هي اقراض.
**************
خصم الكمبيالات أو تنزيلها
يراد بالخصم والتنزيل أن يدفع البنك أو غيره قيمة الكمبيالة قبل الموعد المحدد لها مقابل استقطاع مبلغ معين.
ويمكن تخريج ذلك فقهيا بوجوه:
الوجه الأول:
بيع الكمبياله نقدا بأقل مما تضمنتها من المبلغ.
بيان ذلك: ان الكمبيالة المتداولة في الأسواق لم تعتبر لها مالية، وانما هي مجرد وثيقة لإثبات ان المبلغ الذي تضمنته دين في ذمة موقعها لمن كتبت بأسمه، وهذا بخلاف الأوراق النقدية، فإن لها قيمة مالية، على أساس ان الجهة المصدرة لتلك الأوراق أعتبرتها مالا بديلا عن الذهب والفضة، لا مجرد انها وثيقة، ومن هنا إذا دفع المشتري الكمبيالة للبائع لم يدفع ثمن البضاعة، ولو ضاعت الكمبيالة أو تلفت عند البائع لم يتلف منه مال ولم تفرغ ذمة المشتري، بينما إذا دفع المشتري له ورقة نقدية فقد دفع ثمن البضاعة وبرأت ذمته منه وإذا تلفت عنده بعد ذلك وضاعت فقد تلف ماله، وبعد ذلك نقول ان المستفيد من الكمبيالة الذي عرضها على البنك طالبا منه خصمها يبيع الدين الذي تمثله في ذمة محررها مؤجلا باقل منه نقدا، كما إذا كان الدين مائة دينار مثلا، فباعه المستفيد بخمسة وتسعين ديناراً نقدا، فإذا قبل البنك ذلك وأشترى ملك الدين الذي كان المستفيد يملكه في ذمة موقعها لقاء الثمن الذي يدفعه إليه حالا بموجب هذا البيع، فيكون هذا من بيع الدين نقدا باقل منه.
وقد تسال: هل هذا البيع جائز أو لا؟
والجواب: ان المشهور بين الفقهاء جوازه إذا لم يكن الدين من الذهب والفضة أو المكيل والموزون، وحيث أن الدين الذي تمثله الكمبيالة ليس من الذهب والفضة، فيجوز بيعه باقل منه نقدا، ولكنه لا يخلو عن اشكال، بل لا يبعد عدم جوازه، وذلك للنصوص الخاصة الظاهرة في عدم جواز ذلك.
منها:
صحيحة محمد بن الفضيل، قال: قلت للرضا (ع): رجل أشترى دينارا على رجل، ثم ذهب إلى صاحب الدين، فقال له: ادفع إلي ما لفلان عليك، فقد
أشتريته منه، قال: ((يدفع إليه قيمة ما دفع إلى صاحب الدين، وبرئ الذي عليه المال من جميع ما بقي عليه))1.
فانها ظاهرة في ان المدين غير ملزم بدفع أكثر من المبلغ الذي دفعه المشتري إلى المستفيد، وأنه لا يستحق أكثر مما دفعه، ويعتبر الزائد عليها ساقطا عن ذمة المدين رأسا، ولا تشتغل ذمته بأكثر منه. وبكلمة ان المستفاد من الرواية أمور:
الأول: بطلان بيع الدين نقدا بأقل منه.
الثاني: براءة ذمة المدين من الدائن المستفيد.
الثالث: اشتغال ذمته للمشتري بمقدار ما دفعه إلى المستفيد دون الأكثر.
ودعوى: ان الرواية ساقطة بأعراض المشهور عنها، مدفوعة: بأن سقوط الرواية بأعراض المشهور منوط بتوفر أمرين:
احدهما: ان يكون الاعراض من قدماء الاصحاب الذين يكون عصرهم متصلا بعصر اصحاب الائمة.
والآخر: ان يكون تعبدياً، بمعنى انه وصل اليهم من اصحاب الائمة (ع) يداً بيد وطبقة بعد طبقة، ولكن ليس بامكاننا احراز توفر كلا الامرين معاً، كما حققناه في علم الاصول، فإذا لا اثر لإعراض المشهور، ولا يكشف عن سقوط الرواية عن الاعتبار.
وقد يقال: انه لم يفرض في الروايات شراء الدين باقل منه؟
والجواب: ان الروايات ظاهرة في ذلك عرفا يمناسبة الحكم و الموضوع الارتكازية، و مع الاغماض عن هذا، فلا شبهة في اطلاقها و شمولها لصورة شراء الدين نقداً بالأقل منه.
و على هذا فليس بامكاننا من الناحية الشرعية تخريج عملية خصم الكمبيالات فقهياً على اساس شراء الدين بأقل منه نقدا.
الوجه الثاني:
يمكن تكييف عملية خصم الكمبيالات فقهياً على اساس اشتراط البنك على المستفيد في عقد الشراء هبة مبلغ محدد من قيمة الكمبيالة، بان يقول له: اشتري منك الدين الذي تمثلّه الكمبيالة بنفس قيمته بدون اي نقيصة مشروطاً، بان تهب لي من قيمتها مبلغاً محدداً بعد الشراء نقداً، وحينئذٍ فان وفى بالشرط فهو المطلوب، وإلاّ فله فسخ الشراء، و لا بأس بهذا التكييف و التخريج شرعاً.
الوجه الثالث:
ان بامكاننا تكييف هذه العملية و تخريجها فقهياً، على اساس ان المشتري – كالبنك – يشترط على المستفيد في عقد الشراء عملا، كخياطة ثوب او كتابة شيء أو قراءة القرآن أو غير ذلك لقاء شرائه الدين الذي تضمنته الكمبيالة بنفس قيمته من دون اي نقص فيها، فان قبل المستفيد الشرط وجب عليه الوفاء به، و إلا كان له فسخ الشراء.
الوجه الرابع:
ان البنك يشتري الدين الذي تضمنته الكمبيالة بما يسا وي قيمته، و لكنه يقتطع من القيمة مبلغاً معيناً، كعمولة لقاء الخدمة أو لقاء تحصيل المبلغ اذا كان يدفع في مكان آخر، لان العمولة لقاء الخدمة – كاجرة كتابة الدين و تسجيله في السّجلات و حفظه – جائزة، و لهذا يكون بامكان البنك ان يتقاضاها في كل قرض يقدمه لقاء تلك الخدمة، و حينئذٍ فيجوز هنا للبنك ان يتقاضى عمولة لقاء تحصيل قيمة الكمبيالة و تسجيلها بعنوان اجرة الكتابة و غير ذلك.
الكمبيالات الصورية (المجاملية)
قد تعارف بين الناس ان يكتب شخص لآخر من دون ان تكون ذمّته مشغولة له ورقة (كمبيالة)، تفيد بانه مديون له بملبغ كذا كمائة دينار مثلاً،
فمن اجل ذلك اطلق عليها (كمبيالة مجاملة) وحيث انّها لا تتضمن ديناً في ذمة محررها، فلا يصح بيعها؛ لانها في نفسها لا مالية لها و لا تمثل مالاً، و انما كتبت لتمكين المستفيد من خصمها فحسب، وعلى هذا فيمكن تكييف عملية الخصم في المقام على اساس احد أمرين:
الأوّل: القرض.
الثاني: البيع.
اما الأوّل، فلان المستفيد قد ينوي القرض من الطرف الثالث كالبنك على ذمّته، فيستقرض خمسة و تسعين ديناراً مثلاً منه بمائة دينار مؤجلة لمدّة خمسة اشهر مثلاً، و بعد تمامية عقد القرض يقوم المستفيد بتحويل الطرف الثالث على الموقع للكمبيالة لكي يقبض منه المبلغ عند الاجل، و هذه الحوالة وان كانت على البري في الواقع، الا انه بموجب توقيعه للكمبيالة و تعهده كان قد قبلها، و اذا قام بعملية تسديد المبلغ و سدده، اصبحت ذمة المستفيد مشغولة له بنفس المبلغ، و قد ينوي القرض من الطرف الثالث في ذمة الموقع للكمبيالة بالوكالة، فيستقرض منه خمسة و تسعين ديناراً بمائة دينار على ذمته مؤجلة لمدة خمسة اشهر، و بعد تمامية عقد القرض يستقرض المستفيد منه هذا المبلغ و هو خمسة و تسعون ديناراً وكالة بمائة دينار على ذمتّه مؤجلة, ولكن لا يمكن تكييف هذه العملية من الناحية الشرعية، على اساس القرض؛ لانه ربوي على كلا الفرضين.
واما الثاني، فيمكن تخريجه فقهياً على اساس صورتين تاليتين:
الاولى: ان المستفيد يشتري من الطرف الثالث، كالبنك مثلاً مبلغاً قدره خمسة و تسعون دينارأً بمائة دينار على ذمته مؤجلة لمدة خمسة اشهر، وبعد تكميل عملية البيع بين الطرفين يقوم المستفيد بعمليّة التحويل، فيحول الطرف الثالث على الموقع للكمبيالة ليتسلم مائة دينار عند الاستحقاق، و لا يمكن للموقع ان لا يقبل هذه الحوالة، فانها و ان كانت حوالة على البري في الواقع، إلأ انّه قد قبلها بتوقيعه لها، فاذا قام بتسديد المبلغ الى الطرف الثالث، اصبح المستفيد مدينا له بنفس المبلغ وهو مائة دينار، و على هذا فلا اشكال في هذه العملية من الناحية الشرعية على الأظهر.
الثانية: ان المستفيد – بموجب هذه الكمبيالة – وكيل من قبل الموقع في تنفيذ عملية الخصم مع الطرف الثالث، و عليه فيقوم المستفيد – بموجب هذه الوكالة – ببيع مبلغ قدره مائة دينار مثلاً على ذمة موكله مؤجلة لمدة خمسة
اشهر بمبلغ قدره خمسة وتسعون ديناراً نقداً، و بعد تكميل هذه المعاملة البيعية، يكون الموقع مديناً للطرف الثالث بمائة دينار مؤجلة في مقابل خمسة و تسعين ديناراً نقداً، و هذا المبلغ حيث انه ملك للموقع، فلا يجوز للمستفيد ان يتصرف فيه، و حينئذٍ فعليه ان يجري معاملة جديدة مع الموقع وكالة، فيشتري منه المبلغ المذكور و هو خمسة و تسعون ديناراً نقداً بمبلغ قدره مائة دينار في الذمة مؤجلة لخمسة اشهر، فاذا تم هذا البيع بينهما أصبح المستفيد مالكاً للمبلغ نقداً و مدينا للموقع مؤجّلاً، و هذه العملية لا اشكال فيها شرعاً.
قد يقال – كما قيل -: ان شرعية كلتا العمليتين مبنية على صحة بيع الاوراق النقدية الشخصية بالكلي منها في الذمة، كبيع خمسة و تسعين ديناراً مثلاً نقداً بمائة دينار في الذمة مؤجلة، و صحته موضع البحث و الاشكال.
والجواب: ما مرّ من أنَ الاظهر صحة ذلك، و مع الاغماض عنه و تسليم ان هذا قرض واقعاً بلباس البيع، و لكن بامكاننا تخريج ذلك من الناحية الشرعية بطريقة اخرى، وهي ان للمستفيد أن يقوم ببيع عملة اجنبية على ذمته مؤجّلة للطرف الثالث، كالبنك مثلاً بعملة داخلية نقدية، كما اذا باع الف تومان مثلاً على ذمته مؤجّلاً للبنك بثمانية و اربعين ديناراً نقداً، و لا اشكال في ان هذا بيع واقعاً لمكان التباين بين الثمن و المثمن و عدم انطباق احدهما على الآخر، ثم ان المستفيد يقوم باحالة البنك على الموقع للكمبيالة بما يساوي قيمة المبيع (ألف تومان) من الدينار العراقي و هو خمسون ديناراً مع التراضي بينهما على ذلك، و يكشف عن هذا التراضي قبول البنك الكمبيالة بما تضمنته من العملة و قبول الموقع الحوالة بتوقيعه لها.
كما ان بامكان المستفيد ان يبيع الف تومان على ذمة الموقع وكالة عنه للبنك بثمانية و اربعين دينارا نقداً، و بعد عملية البيع يقدم المستفيد الكمبيالة الى المشتري و هو البنك في المثال، فاذا قبلها يملك ما يساوي قيمة المبيع في ذمة الموقع (الف تومان) و هو خمسون ديناراً عراقياً. ثمّ ان المستفيد يجري مع الموقع معاملة جديدة فيشتري منه المبلغ المذكور و هو ثمانية و اربعون ديناراً بألف تومان مؤجّلاً.
*************
تحصيل الشيكات التجارية:
يقوم البنك بتحصيل قيمة الشيكات من المدينين لحساب الدّائنين، فانه قبل حلول موعد استحقاق الشيك بايام اخطر المدين، و يوضح فيه رقم الشيك و تاريخ استحقاقه و ما تضمنه من المبلغ، و بعد الحصول على قيمته من الدين يدفعها الى المستفيد اذا طلب ذلك او يقيدها في رصيده بعد خصم مصارف التحصيل، و هذه العملية جائزة شرعاً و لا اشكال فيها.
نعم، لابد من الاقتصار على تحصيل نفس قيمة الشيك، فلا يجوز تحصيل فوائدها الربوية، و هل بامكان البنك ان يتقاضى عمولة ازاء قيامه بهذه الخدمة أولا؟
والجواب: نعم اذ لا يجب عليه ان يقوم بتلك الخدمة مجاناً.
ومن هذا القبيل الشيكات التي يقدمها المستفيد الى البنك و هي غير محولة عليه ابتداءً، و يطلب منه تحصيل قيمتها عند الاستحقاق و دفعها اليه نقداً، او تقييدها في رصيده، و يجوز للبنك اخذ عمولة لقاء هذه الخدمة، كاتصاله بالمدين و مطالبته بالوفاء. نعم لو كانت الشيكات محولة على البنك ابتداءً من عميله الدائن، لم يجز له أخذ العمولة على الوفاء بها، لأن البنك يصبح بموجب حوالة محرر الشيك عليه مدينا للمستفيد بقيمة الشيك، باعتبار ان للمُحرر رصيداً مالياً فيه، و التحويل من الدائن على مدينه نافذ من دون حاجة الى قبول المدين، الا اذا اشترط على الدائن في عقد القرض عدم الحوالة عليه، و عملية الوفاء بالديّن و ان توقفت على بذل جهد وانفاق عمل، فلا يستحق المدين عليها عمولة.
يتضح من ذلك ان بامكان البنك ان يأخذ عمولة على تحصيل الشيكات و الكمبيالات اذا لم تكن محولة عليه ابتداءً، و يمكن تخريج هذه العمولة من الناحية الشرعية بوجوه:
الأوّل: ان تكون العمولة من باب اجرة المثل من دون ان تكون بينهما معاقدة على الأجرة المحدّدة.
الثاني: ان تكون العمولة جعالة، بتقريب ان المستفيد يجعل جعلا للبنك إذا قام بتحصيل قيمة الشيك والصك من المدين، وبعد التحصيل يستحق البنك العمولة على المستفيد.
الثالث: أن تكون اجارة، فان المستفيد يستأجر البنك على القيام بهذه العملية والخدمة لقاء أجرة معينة، فتكون الاجارة على نفس العمل، وعلى هذا فصحة الاجارة منوطة بكون البنك قادرا على تحصيل الدين وتسليمه إلى الدائن، وإلا فالاجارة باطلة، لأن الاجير لا يمكن أن يملك ما ليس من منافعه المملوكة.
وبكلمة: إن قدرة الأجير على الفعل معتبرة في صحة الاجارة لسببين:
الأول: ان القدرة دخيلة في مالكية الاجير للمنفعة التي يملكها للمستأجر في عقد الاجارة مثلا إذا لم يكن الشخص قادرا على الخياطة، فلا يكون مالكا لهذه المنفعة لكي يصح منه تمليكها لغيره.
الثاني: إن القدرة على التسليم معتبرة في صحة الاجارة، بلا فرق بين أن تكون الاجارة على الاعمال أو على منافع الاموال، فاذا عجز الاجير عن العمل المستأجر عليه فقد أخل بشرطية القدرة على التسليم.
وقد تسأل: هل يحكم بصحة الاجارة مع الشك في قدرة البنك على تحصيل الدين أولا؟
والجواب: ان الاجارة الواقعة مع الشك في القدرة تتبع الواقع، فتصح إذا كان البنك قادرا على تحصيل الدين واقعا، و تبطل اذا كان عاجزا عنه كذلك، وحينئذ فلا يستحق البنك الاجرة بالمطالبة باعتبار ان الاجارة لم تقع عليها وانما وقعت على تحصيل الدين، فان تسلم الدين واخذه من المدين ودفعه إلى الدائن أو قيده في رصيده كشف ذلك عن قدرته على العمل المستأجر عليه، وبالتالي عن صحة الأجارة واستحقاقه الأجرة، وإلا كشف عن عدم قدرته عليه وبالتالي عن بطلان الاجارة وعدم استحقاق الاجرة.
فالنتيجة ان البنك يستحق الاجرة على ضوء الوجه الأول والثاني بعد العمل المستأجر عليه وهو تحصيل الدين من المدين، وعلى الوجه الثالث بعد تمامية العقد واكماله اذا كان قادرا على تحصيل الدين. نعم لو كانت الجعالة
أو الاجارة على المطالبة، فأن البنك يستحق الاجرة على الجعالة بعد المطالبة والالحاح، سواء أدى إلى تحصيل الدين أم لا، وعلى الاجارة من حين العقد وأن لم يكن قادرا على تحصيل الدين إذا كان قادرا على المطالبة.
*******************
قبول البنك الاوراق التجارية:
وهو على نحوين:
أحدهما: ان البنك يقبل الورقة التجارية، بمعنى أنه يتحمل مسؤوليته أمام المستفيد من الورقة ويجعلها في عهدته، والآخر أنه يقبلها ولكنه لا يتحمل أي مسؤولية أمام المستفيد، وانما يؤكد على وجود رصيد مالي له أي: لمحرر الورقة التجارية باسم الشيك أو الكمبيالة عنده يصلح لأن تخصم منه قيمة تلك الورقة، أما الأول فهو جائز شرعا، وهل هو على أساس عقد الضمان بمعناه الفقهي المعروف لدى فقهاء الأمامية وهو نقل دين من ذمة إلى ذمة، لا ضم ذمة إلى ذمة الذي هو باطل، أو على أساس التعهد بوفاء المدين بدينه؟
والجواب: أنه على أساس التعهد لا على أساس عقد الضمان بمعناه المعروف، إذ من الواضح إن البنك لا يقصد بقبوله الورقة التجارية باسم الكمبيالة أو الشيك نقل الدين من ذمة المدين إلى ذمته، بل يقصد به معنى آخر للضمان، وهو تعهده بوفاء المدين دينه، فالضمان هنا ليس ضمانا لنفس مبلغ الدين بديلا عن الدين، بل هو ضمان لأدائه مع بقاء الدين في ذمة المدين الأصلي، ونتيجة ذلك أنه لو تخلف المدين عن الوفاء، فعلى البنك المتعهد الوفاء به، وهذا يعني إن المستفيد من الورقة يرجع إليه ويأخذ قيمتها منه.
وأما الثاني: وهو قبول البنك الورقة وتوقيعه لها بدون أن يتحمل مسؤولية الوفاء أمام المستفيد، وإنما يقصد به التأكد على وجود رصيد مالي لمحرر الورقة يكفي لخصم قيمتها منه فهو أيضا جائز شرعا ولا مانع منه أصلا، وحيث أن ذمة المحرر قد أكسبت من قبول البنك الورقة وتوقيعه لها أعتبارا وثقة بين الناس، فبامكان البنك أن ياخذ عمولة على هذا القبول.
***************
الكفالة (خطاب الضمان) ذات أطراف ثلاثة:
1. المكفول: وهو المتعهد والمقاول.
2. المكفول له: وهو المتعهد له المستفيد سواء كان جهة حكومية عامة أو خاصة أم أهلية كذلك.
3. الكفيل: وهو البنك.
المتعهدون والمقاولون الذين يتولون مشروعا بالمناقصة، كبناء مستشفى أو مصنع أو معمل أو إحداث طرق أو تبليطها أو مجمع سكني أو مسجداً, غير ذلك لجهة حكومية أو شركة أهلية على المواصفات المعينة وفي فترة زمنية محددة، فاذا تمت المقاولة والمعاهدة بينهما بمواصفاتها وشروطها وجب عليهم القيام بالعمل وتنفيذ المشروع، وقد تشترط تلك الجهة على المقاولين في ضمن عقد المقاولة والمعاهدة أن يدفعوا مبلغا معينا من المال في حالة عدم انجاز المشروع وعدم اكماله في موعده المحدد، أو الانسحاب عنه دون الاتمام، ولتعزيز عنصر الثقة والامانة للوفاء بالشرط تطلب الجهة المستفيدة من المقاولين ضمانات وكفالات مالية لذلك فالمقاولون من أجل تعزيز هذا العنصر يلجأون إلى البنك، ويطلبون منه الضمان والتعهد لتلك الجهة بالمبلغ المذكور، فإذا وافق البنك على ذلك أصدر خطاب ضمان يتعهد فيه للجهة المستفيدة بالمبلغ المقرر في حالة تخلف المقاولين عن القيام بتعهداتهم.
وهذا الشرط صحيح شرعا ونافذ ويجب الوفاء به مادام واقعا في عقد صحيح كعقد الايجار مثلا، ومقتضى صحته ان للجهة المستفيدة حقا شرعيا ان ترجع الى البنك وتطلب منه المبلغ المشروط في حالة تخلف المقاولين عن القيام بتعهداتهم والامتناع عن دفع المبلغ لها وأما إذا كان تخلف المقاولين من جهة بطلان العقد فلا تستحق الجهة المستفيدة ان تطالب المقاولين بالمبلغ المشروط، لفرض أن الشرط قد بطل ببطلان العقد، وذلك كما إذا كان العقد عقد اجارة وكان مورد الاجارة المنفعة الخارجية لا المنفعة في الذمة، ففي مثل ذلك اذا كان الاجير عاجزا عن ممارسة العمل المستأجر عليه، فمعنى هذا بطلان أصل الاجارة، لانكشاف ذلك كون تلك المنفعة ليست من منافع الاجير، وحينئذ فيبطل الشرط المفروض في عقد الاجارة بالتبع، ثم ان هذا
الشرط هل يمكن ان يكون بنحو شرط النتيجة، بمعنى: أن الجهة المستفيدة (وهي المكفول والمتعهد له) تشترط على المقاول أن تكون مالكة كذا مبلغا في ذمته إذا تخلف عن تعهداته أو لا؟
والجواب: أن شرط النتيجة في المقام غير صحيح لأن النتيجة المشترطة – وهي اشتغال ذمة المقاول كذا مبلغا من المال أبتداء – ليست من المضامين المعاملية المشروعة، وأدلة نفوذ الشرط لا تكون مشرعة لأصل المضمون، وانما هي متكفلة لبيان صلاحية الشرط لان ينشأ به المضمون المشروع في نفسه.
والخلاصة: أن الشرط في المقام لا يمكن أن يكون بنحو شرط النتيجة، بل لا بد أن يكون بنحو شرط الفعل، بأن تشترط الجهة المستفيدة على المقاول أن يملك لها كذا مبلغا من المال في حالة تخلفه عن تعهداته، ولا فرق في صحة هذا الشرط بين أن يكون الفعل المشترط خصوص فعل المقاول أو الاعم منه ومن فعل غيره كالبنك.
وقد تسأل: ما هو المراد من الضمان في خطابات الضمان؟
والجواب: ان المراد منه التعهد بشيء وجعله في عهدة الشخص، لا نقل الدين من ذمة إلى ذمة ولا ضم ذمة إلى ذمة، فانه باطل، ومن هنا قلنا:
ان قبول البنك للكمبيالات أنما هو بمعنى تعهده لأداء الدين وجعل نفسه مسؤلة عنه لا بمعنى نقل الدين من ذمة إلى ذمة فالمدين مسؤل ومشغول الذمة بذات المبلغ والضامن كالبنك مسؤل عن أداء ذلك المبلغ أي أنه مسؤل عن خروج المدين عن عهدة مسؤليته وتفريغ ذمته، وعليه فليس لدائن أن يرجع ابتداءا على الضامن بهذا المعنى، وانما يرجع إليه اذا أمتنع المدين عن الوفاء فان معنى هذا الامتناع ان ما تعهد به الضامن – وهو اداء المدين الدين – لم يتحقق، فاذن تشتغل ذمته بقيمة الاداء وهي قيمة الدين، بأعتبار أن الاداء في نفسه لا مالية له إلا بلحاظ مالية نفس الدين، وعلى هذا الأساس فمعنى خطاب الضمان هو تعهد البنك بأداء الشرط وجعله في عهدته كتعهده بأداء الدين على حد أداء العين المغصوبة الذي هو على عهدة الغاصب، غاية الأمر أن أداء العين المغصوبة على عهدة الغاصب أمر قهري، وأما أداء الشرط أو أداء الدين في عهدة البنك انما هو بسبب أنشائه هذا التعهد أختيارا
النافذ بمقتضى الارتكاز العقلائي الممضى شرعا، بل هو مشمول لعموم قوله تعالى:((أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)) بأعتبار أنه عقد بين اثنين، وكما أن العين المغصوبة اذا تلفت اشتغلت ذمة الغاصب ببدلها من المثل أو القيمة، كذلك أداء الشرط أو أداء الدين، ومعنى تلف أداء الشرط أو الدين: أمتناع المشروط عليه والمدين عن الاداء، فاذن تحولت العهدة الجعلية إلى اشتغال الذمة بقيمة اداء الشرط أو اداء الدين الذي هو قيمة نفس الشرط والدين وبالتالي بالشرط والدين.
وهناك إشكال، وهو: ان تعهد البنك بأداء الدين وان كان يؤدي الى اشتغال ذمته بالاداء عند امتناع المدين عنه وبالتالي بالدين، على اساس ان الدين مملوك للدائن إلا ان تعهده بأداء الشرط في المقام لا يؤدي إلى إشتغال ذمته بالاداء عند امتناع المشروط عليه عنه وبالتالي بنفس الشرط، بأعتبار أن المشترط لا يكون مالكا للشرط في ذمة المشترط عليه، وفي المقام أن الجهة المستفيدة التي تشترط على المقاول بنحو شرط الفعل أن يدفع إليها ألف دينار مثلا إذا تخلف عن تعهداته لا تكون مالكة لألف دينار في ذمته لأن مفاد الاشتراط في موارد شرط الفعل هو أن المشروط عليه يلتزم للمشروط له بالفعل كالخياطة وتمليك مبلغ من المال أو غير ذلك، لا أنه يلتزم بان الفعل للمشروط له و ملك له، وعلى هذا فلا يمكن أفتراض ان تعهد البنك بالشرط يؤدي الى تملك الجهة المستفيدة للشيء في ذمته، رغم أنها لا تملك شيئا بسبب الشرط في ذمة المقاول والمتعهد.
والجواب: ان المشروط له وان كان لا يملك العمل في ذمة المشروط عليه، إلا أنه لا شبهة في أن الشرط بما هو شرط حق للمشروط له وله مالية، ولهذا يبذل بازاء اسقاطه المال، فاذا كانت للشرط مالية كان يضمن بالتفويت، وعلى هذا فاذا تعهد البنك باداء الشرط من المشروط عليه كان مرجعه إلى ضان قيمته عند تفويته، وتفويته إنما هو بامتناع المشروط عليه عن الاداء والوفاء به، وحيث أن قيمة الاداء إنما هي بلحاظ قيمة الفعل لا في نفسه، فاذن تشتغل ذمته بقيمة الفعل،
ودعوى:
أنه لا معنى للضمان بالتفويت والاتلاف إذا لم يكن المفوت والمتلف مملوكا، والمفروض أن الفعل المشروط لا يكون مملوكا للمشروط له حتى يضمن بالاتلاف والتفويت. مدفوعة بأنه لا موجب لتخصيص الضمان بالتفويت والاتلاف بما إذا كان المفوت والمتلف مملوكا لغير المفوت والمتلف، بل يكفي في ذلك كونه مضافا إلى غيره ولو بنحو من الحقية التي لها مالية عرفا، لكي يكون مشمولا لدليل الضمان في نظر العرف والعقلاء.
ومع الاغماض عن ذلك وتسليم أنه لا معنى للضمان والاتلاف إذا لم يكن المفوت والمتلف مملوكا، ولكن بأمكاننا أن نقول: أن معنى تعهد البنك باداء الشرط:
ألتزامه به على تقدير تخلف المشروط عليه وعدم الاداء، وهذا يعني أن البنك تعهد أن المقاول إذا لم يف بالشرط ولم يؤد وامتنع عن الاداء فهو يفي به ويؤديه، فيكون وجوب الوفاء عليه كوجوب الوفاء على المشروط عليه، بمعنى انه تكليفي من دون أن تكون ذمته مشغولة بشيء، ولا مانع من صحة هذا التعهد بمقتضى أدلة وجوب الوفاء بالعقود، وبما ذكرناه ظهر أنه لا وجه لمحاولة تطبيق الكفالة بمعناها المعروف لدى الفقهاء، وهو كفالة النفس على خطابات الضمان للبنك، وكفالاته للمقاولين، ثم الاشكال على أن هذه الكفالة لا تقتضي الضمان المالي، فان أثرها احضار نفس المكفول فقط لا غير، وجه الظهور ما مر من أن كفالة البنك إنما هي بمعنى الضمان المالي، لكن لا بمعنى نقل الدين من ذمة إلى ذمة، ولا ضم ذمة إلى ذمة، بل بمعنى التعهد بأداء الدين أو الشرط كما مر، لا بمعنى أحضار نفس المكفول، ثم أن الطرف الثالث كالبنك إذا أصدر خطاب ضمان وتعهد بموجب أمر طالب الضمان للجهة المستفيدة بالمبلغ المقرر في حالة تخلف المقاول عن تعهداته والتزاماته، فان كان ذلك الخطاب مرتبطا بالعقد الواقع بينها وبين المقاول، أو كان في ضمن عقد آخر لازم، كان من خطاب الضمان النهائي، فيجب عليه الوفاء به إذا تخلف المقاول عن تعهداته ولم يف بالشرط عليه عند التخلف، وان لم يكن مرتبطا بالعقد اللازم لا بالعقد الواقع بينهما ولا بعقد آخر، فهو من الضمان الابتدائي، فلا يجب الوفاء به، لأنه وعد أبتدائي من الطرف الثالث وغير ملزم.
العمولة على الكفالة:
للبنك أن يتقاضى عمولة من المقاولين لقاء كفالته للجهة المستفيدة، ويمكن تخريج ذلك من الناحية الشرعية بوجوه:
الأول: يمكن أن يكون ذلك من باب أجرة المثل التي يتقاضاها الأجراء للقيام بمثل هذا العمل من دون أي عقد بينهما على الأجرة.
الثاني: يمكن أن يكون ذلك من باب الجعالة، فإن المقاول جعل للبنك جعلا بأزاء كفالته، ويكون ملزما بدفعه له بعد صدور خطاب الكفالة والضمان من البنك.
الثالث: يمكن أن يكون ذلك من باب المصالحة والتراضي بينهما على أجرة محددة.
رجوع البنك على المقاول فيما دفعه عنه:
الظاهر أن بأمكان البنك الرجوع على المقاول ومطالبته بما دفعه من المبلغ المشروط في عقد المقاولة للجهة المستفيدة على أساس أن ذلك إنما يكون بأمر المقاول وطلب منه، وعليه فاذا قام البنك بالاداء بموجب أمره وطلبه وادّاه فعليه ضمانه، يتلخص من ذلك أن ذمة المقاول تشتغل للبنك اذا قام البنك وادّى الشرط بموجب أمره.
نعم، إذا كانت كفالته للمقاول بدون أمره وطلبه، فليس من حقه أن يرجع إليه ويطالبه بما دفعه عنه.
*******************
فتح الإعتماد:
يعرف فتح الاعتماد بأنه عقد وتعهد بين البنك والعميل، ويضع البنك بموجب هذا العقد والتعهد مبلغا تحت تصرف العميل في فترة محددة، وله أن يسحب مبلغ الاعتماد دفعة واحدة أو على فترات أو بالشكل المتفق عليه في طول تلك الفترة، وأثره تعهد البنك والتزامه بإيجاد الاعتماد والائتمان للعميل، وإما العميل فهو لا يكون ملزما باستعماله، فإذا استخدم العميل مبلغ الاعتماد فعلا أصبح العقد لازما من الطرفين، وعلى العميل حينئذ أن يرد المبالغ التي سحبها من الاعتماد ويدفع فوائدها، وأما إذا لم يضطر في عملياته التجارية إلى سحب الأموال الموضوعة تحت تصرفه، فلا يلزم بدفع فائدة عنها، لعدم تحقق عملية القرض، على أساس إنها مشروطة بقبض المال المقترض وما لم يتحقق القبض فلا قرض.
والخلاصة: إن فتح الاعتماد يتمثل في وضع البنك مبلغا من المال المحدد تحت تصرف عميله في فترة زمنية محددة، وله استخدامه في عملياته التجارية دفعة واحدة أو تدريجيا إذا لم يكن هناك شرط، وحيث إن استخدامه للمال اقتراض مع الفائدة فلا يجوز.
وقد تسال: هل يمكن تكييف هذه الفائدة فقهيا بفائدة غير ربوية أو لا؟
والجواب: قد يقال بإمكان ذلك، بتقريب أن من حق البنك أن يتقاضى عمولة من العميل لقاء قيامه بعملية عقد فتح الاعتماد، وهو وضع مقدار من ماله تحت تصرفه متى شاء، على أساس إن هذه العملية ليست عملية الاقتراض التي تتمثل في دفع المقرض نفس المال إلى المقترض.
نعم، إذا قام العميل بسحب ذلك المال من البنك كلا أو بعضا تحقق القرض بالنسبة إلى المال المقبوض، وما دام لم يسحب منه فلا قرض.
ويمكن المناقشة في هذا التقريب بأنه ليس لدى العرف والعقلاء لهذه العملية مالية إضافية وراء مالية نفس المال الذي وضع تحت يده وتصرفه، بل ماليتها هي مالية نفس ذلك المال، ولهذا لا تقبل الضمان ولا تصح الجعالة عليها ولا الإجارة، وعلى هذا فاخذ العمولة عليها في الحقيقة أخذ العمولة على المال المسحوب والمقترض وهو ربا محرم شرعا، وعلى هذا فلا يمكن هذا التكييف الشرعي.
نعم يمكن تحويل هذه الفائدة الربوية إلى فائدة غير ربوية باشتراط العميل على البنك القيام بتلك العملية في ضمن إيقاع عقد معه كهبة أو بيع أو صلح مع أخذ نسبة الفائدة فيه بعين الاعتبار.
*************
فتح الاعتماد المستندي:
تعريفه: وهو عقد يتعهد البنك بموجبه ويلتزم على عاتقه أن يدفع ثمن البضاعة نقدا أو يقبل الشيكات عند تسليم المستندات من المصدر بكامل شروطها المتفق عليها مسبقا.
وذلك بموجب طلب فاتح الاعتماد – وهو المشتري المستورد – من البنك ذلك لصالح المصدر بالخارج مقابل عمولة محددة، فإذا تم الاتفاق على ذلك أصدر البنك خطاب ضمان وتعهد إلى المصدر، وأصدر خطاب ضمان وتعهد إلى المستورد ويتعهد فيهما بجميع ما في الاعتماد المستندي من الشروط، مثال ذلك:
تاجر عراقي إذا أراد استيراد البضائع الأجنبية من الخارج عن طريق البنوك، يصدر أوامره وتعليماته إلى احد البنوك المحلية في العراق بفتح اعتماد مستندي لصالح المصدر الأجنبي، ويذكر فيه كافة التفاصيل التي يجب أن تظهر في المستندات التي يطلب من المصدر قبل أن يدفع له الثمن، وحينئذ يقوم البنك في العراق بالاتصال مع بنك مراسل الذي يعمل كوكيل له في بلد المصدر، ويرسل إلى البنك المراسل إشعار بفتح اعتماد مستندي لصالح المصدر، فيقوم البنك المراسل بتقديم الإشعار إلى المصدر ويحتفظ بنسخة منه، وذلك فيما يسمى في عالم البنوك بخطاب الاعتماد، وإذا تسلم المصدر خطاب الاعتماد من البنك الوكيل كان يطمئن بدفع ثمن البضاعة، ومن ثم يبدأ في تحضير البضاعة المباعة واتخاذ إجراءات لتصديرها بحرا أو برا أو جوا، وعند ذلك يقدم للبنك المراسل مستندات البضاعة المتمثلة في سند الشحن ووثيقة التأمين وفاتورة الثمن، ويطلب منه تسليم الثمن المتفق عليه في عقد البيع و المذكور في الاعتماد المستندي المفتوح لصالحه، ويقوم البنك في هذا الوقت بفحص المستندات بدقة كاملة وفقا لشروط الاعتماد المستندي، فإن وجدها سليمة ومطابقة لجميع الشروط والمواصفات الواردة في الاعتماد المستندي قام بدفع الثمن للمصدر.
وبكلمة: إن البنك الوكيل مأمور – بموجب ما تلقاه من التعليمات من البنك الأصلي في بلد المستورد – بفحص المستندات بكامل الدقة، ومطابقتها لشروط الاعتماد المستندي قبل دفع قيمة البضاعة، فإن تم كل ذلك حسب الشروط، قام البنك الوكيل يدفع القيمة للمصدر ثم يقوم بإرسال المستندات إلى البنك
الأصلي، واثر فتح الاعتماد المستندي تعزيز عنصر الثقة المتبادلة بين المصدرين والمستوردين، فالمصدر البائع قد لا يعرف المستورد المشتري في البلد الأجنبي وبالعكس، أو يعرفه ولكنه لا يدري مدى قدرته المالية وثقته، وفي هذه الحالة لا يرغب المصدر التخلي عن المستندات التي تمثل ملكية البضاعة حتى يكون واثقا ومطمئنا إلى دفع الثمن، ولا المستورد الدفع إلى البائع المصدر ما لم يكن مطمئنا بسلامة المستندات، وهنا يأتي دور البنك بموجب طلب المستورد المشتري منه فتح الاعتماد المستندي لصالح المصدر الأجنبي حتى يمنح كل منهما الثقة المطلوبة بالآخر ويعززها، ويفي برغبات كل من المصدر والمستورد في البيوع المتبادلة بينهما، ومن هنا قد يطلب المصدر من البنك الوكيل أن يدفع ثمن البضاعة بواسطة كمبيالة مسحوبة على البنك الأصلي في بلد المستورد مباشرة، لا على المستورد الذي قد لا يكون معروفا في البلد الأجنبي.
ومن ثم قد أصبح فتح الاعتماد المستندي من أهم الوسائل والطرق للتجارات الخارجية وأكثرها انتشارا في العالم لتسوية المبادلات الدولية وغيرها، لما يوفره من ثقة وطمأنينة لأطراف الصفقات التجارية بعضهم ببعض، ويجوز استخدامه في البيوع والتجارات الداخلية أيضا، وإن شئت قلت، إن البنك إذا طلب منه أحد عملائه فتح اعتماد مستندي أصدر خطاب اعتماد إلى المصدر ويتعهد فيه بدفع ثمن البضاعة، شريطة أن يقدم المصدر المستندات التي تمثل بضاعة منقولة أو معدة للنقل مطابقة لتمام شروط الاعتماد المستندي ومواصفاته حرفيا، و إلا فان البنك يمتنع عن الدفع، وأصدر خطاب اعتماد إلى المستورد، ويتعهد فيه بعدم دفع الثمن ما لم يستلم المستندات مطابقة لجميع الشروط والمواصفات الواردة في عقد الاعتماد، وعلى ضوء هذا الأساس فالبنك بموجب عقد فتح الاعتماد المستندي متعهد لزوما بدفع ثمن البضاعة مطابقة للمواصفات والشروط الواردة في الاعتماد المستندي، وقد يكون عقد فتح الاعتماد جائزا، ويسمى في عالم البنوك بالاعتماد القابل للإلغاء أو بالاعتماد غير المؤبد، ويقتصر دور البنك في هذا النوع من الاعتماد على مجرد إخطار المصدر المستفيد بأنه قد فتح الاعتماد لحسابه بناء على طلب الآمر اعتمادا في حدود مبلغ معين من دون أي التزام أو مسؤولية من جانب الآمر، وهذا النوع من الاعتماد غير مرضي في التبادل التجاري بين المصدر والمستورد إلا في حالات خاصة، وهي ما إذا
كان عنصر الثقة بين البائع والمشتري وطيدا، فان في مثل هذه الحالة أختار هذا النوع من الاعتماد، على أساس أنه رخيص وقليل التكاليف فلا داعي لاختيار الاعتماد غير القابل للإلغاء والمؤبد.
***************
وهنا حالتان أخريان:
الأولى:
إن المعيار في الاعتماد قد يكون بقبول المستورد المستندات واعتماده عليها دون البنك، وفي هذه الحالة لا يكون البنك ملزما بدفع الثمن بمجرد تسلم المستندات من المصدر ومطابقتها للشروط المتفق عليها مسبقا قبل إرسالها إلى المستورد، بل عليه أن يرسل تلك المستندات إليه، فإذا وافق عليها ووجدها مطابقة للشروط المسبقة كان على البنك ان يدفع الثمن إلى المصدر.
الثانية:
إن المصدر قد يقوم بإرسال المستندات للبضائع بمواصفاتها الخاصة كما وكيفا إلى البنك من دون معاملة مسبقة بينه وبين المشتري في بلد البنك، وإرسال تعليمات تتضمن الأمر بعرض المستندات على المستثمرين ورجال الأعمال وشروطها، وحينئذ فيقوم البنك بعرض تلك المستندات عليهم في بلد البنك، فإن رغب منهم في شراء تلك البضائع وقبل المستندات يطلب من البنك فتح الاعتماد، وحينئذ يقوم البنك المستورد بالاتصال مع البنك المراسل في بلد المصدر ويرسل إليه أشعارا بالبيع وبفتح الاعتماد لصالحه، ويأمره بإرسال البضائع بطريق البر أو البحر أو الجو، فإذا قام بإرسالها وشحنها دفع البنك المراسل ثمنها إليه.
وفتح الاعتماد المستندي بتمام أشكاله المشار إليها وصوره جائز من الناحية الشرعية، ولا مانع شرعا من قيام البنك بدور الضمان والتعهد للبائع المصدر بدفع ثمن البضاعة عند تسلم المستندات مطابقة لتمام الشروط، وبدوره للمشتري بعدم دفع الثمن ما لم يتسلم المستندات بكامل شروطها ومواصفاتها، وكما يجوز شرعا للبنك أن يتقاضى عمولة لقاء قيامه بهذا الدور الذي يوسع مجال المبادلات التجارية الدولية، كذلك يسهل المعاملات في العالم ككل، ويعزز عنصر الثقة والأمانة بين المصدرين والمستوردين، لأنها أجرة على العمل الحلال، ولمزيد من التعرف على حكم هذه المسألة –