فهرست

پرش به محتوا

آثار حضرت آیة الله العظمی شیخ محمد اسحاق فیاض

الاراضی – مجموعة دراسات و بحوث فقهیة اسلامیة

جلد

1

فهرست

فهرست

صفحه اصلی کتابخانه الاراضی – مجموعة دراسات و بحوث فقهیة اسلامیة صفحه 2

الاراضی – مجموعة دراسات و بحوث فقهیة اسلامیة

الاراضی 101)


الاول:ان الصحاح الثلاث المذكورة و ان كانت تامة دلالة و سندا،الا انها من ناحية اعراض الاصحاب عنها و عدم عملهم بها، قد سقطت عن الحجية و الاعتبار،فلا يمكن العمل بها،فتبقى تلك الروايات حينئذ بلا معارض.

فالنتيجة ان القول بتملك المحيي لرقبة الارض بالاحياء و الاستثمار هو الصحيح.

و يردّه:

اولا:ان اعراض المشهور عن تلك الصحاح غير ثابت،بل الثابت خلافه،حيث قد عرفت ان الشيخ الطائفة(قده)في كتابه المبسوط قد افتى بمضمون هذه الصحاح،و كذا السيد محمد من آل بحر العلوم،و يظهر من بعض الاخر أيضا الذهاب الى ذلك كما تقدم و بالرغم من ذلك فكيف يمكن دعوى الاعراض عنها في المقام.

و اما تسالم الاصحاب قديما و حديثا-على عدم وجوب الخراج و الطسق على المتصرفين في تلك الاراضي و المستثمرين فيها- فهو ليس من ناحية خروج الارض عن نطاق ملكية الامام(ع)، و دخولها في نطاق ملكية من يقوم باحيائها و استثمارها،بل انما هو من ناحية مجموعة من النصوص التي جاءت بلسان تحليل الارض لمن شملهم التحليل.

نعم اذا كانت الارض داخلة في نطاق الملكية الخاصة-بان يكون لها مالك خاص-وجب على من يقوم باستثمارها ان يؤدي الى صاحبها حقه،باعتبار ان صلته بها لم تنقطع عنها نهائيا،بعد خرابها، او بعد قيام غيره باحيائها،بل تبقى صلته بها،كما كانت قبل هذه الحالة.

الاراضی 102)


و تدل على ذلك صحيحة سليمان بن خالد المتقدمة كما عرفت،

و ثانيا:ان فتوى المشهور بظاهر الروايات المتقدمة لا تدل بوجه على ان اعراضهم عن الصحاح المذكورة و عدم عملهم بها،انما هو من جهة اطلاعهم على وجود خلل فيها سندا أو جهة أو دلالة،بل من المحتمل قويا ان يكون ذلك من ناحية ترجيح تلك الروايات على الصحاح المزبورة في مقام علاج مشكلة التعارض بينهما.

هذا اضافة:الى ان الاصحاب لم يكونوا معرضين عنها جزما و ذلك لأن روايات الباب تصنف الى مجموعتين:

المجموعة الاولى:تقول:ان عملية الاحياء سبب لتملك المحيي للأرض-و هي عدة روايات قد مرت بنا-.

المجموعة الثانية:على صنفين:

احدهما:يقول:ان علاقة الفرد عن ارضه تنقطع بعد خرابها او بعد قيام غيره باحيائها-و هو صحيحة الكابلي و صحيحة معاوية المتقدمتان-

و الاخر:يقول:انها لا تنقطع بذلك-و هو صحيحة سليمان التي مرت آنفا-.

و قد نسب الى الاصحاب انهم جمعوا بين هذين الصنفين بحمل الصنف الاول على ما اذا كان سبب ملكية الارض الاحياء،و الصنف الثاني على ما اذا كان غيره كالشراء او الارث او نحو ذلك، و بالرغم من هذا فكيف يمكن ان ينسب اليهم الاعراض عن هذه المجموعة.

و ثالثا:ان سقوط الرواية عن الاعتبار من ناحية اعراض المشهور عنها محل اشكال،بل منع،فان الرواية اذا توفرت فيها شرائط الحجية و الاعتبار كانت مشمولة لأدلة الاعتبار فتكون حجة،و لا اثر لاعراض المشهور عنها اصلا إلا اذا افترض حصول الاطمئنان بوجود

الاراضی 103)


خلل فيها على اساس ذلك.

و اما ما قيل-من ان سيرة المسلمين عامة قد جرت عمليا من لدن زمان الائمة(ع)الى زماننا هذا على عدم اعطاء الخراج و الطسق للإمام(ع)و من الطبيعي ان هذه السيرة كما تكشف عن انقطاع صلة الامام(ع)عن الارض نهائيا و دخولها في ملك من يقوم باحيائها.كذلك تكشف عن اعراض الاصحاب جميعا عن تلك الصحاح و عدم عملهم بها.

-فهو خاطئ جدا:و ذلك:اما سيرة الطائفة الخاصة على ذلك فهي انما تقوم على اساس اخبار التحليل،و لو لا تلك الاخبار لكان علينا ان نقول بوجوبه على كل من يقوم باحياء الارض و استثمارها بمقتضى تلك الصحاح،فعدم القول به انما هو على اساس تلك الاخبار،و معنى هذا ليس هو الاعراض عنها،بل معناه رفع اليد عنها في خصوص من شملهم التحليل لا مطلقا.

و على ضوء ذلك فهذه السيرة بما انها تقوم على اساس اخبار التحليل فلا تكشف عن ان علاقة الامام(ع)تنقطع عن الارض نهائيا بقيام غيره باحيائها،بل تكشف عن بقائها و عدم انقطاعها بذلك، نظرا الى ان مفاد تلك الاخبار هو التحليل المالكي المستلزم لبقاء رقبة الارض في ملك مالكها.

و اما سيرة العامة على ذلك فهي انما تقوم على اساس مذهبهم في الفقه،و لا صلة لها بمنهجنا في الفقه

فالنتيجة في نهاية الشوط:انه لا اثر لتلك السيرة اصلا.

الثاني:ان دلالة صحيحة الكابلي،و صحيحة عمر بن يزيد على وجوب الطسق و الخراج على من يقوم باحياء هذه الاراضي و الاستفادة

الاراضی 104)


من ثرواتها انما هي بالظهور.

و اما دلالة المجموعة من النصوص المتقدمة على عدم وجوبه انما هي بالنص.و من الطبيعي ان الظاهر لا يمكن ان يتعارض مع النص،فاذن لا بد لنا من تقديم تلك المجموعة عليهما بقانون حكومة النص على الظاهر.

فالنتيجة:قد اصبحت في صالح القول بعدم وجوب الخراج و الطسق على المحيي،و بالتالي الى تملكه للأرض.

و قد يجاب عن ذلك:بأن هذا الجمع إنما يقوم على أساس ان يكون مفادهما وجوب الطسق تكليفا و أما إذا كان وجوبه وضعا فهو غير تام.

و السبب فيه:ان حمل الأمر الظاهر في الوجوب على الاستحباب -بقرينة ما دل على الترخيص في الترك-إنما هو مبني على أحد أمور:على أساس ان دلالة الصيغة على الوجوب لا تخلو من ان تكون بالوضع.أو بالاطلاق و مقدمات الحكمة،أو بمعونة حكم العقل.

و على الأول فحمل الصيغة على الاستحباب إنما هو مبني على دعوى ظهور ثانوي لها فيه التي تصل النوبة اليها بعد رفع اليد عن ظهورها الاولى في الوجوب،و إلا فارادة الاستحباب منها بحاجة الى دليل آخر،فلا يكفي وجود القرينة على عدم ارادة الوجوب.

و على الثاني فبما أن مدلول الصيغة بحسب الجعل و الوضع هو الطلب،و الوجوب إنما هو مدلول لها بالاطلاق و مقدمات الحكمة، فبطبيعة الحال يكون حملها على الاستحباب-بعد مجيء الرخصة- إنما هو مبني على أن الرخصة تنافي مدلولها الاطلاقي،دون مدلولها الوضعي يعني-أنها توجب تقييد إطلاقها الذي هو منشأ

الاراضی 105)


الوجوب-و هذا معنى حمل الأمر على الاستحباب.

و على الثالث فبما ان الحاكم بالوجوب هو العقل فبطبيعة الحال يكون حكمه بذلك مبنيا على ان لا ترد الرخصة على خلافه،فاذا وردت الرخصة ارتفع موضوع الوجوب حقيقة،و ثبت بضمها الى جامع الطلب الاستحباب.

ثم إنه يفترق حمل الأمر على الاستحباب في الوجه الاول عن حمله عليه في الوجه الثاني،و الثالث بأنه في الوجه الأول مبني على دعوى الظهور الثانوي،و في الوجه الثاني،و الثالث مبني على التأويل و التوجيه.

و لكن هذه الوجوه باجمعها:لا تتم في الامر الظاهر في حكم وضعي،فان قوله(ع)في صحيحة الكابلي(فليؤدي طسقها) و قوله(ع)في صحيحة عمر بن يزيد(فعليه طسقها)بما إنهما ظاهر ان عرفا في بيان الحكم الوضعي-و هو اشتغال ذمة المحيي بالطسق للإمام(ع)-دون الحكم التكليفي المحض و عليه فلا يمكن الحمل على الاستحباب،هذا.

و يمكن المناقشة في هذا الجواب:بأنه إنما يتم فيما إذا كان الحكم الوضعي مدلولا لدليل وضعا،فعندئذ لا يمكن حمله على الحكم التكليفي.و أما إذا افترضنا ان مدلوله اللفظي ينسجم مع كل من الحكم الوضعي و التكليفي معا،و كان ظهوره في بيان الحكم الوضعي إنما هو بقرينة خارجية،فحينئذ لا مانع من الحمل على الحكم التكليفي إذا لم يمكن الاخذ بظاهره من جهة قيام دليل على خلافه.

و ما نحن فيه من هذا القبيل،فان قوله(ع)فليؤدي طسقها يدل في نفسه و بقطع النظر عن خصوصيات المورد على الطلب فحسب،

الاراضی 106)


فانه مدلوله اللفظي الوضعي،و لا يدل بمقتضى الجعل و الوضع على كونه إرشادا،و لا على كونه الزاما،فظهوره في الارشاد إلى الوضع أي-اشتغال ذمة المحيي بالطسق-إنما هو من ناحية خصوصية المقام و المورد،كما ان ظهوره في الالزام إنما هو من ناحية الاطلاق.

و عليه فاذا قام دليل على نفي اشتغال ذمته بذلك و كان نصا فيه فلا محالة يكون قرينة على رفع اليد عن ظهوره فيه أي-في الارشاد- فيحمل على الطلب التكليفي الاستحبابي،فان هذا الدليل كما يكون قرينة على رفع اليد عن ظهوره في الارشاد،كذلك يكون قرينة على رفع اليد عن ظهوره في الالزام.و عليه فبطبيعة الحال يكون الطلب الذي هو مدلول له وضعا استحبابيا،و لا مانع من هذا الجمع أصلا.

و كذا الحال في قوله(ع)فعليه طسقها،فان مدلوله اللفظي- و هو ثبوت شيء على ذمة المكلف-ينسجم مع كل من التكليف و الوضع،فظهوره في بيان الحكم الوضعي هنا إنما هو من جهة خصوصية المقام.و عليه فاذا قام دليل على عدم إمكان الأخذ بمقتضى هذه الخصوصية فلا بد من رفع اليد عن هذا الظهور و الحمل على التكليف المحض.و من الطبيعي ان هذا الجمع ليس جمعا خارجا عن المتفاهم العرفي.

و نظير ذلك:قد التزم الفقهاء(قد هم)في باب الزكاة بالاضافة إلى أموال التجارة أو نحوها،فان مجموعة من النصوص قد دلت على ثبوت الزكاة فيها ثبوتا وضعيا.و مجموعة أخرى منها قد دلت على نفي الزكاة عنها،و لما كانت دلالة المجموعة الأولى على ذلك بالظهور، و دلالة المجموعة الاخرى بالنص،فبطبيعة الحال تتقدم الثانية على

الاراضی 107)


الأولى بقانون تقدم النص على الظاهر،فتحمل المجموعة الاولى على الحكم التكليفي-و هو الاستحباب-رغم ظهورها في الحكم الوضعي.

و من هنا افتوا باستحباب الزكاة فيها.

فالنتيجة:ان في كل مورد يمكن حمل الدليل الظاهر في بيان الحكم الوضعي على الحكم التكليفي-بأن يكون معناه الموضوع له منسجما مع كل من الوضع و التكليف-فلا مانع من الجمع المزبور، و في كل مورد لا يمكن ذلك بنكتة ان معناه الموضوع له غير قابل لذلك،لا يمكن هذا الجمع.

فالصحيح في الجواب عن هذا الوجه ان يقال:

ان النصوص المتقدمة التي تدل على نفي الخراج و الطسق ليست نصا فيه،فانها تصنف الى مجموعتين:

إحداهما:تنفي ذلك بالدلالة الالتزامية-و هي التي جاءت بهذا اللسان أو قريبا منه-(من أحيا ارضا مواتا فهي له)فانها تدل بالمطابقة على ان المحيي؟؟؟ يملك الارض على أساس الاحياء،و بالتزام على نفي الخراج و الطسق و بما ان دلالتها المطابقية كانت بالظهور، فبطبيعة الحال:كانت دلالتها الالتزامية كذلك،فلا تكون نصا فيه.

و الاخرى:تدل على ذلك بالاطلاق الناشي من السكوت في مقام البيان كصحيحة عبد اللّه بن سنان و نحوها.

و عليه فتكون تلك النصوص معارضة مع الصحاح المذكورة الظاهرة في وجوب الخراج و الطسق،فتسقطان معا،فيرجع في المسألة الى الاصل العملي،و مقتضاه بقاء الارض في ملك الامام(ع)و عدم دخولها في ملك المحيي بسبب الاحياء.

الوجه الثالث:ان الروايات التي تدل على تملك المحيي لرقبة

الاراضی 108)


الارض بالاحياء روايات معروفة مشهورة بين الاصحاب،و هذا بخلاف الروايات التي تدل على عدم تملكه بعملية الاحياء،فانها بالاضافة اليها روايات شاذة،و حيث ان الشهرة في الرواية من احدى مرجحات باب المعارضة،فتتقدم تلك الروايات المشهورة على هذه الروايات النادرة.

فالنتيجة:ان عملية الاحياء توجب ملكية الارض للمحيي.

و الجواب عن ذلك:

ان اريد بالشهرة التواتر يعني-انها روايات متواترة كما هو المناسب لمعنى الشهرة لغة و عرفا-ففيه ان الرواية المشهورة بهذا المعنى و ان كانت تتقدم على الرواية الشاذة يعني-غير المتواترة-الا ان الروايات المزبورة لم تكن كذلك،ضرورة انها لم تبلغ من الكثرة حد التواتر

و ان اريد بها الاستفاضة:فهي و ان كانت كذلك،إلا انه لا دليل على ان صفة الاستفاضة في الرواية سبب لتقديمها على غيرها،فان الدليل على تقديم الرواية المشهورة على الشاذة مقبولة عمر بن حنظلة،و هي لا تدل على تقديم الرواية المستفيضة على غيرها، فان الظاهر من الرواية المشهورة فيها التي عبر عنها بالمجمع عليه-هو المشهورة بالمعنى الأول-فانه ينسجم مع معناها لغة و عرفا.و من الواضح ان تقديم الرواية المشهورة بهذا المعنى على غيرها المعارض لها على طبق القاعدة فلا يحتاج الى دليل.

هذا مضافا:الى ان المقبولة ضعيفة سندا فلا يمكن الاعتماد عليها من هذه الناحية.

فالنتيجة:ان هذا الوجه أيضا لا يمكن اتمامه بدليل.

الاراضی 109)


و من ذلك:يظهر بطلان ما قيل:من ان المعارض للصحاح الثلاث المتقدمة صحيحة عبد اللّه بن سنان خاصة،دون غيرها من روايات الباب،بدعوى ان الصحيحة نص في مدلولها-و هو تملك المحيي للأرض بالقيام بحقها-دون تلك الروايات.و لكن لا بد من تقديم الصحيحة عليها،لموافقتها للسنة-و هي الروايات المزبورة-

وجه الظهور مضافا-الى ما عرفت من ان حال الصحيحة حال سائر الروايات فلا فرق بينهما من ناحية الدلالة اصلا-ان موافقة تلك الروايات ليست موافقة للسنة،فانها تقوم على اساس ان تكون متواترة،و قد عرفت عدم ثبوت تواترها.

الرابع:ان النصوص التي تدل على تحليل الارض كصحيحة مسمع مخالفة للنصوص التي تدل على عدم تملك المحيى للأرض بعملية الاحياء و العمارة،و وجوب الخراج و الطسق عليه بازاء تصرفاته فيها و استفادته من ثرواتها،و بما ان هذه المخالفة كانت بالعموم المطلق فلا محالة تكون نصوص التحليل مقيدة لإطلاق تلك النصوص،و بعد التقييد تختص بغير الافراد الذين شملهم التحليل و نتيجة ذلك أن هؤلاء الافراد يملكون رقبة الارض بالاحياء و الاستثمار

و لازم هذا عدم وجوب الطسق و الخراج عليهم،دون غيرهم من الافراد الذين لا تشملهم نصوص التحليل.فانهم لا يملكون رقبة الارض بعملية الاحياء،و انما الحاصل لهم حق الاختصاص بسببها مع بقاء الرقبة في ملكية صاحبها و لذا يجب عليهم اداء الطسق و الاجرة اليه فعندئذ تنقلب النسبة بين هذه النصوص و بين المجموعة المتقدمة من النصوص-التي كان مفادها سببية الاحياء للملك-من التباين الى عموم مطلق،فترتفع المعارضة بينهما

الاراضی 110)


و تصبح النتيجة على الشكل التالي و هي:أن نصوص سببية الاحياء للملك تختص بعد التقييد بالافراد الذين كانوا مشمولين لنصوص التحليل،دون غيرهم من الافراد،فانهم يخرجون من تحتها بواسطة النصوص المذكورة،و لا يملكون الارض بالاحياء، و انما الحاصل لهم بواسطة قيامهم بحقها هو الاختصاص بالارض على مستوى الحق فحسب

و قد يجاب عن أن هذا الوجه انما يقوم على اساس أن يكون المراد من التحليل في النصوص المزبورة التحليل الشرعي يعني الحكم الالهي دون التحليل المالكي حتى تكون موافقة للنصوص الدالة على تملك المحيى لرقبة الارض بالاحياء النافية للخراج و الطسق،فانها ظاهرة في بيان الحكم الكلي الالهي.و اما اذا كان المراد منه التحليل المالكي كما هو الصحيح،بقرينة أن الامام(ع)قد فرع تحليل الارض و ما فيها على ملكيته لها،كما في صحيحة مسمع التي هي العمدة في هذا الحكم،فعندئذ لا يكون المقام من صغريات انقلاب النسبة فان انقلاب النسبة بين العامين كان التعارض بينهما بنسبة التباين انما هو فيما اذا ورد خاص مخالف لأحدهما و موافق للآخر حتى يحمل العام الموافق على مورد الخاص و لنأخذ بالنقد عليه.

اما اولا:فانا اذا افترضنا أن مركز المعارضة بين العامين في المقام انما هو في دلالة احدهما على وجوب الخراج و الطسق على المحيى و دلالة الاخر علي عدم وجوبهما عليه،بقطع النظر عن دلالتهما على ما يستلزمهما-و هو تملك المحيى للأرض بالاحياء،و عدم تملكه لها-فعندئذ لا مانع من الالتزام بانقلاب النسبة هنا.

و عدم موافقة الخاص للعام الآخر لا يمنع من الالتزام به بعد

الاراضی 111)


امكان حمله على مورد الخاص،فان التحليل المالكي،و التحليل الشرعي انما لا يجتمعان في مورد واحد باعتبار ما هو لازم كل منهما،لأن لازم الأول بقاء الارض في ملك المحلل،و لازم الثاني صيرورتها ملكا للمحيى.

و اما مع الاغماض عن لازمهما فلا مانع من اجتماعهما في مورد واحد-بان يكون عدم وجوب الخراج على المحيى للأرض مستندا الى الشرع و المالك معا-.

نعم مع ملاحظة ما هو لازمهما لا يمكن القول بانقلاب النسبة لعدم امكان حمل العام المزبور على مورد الخاص حينئذ.

و اما ثانيا:فاذا افترضنا أن مركز المعارضة بين العامين في مورد الكلام انما هو في دلالة احدهما على تملك المحيى لرقبة الارض بالاحياء،و دلالة الاخر على عدم تملكه لها،و انما تكون نتيجته الأحقية و الاولوية بها فحسب دون الملكية،فعندئذ لا توجب اخبار التحليل انقلاب النسبة.

بيان ذلك:أن هنا مجموعتين من الروايات:

المجموعة الاولى:تدل على أن نتيجة الاحياء ملكية رقبة الارض للمحيى-و هي الروايات الكثيرة التي تقدمت-.

المجموعة الثانية:تدل على أن نتيجته الاحقية بها دون ملكية الرقبة-و هي الصحاح المتقدمة-فاذن تقع المعارضة بين هاتين المجموعتين في هذه النقطة.

و على اساس ذلك فاخبار التحليل لا تعالج مشكلة التعارض بينهما على ضوء القول بانقلاب النسبة،فان اخبار التحليل و أن كانت تدل بالمطابقة على التحليل المالكي،الا انها تدل بالالتزام على بقاء

الاراضی 112)


الارض في ملك الامام(ع)و عدم خروجها عن ملكه(ع)بقيام غيره بالتصرف فيها و الاحياء،و عليه فتكون موافقة للمجموعة الثانية فيما هو محط المعارضة بينها و بين المجموعة الاولى،لا انها مخالفة لها و على ذلك فلا موضوع لما ذكر من انقلاب النسبة.

فالنتيجة في نهاية الشوط:أن الصحيح بما أن مركز المعارضة بين هاتين المجموعتين انما هو في تلك النقطة-اي في سببية عملية الاحياء للملكية،و عدم سببيتها الا للاحقية-فلا يتصور انقلاب النسبة على اساس اخبار التحليل.

هذا اضافة الى ما مر بنا من المناقشة في اصل كبرى انقلاب النسبة في ضمن البحوث السالفة.

إلى هنا قد استطعنا أن نخرج بهذه النتيجة:و هي أن شيئا من الوجوه التي ذكر لترجيح المجموعة الاولى على المجموعة الثانية لا يتم اصلا،هذا.

و الصحيح:هو تقديم المجموعة الثانية على المجموعة الأولى، و ذلك-لأمرين:

احدهما:أن المجموعة الثانية توافق الكتاب العزيز و هو قوله تعالى: «لاٰ تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ إِلاّٰ أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ» ،نظرا الى أن هذه الآية الكريمة تدل على أن كل سبب للتملك إذا لم يكن تجارة عن تراض فهو باطل،و المفروض انه لم يثبت كون عملية الاحياء تجارة عن تراض،فاذن تملك المحيي مال غيره بها لا محالة يكون من الأكل بالباطل فتشمله الآية المباركة.

و المجموعة الأولى تخالف الكتاب.

و من الواضح:أن المعارض الموافق للكتاب يتقدم على المعارض

الاراضی 113)


المخالف له،فاذن يتعين الأخذ بمقتضى المجموعة الثانية،دون المجموعة الأولى.

ثانيهما:أن المجموعة الثانية باعتبار دلالتها على عدم تملك المحيي لرقبة الارض بالاحياء مخالفة للعامة،و المجموعة الأولى باعتبار دلالتها على تملك المحيي للأرض موافقة لهم،فتتقدم المجموعة الثانية على الاولى بملاك أن مخالفة العامة من جملة مرجحات باب المعارضة، بل لم يثبت الترجيح بدليل معتبر إلا بأمرين:

الاول:موافقة الكتاب.

الثاني:مخالفة العامة.

ثم إننا لو تنزلنا عن جميع ما ذكر و سلمنا أن الترجيح لم يتوفر للمجموعة الثانية على المجموعة الاولى لا دلالة و لا سندا،إلا انهما عندئذ تسقطان معا من جهة المعارضة فيرجع الى الاصل في المقام، و قد عرفت أن الاصل فيه هو الاستصحاب أي-استصحاب عدم حصول الملك بالاحياء-.

نتيجة هذا البحث عدة خطوط

الاول:ان القول بكون الاحياء سببا للملك و إن كان مشهورا بين
الاصحاب إلا انه لا يمكن الاخذ به،

و الروايات التي استدل بها على هذا القول و أن كانت تامة سندا و دلالة الا انها معارضة بالروايات التي اقوى منها دلالة،و لأجل ذلك تتقدم عليها.و نتيجته:هي ان القول بكون الاحياء موجبا لصلة المحيي بالارض على مستوى الحق فحسب-دون الملك-هو الصحيح.

الاراضی 114)


الثاني:أن ما قيل [و إن كان تاما بحسب الكبرى إلا أن المقام ليس صغرى لتلك الكبرى]

-من أن صحيحة عبد اللّه بن سنان المتقدمة نص في انقطاع صلة الامام(ع)عن رقبة الارض بقيام غيره باحيائها،و عليه فتصلح أن تكون طرفا لمعارضة الروايات التي تدل على أن الاحياء يفيد الحق دون الملك،و بعد سقوطهما عن الاعتبار من جهة المعارضة فلا مانع من الرجوع الى الروايات المتقدمة الدالة على أن الاحياء يفيد الملك-و إن كان تاما بحسب الكبرى إلا أن المقام ليس صغرى لتلك الكبرى.

الثالث:انه على تقدير تسليم المعارضة بين الطائفتين من
روايات المسألة،فربما قيل:بترجيح-الطائفة الدالة على تملك
المحيي لرقبة الارض

بعملية الاحياء على الطائفة الاخرى الدالة على عدم تملكه-بوجوه:و قد تقدم الكلام في تلك الوجوه مع ما فيها من المناقشة بشكل موسع.

الرابع:أن الطائفة الدالة على عدم تملك المحيي لرقبة الارض
تتقدم على الطائفة الاخرى الدالة على التملك

بوجهين:

الاول:بموافقة الكتاب العزيز.

الثاني:بمخالفة العامة.

النقطة الرابعة [ان الاختصاص الحاصل للفرد بالأرض بسبب الاحياء هل يتوقف على إذن الإمام ع أو لا]

هل يعتبر في الاختصاص الحاصل للفرد بالارض التي تكون رقبتها للإمام(ع)على اساس قيامه باحيائها سواء أ كان على مستوى الملك أم كان على مستوى الحق اذن الامام(ع)و اجازته؟فيه وجوه بل أقوال:

الاراضی 115)


الاول:اعتبار اذنه مطلقا.

الثاني:عدم اعتباره كذلك.

الثالث:التفصيل بين زماني الحضور و الغيبة فيعتبر في الاول، دون الثاني.

اما القول الاول:فهو المعروف و المشهور بين الاصحاب قديما و حديثا.و عن العلامة(قده)في المختلف دعوى الاجماع على ذلك صريحا.و عن المحقق في جامع المقاصد:لا يجوز لأحد الاحياء من دون اذن الامام(ع)و انه اجماعي عندنا.و عن التنقيح:الاجماع على انها تملك اذا كان الاحياء باذن الامام(ع)و عن الشهيد الثاني(قده)في المسالك:لا شبهة في اشتراط اذنه(ع)في احياء الموات فلا يملك بدونه اتفاقا.

هذا مضافا الى أن مقتضى العقل و الشرع عدم جواز التصرف لأحد في ملك غيره بدون اذنه و رضاه.

فاذن يقع الكلام في الطرق التي ذكرت لإثبات اذنه(ع)في احياء الارض و استثمارها و هي ثلاثة:

الطريق الأول:المجموعة من النصوص التي تقدمت-و هي التي جاءت بهذا اللسان:من أحيا ارضا مواتا فهي له،ايما رجل أحيا ارضا مواتا فهو احق بها و هي له،و هكذا-بدعوى انها كما تدل على سببية الاحياء لعلاقة المحيي بالارض تدل على اذنه(ع)و اجازته بالقيام بهذه العملية،و بذل الجهد في سبيل بث الحياة فيها،و ذلك لأنها و أن وردت في مقام تشريع سببية الاحياء لعلاقة المحيي بالارض إلا أن ورودها من مالك الارض ملازم عرفا للإذن المالكي في القيام بالعملية المزبورة.

الاراضی 116)


و يردّه ما اشرنا اليه في ضمن البحوث السالفة من أن تلك المجموعة من النصوص انما تنظر الى تشريع سببية الاحياء للعلاقة بين الارض و من يقوم بحقها فحسب،و لا تنظر الى ناحية اخرى -و هي اذنه(ع)بالقيام بتلك العملية من دون استثناء-و صدورها من المالك انما يدل على ذلك اذا كان بحيثية انه مالك،لا بحيثية التشريع،و من الطبيعي أن الظاهر منها هو كون صدورها من الامام(ع)انما هو بحيثية التشريع و بيان الحكم الالهي الكلي في الشريعة المقدسة،لا بحيثية انه(ع)مالك لها،فاذن لا اطلاق لها من هذه الناحية لوضوح انه لا منافاة بين كون عملية الاحياء سببا للملك أو الحق في الشريعة المقدسة،و كون سببيتها مشروطة بشرائط ؟؟؟ منها اذن الامام(ع).

و هذه المجموعة من النصوص:انما تنظر الى الجهة الأولى فحسب دون الجهة الثانية،و من هنا لا شبهة في انه لا نظر لها الى شرائط أخرى غير الاذن لا نفيا و لا اثباتا،فحال الاذن فيها من هذه الناحية حال بقية الشرائط فلا فرق بينهما من هذه الجهة.

نعم صحيحة الكابلي و أن كانت تدل على اذن الامام(ع)لآحاد المسلمين خاصة بالقيام بعملية احياء الارض و استثمارها،و حلية الاكل مما استثمروا منها:الا انها انما تدل على ذلك فيما اذا كان القائمون بعملية الاحياء ملتزمين باداء الخراج و الطسق الى الامام(ع) من اهل البيت،و لا تدل على انهم مأذونون مطلقا و أن كانوا غير ملتزمين باداء الخراج و الطسق،فاذن لا تدل الصحيحة على ان الامام(ع)قد اذن لهم بالتصرف فيها مطلقا.

فالنتيجة في نهاية المطاف:أن المجموعة من النصوص المتقدمة لا تدل على اذن الامام(ع)لكل فرد في احياء الارض و عمارتها

الاراضی 117)


بل هي في مقام بيان سببية الاحياء لعلاقة المحيى بالارض فحسب، من دون نظر لها الى جهة اخرى،

و اما صحيحة الكابلي فمضافا الى اختصاص موردها بالمسلم فلا تدل على اذن الامام(ع)بالاحياء مطلقا،بل تدل على اذنه(ع) في فرض خاص و اطار مخصوص.

الطريق الثاني:ما روى عن النبي الاكرم(ص)(مواتان الارض للّه و رسوله(ص)ثم هي لكم مني ايها المسلمون)و مثله النبوي الآخر(عادي الارض للّه و لرسوله(ص)ثم هي لكم مني).

و فيه انه لا يمكن الاعتماد عليهما اصلا لعدم ثبوتهما من طريقنا.

الطريق الثالث:أن شاهد الحال قرينة على رضاء الامام(ع) بعملية الاحياء لكل من يقوم بها.

بيان ذلك:أن الارض من أهم الثروات الطبيعية التي لا يمكن للإنسان أن يمارس أي شكل من اشكال الانتاج الطبيعي بدونها على أساس انها تحتوي على المواد الأولية،كالمياه الطبيعية،و المعادن بشتى أنواعها،و غيرهما من المصادر و الثروات الطبيعية،كما لا يمكن ان يمارس أي لون من الوان الانتاج الصناعي بدون تلك المواد.

و في الدين الاسلامي كما جعل الاهتمام في الجانب الخلقي و المعنوي للمجتمع الانساني في رأس القائمة،كذلك جعل الاهتمام في الجانب المادي لذلك المجتمع.

و من هنا:قد حث الافراد فيه بأحياء الارض و استثمارها و بذل الجهد في سبيل انتاجها و الاستفادة من ثرواتها.و لذا لا يعترف فيه بعلاقة الفرد بالارض و حقه فيها على أساس آخر غير عملية الاحياء، فالمصدر الوحيد لتلك العلاقة و الحق لدى الدين الاسلامي إنما هو

الاراضی 118)


تلك العملية،فلا يعترف فيه بغيرها كالسيطرة عليها بالقوة أو نحوها، و بذلك تتوفر العدالة الاجتماعية بين المجتمع في ضمن الخطوط التي ترسم من قبل الدولة التي تمنع عن التعدي و التجاوز على حق الآخرين،و تتيح الفرصة لكل فرد أن يمارس حريته في ضمن دائرتها.

و من الطبيعي أن هذا الاهتمام من قبل الشرع باحياء الارض يكشف عن رضاء الامام(ع)بذلك و اذنه العام لكل من يقوم به، و الا لكان الاهتمام بالعملية المزبورة و تشريع سببيتها لحصول الحق لغوا،حيث أن كل أحد لا يتمكن من أن يستأذن الامام(ع)بشكل مباشر للقيام بهذه العملية في عصر الحضور،فما ظنك بعصر الغيبة.

و يرده:أن الإسلام و أن كان قد اهتم بالمصادر الطبيعة للأرض و الاستفادة منها من خلال النصوص التشريعية إلا أن ذلك الاهتمام لا يكشف عن رضاء الامام(ع)و اذنه العام لكل من يقوم باحياء الارض،و لا يصلح أن يكون قرينة حالية على ذلك،كما انه لا يصلح أن يكون موجبا لظهور تلك النصوص فيه.

أما الثاني:فلما عرفت من انها واردة في مقام تشريع سببية الاحياء لعلاقة المحيي بالارض،و لا ظهور لها،لا بنفسها،و لا بمعونة قرينة خارجية في اذن الامام(ع)في التصرف فيها بصفة انه(ع) مالك لرقبتها.

و اما الاول:فلان كشف الاهتمام المزبور عن ذلك انما يقوم على أساس افتراض أن المعتبر هو اذن الامام(ع)شخصيا في القيام بحق الارض،فانه-عندئذ-حيث لا يتمكن كل فرد أراد القيام بحقها من تحصيل الاذن منه(ع)مباشرة في عصر الحضور فضلا عن الغيبة فلا محالة يكون كاشفا عن ذلك.لشدة حاجة الناس الى

الاراضی 119)


القيام بممارسة الانتاج منها و الانتفاع بثرواتها-التي تقوم حياتهم الفردية و الاجتماعية على أساسها-من ناحية،و كون ذلك الاهتمام أصبح لغوا من ناحية أخرى.هذا.

و لكن الصحيح:عدم اعتبار اذنه(ع)في ذلك شخصيا،لعدم الموجب له اصلا،و كفاية اذن نائبه الخاص في زمن الحضور،و اذن الفقيه الجامع للشرائط في زمن الغيبة،و عليه فلا يكون كاشفا، لتمكن كل فرد من ذلك.

و دعوى:أن نيابة الفقيه عن الامام(ع)حتى في اموراته الشخصية،و املاكه الخاصة غير ثابتة،فاذن لا أثر لإذنه.

و فيه:أن هذه الدعوى-لو تمت فانما تتم فيما لو قلنا بان الارض تكون من املاكه(ع)الشخصية،الا أن الامر ليس كذلك،فلان ملكية الامام(ع)للأرض ليست على غرار سائر أملاكه الخاصة،فانها ملك لمنصب الامامة أو الدولة.و من هنا لا تنتقل الى ورثته(ع)بعده.و من الطبيعي أن أمرها في زمن الغيبة بيد الفقيه الجامع للشرائط.

هذا مضافا الى أن الضرورة قاضية بلزوم تدخل الفقيه أو الدولة في أمر تلك الاراضي،و المنع عن حدي الافراط و التفريط في نشاطات الافراد و تصرفاتهم فيها،فان الدولة لو لم تتدخل في أمرها،و كان الافراد حرا في تصرفاتهم فيها بما شاءوا و أرادوا بحسب ما تتوفر لديهم من المكنة و القوة و إن كانت تسبب تضييع حقوق الآخرين و المنع عن انتفاعهم بها فلا محالة أوجب ذلك هدم العدالة الاجتماعية بين طبقات الأمة.

و من المعلوم أن الإسلام جاء بخطواته الواضحة ليكون سدا قويا

الاراضی 120)


ازاء التعديات و التجاوزات الفردية و الاجتماعية،و لكي يستقر العدالة بين جميع الطبقات بشتى ميولهم و اشكالهم ماديا و معنويا،و من الطبيعي ان هذا لا يمكن الا في ضمن الخطوط التي ترسم من قبل الدولة في ضمن دائرة الشريعة الاسلامية المقدسة.

و نقصد بذلك:ان الإسلام لا يسمح للأفراد بممارسة حرياتهم و نشاطاتهم غير محدودة،و انما يسمع لهم بممارستها في ضمن حدود خاصة و نطاق مخصوص،فلا يسمح للفرد ان يمارس حريته في النشاطات الاقتصادية التالية:

1-النشاطات التي تضر بالمصالح العامة للدولة أو الامة،فان على من بيده الأمر ان يتدخل فيها و يمنع الافراد عن ممارسة حرياتهم في سبيل تلك النشاطات،لحماية تلك المصالح و حراستها.

2-النشاطات التي تسبب تضييع حقوق الآخرين،و عدم اتاحة الفرصة لهم من ممارسة تلك الحقوق و الانتفاع بها.

3-النشاطات الربوية بشتى ألوانها،فان الإسلام بنصوصه الصريحة قد منع الافراد عن ممارسة تلك الألوان من النشاطات منعا باتا.

4-النشاطات الاحتكارية،فان المنع عن ممارسة تلك النشاطات في الطعام انما هو بنص صريح في الشريعة الاسلامية المقدسة،و اما المنع عن ممارستها في غير الطعام انما هو بيد ولى الأمر،و ليس بنص خاص في الشريعة،فان كانت ممارستها منافية لمتطلبات العدالة الاجتماعية التي يؤمن الإسلام بضرورة ايجادها بين طبقات الامة فعلى من بيده الامر أو الدولة المنع عن ممارستها.

فالنتيجة:ان الدين الاسلامي لا يسمح للأفراد بممارسة هذه

الاراضی 121)


الالوان من الاعمال و النشاطات المالية على اساس أنها تتنافى مع العدالة و الحقوق الاجتماعية أو الفردية.

هذا من ناحية.

و من ناحية اخرى ان الدين الاسلامي قد سمح للأفراد في ضمن الحدود المزبورة و النطاق المخصوص بممارسة حرياتهم في سبيل الاعمال و النشاطات الاقتصادية ما شاءوا و أرادوا بحسب ما لديهم من المكنة و القوة،بل قد تكون هذه الممارسة واجبة على الافراد في الإسلام، و قد يأمر ولي الامر بها،لما يرى فيها من المصلحة العلمية.

و من الطبيعي ان الافراد يختلفون باختلاف ما لديهم من القوة و المكنة لممارسة تلك النشاطات و الاعمال كما و كيفا،فقد يتمكن الفرد بممارستها من جمع ثروة هائلة و اموال كثيرة،و قد اعترف الإسلام في ضمن نصوصه باختصاص تلك الثروة له،و عدم جواز تصرف غيره فيها الا باذنه و رضاه.

و لم يرد في نصوص الإسلام تحديد الملكية الخاصة للأفراد بحد خاص،بحيث لو تجاوزت ثروة الفرد و امواله عن ذلك الحد لم يملك الزائد،و انما ورد في نصوصه تحديد حرية الافراد في سبيل تحصيل الثروة و الاموال كما مر.و أما اذا تمكن الفرد من تحصيل الثروة و الاموال من الطرق المحددة في الشرع فهو يملك تلك الثروة بلغت ما بلغت من الكثرة.

و هذا لا يتنافى مع العدالة الاجتماعية التي يؤمن الإسلام بضرورة ايجادها بين طبقات الامة،فان العدالة الاجتماعية لا تقوم على اساس توحيد الصفوف و الطبقات في المكنة المالية و الاقتصادية،كيف فان هذا لا ينسجم مع الإسلام،لما مر بنا في ضمن البحوث السالفة

الاراضی 122)


من ان الإسلام يعترف بقيمة عمل كل فرد على أساس أنه يملك نتاجه،و من الطبيعي ان عمل كل فرد يختلف عن عمل فرد آخر كما و كيفا باختلاف ما لديه من المكنة و القوة،فلا يمكن تساوي الافراد في العمل بحسب الكم و الكيف،و بالرغم من هذا كيف يمكن التوحيد بين صفوف الامة و طبقاتهم في الحقوق المالية.

بل ان العدالة الاجتماعية بين صفوف الامة في المجتمع الاسلامي انما تقوم على اساس ان لكل فرد من أفراد الامة حقا في ممارسة حقوقه الاجتماعية و الفردية في ذلك المجتمع بحرية تامة في ضمن الاطار العام الاسلامي،و ليس لأي فرد ان يزاحم الآخر في ممارسة حقوقه بحرية كاملة.

و على ضوء ذلك فبطبيعة الحال يكون كل فرد من ذلك المجتمع مؤمن بعدم تضييع حقوقه فيه-سواء أ كانت راجعة الى النفس أم الى العرض أم الى المال-و عليه فلا محالة يعيش بعيشة طيبة آمنة هذا من ناحية.

و من ناحية اخرى:ان مبدأ الفضيلة في الإسلام انما هو بتقوى اللّه فكل فرد يتمثل فيه تقوى اللّه فهو اقرب اليه تعالى على اساس ان جميع الفضائل الاخرى في الإسلام ينتهي في نهاية الشوط الى هذه الفضيلة فلا فضل لغني على فقير مثلا الا بذلك.

و من ناحية ثالثة:ان الإسلام على أثر تربيته الافراد في المجتمع الاسلامي في تمام مرافق حياتهم المعنوية و المادية قد بث في نفوسهم حب اعمال البر و الخير،و من نتائج هذه التربية قيامهم بدفع الحقوق الواجبة و غيرها،و المساهمة في تحقيق العدالة الاجتماعية.

و من ناحية رابعة:ان على الدولة القيام بواجبها ازاء الفقراء

الاراضی 123)


و المعوزين بأخذ الضرائب و الحقوق من الاغنياء و توزيعها على الفقراء توزيعا عادلا ليعيشوا كغيرهم في ظل المجتمع الاسلامي بعيشة آمنة.

فالنتيجة:ان هذه النواحي التي اشرت اليها بشكل اجمالي هي الأسس التي تقوم بها العدالة الاجتماعية بين طبقات الامة،حيث ان جميع الطبقات على ضوء هذه الأسس يعيشون بحرية كاملة في ممارسة حقوقهم المادية و المعنوية،الاجتماعية و الفردية في ظل الاطار العام الاسلامي.

الطريق الرابع مجموعة من اخبار التحليل.

منها صحيحة مسمع بن عبد الملك في حديث قال:قلت:لأبي عبد اللّه(ع)أني كنت و ليت الغوص الى ان قال:و هي حقك الذي جعل اللّه تعالى لك في أموالنا فقال:و ما لنا من الارض و ما اخرج اللّه منها الا الخمس،الى ان قال:يا أبا سيار قد طيبناه لك و حللناك منه فضم إليك مالك،و كل ما كان في أيدي شيعتنا من الارض فهم فيه محللون و محلل لهم ذلك،الى ان يقوم قائمنا فيجيبهم طسق ما كان في ايدي سواهم،فان كسبهم من الارض حرام عليهم حتى يقوم قائمنا فيأخذ الارض من ايديهم و يخرجهم منها صفرة 1.

و هذه الصحيحة:هي العمدة في محل الكلام،و دلالتها على تحليل الارض واضحة،و كذلك دلالتها على ان المراد من التحليل هو التحليل المالكي.

الى هنا قد انتهينا الى هذه النتيجة:و هي انه لم يثبت بطريق


 

1) <page number=”123″ />الوسائل ج 6 الباب 4 من ابواب الانفال و ما يختص بالامام <nl />الحديث 12.

 

الاراضی 124)


معتبر تحليل الارض بشكل عام من الامام(ع)أو من قبل الشرع لكل فرد اراد القيام بحق الارض و الاستفادة من ثرواتها.و اما صحيحة الكابلي فهي و ان كانت تدل على تحليلها للمسلمين خاصة الا انها لا تدل على ذلك مطلقا،بل في أطار التزامهم خارجا باداء الطسق و الخراج الى الامام من اهل البيت(ع)،و الا كان تصرفهم فيها محرما كما صرح بذلك في صحيحة مسمع.

و من هنا لو كان لصحيحة الكابلي اطلاق من هذه الناحية فلا بد من تقييده بهذه الصحيحة أي-صحيحة مسمع-فالثابت انما هو تحليل الارض لخصوص الافراد الذين شملتهم اخبار التحليل فحسب لا مطلقا.

و أما القول الثاني:-و هو عدم اعتبار الاذن من الامام(ع) مطلقا في قيام الفرد باحياء الارض-فقد قيل:إنه يمكن الاستدلال عليه بالسيرة الجارية بين المسلمين من لدن زمان التشريع الى زماننا هذا على القيام باحياء الارض الموات و الاستفادة من ثرواتها بدون مراجعة الامام(ع)في عصر الحضور،و نائبه في عصر الغيبة،فلو لم يجز القيام بحقها بدون الاذن لا صبح ذلك من الواضحات، لكثرة ابتلاء الناس بالاستفادة من مصادر الاراضي و الانتفاع بها، رغم انهم غافلون عن اعتباره فيه.

و يرده:انه لا شبهة في ثبوت هذه السيرة العملية بين المسلمين في جميع الاعصار،الا انه لا يمكن الاخذ بها دليلا على هذا القول.

و النكتة فيه:ان جريانها بين الطائفة الخاصة انما هو يقوم على ضوء اخبار التحليل،و بقطع النظر عن تلك الاخبار فثبوت هذه السيرة بينهم غير معلوم كما تقدم آنفا.

الاراضی 125)


و اما جريانها بين العامة فهو انما يقوم على اساس منهجهم في الفقه الاسلامي كما عرفت.

فالنتيجة:ان هذه السيرة ليست سيرة تعبدية،لتكون كاشفة عن الاذن.

قد يقال:كما قيل:انه يكفي في القيام باحياء الارض و عمارتها اذن اللّه تعالى باعتبار انه سبحانه مالك الملوك،و لا يلزم مع ذلك اذن من مالكها الشرعي لا عموما و لا خصوصا.

و تشهد على ذلك:معتبرة السكوني عن أبي عبد اللّه(ع)قال:

قال رسول اللّه(ص):(من غرس شجرا أو حفر واديا لم يسبقه اليه احد،أو أحيا أرضا ميتة فهي له قضاء من اللّه و رسوله) 1.

ببيان ان هذه المعتبرة ظاهرة في ان احياء الارض اذا كان باذنه تعالى كان موجبا لتملك المحيي لها،من دون حاجة الى اذن من مالكها الشرعي.

و نظير ذلك:تملك اللقطة اذا لم تكن ذات علامة أو بعد التعريف اذا لم يوجد صاحبها،فان تملكها انما هو باذن اللّه تعالى، لا باذن مالكه،و كذا الحال في حق المارة فانه إنما يكون باذنه تعالى مع عدم اذن مالكه في التصرف فيه.

و يرده:انه لا شبهة في كفاية اذن اللّه تعالى على اساس انه سبحانه مالك حقيقي للأشياء،الا ان الكلام انما هو في اثبات ذلك،و لا يمكن اثباته بالمعتبرة المذكورة،فان المراد من القضاء فيها ليس هو اذنه تعالى في القيام باحياء الارض،بل المراد منه تشريع سببية عملية الاحياء لمنح المحيي حقا في الارض،كما هو الظاهر منها.


 

1) <page number=”125″ />الوسائل ج 17 الباب 2 من ابواب احياء الموات الحديث 1.

 

الاراضی 126)


فاذن حال المعتبرة حال بقية روايات المسألة فلا تدل على الاذن، و قد تقدم انه لا ملازمة بين تشريع سببية الاحياء لعلاقة المحيي بالارض و بين الاذن في القيام بحقها.

و أما القول الثالث-و هو التفصيل بين زماني الحضور و الغيبة فيعتبر الاذن من الامام(ع)في القيام بعملية الاحياء على الأول دون الثاني-.

فلعله:مبني على اساس أن الاذن من الامام(ع)بشكل مباشر في زمن الغيبة ممتنع،رغم ان مشروعية الاحياء ثابتة مطلقا من ناحية،و عدم ثبوت نيابة الفقيه عنه(ع)في مثل هذه الامور من ناحية أخرى،فاذن لا مناص من القول بسقوط الاذن.

و فيه:ما تقدم من ثبوت نيابة الفقيه عن الامام(ع)في مثل المقام،و قد عرفنا انه لا يلزم ان يكون الاستيذان من الامام(ع) بشكل مباشر بل يكفي الاستيذان من نائبه الخاص أو العام-و هو بمكان من الامكان في عصر الغيبة-.

هذا اضافة:الى ان اخبار التحليل تكفي لإثبات الاذن من الامام(ع)في هذا العصر.

فالنتيجة:ان القول بالتفصيل لا يرجع الى أصل صحيح.

نتيجة هذا البحث عدة خطوط

الاول:ان الصحيح اعتبار اذن الامام(ع)في التصرف في
الارض الموات و السيطرة عليها،

فلا يحصل الملك أو الحق بدون ذلك.

الاراضی 127)


الثاني:ان الطريق الصحيح لإثبات اذن الامام(ع)في القيام
باحياء الارض و استثمارها انما هو اخبار التحليل،دون غيرها

من الطرق التي مرت الاشارة اليها.

الثالث:ان ما قيل:-من ان السيرة بين المسلمين قد جرت على
القيام بحق الارض و الانتفاع بها من دون الاستيذان من الامام(ع)
أو نائبه-.

فقد عرفت ما فيه:فان السيرة و إن كانت جارية الا ان جريانها بين كل من الطائفتين يقوم على أساس خاص كما مر،فلا تكشف عن الامضاء.

الرابع:انه لا يلزم ان يكون الاستيذان في القيام باحياء الارض
و عمارتها من الامام(ع)بشكل مباشر،

بل يكفي الاستيذان من نوابه و وكلائه(ع)سواء أ كان في زمن الحضور أم كان في زمن الغيبة.

الخامس:ان القول بالتفصيل-بين زماني الحضور،و الغيبة،

فيعتبر الاذن على الاول دون الثاني-لا يقوم على اساس صحيح.

النقطة الخامسة
هل يعتبر في علاقة المحيي بالارض بسبب عملية الاحياء كونه
مسلما؟

فيه قولان:

المعروف و المشهور بين الاصحاب هو القول الاول،بل عن جماعة دعوى الاجماع عليه:منهم العلامة(قده)في التذكرة،حيث قال:

فيها اذا اذن الامام(ع)لشخص في احياء الارض ملكها المحيي إذا كان

الاراضی 128)


مسلما،و لا يملكها الكافر بالاحياء،و لا باذن له في الاحياء،فان اذن له الامام(ع)فاحياها لم يملك عند علمائنا.

و منهم المحقق(قده)في جامع المقاصد حيث قال فيه:يشترط كون المحيي مسلما فلو احياء الكافر لم يملك عند علمائنا و ان كان الاحياء باذن الامام(ع).

و لكن عن الشهيد(قده)في الدروس:الشرط الثاني أي للملك بالاحياء ان يكون المحيي مسلما فلو احياها الذمي باذن الامام(ع) ففي تملكه نظر من توهم اختصاص ذلك بالمسلمين هذا من ناحية.

و من ناحية أخرى:يقع الكلام بين الاصحاب في صحة اذن الامام(ع)للكافر في احياء الارض على اساس انه أهل لذلك أولا؟

و عن المحقق في جامع المقاصد ان المستفاد من الاخبار و كلام الاصحاب ان الكافر ليس اهلا للإذن.

و عن الشهيد(قده)في الروضة و في ملك الكافر مع الاذن قولان:لا اشكال فيه لو حصل،انما الاشكال في جواز اذنه(ع) له نظرا الى ان الكافر هل له أهلية ذلك أم لا؟

و مثله ما عن الشهيد الثاني(قده)في المسالك،هذا.

و الصحيح في المقام ان يقال:انه لا شبهة في أهلية الكافر في نفسه لتملك الارض بالاحياء،كما انه لا شبهة في أهليته للإذن من الامام(ع)اذا اقتضت المصلحة ذلك على اساس ان اذنه(ع) بذلك تابع لتوفر الشرائط و المقتضيات له،و لا يعقل ان يكون جزافا،فلو اذن الكافر باحياء الارض في مورد و قام به اكتسب فيها حقا لا محالة،و كيف كان فلا ينبغي اطالة الكلام من هذه الناحية.

الاراضی 129)


و انما الكلام في اعتبار الإسلام في المحيي بقطع النظر عن اعتبار الاذن في القيام باحيائه الارض.

و بكلمة اخرى:قد تقدم انه يعتبر في كون الاحياء سببا لعلاقة المحيي بالارض اذن الامام(ع)فيه،و انما الكلام فعلا في اشتراط اسلامه.و لازم اعتبار هذا الشرط انه لا تحصل للكافر علاقة بالارض بسبب الاحياء و ان كان مأذونا فيه،لأن الاذن وحده لا يكفي في حصول هذه العلاقة،بل لا بد من توفر بقية الشرائط أيضا:منها اسلامه.

و يمكن ان يستدل:على هذا القول بوجهين:

الأول:بالإجماع المدعي في المسألة.

و يردّه:

اولا:ان الاجماع غير ثابت،فان المحكي عن جماعة كثيرة الخلاف في المسألة:منهم شيخ الطائفة الشيخ الطوسي(قده)في المبسوط و الخلاف،و منهم ابن ادريس في السرائر،و الشهيد الثاني(قده) في اللمعة،و المحقق في النافع.

و ثانيا:انه لا اثر لهذا الاجماع على تقدير تحققه،و ذلك لأن الاجماع انما يكون حجة باعتبار كشفه عن قول المعصوم(ع)في المسألة،و الاجماع المدعي فيها لا تتوفر فيه هذه الصفة جزما،لاحتمال أن يكون اساسه صحيحة الكابلي المتقدمة،و صحيحة عمر بن يزيد التي مرّت سابقا بناء على ان يكون المراد من المؤمنين فيها الاعم من الطائفة الخاصة و العامة.

هذا اضافة:الى انه لا دليل على اعتبار الاجماع المنقول في نفسه.

الثاني:بصحيحة الكابلي باعتبار ان في هذه الصحيحة قد قيد المحيي بكونه من المسلمين،و هذا التقييد على اساس وقوعه في مقام

الاراضی 130)


البيان يدل على اعتبار الإسلام في المحيي،و هذه الدلالة لا بأس بها نظرا الى انها تقوم على اساس دلالة القيد على المفهوم،و قد ذكرنا انه لا مانع من الالتزام بها بنكتة ان القيد ظاهر لدى العرف في الاحتراز،فيدل على ان الحكم فيها لم يثبت للطبيعي الجامع بينه و بين غيره،و الا لكان القيد لغوا،و ما نحن فيه من هذا القبيل،فان الاحياء لو كان سببا لعلاقة المحيي بالارض مطلقا أي-و لو كان كافرا- لكان تقييده بكونه من المسلمين في موردين من الصحيحة لغوا صرفا.

فالنتيجة:انه لا بأس بدلالة الصحيحة على ذلك.

نعم قد تقدم منا:ان اسلام المحيي وحده لا يكفي في حصول هذه العلاقة له بالارض على اساس قيامه بالاحياء،بل يعتبر فيه ان يكون مأذونا من قبل الامام(ع)أيضا،و قد عرفنا ان الاذن في القيام بعملية الاحياء على نحو الاطلاق لم يثبت الا للأفراد الذين شملتهم اخبار التحليل،دون غيرهم.و اما هذه الصحيحة فلا تدل على الاذن في الاحياء لكل فرد من المسلمين بشكل مطلق،بل تدل عليه في فرض خاص و اطار مخصوص-و هو ما إذا كان الفرد ملتزما باداء الخراج و الطسق الى الامام(ع)خارجا-و الا فلا يكون تصرفه فيها بالاحياء سائغا و نافذا و ان كان مسلما،كما ان الاذن وحده لا يكفي إذا لم يكن المحيي مسلما،فالكافر و ان كان مأذونا لا يوجب احيانه العلاقة بينه و بين الارض.

فالنتيجة في نهاية الشوط:ان المعتبر في كون الاحياء موجبا لصلة المحيي بالارض أمران:

احدهما:اذن الامام(ع)او نائبه في القيام بذلك.

و الآخر:اسلام المحيي.

الاراضی 131)


هذا كله فيما اذا كان قيام الكافر بالاحياء متأخرا زمنيا عن تاريخ تشريع ملكية الانفال للإمام(ع).

و اما اذا كان متقدما زمنيا على ذلك فلا اشكال في انه يوجب علاقته بالارض على مستوى الملك،لما تقدم في ضمن الابحاث السالفة من ان عملية الاحياء من احد اسباب الملك بنظر العقلاء،فاذا كانت الارض مواتا و لم يكن لها مالك بالفعل،فهذه العملية توجب صلة المحيي بها على مستوى الملك،بلا فرق بين كون المحيي مسلما او كافرا،فاعتبار الاذن من جهة،و اعتبار الإسلام من جهة اخرى في هذه العملية انما هو فيما اذا كانت تلك العملية بعد تشريع ملكية الانفال للإمام(ع).

و على الجملة:فالأراضي الموات بما انها داخلة في نطاق ملكية الامام(ع)بعد نزول آية الانفال فالاحياء فيها انما يوجب علاقة المحيي بها على مستوى الحق اذا كان الاحياء باذن الامام(ع)و كان المحيي مسلما و الا فلا أثر له.

و أما القول الثاني-و هو عدم اعتبار الإسلام في المحيي-فيمكن دعمه بوجهين:

الاول:بمجموعة من الروايات المتقدمة التي جاءت بهذا اللسان:

(ايما قوم أحيوا شيئا من الارض و عمروها فهم احق بها و هي لهم) فان مقتضى عمومها عدم الفرق بين كون المحيي مسلما أو كافرا.

و ما تقدم بنا-من ان هذه المجموعة انما هي ناظرة الى تشريع سببية الاحياء لعلاقة المحيي بالارض فحسب،و لا تنظر الى جهة أخرى نفيا أو اثباتا-فانه انما يتم بالاضافة الى اعتبار اذن الامام(ع) في تأثير عملية الاحياء و عدم اعتباره،لما عرفت من انها غير ناظرة

الاراضی 132)


الى ذلك اصلا،كما انها غير ناظرة الى نفي بقية الشرائط له.

و اما بالاضافة:الى اعتبار الإسلام في المحيي فمقتضى عموم قوله(ع)(ايما قوم)عدم اعتباره،كما ان مقتضى اطلاق ذيلها عموم سببية الاحياء يعني-ان سببيته لا تختص بفرد دون آخر-.

فالنتيجة:ان هذه المجموعة من الروايات تدل بعمومها على عدم اعتبار الإسلام في المحيي،كما انها تدل باطلاقها على ان كل فرد من عملية الاحياء في الارض سبب لعلاقة المحيي بالارض.

هذا اضافة:الى ان عملية الاحياء بوصف كونها مصدرا لحق الفرد في الارض قد اعترف به العقلاء في نظامهم المادي الاجتماعي.و أما العوامل و الاسباب الأخر الثانوية التي ولّدتها الظروف كالسيطرة على على الارض بالقوة و العنف،او ما شاكل ذلك و ان كانت موجودة بين المجتمعات،الا ان العقلاء بوصف كونهم عقلاء لا يعترفون بتلك العوامل و الاسباب الثانوية،كما لا يعترف بها الإسلام نهائيا، فالمصدر الوحيد لعلاقة الفرد بالارض انما هو الاحياء.

و عليه فالروايات المزبورة ليست في مقام التأسيس و التشريع للحكم الابتدائي في الشرع،بل هي في مقام امضاء ما هو ثابت لدى العقلاء-و هو سببية الإحياء لحق الفرد في الارض-و بما انه لا يعتبر في المحيي كونه مسلما لدى العقلاء،فكذا لدى الشرع.هذا.

و لكن هذه المجموعة:معارضة بصحيحة الكابلي على اساس ان في هذه الصحيحة قد قيد المحيي بكونه مسلما في موردين،و عليه فلو كان الحكم ثابتا لطبيعي المحيي مطلقا و لو كان كافرا لكان التقييد المزبور لغوا فاذن تكون صحيحة الكابلي مقيدة لتلك المجموعة فتصبح النتيجة في صالح المشهور-و هو اعتبار الإسلام في الميحي-.

الاراضی 133)


الوجه الثاني:بمجموعة اخرى من الروايات:عمدتها روايتان:

احداهما:صحيحة محمد بن مسلم قال سألت أبا عبد اللّه(ع) عن الشراء من أرض اليهود و النصارى فقال:(ليس به بأس،قد ظهر رسول اللّه(ص)على اهل خيبر،فخارجهم على ان يترك الارض في ايديهم يعملونها و يعمرونها فلا أرى بها بأسا لو انك اشتريت منها شيئا،و ايما قوم احيوا شيئا من الارض و عملوها فهم احق بها و هي لهم) 1.

و ثانيتها:صحيحة ابي بصير قال:سألت ابا عبد اللّه(ع) عن شراء الارضين من اهل الذمة فقال:(لا بأس بان يشتريها منهم اذا عملوها و احيوها فهي لهم)الحديث 2.

و هاتان الصحيحتان:و ان كانتا تدلان على ان الكافر يملك الارض بالاحياء الا انه لا يمكن الاخذ باطلاقهما حتى بعد التاريخ الزمني لتشريع ملكية الانفال للإمام(ع)،بل لا بد من حمله على ما قبل التاريخ المزبور،حيث انه لا مانع من الاخذ به قبل ذلك التاريخ، لما عرفت في ضمن البحوث السالفة من ان الاحياء اذا كان متقدما زمنيا على التاريخ المذكور يمنح ملكية الارض للمحيي و ان كان كافرا.

بيان ذلك:

اما الصحيحة الاولى:فجملة(الشراء من ارض اليهود و النصارى)


 

1) <page number=”133″ />الوسائل ج 11 الباب 17 من أبواب جهاد العدو و ما <nl />يناسبه الحديث 2.
2) الوسائل ج 17 الباب 4 من أبواب إحياء الموات الحديث 1.

 

الاراضی 134)


لا تدل على ذلك،فان هذه الجملة ظاهرة في ان الارض ملك لهما، و لعله كان بسبب قيامهما باحيائها قبل التشريع المذكور،او انها انتقلت اليهما ممن كان مالكا لها فلا تدل هذه الجملة على ان الارض ملك لهما عن اساس قيامهما باحيائها بعد التشريع المزبور،فاذن لا يمكن الاستدلال بهذه الجملة من الصحيحة.

و اما جملة(ايما قوم احيوا شيئا من الارض و عملوها فهم احق بها و هي لهم)و إن كانت كبرى كلية تنطبق على المقام و تدل على ان العمل في الارض مصدر لحصول الحق فيها من اي فرد كان الا انه لا بد من رفع اليد عن هذا العموم بقرينة صحيحة الكابلي،و صحيحة مسمع بن عبد الملك المتقدمتين:

و اما صحيحة الكابلي:فعلى اساس ان فيها قد قيد المحيي بكونه من المسلمين في موردين،و هذا التقييد كما عرفت يدل على اختصاص حصول هذا الحق بما اذا كان المحيي مسلما لا مطلقا،و الا لكان التقييد لغوا.

و أما صحيحة مسمع:فقد صرح في تلك الصحيحة بحرمة التصرف في الارض التي هي داخلة في نطاق ملكية الامام(ع) لغير من شملتهم اخبار التحليل،و عليه فبما ان صغرى هذه الكبرى في مورد الصحيحة أي-صحيحة محمد بن مسلم-عمل اليهود في الارض و قيامهم باحيائها فلا بد من حمل اطلاق تلك الكبرى اي-اطلاقها الزماني-على هذه الصغرى بما اذا تحققت قبل التاريخ الزمني لتشريع ملكية الانفال للإمام(ع)بقرينة هاتين الصحيحتين،و حمل اطلاقها العرضي-بعد التاريخ المزبور-على ما اذا كان المحيي مسلما و ملتزما خارجا باداء الخراج الى الامام(ع)او على خصوص مورد

الاراضی 135)


اخبار التحليل.

و اما الصحيحة الثانية:فقد ظهر مما ذكرناه حالها أيضا،فانها حيث كانت باطلاقها تشمل ما إذا كان قيام أهل الذمة بالاحياء و عملهم في الارض قبل التاريخ المذكور و بعده فلا بد من حمل اطلاقها على ما اذا كان قيامهم به قبل ذلك التاريخ بقرينة ما عرفت من الصحيحتين.

فالنتيجة في نهاية الشوط.ان الاستدلال بهاتين الصحيحتين على هذا القول غير تام و لا يمكن دعمه بهما.

نتيجة هذا البحث عدة خطوط

الاول:ان ما هو المشهور بين الاصحاب من اعتبار الإسلام في
المحيي هو الصحيح،لا للإجماع المدعي في المسألة،

فانه غير تام، بل لدلالة صحيحة الكابلي على ذلك.

الثاني:ان اعتبار الإسلام في المحيي انما هو في الاراضي الخربة
التي تكون من الانفال،دون ما اذا لم تكن منها.

و من هنا قلنا ان من يقوم باحياء الارض قبل التاريخ الزمني لنزول آية الانفال ملك الارض على اساسه و ان كان كافرا.

الثالث: [في مقتضى عموم المجموعة من الروايات]

ان مقتضى عموم المجموعة من الروايات الدالة على سببية الاحياء لعلاقة المحيي بالارض و ان كان هو عدم الفرق بين كون المحيي مسلما او كافرا على ما عرفت الا ان صحيحة الكابلي تكون مخصصة لهذا العموم من هذه الناحية بمقتضى مفهوم القيد.

الرابع:ان صحيحتي محمد بن مسلم و ابي بصير المتقدمتين آنفا
و ان كان موردهما احياء الكافر الا انه لا يمكن الاخذ بظاهرهما

الاراضی 136)


بقرينة صحيحة الكابلي و صحيحة مسمع على ما عرفت.

الخامس:ما عن جماعة [لا يقوم على اساس صحيح]

-من ان الكافر ليس أهلا لأن يأذنه الامام(ع)في احياء الارض و عمارتها،و لو اذن في ذلك لم يملك- لا يقوم على اساس صحيح،اذ لا شبهة في اهلية الكافر لذلك،كما انه لا شبهة في ان الامام(ع)لو اذن الكافر فيه شخصا كان نافذا

النقطة السادسة
ان عملية الاحياء في الارض انما تكون سببا لصلة المحيي بها

اذا لم تكن تلك الارض حريما لملك غيره كالدار،و البستان.

و القرية،و البلد،و المزارع،و ما شاكل ذلك.

و السبب فيه:ان مقدار الحريم متعلق لحق صاحبه،فلا يحق لغيره ان يقوم باحيائه و عمارته،لأن فيه مزاحمة و تفويتا لحقه-و هو غير جائز جزما-من ناحية،و لا يؤثر ذلك في حصول العلاقة له من ناحية اخرى،كل ذلك بلا خلاف و لا اشكال بين الاصحاب قديما و حديثا.هذا من جانب.و من جانب اخر ان حريم كل شيء انما هو مقدار ما يتوقف عليه الانتفاع به و هو يختلف سعة و ضيقا باختلاف الاشياء.

حريم البئر المعطر

و هي البئر التي يستقي منها لشرب الإبل،فان حريمها اربعون ذراعا من تمام جوانبها،و البئر الناضح-و هي البئر التي يستقي

الاراضی 137)


منها للزرع و غيره-فان حريمها ستون ذراعا من جميع أطرافها بلا خلاف معتد به بين الاصحاب في هذا التحديد،بل يظهر عن جماعة دعوى الاجماع عليه.

و تدل على ذلك:معتبرة السكوني عن ابي عبد اللّه(ع)(ان رسول اللّه(ص)قال ما بين بئر المعطن الى بئر المعطن اربعون ذراعا،و ما بين بئر الناضح الى بئر الناضح ستون ذراعا،و ما بين العين الى العين يعني القناة خمسمائة ذراع،و الطريق يتشاح عليه أهله فحده سبع اذرع 1.

و بهذه المعتبرة تقيد اطلاق صحيحة حماد بن عثمان قال:سمعت ابا عبد اللّه(ع)(يقول حريم البئر العادية اربعون ذراعا حولها) و تحمل البئر فيها على البئر المعطن.

ثم انه لا اشكال في عدم جواز حفر بئر اخرى في هذه الحدود جزما اذا كان فيه ضرر.

و انما الكلام و الاشكال في انه يجوز ان يقوم فرد باحياء تلك الحدود بان-يجعلها مزرعا او مشجرا او دورا او ما شاكل ذلك- او لا يجوز؟فيه و جهان:

ذكر صاحب الجواهر(قده)انه كما لا يجوز حفر بتري اخرى في هذه الحدود،لا يجوز القيام بغيره كزرع او شجر أو نحو ذلك،و ان ظهر من بعض النصوص و الفتاوي خصوص حفر بئر اخرى،اذ ان المتجه الاعم،ضرورة اشتراك الجميع في الضرر على ذي البئر المزبورة.

و غير خفى:ان الارتكاز القطعي قائم لدى العرف بان التحديد


 

1) <page number=”137″ />الوسائل ج 17 باب 11 من ابواب احياء الموات الحديث 5

 

الاراضی 138)


بالحدود المزبورة بين الآبار انما هو بملاك سد باب الضرر،فلا خصوصية لحفر بئر اخرى في تلك الحدود الا من باب انه من احد عوامل الضرر على البئر الاولى.

و من هنا لو كان في التصرفات الاخرى في الحدود المزبورة ضرر عليها لم تجز تلك التصرفات جزما رغم ان التقدير المزبور في معتبرة السكوني المتقدمة يكون بين البئرين،فان الارتكاز المذكور قرينة على انه لا خصوصية للبئر،فالعبرة انما هي بالضرر،سواء أ كان من ناحية حفر البئر أم كان من ناحية تصرف آخر.

و الاقتصار في المعتبرة على حفر البئر الأخرى خاصة انما هو بنكتة ان في حفرها ضررا على البئر الاولى غالبا و نوعا،دون غيرها من انواع التصرفات هذا ظاهر.

و انما الكلام في موردين:

احدهما:فيما اذا افترضنا لزوم الضرر عليها من التصرف في خارج تلك الحدود،سواء أ كان ذلك التصرف حفر بئر أم كان غيره

و الآخر:فيما اذا افترضنا عدم لزومه من التصرف في نفس تلك الحدود و ان كان ذلك التصرف حفر بئر.

أما الاول:فالظاهر انه لا اشكال في عدم جواز هذا التصرف، فانه مضافا-الى قاعدة نفي الضرر التي تحكم على جوازه و تنفيه- ما قد عرفت من ان الارتكاز القطعي لدى العرف شاهد على ان العبر انما هى بالضرر،و التحديد بالمسافة في المعتبرة و غيرها انما هو مبني على الغالب.

و اما الثاني:فلا يبعد القول بجوازه بل هو الظاهر حتى فيما اذا كان ذلك التصرف حفر بئر اخرى في تلك المسافة،فان تمام الملاك لعدم الجواز انما هو لزوم الضرر،و اما اذا افترض عدمه فلا

الاراضی 139)


مانع منه.

و بكلمة اخرى:ان المسافة المزبورة ليست متعلقة لحق صاحب البئر الا على اساس كون التصرف فيها موجبا للضرر عليه.و اما اذا افترضنا انه لا يوجب ذلك فعندئذ لا مانع من القيام بذلك التصرف و ان كان حفر بئر اخرى،لفرض اباحة الارض من هذه الناحية،و عدم كون هذا التصرف موجبا للضرر و لا مزاحما لحق من حقوق الآخر من الناحية الاخرى.و يؤكده استقرار السيرة العقلائية على ذلك.

فالنتيجة:ان العبرة في جواز القيام بالتصرفات المذكورة و عدم جوازه انما هي بلزوم الضرر و عدم لزومه،و التحديد المزبور-مضافا الى انه بالاضافة الى حفر بئر اخرى-مبنى على الغالب،لا انه تحديد حقيقي و فاصل واقعي لجواز التصرف في خارج هذا الحد و ان كان موجبا للضرر،و عدم جوازه فيما دونه و ان لم يوجب الضرر هذا من ناحية.

و من ناحية اخرى ان للبئر حريما آخر غير ما ذكرناه آنفا-و هو ما يتوقف عليه الانتفاع بها-كمقدار مكان النازح اذا كان الاستقاء منها باليد او الاناء،و مكان تردد البهيمة و الدولاب،و مجمع مائها للزرع أو نحوه،و مصب مائها،و مطرح طينها-و هو ما يخرج منها عند اصلاحها و تنقيتها-و الجامع ان كل ما يتوقف عليه الانتفاع بها فهو حريم لها،و لا يحق لأي واحد ان يقوم باحياء هذا المقدار و استثماره اصلا.

الاراضی 140)


حريم القناة

المشهور بين الاصحاب ان حريمها في الارض الرخوة الف ذراع، و في الارض الصلبة خمسمائة ذراع.

و يظهر عن جماعة دعوى الاجماع على ذلك منهم شيخ الطائفة الشيخ الطوسي(قده)في الخلاف،و العلامة(ره)في التذكرة،و المحقق (قده)في جامع المقاصد.

و استدل على ذلك برواية عقبة بن خالد عن ابي عبد اللّه(ع) قال:(يكون بين البئرين اذا كانت ارضا صلبة خمسمائة ذراع، و إن كانت ارضا رخوة فالف ذراع) 1.

لا يخفى ان الاستدلال بهذه الرواية ترتكز على اساس تمامية امرين:

احدهما:ان يكون المراد من البئرين العينين،و هذا غير بعيد بقرينة عدم اعتبار هذه المسافة بين البئرين نصا و اتفاقا من ناحية، و ورود خمسمائة ذراع بينهما في معتبرة السكوني الآتية من ناحية أخرى.

و ثانيهما:ان تكون تامة سندا،و هذا غير ثابت،لأن الرواية ضعيفة من ناحية السند فلا يمكن الاعتماد عليها.

و دعوى-ان ضعفها منجبر بعمل الاصحاب على اساس انهم قد افتوا على طبق هذه الرواية و عملوا بها-خاطئة جدا،و ذلك لما ذكرناه غير مرة من انه على تقدير احراز عمل الاصحاب بها و استنادهم


 

1) <page number=”140″ />الوسائل ج 17 الباب 11 من ابواب احياء الموات الحديث 3.

 

الاراضی 141)


اليها في مقام الفتيا الا ان ذلك لا يوجب الوثوق و الاطمئنان النوعي بصدور الرواية عن المعصوم(ع)الذي هو الملاك في حجية خبر الواحد و شمول ادلة اعتباره له.

فالنتيجة ان الرواية ساقطة فلا يمكن الاستدلال بها.

نعم قد ورد في معتبرة السكوني المتقدمة:(و ما بين العين الى العين يعني القناة خمسمائة ذراع)و عليه فلو كانت رواية عقبة بن خالد معتبرة لكانت قرينة على التصرف في هذه المعتبرة بحملها على الارض الصلبة حتى يتم القول بالتفصيل المزبور،و لكن بما انها غير معتبرة فلا دليل على هذا القول،و مقتضى المعتبرة عدم الفرق بين الارض الصلبة و الارض الرخوة.

و قد تحصل من ذلك:انه لا دليل على القول المذكور غير ما يظهر عن جماعة من دعوى الاجماع،و من الواضح ان الاجماع الكاشف عن قول المعصوم(ع)في المسألة غير متحقق،لوجود المخالف فيها من ناحية و احتمال ان رواية عقبة بن خالد هي مدرك الاجماع من ناحية اخرى.

هذا اضافة الى ان الاجماع المنقول في نفسه لا دليل على اعتباره.

و في مقابل ذلك القول قول آخر و هو ان حدّ الفاصل بين العينين لا يقدر بحد خاص،بل هو منوط بان لا يكون حفر القناة الثانية موجبا للضرر على الاولى،و الالم يجز،سواء أ كان الحفر المزبور فيما دون المسافة المذكورة أم كان في خارج تلك المسافة،فاذا افترضنا ان حفرها لا يسبب ضررا على الاولى في أقلّ من تلك المسافة جاز و لا مانع منه اصلا.

و هذا القول:هو الصحيح.

الاراضی 142)


و تدل على ذلك صحيحة محمد بن الحسن(الحسين)قال كتبت الى ابي محمد(ع)(رجل كانت له قناة في قرية،فأراد رجل ان يحفر قناة أخرى الى قرية له،كم يكون بينهما في البعد حتى لا تضر إحداهما بالاخرى في الارض اذا كانت صلبة،او رخوة، فوقع(ع)على حسب أن لا تضر احداهما بالاخرى ان شاء اللّه) الحديث 1.

فانها واضحة الدلالة على ان العبرة في جواز حفر قناة اخرى جنب القناة الاولى،و عدم جوازه انما هي بلزوم الضرر،و عدم لزومه،فعلى الاول لا يجوز دون الثاني.

و تنسجم هذه الصحيحة:مع السيرة القائمة بين العقلاء في امثال تلك الموارد،حيث انها تقوم على أن العبرة في الجواز و عدمه انما هي بلزوم بالضرر و عدم لزومه.و من هنا لو قطعنا النظر عن النص في المقام لكانت السيرة المزبورة كافية.

و على الجملة:فلا شبهة في انه يجوز للفرد ان يقوم بالعمل في الارض الموات باحياء او حفر قناة او نحو ذلك،و لا مانع منه اصلا، الا اذا كان الحفر موجبا للضرر على القناة الاخرى،فعندئذ لا يجوز، سواء أ كان هناك نص خاص أم لم يكن،لكفاية السيرة في المسألة التي تقوم على وفق الارتكاز القطعي لدى العرف و العقلاء.

و على ضوء ذلك فما ورد في النصوص-من التحديد بحد خاص كما في معتبرة السكوني المتقدمة و غيرها-مبنى على الغالب،باعتبار ان الضرر يندفع بهذا الحد من البعد بين القناتين غالبا و نوعا،


 

1) <page number=”142″ />الوسائل ج 17 الباب 14 من ابواب احياء الموات الحديث 1.

 

الاراضی 143)


و ليس التحديد بذلك أمرا تعبديا.

و من هنا اذا افترضنا ان القناة الثانية تضر بالاولى،رغم توفر هذا البعد الخاص بينهما لم يجز احداثها،كما انه اذا افترضنا ان احداث الثانية لا يوجب ضررا على الاولى في أقلّ من ذاك البعد جاز إحداثها.و لا مانع منه اصلا.

و تؤيد هذا القول:رواية عقبة بن خالد عن أبي عبد اللّه(ع) (في رجل اتى جبلا فشق فيه قناة جرى ماؤها سنة،ثم ان رجلا اتى ذلك الجبل فشق منه قناة اخرى،فذهبت الاخرى بماء قناة الاولى قال:فقال:يتقاسمان(يتقايسان)بحقائب البئر ليلة ليلة فينظر ايتها أضرت بصاحبتها،فان رأيت الاخيرة أضرت بالاولى فلتعور،و قضى رسول اللّه(ص)بذلك قال:ان كانت الاولى اخذت ماء الاخيرة لم يكن لصاحب الاخيرة على الاولى سبيل)هكذا رواها الصدوق في الفقيه 1.

و مثلها روايته الاخرى عن أبي عبد اللّه(ع)(في رجل احتفر قناة و اتى لذلك سنة،ثم ان رجلا احتفر الى جانبها قناة،فقضى ان يقاس الماء بحقائب البئر ليلة هذه و ليلة هذه،فان كانت الاخيرة اخذت ماء الاولى عورت الاخيرة،و ان كانت الاولى اخذت ماء الاخيرة لم يكن لصاحب الاخيرة على الاولى شيء) 2فانها واضحة الدلالة على ان الملاك في الجواز و عدمه انما هو بلزوم الضرر و عدم لزومه لا بالمسافة المقدرة بينهما و عدمها،الا ان الكلام في سندها،و حيث


 

1) <page number=”143″ />الفقيه ج 3 ص 58 الحديث 67.
2) الوسائل ج 17 الباب 16 من ابواب احياء الموات الحديث 3.

 

الاراضی 144)


انهما ضعيفتان من ناحية السند فلا يمكن الاعتماد بهما دليلا في المسألة.

فالنتيجة في نهاية المطاف:ان القول الثاني هو الصحيح.

و نسب اختيار هذا القول الى الاسكافي،و الشهيد الثاني في المسالك، و العلامة في المختلف.

هذا كله فيما اذا كان التصرف في جنب القناة باحداث قناة اخرى.

و اما اذا كان التصرف فيه بشيء آخر كالزرع او الغرس او غير ذلك فهل يجوز اولا؟الظاهر بل المقطوع به ان حاله حال احداث القناة يعنى-ان جوازه و عدم جوازه يدوران مدار لزوم الضرر و عدم لزومه-فان كان موجبا للضرر على صاحب القناة لم يجز جزما، و اما اذا لم يوجب الضرر عليه فلا مانع منه اصلا و ان كان فيما دون الحدود المذكورة في النصوص،لفرض ان الارض مباحة من هذه الناحية أى-لا يكون لأحد حق فيها-و التصرف المزبور كما لا يوجب الضرر لا يوجب المزاحمة له في الانتفاع بها أيضا.

بل لو قلنا بعدم جواز احداث قناة اخرى في تلك الحدود فايضا لا مانع من جواز غيرها من التصرفات فيها.اذا لم يكن في تلك التصرفات ضرر و لا مزاحمة،لأن عدم جواز احداثها في الحدود المزبورة انما هو لأجل مزاحمة،لأن عدم جواز احداثها في الحدود المزبورة انما هو لأجل النص،و لا نص في غيرها،فاذن لا محالة يدور سائر التصرفات جوازا و منعا مدار الضرر و عدمه.

ثم انه لا فرق في عدم جواز قيام فرد باحداث قناة اخرى اذا كان فيه ضرر على الاولى بين ان يكون احداثها في الارض الموات او في الارض المملوكة له،كما انه لا فرق بين ان يكون في خارج

الاراضی 145)


تلك الحدود،او فيما دونها،و ذلك لإطلاق النص من هذه الناحية و قيام الارتكاز القطعي على ان التحديد في النص مبنى على الغالب بدون فرق فيه بين الموات و العامرة بشريا،و استقرار السيرة العقلائية على عدم الفرق،و كذا الحال في حفر بئر اخرى اذا كان فيه ضرر على البئر الاولى.

و اما غيرهما:من التصرفات كالزرع او نحوه فيها اي-في الارض المملوكة-فالظاهر انه لا مانع منها و ان كانت موجبة للضرر.

نعم اذا كان التصرف فيها حادثا بعد احداث القناة او البئر و كان فيه ضرر عليها لم يجز لقاعدة نفي الضرر.

ثم ان للقناة حريما آخر-و هو ما يتوقف عليه الانتفاع بها- كحواشيها و اطرافها التي هي مجمع ترابها و طينها لدى تنقيتها و اصلاحها و طرقها و غير ذلك،و ليس لحريمها بهذا المعنى حد خاص في الشرع، بل هو يختلف سعة و ضيقا باختلاف حاجة القنوات و العيون من ناحية قلة مائها و كثرته،و قلة الافراد الذين ينتفعون بها،و كثرتهم و هكذا،فان الاختلاف في كل ذلك يوجب الاختلاف في حريمها سعة و ضيقا.

و ليس لأحد ان يقوم بالتصرف في تلك الاطراف و الطرق بما يوجب مزاحمة المنتفعين بها،و ذلك لاستقرار السيرة القطعية من العقلاء على ذلك الممضاة لدى الشرع جزما.

حريم النهر

و هو مقدار ما يحتاج النهر اليه عادة من الاطراف و الحواشي

الاراضی 146)


عند تنقيته و اصلاحه،و المجاز على حافتيه للمواظبة عليه،و لا فرق في ذلك بين كون النهر ملكا خاصا او عاما،و لا يجوز لأي فرد ان يقوم باحياء هذا المقدار،فانه يوجب المزاحمة.

و تقوم على ذلك:السيرة المتقدمة،حيث لم يرد من الشرع تحديد له كي يكون هو المرجع فيه.نعم ورد في مرفوعة ابراهيم بن هاشم(حريم النهر حافتاه و ما يليها) 1و هي ترجع الى ما ذكرناه على انها ساقطة من ناحية السند.

حريم الدار

و هو ما يتوقف عليه الانتفاع بها كمطرح ترابها و سلوجها و رمادها و مسيل مائها،و طريق الدخول و الخروج من الجهة التي يفتح الباب منها،و مكان الالات و الطين و الجص و الحديد اذا احتاج اليه لدى الحاجة الى البناء او الترميم.و اما الزائد على هذا المقدار فلا يكون حريما لها و لا يحق لأي احد أن يقوم بالتصرف فيه بما يزاحم صاحبها في الاستفادة منها.

و من هذا القبيل حريم حائط البستان و ما شاكله.

و على الجملة فحريم هذه الاشياء لا يدخل تحت ضابط كلى»، و ليس منصوصا في الشرع و محدّدا فيه،بل هو يختلف باختلاف ما يتوقف عليه الانتفاع بها.


 

1) <page number=”146″ />الوسائل ج 17 الباب 11 من ابواب احياء الموات الحديث 4.

 

الاراضی 147)


حريم القرية

و هو ما تكون القرية بحاجة ماسة اليه في حفظ مصالحها و مصالح اهلها من مدفن موتاهم،و مرعى ماشيتهم و مرابضها،و ملعب الصبيان،و موارد احتطابهم التي جرت العادة بوصولهم اليها،و مجمع اهاليها لمصالحهم الاجتماعية:المادية و المعنوية،و مسيل ميائها،و الطرق المؤدية اليها و المسلوكة منها،و مجمع ترابها و كناستها،و مطرح سمادها و رمادها؛و غير ذلك مما تحتاج القرية اليه،بحيث لو قام فرد بالتصرف في الاشياء المزبورة و الاستيلاء عليها لكان مزاحما لأهالي تلك القرية،و موجبا لوقوعهم في حرج و ضيق شديد.

ثم ان من الطبيعي ان حاجة القرية تختلف باختلافها سعة و ضيقا،و بكثرة أهاليها و قلتهم،و بكثرة مواشيها و دوابها و قلتها،و باختلاف الازمنة،فيمكن ان تكون القرية في السنين و القرون الماضية كانت بحاجة الى موارد الاحتطاب و اما في زماننا هذا فتستغني عنها بقيام شيء آخر مقام الحطب،فعندئذ تخرج تلك الموارد عن كونها حريما للقرية بانتهاء الحاجة اليها و عليه فلا مانع من التصرف فيها.

فالنتيجة:ان حريم القرية كحريم غيرها لا يدخل تحت ضابط كلي سعة و ضيقا،كما و كيفا،و لا يمكن تحديده بحدّ خاص بعد ما لم يكن منصوصا و محدّدا من قبل الشرع،بل هو تابع لحاجة القرية اليه فعلا فلا يكفي في كون شيء حريما لها حاجتها اليه في المستقبل او في الزمن الماضي مع استغنائها عنه فعلا.

الاراضی 148)


حريم المزرعة

ان حريمها بقدر ما تحتاج المزرعة اليه-و هو ما يتوقف عليه الانتفاع بها-كمجتمع سمادها،و مسالك الدخول اليها و الخروج منها،و محل بيادرها و حظائرها،و مسيل مائها،و غير ذلك مما تحتاج المزرعة اليه فعلا.

و من الطبيعي ان ذلك أيضا لا يدخل تحت ضابط كلي كما و كيفا سعة و ضيقا،بل هو تابع لحاجة المزرعة و توقف الانتفاع بها عليه،و تعيين ذلك لا محالة بيد العرف و العقلاء بعد عدم ورود شيء فيه من قبل الشرع،و لا تجوز المزاحمه فيه.

و من ذلك يظهر حال حريم الاشجار المغروسة في الارض الموات فانه بمقدار ما يتوقف عليه الانتفاع بها.و اما تحديده بمقدار بروز اغصانها او سراية عروقها فلا دليل عليه.

اما الاول:فلان ما يتوقف عليه الانتفاع بها قد يكون ازيد منه،كما لعله الغالب،و لا سيما في الاشجار المثمرة،و قد يكون أقلّ منه،و قد يكون بمقداره.

و منه يظهر حال التحديد الثاني.و الحاصل بعد ما لم يكن دليل على التحديد المذكور فلا مناص من الالتزام بتحديده بما عرفت من ناحية السيرة لدى العرف و العقلاء.

الاراضی 149)


عدة خطوط

الاول:قد نسب الى الاصحاب ثبوت الحريم للأشياء المذكورة
اذا كان احداثها في الارض الموات

و اما اذا كان في الارض العامرة المملوكة فلا حريم لها.هذا.

و حرى بنا:ان نقول:ان ما ذكرناه من الحريم لتلك الاشياء انما هو بمعنى ان الانتفاع بها يتوقف عليه و لا يمكن بدونه،و لا دليل على ثبوت الحريم لها باكثر من ذلك و من الطبيعي انه لا فرق في ثبوت الحريم لها بهذا المعنى بين ان تكون تلك الاشياء في الارض الموات او في الارض العامرة بشريا فان البنايات في البلدان و ان كانت متلاصقة بعضها مع بعضها الآخر في اكثر من جوانبها الا انه رغم ذلك كان لتلك البنايات حريم بالمعنى المزبور مع انها غالبا تبنى و تحدث في الارض الموات و لا يلزم ان يكون لها حريم من جميع جوانبها و اطرافها،لعدم الدليل على ذلك بل و لا مقتضى له لوضوح ان الانتفاع بالدار مثلا انما يتوقف على ان تكون لها مرافق و قد تكون تلك المرافق او اكثرها في داخل الدار كما هو الحال في البلدان غالبا،فعندئذ لا تحتاج هذه الدار الى وجود حريم لها غير مسلك الدخول فيها و الخروج و قد تقدم انه لم يرد تحديد خاص للحريم لدى الشرع بل هو تابع لحاجة الشيء في الانتفاع به كما و كيفا و من الطبيعي انها تختلف باختلاف الامكنة و الازمنة فان حاجته اليه في البلدان تختلف عن حاجته اليه في القرى و الارياف.

نعم تفترق هذه الاشياء اذا كانت في الارض الموات عما اذا كانت

الاراضی 150)


في الارض المعمورة المملوكة في نقطة واحدة،و هي:انه لو قام احد ببناء دار-مثلا-فان كانت في الارض الموات كان لها حريم من بعض اطرافها بمقدار ما يتوقف عليه الانتفاع بها،و لا يجوز لغيره ان يقوم بالتصرف فيه اذا كان مزاحما له في الانتفاع بها.

و اما اذا كانت تلك الدار متصلة بالارض الموات ببعض اطرافها دون بعضها الآخر ففي مثل ذلك لا محالة يكون حريمها من ذلك الطرف يعني-الارض الموات-دون طرفها الآخر،ضرورة ان حريمها لا يكون في ملك الآخر.

و اما اذا كانت متصلة بملك غيره بجميع اطرافها فعندئذ لا حريم لها غير مسلك الدخول فيها و الخروج،فان هذا المسلك اما ان لا يكون من الاول ملكا لغيره،او كان و لكن قد اذن له في التصرف فيه بقيامه ببناء دار له،فحينئذ ليس له الرجوع عن اذنه لعموم التعليل الوارد في رواية الرحى و هو قوله(ع)(و لا يضر اخاه المؤمن) فان رجوعه عن اذنه و المنع عنه ضرر عليه باعتبار ان حريمها منحصر بهذا المسلك فحسب،و ليس لها حريم من اطرافها الأخر،لفرض أنها ملك لاخر،و له التصرف في ملكه بما شاء و اراد و ان فرض ان تصرفه فيه كان مانعا عن انتفاعه بها،و ليس له حق المنع منه، و لا سيرة عقلائية على ذلك.

و من ذلك يظهر:ان الحريم الثابت لدى الشرع و العقلاء هو ما عرفناه كما و كيفا،و لا دليل على ازيد من ذلك.

و اما ما يظهر من كلمات الاصحاب كما في الجواهر-من انه لا حريم في البلدان لأحد من اصحابها كما هو المشاهد فيها،و علل ذلك بامكان تساويهم في الاحياء او نحوه-فلا يمكن الاخذ به،

الاراضی 151)


لما عرفت من ثبوت الحريم فيها بالمقدار الذي يتوقف عليه الانتفاع بها،و قد تقدم انه لا دليل على ثبوت الحريم للأشياء المزبورة باكثر من ذلك،على ان فرض تساوى اصحاب البلدان في الاحياء فرض نادر،فان الغالب هو ان قيامهم باحيائها تدريجي زمنا،لا دفعي كما هو الحال في جميع البلدان الكبار.

الثاني:ان الحريم لا يدخل في ملك احد

-مثلا-حريم الدار لا يدخل في ملك صاحب الدار،و هكذا،و لا يكون متعلقا لحقه،لما عرفت في ضمن البحوث السالفة من ان الملك او الحق في الارض الموات لا يحصل للفرد الا على اساس قيامه باحيائها، و لا يمكن حصوله بدون القيام بهذه العملية،فان العمل هو المصدر الوحيد عند الشرع لاختصاص الفرد بها.

و لكن بالرغم من هذا لا يجوز لغيره التصرف فيه بما يوجب مزاحمته.نعم فيما لا يكون التصرف فيه موجبا للمزاحمة فلا مانع منه.و من هنا قلنا انه ليس متعلقا لحقه أيضا و الا لم يجر التصرف فيه مطلقا،فعدم جواز التصرف فيه في فرض المزاحمة انما هو من شئون تعلق حقه بذيه يعني-لا يجوز لأحد ان يزاحمه في الانتفاع به-و بما ان تصرفه في حريمه مزاحمة له في الانتفاع به فلأجل ذلك انه غير جائز،لا من جهة انه متعلق لحقه بنفسه.

الثالث:ان الارض الموات،و رءوس الجبال،و بطون الاودية
اذا لم تكن حريما لشيء من الاشياء التي مرّت بنا جاز التصرف
فيها باحياء او نحوه،

و لا مانع منه من هذه الناحية،و لا يحق لأي فرد ان يمنع غيره عن ذلك،فان نسبة الجميع اليها على حد سواء،حيث ان المبرر الوحيد لعلاقة الفرد بها انما هو العمل

الاراضی 152)


و بذل الجهد في سبيل بثّ الحياة فيها.و لا اثر للاستيلاء و السيطرة عليها بالقوة و التحكم بدون ذلك،فان الإسلام لا يعترف بالعلاقة بها الا على اساس العمل.

و من ذلك يظهر انه لا يحق لأي فرد ان يقوم يبيعها،و لا اجارتها،و لا تقسيمها بينه و بين غيره،لأن كل ذلك يتوقف على الملك او الحق،و الفرض عدمه.

و على ضوء هذا:فقد تبين حال الاراضي الموات المنسوبة الى طواف خاصة من العرب أو العجم من ناحية ان تلك الاراضي كانت مجاورة لأملاك هؤلاء الطوائف و بيوتهم من دون علاقتهم بها من ناحية الاحياء و العمارة،و من دون كونها حريما لإملاكهم،فان تلك الاراضي ظلت في ملك الامام(ع)،و ليس لهؤلاء حق المنع من التصرف فيها و القيام باحيائها،و لا مطالبة الاجرة بازاء ذلك لما عرفنا من ان الإسلام لا يعترف بالاختصاص بها على اثر الاستيلاء و السيطرة عليها بالقوة بدون العمل.

الرابع:في حدّ الطريق:العام في الارض الموات هل هو
خمسة اذرع او سبعة؟

فيه قولان:

احدهما:ان حدّه في الموات خمسة اذرع،و هو ظاهر المحقق في الشرائع،و حكى عن فخر المحققين نسبته الى كثير من الاصحاب و عن بعض آخر نسبته الى الاكثر.

و تدل على ذلك معتبرة البقباق عن أبي عبد اللّه(ع)قال؛(اذا تشاح قوم في طريق فقال:بعضهم سبع أذرع،و قال:بعضهم الآخر اربع اذرع،فقال أبو عبد اللّه(ع)بل خمس اذرع) 1


 

1) <page number=”152″ />الوسائل ج 13 الباب 15 في احكام الصلح الحديث 1

 

الاراضی 153)


فانها تدل على ان حدّ الطريق الذي يتشاح فيه قوم خمس اذرع

و الاخر:ان حدّه في الموات سبعة اذرع،و نسب هذا القول الى الشيخ،و القاضي،و الحلبي،و الفاضل في جملة من كتبه، و ولده،و الشهيدان،و المحقق الكركي(قد هم).

و تدل على ذلك:معتبرة السكوني عن أبي عبد اللّه(ع) ان رسول اللّه(ص)قال:(ما بين البئر المعطن الى ان قال:

و الطريق يتشاح عليه أهله فحدّه سبع اذرع) 1.

فاذن تقع المعارضة بين هذه المعتبرة و المعتبرة المتقدمة باعتبار ان فيها قد حدّد الطريق المزبور بخمسة اذرع،و في تلك المعتبرة قد حدّده بسبعة،فالمعارضة بين المدلول المطابقي لكل واحدة منهما، و المدلول الالتزامي للأخرى،فان المعتبرة الأولى تدل بالمطابقة على ان حدّه خمسة اذرع،و بالالتزام على ان حده ليس سبعة اذرع.

و المعتبرة الثانية تدل بالمطابقة على ان حدّه سبعة اذرع،و بالالتزام على ان حدّه ليس خمسة اذرع بشرط لا.هذا.

و لكن مرد المعارضة:بينهما لدى الارتكاز العرفي الى المعارضة في المقدار الزائد على الخمسة.و اما فيها فهما متفقتان،غاية الامر ان معتبرة السكوني تدل على اعتبارها في ضمن السبعة،و المعتبرة الاخرى تدل على اعتبارها بشرط لا.

فالنتيجة هي:ان خمسة اذرع لا بد منها على كل تقدير،و انما النزاع بينهما في المقدار الزائد عليها،فان احداهما تثبته،و الاخرى تنفيه،و بما انه لا يتوفر الترجيح لإحداهما على الاخرى لتعالج به مشكلة التعارض بينهما فتسقطان معا عن الاعتبار في مورد المعارضة


 

1) <page number=”153″ />الوسائل ج 17 الباب 1 من ابواب احياء الموات الحديث 5.

 

الاراضی 154)


فاذن المرجع فيه هو عموم ما دل على جواز التصرف في الارض الموات باحياء و عمارة.و نتيجة ذلك هي صحة القول الأول دون القول الثاني.

و بكلمة اخرى:قد ظهر مما قدمناه ان حدّ الطريق العام المبتكر في الارض الموات بكلا جانبيه او احدهما خمسة اذرع،فلا يجوز لأي واحد ان يقوم باحياء منه الموجب لنقصه عن الحدّ المزبور،فلو قام بذلك لزم عليه هدمه.

و قد تحصل من ذلك:ان الطريق العام لا يمكن ان يكون حدّه أقلّ من خمسة اذرع،و اما اذا كان ازيد من ذلك فهل يجوز التصرف في الزائد باحياء او نحوه؟ففيه تفصيل،فان كان الزائد موردا لحاجة المارة من ناحية كثرتها او كثرة وسائلها النقلية لم يجز احيائه على اساس انه يوجب مزاحمتها،و لا سيما في مثل زماننا هذا فان الوسائل النقلية في هذا العصر بما انها تختلف عن الوسائل النقلية في العصور المتقدمة فبطبيعة الحال تكون بحاجة الى طريق اوسع بكثير من الحد المزبور،و لا سيما اذا كان الطريق مزدحما بالمارة بالوسائل المزبورة.

و قد قام على عدم جواز التصرف في الزائد عن الحد المذكور بناء قطعي من العقلاء،و من الطبيعي ان هذا البناء يكون قرينة على ان التحديد في المعتبرتين المتقدمتين مبنى على الغالب،و لا موضوعية له،و المناط انما هو بطبيعة حاجة المارة كما و كيفا.

و لا يمكن ان يكون هذا التحديد فيهما ردعا للبناء المزبور، بداهة انه لا يمكن للشارع ان يجوّز ما ربما يوجب اختلال النظام.

بل للشارع المنع عن هذا التصرف و وضع حد لذلك،كما ان في

الاراضی 155)


عصر الغيبة للحاكم الشرعي ان يمنع عنه،لئلا يلزم الهرج و المرج و اختلال النظام.

و عليه فلا معارضة بينهما،لما عرفنا من ان المعارضة بينهما لو كانت فانما هي في اعتبار الزائد على الخمسة و عدم اعتباره، و بعد ما ذكرناه من ان التحديد بها لما كان مبنيا على الغالب بالاضافة الى الزيادة فلا تدل روايتها على اعتبارها بشرط لا،لكي تنافي رواية السبعة و كذا الحال في تلك الرواية،فانه لا بد من رفع اليد عن ظهور التحديد فيها في الموضوعية بالاضافة الى طرفي القلة و الكثرة معا.

اما بالاضافة الى طرف القلة فبقرينة رواية الخمسة،فانها تدل على كفايتها في فرض عدم الحاجة الى الازيد منها،كما انها تدل على موضوعيتها بالاضافة الى الاقل من ذلك المقدار،لعدم قرينة على رفع اليد عن ظهورها في ذلك.كما كانت متوفرة بالاضافة الى الزيادة-و هي بناء العقلاء-.

و اما بالاضافة:الى طرف الكثرة فلما مرّ بنا الان.

و اما موثقة أبي العباس البقباق عن أبي عبد اللّه(ع)قال:

قلت له(الطريق الواسع هل يؤخذ منه شيء اذا لم يضر بالطريق قال لا) 1فالظاهر ان المراد منه الطريق المسبل،و ذلك لأمرين:

احدها:ان السيرة القطعية قد اسنقرت على جواز التصرف في الطريق المبتكر في الارض الموات و الاخذ منه اذا لم يكن مزاحما للمارة من ناحية،و غير موجب لنقصه عن خمسة اذرع من ناحية اخرى،اذ لا مقتضى للمنع في هذا الفرض اصلا،لأن الارض


 

1) <page number=”155″ />الوسائل ج 13 الباب 27 من ابواب عقد البيع و شروطه الحديث 1.

 

الاراضی 156)


مباحة،و الزائد غير مورد للحاجة.و هذه السيرة تصلح ان تكون قرينة على حمل الطريق في الموثقة على المسبل.

و الآخر:ان حمل الطريق الواسع في الموثقة على ان يكون حدّه خمسة اذرع دون الازيد بحاجة الى قرينة على اساس ان هذا الحمل على خلاف المتفاهم العرفي،و بما انه لا قرينة على ذلك فلا يمكن حمله عليه.

فالنتيجة:ان المراد منه الطريق المسبل.

ثم ان الطريق العام:اذا كان بين بلدين او اكثر فهو بحاجة الى توسع اكثر من الحد المنصوص فيه بكثير،و لا سيما بين البلدان الكبيرة المزدحمة بالجمعية.و اما اذا كان بين قريتين او اكثر فهو ليس بحاجة الى توسع اكثر منه غالبا.

و تؤكد ما ذكرناه:-من انه لا موضوعية للحد المذكور للطريق العام في الروايتين المتقدمتين-جملة من كلمات الاصحاب:

منها:ما عن المحقق في جامع المقاصد:انه يمكن تنزيل المعتبرة المتقدمة على ما اذا لم تدع الحاجة الى ازيد من الخمس).

و منها ما عن الشهيد الثاني في المسالك:انه يمكن حمل اختلاف الروايات على اختلاف الطرق،فان منها ما يكفي فيه الخمس كطرق الاملاك و التي لا تمر عليها القوافل و نحوها غالبا.

و منها ما يحتاج الى السبع،و قد يحتاج بعضها الى الازيد من السبع كالطرق التي تمرّ عليها الحاج بالكنائس و نحوها،فيجب مراعاة قدر الحاجة بالنسبة الى الزائد على المقدار و منها غيرهما هذا من ناحية.

و من ناحية اخرى:هل يجوز نقصه عن خمسة اذرع في فرض عدم حاجة المارة الى هذا المقدار؟الظاهر عدم الجواز كما عرفت

الاراضی 157)


و ذلك لأن الظاهر من التحديد بالخمسة عرفا في المعتبرة هو الموضوعية فرفع اليد عن هذا الظهور بحاجة الى قرينة و لا قرينة في البين الا بالاضافة الى الزائد عن هذا الحد دون الناقص.

هل يجوز تغيير الطريق العام؟

فيه تفصيل فان كان موجبا لمزاحمة المارّة لم يجز قطعا.و اما اذا لم يوجب المزاحمة فالظاهر انه لا مانع منه اصلا.

و النكتة في ذلك انه لا دليل على عدم الجواز،اما الشرع فانه لم يرد فيه ما يدل عليه،و اما السيرة العقلائية فهي انما تقوم على عدم جواز ايجاد المزاحم للمارة،و الفرض عدم المزاحمة فاذن لا سيرة أيضا

ان شئت قلت:ان الطريق العام المبتكر في الارض الموات لا يخضع لمبدإ الحق الخاص او العام،و انما الثابت هو عدم جواز مزاحمة المارة فيه،فمعنى كونه متعلقا لحقها انما هو بهذا المعنى و عليه فاذا افترضنا ان تغييره و تبديله الى موضع اخر ليست مزاحمة لها فلا مانع منه على اساس انه ليس فيه تفويت لحقها.

و من ذلك يظهر:انه اذا انقطعت المارّة عنه و ترك،اما لوجود مانع،او لعدم الحاجة اليه زال حكمه بزوال موضوعه،و عندئذ فلا مانع من القيام باحيائه و عمارته.و كونه متعلقا لحق المارة انما هو في فرض وجودها و عبورها عنه،و اما بعد فرض انقطاعها عنه فلا حق لها فيه اصلا،ليكون مانعا عن ذلك.

الاراضی 158)


الطريق العام المسبل

اذا جعل الشخص ارضه شارعا عاما بأن يسبلها تسبيلا دائميا لم يجز التصرف فيها باحياء أو نحوه و ان لم يكن مزاحما للمارة على اساس انه وقف،و من الطبيعي انه لا يجوز التصرف في الوقف بما ينافي جهته،و لا فرق في ذلك بين ان يكون حدّه خمسة اذرع او اكثر او أقلّ،و سواء أ كان الزائد على الخمسة موردا لحاجة المارة أم لم يكن،بداهة انه يتبع جعله كما و كيفا سعة و ضيقا،فلا يحق لأي واحد التصرف فيه بما ينافي جهة جعله.

بقى هنا نوع ثالث:من الطريق العام-و هو الواقع بين
الاراضي العامرة للناس

-،كما اذا افترض وجود قطعة من الارض الموات بين هذه الاراضي و تلك القطعة قد اصبحت طريقا عاما من جهة استطراق الناس منها،فانه ليس لهذا الطريق حدّ خاص سعة و ضيقا،لأنه كان على ما هو عليه من السعة فلا يجب على الملاك توسيعه ان كان أقلّ من خمسة اذرع و ان فرض انه اصبح ضيقا على المارّة.

نعم ان كان زائدا عن الخمسة و لم يكن الزائد موردا للحاجة جاز التصرف في الزائد باحياء أو نحوه.

نتيجة هذا البحث عدة خطوط

الأول:ان حدّ الطريق العام المبتكر في الارض الموات شرعا خمسة اذرع لا أقلّ منها،

الاراضی 159)


فلا يجوز التصرف فيه بما يوجب نقصه عن هذا المقدار.و اما بالاضافة الى الزيادة عنها فقد مرّ بنا عدم حدّ له،بل هو يتبع من هذه الناحية مقدار حاجة المارة في السعة و الضيق.

الثاني:ان هذا الطريق اذا كان زائدا عن المقدار المحدد من
قبل الشرع جاز التصرف في الزائد اذا لم يكن موردا لحاجة
المارّة.

و اما اذا كان موردا لها فلا يجوز:

الثالث،انه لا مانع من تغيير هذا الطريق و تبديله اذا لم تكن
فيه مزاحمة للمارة،

و الا لم يجز.

الرابع:ان الطريق المسبل تابع لكيفية الجعل و التسبيل

فلا يجوز التصرف فيه بما ينافي جهة جعله.

النقطة السابعة
لا يحصل للمحيي ملك او حق على اساس قيامه بالاحياء اذا
كانت الارض محجرة من قبل غيره،

فانه يحصل له حق فيها على اساس قيامه بتحجيرها،فلا يجوز لغيره ان يقوم باحيائها و عمارتها فانه يوجب تفويت حقه،فما دام لم يسقط حقه عنها فلا يوجب الاحياء علاقة المحيى بالارض،و نقصد بحق المحجر اولوية تصرفه فيها-باحياء و عمارة-من غيره هذا لا كلام فيه.و انما الكلام في دليل ذلك.

الموجود في بعض كلمات الاصحاب ان عمدة الدليل عليه الاجماع و التسالم.

الاراضی 160)


و عن العلامة في التذكرة،و الشهيد الثاني(قده)في المسالك ان التحجير شروع في الاحياء،فاذا افاد الاحياء الملك افاد التحجير الذي هو شروع فيه الاولوية لا محالة.

و قد يستدل على ذلك بالرواية الدالة على ان من سبق الى ما لم يسبق اليه مسلم فهو له.و غير خفى:ان كلا منها لا يصلح ان يكون دليلا.

اما الاجماع:فهو غير متحقق لوجود المخالف في المسألة و على تقدير تسليم تحققه فهو اجماع منقول و قد حقق في الاصول انه لا دليل على اعتباره.

و اما ما عن العلامة و الشهيد الثاني(قدهما)من الملازمة بين كون الأحياء مفيدا للملك و كون التحجير مفيدا للأولوية فلا دليل عليه اصلا الا ان يكون نظرهما الى ان بناء العقلاء قائم على ذلك و هو غير بعيد،كما سوف نشير اليه.

و اما الرواية فلم نعثر عليها من طرق الخاصة،و انما هي مروية من طرق العامة،و عليه فلا اثر لها اصلا.على انها لو ثبتت لكان حالها حال روايات الاحياء الظاهرة في افادة الملك،و هي مقطوع البطلان على أساس ان التحجير لدى الاصحاب لا يفيد الملك جزما.

فالصحيح في المسألة ان يقال:ان الدليل على كون عملية التحجير تمنح حق الاولوية لمن يقوم بها انما هو سيرة العقلاء و حيث لم يرد ردع عنها من قبل الشرع فهي على اساس ذلك لا محالة تكشف عن امضاء الشارع لها،فيكون دليلا في المسألة.

ثم ان المتيقن:من تلك السيرة انما هو فيما اذا اراد المحجر

الاراضی 161)


القيام بعملية الاحياء،و هذا يعني-ان التحجير لدى العرف و العقلاء انما يمنح حق الاولوية للمحجر على اساس انه شروع في عملية الاحياء و ابتداء لها-.

و اما اذا كان قاصدا به السيطرة على مساحة كبيرة من الارض و الاستيلاء عليها-من دون ان يكون بصدد احيائها و استثمارها و الاستفادة من ثرواتها-فالظاهر بل المقطوع به انه لا اثر لتحجيره هذا نهائيا،حيث لم يحرز جريان السيرة من العقلاء على انه مفيد لحق الاولوية مطلقا حتى في هذا الفرض،بل لا يبعد دعوى قيام السيرة منهم على عدم ترتيب اثر عليه على اساس انهم يرون ان ذلك يضرّ بالعدالة الاجتماعية،و يوجب الضيق على الاخرين و تفويت حقوقهم.

و من هنا يعتبر في كون عملية التحجير مفيدة لحق الاولوية تمكن المحجّر من القيام بالاحياء و العمارة و الا لم تكن مفيدة له،و اما اذا كان متمكنا من القيام به ثم زال عنه التمكن فان كان موقتا لم يزل حقه عنها و الا زال و جاز للاخر ان يقوم باحيائها،كما ان الامر كذلك اذا امتنع من القيام بعملية الاحياء و الاستثمار.

و النكتة في كل ذلك:ما اشرنا اليه آنفا من ان سيرة العقلاء انما قامت على كون عملية التحجير مفيدة للحق اذا كان المحجر قاصدا به الشروع في عملية الاحياء،فلا تكون عملية التحجير لدى العرف و العقلاء و كذا لدى الشرع مفيدة للحق في مقابل عملية الاحياء.

ثم انه اذا انمحت آثار التحجير نهائيا سقط حق المحجّر، سواء أ كان محو آثاره من ناحية اهماله و تسامحه أم كان من ناحية سبب خارجي،كما اذا ازلها عاصف او غيره.اما سقوط حقه على الاول فواضح.و اما على الثاني فلان حقه متقوم بالآثار التي هي

الاراضی 162)


علامة للتحجير لدى العرف و العقلاء،فاذا زالت تلك الآثار زال حقه بزوال موضوعه و ان فرض انه كان بسبب خارجي.هذا من ناحية.

و من ناحية اخرى اذا ترك المحجّر الاحياء مدة من الزمن -و ان كان غرضه من القيام به هو الشروع في الاحياء،لا مجرد دخول الارض تحت سيطرته و استيلائه-فعندئذ هل يسقط حقه؟ فيه وجهان:

المعروف و المشهور:انه لا يسقط،و هو الظاهر،و ذلك لعدم الموجب لسقوطه،فان الفصل الزماني بينه و بين الاحياء لا يكون موجبا لذلك،بل مقتضى الاستصحاب بقائه و عدم سقوطه.

نعم بما ان تعطيل الارض على خلاف المصلحة العامة للامة فمن بيده الامر اجباره على القيام بالاحياء،فان امتنع سقط حقه نهائيا.

قد يقال:كما قيل:ان مقتضى مجموعة من الروايات سقوط حقه اذا عطل الارض ثلاث سنين متوالية من دون علة.

منها:رواية يونس:عن العبد الصالح(ع)قال:قال:

ان الارض للّه تعالى جعلها وقفا على عباده،فمن عطل ارضا ثلاث سنين متوالية لغير ما علّة اخذت من يده،و دفعت الى غيره،و من ترك مطالبة حق له عشر سنين فلا حق له 1.

و منها:روايته الاخرى عن رجل عن أبي عبد اللّه(ع)قال:

من أخذت منه أرض ثم مكث ثلاث سنين لا يطلبها لم يحل له بعد ثلاث سنين ان يطلبها 2.

و يردّه:انه لا يمكن الاستدلال بهاتين الروايتين على الحكم المذكور باعتبار انهما ضعيفتان سندا فلا يمكن الاعتماد عليهما


 

1) <page number=”162″ />الوسائل ج 17 الباب 17 من ابواب احياء الموات الحديث 1.
2) الوسائل ج 17 الباب 17 من ابواب احياء الموات الحديث 2.

 

الاراضی 163)


اصلا،فاذن لا دليل على التحديد المزبور،و العبرة انما هي بما ذكرناه.

نعم اذا ترك المحجّر القيام بالاحياء و العمارة استنادا الى عذر لديه كعدم توفر المواد للإحياء او نحو ذلك لم يسقط حقه ما دام العذر باقيا،الا اذا طال عذره بحيث يعدّ ذلك لدى العرف تعطيلا للأرض رغم حاجة الاخرين اليها،فعندئذ يتدخل من بيده الامر فيأذن لغيره بالقيام باحيائها مع مراعاة حقه اي-حق المحجّر-.

بقى الكلام:فيما يتحقق به التحجير،الظاهر انه يتحقق بكل ما يدل على انه اراد به الشروع في احياء الارض بزرع،او عمارة او غرس اشجار،او ما شاكل ذلك كحفر الاساس لبناء دار-مثلا- او حفر قناة في الارض الموات،فانه تحجير بالاضافة اليها التي تسقى بمائها،او حفر بئر من آبار القناة الدارسة المهجورة،فانه تحجير بالاضافة الى بقية آبار تلك القناة،بل لا يبعد كونه تحجيرا بالاضافة الى الارض التي تسقى من مائها.

فالنتيجة:ان التحجير مفهوم عرفي و ليس له حد خاص لدى الشرع،فالمرجع في تحققه هو العرف.

نتيجة هذا البحث ثلاث نقاط

الاولى:ان الدليل على كون عملية التحجير سببا لحق الاولوية
انما هو بناء العقلاء،

و اما غيره من الوجوه التي تقدمت فقد عرفنا عدم تمامية شيء منها.

الثانية:ان سببية التحجير لحق الاولوية انما هي بوصف كونه شروعا في عملية الاحياء و العمران،

الاراضی 164)


و بداية لهذه العملية،لا بوصف كونه عملية مستقلة منفصلة عنها.

الثالثة:ان الحق الحاصل من عملية التحجير ينقطع نهائيا بزوال
آثاره و علائمه و لو بسبب خارجي.

نعم لو أخر الاحياء و اهمل في أمره رغم بقاء آثاره فحفه و ان لم يسقط الا ان من بيده الامر يجبره على ذلك،فان امتنع سقط حقه.

النقطة الثامنة [هل يعتبر في تأثير الاحياء أن لا تكون الأرض موطنا للعبادة من قبل الشرع كعرفة و منى و المشعر]

ان عملية الاحياء بوصف كونها سببا لاختصاص المحيي بالارض على مستوى الحق او الملك على الخلاف المتقدم انما هي فيما اذا لم تجعل الارض من قبل الشرع موطنا للعبادة و مشعرا لها كعرفة، و المنى،و المشعر،و غيرها من الاماكن المقدسة و المواضع المشرفة التي جعلها اللّه تعالى مناسكا للعبادة،و انها في الحقيقة ليست من الموات الذي هو بمعنى المعطل عن الانتفاع.

و قد استدل على ذلك:في الجواهر بتعلق حقوق المسلمين بها، بل قال:هي اعظم من الوقف الذي يتعلق به حق الموقوف عليهم بجريان الصيغة من الواقف على اساس ان الشرع هو الذي جعلها موطنا للعبادة خاصة من دون اجراء صيغة عليها.و منها ما جعله اللّه تعالى مسجدا كمسجد الحرام و مسجد الكوفة.و من المعلوم انه كما لا يجوز التصرف في الوقف باحياء و عمارة،كذلك لا يجوز التصرف في تلك المواطن المقدسة باحياء و نحوه،فانه مناف للجعل المزبور من رب الجليل،و تفويت للمصلحة العامة فيه.

الاراضی 165)


و لا فرق في ذلك:بين ان يكون التصرف في تمام اجزائها او في بعضها،و بين ان يكون مزاحما للمتعبدين فيها و ان لا يكون مزاحما لهم،بل في الجواهر جعل جواز التصرف-حتى فيما لا يوجب المزاحمة و الضيق-منافيا للضروري من للشرع.هذا.

و لكن المحقق في الشرائع قال:اما لو عمّر فيها ما لا يضر و لا يؤدي الى ضيقها عما يحتاج اليه المتعبدون كاليسير لم امنع منه، و وافقه عليه بعض من تأخر عنه.

و الصحيح ما افاده المحقق(قده).

و الوجه فيه:انه لا يقاس تلك الاماكن المشرفة بالوقف كالمسجد و المدرسة و ما شاكل ذلك،فان الوقوف حسب ما يوقفها اهلها فلا يجوز التصرف فيها بما ينافي جهة وقفها.و اما هذه الاماكن المحترمة فليست بوقف شرعا،و لذا لا تترتب عليها احكام الوقف،و مجرد ان اللّه تعالى جعلها مشعرا للعبادة و موطنا لها في وقت خاص من ايام السنة لا يوجب كونها وقفا بالمعنى المعهود،و ليس لنا دليل آخر يدل على انها وقف.

و عليه فلا مانع من التصرف فيها بما لا يوجب المزاحمة و الضيق على المتعبدين،كما اذا كان في غير اوقات النسك،فان كونها متعلقة لحقوق المسلمين معناه انه لا تجوز مزاحمتهم في اوقات قيامهم بالنسك و الاعمال فيها،و اما في غير تلك الاوقات فلا مقتضى لعدم جوازه.

و من هنا يظهر انه لا مانع من الزرع الفصلي فيها يعني- في غير فصل النسك و الاعمال-على اساس انه لا يوجب المزاحمة، بل لا مانع من تأسيس عمارات و بيوت سكن فيها التي تؤجر في تلك الاوقات من الناسكين و المتعبدين نظرا الى انها لم تكن مزاحمة لهم.

الاراضی 166)


فالنتيجة في نهاية الشوط:ان المقدار الثابت انما هو عدم جواز التصرف فيها بما يوجب المزاحمة في اوقات النسك و العبادات و اما اذا لم يكن مزاحما فلا دليل على عدم جوازه اصلا،بل لا شبهة في انه يوجب علاقة المتصرف بها.

النقطة التاسعة [ان تأثير الأحياء إنما هو فيما إذا لم تكن الأرض مما أقطعه الإمام ع]

ان عملية الاحياء:-بوصف كونها سببا لصلة المحيي برقبة الارض على مستوى الملك او الحق على الخلاف المتقدم-انما هي فيما اذا لم تكن رقبة الارض مما اقطعه الامام(ع)و الا فلا اثر للإحياء اصلا،فان الامام(ع)اذا اعطى قطعة من الارض الموات لشخص فهي تصبح ملكا له،حيث ان للإمام(ع)ذلك من جهتين.

احداهما:من جهة ولايته(ع)العامة.

و ثانيتهما:ان الارض الموات بما انها داخلة في ملكه(ع) كما عرفت فله اختصاص فرد او طائفة بقطعة منها على مستوى الحق او الملك،فان كل ذلك بيده(ع)و تحت اختياره.و من الطبيعي انه لا يجوز تصرف غيره فيها بعد هذا الاختصاص،لأنه تصرف في ملك غيره او فيما له حق فيه.

و قد روى ان النبي الاكرم(ص)اقطع-الدور-لعبد اللّه ابن مسعود-و هي اسم موضع بالمدينة-،و اقطع وابل بن حجر -ارضا بحضرموت-،و اقطع الزبير-عدو فرسه-و اقطع بلال بن الحارث-العقيق-.

و كيف كان فلا شبهة في ان للنبي الاكرم(ص)ذلك،و كذا

الاراضی 167)


للأئمة الاطهار(ع)،و ان ما اقطعه فهو خاص لمن قطع له،الا ان الكلام انما هو في اثبات ذلك صغرويا و هو لا يمكن،حيث لم يقم لنا دليل معتبر على ذلك،لا في الموارد المذكورة،و لا في غيرها.

فالنتيجة:ان المسألة و ان كانت ثابتة كبرويا الا انه لا طريق لنا الى احراز صغرى لها في شيء من الموارد.و عليه فلا نتيجة عملية لهذه المسألة خارجا.

النقطة العاشرة
هل يعتبر في سببية الاحياء لصلة المحيي بالارض قصدها،

غاية الامر ان كانت الصلة على مستوى الملك اعتبر قصد حصول الملك و ان كانت على مستوى الحق اعتبر قصد حصول الحق؟فيه وجهان:

بل قولان:

و عن الشهيد(قده)في الدروس اختيار القول الاول.

و لكن الظاهر هو القول الثاني.

و السبب فيه:انه لا دليل على اعتبار قصد التملك زائدا على قصد الاحياء.

اما الروايات:فلا يكون في شيء منها تعرض لهذه الجهة اصلا فانها في مقام بيان سببية الاحياء لعلاقة المحيي بالارض،و المتفاهم منها لدى العرف كفاية قصد الاحياء بوصف كونه سببا لها بلا حاجة الى قصد حصول الملك به او الحق

و اما سيرة العقلاء:فلا تدل على اعتبار ذلك بوجه،ضرورة انها انما قامت على ان عملية الاحياء سبب لعلاقة المحيي بالارض،

الاراضی 168)


و لازم ذلك انه لا يعتبر في سببيتها سوى قصد المحيي هذه العملية.

و لكن يمكن ان يقال:ان قصد عملية الاحياء يغنى عن قصد تلك العلاقة،حيث ان قصدها يلازم ذلك القصد و لو ارتكازا فلا ينفك احدهما عن الآخر.

و بكلمة اخرى:ان اعتبار قصد المذكور لا يلزم ان يكون تفصيليا،بل يكفي كونه اجماليا و ارتكازيا كالنية المعتبرة في صحة العبادات،و هذا القصد الإجمالي موجود على اساس انه لازم لقصد الاحياء اجمالا و لا ينفك عنه،فان قيام الفرد بعملية الاحياء ان كان لنفسه فهو بطبيعة الحال قاصدان ما احياء له و لو ارتكازا،و ان كان لغيره كما اذا كان اجيرا من قبله فهو لا محالة قاصد ان ما احياء لغيره و ان كان ذلك بالارتكاز.

و على ضوء ذلك:فلا حاجة الى اعتبار قصد حصول الاختصاص زائدا على قصد عملية الاحياء،فانه لغو بعد فرض عدم انفكاكه عنه خارجا.

الى هنا قد انتهى الكلام في عملية الاحياء،و ما يترتب عليها من الملك او الحق،و شرائط تأثيرها في ذلك.

الاراضی 169)


الملاحق

بحث موضوعي في عدة جهات في دائرة الشريعة الاسلامية في ضمن اربعة ملاحق و لها صلة بالابحاث السالفة دول احياء الارض الموات الملحق الاول

الاراضی 170)


الاراضی 171)


الملحق الاول
هل يحصل للشخص علاقة بما يحييه المتبرع من قبله،او الوكيل
او الاجير.

فيقع الكلام في جهات ثلاث:

الجهة الاولى:احياء المتبرع.

الجهة الثانية:احياء الوكيل،

الجهة الثالثة:احياء الاجير.

اما الجهة الأولى فحصول الملك أو الحق للمتبرع له باحياء المتبرع
يقوم على اساس امكان اضافة عملية الاحياء الى غير المباشر لها

-و هو المتبرع له في مفروض المسألة-بأن يكون قيام المتبرع باحياء الارض و عمارتها مقدمة لسيطرة غيره عليها،و موجبا لإضافتها اليه.

و لكن لا يمكن تحقق هذه الاضافة،فان عملية الاحياء بما انها فعل تكويني خارجي فهي تقوم بالمحيي نفسه قياما مباشريا،و من الطبيعي انها بالرغم من قيامها به لا تعقل اضافتها بنفسها الى غيره، فان منشأ الاضافة اليه على حدّ اضافة الفعل الى الفاعل انما هو صدورها عنه،و المفروض هنا عدمه،و من الواضح ان مجرد نية المتبرع لا يصحح الاضافة كما هو الحال في غيره من الافعال التكوينية و عليه فلا يوجد مبرر و سبب لملكية غير المباشر او احقيته،و الاحياء بما انه قائم بالمحيي فهو يبرر علاقته بما يحييه دون غيره.

و اما الجهة الثانية-و هي ما اذا وكل شخص غيره في إحياء الارض

فاذا قام الوكيل باحيائها و عمارتها لموكله فهل يحصل للمؤكل ملك او

الاراضی 172)


حق على اساس احياء الوكيل نظرا الى ان فعل الوكيل فعل الموكل و احيائه احيائه،كما ان عقده عقد المؤكل؟فيه انه يرتكز على تعقل صحة اسناد فعل الوكيل من جهة الوكالة الى الموكل،ليكون احياء الوكيل احياء المؤكل.

و لكن لا يتعقل هذا الاسناد و الانتساب في المقام و امثاله،و ذلك لان انتساب فعل الوكيل الى المؤكل انما هو في الامور الاعتبارية كالبيع،و الاجارة،و الهبة،و المضاربة،و النكاح،و الطلاق،و ما شاكل ذلك،فانه-على اساس الوكالة في تلك الموارد-يصدق على المؤكل انه باع داره-مثلا-اذا باع وكيله،او انه عقد على امرأة اذا عقد وكيله،و هكذا.

و اما في الامور التكوينية كالإحياء و نحوه فلا يعقل انتساب فعل الوكيل الى المؤكل على اساس الوكالة،فان الفعل الخارجي التكويني بطبعه غير قابل للتوسعة في الانتساب،فانه انما ينتسب الى من يقوم به هذا الفعل بنحو من انحاء القيام دون غيره،لعدم علاقته به،و الوكالة فيه لا توجب هذه العلاقة و الانتساب،لوضوح انه لا يصدق على المؤكل انه استقبل فلانا اذا استقبل وكيله،أو زار فلانا اذا زار وكيله،او زار أمير المؤمنين(ع)اذا زار وكيله، و هكذا،و الاحياء بما انه فعل خارجي تكويني،حيث انه عبارة عن خلق الاستيلاء و السيطرة خارجا على شيء بالجهد و العمل فهو غير قابل للانتساب الى غير المحيي بالوكالة.

و دعوى-ان حقيقة الوكالة ترجع الى تنزيل فعل الوكيل بمنزلة فعل المؤكل ابتداء،او باعتبار ان الوكيل وجود تنزيلي للمؤكل، و من الواضح انه كما يصح تنزيل فعل الوكيل بمنزلة فعل المؤكل

الاراضی 173)


في الامور الاعتبارية،كذلك يصح في الامور التكوينية أيضا اذا كان هناك دليل،فالوكالة في كلا الموردين بحاجة الى دليل على التنزيل،فكما انه لا تكفي في صحتها في المورد الثاني نفس النصوص الدالة على حصول الملك او الحق للمحيي على اساس قيامه بعملية الاحياء،فكذلك لا تكفي في صحتها في المورد الاول نفس العمومات الاولية الدالة على صحة البيع و الاجارة و نحوهما،فاذن لا فرق بين الموردين من هذه الناحية.

-خاطئة جدا و لا واقع موضوعي لها،و ذلك لان صحة الوكالة في الامور الاعتبارية ليست بحاجة الى دليل خاص،بل تكفي في صحتها نفس العمومات المزبورة،لان صحة اسناد فعل الوكيل الى المؤكل فيها على القاعدة،لا بملاك تنزيل فعله بمنزلة فعل المؤكل الا ترى ان البيع الصادر من الوكيل يصح اسناده الى المؤكل واقعا و حقيقة بدون حاجة الى تنزيل اصلا.

و النكتة فيه:ان المعاملات بمضامينها الاعتبارية انما هي قائمة بالاصيل،لا بالوكيل،فانه انما هو وكيل في إنشاء هذه المضامين في عالم الاعتبار،مثلا-بيع-بمضمونه الواقعي الاعتباري-و هو تبديل طرفي الاضافة-قائم بالمالك على اساس ان المبيع يخرج من طرف اضافته مقابل دخول الثمن فيه،لا بالوكيل،فان القائم به انما هو إنشاء هذا المضمون و ايجاده الاعتباري.

و عليه:فاذا بيع دار زيد-مثلا-من قبل وكيله صح ان يقال:

ان زيدا باع داره على اساس ان حقيقة البيع-و هي خروج الدار من طرف اضافته بازاء دخول الثمن فيه-قائمة بالمالك،و لأجل هذه النكتة يصح اطلاق البائع عليه حقيقة،و الا فمن الواضح ان

الاراضی 174)


إنشاء مضمون المعاملة بالصيغة او نحوها لم يصدر من المالك و انما هو صادر من الوكيل.بل ربما لا يصح اطلاق البائع على الوكيل كما اذا كان وكيلا في مجرد اجراء الصيغة فحسب،كما هو الحال في باب النكاح.

و قد تحصل من ذلك:ان اطلاق البائع على المالك فيما اذا بيع ماله من قبل وكيله انما هو بملاك ان البيع بمعناه المسبي -الذي هو روحه و واقعه الموضوعي-قائم به و هكذا الحال في غيره.

فاذن صحة اسناد بيع الوكيل او اجارته او نكاحه او طلاقه الى المؤكل حقيقة تكون على القاعدة فلا تحتاج الى عناية زائدة كالتنزيل او نحوه،فان التنزيل-اضافة الى انه لا دليل عليه، لا في الروايات،و لا في بناء العقلاء-لا يصحح الاسناد،فان مرد التنزيل الشرعي الى الحكومة و التوسعة في دائرة الحكم يعني-ان ما للمنزل عليه من الاثر يترتب على المنزل-بمقتضى دليل التنزيل فانه يجعل المنزل من افراد المنزل عليه حكما و عناية،لا حقيقة و واقعا،فما دل على تنزيل بيع الوكيل بمنزلة بيع المؤكل فمرده الى ان ما يترتب على بيع المالك يترتب على بيع الوكيل أيضا،لأنه فرد من بيع المالك تنزيلا.

و لكن هذا التنزيل لا يوسع دائرة الاسناد يعني-لا يدل على صحة اسناد بيع الوكيل الى المالك حقيقة-فان مفاده كما عرفت تنزيل بيع الوكيل بمنزلة بيع المؤكل في الاثر،و ليس مفاده صحة اسناد بيع الوكيل الى المؤكل حقيقة.

لان باب التنزيل باب التوسعة في دائرة الحكم،لا دائرة الاسناد كما هو الحال في بقية موارد ادلة التنزيل،فانها توسع دائرة الحكم

الاراضی 175)


و الاثر،لا دائرة الاسناد،-مثلا-اذا افترض وجود دليل يدلنا على تنزيل الشك منزلة العلم،فانه لا يصحح اسناد العلم الى الشاك على اساس انه بمقتضى دليل التنزيل اصبح عالما،بل انه يدل على ان ما يترتب على العلم فهو يترتب على الشك أيضا.

ثم ان ما ذكرناه-من ان دليل التنزيل لا يوسع دائرة الاسناد-نقصد به التوسعة حقيقة،و اما عناية و حكما فلا مانع بمعنى ان دليل التنزيل كما يوسع دائرة الموضوع عناية و حكما،لا حقيقة، كذا يوسع دائرة الاسناد كذلك،فان توسعة احدهما ملازم لتوسعة الاخر،فاذا جعل بيع الوكيل بيعا للمؤكل تنزيلا فلا محالة يصح اسناده اليه أيضا كذلك،و كذا الحال في سائر موارد التنزيل فانه اذا نزل الشك منزلة العلم،فكما انه يوجب توسع دائرة العلم تنزيلا و عناية،فكذا يوجب توسع دائرة اسناده كذلك، فيصح اسناده الى الشاك مجازا و عناية بعد هذا التنزيل.

نعم ان التوسعة حقيقة في موارد التنزيل انما هي في دائرة الحكم و الاثر فحسب،دون غيره.

فالنتيجة في نهاية الشوط:ان التنزيل لا يمكن ان يصحح اسناد فعل الوكيل الى المالك حقيقة اذا لم يصح الاسناد كذلك في مرتبة سابقة على هذا التنزيل،و قد تقدم ان الاسناد صحيح في الامور الاعتبارية بقطع النظر عن التنزيل المذكور و غير صحيح في الامور التكوينية حتى على اساس هذا التنزيل.

قد يقال:كما قيل:في وجه تصحيح الوكالة في الامور الاعتبارية ان مرد التوكيل بالارتكاز لدى العرف الى إنشاء مضمون المعاملة على سبيل التعليق،فتوكيل المالك في بيع داره معناه إنشاء بيعها

الاراضی 176)


على تقدير بيع الوكيل للدار بحيث يكون إنشاء البيع للمالك فعليا يتضمنه نفس إنشاء الوكالة بالارتكاز العرفي و المنشأ يكون معلقا على حصول البيع من الوكيل،فعندئذ يصح اسناد البيع الى المالك حقيقة عند تحقق البيع من الوكيل.

و هذا التعليق لا يضر،فان الدليل على بطلان التعليق في المعاملات انما هو احد امرين:

اما الاجماع التعبدي.

و اما ان المعاملة المعلقة في مرحلة الانشاء مخالفة للارتكاز العرفي فلا تكون مشمولة للإطلاقات الدالة على الصحة.

اما الاول:فهو منعقد على صحة الوكالة بهذا المعنى الارتكازي

و اما الثاني:فهو على وفق الارتكاز،لا انه على خلافه.

و لنأخذ بالنقد عليه:ان هذا البيان و ان كان يصحح اسناد فعل الوكيل الى المؤكل في الامور الاعتبارية الا انه على خلاف الارتكاز القطعي لدى أذهان العرف و العقلاء،ضرورة ان الموكل حين إنشاء الوكالة في معاملة لا ينشأ مضمونها معلقا على اتيان الوكيل بها بحيث يكون الانشاء من المالك فعليا تتضمنه نفس إنشاء التوكيل بالارتكاز العرفي،و المنشأ يكون معلقا على حصول المعاملة من الوكيل، فان المالك كثير ما يكون غافلا عن ذلك فضلا عما اذا كان منشأ لها في ضمن إنشاء التوكيل على النحو المزبور،فليس معنى توكيل المالك في بيع داره إنشاء بيعها على تقدير بيع الوكيل للدار بحيث يكون الانشاء فعليا و المنشأ يكون معلقا على بيعه،بل معناه إنشاء الوكالة فحسب من دون إنشاء آخر في ضمنه،بل ربما لا يخطر بباله نهائيا،و يظهر صدق هذا لكل من راجع وجدانه حين جعل

الاراضی 177)


الوكالة في معاملة من المعاملات فانه يرى انه ليس الموجود في نفسه الا إنشاء الوكالة فقط،دون إنشاء ما فيه الوكالة.و بالرغم من هذا كيف يكون ذلك موافقا للارتكاز العرفي.

على ان هذا:لو تم فانما يتم فيما اذا افترضنا كون الفرد وكيلا من قبل المالك في معاملة خاصة كبيع داره-مثلا-و اما اذا افترضنا انه وكيل مفوض من قبله في جميع معاملاته نفيا و اثباتا كما و كيفا فلا يمكن اتمام ذلك بوجه،و ذلك لان المالك جاهل بما يأتي به وكيله من انواع المعاملات في المستقبل،و بالرغم من هذا كيف يمكن له إنشائها على تقدير اتيان وكيله بها،لان إنشاء مضمون معاملة يتوقف على احرازها.فما لم يحرز انها بيع او اجارة او مضاربة او نكاح او طلاق فكيف يمكن له إنشاء مضمون البيع او الاجارة او غير ذلك.

و دعوى-ان إنشاء تلك المعاملات من المالك تفصيلا حين جعل الوكالة و ان كان غير موجود الا ان إنشائها ارتكازا موجود-خاطئة جدا،فانه-مضافا الى ان ذلك ليس امرا مركوزا في افق النفس- ان الانشاء الارتكازي لا يجدى في باب المعاملات اصلا،لا في صحتها،و لا في اسنادها.

لحد الان قد تبين:ان منشأ صحة الوكالة في الامور الاعتبارية ما ذكرناه.

و بما ان ما ذكرناه من النكتة لصحة الوكالة فيها لا تتوفر في الامور التكوينية فلا يمكن تصحيحها في تلك الامور على اساس تلك النكتة،و لا دليل آخر على صحتها فيها.

و لكن مع هذا كله:لا يبعد دعوى بناء العقلاء على صحة الوكالة

الاراضی 178)


في مثل عملية الاحياء،و الحيازة،و القبض،و ما شاكل ذلك.

و من هنا كان المشهور بين الفقهاء صحة الوكالة في القبض،رغم انه امر تكويني.

و السرّ فيه:ان هذه الامور و ان كانت تكوينية،الا انها لدى العرف و العقلاء تمتاز عن غيرها من الامور التكوينية كالأكل و الشرب و القيام و القعود و ما شاكل ذلك في امكان انتسابها الى غير المباشر لجهة من الجهات كالوكالة و نحوها.

و توكد ذلك:صحيحة محمد بن أبي عمير في نوادره عن غير واحد من اصحابنا عن أبي عبد اللّه(ع)في رجل قبض صداق ابنته من زوجها ثم مات هل لها ان تطالب زوجها بصداقها،او قبض أبيها قبضها؟فقال:(ع)(ان كانت وكلته بقبض صداقها من زوجها فليس ان تطالبه،و ان لم تكن وكلته فلها ذلك)الحديث 1

فان موردها و ان كان خصوص القبض الا انها تدل على ان الفعل التكويني كالقبض قابل للوكالة.

و اما الجهة الثالثة:و هي ما اذا استاجر فرد غيره لإحياء الارض
فهل تحصل للمستأجر علاقة بها من جهة قيام اجيره باحيائها؟

فيه وجهان:

المعروف و المشهور بين الاصحاب هو الاول.

و قد استدل على ذلك:بان حياة الارض نتيجة لعملية الاحياء و اثر لها،و بما ان المستأجر يملك تلك العملية بمقتضى عقد الاجارة فيملك الارض المحياة بتبع ملكيته للإحياء على اساس ان من ملك الشيء ملك آثاره و نتاجه.


 

1) <page number=”178″ />الوسائل ج 13 الباب 7 في احكام الوكالة الحديث 1.

 

الاراضی 179)


و فيه:ان اريد بذلك ان الارض المحياة نماء لعملية الاحياء كالثمرة التي هي نماء للشجرة فكما ان مالك الشجرة يملك ثمرتها فكذلك مالك عملية الاحياء يملك الارض المحياة التي هي نماء لها فيرد عليه ان الامر ليس كذلك لوضوح الفرق بين البابين فان الثمرة نماء طبيعي للشجرة و هذا بخلاف الارض المحياة فانها ليست نماء طبيعي لعملية الاحياء

و ان اريد به:ان نتيجة عملية الاحياء و اثرها التكويني هي الارض بوصف كونها محياة فكل من يكون مالكا لتلك العملية فبطبيعة الحال يكون مالكا لنتاجها و اثرها أيضا بالتبع،من دون فرق في ذلك بين كون ملكية العملية المزبورة ملكية ذاتية كملكية الفرد لها بوصف كونها فعله،او اعتبارية كملكية المستاجر لها في ذمة الاجير.فكما انه على الاول يملك الارض المحياة-تبعا-على اساس ملكيته لتلك العملية بالذات،فكذا على الثاني يملكها-كذلك-على اساس ملكيته لها بالاعتبار.

و ان اريد به:ذلك.

فانه غير بعيد:فان ملكية النتيجة و الاثر-تبعا-على اساس ملكية الاصل انما هي على طبق الارتكاز العرفي،و حيث ان نتيجة عملية الاحياء و اثرها التكويني هو حياة الارض و عمارتها فبطبيعة الحال ملكية الاصل تستلزم ملكية الحياة و العمارة بالتبع.

و من الواضح ان ملكية حياة الارض هي ملكية الارض المحياة اذ لا يعقل ملكية الحياة مستقلة عن الارض،فان حياتها عبارة عن خلق فرصة الانتفاع بها و استثمارها،حيث لم تكن هذه الفرصة متاحة قبل احيائها و انما نتجت عن عملية الاحياء او فقل:ان

الاراضی 180)


حياتها عبارة عن توفير كل الشروط التي تجعلها قابلة للانتفاع و الانتاج منها،فالحياة عبارة عن هذه الصفة للأرض،و من الطبيعي انها غير قابلة للملك بدون ملك موصوفها.

و عليه فنتيجة العملية المزبورة هي حصة خاصة من الارض و هي الارض المحياة في مقابل الارض الميتة،فكما ان المحيي يملك تلك النتيجة على اساس قيامه بعملية الاحياء لنفسه فكذلك المستاجر يملك النتيجة المزبورة على اساس قيام اجيره بتلك العملية بقانون ان من ملك الاصل ملك نتاجه و اثره،و هذا القانون موافق للارتكاز العرفي من ناحية،و قد قامت عليه السيرة العقلائية من ناحية اخرى.

ثم ان هذا الارتكاز العرفي القائم،بين ملكية الاصل و ملكية اثره بما انه كان ثابتا في عصر التشريع فهو كما يكشف عن امضاء الشارع له بعد عدم ورود الردع عنه و بذلك يصبح دليلا في المسألة كذلك يوفر لدينا الجهة التي يكشف بها-امضاء هذه السيرة شرعا-.

عن عدم ورود الردع عنها،فان الارتكاز المزبور قرينة على امتدادها و انتشارها في عصر التشريع،و من الواضح ان كل سيرة عقلائية اذا امتدت زمنيا الى عصر التشريع و انتشرت في ذلك العصر من دون ورود ردع عنها فلا محالة يستكشف ذلك عن امضائها شرعا.

و اما المناقشة في هذه السيرة-بعدم شمولها فيما اذا لم ينو الاجير الاحياء للمستأجر على اساس انها دليل لبى و لا اطلاق لها- فلا ترد عليها:بنكتة ان هذه السيرة لما كانت على طبق الارتكاز القطعي لدى العرف-و هو تبعية ملكية الفرع لملكية الاصل مطلقا- فلا محالة تكون سعتها بمقدار سعة ذلك الارتكاز،و من المعلوم انه لا فرق في الارتكاز المزبور بين ما اذا كان الاجير ناويا الاحياء من

الاراضی 181)


قبل مستأجره،و ما اذا لم ينو ذلك اذا كان الاجير في مقام الاتيان بعملية الاحياء المملوكة للمستأجر،فانه اذا اتى بهذه العملية كانت نتيجتها له اي للمستأجر و ان لم ينو ذلك،بل لا يضر قصد الخلاف في هذا الفرض.

الى هنا:قد استطعنا ان نخرج بهذه النتيجة و هي ان المستأجر يملك الارض التي قام اجيره باحيائها اذا كان ذلك قبل التاريخ الزمني لتشريع ملكية الانفال للإمام(ع)و اما اذا كان بعد ذلك التاريخ فانما يحصل له حق فيها على اساس ذلك،دون الملك، كما هو الحال فيما اذا كان قيامه للإحياء لنفسه،لا لغيره.

و على الجملة فالشارع قد امضى ما هو مقتضى السيرة و الارتكاز العرفي في الاراضي المباحة-و هو ان علاقة مالك العمل بنتيجته انما هي على مستوى الملك-و اما في الارض التي هي من الانفال فلا يمضي الشارع ذلك الا على مستوى الحق،دون الملك.

و قد يستدل على ذلك:ان المستأجر بما انه مالك لعملية الاحياء في ذمة الاجير فيصح اسناد تلك العملية اليه حقيقة،و على هذا فتملّك المستأجر الارض المحياة انما هو بوصف كونه قائما باحيائها.

و يردّه:ان ملكية المستأجر لعملية الاحياء لا تحقق صحة اسنادها اليه حقيقة اسناد الفعل الى الفاعل،ليكون المستأجر مشمولا لعمومات ادلة الاحياء،و انما تحقق صحة اسنادها اليه اسناد الملك الى المالك،فالاضافة في المقام اضافة الملكية،لا اضافة الفعلية،و من الواضح ان اضافة الملكية لا تؤثر في علاقة المستأجر بالمحياة،فان المؤثر فيها انما هو اضافة الفعلية و هي مفقودة في المقام ضرورة انه لا يصدق عرفا على المستأجر انه قائم بعملية الاحياء

الاراضی 182)


من جهة قيام اجيره بها.

فالنتيجة في نهاية المطاف:ان الدليل على علاقة المستأجر بالارض المحياة على اساس قيام اجيره بعملية احيائها امران.

احدهما:الارتكاز القطعي الثابت لدى العرف و العقلاء على ان اثر الشيء و نتاجه تابع للأصل:

و الآخر:بناء العقلاء على ذلك.

و اما عملية الحيازة-التي قد اعترف الإسلام بها في الثروات المنقولة على تفصيل يأتي في ضمن الابحاث القادمة-فحالها حال عملية الاحياء من النواحي الثلاث المتقدمة-التبرع و الوكالة و الاجارة-.

نتيجة هذا البحث عدة نقاط

الاولى:لا يحصل للفرد اختصاص بالارض على اثر قيام غيره
باحيائها تبرعا من قبله

باعتبار ان ذلك لا يصحح صحة اسناد تلك العملية اليه،ليكون مشمولا لعمومات ادلة الاحياء،و بدونها لا يحصل له الاختصاص بها:لعدم كونه مشمولا لتلك العمومات من ناحية،و عدم دليل آخر على ذلك من ناحية اخرى.

الثانية:ان صحة الوكالة في الامور الاعتبارية انما هي على
وفق القاعدة بلا حاجة الى دليل.

و اما صحتها في الامور التكوينية فهي بحاجة الى دليل،و الا فمقتضى القاعدة بطلان الوكالة فيها.

نعم الظاهر قيام بناء العقلاء على صحة الوكالة في مثل عملية الاحياء و نحوها كما مرّ.

الثالثة:يحصل للمستأجر علاقة بالارض على اساس قيام اجيره باحيائها

الاراضی 183)


بقانون ان ملك الشيء يتبع ملك اثره،و قد عرفنا قيام الارتكاز القطعي عليه،مضافا الى البناء العملي من العقلاء.

الملحق الثانى
بما ذا يتحقق احياء الارض الميتة؟

يتحقق بخلق الفرد بجهوده و عمله في الارض الشروط التي تتيح له فرصة الاستفادة منها و تجعلها قابلة للانتفاع و الانتاج،على اساس ان تلك الشروط لم تكن متوفرة فيها قبل ممارسة الفرد بخلقها و لم تكن صالحة للانتفاع و الانتاج منها.ثم ان خلق تلك الشروط انما هو بازالة الصخور عن وجهها،و توفير المياه فيها و ازالة ارتفاعها،و قطع ما فيها من الاشجار و الحطب،و غير ذلك مما له دخل في صلاحيتها للاستفادة

و من الطبيعي:ان هذه الفرصة لم تكن متاحة قبل احيائها، و انما نتجت عن عملية الاحياء:و العامل على اساس خلقه تلك الفرصة فيها بعمله و جهوده اكتسب حقا فيها،و لأجل ذلك يكون اولى بها من غيره.

او فقل:ان العامل يملك الفرصة المزبورة بوصف كونها نتيجة عمله و جهوده:و ليس لأحد ان يزاحمه في الاستفادة من تلك الفرصة.

و بعد ذلك:فهذه الارض تصلح للانتفاع و الانتاج بزرع،او غرس اشجار،او ما شاكل ذلك،و لا يعتبر في صدق احيائها حراثتها،و لا زراعتها،و هكذا،فان كل ذلك انتفاع بها بعد الاحياء.

نعم ان ما ذكرناه انما هو احياء للأرض بما هي.

و اما اذا اراد الفرد احياء الدار فيها او الحظيرة او البستان او

الاراضی 184)


نحو ذلك،فانه بخلقه اتاحة الفرصة لبدأ العمل في تلك الاشياء و ان كان قد اكتسب حقا في الارض،و ليس لاخر ان يزاحمه في ذلك،الا ان احياء هذه الاشياء انما هو بتحققها بمالها من العناوين الخاصة،فاحياء الدار لا يتحقق الا باحداث ما هو مقوم لها من الحيطان و السقف و غيرهما مما هو دخيل في صدق عنوانها.

و على الجملة:فاحياء كل شيء عبارة عن احداث ذلك الشيء في الخارج بعنوانه،و من الطبيعي انه يختلف باختلاف اجزائه الرئيسية المقومة له.

الملحق الثالث
قد تقدم منا في ضمن البحوث السالفة ان عملية الاحياء انما
توجب صلة المحيي بالارض على مستوى الحق فحسب دون الملك.

و على ضوء هذا الرأي الفقهي قد يشكل في تفسير صحة بيع المحيي لها باعتبار ان رقبتها غير داخلة في ملكه،مع انه لا شبهة في جواز قيامه ببيعها و صحته.

و قد اجيب عن هذا الاشكال بعدة وجوه:

الاول:ما قيل:من الالتزام بتحقق ملكية الارض للمحيي آنا ما قبل البيع و خروجها عن ملكه ليتحقق مفهوم البيع.

و يردّه:انه لا اساس لهذا الافتراض اصلا.لا في المقام، و لا في غيره،فان ثبوته بحاجة الى دليل،و لا دليل يدلنا عليه في المقام،لان الالتزام به انما هو في مورد قد دعت الضرورة اليه و اما في المقام فلا ضرورة تدعو اليه،حيث يمكن تصحيح البيع

الاراضی 185)


بطريق آخر سوف نشير اليه.

الثاني:ان المبيع على ضوء هذا الرأي الفقهي انما هو الحق المتعلق بالارض،دون الارض نفسها،ليقال انها داخلة في نطاق ملكية الامام(ع)لا في نطاق ملكية المحيي حتى يكون أمر بيعها بيده،و الفرض ان الحق كالمال قابل للنقل بالبيع و نحوه،فاذن المراد من بيع الارض على اساس هذا الرأي بيع الحق المتعلق بها لا نفس الرقبة.

و يرده:ان الحق بما انه حكم شرعي مجعول من قبل الشرع غير قابل للبيع في نفسه و بقطع النظر عن متعلقه،و ان افترض انه قابل للنقل،و فيما نحن فيه الحق الحاصل للمحيي بسبب قيامه بعملية الاحياء و ان كان قابلا للنقل،الا انه غير قابل للبيع في نفسه، و ذلك لان مفهوم البيع مفهوم خاص لدى العرف فلا يتوفر في نقل الحق،فانه عبارة عن منح البائع علاقته الاعتبارية بالمبيع للمشتري و منح المشتري علاقته الاعتبارية بالثمن للبائع،و الفرض ان الحق نفس الاعتبار و الاضافة،لا انه طرف له،فلا يصلح ان يكون مبيعا،لان المبيع انما هو طرف الاضافة لأنفسها.

و بكلمة اخرى ان المراد من الملك هو نفس العلاقة الاعتبارية بين المال و صاحبه،ففي مقام البيع يمنح صاحبه علاقته الاعتبارية به للمشتري في مقابل منح المشتري علاقته الاعتبارية بالثمن له.

و من الواضح ان هذه العلاقة لا تتصور بين الحق و صاحبه نظرا الى ان الحق نفس العلاقة و الاضافة بين متعلقه و صاحبه،لا انه طرف لها-مثلا-من يقوم بعملية احياء الارض يحصل له علاقة اعتبارية بها على مستوى الحق،و من الطبيعي انه ليس لعلاقته بها

الاراضی 186)


علاقة اعتبارية اخرى،و هكذا.

فالنتيجة في نهاية الشوط:ان الحق في حد نفسه لا يصلح ان يكون مبيعا.

الثالث:انه لا يعتبر في صدق البيع عرفا ان تكون علاقة البائع بالمبيع على مستوى الملك بل يكفي ان تكون علاقته به على مستوى الحق،و بما ان الفرد الذي يقوم بعملية الاحياء يحصل على علاقة اعتبارية بالارض على مستوى الحق فيجوز له ان يقوم ببيعها بمعنى منح هذه العلاقة للمشتري في مقابل منح المشترى علاقته الاعتبارية بالثمن له،و ان فرض ان علاقة البائع بالمبيع كانت على مستوى الحق و علاقة المشترى بالثمن كانت على مستوى الملك.لوضوح ان هذا المقدار من الفرق لا يؤثر فيما هو معتبر في حقيقة البيع لدى العرف و العقلاء و هي تبديل طرفى الاضافة و العلاقة الاعتبارية،سواء أ كانت على مستوى الملك أم كانت على مستوى الحق،او كانت علاقة البائع بالمبيع على مستوى الحق،و علاقة المشترى بالثمن على مستوى الملك أو بالعكس،فان البيع يتكفل منح نفس علاقة البائع بالمبيع للمشتري في مقابل منح نفس علاقة المشتري بالثمن للبائع،و فيما نحن فيه بعد البيع تصبح علاقة البائع بالثمن على مستوى الملك، و علاقة المشتري بالمبيع على مستوى الحق على عكس ما كان قبل البيع.

و قد تحصل من ذلك:انه لا اشكال في صحة بيع المحيي لما احياء من الارض على ضوء هذا الرأي الفقهي،فلا تظهر الثمرة بين القولين من هذه الناحية.

الاراضی 187)


الملحق الرابع
ان المراد من ملكية الانفال للإمام(ع)ملكية منصب الامامة

و قد يعبّر عنها بملكية الدولة على اساس ان مرد ملكية منصب الامامة الى ملكية الدولة،و ليست ملكا خاصا للإمام(ع)كسائر املاكه الخاصة فانه-مضافا الى بعد ذلك في نفسه-يدل عليه امران:

الاول:نصوص الباب-بمناسبة الحكم و الموضوع-؟فانها تصنف الى مجموعتين:

احداهما:جاءت بهذا اللسان(الارض كلها لنا)كما في صحيحة مسمع بن عبد الملك،و صحيحة الكابلي،فهذه المجموعة تدل-بمناسبة الحكم و الموضوع-على انها ملك عام للمنصب يعني -منصب الامامة-،لا انها ملك خاص للفرد.

و الاخرى:جاءت بلسان:ان الانفال للإمام(ع)،و في بعضها انها للرسول(ص)و من بعده للإمام(ع)فانها تدل بوضوح على انها ملك لمنصب الرسالة و الامامة.

الثاني:انها لو كانت ملكا خاصا للإمام(ع)لكانت من جملة تركته(ع)بعده،و تقسم ميراثا بين ورثته،مع ان الامر ليس كذلك جزما.بل هي تنتقل من امام الى امام آخر سواء أ كان للإمام السابق وارث غيره أم لا.

فالنتيجة:انه لا شبهة في انها ملك عام للمنصب،لا للشخص.

ثم ان هذه الملكية بطبيعة الحال تمتد بامتداد الامامة،و تصرف منافعها في مصالح الدولة و نفقات الحكومة.

الاراضی 188)


و في مقابلها:الارض المفتوحة عنوة باذن الامام(ع)فانها ملك عام للمسلمين كما سوف يأتي البحث عنها و تصرف منافعها في مصالحهم العامة.

و على الجملة فهنا صنفان من الارض:

احدهما:مملوك بملك عام للامة.

و الأخر مملوك بملك عام للإمام(ع)او الدولة.و الخراج الموضوع على كل منهما يتبع الارض في نوع الملكية.و امرهما في عصر الغيبة بيد نائبه(ع).

الاراضی 189)


-2-
الارض المفتوحة عنوة

و هي ملك عام للمسلمين كافة و فيها بحوث تتعلق بانواعها و احكامها و شرائطها على ضوء الشريعة الاسلامية المقدسة

الاراضی 190)


الاراضی 191)


الارض المفتوحة عنوة

الكلام فيها يقع في مرحلتين:

الاولى:فيما اذا كانت الارض حال الفتح مواتا:

الثانية:فيما اذا كانت عامرة.

المرحلة الاولى: [فيما إذا كانت الأرض حال الفتح مواتا]

فالكلام فيها يفرض:

مرة:فيما اذا كان تاريخ الفتح متقدما زمنيا على نزول آية الانفال.

و اخرى:فيما اذا كان تاريخه متأخرا كذلك عن نزول الآية.

و ثالثة:فيما اذا كان تاريخه الزمني مجهولا بالاضافة اليه.

اما الكلام في الفرض الاول فكون الارض الميتة-التي فتحت عنوة-لعامة المسلمين انما هو يقوم على اساس ان ما اخذ بالسيف من الكفار خارجا لا يتوقف في كونه من الغنيمة على ان تكون للكافر علاقة به على مستوى الملك او الحق،بل يكفي في صدق ذلك كون المال تحت استيلائهم خارجا،فكل مال انتزع من سيطرتهم في الخارج بالجهاد المسلح فهو غنيمة و ان لم تكن لهم علاقة به اصلا،

و عليه فالارض الميتة في بلاد الكفر و ان لم تكن للكافر علاقة بها،لا على مستوى الملك،و لا على مستوى الحق الا انها رغم ذلك لمّا كانت تحت سيطرته في الخارج فاذا انتزعت منه بعنوة

الاراضی 192)


صدق عليها عنوان ما اخذ بالسيف،و قد جاء هذا العنوان في روايتين:

احداهما:رواية صفوان بن يحيى و احمد بن محمد بن أبي نصر قالا:ذكرنا له الكوفة و ما وضع عليها من الخراج و ما سار فيها اهل بيته فقال:(من اسلم طوعا تركت ارضه في يده الى ان قال:

و ما اخذ بالسيف فذلك الى الامام يقبله بالذي يرى،كما صنع رسول اللّه(ص)بخيبر قبل سوادها و بياضها يعني-ارضها و نخلها- و الناس يقولون لا تصلح قبالة الارض و النخل و قد قبل رسول اللّه(ص) خيبر)الحديث 1.

و هذه الرواية ضعيفة على اساس ان في سندها علي بن احمد بن اشيم و هو مجهول.نعم بناء على ان وقوعه في اسناد كامل الزيارات يكفي لوثاقته فالرواية صحيحة الا ان الاعتماد على ذلك مشكل.

و ثانيتهما:صحيحة احمد بن محمد بن أبي نصر قال:ذكرت لأبي الحسن الرضا(ع)الخراج و ما سار به اهل بيته فقال:(العشر و نصف العشر على من اسلم طوعا و تركت ارضه بيده الى ان قال:

و ما اخذ بالسيف فذلك الى الامام يقبله بالذي يرى،كما صنع رسول اللّه(ص)بخيبر قبل ارضها و نخلها،و الناس يقولون لا تصلح قبالة الارض و النخل اذا كان البياض اكثر من السواد، و قد قبل رسول اللّه(ص)خيبر)الحديث 2.

و على ذلك فالعبرة انما هي بصدق هذا العنوان،و من الطبيعي ان هذا العنوان يصدق على الارض الموات التي اخذت من سيطرة الكفار خارجا بالسيف.

و اما الكلام في الفرض الثاني فقد يقال:كما قيل:ان الروايات


 

1) <page number=”192″ />الوسائل ج 11 الباب 72 من ابواب جهاد العدو الحديث 1.
2) الوسائل ج 11 الباب 72 من ابواب جهاد العدو الحديث 2.

 

الاراضی 193)


الدالة على ان الارض الموات داخلة في نطاق ملكية الامام(ع) بما انها تشمل بعمومها ما نحن فيه فهي معارضة بالروايات الدالة على ان الارض المأخوذة من سيطرة الكفار عنوة داخلة في ملكية المسلمين على اساس انها بعمومها تشمل الارض الميتة أيضا،و ملتقى المعارضة بينهما الارض الموات المفتوحة عنوة.

و من الطائفة الاولى:موثقة سماعة بن مهران قال:سألته عن الانفال فقال:(كل ارض خربة او شيء يكون للملوك فهو خالص للإمام و ليس للناس فيها سهم) 1.

فانها تدل بعمومها على ان الارض الخربة داخلة في ملكية الامام(ع) و ان كانت مفتوحة عنوة.

و من الطائفة الثانية:مرسلة حماد بن عيسى عن أبي الحسن(ع) الى ان قال:(ع)(و الارضون التي اخذت عنوة بحيل او ركاب فهي موقوفة متروكة في يدي من يعمرها و يحييها،و يقوم عليها على ما صالحهم الوالي على قدر طاقتهم من الحق الخراج:النصف او الثلث او الثلثين)الحديث 2.

فانها و ان دلت بعمومها على ان الارض التي فتحت بالجهاد المسلح داخلة في ملكية المسلمين و ان كانت مواتا الا انها ضعيفة سندا من ناحية الارسال فلا يمكن ان تعارض الطائفة الاولى.

و منها اي-من الطائفة الثانية-الروايتان المتقدمتان،فان قوله(ع)فيهما(و ما اخذ بالسيف فذلك الى الامام(ع)يقبله بالذي يرى كما صنع رسول اللّه(ص)بخيبر)يعمّ الارض الموات أيضا.


 

1) <page number=”193″ />الوسائل ج 6 الباب 1 من ابواب الانفال الحديث 8
2) الوسائل ج 11 الباب 41 من أبواب جهاد العدو الحديث 2.

 

الاراضی 194)


و لكن قد يقال:كما قيل:انه لا يمكن الاخذ بنصوص ملكية المسلمين،لأنها لا تصلح ان تعارض نصوص ملكية الامام(ع).

اما أولا:فلان دلالة المجموعة الاولى-من نصوص ملكية المسلمين-على ان الارض الموات المأخوذة من الكفار عنوة و بهراقة الدماء ملك عام للامة انما هي بالاطلاق و بمعونة مقدمات الحكمة و اما المجموعة الثانية-من نصوص ملكية الامام(ع)-ففيها ما يكون دلالته على انها ملك للإمام(ع)انما هي بالعموم الوضعي، و من الطبيعي ان ما تكون دلالته على العموم بالاطلاق و مقدمات الحكمة لا يمكن ان يعارض ما كانت دلالته عليه بالوضع

هذا لا من ناحية انه يمنع عن انعقاد ظهوره في الاطلاق، بدعوى ان ظهوره فيه يتوقف على عدم البيان الاعم من المتصل، و المنفصل،و ذلك لما تقدم في ضمن البحوث السالفة من ان المانع من انعقاد ظهور المطلق في الاطلاق انما هو البيان المتصل دون المنفصل،فانه لا يمنع عن انعقاد ظهوره فيه،و انما هو مانع عن حجية هذا الظهور و اعتباره.

بل من ناحية ان ظهور العام في العموم اذا كان مستندا الى الوضع اقوى-لدى العرف من ظهور المطلق في الاطلاق اذا كان مستندا الى مقدمات الحكمة-بدرجة يصلح ان يكون بيانا على خلاف اطلاق المطلق في محل الالتقاء و المعارضة.

و بكلمة اخرى:ان ظهور المطلق في الاطلاق و ان لم يتوقف على عدم البيان المنفصل الا ان حجيته تتوقف عليه جزما و من الطبيعي ان العام الوضعي يصلح ان يكون بيانا على خلاف ظهور المطلق في الاطلاق و مانعا عن حجيته بمقتضى الارتكاز العرفي.

الاراضی 195)


و اما ثانيا:فلو افترضنا ان هاتين المجموعتين متعارضتان في مورد الالتقاء و الاجتماع و لا يمكن الجمع بينهما عند العرف،فعندئذ بما انه لا يتوفر ترجيح لإحداهما بالاضافة الى الاخرى فلا محالة تسقطان معا فيرجع حينئذ الى المجموعة الاخرى من نصوص ملكية الامام(ع)التي جاءت بهذا النص:(كل ارض لا رب لها فهي للإمام)(ع)و الفرض ان الارض الموات التي فتحت عنوة بعد سقوط نصوص مالكية المسلمين لها من ناحية المعارضة تدخل في الارض التي لا رب لها بعد ضم الاستصحاب الموضوعي اليه-و هو استصحاب عدم وجود رب لها-.

و ان شئت قلت:ان هذه المجموعة لا تصلح ان تكون طرفا للمعارضة مع المجموعة من نصوص مالكية المسلمين،لأنها حاكمة عليها باعتبار انها تثبت وجود رب للأرض المزبورة،و بذلك تخرج عن كونها مما لا رب لها،و تدخل في الارض التي لها ربّ ضرورة ان التعارض لا يتصور بين دليلين:يكون احدهما رافعا لموضوع الآخر.

نعم انها تصلح ان تكون مرجعا بعد سقوط نصوص مالكية المسلمين بالمعارضة او نحوها.

هذا اضافة الى انا لو قطعنا النظر عن هذه المجموعة القائلة:

(ان كل ارض لا ربّ لها فهي للإمام)(ع)فلا مانع من الرجوع بعد تساقطهما الى النص العام القائل:(ان الارض كلها للإمام)(ع)حيث ان هذا العام الفوقي يصلح ان يكون مرجعا بعد سقوط النصوص بالمعارضة في مورد الاجتماع هذا من ناحية.

و من ناحية اخرى:انا لو قطعنا النظر عن العام المزبور اي -العام الفوقي-امكن لنا الرجوع الى الاصل العملي-و هو استصحاب

الاراضی 196)


مالكية الامام(ع)للأرض المذكورة-لفرض انها قبل الفتح كانت داخلة في ملكية الامام(ع)بمقتضى تشريع مالكيته(ع) للأنفال،و نصوص مالكية المسلمين لها بعد الفتح قد سقطت من جهة المعارضة،فاذن لا مانع من الرجوع الى الاستصحاب المزبور.

فالنتيجة:انها لم تخرج من نطاق ملكية الامام(ع).

و اما ثالثا:فلان المعارضة بين المجموعتين انما تقوم على اساس ان يكون المراد مما اخذ من الكافر عنوة و بهراقة الدماء مطلق ما كان تحت استيلائه و سيطرته و ان كان لاخر صلة به على مستوى الملك او الحق.

و اما اذا كان المراد منه خصوص ما اذا لم تكن لاخر علاقة به فلا تعارض بينهما فيما نحن فيه،فان نصوص ملكية المسلمين على هذا الاساس تختص بما اذا لم يكن المأخوذ من الكافر موردا لصلة غيره.و اما اذا كان موردا لها فهي لا تشمله حتى تكون طرفا للمعارضة مع النصوص القائلة:بان الارض الموات داخلة في ملكية الامام(ع).

و بما ان الظاهر منها عرفا-و لو بمناسبة الحكم و الموضوع- اختصاص المأخوذ من الكافر بما اذا لم يكن موردا لصلة غيره فلا محالة لا تشمل الارض الموات التي هي مورد لعلاقة الامام(ع) بها على مستوى الملك،فعندئذ تبقى نصوص مالكية الامام(ع) لها بلا معارض

و على الجملة:فنصوص مالكية المسلمين منصرفة بمقتضى الارتكاز العرفي عما اذا كان المال المأخوذ من الكافر عنوة و بالفتح ملكا لغيره او متعلقا لحقه.

و من هنا:اذا افترض وجود مال لمسلم عند كافر امانة كان او

الاراضی 197)


غصبا ثم اخذه المسلمون منه بالجهاد المسلح،فانه غير مشمول لتلك النصوص،و لا يصدق عليه عنوان الغنيمة.و كذا الحال بالاضافة الى الارض الميتة،فانها حيث كانت ملكا للإمام(ع) فلا تشملها النصوص المزبورة بمقتضى الفهم العرفي و لا يصدق عليها عنوان الغنيمة.

و دعوى:-ان روايات مالكية المسلمين للمأخوذ من الكفار عنوة تصنّف الى مجموعتين:

احداهما:تقول:ان ما أخذ من الكفار عنوة فهو غنيمة للمسلمين تقسم بينهم.

و الاخرى:تقول:ان ما اخذ بالسيف فهو للمسلمين.

اما المجموعة الاولى:فالظاهر انها لا تشمل ما اذا كان المأخوذ من الكافر ملكا خاصا لغيره او متعلقا لحقه هذا اضافة الى انها خاصة بالمنقول بقرينة القسمة فيها.

و اما المجموعة الثانية:فلا وجه لتخصيصها بما ذكر،بل مقتضى اطلاقها هو العموم و الشمول-خاطئة جدا،و ذلك لأنها و ان كانت مطلقة الا انك قد عرفت انها تنصرف عن شمول ما ذكر بقرينة الارتكاز القطعي لدى العرف.

فالنتيجة:انه لا فرق بين المجموعة الاولى و المجموعة الثانية من هذه الناحية.

و تشهد على ذلك مجموعة من الروايات:

عمدتها صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه(ع)قال:

سأله رجل عن الترك يغزون على المسلمين فيأخذون اولادهم فيسرقون منهم،أ يرد عليهم؟قال:(نعم و المسلم اخو المسلم و المسلم احق

الاراضی 198)


بماله اينما وجده) 1.

فانها واضحة الدلالة:على انه ليس من الغنيمة،و لذا لا خلاف في ذلك بين الاصحاب

قد يقال:كما قيل:ان نقطة التعارض بين اطلاقي نصوص مالكية المسلمين،و نصوص مالكية الامام(ع)بما انها كانت هي كلمة اللام في لسان كلتا المجموعتين،و حيث ان كلمة اللام بطبيعتها لا تدل على الملكية،و انما تدل على الاختصاص الجامع بين الملك و الحق فلا محالة تكون دلالتها على الملك بالاطلاق،و هذا يعني -ان التعارض في الحقيقة بين اطلاقي اللامين-فانهما باطلاقهما تدلان على ملكيتين مختلفتين فيسقط الاطلاقان معا،و تبقى الدلالة على اصل الاختصاص ثابتة،اذ لا مانع من افتراض اختصاصين بالارض التي فتحها المسلمون بعد تشريع ملكية الانفال للإمام(ع)احدهما اختصاص الامام(ع)بها على مستوى الملك.و الآخر اختصاص المسلمين بها على مستوى الحق.

و يردّه:اولا:ان مقتضى سقوط الاطلاقين عنهما سقوط ملكية الامام(ع)و المسلمين معا عن الارض المذكورة،نظرا الى ان مدلول الاطلاق انما هو حصة خاصة من الاختصاص-و هي الاختصاص الملكي-و الفرض انه قد سقط بسقوط الاطلاق من جهة المعارضة،فاذن كيف يمكن الحكم ببقاء اختصاص الامام(ع) بها على مستوى الملك،فان الدال عليه انما هو اطلاق نصوص مالكيته(ع)و بعد سقوط اطلاقها بالمعارضة على الفرض فلا دال عليه

و ثانيا:ان كلمة اللام في كلتا المجموعتين من النصوص ظاهرة


 

1) <page number=”198″ />الوسائل ج 11 الباب 35 من ابواب جهاد العدو الحديث 3.

 

الاراضی 199)


لدى المتفاهم العرفي في الاختصاص الملكي،و ليست لهذه الكلمة دلالتان فيهما:

احداهما:الدلالة على طبيعي الاختصاص-و هو الجامع بين الاختصاص الملكي و الاختصاص الحقي-

و الاخرى:الدلالة على الاختصاص الملكي.

و الاولى:مستندة الى طبيعة كلمة اللام.

و الثانية:مستندة الى اطلاقها،لتكون نقطة المعارضة في مورد الالتقاء و الاجتماع بين المجموعتين المذكورتين اطلاق كلمة اللام فيهما،بل ان لها دلالة واحدة في كلتا المجموعتين و ظهورا فاردا -و هو الظهور في الملكية-.فاذا سقط اطلاق كلمة اللام الظاهر في الملكية في كل من المجموعتين بالمعارضة لم تبق لها دلالة عرفا على مطلق الاختصاص.

هذا اضافة:الى ان بقاء تلك الدلالة لا تفى بالمقصود فان المقصود انما هو اثبات اختصاص الامام بالارض في مورد الالتقاء اختصاصا ملكيا و اختصاص المسلمين بها اختصاصا حقيا.

اما الاول:فيمكن اثباته بالعام الفوقي بعد سقوط اطلاق اللام-و هو قوله(ع)الارض كلها لنا-.

و اما الثاني:فلا دليل عليه،فلان كلمة اللام لو دلت فانما تدل على مطلق الاختصاص،لا على نوع خاص منه-و هو الاختصاص الحقي-فان دلالتها عليه بحاجة الى عناية زائدة فلا يكفى فيها سقوط دلالتها على الاختصاص الملكي بالمعارضة.

نظير ذلك:ما اذا افترضنا ان صيغة الامر لا تدل على الوجوب الا بالاطلاق و مقدمات الحكمة،و اما بالوضع فهي لا تدل الا على

الاراضی 200)


مطلق الطلب الجامع بين الطلب الاستحبابي و الوجوبي.و عليه فاذا فرض أن لإطلاقها معارضا في مورد فبطبيعة الحال قد سقط اطلاقها من جهة المعارضة و بعد سقوطه فلا دلالة لها على الاستحباب الا بعناية خارجية.

فالنتيجة في نهاية الشوط انه على تقدير تسليم المعارضة بين المجموعتين في مورد الاجتماع فالصحيح هو ما ذكرناه من الرجوع الى الاصل اللفظي،و على تقدير عدمه فالمرجع هو الاصل العملي هذا.

و الصحيح في المقام ان يقال:ان نصوص مالكية الامام(ع) لا تصلح ان تقع طرفا للمعارضة مع نصوص مالكية المسلمين.

بيان ذلك:ان نصوص مالكية الامام(ع)تصنف الى مجموعات ثلاث:

الاولى:جاءت بهذا النص:(كل ارض لا رب لها فهي للإمام)(ع).

الثانية:جاءت بنص آخر(كل ارض خربة للإمام)(ع).

الثالثة:جاءت بنص ثالث:(و ما كان من الارض بخربة لم يوجف عليه بخيل و لا ركاب):

و بما ان المجموعة الثالثة:ظاهرة لدى العرف في ان ملكية الامام (ع)للأرض الخربة لم تثبت لطبيعي الارض على نحو الاطلاق و انما ثبتت لحصة خاصة منها-و هي الارض التي لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب-فبطبيعة الحال توجب تقييد اطلاق المجموعة الثانية فتصبح النتيجة:ان الارض الخربة انما تكون للإمام(ع)اذا لم تكن مأخوذة من الكفار بهراقة الدماء و الا فهي فيء للمسلمين.

و اما المجموعة الاولى:فهي لا يمكن ان تعارض نصوص مالكية المسلمين للأرض الميتة اذا فتحت عنوة،لان تلك النصوص بحد نفسها حاكمة عليها باعتبار انها تخرج الارض عن كونها مما لا رب

Pages: 1 2 3 4 5
Pages ( 2 of 5 ): «1 2 3 ... 5»