آثار حضرت آیة الله العظمی شیخ محمد اسحاق فیاض
الاراضی – مجموعة دراسات و بحوث فقهیة اسلامیة
جلد
1
الاراضی – مجموعة دراسات و بحوث فقهیة اسلامیة
جلد
1
عدم وجوب الطسق على من اسلم عليها طوعا يمهد الطريق الى الاعتناق بالاسلام و الميل اليه.
و على الجملة:فالثابت في سيرة الرسول الاعظم(ص)انما هو عدم اخذ الطسق ممن اسلم على الارض طوعا،و من الطبيعي ان مجرد ذلك لا يكون دليلا على انها تصبح ملكا له،اذ كما يحتمل ذلك، يحتمل ان يكون ذلك امتنانا منه(ص)عليه،فالسيرة لا تدل على شيء منهما.
الى هنا قد انتهينا الى هذه النتيجة:و هي انه لا دليل على ان اسلام الكافر على الارض طوعا يمنحه ملكية الارض،و لو شك في ذلك فالمرجع الاصل العملي-و هو استصحاب بقاء الارض في ملك الامام(ع)-.
الرابع:دعوى الاجماع على ملكية الارض لمن اسلم عليها طوعا مطلقا اي-بلا فرق بين تقدم عمرانها على تشريع ملكية الامام(ع) للأنفال و تأخره عنه-.
و الجواب عنه:انه على تقدير ثبوت الاجماع فهو اجمال منقول و لا دليل على حجيته،و لا سيما في المقام،لاحتمال ان يكون مدركه احد الوجوه المتقدمة.و مع هذا الاحتمال لا يكون كاشفا عن قول المعصوم(ع).
فالنتيجة في نهاية المطاف:انه لا دليل على منح الإسلام ملكية الارض لمن اسلم عليها طوعا،فاذن لا بد من التفصيل بين ما كان عمران الارض متقدما زمنيا على تاريخ تشريع ملكية الانفال للإمام(ع)و ما كان عمرانها متأخرا عنه كذلك،فعلى الاول و ان كانت الارض ملكا له إلا ان ملكيته لها انما هي بالسبب السابق،
لا من ناحية اسلامه عليها طوعا.و على الثاني فهي ملك للإمام(ع) و لكن بالرغم من ذلك فقد منحه الامام(ع)حق التصرف فيها و الانتفاع بها و تركها بأيديه من جهة تشرفه بالاسلام و اعتناقه به.
و اما على الفرض الثالث فتارة يفرض الجهل بتاريخ كليهما معا، و اخرى بتاريخ احدهما دون الآخر،و على كلا التقديرين لا مانع من استصحاب عدم حدوث كل منهما في زمان حدوث الآخر في حد نفسه اذا كان لكل منهما اثر شرعي كما هو المفروض في المقام، فان ملكية الارض للكافر مترتبة على استصحاب عدم تشريع ملكية الانفال للإمام(ع)الى زمان قيامه بعمرانها،كما ان ملكيتها للإمام(ع)مترتبة على استصحاب عدم عمرانها الى زمان تشريع ملكيته(ع)لها،و بما انه لا يمكن الجمع بين الاستصحابين معا فلا محالة يسقطان فيرجع إلى العام الفوقى و هو قوله(ع)كل أرض لا رب لها فهي للإمام(ع)،فان مقتضاه-بعد ضم الاستصحاب الموضوعي اليه-هو كون الارض ملكا للإمام(ع).
– فيقع الكلام فيها مرة فيما إذا كان عمل الكافر فيها و استثماره لها قبل التاريخ الزمني لتشريع ملكية الانفال للإمام(ع).و اخرى بعده.و ثالثة فيما اذا كان تاريخهما او تاريخ احدهما مجهولا.
اما الفرض الاول:فان عمله فيها و ممارسته الانتفاع بها-لا يمنحه أية علاقة برقبتها،لا على مستوى الملك،و لا على مستوى الحق على اساس انه لا يخلق رقبتها،و لا صفة فيها-و هي الحياة-لفرض ان حياتها مستندة الى طبيعتها،لا الى جهد بشرى.و لكن رغم ذلك انه ما دام يواصل في الانتفاع بها بزراعة او نحوها كان احق بها من
غيره في استغلالها و استثمارها،و لا يجوز لغيره ان يزاحمه فيه.
و اما اذا ترك الانتفاع بها فيسقط حقه عنها نهائيا،و يجوز لآخر ان يقوم باستغلالها و الانتفاع بها.
و هذا بخلاف الاحياء في الارض الميتة،فان المحيى باحيائه الارض يخلق فيها شرطا و فرصة للانتفاع بها و الانتاج منها التي لم تكن متوفرة فيها قول هذه العملية و انما نتجت منها،فالمحيى على ضوء ان كل عامل فيها يملك نتيجة عمله يملك تلك الشروط و الفرصة،و على اساس ذلك يحصل على حق في رقبتها ما دامت تلك الفرصة موجودة فيها و ان لم يمارس الانتفاع بها.
و على هذا:فاذا اسلم الكافر على تلك الارض طوعا فبمقتضى صحيحة أبي نصر المتقدمة انها تركت بيده على اساس ان له حقا فيها ما دام يواصل في استثمارها غير ان هذا الحق كان قبل اسلامه مهدورا و بعده اصبح محقونا.
و اما الارض المزبورة فاذا كانت تحت استيلاء الكافر و سيطرته من دون ان يكون الكافر يمارس استغلالها و الانتفاع بها فلا تكون مشمولة للصحيحة على اساس ان الظاهر من اضافة الارض الى الكافر فيها هو ان له علاقة بها و ان كانت تلك العلاقة في حدود انه اولى بالانتفاع بها لدى العرف من غيره دون الاكثر.
و اما شمول سيرة النبي الاكرم(ص)لذلك فهو أيضا غير معلوم.
و أما الفرض الثاني:-و هو ما إذا كانت رقبة الارض ملكا للإمام(ع)-فالظاهر ان عمل الكافر فيها و ممارسته الانتفاع بها لا يمنحه أية علاقة بها،لا على مستوى الملك و لا على مستوى الحق حتى في مرتبة كونه اولى بالانتفاع بها ما دام يواصل في عمله فيها،و ذلك
لما ذكرناه في ضمن البحوث السالفة من انه لم يثبت اذن عام من الامام(ع)بالتصرف في اراضي الدولة لكل فرد.و من هنا قلنا ان عملية الاحياء اذا كانت من الكافر لم تنتج حقا فيها فضلا عن الملك،و كذا الحال بالاضافة الى عملية الاستثمار و الانتفاع في الارض المزبورة،فانها لا تمنحه حق الاولوية بالاستفادة منها.هذا من ناحية.
و من ناحية اخرى:ان الكافر إذا اسلم على تلك الارض طوعا فهل تركت بيده على اساس الصحيحة المتقدمة؟فيه وجهان:
الظاهر هو الوجه الاول:و ذلك لأن صدق الاضافة المزبورة لا يتوقف على ان تكون للكافر علاقة بها شرعا و لو على مستوى الحق، بل يكفي في صدقها ادنى مناسبة و لو كانت عرفية،و من الطبيعي ان استغلال الكافر و استثماره لها و ان لم يؤد الى وجود حق فيها شرعا إلا انه لا شبهة في ان ذلك يكفي لتحقق تلك الاضافة لدى العرف.
و ان شئت قلت:ان الكافر بالرغم من انه لا يملك أي حق فيها لدى الشرع يعتبر لدى العرف و العقلاء أولى من غيره و احق بها من الآخرين،و من الواضح ان هذه الاولوية كافية لصحة الاضافة المزبورة على اساس ان الاضافة في الصحيحة انما هي باعتبار من العرف
هذا اضافة الى ان سيرة النبي الاكرم(ص)قد استقرت على ترك الاراضي-التي كانت موردا لانتفاع الكفار بها و استفادتهم عنها اذا اسلموا عليها طوعا-بأيديهم و ان لم تكن لهم أية علاقة بها شرعا.
و اما الفرض الثالث:-و هو صورة الجهل بالتاريخ-فقد ظهر مما ذكرناه ان الاصل يجري في كل من الحادثين في زمان الآخر في حد نفسه،حيث انه يترتب على استصحاب عدم تشريع ملكية الانفال للإمام(ع)الى زمان استغلال الكافر لتلك الارض و استثماره لها
عدم دخولها في نطاق ملكيته(ع)،كما انه يترتب على استصحاب عدم استغلال الكافر و استثماره لها الى زمان تشريع ملكية الانفال للإمام(ع)عدم وجود حق له فيها.
و بما انه لا يمكن الجمع بين مقتضى كلا الاستصحابين فيسقطان معا و يرجع الى العام الفوقي-و هو قوله(ع)كل ارض لا رب لها فهي للإمام(ع)-و مقتضاه بعد ضم الاستصحاب الموضوعي اليه هو ان الارض المزبورة ملك للإمام(ع).
فان كانت ملكا له بسبب سابق فاسلامه انما يوجب حرمتها بعد ما كانت مهدورة حال كفره.
او تاريخ احدهما-و إن كان الاصل جاريا في نفسه إلا انه يسقط من جهة المعارضة،و بعد السقوط يحكم بمقتضى العام الفوقي بعد ضم الاصل الموضوعي اليه ان الارض ملك للإمام(ع).
بدون فرق بين ان يكون عمل الكافر فيها قبل تاريخ تشريع ملكية الانفال للإمام(ع)او بعده
و ان قلنا بان عمل الكافر فيها يوجب إيجاد حق له فيها،
إلا انه يسقط من جهة المعارضة،و بعده يحكم بكون الارض ملكا للإمام(ع)بمقتضى العام الفوقي بضميمة الاصل الموضوعي
مجموعة دراسات و بحوث تحليلية يدرس فيها المواد التالية:
1-دور الحيازة للأرض و نتائجها
2-دور الحيازة للمناجم و المياه الطبيعيتين و نتائجها
3-دور الحيازة للثروات و المصادر
لا يمكن تملك الارض:على اساس الحيازة و السيطرة عليها خارجا،فان منح حيازة الارض حقا فيها بحاجة الى نص شرعي، و لا نص لدى الشرع على ذلك،و هذا القول هو المعروف و المشهور بين الأصحاب،و لا فرق في ذلك بين الارض الموات و العامرة طبيعيا.
و ما قيل:-من ان الحيازة تلعب في الارض العامرة بطبيعتها نفس الدور الذي تلعبه عملية الاحياء في الارض الموات على اساس ان عملية الاحياء غير متصورة فيها-.
خاطئ جدا:و ذلك لأن عملية الاحياء و ان كانت غير متصورة في الارض المزبورة إلا ان ذلك لا يبرر كون الحيازة فيها تقوم بنفس ما تقوم به عملية الاحياء في الارض الموات،فانه بحاجة إلى نص شرعي،و قد عرفت عدمه باعتبار ان الإسلام لم يعترف في ضمن أي نص من نصوصه بالحيازة فيها على اساس انها مصدر لإيجاد حق فيها، و انما اعترف الإسلام في ضمن نصوصه التشريعية بعملية الاحياء في الارض على أساس انها تمنح العامل حقا فيها على ضوء القانون العام، و هو ان كل عامل فيها يملك نتيجة عمله
بل لا يمكن اعتراف الإسلام بها باعتبار انها مظهر من مظاهر القوة و التحكم على الآخرين و تسبّب تضييع حقوقهم بمعنى عدم اتاحة الفرصة لهم للانتفاع بها،و من الطبيعي ان ذلك يضر بالعدالة الاجتماعية التي يؤمن الإسلام بضرورة ايجادها بين طبقات الامة.
و النكتة في ذلك:ان قيام كل فرد بالسيطرة على مساحات كبيرة
من الارض بما فيها من الثروات الطبيعية انما هو عند ما توجد المنافسة على الارض من قبل الآخرين.و اما اذا لم توجد المنافسة عليها فهو لا يفكر في ذلك،و لا داعي يدعوه للقيام بها بعد ما كانت الارض في خدمته في كل حين من دون أي منافس ينافسه فيها،و هذا بخلاف عملية الاحياء فانه يمارس هذه العملية سواء أ كان منافس ينافسه فيها أم لم يكن،و ذلك لأن ممارسته تلك العملية انما تقوم على اساس الانتفاع بها و الاستفادة منها بما يتناسب مع مستواه المعاشي و قدرته على الاستثمار و الانتفاع بدون ان يفكر في الحيازة و السيطرة على مساحات كبيرة منها ابدا،و هذا هو الفارق بين حيازة الارض و احيائها.
و قد يستدل:على ان الحيازة تمنح الملكية بوجهين:
الاول:الاخبار الدالة على ان من حاز ملك،فانها واضحة الدلالة على سببية الحيازة للملك،
الثاني:استقرار سيرة العقلاء على ذلك:بدعوى انها ثابتة في عصر التشريع،من دون ورود ردع عنها،و من الطبيعي ان ذلك كاشف جزمي عن امضاء الشارع لها.
و لنأخذ بالنقد على كلا الوجهين:
أما الوجه الاول:فيرده عدم العثور على تلك الاخبار التي نقلت بهذا النص،لا من طريق الخاصة،و لا من طريق العامة،و عليه فلا اثر لهذا الوجه اصلا.
و اما الوجه الثاني:فيرده:عدم ثبوت السيرة من العقلاء على ذلك،بل لا يبعد ثبوتها على خلافه،فان العقلاء حسب فطرتهم الاولية لا يعترفون بتلك الاسباب التي تكون مظهر من مظاهر القوة
و التحكم على الآخرين،فانها اسباب ولّدتها الظروف الثانوية في المجتمعات التي لا تقوم على اساس العدل و القيم الانسانية،و انما تقوم على اساس مظاهر القوة و اللااخلاقية.و من الطبيعي انه لا قيمة لتلك الاسباب،لا لديهم،و لا لدى الإسلام نهائيا.
او فقل:ان الإسلام لم يعترف بحيازة الارض و السيطرة عليها على اساس القوة و التحكم على الآخرين في ميدان وجود المنافسة عليها من قبل هؤلاء،و لم يرها مصدرا لوجود حق فيها.نعم ان كانت السيطرة عليها على اساس انفاق العمل و بذل الجهد فيها-لخلق الشروط و الفرصة للاستفادة منها و الانتفاع بها كما اذا كانت الارض ميتة او لاستغلالها و الانتفاع بها كما اذا كانت حية-فالاسلام و ان كان قد اعترف بها الا ان اعترافه بذلك في الاولى انما هو على اساس انها تحمل طابع الاحياء فيها،لا طابع الحيازة و السيطرة.و في الثانية انما هو على اساس العمل و الانتفاع بها فالنتيجة ان مصدر الحق فيها لدى الإسلام انما هو العمل فلا قيمة للسيطرة بدونه اصلا.
و بكلمة اخرى:اننا قد اكتشفنا اعتراف الإسلام من خلال نصوصه التشريعية،او البناء من العقلاء بهذا الاطار العام و هو ان كل عامل في المصادر و الثروات الطبيعية يملك نتيجة عمله-على اختلاف نوع العمل،و نوع النتيجة-على ضوء الشرائط المبينة في محلها.و من هنا تختلف نتيجة عمل العامل في الارض الميتة عن نتيجة عمله في الارض الحية طبيعيا على اساس اختلاف نوع العمل فيهما.
و على اثر ذلك:تختلف علاقة العامل بالارض الميتة عن علاقة العامل بالارض الحية.
على اساس ان نتيجة عمله في الارض الميتة انما هي خلق الشروط
فيها التي تتيح للفرد فرصة الاستفادة منها و الانتفاع بها،حيث لم تكن تلك الشروط متوفرة فيها قبل قيام العامل باحيائها،و انما هي نتجت عن عملية الاحياء،فالعامل على ضوء ذلك الاطار العام يملك تلك الشروط و الفرصة فيها،و هذه الشروط انما تبرر علاقة العامل برقبة الارض على مستوى الحق فحسب اذا كانت الرقبة داخلة في نطاق ملكية غيره.و اما اذا لم تكن داخلة في ذلك و كانت من المباحات الاصلية فالشروط المزبورة انما تبرر علاقته بها على مستوى الملك،كل ذلك تقدم بشكل موسع في ضمن الابحاث السالفة.
و بما ان هذه العلاقة معلولة لهذه الشروط و الفرصة فهي بطبيعة الحال ثابتة ما دامت الشروط فيها متوفرة و الفرصة متاحة سواء أ كان العامل يمارس الانتفاع بها أم لم يمارس،و اما اذا زالت تلك الشروط و الفرصة عنها فان كانت العلاقة على مستوى الحق فقد انقطعت عنها نهائيا بمقتضى الارتكاز العرفي و إن كانت على مستوى الملك فهي باقية و لم تزل بزوالها على ما تقدم مفصلا.
و اما نتيجة عمله:في الارض الحية بطبيعتها-فبما أنها لم تكن خلق الشروط و الفرصة للانتفاع بها،لفرض ان تلك الشروط متوفرة فيها ذاتا و بدون بذل جهد بشري و ان العامل فيها لم يخلق صفة لها ذات قيمة اقتصادية،و انما قام بالانتفاع بزرعها،و غرس اشجارها،أو ما شاكل ذلك-فهي بطبيعة الحال انما هي ما نجم عن عمله و جهده فيها و هو الزرع او الشجر في فرض الكلام فالعامل انما يملك ذلك على ضوء الاطار العام المزبور-كل عامل يملك نتيجة عمله-و لا يملك صفة في الارض ما دام انه لم يخلق فيها شيئا.
و من الطبيعي ان عمله الانتفاعي بها لا يبرر اختصاص العامل
برقبة الارض.نعم ما دام هو يمارس العمل فيها و يواصل في زراعتها كان احق من غيره بالانتفاع بها،و ليس لغيره ان يزاحمه فيه،على اساس انه بالبناء القطعي من العقلاء قد اكتسب حق الاولوية فيها بقيامه باستغلال الارض و الانتفاع بها،فان من حقه في هذا الحال الاحتفاظ بها و منع الآخر من مزاحمته و انتزاع الارض منه،لأن الآخر ليس اولى من الذي ينتفع بها فعلا
و لا يحصل على حق اوسع من ذلك بنكتة انه معلول لانتفاعه بها،و لا يعقل ان تكون دائرة المعلول اوسع من دائرة العلة،و عليه فلا محالة يكون ثبوت هذا الحق له ما دام هو قائم بالانتفاع بها فعلا و إلا فلا حق له.و من هنا لو ترك الانتفاع بها لم يبق له حق في الاحتفاظ بها،و يجوز عندئذ لآخر ان يقوم باستغلالها و استثمارها.
و هذا هو الفارق بين الحق الحاصل للعامل في الارض الموات على اساس قيامه بعملية احيائها.و الحق الحاصل له في الارض الحية على اساس قيامه باستغلالها و الانتفاع بها.
و من هذا القبيل:استخدام الارض لرعي الحيوانات،فانه و ان كان عمل من اعمال الانتفاع بالمصادر الطبيعية إلا انه لا يؤثر في ايجاد حق في الارض على اساس انه لم يقم فيها بعملية ذات قيمة اقتصادية كخلق الحياة فيها او نحوها،و انما هو يقوم بعملية تربية حيوانات فيها فتكون نتيجة عمله فيها انما هي الثروة الحيوانية فيملك العامل على ضوء الاطار العام المتقدم تلك الثروة الحيوانية على اساس انها نجمت عن جهده و عمله.
نعم يحصل العامل على اثر ذلك على حق الاولوية فيها ما دام يمارس في عمله هذا و يواصل فيه،لا مطلقا فلو ترك ذلك لم يبق
له الحق في الاحتفاظ بها،و يجوز لغيره ان يقوم بالانتفاع بها و استثمارها.
ثم ان ما ذكرناه:بالاضافة الى عملية الاحياء موافق للنصوص الشرعية التي تقدمت الاشارة اليها في ضمن الابحاث السالفة،و قلنا هناك ان مقتضى تلك النصوص هو ان عملية الاحياء تبرر وجود حق في الارض اذا كانت رقبتها داخلة في نطاق ملكية غير المحيى،و اما اذا لم تكن داخلة في ذلك و كانت من المباحات فهي تمنح المحيى ملكيتها،فالفرصة التي خلقها المحيى تكون جهة تعليلية لوجود الحق على الاول و جهة تعليلية لوجود الملك على الثاني و اما ما ذكرناه بالاضافة الى الارض الحية بطبيعتها موافق للبناء القطعي من العقلاء الجاري على ذلك الثابت في جميع الاعصار.
و ما قيل من انها تلعب في الارض الحية بطبيعتها نفس الدور الذي تلعبه عملية الاحياء في الارض الميتة فقد عرفت انه لا اساس له اصلا.
فيما توجد المنافسة عليها و انما اعترف الإسلام بالعمل فيها على اساس انه مظهر من مظاهر علاقة الفرد بالمصادر الطبيعية،سواء أ كان ذلك العمل استغلال الارض و الانتفاع بها كما اذا كانت الارض حية بطبيعتها،أم كان
احيائها كما اذا كانت ميتة.
فقد عرفنا ما فيهما،كما انا عرفنا ان العقلاء أيضا لا يعترفون بها على اساس انها اسباب لعلاقة الانسان بالارض رغم انهم يعترفون بعملية الاحياء كذلك.
-و هو ان كل عامل يملك نتيجة عمله على اختلاف نوع العمل و نوع النتيجة-و من ذلك يختلف نتيجة العمل في الارض الميتة عن نتيجة العمل في الارض الحية طبيعيا،و على اثر ذلك يختلف الحق الحاصل عليه العامل في الأولى عن الحق الحاصل عليه في الثانية.
ان حيازة المناجم و المياه ان كانت على اساس القوة و التحكم على الآخرين في ميدان وجود المنافسة عليها فلا قيمة لها نهائيا،لا لدى الإسلام،و لا لدى العقلاء،و انها لا تبرر وجود اي حق فيهما،كما عرفت في الأرض.
و بكلمة واضحة:ان تلك المصادر و الثروات الطبيعية التي توجد في الأرض فما دام انها ظلت في مكانها الطبيعي و لم تكن حيازتها على اساس انفاق العمل و بذل الجهد في سبيل اكتشافها و الوصول اليها اذا كانت في اعماق الأرض و كانت على اساس القوة و التحكم في مقام وجود المنافسة عليها فقد مر انه لا قيمة لها عند الإسلام.
و أما ان كانت حيازتها على اساس اكتشافها من خلال عمليات الحفر و بذل الجهد فهي تبرر وجود حق فيها بمعنى ان من يقوم بعملية الحفر لاكتشافها يملك الحفرة التي حفرها لذلك و على اثر تملكه تلك الحفرة يكون اولى بالانتفاع بهذه المناجم او المياه من هذه الحفرة، و ليس لآخر ان يزاحمه في ذلك باستخدام تلك الحفرة للاستفادة منها،كما انه لو سوى طريقا الى المعادن الموجودة على سطح الارض، فانه ليس لآخر ان يستخدم ذلك الطريق للاستفادة منها.
و هل هذه العملية اي عملية الاكتشاف تحمل طابع الاحياء او طابع الحيازة؟فيه وجهان:
المعروف و المشهور بين الاصحاب:هو الوجه الاول على اساس ان الاحياء عبارة عن خلق الشروط و الفرصة التي تتيح للفرد الاستفادة منها و الانتفاع بها،و قد يكون ذلك في الارض و قد يكون في غيرها، فان العامل بحفره الحفرة التي اوصلها بها في اعماق الارض قد خلق فيها شروطا و فرصة للانتفاع بها و الاستفادة منها التي لم تكن متوفرة قبل قيام العامل بعملية الحفرة،و انما نجمت عنها، فان احياء كل شيء بحسبه.
و لكن الظاهر:هو الوجه الثاني،فان مقتضى الارتكاز العرفي من معنى الاحياء هو انه لا ينطبق على الشروط و الفرصة التي خلقها العامل من خلال عمليات الحفر لاكتشاف المناجم و الوصول اليها بنكتة ان احياء شيء عبارة لدى العرف.عن العمل فيه ليصير ذلك الشيء حيا بعد ما كان ميتا،و الفرض ان الحفر المزبور ليس عملا في المناجم و جعل صفة فيها،بل هي على حالها بدون أدنى تغيير و احداث شيء فيها،كما هو الحال في الارض،فان عملية الإحياء فيها اوجدت
صفة لم تكن الارض واجدة لتلك الصفة و هي-صفة الحياة قبل تلك العملية-.
نعم قد تحتاج المناجم الى عملية لبروز مادتها الجوهرية و انجازها بشكلها الكامل،و لا بأس باطلاق الاحياء على تلك العملية.
فالنتيجة:ان اطلاق الاحياء على اكتشاف المعادن او المياه بسبب عمليات الحفر كما في كلمات الاصحاب مبنى على ضرب من المسامحة،و كيف كان فلا ثمرة لهذا البحث اصلا.
ان الحيازة للثروات المنقولة تمنح العامل حقا فيها على اساس انها تقوم على بذل العامل العمل و الجهد في السيطرة عليها و جعلها في حوزته بشكل مباشر او غير مباشر،و لأجل ذلك كانت حيازتها من الاعمال الاستثمارية و الانتفاعية التي تكون ذات قيمة اقتصادية، لدى العرف و العقلاء،و ليست من الاعمال الاحتكارية التي لا يعترف الإسلام بها على اساس انها مصدر لحق.
و نقصد بالاعمال الاحتكارية سيطرة الفرد على مساحات كبيرة من الثروات المزبورة بدون انفاق عمل و بذل جهد فيها و اما لو انفق العمل و الجهد في حيازتها و نقلها من مكانها الطبيعي الى حوزته فذلك يبرر وجود حق فيها و ان كان المحاز اكبر من قدر حاجته،و قد اعترف الإسلام بالحيازة لتلك الثروات و المصادر بشتى انواعها و اشكالها على اساس ان علاقة الفرد بها قد نجمت عنها عند العقلاء.
و بما ان الإسلام لم يخترع طريقة اخرى لارتباط الفرد بها و لم
يكن لديه مصدر أخر لذلك فبطبيعة الحال قد اعترف بما لدى العقلاء من المصدر له،و هذا هو مرادنا باعتراف الإسلام بحيازة تلك الثروات بشتى اشكالها.و قد ورد نص خاص بذلك في بعض تلك الثروات أيضا،و سوف نشير اليه.
بيان ذلك:ان حيازة الحطب:عبارة عن احتطابه من الغابات او نحوها على اساس ان هذه العملية اي-عملية الاحتطاب لدى العقلاء تمنح العامل علاقة بالحطب-و قد تقدم ان كل عامل في الثروات و المصادر الطبيعية يملك نتيجة عمله على اختلاف نوع العمل،و نوع النتيجة و نتيجة عمله و جهده هنا انما هي الحطب الموجود في حوزته،فانه نجم عن تلك العملية.
و حيازة الكلاء:عبارة عن استيلاء العامل على كمية منه على اساس بذله الجهد و العمل في سبيل جمع تلك الكمية التي يتمكن من نقلها و الانتفاع بها،و لا يكفي الاستيلاء على كمية منه على اساس القوة و التحكم على الآخرين بدون بذل الجهد و العمل في حيازته، لما عرفت من اعتراف الإسلام بمقتضى بناء العقلاء باستحقاق العامل نتيجة عمله،و اما اذا لم يبذل عمله و لم يحدث فيها شيئا فلا مقتضى لاستحقاقه لها اصلا على اساس ان ذلك لم يدخل في الاطار العام الذي تقدم اعتراف الإسلام به-و هو ان كل عامل يستحق نتيجة عمله-و لم يعترف باستحقاق الفرد لها بدون بذل جهد و عمل فيها أبدا.
و حيازة الحجر:عبارة عن نقله من الصحراء او الجبال او ان العامل قد بذل فيه عملا و جهدا في مكانه الطبيعي و احدث فيه حدثا يكون ذات قيمة فانه بموجب هذا يستحق ذلك الحجر على اساس
انه قد انتج بعمله هذا حقا فيه فلا يجوز لآخر التصرف فيه و نقله الى حوزته،و هذا شكل من اشكال الحيازة
و حيازة الماء:عبارة عن اخذه من النهر او البحر و جعله في حوزته و استيلائه بشكل مباشر،فانه يمنحه حقا فيه على اساس ان العامل يملك نتيجة عمله.
و حيازة الحيوان البري او البحري:عبارة عن صيده كما اذا وقع الحيوان في الشبكة التي وضعها الصائد لاصطياده،فان وقوعه فيها الموجب لشلّ حركته و المنع من هروبه أدى الى وجود حق للصياد فيه،و يمنع الآخر بموجبه عن اخذه من الشبكة و التصرف فيه.
إلا ان هذا الحق له انما هو ما دام الصيد في الشبكة،و اما اذا هرب منها فلا يبقى حقه محفوظا فيه على اساس انه نجم عن الفرصة التي خلقها الصياد لأخذه و الانتفاع به،و الفرض ان تلك الفرصة قد انتهت بهروبه منها،و الارتكاز العرفي قائم على ان هذا الحق يدور مدار هذه الفرصة،و عندئذ يجوز لآخر ان يصطاده و يجعل في حوزته،و هذا نوع من الحيازة لدى العرف و العقلاء.
و اما اذا اخذه من الشبكة و آلة الصيد و جعله في حوزته بشكل مباشر فتكون علاقته به اقوى من علاقته به اذا كان في الشبكة و آلة الصيد على اساس انها لدى العقلاء تكون على مستوى الملك،و تلك تكون على مستوى الحق،و من هنا لا تنقطع تلك العلاقة بهروبه عن حوزته،و لا يجوز لغيره اخذه،و اذا اخذه وجب عليه رده.
و كذا الحال في الطائر:فانه اذا وقع في شبكة الصيد فحق الصياد فيه الذي نتج عن جهده و عمله انما هو على اساس استحقاقه الفرصة التي خلقها لاصطياده-و هي وضع الشبكة-فاذا وقع الطائر فيها
فالفرصة متاحة لأخذه و الانتفاع به بشكل مباشر،و هذه الفرصة المتاحة مستندة الى عمل الصياد و جهده،و اذا انتفت تلك الفرصة بهروب الطائر من الشبكة في الجو انتفى حقه بانتفاء موضوعه بمقتضى الارتكاز القطعي العرفي.
و اما اذا اخذ الطائر من الشبكة و جعله في حوزته بشكل مباشر فعندئذ يكون حقه فيه اقوى من حقه على اساس تملكه الفرصة المزبورة فلا يسقط بهروبه من حوزته.
و هذان:نوعان من الحيازة و مختلفان في الاثر،و لكن متحدان بحسب المفهوم على اساس ان الحيازة بمفهومها العرفي عبارة عن السيطرة على الشيء بالعمل و بذل الجهد سواء أ كانت السيطرة بالواسطة أم كانت بشكل مباشر.
و تدل-على ان الحيازة على الشكل الاول تفيد الحق-السيرة القطعية من العقلاء الممضاة شرعا على اساس عدم ورود ردع عنها من قبل الشرع رغم انتشارها في عصر التشريع،و اما كون هذا الحق محدودا بما اذا ظل الصيد في الشبكة او القفس،و اذا هرب او طار في الجو بعد استرجاع قواه و زوال المانع لم يبق للصائد حق فيه،فهو انما يكون لأجل ان السيرة لم تقم على كونه اوسع من ذلك، بل قد قامت على انه محدود و ضيق
و اما الحيازة على الشكل الثاني فلا شبهة في انها تمنح الصائد علاقة فيه على مستوى الملك،فانه-مضافا الى السيرة القطعية من العقلاء على ذلك-تدل عليه معتبرة السكوني عن جعفر بن محمد عن ابيه و عن آبائه عن علي(ع)انه سأله عن رجل ابصر طيرا فتبعه حتى وقع على شجرة فجاء رجل آخر فأخذه قال:(للعين
ما رأت و لليد ما اخذت 1.
فان موردها و ان كان الطائر إلا ان الارتكاز العرفي القطعي قائم على عدم خصوصية للطائر من هذه الناحية،و هو قرينة على التعميم،و عليه فتدل المعتبرة على ان حق العين هو الرؤية فحسب، و بها قد استفادت حقها من المرئي،و لا يحدث بسببها حق فيه لصاحبها، و بالتالي تدل على ان الحق فيه انما نجم عن العمل الخارجي-و هو في مورد المعتبرة الاخذ باليد خارجا-.
و اما كون هذا الحق يبقى محفوظا للصائد حتى بعد هروب الصيد عن حوزته فهو انما يقوم على اساس ان هذا الحق له فيه انما هو على مستوى الملك.
و تدل-على ان علاقة الصائد لا تزول عن الصيد في الحيازة على الشكل الثاني بهروبه عن حوزته مضافا الى السيرة-صحيحة احمد بن محمد بن ابي نصر قال:سألت ابا الحسن الرضا(ع) عن الرجل يصيد الطير الذي يسوي دراهم كثيرة و هو مستوى الجناحين و هو يعرف صاحبه أ يحل له امساكه فقال:اذا عرف صاحبه رده عليه و ان لم يكن يعرفه و ملك جناحه فهو له و ان جاءك طالب لا تتهمه رده عليه 2فانها تدل بوضوح على ان علاقته بالطير لا تنقطع بهروبه عن حوزته،فاذا اخذه الآخر و صاده بعد ذلك وجب عليه رده الى صاحبه اذا عرفه.
الى هنا قد استطعنا ان نخرج بهذه النتيجة:و هي ان المصدر الوحيد لعلاقة الفرد بالثروات المنقولة انما هو حيازتها باشكالها
المختلفة باختلاف نوع تلك الثروات التي يسيطر الفرد عليها على اساس انفاق العمل و بذل الجهد،فالوسيلة الوحيدة لارتباط الانسان بالطبيعة و ثرواتها ارتباطا ابتدائيا انما هي العمل و بذل الجهد في سبيل استغلالها و الانتفاع بها فلا يمكن ارتباط الانسان بها كذلك بمالها من الثروات بدون العمل.
مجموعة من الابحاث الفقهية التي تتضمن احكامها و شرائطها على ضوء النصوص الشرعية
ارض الصلح البحث فيها يقع في مرحلتين:
الأولى:فيما هو مقتضى عقد الصلح.
الثانية:فيما هو مقتضى مجموعة من النصوص التشريعية.
فارض الصلح هي الارض التي فتحت من قبل المسلمين من دون ان يسلم اهلها،و لا قاوموا الدعوة الاسلامية بشكل مسلح،بل ظلوا على دينهم في ذمة الإسلام بعقد الصلح فتصبح الارض ارض الصلح.
و عليه فان اللازم هو تطبيق بنود عقد الصلح عليها،فان نص فيها على ان الارض لأهلها اعتبرت ملكا لهم،غاية الامر ان كانت الارض داخلة في نطاق ملكيتهم قبل هذا العقد،كما اذا كانوا قائمين باحيائها قبل تاريخ تشريع ملكية الانفال للإمام(ع)او انتقلت اليهم ممن يكون مالكا لها ففي مثل ذلك لا يؤثر عقد الصلح إلا في ابقائها في ملكهم باعتبار ان لولى الأمر استملاك الارض منهم على حساب الدولة او الامة،
و اما اذا لم تكن الارض ملكا لهم،كما اذا كان قيامهم باحيائها بعد تاريخ التشريع المزبور،فعندئذ يؤثر عقد الصلح في منحهم ملكية الارض،و لا مانع من ذلك اذا رأى ولى الامر مصلحة فيه.
و اما اذا نص في بنود عقد الصلح على استملاك الدولة للأرض او الامة فحينئذ تصبح الارض خاضعة لمبدإ ملكية الامام(ع)او المسلمين،و لكن ظلت في ايديهم مع وضع الخراج و الطسق عليها، هذا اذا كانت الارض ملكا لهم،و لكن بعقد الصلح انتقلت الى
الدولة او الامة.و اما اذا كانت ملكا للدولة فعقد الصلح انما يؤثر في مشروعية ابقائها في ايديهم،و يؤخذ منهم الجزية و الخراج على حسب ما هو مقتضى عقد الصلح
و اما الاراضي الموات حين عقد الصلح،او الغابات التي لا رب لها،فانها ملك للإمام(ع)و له ان يتصرف فيها بما يرى من المصلحة.نعم اذا أدرجها في عقد الصلح لزم ان يطبق عليها ما هو مقتضى هذا العقد،و لا يجوز الخروج عن مقرراته و مقتضياته.
فالنتيجة ان مقتضيات عقد الصلح تختلف باختلاف الموارد و المصالح على اساس ان امره بيد ولي الامر فله ان يعقد الصلح معهم على حسب ما يراه من المصلحة للدولة او الامة و هي بطبيعة الحال تختلف باختلاف المقامات.
فقد وردت في المسألة مجموعة من الروايات.
منها:صحيحة حفض بن البختري عن ابي عبد اللّه(ع)قال.
(الانفال ما يوجف عليه بخيل و لا ركاب،او قوم صالحوا،او قوم اعطوا بأيديهم و كل ارض خربة،و بطون الاودية)الحديث 1.
و منها:مرسلة حماد بن عيسى عن بعض اصحابنا عن العبد الصالح(ع)في حديث الى ان قال:(و الانفال كل ارض خربة باد اهلها،و كل ارض لم يوجف عليها بخيل و لا ركاب،و لكن صالحوا صلحا و اعطوا بأيديهم على غير قتال)الحديث 2.
و منها:معتبرة محمد بن مسلم عن ابي عبد اللّه(ع)انه سمعه:
يقول:(ان الانفال ما كان من ارض لم يكن فيها هراقة دم،او قوم
صولحوا و اعطوا بأيديهم،و ما كان من ارض خربة،و بطون اودية) الحديث 1.
ثم ان المستفاد من معتبرة محمد بن مسلم،و كذا من مرسلة حماد بن عيسى ان عقد الصلح فيهما كان مقتضيا لإعطاء الارض و تسليمها،و قد عرفت ان ما تم عليه عقد الصلح بشأن الارض قد يكون مقتضاه تسليم الارض لولى الامر و اعطائها له على اساس انها بمقتضى هذا العقد تصبح ملكا للدولة.و لكن مع ذلك لولى الامر ابقاء الارض في أيديهم و تحت تصرفهم مقابل اخذ الخراج و الطسق منهم.
و على الجملة فالكفار قد يسلموا الارض الى ولي الأمة تسليما ابتدائيا و بدون شرط مسبق،و قد يسلموا الارض من جهة شرط مسبق كعقد الصلح.
و اما صحيحة حفض بن البختري فقد جعلت عنوان الصلح في مقابل عنوان الاعطاء،و لكن من الطبيعي ان جعل الارض التي تم بشأنها الصلح من الانفال قرينة واضحة على ان مقتضاه ملكية الارض للإمام(ع)و المراد من الاعطاء فيها هو اعطاء الارض و تسليمها للإمام(ع)تسليما ابتدائيا و بدون أي شرط مسبق بقرينة جعله في مقابل الصلح
و لكن هذه المجموعة من الروايات ليست في مقام بيان تمام انواع الصلح و اقسامه،و انما هي في مقام بيان ما هو من الانفال،و من الطبيعي ان ارض الصلح التي تكون من الانفال هي الارض التي
اقتضى الصلح ملكيتها للإمام(ع).
و اما اراضي اهل الذمة التي هي في ايديهم فالظاهر ان علاقتهم بها تكون على مستوى الملك.و من الطبيعي ان ابقاء تلك الاراضي في ايديهم من قبل ولى الامر انما هو بموجب ما تم بينهم و بين ولى المسلمين بشأنها في عقد الصلح،و تدل على الملك مجموعة من الروايات:
منها:صحيحة محمد بن مسلم عن ابي جعفر(ع)قال سألته عن شراء ارض اهل الذمة فقال:(لا بأس بها فتكون اذا كان ذلك بمنزلتهم تؤدي عنها كما يؤدون)الحديث 1.
و منها:مضمرة زرارة قال:قال:(لا بأس بان يشتري أرض اهل الذمة اذا عملوها و احيوها فهي لهم) 2.
و تؤكد ذلك رواية ابي الربيع الشامي عن ابي عبد اللّه(ع) قال:(لا تشتر من ارض السواد شيئا إلا من كانت له ذمة) الحديث 3.
فان الظاهر من هذه المجموعة هو شراء رقبة الارض،و حملها على شراء الحق المتعلق بها كما كان الامر كذلك في شراء الارض المفتوحة عنوة و ان كان بمكان من الامكان إلا انه خلاف الظاهر فيكون بحاجة الى قرينة.
فالنتيجة ان ارض الصلح تختلف باختلاف ما تم عليه عقد الصلح بشأنها،و ليس لها ضابط كلي في جميع الموارد.
1-الارض التي سلمها اهلها لولى الامة.
2-الارض التي باد اهلها و انقرضوا
3-الارض المستجدة في دار الإسلام
4-بطون الاودية،رءوس الجبال،الآجام
كل ارض سلمها الكفار لولى المسلمين من دون هجوم عليهم من قبلهم تسليما ابتدائيا فهي تكون من الانفال يعني-ملك للدولة- و تصرف مواردها في شئون الدولة و مصالحها.
و يدل على ذلك:من الكتاب قوله تعالى: «وَ مٰا أَفٰاءَ اللّٰهُ عَلىٰ رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمٰا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَ لاٰ رِكٰابٍ،وَ لٰكِنَّ اللّٰهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلىٰ مَنْ يَشٰاءُ وَ اللّٰهُ عَلىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» .
و اما من الروايات:فقد دلت على ذلك عدة من النصوص:
و هي النصوص التي تقدمت في خلال البحث عن مقدمة الكتاب فلاحظ
لا شبهة في ان هذه الارض من الانفال سواء أ كان الموت طارئا عليها أم ظلت عامرة،و ذلك لا من ناحية مرسلة حماد بن عيسى، لأنها ضعيفة سندا من ناحية الارسال فلا يمكن الاعتماد عليها،بل من ناحية مجموعة من النصوص التي جاءت بهذا النص(كل ارض لا رب لها)فانها تدل على ان ما لا رب لها فهي للإمام(ع)و بما ان الارض المزبورة قد باد اهلها و انقرضوا فتصبح مما لا رب لها.
هذا اضافة:الى انها تدخل في النصوص التي تدل على ان من لا وارث له فماله من الانفال،و هي روايات كثيرة:
منها:قوله(ع)في موثقة اسحاق بن عمار المتقدمة(و من مات و ليس له مولى فماله من الانفال).
و منها:صحيحة محمد بن مسلم عن ابي جعفر(ع)قال(من مات و ليس له وارث من قرابته،و لا مولى عتاقه قد ضمن جريرته.
فما له من الانفال) 1.
و منها:صحيحة محمد الحلبي عن ابي عبد اللّه(ع)في قول اللّه تعالى:«يسئلونك عن الانفال،قال:(من مات و ليس له مولى فما له من الانفال) 2.
و منها:صحيحة الحلبي عن ابي عبد اللّه(ع)قال:من مات و ترك دينا فعلينا دينه،و إلينا عياله الى ان قال:و من مات و له موالي فما له من الانفال) 3.
و هي جزيرة ظهرت في وسط البحر او النهر او ساحلها،و قد عبر عنها بسيف البحار في كلمات الفقهاء.
و لا شبهة في انها من الانفال،لأنها تدخل في نطاق ملكية الامام(ع)تطبيقا للكبرى الفقهية التي قد نصت:على ان كل ارض لا رب لها فهي للإمام(ع).
و اما اذا افترضنا:ان الارض المزبورة لم تكن من الاول تحت الماء و كانت بيد صاحبها،ثم استولى الماء عليها،و بعد مضي مدة زمنية ظهرت الارض فهل تنقطع بذلك علاقة صاحبها عنها نهائيا او ظلت بحالها؟فيه تفصيل،فان كانت علاقة صاحبها بالارض على مستوى الملك لم تنقطع بذلك،فان خروج رقبة الارض عن ملكه بحاجة الى دليل،و لا دليل في المقام على ذلك،بل مقتضى الاصل بقائها.و إن كانت على مستوى الحق انقطعت علاقته عنها.لما عرفت من ان الحق متقوم بحياتها و عمرانها فاذا زالت زال الحق نهائيا بزوال علته.
البحث فيها يقع تارة في مقتضى مجموعة من النصوص الخاصة.
و اخرى:في مقتضى مجموعة من النصوص العامة.
اما البحث في الاول:فقد استدل على انها من الانفال بعدة من النصوص الشرعية:
منها:مرسلة حماد بن عيسى المتقدمة عن بعض اصحابنا عن العبد الصالح في حديث قال:(و للإمام صفو المال الى ان قال:و له رءوس الجبال،و بطون الاودية،و الاجام)الحديث
فانها و ان كانت تامة دلالة إلا انها ضعيفة سندا من ناحية الارسال فلا يمكن الاستدلال بها.
و منها:مرسلة مقنعة عن محمد بن مسلم قال:سمعت ابا جعفر(ع)يقول:(الانفال الى ان قال:فقال:كل ارض خربة او شيء يكون للملوك،و بطون الاودية،و رءوس الجبال)الحديث 1
فانها ضعيفة سندا من جهة الارسال و ان كانت تامة دلالة.
و منها:مرفوعة احمد بن محمد عن بعض اصحابنا رفع الحديث الى ان قال:(قال:و بطون الاودية،و رءوس الجبال)الحديث 2.
فانها ضعيفة فلا يمكن الاعتماد عليها.
نعم قد ورد-في صحيحة حفض بن البختري و معتبرة محمد بن
مسلم المتقدمتين-بطون الاودية خاصة،و تنصان على انها من الانفال.
الى هنا قد انتهينا الى هذه النتيجة:و هي ان النصوص الخاصة المذكورة-التي تنص على ان رءوس الجبال،و بطون الاودية،و الاجام من الانفال-باجمعها ضعيفة سندا فلا يمكن الاعتماد عليها،فاذن النص الخاص غير متوفر في هذه الثلاثة ما عدى بطون الاودية.
و دعوى:-ان ضعف تلك النصوص قد انجبر بعمل الاصحاب- خاطئة جدا.
اما اولا:فلانا لا نعلم بان الاصحاب قد استندوا في الحكم بكون هذه الثلاثة من الانفال الى تلك الروايات،بل لعلهم استندوا في ذلك الى الروايات العامة و تطبيقها عليها.
و اما ثانيا:فلان الجابر لو كان فانما هو عمل اصحابنا المتقدمين و استنادهم اليها في مقام الفتيا و هو غير معلوم لنا على اساس انه لا طريق لنا إلى احراز ذلك،و أما عمل اصحابنا المتأخرين فلا يكون جابرا.
و اما ثالثا:فمع الاغماض عن جميع ذلك فالكبرى غير تامة، فان الملاك في اعتبار الرواية هو وثاقة الراوي سواء أ كان الاصحاب قد عملوا بها أم لم يعملوا.
نعم اذا حصل الاطمئنان بصدورها على اساس عملهم بها فالرواية عندئذ و إن كانت حجة إلا انها من ناحية الاطمئنان.
و اما البحث في الثاني:فالظاهر دخول رءوس الجبال،و بطون الاودية،و الاجام في نطاق مجموعة من النصوص العامة التي تقدمت في ضمن الابحاث السالفة.
فان منها:ما يدل على ان الارض الخربة التي لم يوجف عليها
بخيل و لا ركاب للإمام(ع).
و منها:ما يدل على ان كل ارض لا رب لها فهي للإمام(ع).
و منها:ما يدل على ان الارض كلها للإمام(ع).
و عليه فبطون الاودية،و رءوس الجبال ان كانتا مواتا و لم يوجف عليهما بخيل و لا ركاب فهما داخلتان في نطاق المجموعة الاولى،و إن كانتا عامرة طبيعيا و لم يوجف عليهما بخيل و لا ركاب فهما داخلتان في نطاق المجموعة الثانية،و كذا الحال في الاجام،فانها داخلة في نطاق هذه المجموعة.
و اما اذا كانت هذه الثلاثة مأخوذة من الكفار بعنوة و هراقة دم فهي ملك عام للمسلمين على تفصيل قد سبق بشكل موسع.
هذا كله بحسب ما هو مقتضى النصوص العامة.
و اما بطون الاودية خاصة:فبما ان النص الوارد فيها تام من ناحية السند فالظاهر انه لا مانع من الحكم بكونها من الانفال مطلقا و ان كانت مأخوذة من الكفارة بعنوة و هراقة دم،و ان كانت عامرة بشريا و كان تاريخ عمرانها متقدما زمنيا على تاريخ نزول آية الانفال، فانها اذا دخلت دار الإسلام بعد ذلك التاريخ خرجت عن ملك مالكها و دخلت في ملك الامام(ع)بمقتضى اطلاق هذا النص.
و لكن في مقابل هذا النص مجموعتان من النصوص:
احداهما:عمومات الاحياء التي تدل على تملك المحيى لرقبة الارض.
و الاخرى:العمومات الدالة على ان الارض المأخوذة من الكفار عنوة ملك عام للمسلمين.
اما المجموعة الاولى:فالنسبة بينها و بين هذا النص عموم من
وجه،و ملتقى المعارضة بينهما ما اذا كانت بطون الاودية عامرة بشريا،فان مقتضى تلك المجموعة انها دخلت في ملك المحيى، و مقتضى هذا النص انها ظلت في ملك الامام(ع)فاذن لا يمكن الاخذ باطلاق النص المزبور.
و الجواب عن ذلك:
اما اولا:فقد تقدم في ضمن البحوث السالفة ان عملية الاحياء لا توجب علاقة المحيى بالارض على مستوى الملك،و انما توجب علاقته بها على مستوى الحق فحسب،فاذن لا تنافي بينهما،و لا مانع من الاخذ باطلاق النص.
و اما ثانيا:فعلى تقدير تسليم التنافي و التعارض بينهما في مورد الالتقاء إلا ان الارتكاز القطعي لدى العرف في امثال المقام هو تقديم هذا النص على المجموعة المذكورة،إذ في صورة العكس يلزم الغاء عنوان بطون الاودية نهائيا،و تصبح حالها حال غيرها من الاراضي، و هو على خلاف المتفاهم العرفي،فعندئذ لا بد من تقديم النص عليها، فان الارتكاز المزبور بمثابة قرينة على ذلك فيدخل المقام في نطاق ضابط كلي المنقح في محله-و هو ان في كل مورد كان التعارض بين الدليلين عموما من وجه فاذا لزم من تقديم احدهما على الآخر في مورد الالتقاء الغاء عنوانه نهائيا دون العكس تعين العكس فيه-.
و اما ثالثا:فلانا لو سلمنا تساقط الطرفين بالمعارضة تعين الرجوع الى العام الفوقي الدال على ان الارض كلها للإمام(ع)فان هذا العام يصلح للمرجعية بعد تساقط النصوص الخاصة من جهة المعارضة.
و اما رابعا:فلانا لو قطعنا النظر عن العام الفوقي امكن الرجوع الى الاصل العملي-و هو استصحاب بقائها في ملك الامام(ع)عدم
خروجها عن ملكه-.
و اما خامسا:فلانا لو قطعنا النظر عن هذا الاصل العملي أيضا امكن الرجوع الى مجموعة اخرى من نصوص ملكية الامام(ع) و هي التي جاءت بهذا النص كل ارض لا رب لها فهي للإمام(ع) فانه بعد سقوط دليل تملك المحيى بالاحياء لا مانع من الرجوع الى استصحاب عدم وجود رب خاص لها،و بذلك تدخل في نطاق هذه المجموعة فتكون للإمام(ع).
و اما المجموعة الثانية:و هي النصوص التي تدل على ان الارض المفتوحة عنوة ملك عام للمسلمين،فهي تصنف الى مجموعتين:
احداهما:تدل على ان ما اخذ بالسيف فهو للمسلمين.
و الاخرى:تدل على ان الارض السواد ملك لهم.
اما النسبة بين النص المتقدم و المجموعة الاولى فهي عموم و خصوص مطلق فيكون مخصصا لعمومها فلا معارضة في البين.
و اما النسبة بينه و بين المجموعة الثانية فهي عموم من وجه، لاختصاص هذه المجموعة بالارض العامرة،و عموم النص من هذه الناحية،فملتقى المعارضة بينهما ما اذا كانت بطون الاودية عامرة و قد فتحت عنوة من قبل المسلمين،فان مقتضى هذا النص انها ملك للإمام(ع)و مقتضى تلك المجموعة انها ملك للأمة.
فالنتيجة:انه لا يمكن الاخذ بمقتضى هذا النص.
و الجواب عنه قد ظهر مما تقدم،و حاصله هو انه لا بد من تقديم اطلاق ذلك النص على اطلاق هذه المجموعة من النصوص بعين ملاك تقديمه على مجموعة عمومات نصوص الاحياء حرفا بحرف.
إلى هنا قد استطعنا ان نخرج بهذه النتيجة و هي ان بطون
الاودية اذا دخلت دار الإسلام فان كان دخولها بعد نزول آية الانفال فهي اصبحت ملكا للإمام(ع)هذا من دون فرق بين كونها مواتا، او عامرة بشريا او طبيعيا،و على الثاني لا فرق بين كون تاريخ عمرانها متقدما زمنيا على تاريخ نزول الآية او متأخرا عنه كذلك.
و أيضا لا فرق بين كون دخولها في دار الإسلام بالجهاد المسلح او بدون ذلك،كل ذلك انما هو لإطلاق النص و عدم ما يصلح لتقييده بغير حالة من تلك الحالات.
و اما اذا كان دخولها قبل نزول الآية فان كان بعنوة و كان بعد تاريخ تشريع ملكية الارض للمسلمين بالفتح خارجا فهي تصبح ملكا لهم.و اما اذا كان قبله،او لم يكن بعنوة فهي و ان لم تكن عندئذ ملكا للإمام(ع)و لا للمسلمين إلا ان امرها بيد ولي الامة.
و من هنا يظهر:انه لا ثمرة عملية بين دخولها في دار الإسلام قبل نزول الآية او بعده اصلا على اساس ان امرها على كلا التقديرين بيد ولي الامة.
و من ذلك يظهر حال رءوس الجبال،و الاجام اذا افترضنا صحة النص الوارد فيهما أيضا.
و بذلك يتبين ان ما ذكره المحقق الهمداني(قده)-من ان رءوس الجبال،و بطون الاودية،و كذا الاجام مندرجة في الارض الموات،و انفرادها في الذكر في الفتاوي لتبعية النصوص.و اما ذكرها في النصوص خاصة فهو من ناحية انها من الافراد الخفية التي ينصرف عنها اطلاق الارض الموات.
و قد حكى ذلك:عن المحقق الأردبيلي(قده)أيضا حيث قال:
ان هذه الثلاثة داخلة في الموات إلا ان ذكرها للتوضيح،و احتمال
صرف الموات الى غيرها-لا يمكن الاخذ به،و ذلك لأن الظاهر من نصوصها لدى العرف هو ان لها خصوصية،لا ان ذكرها للتوضيح و التنبيه على انها من الافراد الخفية،ضرورة انه لو لم تكن لها خصوصية لكانت الارض الموات شاملة لها جزما،فان بطون الاودية و رءوس الجبال من الارض حقيقة و لا وجه لدعوى الانصراف.
و اما الاجام:فهي غير داخلة في الارض الموات،بل هي داخلة في الارض العامرة طبيعيا،و تدخل في نطاق ملكية الامام(ع) تطبيقا للقاعدة التي جاءت بهذا النص(كل ارض لا رب لها فهي للإمام(ع)).
فالنتيجة في نهاية الشوط:ان دعوى الانصراف لا تقوم على اساس صحيح اصلا،و عليه فالاطلاق هو المحكم في كل ما كانت النصوص فيه تامة سندا و هو بطون الاودية،دون رءوس الجبال،و الاجام، كما عرفت.
و من هنا تمتاز بطون الاودية عن اخوتيها،فان حكمهما حكم غيرهما من الاراضي التي هي ملك عام للإمام(ع)تطبيقا للنصوص العامة على اساس عدم وجود نص خاص معتبر فيهما،و وجوده في بطون الاودية.
و هذا بخلاف بطون الاودية،فان دخولها في نطاق ملكية الدولة بما انه قد ثبت بنص خاص فظاهره بمقتضى الارتكاز العرفي هو ان لها خصوصية و إلا فلا مقتضى لانفرادها بالذكر كما عرفت،و قد اشرنا إلى تلك الخصوصية-و هي انها ملك للإمام(ع)مطلقا حتى فيما اذا اخذت من الكفار بعنوة و هراقة دم-و بهذه الخصوصية تمتاز عن إخوتيها.
هذا من ناحية.
و من ناحية اخرى:ان مقتضى اطلاق النص المزبور كون بطون الاودية داخلة في نطاق ملكية الدولة و ان كانت في ارض غير الامام (عليه السلام)و قد اختار هذا التعميم صاحب المدارك(قده) حيث قال:ان اطلاق النص،و كلام اكثر الاصحاب يقتضي اختصاصه (عليه السلام)بهذه الانواع الثلاثة في أي ارض كانت إلا انه(قده) منع عن هذا الاختصاص من جهة ضعف النصوص،و قد صرح بهذا القول شيخنا العلامة الانصاري(قده)،بل هذا هو المشهور بين الاصحاب.
و اما ما عن ابن ادريس(قده)-من منع اختصاص الامام(ع) بها مطلقا-فيرده انه خلاف ظاهر تلك النصوص،فان الظاهر منها عرفا هو ان للعناوين المذكورة فيها خصوصية،و لأجل تلك الخصوصية افردها بالذكر.هذا.
و فيه:ان ما نسب الى المشهور انما يتم بالاضافة الى بطون الاودية خاصة،لا مطلقا،و ذلك لما عرفت من ان النص الخاص المتضمن لرءوس الجبال،و الاجام ضعيف سندا فلا يمكن الاعتماد عليه و من هنا قلنا ان دخولهما في نطاق ملكية الامام(ع)انما هو من ناحية تطبيق العناوين العامة عليهما،و هذا بخلاف النص الخاص المتضمن لبطون الاودية خاصة،فانه تام من حيث السند
و بذلك يظهر ما في كلام صاحب المدارك(قده)حيث ان رميه جميع النصوص الواردة في تلك الانواع الثلاثة بالضعف سندا في غير محله،لما عرفت من ان النص الوارد في بطون الاودية تام سندا.
فالنتيجة:ان بطون الاودية ملك للإمام(ع)مطلقا-حتى بعد
عملية الاحياء-على ضوء نظرية المشهور في المسألة من ان العملية المزبورة تمنح المحيى ملكية الارض،و لأجل هذه الخصوصية تمتاز عن غيرها من الاراضي.
و اما على ضوء ما هو المختار في المسألة-من ان عملية الاحياء لا تمنح المحيى ملكية الارض و انما تمنحه حقا فيها مع بقاء رقبة الارض في ملك الامام(ع)-فلا فرق بينها و بين غيرها من الاراضي الموات من هذه الناحية اصلا على اساس ان عملية الاحياء في كلا الموردين لا توجب انقطاع علاقة الامام(ع)عن الرقبة، و انما توجب علاقة المحيى بها على مستوى الحق فحسب.
نعم ان لها خصوصية من ناحية اخرى-و بها تمتاز عن غيرها- و هي ما اشرنا اليه آنفا من انها داخلة في نطاق ملكية الامام(ع) مطلقا حتى فيما اذا كانت في الارض المفتوحة عنوة التي هي ملك عام للأمة،و هذا بخلاف غيرها من الاراضي فانها بالفتح تصبح ملكا للمسلمين و لو كانت مواتا و كان فتحها بعد تاريخ نزول آية الانفال على اساس ما قويناه سابقا،و لأجل هذه النكتة افردت في الذكر في النص.
و هذا البيان بعينه جار في رءوس الجبال،و الاجام على تقدير اعتبار النص الوارد فيهما خاصة.
ثم انه لو اصبحت الارض المملوكة واديا بحادث من الحوادث السماوية او الارضية فهل تكون مشمولة لإطلاق النص المزبور؟فيه تفصيل،فان صيرورتها واديا ان كانت على نحو لم يوجب انقطاع علاقة صاحبها عنها لدى العرف لم تكن مشمولة عنه،لانصرافه عنها جزما و إن كانت على نحو يوجب انقطاع علاقته عنها لديهم فهي مشمولة له،
و ذلك كما اذا انتقلت ارضه من مكانها الى مكان آخر او زالت و انتشرت اجزائها و اصبح مكانها واديا بواسطة السيل الجارف او الزلزلة،فان ملكية الارض و ان كانت تستلزم ملكية بواطنها لكن بالمقدار المتعارف اي-بالمقدار الذي يتوقف عليه الانتفاع بها دون الاكثر-و اما اعماقها التي لا يمكن الوصول اليها إلا بحفر و جهد كبير فلا تكون مملوكة لصاحب الارض،و لا تمتد علاقته بها الى اعماقها نهائيا عند العرف و العقلاء،و لا دليل لدنيا من الشرع أيضا على ان الفرد يملك اعماق الارض بتبع ملكية نفسها.
و عليه فتصبح تلك الوادي ملكا للإمام(ع)لا من جهة هذا النص الخاص،فانه لو لم يكن ذلك النص أيضا نحكم بدخولها في نطاق ملكيته(ع)تطبيقا للقواعد العامة المتقدمة.
و من هنا يظهر انه لا خصوصية لبطون الاودية هنا،بل الحال كذلك في رءوس الجبال،فان الارض المملوكة اذا افترض انها اصبحت تلا و جبلا جرى فيها التفصيل المتقدم.و اما الاجام فلا شبهة في انها ملك لصاحب الارض،و لا يجري فيها التفصيل المزبور.
نعم النص الخاص الوارد في بطون الاودية خاصة تام من ناحية السند.
تطبيقا للقواعد العامة
و لا خصوصية لهما من هذه الناحية اصلا و هذا بخلاف بطون الاودية فان لها خصوصية تمتاز بها عن غيرها كما عرفنا.
بل ظلت في ملكية الامام(ع)حتى بعد قيام فرد باحيائها و عمرانها،و بهذه الخصوصية تمتاز عن غيرها من الاراضي الموات،هذا على ضوء نظرية المشهور من ان الاحياء يوجب تملك المحيى للأرض.و اما على ضوء ما هو المختار في المسألة فلا فرق بينها و بين غيرها من هذه الناحية اصلا كما عرفت.
و كذا الحال فيما اذا اصبحت تلا و جبلا.
هذا تمام ما اوردناه حول الاراضي بأنواعها.
مجموعة بحوث يبحث فيها عن انواعها:الظاهرة و الباطنة و ما يترتب عليهما من الآثار و الاحكام على اساس دائرة الشرع الاسلامي المقدس
المعادن ذكر جماعة ان المعادن من الانفال،و استدلوا على ذلك بمجموعة من النصوص:
منها:موثقة اسحاق بن عمار قال:سالت أبا عبد اللّه(ع) عن الانفال فقال:هي القرى التي قد خربت و انجلى اهلها الى ان قال:و كل ارض لا رب لها،و المعادن منها الحديث 1.
و منها:رواية أبي بصير عن أبي جعفر(ع)قال:لنا الانفال قلت:ما الانفال قال:منها:المعادن،و الاجام الحديث 2.
و منها:رواية داود بن فرقد عن أبي عبد اللّه(ع)في حديث قال:قلت:و ما الانفال قال:بطون الاودية،و رءوس الجبال، و الاجام،و المعادن الحديث 3.
و لكن لا يخفى ان العمدة في المسألة انما هي الرواية الاولى على اساس انها تامة سندا.و اما الروايتين الاخيرتين فبما انهما ضعيفتان من ناحية السند فلا يمكن الاعتماد عليهما.
و في مقابل هذا القول ذكر جماعة ان الناس فيها شرع سواء، بل عن الشهيد(قده)،في الدروس نسبته الى الاشهر،بل في الجواهر انه المشهور نقلا و تحصيلا،و كيف كان فقد استدلوا عليه بوجوه:
الاول بالاصل العملي،فان مقتضاه ان المعادن غير داخلة في نطاق ملكية احد،لا ملكية خاصة،و لا ملكية عامة،لان دخولها
في ذلك بحاجة الى دليل،و لا دليل عليه،و اما النصوص المتقدمة فهي غير مانعة عن التمسك بهذا الاصل،و ذلك لان النص الثاني و الثالث ضعيفان من ناحية السند كما عرفت فلا يمكن الاعتماد عليهما في اثبات حكم شرعي.
و اما النص الاول:فهو و ان كان تاما من ناحية السند الا انه مجمل من ناحية الدلالة،اذ من المحتمل قويا ان يكون قوله(ع) منها راجعا الى الارض التي لا رب لها،لا الى الانفال،فانه انسب بسياق الرواية.
هذا اضافة الى ما قيل:من ان الوارد في بعض النسخ كلمة فيها بدل كلمة منها،و على هذا يتعين رجوعها الى الارض.
و نتيجة ذلك:هي ان الموثقة لا تدل على ان المعادن مطلقا من الانفال حتى فيما اذا كانت في ارض مملوكة بملكية خاصة او عامة،و انما تدل على كونها من الانفال اذا كانت في الارض التي هي داخلة في نطاق ملكية الامام(ع)،فانه المتيقن منها،و عليه فاذا كان للأرض رب لم يثبت كون المعادن المتكونة فيها من الانفال.
و قد تحصل من ذلك:ان هذه المجموعة من النصوص لا تدل بوجه على ان المعادن مطلقا من الانفال.و عليه فلا مانع من الرجوع الى الاصل المزبور بالاضافة الى المعادن التي تكون في الارض التي لها رب خاص قبل التاريخ الزمني لتشريع ملكية الانفال للإمام(ع).
و اما اذا كانت في الارض التي لها رب خاص بعد التاريخ المزبور:اما من ناحية ان عملية الاحياء تمنح المحيى ملكية الارض او من ناحية اخرى كتمليك الامام(ع)فهل عندئذ تنقطع علاقة
الامام عن المعادن في تلك الارض كما انقطعت عنها او تظل؟فيه و جهان:الظاهر هو الوجه الثاني.
و السبب فيه ان المعادن سواء أ كانت متوغلة في اعماق الارض أم كانت على سطحها فهي موجودات مستقلة في قبال الارض،و ليست من شئونها و توابعها لدى العرف،فان نسبتها الى الارض نسبة المظروف الى الظرف،لا نسبة الثمرة الى الشجرة،و سوف نشير في ضمن البحوث القادمة الى ان اثر ملكية الارض لا يمتد الى ما فيها من المصادر و الثروات الطبيعية كالمعادن و نحوها الا بقرينة،هذا بناء على كون عملية الاحياء تفيد الاختصاص بالارض على مستوى الملك.
و اما بناء على كونها مفيدة للاختصاص بها على مستوى الحق فايضا الامر كذلك،فان الحق لا يتعدى عن الارض الى ما فيها من المصادر و الثروات الطبيعية،و كذا الحال في تمليك الامام(ع).
و من ذلك يظهر انه لا مجال لدعوى انه لا خصوصية لعنوان المعادن في قبال الارض على اساس انها تتبع الارض في مبدأ الملكية فاذا كانت الارض خاضعة لمبدإ ملكية خاصة او عامة كانت المعادن كذلك،و عليه فلا موضوعية لها،مع ان ظاهر الموثقة هو ان لها موضوعية،فان ذكرها في مقابل عنوان الارض الخربة،و الارض التي لا رب لها يدل على ان لها خصوصية و الا لكان ذكرها لغوا صرفا و لذا لا بد من الالتزام بانها مطلقا من الانفال.
و ذلك لما عرفت من ان المعادن لا تتبع الارض في مبدأ الملكية من ناحية.و اجمال الموثقة و عدم دلالتها على ان للمعادن موضوعية في قبال الارض التي لا رب لها من ناحية اخرى
فالنتيجة في نهاية الشوط:ان القدر المتيقن من الموثقة هو دخول المعادن الموجودة في الارض التي لا رب لها في نطاق ملكية الامام(ع)من دون فرق بين المعادن الظاهرة و الباطنة في ذلك،و اما المعادن الموجودة في الارض الخاضعة لمبدإ الملكية الخاصة او العامة كالأرض المفتوحة عنوة فلا تدل على انها من الانفال.
الثاني:ان سيرة المسلمين قد جرت من لدن عصر النبي الاكرم(ص)الى زماننا هذا على استخراج المعادن و التصرف فيها من دون اذن ولي الامر،و لم يرد ردع عنها في اي نص من النصوص الشرعية،و من الطبيعي ان مثل هذه السيرة يكشف كشفا جزميا عن انها ليست من الانفال و الا لم يجز القيام باستخراجها و السيطرة عليها بدون الاذن.
و الجواب عن هذا الوجه ان السيرة المذكورة و ان كانت قائمة بين المسلمين في جميع العصور الا انها رغم ذلك لا تكشف عن ان المعادن لم تكن من الانفال،و ذلك لأنه ان اريد بها سيرة المتعبدين بنصوص اهل البيت(ع)فالظاهر ان جريانها بينهم يقوم على اساس اخبار التحليل او نحوها مما يكشف عن رضائهم(ع)بتصرفاتهم فيها.
و ان اريد بها سيرة غيرهم من المسلمين فمن الواضح انها تقوم على اساس منهجهم الفقهي.
فبالنتيجة:ان هذه السيرة لا تدل بوجه على ان المعادن لم تكن من الانفال.
الثالث:ان ظاهر مجموعة من النصوص الدالة على وجوب الخمس في المعادن هو ان الاربعة الاخماس الباقية ملك لمن كان قائما
بعملية استخراجها لا للإمام(ع).
و الجواب عنه:انه لا اطلاق لهذه النصوص من هذه الناحية اصلا،و سوف نشير اليه.
الى هنا قد استطعنا ان نخرج بهذه النتيجة:و هي ان المعادن الموجودة في اراضي الامام(ع)فهي نفل،دون المعادن الموجودة في غيرها من الاراضي،فانه و ان لم يثبت بدليل اجتهادي انها ليست بنفل الا انك عرفت ان مقتضى الاصل العملي ذلك على اساس ان خضوعها لمبدإ ملكية الامام(ع)بحاجة الى دليل،و لا دليل عليه.
قد يقال:ان مقتضى قوله(ع)في صحيحة أبي سيار مسمع ابن عبد الملك المتقدمة(الارض كلها لنا فما اخرج اللّه منها من شيء فهو لنا)ان الارض و ما فيها من المصادر و الثروات كالمعادن و نحوها كلها للإمام(ع)و عليه فتكون المعادن مطلقا من الانفال كالأرض
و فيه ما مرّ بنا سابقا من ان المراد بالارض في الصحيحة هي الارض التي لا رب لها حين تشريع ملكية الانفال للإمام(ع)سواء أ كانت ميتة أم كانت عامرة فلا تشمل الارض التي هي داخلة في نطاق ملكية خاصة او عامة في زمان التشريع المزبور،و عليه فلا تدل الصحيحة على ان المعادن مطلقا من الانفال.
لحد الان قد تبين لنا انه لا يمكن اتمام القولين المشار اليهما في صدر المسألة بدليل:و من هنا لا بد لنا:من التفصيل فيها.
و سوف نشير اليه في ضمن البحوث القادمة.
و هي في المصطلح الفقهي عبارة عما تكون طبيعته المعدنية ظاهرة بارزة سواء أ كان الوصول اليها بحاجة الى انفاق عمل و بذل جهد كما اذا كانت في اعماق الارض أم لم يكن كما اذا كانت على سطح الارض)
و اليه اشير:ما عن العلامة في التذكرة من ان المراد بالظاهر ما يبدو جوهرها من غير عمل،و انما السعي و العمل لتحصيله اما سهلا او متعبا،و لا يفتقر الى اظهار كالملح،و النفط،و القار،و القطران، و الموميا،و الكبريت،و احجار الرحى،و البرمة و الكحل،و الياقوت، و مقالع الطين و اشباهها.
و اما حكم هذه المعادن:فقد نسب الى المشهور ان الناس فيها شرع سواء،و لا يعترف الإسلام بالاختصاص بها للأفراد،لا على مستوى الملك،و لا على مستوى الحق،و سوف نشير الى تفصيل ذلك
و في مقابل ذلك ذهب جماعة الى انها من الانفال،لخبر اسحاق بن عمار،او لأنها من الارض التي لا رب لها.
و قد اورد على ذلك:في الجواهر بان الخبر ضعيف و لا جابر له، بل الموهن متحقق،فان المشهور نقلا و تحصيلا على ان الناس فيها شرع سواء،بل قيل:قد يلوح من محكى المبسوط،و السرائر نفى الخلاف فيه،مضافا الى السيرة المستمرة في سائر الاعصار و الامصار في زمن تسلطهم و غيره على الاخذ منها بلا اذن حتى ما كان في الموات التي هي ملك للإمام(ع)او في المفتوحة عنوة التي هي ملك عام للمسلمين.
اقول:ان لنا دعاوي اربع:
الاولى:عدم صحة ما نسب الى المشهور مطلقا،
الثانية:ان ما نسب الى جماعة لا يمكن الأخذ به على اطلاقه.
الثالثة:ان ما اورده في الجواهر على القول الثاني لا يتم.
الرابعة:ان الصحيح هو التفصيل في المقام.
اما الدعوى الاولى:فقد تقدم ان مقتضى موثقة اسحاق بن عمار ان المعادن الموجودة في الاراضي التي لا رب لها داخلة في نطاق ملكية الامام(ع)فليست من المشتركات العامة بين كل الناس.
و اما المعادن الموجودة:في الأراضي المملوكة بملكية خاصة فهل هي خاضعة لمبدإ الملكية العامة يعني-ان الناس فيها شرع سواء- او تتبع الارض في سنخ الملكية؟فيه وجهان:
الظاهر هو الوجه الاول يعني-ان المعادن في تلك الاراضي من المشتركات العامة بين الناس-و ليست خاضعة للأرض في مبدأ الملكية.
و النكتة في ذلك:ان وجودها في ارض فرد معين بحد نفسه لا يكون كافيا لتملك ذلك الفرد لها،لأننا قد عرفنا في ضمن البحوث السالفة ان مصدر علاقة الفرد بالارض انما هو عملية الاحياء فلا يمكن ان تنشأ العلاقة بينهما بدونها،و قد تقدم ان الناتج من عملية الاحياء انما هو علاقة المحيى بالارض،و من الطبيعي ان اثرها لا يمتد الى المعادن الموجودة فيها،لأنها ليست ارضا على الفرض و من المعلوم ان مقتضى النصوص الشرعية-التي جاءت بهذا النص:
(من أحيا ارضا مواتا فهي له)او قريبا منه-هو ان اثر الاحياء منح المحيى ملكية الارض لا غيرها،و عليه فالمصادر و الثروات الطبيعية التي تتكون فيها بما انه لا يصدق عليها عنوان الارض فلا تكون
مشمولة للنصوص المزبورة.
و بكلمة اخرى:ان احياء الارض احياء لها فحسب،لا لغيرها، لما تقدم من ان احيائها عبارة عن توفير الشروط للانتفاع بها بزرع او نحوه التي لم تكن متوفرة فيها قبل عملية الاحياء،و انما نتجت منها،و من الواضح ان تلك الشروط شروط للانتفاع بالارض و الاستفادة منها،و لا صلة لها بغيرها من المصادر الطبيعية الموجودة فيها.
و قد ذكرنا ان علاقة العامل بتلك المصادر انما هي على اساس انفاق العمل و بذل الجهد في سبيل الاستيلاء و السيطرة عليها،مثلا:
علاقة العامل بالمناجم او العيون الموجودة في اعماق الارض انما هي باكتشافها من خلال عمليات الحفر و بذل الجهد في سبيل الوصول اليها،و من هنا قلنا انه لا يصدق على ذلك عنوان الاحياء،و اطلاقه عليه كما في كلمات الاصحاب مبني على المسامحة.
نعم ان اريد بعملية الاحياء تصفية المواد المعدنية-كما اذا كانت من المعادن الباطنة و بذل الجهد و العمل في سبيل انجازها و تطويرها على اساس ان جوهرها لا يبدو بشكل كامل إلا بعد عملية التصفية و التطوير،كما هو الحال في الذهب و الفضة او ما شاكلهما- فهي و ان كانت احياء بالاضافة اليها-باعتبار ان احياء كل شيء بحسبه،و احياء تلك المواد انما هو بذلك-إلا انها لا تؤثر في شيء على اساس ان هذه العملية من العامل إنما هي بعد دخول تلك المواد المعدنية في نطاق ملكيته كما اذا كانت من المباحات الاولية،او احقيته كما اذا كانت من الانفال مثلا،ضرورة ان القيام بهذه للعملية لا يمكن ما دامت في موضعها الطبيعي فلا محالة يتوقف على اخذها من موضعها و نقلها الى موضع هذه العملية،و من الواضح ان
الملك او الحق قد حصل بنفس عملية الاخذ و النقل و جعلها في حوزته.
فالنتيجة:ان ما يصدق عليه الاحياء فلا يكون منشأ لعلاقة العامل بالمواد المعدنية،على ان هذه العملية خاصة بالمعادن الباطنة حيث لا موضوع لها في غيرها،لما قلنا:من ان احياء شيء عبارة عن خلق صفة و حالة فيه التي لم تكن موجودة في الشيء قبل عملية الاحياء و انما نتجت منها،و هذا يختلف باختلاف الاشياء.
و سوف نشير في البحث القادم ان مصدر اختصاص الفرد بالمواد المعدنية على مستوى الملك او الحق انما هو عملية استخراجها اذا كانت في اعماق الارض،و عملية الاخذ و الاستيلاء خارجا اذا كانت متكونة على وجه الارض،و هذا يعني ان الفرد يملك المادة التي يستخرجها خاصة،و لا يملك شيئا منها ما دام ظل في موضعه الطبيعي.
نعم هو باكتشافها و الوصول اليها من خلال عملية الحفر و بذل الجهد اصبح احق بها من الاخرين،و هذا الحق انما هو على اساس انه يخلق بعمله و جهده هذا:فرصة الانتفاع بها و الاستفادة منها، و ما دامت تلك الفرصة موجودة فقد ظل حقه و ان لم يكن ممارسا الانتفاع بها،و ليس لأي واحد ان يزاحمه في استخدام الحفرة -التي حفرها-في سبيل الحصول عليها.
و اما المناجم الموجودة:في الارض المفتوحة عنوة التي هي ملك عام للمسلمين فهل هي تخضع الارض في مبدأ الملكية يعني-كما ان الارض ملك عام للمسلمين كذلك المناجم الموجودة فيها-؟ فيه وجهان.
الظاهر هو الوجه الاول.
و النكتة فيه:ان مصدر علاقة المسلمين بالارض التي كانت
بايدي الكفار و تحت سيطرتهم انما هو استيلاء جيوش المسلمين عليها بعنوة و هراقة دم و اخذها منهم بالسيف،و من الطبيعي ان اثر الاستيلاء يمتد الى المصادر و الثروات الطبيعية كالمناجم و نحوها الموجودة في الارض سواء أ كانت متوغلة في اعماقها أم كانت على وجهها باعتبار ان الاستيلاء خارجا على بقعة من الارض لدى العرف و العقلاء استيلاء على جميع ما في هذه البقعة من الثروات الطبيعية على اساس ان الاستيلاء على الظرف استيلاء على المظروف طبعا.
و بذلك يختلف مفهوم الاستيلاء و الاخذ بالسيف عن مفهوم الاحياء،و على اثر هذا الاختلاف يختلف النتيجة.
فان ملكية الارض:ان كانت نتيجة الاستيلاء عليها،و الاخذ بالسيف فامتدت الى المعادن الموجودة فيها على الاساس المزبور،
و اما اذا كانت نتيجة الاحياء فلا تمتد الى ما فيها من المعادن و المناجم على اساس ان احياء الارض ليس احياء لها،لا بالاستقلال و لا بالتبع نظرا الى انها ليست من توابع الارض و شئونها،بل هي موجودات مستقلات في قبال الارض،غاية الامر انها ظرف لها، و من المعلوم ان المظروف ليس تابعا للظرف،و لا فرق في ذلك بين ان يكون الناتج من عملية الاحياء الملك او الحق،و من هنا قلنا ان نصوص الاحياء خاصة بالارض فلا تشمل غيرها.
هذا اضافة:الى ان موضوع ملكية المسلمين ليس خصوص الارض،فان موضوعها على اساس صحيحة أبي نصر هو ما اخذ بالسيف،غاية الامر قد خرج من اطلاقه ما اذا كان المأخوذ من الثروات المنقولة،و اما اذا لم يكن منها فهو باق فيه و ان لم يصدق عليه اسم الارض كالمعادن،و عليه فاذا هاجموا المسلمون على الكفار
و غلبوا عليهم بالسيف و طردوهم من ديارهم و اراضيهم فانهم اخذوا منهم جميع ما كان في ايديهم و تحت سيطرتهم.سواء أ كان ارضا أم كان غيرها كالمناجم و نحوها،و قد تقدم انه لا يعتبر في كون المأخوذ ملكا للمسلمين ان تكون للكافر علاقة به،بل كل ما انتزع من سيطرة الكافر و ان لم تكن له علاقة به اصلا و لو على مستوى الحق فهو ملك للامة،و لا شبهة في ان المناجم الموجودة فيها كانت تحت استيلائه و سيطرته و قد انتزعت منها بعنوة.
فالنتيجة في نهاية الشوط:ان المناجم في الارض المفتوحة عنوة تخضع الارض في مبدأ الملكية،و ليست من المشتركات العامة بين جميع الناس.هذا من ناحية.
و من ناحية اخرى:ان المناجم الموجودة في الارض التي هي من الانفال تخضع تلك الارض في مبدأ الملكية،و ليس الناس فيها شرع سواء.
و من ناحية ثالثة:ان المعادن الموجودة في الارض المملوكة بملكية خاصة تكون من المشتركات العامة بين جميع الناس،و لا تخضع الارض في مبدأ الملكية.
و اما الدعوى الثانية:فقد ظهر مما ذكرناه انه لا يمكن اتمامها بوجه،لما عرفنا من ان المعادن انما تكون من الانفال اذا كانت في اراضي الدولة،لا مطلقا على اساس ان الدليل على ذلك منحصر بالموثقة المتقدمة،و قد عرفنا انها لا تدل على اكثر من ذلك،كما انه لا وجه لدعوى انها داخلة في الارض التي لا رب لها.
و اما الدعوى الثالثة:فقد تقدم ان رواية اسحاق بن عمار تامة سندا فلا تحتاج الى وجود جابر.
و اما ما ذكره(قده)-من ان الشهرة المحققة نقلا و تحصيلا التي هي قامت على خلافها و توجب و هنها الموجب لسقوطها عن الاعتبار-فيردّه:
اولا:ان تحقق الشهرة في المسألة على خلافها غير ثابت
و ثانيا:انها لا توجب سقوطها عن الاعتبار،لما قد ثبت في محله من ان اعراض المشهور عن رواية معتبرة لا يوجب سقوطها عن الحجية على اساس ان ملاك حجية الرواية انما هو وثاقة رواتها الا اذا فرض حصول الاطمئنان منه في مورد بالخلل فيها،فانه و ان كان يوجب سقوطها عن الاعتبار الا انه انما هو من ناحية الاطمئنان لا من ناحية الاعراض.و من هنا لو حصل الاطمئنان به من سبب آخر لكان موجبا لسقوطها عن الاعتبار أيضا.
و اما الدعوى الرابعة:فقد تبين مما تقدم صحة هذه الدعوى و انه لا مناص من الاخذ بها-و هي التفصيل بين المناجم الموجودة في اراضي الدولة،و المناجم الموجودة في اراضي المسلمين،و المناجم الموجودة في ارض مملوكة لفرد خاص،فانها على الاول تكون من الانفال كأرضها،و على الثاني انها ملك عام للمسلمين،و على الثالث انها من المشتركات العامة بين جميع الناس-.
و هذا هو التفصيل الذي وعدنا الاشارة اليه سابقا.
الى هنا قد استطعنا ان نخرج بهذه النتيجة:و هي ان ما نسب الى المشهور-في المعادن الظاهرة من ان الناس فيها شرع سواء- فقد عرفنا انه غير صحيح،و لا بد فيها من التفصيل كما عرفت.
و هي التي لا تبدو جوهرها من دون بذل جهد و عمل في سبيل انجازه،و ذلك كالذهب و الفضة و ما شاكلهما،فان المادة الذهبية لا تصبح ذهبا بشكله الكامل الا بعد التصفية و التطوير العملي.
و هذه المادة على قسمين:
احدهما:ان تكون المادة قريبة من سطح الارض.
و الآخر،ان تكون متوغلة في اعماق الارض بحيث لا يمكن الوصول اليها الا من خلال الحفر المتزايد و الجهد الاكبر.
اما القسم الاول:فقد نسب الى المشهور ان حال هذا القسم حال المعادن الظاهرة التي عرفنا احكامها يعني-ان الناس فيه شرع سواء فلا يملك بالاحياء كما كان الامر كذلك في المعادن الظاهرة-.
و اما القسم الثاني:ففيه خلاف فعن جماعة انه من الانفال.
و قيل:انه من المشتركات العامة كالمعادن الظاهرة.
و لكن الظاهر:انه لا فرق بين المعادن الباطنة بكلا نوعيها و المعادن الظاهرة.
و الوجه في ذلك:ان مقتضى اطلاق الموثقة ان المعادن و المناجم الموجودة في اراضي الدولة ملك لها مطلقا اي-من دون فرق بين كونها من الظاهرة او الباطنة-.
و اما المعادن الباطنة:الموجودة في ارض مملوكة لفرد معين فلا دليل على كونها عن الانفال،كما انه لا دليل على انها تخضع الارض في مبدأ الملكية،فان منشأ ملكية الفرد للأرض ينتهي في
نهاية المطاف الى عملية الاحياء،و قد تقدم ان اثرها لا يمتد الى المعادن و المناجم الموجودة فيها.
و اما المعادن الباطنة الموجودة في الارض المفتوحة عنوة فهي ملك عام للمسلمين كالأرض لان ما دل على ملكية تلك الارض للامة لا يقصر عن شمول المعادن الموجودة فيها،فان الاستيلاء عليها استيلاء عليها طبعا كما اشرنا اليه آنفا.
فالنتيجة في نهاية الشوط:انه لا فرق بين المعادن الظاهرة و الباطنة في شكل الملكية،فانها ان كانت في أراضي الدولة فهي ملك لها،و ان كانت في اراضي الأمة فهي ملك لهم،و ان كانت في ارض تخضع لمبدإ ملكية خاصة فهي من المشتركات العامة بين كل الناس من دون فرق بين الظاهرة منها و الباطنة.
الى هنا قد عرفنا:شكل ملكية المعادن بكل انواعها.
يقع الكلام فيه تارة في المعادن الظاهرة.
و اخرى في المعادن الباطنة.
المعروف و المشهور بين الاصحاب:هو ان الإسلام لا يسمح باختصاص الفرد بالمعادن الظاهرة و تملكها بالاستيلاء عليها ما دامت في موضعها الطبيعي،و انما اذن له بالحصول على كمية منها التي
لا تتجاوز عن قدر حاجته و قد منع الإسلام عن احتكار تلك الثروات الطبيعية و المواد الاولية-بايجاد المشاريع الخاصة لاستثمارها-على اساس ان الناس فيها شرع سواء،فلا يحق لأي فرد ان يزاحم الآخر في ممارسة حقه منها-و هو الكمية التي تكون بقدر حاجته-حيث ان ذلك يضر بالعدالة الاجتماعية التي يهتم الإسلام بايجادها بين طبقات الامة و افرادها.
و في عدة من المصادر الفقهية:قد صرح بعدم السماح بالملكية الخاصة للمعادن الظاهرة:منها:ما عن الشيخ الطوسي(قدس) في المبسوط،و ابن ادريس في السرائر،و العلامة في التحرير، و الشهيد في الدروس و اللمعة،و الشهيد الثاني في الروضة و المحقق في الشرائع،و لا فرق في ذلك بين ان يكون الوصول اليها بحاجة الى انفاق العمل و بذل الجهد كما هو الحال في الوصول الى آبار النفط او لم تكن بحاجة اليه و عن العلامة في التذكرة ان هذه المعادن لا يملكها احد بالاحياء و العمارة.
و فيه ان ذلك و ان كان معروفا بين الاصحاب،بل في بعض المصادر الفقهية دعوى عدم الخلاف،بل الاجماع على ذلك إلا اننا قد عرفنا ان اتمامه بدليل لا يمكن،فان الاجماع لم يثبت،و الدليل الآخر غير متوفر
فاذن على ضوء ما قدمناه:يقع الكلام في موارد ثلاثة:
الاول:في المعادن الظاهرة الموجودة في اراضي الدولة على اساس انها تكون من الانفال.
الثاني:في المعادن الظاهرة الموجودة في الاراضي المفتوحة عنوة على اساس انها تكون للمسلمين.
الثالث:في المعادن الظاهرة الموجودة في الاراضي التي تخضع لمبدإ ملكية خاصة على اساس انها تكون من المشتركات العامة بين كل الناس.
اما المورد الاول:فالكلام فيه يقع في مقامين:
احدهما:ان التصرف فيها هل يتوقف على اذن الامام(ع)اولا؟
و الآخر:ان من يقوم بعملية الاستخراج منها و حيازتها على اساس بذل الجهد و العمل هل يملك المادة التي يحوزها خاصة او يحصل على حق فيها؟
اما المقام الأول:فالظاهر بل لا شبهة في ان التصرف فيها يتوقف على اذنه(ع)لوضوح ان التصرف في ملك الآخر غير سائغ عقلا و نقلا إلا باذنه و رضاه بدون فرق في ذلك بين الملك الخاص و العام.
ثم انه هل يمكن التمسك باخبار التحليل لإثبات الاذن؟
الظاهر انه لا مانع منه،و النكتة في ذلك ان موضوع نصوص التحليل و ان كان هو الارض الا ان اثره بالارتكاز القطعي العرفي يمتد الى ما في اعماقها و بطونها،و ما على وجهها من المصادر و الثروات الطبيعية كالمواد المعدنية و نحوها،و لا يقتصر اثر التحليل على الارض فحسب،و لا سيما بقرينة حكمة هذا التحليل.
و على الجملة:فالمتفاهم العرفي-من تلك الاخبار-هو ان التحليل لمن شملتهم انما هو لاتاحة الفرصة لهم للاستفادة من الارض و ما فيها من الثروات و الانتفاع بهما،و لا يفهم منها أية خصوصية للأرض.
نعم ان هذا التحليل خاص لمن شملتهم اخبار التحليل دون غيرهم.
و دعوى-ان سيرة المسلمين قد استقرت في جميع العصور على
جواز التصرف في المعادن الموجودة في الاراضي التي هي ملك للإمام (عليه السلام)و استثمارها و الانتفاع بها من دون ورود ردع عنها، و من الطبيعي ان ذلك كاشف عن امضاء الشارع لها جزما-.
خاطئة جدا و ذلك،لأنه ان اريد بها سيرة المتعبدين بنصوص اهل البيت(ع)فالظاهر ان استقرارها انما هو على اساس اخبار التحليل.و ان اريد بها سيرة غيرهم فمن الواضح انها انما تقوم على اساس منهجهم الفقهي.
فالنتيجة:انها لا تكشف عن جواز التصرف فيها لكل فرد من المسلمين.
و اما المقام الثاني:فالظاهر ان العملية المزبورة تمنحه حقا فيها دون الملك،و ذلك لأنه لم يدلنا دليل على ان تلك العملية توجب انقطاع علاقة الامام(ع)عنها نهائيا و دخولها في ملك من قام بهذه العملية.
و اما اخبار التحليل:فهي لا تدل على ذلك اصلا،لأن مفادها انما هو اباحة التصرف فيها و الانتفاع بها لا الملكية،بل في نفس تلك الاخبار ما يدل على ان رقبة الارض تظل في ملك الامام(ع)، و عليه فبطبيعة الحال تبقى المصادر و الثروات الطبيعية الموجودة فيها في ملكه(ع)أيضا.
و اما نصوص الاحياء:فهي خاصة بالارض فلا تشمل غيرها من المعادن او نحوها الموجودة فيها حيث لا يصدق عليها اسم الارض و من هنا قلنا انه لا يصدق الاحياء على اكتشاف المعدن من خلال عمليات الحفر إلا مسامحة.
هذا اضافة الى ان ما ذكرناه:من ان الاحياء لا يمنح المحيى
إلا حقا في الارض دون الملك.
و دعوى-ان ما يحوزه العامل من المواد المعدنية بعد اكتشافها يملكه على اساس السيرة القطعية من العقلاء الثابتة في جميع الاعصار بدون ورود ردع عنها-و ان كانت صحيحة فيما اذا لم يكن المحاز داخلا في نطاق ملكية احد،لا عاما،و لا خاصا.
و اما اذا كان المحاز ملكا لأحد فلا سيرة هنا على ان الحيازة تمنح العامل ملكية المحاز،و الفرض ان المحاز فيما نحن فيه ملك للإمام(ع)فلا دليل على انه اصبح ملكا للعامل على اساس حيازته فاذن لا اثر لها الا ايجاد حق له فيه يعني-انه اصبح اولى و احق بالتصرف فيه و الانتفاع به-و لا يجوز لغيره ان يزاحمه في ذلك.
و اما النصوص الواردة في خمس المعادن-الدالة على وجوب اخراج الخمس من المادة التي يستخرجها خاصة-فهي لا تدل على ان الاربعة الاخماس الباقية ملك المستخرج،فان مقتضى نصوص التحليل انه يباح التصرف فيها و الانتفاع بها من دون وجوب دفع شيء منها الى الامام(ع).
و لكن هذه النصوص:قد اوجبت على العامل دفع خمس ما يستخرجه منها الى ولي الامر،و لا يجوز له التصرف فيه،و من الطبيعي انها ساكتة عن ان الباقي ملك للعامل او مباح له،و عليه فالمحكم هو ما دل على كونها من الانفال،و لا دليل على خروجها عنها،
فالنتيجة في نهاية المطاف:انه لم يقم برهان على ان بذل العامل جهده و عمله-في سبيل استخراج المعادن من اعماق الارض او في سبيل الاستيلاء عليها و جعلها في حوزته اذا كانت على سطح الارض- يمنحه ملكية المادة المستخرجة او المحوزة،و انقطاع علاقة
الامام(ع)عنها نهائيا،فلا مانع من بقاء رقبتها في ملك الامام(ع) و مع ذلك يجوز له الانتفاع بها و الاستفادة منها،و لا ينافي ذلك وجوب دفع خمس المادة المزبورة عليه،و عدم جواز تصرفه فيه، فانه لا يكون دليلا على الملك،
هذا تمام كلامنا في المورد الاول.
و اما المورد الثاني:-و هو المعادن الموجودة في الارض المفتوحة عنوة-فبما انك قد عرفت انها تخضع الارض المزبورة في نوع الملكية فلا محالة يكون حكمها حكم الارض،و قد تقدم انه يجوز لكل فرد من المسلمين ان يقوم بالتصرف فيها و الانتفاع بها في ضمن الخطوط التي ترسم من قبل ولي الامر او الدولة في دائرة الشرع حتى يكون كل فرد مساهما في تحقيق العدالة الاجتماعية بين طبقات الأمة،و كذا الحال في المعادن المزبورة.
و اما المورد الثالث:-و هو المعادن الموجودة في الارض التي تخضع لمبدإ الملكية الخاصة التي تكون من المشتركات العامة بين كل الناس-فهل يملك الفرد منها المادة التي يستخرجها خاصة على اساس الحفر و بذل الجهد فيه اذا كان استخراجها بحاجة اليه او المادة التي يحوزها منها اذا كانت موجودة على سطح الارض او لا يملك و انما يبرّر ذلك وجود حق له فيها؟
الظاهر هو الوجه الأول:لان المقتضى للملك متوفر لدى العرف و العقلاء-و هو بذل العامل جهده و عمله في سبيل جعلها في حوزته بشكل مباشر-و المانع منه غير موجود-و هو كونها خاضعة لمبدإ الملكية الخاصة او العامة-و ذلك لما تقدم في ضمن البحوث السالفة من انه لا دليل على كون تلك المعادن ملك خاص كالأرض التي
هي فيها،أو ملك عام للدولة،فاذن بطبيعة الحال كان مقتضى الاصل عدم علاقة احد بها،لا خصوصا،و لا عموما،و هذا معنى ان الناس فيها شرع سواء،و ليس معناه انها ملك عام لجميع الناس، و ان كان قد يعبر عنها بذلك على اساس ان كل الناس يملك حق التصرف فيها و الانتفاع بها بدون خصوصية خاصة لأحد،كما هو الحال في جميع المباحات الاصلية.
فالنتيجة في نهاية الشوط:ان المعادن المزبورة من المباحات الاصلية،فاذا كان الأمر كذلك فبطبيعة الحال كما انه لا مانع لدى العقلاء من تملك العامل ما يستخرجه منها خاصة،كذلك لا مانع منه لدى الشرع،فان المانع منه كما مرّ بنا هو خضوعها لمبدإ الملكية الخاصة او العامة.
ثم ان ما هو المشهور بين الفقهاء-من ان الإسلام لا يسمح في المواد المعدنية الظاهرة او التي تقع قريبة من سطح الارض بتملك الفرد لها ملكية خاصة-انما هو فيما اذا كانت تلك المواد في مكانها الطبيعي.و اما الكمية التي يحوزها الفرد بشكل مباشر بعد بذل الجهد و العمل في سبيل حيازتها فلا شبهة في انه يملك تلك الكمية في مورد الكلام كما عرفت.هذا من ناحية.
و من ناحية اخرى:ان المراد من عدم سماح الإسلام بتملك تلك المواد المعدنية ملكية خاصة في موضعها الطبيعي انما هو من ناحية عدم المقتضى لها-على اساس ان اكتشافها من خلال عمليات الحفر(ما دام ظلت في مكانها الطبيعي)لا يبرر الا وجود حق فيها فانه لا يملك الا فرصة الاستفادة منها.و هي الحفرة التي حفرها لاكتشافها و الوصول اليها دون نفسها-لا من ناحية ورود نص صحيح
في الشريعة على انها لا تملك في مكانها الطبيعي.
و بكلمة واضحة:ان المقتضى لملكية تلك المواد المعدنية ان كان هو الاستيلاء عليها من دون بذل جهد و عمل في سبيل حيازتها فقد تقدم سابقا ان الإسلام لا يعترف بالاستيلاء المزبور كذلك نهائيا، و ان كان المقتضى هو اكتشافها و الوصول اليها بالقيام بالحفر و بذل الجهد فيه فالاسلام لا يعترف به على اساس انه يمنح العامل ملكيتها لا في ضمن نص شرعي،و لا في ضمن بناء عقلائي.
اما الأول:فلعدم وجوده.
و اما الثاني:فلانه لم يقم بناء من العقلاء على ان اكتشافها بذلك يمنح المكتشف ملكيتها.
فالنتيجة:ان تلك المواد المعدنية ما دامت في موضعها الطبيعي لا يعترف الإسلام بملكيتها لأحد ملكية خاصة على اساس اكتشافها و حيازتها كما نص بذلك في كثير من المصادر الفقهية.
قد نص في عدة من المصادر الفقهية ان الإسلام لا يسمح للفرد أن يأخذ من المعادن و المناجم الظاهرة اكثر من قدر حاجته،و انما يسمح له ان يأخذ منها المقدار المعقول من حاجته.
و قد علل ذلك بعدم دليل لفظي يدلنا على ان الحيازة دائما و في تمام الاحوال تمنح الفرد ملكية المادة المعدنية المحازة مهما كان قدرها و حتى فيما اذا كانت حيازته لها سببا لمنع الآخرين عن
الانتفاع بها و الضيق عليهم،و انما الشيء الوحيد المعلوم لنا هو ان الناس كانوا معتادين في عصر التشريع بحيازة كميات من تلك المواد المعدنية التي توجد على سطح الارض او قريبة منه لسد حاجاتهم و اشباعها،و من الطبيعي ان تلك الكميات كانت ضئيلة جدا لقلة امكاناتهم الاستخراجية و الانتاجية،و هذه العادة هي التي سمحت بها الشريعة،و من الواضح انها لا تصبح دليلا على سماح الشريعة بتملك الفرد لما يحوزه من تلك المواد المعدنية و ان اختلفت حيازته في الكم عن الحيازة التي جرت عليها عادة الناس في عصر التشريع،او في الكيف يعني-و ان كانت سببا للضيق على الآخرين و مزاحمة لهم.
و لنأخذ بالنقد على هذا الوجه و حاصله:اننا لا نعلم باستقرار العادة المزبورة في ذلك الاطار الخاص في عصر التشريع بحيث تصبح دليلا في المسألة.
و السبب فيه:ان الناس و ان كانوا معتادين في ذلك العصر بحيازة كميات من تلك المواد المعدنية لإشباع حاجاتهم الا انهم بطبيعة الحال كانوا مختلفين بحسب امكاناتهم المادية او العلمية،و من الطبيعي ان كل فرد كانت الامكانات المادية او العلمية لديه اكثر فلا محالة كانت قدرته الاستخراجية و الانتاجية اكبر ممن لم تكن لديه تلك الامكانات،فاذا افترضنا ان فردا استخرج من المواد المعدنية و انتج منها قدرا اكبر من حاجته من دون كونه مزاحما للآخرين في الانتفاع بها فلا دليل على انه لا يملك ذلك القدر على اساس انه اكثر من حاجته،و لا نعلم بوجود سيرة من المسلمين في ذلك العصر على خلافه،هذا من ناحية.
و من ناحية اخرى اننا لا نملك نصا معتبرا يدلنا على ان كل فرد يملك الكمية التي يحوزها من تلك المواد المعدنية اذا لم تتجاوز عن القدر المعقول من حاجته،و اما اذا تجاوزت فلا يملك الزائد، بل اننا لا نملك دليلا يدلنا على ان حيازة،الكمية من هذه المعادن التي تكون من المباحات الاصلية انما تمنح ملكيتها اذا لم تكن مزاحمة للآخرين و ضيقا عليهم،بل لا مانع من الحكم بملكيتها حتى في هذا الفرض،لأن المراد بمزاحمتهم ليس مزاحمة لحقوقهم المتعلقة بتلك المواد المعدنية و تضييعا لها،فانها غير جائزة جزما، و لا اثر لحيازتها على اساس انها متعلقة لحقوقهم،بل المراد منها عدم اتاحة الفرصة لهم للانتفاع بها و الاستفادة منها من دون ان تكون لهم علاقة بها مطلقا حتى على مستوى الحق،لفرض انها من المباحات الأولية،ففرض سبق علاقة لأحد بها خلف.
فالنتيجة:ان المراد من المزاحمة هو ان قيامه بعملية استخراج تلك المواد المعدنية و انتاجها بقدر اكبر من حاجته مانع عن قيام الآخرين للانتفاع بها.
نعم على ولي الامر ان يمنعه من مزاحمة الآخرين-فيما اذا كان الآخرون بحاجة ماسة اليها-تحقيقا للتوازن و العدالة الاجتماعية و سوف نشير اليه.
الى هنا قد استطعنا ان نخرج بهذه النتيجة:و هي ان ما نسب الى المصادر الفقهية-من ان الإسلام لا يسمح للفرد ان يملك من المواد المعدنية كمية تتجاوز عن قدر حاجته-لا يقوم على اساس صحيح حيث قد عرفت انه لا دليل عليه،لا لدى الشرع،و لا لدى العقلاء، فاذن لا مانع من تملكه منها كمية اكبر من مقدار حاجته
هذا اضافة الى انه ليس لدى كل فرد امكانية و طاقة لاستخراج المعادن و انتاجها،فاذن يدور امرها بين ان تظل في مكانها الطبيعي او يقوم من لديه امكانية و طاقة بممارسة استخراجها و انتاجها كميات اكبر و وضعها في خدمة المجتمع،و من الطبيعي ان الثاني هو المتعين.
هذا من ناحية.
و من ناحية اخرى:ان ما نسب الى تلك المصادر الفقهية لا ينسجم مع اهتمام الإسلام بالعمل و صرف الطاقات و الامكانات التي تتوفر لدى الافراد في استثمار المصادر الطبيعية،و غيرها من النشاطات الاقتصادية،فعلى من تتوفر لديه طاقة و امكانية لممارسة استخراج المواد المعدنية و انتاجها ان يصرفها في سبيل ذلك،و على من تتوفر لديه طاقة و امكانية لممارسة نشاط آخر من النشاطات الاقتصادية و الصناعية ان يصرفها في سبيل تحقيق ذلك و هكذا،كل على حسب امكانيته و طاقته
و بذلك يظهر ان العادة المدعاة في عصر التشريع على تقدير ثبوتها في ذلك العصر لا تكون دليلا لنا في العصور المتأخرة،فان الإسلام لم يجعل تلك العادة في ضمن اي نص من نصوصه الشرعية طريقا لممارسة الافراد في استخراج المواد المعدنية و انتاجها في كل عصر، لأنها لو كانت فانما هي من متطلبات ذلك العصر باعتبار ان الإسلام لم يرسم خطا خاصا لممارسة افراد المجتمع في القيام بذلك كي لا يجوز التعدي عن ذلك الخط.بل جعل حرية الافراد في ممارسة استثمارها في كل عصر في ظل اطار عام-و هو ما تطلبه المصلحة العامة في ذلك العصر على اساس العدالة الاجتماعية التي يؤمن الإسلام بضرورة ايجادها بين افراد الامة و طبقاتهم-و قد منح ولي
الأمر صلاحية تطبيق ذلك حسب متطلبات العصر على ذلك الاساس.
و من الطبيعي:انها تختلف باختلاف العصور فقد تطلب المصلحة العامة عدم السماح للفرد باستخراج كمية اكبر من قدر حاجته، و قد تطلب بالسماح له باستخراج كمية اكبر من حاجته،و هكذا، فاذن كيف تكون العادة المذكورة دليلا لنا في كل عصر.
ثم ان على ولي الامر او الدولة ان يوفر الوسائل و الامكانات المادية و العلمية لاستخراج تلك المعادن و انتاجها و وضعها في خدمة المجتمع تحقيقا للعدالة الاجتماعية و التوازن بين طبقات الامة التين يؤمن الإسلام بضرورة ايجادهما في المجتمع الاسلامي،و لا فرق في ذلك بين ان تكون الدولة هي التي تباشر عملية الاستخراج منها و الانتاج،او تتوفر الوسائل و الامكانات للأفراد ليباشروا تلك العملية، حيث انه ليس للدولة ان تمنع الافراد عن ممارسة حرياتهم في سبيل استخراج المعادن و انتاجها على اساس انها من المباحات الاولية، و ليست ملكا لها إلا اذا كان ذلك على خلاف المصلحة العامة،فعندئذ للدولة ان تمنع عنها باعتبار ان المصلحة العامة تتقدم على المصلحة الخاصة.
و من هنا كان على ولي الامر او الدولة وضع خطوط لتصرفات الافراد فيها و استثمارهم لها في ضمن دائرة الشرع،لتمنعهم عن حدي الافراد و التفريط في المشارع الخاصة،و عن الاحتكار و السيطرة عليها،كل ذلك انما هو لغرض تحقق العدالة الاجتماعية بين طبقات الامة.
و ليس مرد ذلك الى تحديد في الملكية و الثروة الخاصة في الإسلام، بل مرده الى تحديد في الطرق التي يتمكن الفرد من تحصيل الثروة
من تلك الطرق.و قد تقدم ذلك في ضمن البحوث السالفة بشكل موسع،قلنا هناك ان لكل فرد من المسلمين ان يمارس عملية الاستخراج و الانتاج من الطرق المحددة بجوانبها الايجابيّة و السلبيه من قبل الشرع بحرية تامة،فلو حصل الفرد على ثروة هائلة بممارسة العملية المزبورة من تلك الطرق ملك تلك الثروة بلغت ما بلغت من الكثرة، و ليس في الإسلام تحديد في ذلك
نعم قد اعطى الإسلام صلاحية لولي الأمر او الدولة ان يأخذ من أموال المسلمين بالمقدار الذي تقتضيه المصلحة العامة الملزمة كما اذا توقف حفظ بيضة الإسلام على ذلك او حفظ حدود المملكة الاسلامية في مقابل هجوم الكفار او ما شاكل ذلك،و لكن لا صلة لذلك بما نحن فيه اصلا.
و هي كما عرفت على قسمين:
احدهما:المعادن الباطنة القريبة من سطح الارض.
و الآخر:المعادن الباطنة المتوغلة في اعماق الارض.
اما الأولى:فقد الحقها الاصحاب بالمعادن الظاهرة،و ذكروا ان حكمها حكم تلك المعادن.
و قد تقدم الكلام بشكل موسع في المعادن الظاهرة،و قلنا هناك ان ما نسب الى المشهور بين الاصحاب من كون تلك المعادن مطلقا من المشتركات العامة بين كل الناس لا يمكن اتمامه بدليل.
فالصحيح هو ما ذكرناه من التفصيل بين كونها في اراضي الدولة،و كونها في الارض المفتوحة عنوة،و كونها في الارض الخاصة
و على الاول فهي من الانفال،و على الثاني فهي ملك عام للمسلمين، و على الثالث فهي من المشتركات العامة بين كل الناس.هذا من ناحية.
و من ناحية أخرى:ان ما نسب الى كثير من المصادر الفقهية- من ان الإسلام لا يسمح للفرد ان يحوز كمية اكبر من قدر حاجته -فقد عرفت انه لا يقوم على اساس صحيح.
و من ناحية ثالثة:ان ما ذكرناه من الاحكام للمعادن الظاهرة لا يختص بها،بل يعم غيرها أيضا كما يعرف ذلك بوضوح من خلال ما قدمناه من البحوث.و عليه فكما لا فرق بين المعادن الظاهرة و المعادن الباطنة القريبة من سطح الارض على ضوء نظرية المشهور،فكذلك لا فرق بينهما على ضوء ما ذكرناه.
و اما الثانية:فقد نسب الى المشهور انها تملك بالاحياء اي باكتشافها و الوصول اليها في اعماق الارض من خلال بذل الجهد و العمل المتواصل و الحفر المتزايد.
و في الجواهر قد ادعى عدم وجدان خلاف فيه بين من تعرض له كالشيخ و ابن البراج و ابن ادريس و الفاضل و الشهيدين و الكركي و غيرهم بل نسب الى ظاهر المبسوط و السرائر الاجماع على ذلك.
و قد علل ذلك:بان العمل المزبور احياء و هو سبب للملك، فان احياء كل شيء بحسبه،و من هنا قد بنوا الفقهاء على ان تلك المعادن تملك بالاكتشاف من خلال عمليات الحفر على اساس انه لون من الوان الاحياء.هذا من ناحية.
و من ناحية اخرى هل ان هذه الملكية تمتد في اعماق الارض الى منتهى عروق المواد المعدنية و جذورها مهما بلغت اولا؟فيه وجهان
المشهور بين الفقهاء:هو الثاني على ما في الجواهر،حيث ذكر فيه ان المصرح به في كلام غير واحد هو انه لو حفر فبلغ المعدن لم يكن له منع غيره من الحفر من ناحية اخرى فاذا وصل الى ذلك الغرق لم يكن له منعه
فالنتيجة:ان جمهور الفقهاء كما بنوا على تملك المعادن الموجودة في اعماق الارض باكتشاف عروقها و ينابعها من خلال عملية الحفر، كذلك بنوا على ان هذه الملكية محدودة و ضيقة،و لا تمتد الى جذورها في اعماق الارض مهما وصلت،بل تقتصر على المواد المكتشفة من خلال عمليات الحفر.
و يمكن المناقشة:في هذا الرأي الفقهي على اساس المناقشة في مستنده،فان مستنده لا يخلو من ان يكون عملية الاحياء او الحيازة
اما الاولى:فلان سببيتها للملك او الحق مطلقا و في كل مورد بحاجة الى دليل و الا لكان اكل المال بها اكلا بالباطل،و الفرض انه لا دليل عليها الا في خصوص الارض على اساس مجموعة من النصوص الدالة على ان احيائها يمنح حقا فيها و هي لا تشمل المعادن على اساس انها ليست بارض.
فالنتيجة:انه لا يمكن اثبات اعتراف الإسلام بان اكتشاف المعادن في اعماق الارض من خلال عمليات الحفر يمنح ملكية تلك المعادن في حدود كشفها،لا على اساس نصوصه التشريعية،و لا على اساس اخر كبناء العقلاء حيث انه لم يثبت في غير الارض.
هذا اضافة الى ان صدق الاحياء على الاكتشاف المزبور محل اشكال بل منع لدى العرف و العقلاء.
و اما الحيازة:فلا دليل على انها سبب لتملك الثروات و المصادر
الطبيعية ما دامت في موضعها الطبيعي.
و قد تحصل من ذلك:ان الفرد لا يملك المعدن باكتشافه و وصوله الى عروقه و ينابعه من خلال عمليات الحفر ما دام في موضعه الطبيعي
و يؤكد ذلك ما مرّ بنا من تحديد ملكية المعدن من قبل اصحاب هذا الرأي فان مرد هذا التحديد في نهاية المطاف الى انكار الملكية نهائيا.
بيان ذلك:انه اذا جاز قيام غير الحافر الأول بعمليات الحفر من طرف آخر لاكتشاف عروق ذلك المعدن و الوصول اليها التي وصل اليها الحافر الأول،و بعد الوصول و الاكتشاف جاز له القيام بعملية استخراجها و انتاجها،كما جاز ذلك للأول و لم يقيدوا قيام الثاني بعملية الاستخراج و الانتاج بحد خاص و عليه فاذا انتهت عملية استخراج و انتاج كل منهما الى حد لم يبق الفاصل بين الحفرة الأولى و الحفرة الثانية الا كميات قليلة من المادة المعدنية بحيث لو لم تكن تلك الكميات في البين لانتهت احدى الحفرتين بالاخرى و وصلتا
فعندئذ نقول:ان هذه الكميات من المادة المعدنية ان قلنا:
بانها ملك للحافر الأول لم يجز تصرف الثاني فيها،و ان قلنا بانها ملك للثاني لم يجز تصرف الأول فيها،و ان قلنا:بانها مشتركة بينهما لم يجز تصرف كل منهما فيها بدون رضا صاحبه،مع انه لا شبهة في جواز تصرف كل منهما فيها مطلقا حتى لدى اصحاب هذا القول،فاذن لا بد من القول بعدم دخول تلك الكميات في نطاق ملكية احد ما دامت في موضعها الطبيعي،غاية الأمر قد ثبت على اساس اكتشافها من خلال عملية الحفر حق خاص لكل
منهما بممارسة استخراجها و انتاجها الى ان انتهت،و لا يجوز للاخر ان يزاحمهما في ذلك.
و بكلمة اخرى:انا اذا افترضنا ان الفرد يملك المعدن باكتشاف عروقه و ينابعه بسبب عمليات الحفر.فعندئذ يتوجه عليه السؤال التالي:
هل انه يملك المقدار المكتشف منها،او يملك تلك العروق مهما امتد نطاقها و اتسع طولا او عرضا او افقا،او يملكها الى حد خاص
لا يمكن الالتزام بالاحتمال الثاني،فانه مقطوع البطلان لدى الشرع و العرف.
و اما الاحتمال الثالث،فهو بحاجة الى دليل و لا دليل عليه.
و اما الاحتمال الأول:فهو لا ينسجم مع عدم تحديدهم قيام الحافر الثاني بعملية الاستخراج و الانتاج الى تلك الحدود اي-الحدود المكتشفة من المواد المعدنية و عروقها من قبل الحافر الأول-فلو كانت تلك الحدود داخلة في نطاق ملكية الحافر الأول لكان عليهم التحديد المذكور لا محالة رغم انهم لم يحدّدوه،و جوزوا قيامه بالعملية المزبورة مطلقا،و هذا معنى ما ذكرناه من ان تحديد ملكية المعدن يرجع بالتالي ان انكارها.
فالنتيجة:انه لا دليل على ان الفرد يملك المعدن باكتشافه بسبب عملية الحفر ما دام في مكانه الطبيعي،و انما يملك المادة التي يستخرجها خاصة و يحوزها.
نعم ان اكتشافه المعدن من خلال عمليات الحفر و بذل الجهد يمنحه حقا فيه لدى العرف و الشرع فلا يجوز لغيره ان يزاحمه في الحصول عليه.و لكن من المعلوم ان ثبوت هذا الحق له بمعنى انه اولى من غيره بالاستفادة من المواد المعدنية في اعماق الارض من طريق هذه
الحفرة التي حفرها لاكتشافها و الوصول اليها،لأنه هو الذي خلق هذه الفرصة للاستفادة منها،فمن حقه ان يمنع الآخرين عن استخدام تلك الحفرة في الحصول عليها.
نعم لو اعرض عنها او تركها الى ان خربت سقط حقه عنها نهائيا،و جاز للاخر استخدام تلك الحفرة و استغلالها.
اما على الأول:فلما بيناه في ضمن الابحاث السالفة من ان الاعراض عن شيء يوجب سقوط علاقة صاحبه عنه نهائيا و ان كانت على مستوى الملك،فضلا عما اذا كانت على مستوى الحق.
و اما على الثاني:فلان حقه معلول للحالة التي خلقها في الارض للاستفادة من المواد المعدنية التي تكون في اعماق الارض-و هي الحفرة التي اوجدها على اساس انها تتيح له فرصة الانتفاع بها-فاذا زالت تلك الفرصة و خربت الحفرة،و سقطت عن قابلية استخدامها في الحصول عليها سقط حقه عنها نهائيا بسقوط موضوعه.
هذا كله:بناء على القول بكون المعادن الباطنة أيضا من المشتركات العامة بين كل الناس
و اما على ضوء ما قويناه:-من ان المعادن مطلقا ان كانت في اراضي الدولة فهي من الانفال،و ان كانت في الارض المفتوحة عنوة فهي ملك عام للمسلمين،و ان كانت في ارض خاضعة لمبدإ ملكية خاصة فهي من المشتركات العامة بين جميع الناس-.
فقد عرفنا ان العامل يملك المادة التي يستخرجها خاصة من اعماق الارض في خصوص القسم الاخير على اساس انها من المباحات الاولية.
و اما في القسمين الأولين:فهو لا يملك تلك المادة على اساس
انها على الأول ملك للإمام(ع)،و على الثاني ملك للمسلمين، غاية الأمر ان الامام(ع)قد اباح التصرف فيها و الانتفاع بها بمقتضى اخبار التحليل و غيرها و لا دليل على انقطاع علاقة صاحبها عنها، و اخبار التحليل كغيرها لا تدل على هذا الانقطاع،و قيام العامل بعملية الاستخراج و الحيازة و ان كان من اسباب الملك الا ان سببيته لذلك انما هو فيما اذا كان المال المحاز من المباحات،و لم يكن خاضعا لمبدإ ملكية خاصة او عامة.
و بما انه في المقام خاضع لمبدإ الملكية فالعملية المزبورة لا تؤثر الا في ايجاد حق للعامل فيه دون الملك.
فالنتيجة:ان مقتضى الأصل بقاء تلك المادة المعدنية في ملك مالكها بدون فرق فيه بيان كونها من المعادن الباطنة او الظاهرة.
نعم اذا كانت المعادن موجودة على سطح الارض فقد اشرنا آنفا الى ان الاستيلاء و السيطرة عليها بدون انفاق عمل و بذل جهد في سبيل تحصيلها و انتاجها لا يبرر وجود حق فيها بملاك ان الإسلام لا يعترف به اذا كان على اساس القوة و التحكم على الآخرين.
و اما اذا كانت المعادن موجودة في اعماق الارض فعندئذ و ان كان الفرد باكتشافها من خلال قيامه بعمليات الحفر و بذل الجهد المتزايد يحصل على حق فيها الا ان مورد هذا الحق ليس هو المعادن المكتشفة بل مورده انما هو نفس الحفرة التي وصلت اليها و اكتشفت المعادن بها.
و النكتة في ذلك انه لا يجوز لآخر ان يستخدم تلك الحفرة في سبيل الحصول عليها رغم انه يجوز له ان يستخدم طريقا آخر في سبيل ذلك،فليس للحافر الأول ان يمنعه من قيامه باستخدام
طريق آخر لذلك،مع ان حقه لو كان متعلقا بنفس المواد المعدنية المكتشفة كان له حق المنع عن الانتفاع بها و استغلالها و لو من طريق آخر،كما اشرنا اليه آنفا.
فالنتيجة:ان حق الفرد انما يتعلق بالمادة التي يستخرجها خاصة لا بها في موضعها الطبيعي،هذا اذا كانت المعادن من الانفال او كانت ملكا للأمة.و اما اذا كانت من المشتركات العامة فقد عرفنا ان الفرد يملك تلك المادة على اساس قيامه باستخراجها و جعلها في حوزته بشكل مباشر.
هذا تمام ما اوردناه في بحث المعادن.
مجموعة من الدراسة و البحوث الفقهية التي تلقى الضوء على انواعها و ما يترتب عليها من الآثار و الاحكام في دائرة الشريعة الاسلامية المقدسة
المياه الطبيعية
احدهما:المياه المكشوفة على سطح الارض كالبحار،و الانهار، و العيون الطبيعية الجارية عليها.
و ثانيهما المياه:المكنوزة في اعماق الارض التي لا يمكن وصول الانسان اليها الا من خلال عمليات الحفر و بذل الجهد المتزايد،و ذلك كمياه الآبار،و العيون العامرة بشريا.
هل ان المياه:بكلا نوعيها من المشتركات العامة بين كل الناس؟!
المعروف و المشهور بين الاصحاب انها من المشتركات العامة، و ان الناس فيها شرع سواء،و قد استدل على ذلك بعدة وجوه:
الأول:الاجماع المدعى في المسألة،بل في الجواهر ان الاجماع بقسميه قائم على ذلك.
و فيه:انه على تقدير تسليم ان الاجماع المنقول حجة،و لكن لا يمكن الحكم بحجية الاجماع هنا،لاحتمال ان يكون مدركه احد الوجهين الآتيين.
الثاني:قد ورد في الرواية النبوية:(الناس شركاء في ثلاثة:
النار و الماء و الكلاء).و قد ورد في رواية محمد بن سنان عن أبي الحسن(ع)قال:سألته عن ماء الوادي فقال:(ان المسلمين شركاء في الماء و النار و الكلاء) 1.
و لكن كلتا الروايتين ساقطة سندا فلا يمكن الاستدلال بشيء
منهما على حكم شرعي.
و اما الرواية الأولى:فهي لم تثبت لدينا.
و اما الرواية الثانية فهي ضعيفة سندا بمحمد بن سنان.
هذا اضافة:الى انها لا تدل على ان الماء من المشتركات العامة بين كل الناس،و انما تدل على انه من المشتركات بين المسلمين خاصة.
الثالث:الاصل،فان مقتضاه عدم دخول المياه في مبدأ ملكية خاصة او عامة،لوضوح ان دخولها في ذلك بحاجة الى دليل و لا دليل عليه،و معه كان لا محالة مقتضى الاصل هو ان الناس فيها شرع سواء فلا خصوصية فيها لأحد بالاضافة الى الآخر.
و الجواب عنه:ان مقتضى الاصل و ان كان ذلك الا انه غير بعيد ان يكون المتفاهم لدى العرف من قوله(ع)في صحيحة الكابلي و صحيحة مسمع:المتقدمتين(و الارض كلها لنا)هو ان الارض و ما تضمه من المياه المكنوزة في اعماق الارض او المكشوفة على وجهها ملك للإمام(ع)،و لذا لو قيل ان ارض العراق-مثلا-كلها لزيد،فان المتفاهم منه عرفا ان الارض و ما فيها من الثروات الطبيعية كالمياه و نحوها ملك له،لا ان الارض وحدها ملك دون ما فيها،و لا سيما على ما مر بنا من ان مرد ملكية الامام(ع) للأرض الى ملكية الدولة،و عليه فمناسبة الحكم و الموضوع تقتضي ملكيتها بما فيها من الثروات كما هو الحال في ملكية الارض للأمة
الى هنا قد استطعنا ان نخرج بهذه النتيجة:و هي ان المياه مطلقا اي-سواء أ كانت مكشوفة أم كانت مكنوزة في اعماق الارض- إذا كانت في الارض التي هي داخلة في ملكية الامام(ع)فهي تخضع الارض في مبدأ الملكية فما عن المشهور من انها من المشتركات العامة
بين كل الناس فلا يمكن اتمامه بدليل.
و اما اذا كانت المياه في الارض المفتوحة عنوة التي هي ملك للمسلمين فالظاهر انها أيضا تتبع الارض في مبدأ الملكية،و ليست من المشتركات العامة بين جميع الناس كما عن المشهور،و ذلك لما قدمناه في بحث المعادن من ان سبب ملكية المسلمين للأرض انما هو انتزاعها من سيطرة الكفار و ان لم تكن لهم علاقة بها و لو على مستوى الحق،و حيث ان الكفار كانوا مسيطرين على تلك الثروات الطبيعية على اساس سيطرتهم على الارض التي تضمها فانتزاع الارض من سيطرتهم بعنوة انتزاع لجميع ما فيها من المصادر و الثروات منها المياه المكنوزة،و المكشوفة.
و اما إذا كانت المياه في ارض مملوكة لفرد خاص قبل تاريخ تشريع ملكية الانفال للإمام(ع)فهل هي تتبع الارض في مبدأ الملكية او يكون الناس فيها شرع سواء او تكون من الانفال؟فيه وجوه:
الظاهر هو الوجه الثاني:و ذلك لما سوف نشير اليه من ان المياه لا تكون من توابع الارض و شئونها لدى العرف،و انما هي موجودة مستقلة في قبال وجود الارض،غاية الأمر ان الارض ظرف لها فتكون نسبتها اليها نسبة المظروف الى الظرف،لا نسبة الثمرة إلى الشجرة،و عليه فلا تستلزم ملكية الارض ملكية ما فيها من الثروات:منها المياه الكائنة فيها.
و أما الوجه الثالث فهو بحاجة إلى دليل،لوضوح ان دخولها في نطاق ملكية الامام(ع)بحاجة الى سبب،و لا سبب لذلك اصلا في مفروض الكلام على اساس ان الدليل على كونها من الانفال خاص بما إذا كانت في اراضي الدولة،لا مطلقا،فاذن يتعين الوجه الثاني
على اساس انه مطابق لمقتضى الاصل.
ان الفرد لا يملك المياه المكشوفة طبيعيا بالحيازة و الاستيلاء عليها ما دامت في مكانها الطبيعي،بل لا يحصل له على اساس ذلك حق الأولوية فيها،و قد تقدم ان الإسلام لم يعترف بالحيازة على اساس القوة و التحكم على الآخرين في ميدان المنافسة.و من هنا قلنا.ان الحيازة على اساس ذلك لا تبرر وجود حق فيها فضلا عن الملك، و لا سيرة عقلائية على انها تمنح علاقة بها،و لا فرق في ذلك بين القول بكون المياه المزبورة من المشتركات العامة بين كل الناس و القول بكونها من الانفال.
نعم تظهر الثمرة بين القولين:فيما إذا أخذ شخص كمية من تلك المياه و حازها باعتراف منها باناء،او سحب منها بآلة،او حفر حفيرة و اوصلها بها،او استجد نهرا و اوصله بها،او نحو ذلك مما يوجب جعلها في حوزته.
فعلى القول الاول:يملك الكمية التي عرفها الاناء،او سحبتها الآلة،او اجتذبتها الحفيرة،او ما جرى في النهر المستجد بسبب العمل المزبور الذي هو حيازة لدى العرف،فالحيازة اذا كانت على اساس العمل و بذل الجهد في سبيل جعل المحاز في حوزته و سيطرته فهي تمنح الملك على ضوء هذا القول.و اما اذا لم تكن على اساس ذلك كما اذا دخل الماء تحت سيطرة الفرد بتسربه من النهر او البحر الى منطقته بدون بذل جهد و عمل في سبيل ذلك،فانه لا يوجب تملكه
تلك الكمية من الماء بل ظلت على اباحتها العامة.
و على القول الثاني:لا يملك تلك الكمية بالعمل المزبور،و انما يمنح ذلك العمل حقا فيها دون الملك.
و النكتة فيه:ان المياه ملك للإمام(ع)و من الطبيعي ان خروجها عن ملكه و دخولها في ملك من يقوم بحيازتها بحاجة الى دليل،و لا دليل عليه،فان الحيازة انما تبرر ملكية المال المحاز للمحيز اذا كان من المباحات الأولية،و اما اذا كان خاضعا لمبدإ ملكية خاصة او عامة و كان التصرف فيه جائزا فحيازته لا تؤثر إلا في إيجاد حق فيه دون الملك
و بكلمة اخرى:ان الحيازة التي تقوم على اساس انفاق الفرد العمل و بذل الجهد خارجا انما تمنح ملكية المصادر الطبيعية فيما اذا كانت تلك المصادر من المباحات من ناحية،و نقل الفرد تلك المصادر من موضعها الطبيعي و جعلها في حوزته من ناحية اخرى.
و اما إذا كانت المصادر المزبورة داخلة في نطاق ملكية الامام(ع) فلا دليل على انها تمنح ملكيتها،لا من الشرع،و لا من العقلاء، حيث لم تقم سيرتهم على منحها الملكية في مثل المقام الذي لم يكن المال المحاز من المباحات و إن كان التصرف فيه مباحا كما في المقام بمقتضى اخبار التحليل،و من الطبيعي ان العامل انما يملك نتيجة عمله دون رقبة الارض.
إلى هنا قد انتهينا إلى هذه النتيجة:و هي ان المياه المكشوفة على وجه الارض كماء البحار،و الانهار،الكبيرة مثل دجله، و الفرات،و النيل،و العيون النابعة طبيعيا،فانها على المشهور من المشتركات العامة بين كل الناس،و يملك ما يحوز منها من الكمية
و اما على ما قويناه-من انها من الانفال اذا كانت في اراضي الدولة- فقد عرفنا انه لا يملك ما يجوزه،لعدم الدليل على الملك، و انما له على اساس ذلك الاحقية و الاولوية به فحسب.
هل يملك الفرد تلك المياه باكتشافها من خلال عمليات الحفر او يحصل له على اساس هذا الاكتشاف حق فيها دون الملك؟فيه قولان:
قد نسب الى غير واحد من الاصحاب القول الاول.
و استدل عليه بعدة وجوه:
الاول:بالسيرة القطعية من العقلاء على اساس انهم يعاملون مع الماء بعد اكتشافه بسبب عمليات الحفر معاملة الملك،و هذه السيرة بما انها ممتدة الى عصر التشريع من دون ورود ردع عنها فلا محالة تكون ممضاة من قبل الشرع.
و يرده:
انها لا تدل على ان علاقة العامل بالماء الممنوحة له بسبب الاكتشاف و البلوغ من خلال عمليات الحفر تكون على مستوى الملك،ضرورة انها لا تدل على اكثر من ان للعامل علاقة به،و اما كونها على مستوى الملك او على مستوى الحق فلا تدل على شيء منهما.
و دعوى-ان ترتيب آثار الملك عليه كاشف عن ان علاقته به انما هي على مستوى الملك-خاطئة جدا،و ذلك لأن الآثار المزبورة كالبيع و نحوه ليست من آثار الملك خاصة،لما تقدم بنا في ضمن
البحوث السالفة من ان البيع او ما شاكله لا يتوقف على كون المبيع ملكا للبائع،و من هنا قلنا بصحة بيع المحيى الارض على القول بكون عملية الاحياء تمنحه حقا فيها،دون الملك،و ما نحن فيه كذلك.
فالنتيجة:ان القدر المتيقن من هذه السيرة هو ان العملية المزبورة انما تمنح العامل حقا فيه،دون الملك.
و دعوى:-ان السيرة ليست حجة بذاتها،و انما هي حجة باعتبار كشفها عن امضاء الشارع لها،و من الطبيعي انه لا طريق لاكتشاف الامضاء الا من ناحية عدم ورود الردع من قبل الشارع و عليه فلا بد لدى الاستدلال بالسيرة من الجزم بعدم الردع عنها ليتحقق الجزم بالامضاء،و في المقام لا يمكن الجزم به،فان ما ورد تارة بلسان:ان الناس شركاء في الماء،و اخرى بلسان النهي عن بيع منع فضل الماء و ثالثة بلسان النهي عن بيع القناة بعد الاستغناء عنها يؤدي على أقلّ تقدير الى احتمال ورود الردع عنها،و معه لا يمكن الجزم بالامضاء،و بدونه لا يمكن الحكم بحجيتها-.
خاطئة جدا في المقام،فان هذه الدعوى انما تتم فيما اذا كانت السيرة في مسألة لم تكن محلا للابتلاء بكثير ففي مثل ذلك تكفي الروايات المزبورة لإسقاط حجية السيرة و ان لم تكن تامة سندا او دلالة،اذ معها لا يمكن الجزم بحجيتها.
و اما في المقام:فلا تتم تلك الدعوى،و ذلك لأن تلك السيرة بما انها كانت متداولة بين الناس امام الرسول الاعظم(ص)و بعده امام الائمة الاطهار(ع)الى زماننا هذا فلا يمكن اسقاط حجيتها بالروايات المزبورة.
فان الرواية الأولى-مضافا الى عدم ثبوتها-ظاهرة في تساوي الناس فيه-ما دام في مكانه الطبيعي-من دون أن يسبق احد اليه بالكشف عنه و الوصول اليه.
و اما الروايتين الأخيرتين فهما محمولتان على الكراهة و الحزازة، على ان الرواية الأولى منهما غير ثابتة سندا،فلو كانت تلك السيرة غير مقبولة عندهم(ع)لورد منهم(ع)ردع عنها طبعا لعدم محذور فيه،و اذا ورد لشاع بين الناس و اشتهر،لكثرة ابتلاء الناس بذلك،فمن عدم الاشتهار نستكشف عدم الردع.
فالنتيجة:ان دعوى المزبورة و ان كانت لا بأس بها في الجملة الا انها لا تتم في المقام.
فالصحيح ما ذكرناه:من ان هذه السيرة لا تدل على اكثر من الاحقية و الاولوية.
الثاني:ان الماء المستتر في ارضه نماء تلك الارض فيكون مملوكا بتبع ملكية الارض كثمرة الشجرة،و لبن الدابة،و ما شاكل ذلك،فالانسان اذا اكتشف في ارضه عينا بسبب قيامه بعمليات الحفر كانت العين ملكا له شرعا،لأنها نماء الارض،فما دامت الارض ملكا له فيكون نمائها أيضا كذلك.
و الجواب عنه:واضح،فان المياه المكنوزة في اعماق الارض التي تكشف من خلال عمليات الحفر لا تعتبر لدى العرف و العقلاء نماء للأرض،و ليست حالها حال الثمرة بالاضافة الى الشجرة، و اللبن بالاضافة الى الدابة او نحو ذلك،فان علاقتها بها كانت علاقة طبيعية على اساس انها قد نتجت من مادة موجودة في كمون ذاتها،حيث ان تلك المادة بتطورها الطبيعي و سيرها الزمني قد
بلغت بهذه الدرجة التي تسمى ثمرة لها.
و هذا بخلاف علاقة تلك المياه بالارض،فانها ليست بطبيعية، بل هي علاقة المظروف بالظرف،و الحال بالمحل،و من الطبيعي انه ليس لدينا قاعدة شرعية،و لا عقلائية على ان تملك الظرف يستلزم تملك المظروف،و انما لدينا قاعدة تدل على ان تملك الثمرة انما هو بتبع تملك اصلها.
الثالث:قد ورد في مجموعة من النصوص جواز بيع الشرب، و بيع القناة.
منها:معتبرة سعيد:الاعرج عن أبي عبد اللّه(ع)قال:
سألته عن الرجل يكون له الشرب مع قوم في قناة فيها شركاء فيستغنى بعضهم عن شربه ليبيع شربه قال:(نعم إن شاء باعه بورق و إن شاء باعه بحنطة) 1.
و منها:صحيحة عبد اللّه الكاهلي قال:سأل رجل ابا عبد اللّه(ع) و انا عنده عن قناة بين قوم لكل رجل منهم شرب معلوم،فاستغنى رجل منهم عن شربه،أ يبيع بحنطة او شعير قال:(يبيعه بما شاء هذا مما ليس فيه شيء) 2.
و منها رواية علي بن جعفر عن اخيه موسى بن جعفر(ع) قال:سألته عن قوم كانت بينهم قناة ماء لكل انسان منهم شرب معلوم،فباع احدهم شربه بدراهم او بطعام،هل يصلح ذلك قال:
(نعم لا بأس) 3.
و هذه الروايات:و ان كانت لا يبعد دعوى ظهورها في ملك
القناة،لا على اساس ان البيع لا يكون الا في ملك،لما عرفت في ضمن البحوث السالفة من ان حقيقة البيع انما تتكفل منح المشتري نفس العلاقة التي كانت بين البائع و المبيع في مقابل حصول البائع على نفس العلاقة التي كانت بين المشتري و الثمن سواء أ كانت تلك العلاقة على مستوى الملك أم كانت على مستوى الحق،بل على اساس ظهور اللام في الاختصاص الملكي،الا ان ذلك الاختصاص انما هو بالاضافة الى الفرصة التي خلقها العامل من خلال عمليات الحفر للاستفادة بالماء و الانتفاع به،لا بالاضافة الى الماء نفسه،او لا أقلّ من اجمال تلك الروايات من هذه الناحية.
فالنتيجة:ان الروايات لا تدل على ان العامل يملك الماء بسبب اكتشافه و الوصول اليه في اعماق الارض.
الرابع:ان كشف الماء في باطن الارض من خلال عملية الحفر احياء له،فان احياء كل شيء بحسبه.
و الجواب عنه:ان روايات الاحياء تختص بالارض،كما اشرنا الى ذلك في ضمن الابحاث الماضية فلا تدل الا على كون عملية الاحياء سببا لعلاقة المحيى بالارض،لا بما تضم الارض من المصادر و الثروات الطبيعية على اساس انها ليست بالارض،هذا من ناحية.
و من ناحية اخرى:ان صدق الاحياء على الاكتشاف المزبور محل اشكال،بل منع،فان الاحياء لدى العرف هو العمل في الشيء و ايجاد صفة فيه بحيث يكون ذلك الشيء فاقدا لتلك الصفة قبل العمل المزبور،و انما نتجت منه،و اما كشف الشيء بما هو من دون عمل فيه و ايجاد صفة فلا يكون احياء له.
هذا اضافة الى ما ذكرناه من ان عملية الاحياء لا تمنح المحيى
اكثر من حق فيما قام باحيائه ارضا كان او غيرها
و من ناحية ثالثة:اننا قد ذكرنا ان مصدر علاقة الفرد بالثروات الطبيعية و حقه فيها انما هو العمل و بذل الجهد في سبيل الانتفاع بها سواء اصدق على ذلك العنوان عنوان الاحياء أم لم يصدق،حيث لا موضوعية لهذا العنوان،و عليه فالاكتشاف المزبور من خلال عمليات الحفر مصدر لعلاقة العامل بالمياه و ان لم يصدق عليه عنوان الاحياء،و بما ان المياه المزبورة قد فرض كونها من الانفال فالعمل المذكور لا يبرر الا وجود حق فيها دون الملك.
الخامس:ان ملكية الارض تتبع ملكية ما فيها من الثروات على اساس انها من توابعها و شئونها:منها المياه المكنوزة فيها.
و الجواب عنه:ان تلك الثروات التي تضمها الارض:منها المياه بما انها موجودات مستقلات فلا علاقة لها بالارض الا علاقة المظروف بالظرف و الحال بالمحل،و من الطبيعي ان ملكية الظرف لا تستدعي ملكية المظروف.
السادس:ان اكتشاف الماء بسبب عمليات الحفر حيازة له، و الحيازة من احد اسباب الملك لدى العرف و العقلاء.
و الجواب عنه:ان هذه العملية و ان كانت حيازة بالاضافة اليه الا ان الحيازة لم تكن من اسباب الملك على نحو الاطلاق،و انما تكون من اسبابه فيما اذا لم يكن المال المحاز خاضعا لمبدإ ملكية خاصة او عامة من ناحية و كونه تحت سيطرة المحيز و في حوزته بشكل مباشر من ناحية اخرى،و الا فلا تمنح الملك،و قد اشرنا الى ذلك في ضمن البحوث السالفة.و بما ان المياه اذا كانت في الارض التي لا رب لها ملك للإمام(ع)فلا تفيد الملك،
و حيث ان هذه الحيازة كانت باذن الامام(ع)فهي تفيد الحق فيها،لأنها تلعب فيها نفس الدور الذي تلعبه عملية الاحياء في الارض.
هذا اضافة الى اننا لا نملك نصا صحيحا يدل على انها تمنح ملكية الماء بمنتهى عروقه و مادته،فان عمدة الدليل على ان تلك العملية تفيد اختصاص المحيز بالماء انما هي سيرة العقلاء،و قد تقدم ان السيرة لا تدل على اكثر من الاختصاص على مستوى الحق
السابع:ان رواية(من سبق الى ما لم يسبق اليه مسلم فهو له) تدل على الملك.
و الجواب عنه:ان الرواية ساقطة بحسب السند فلا يمكن الاستدلال بها على حكم شرعي اصلا.
الى هنا قد استطعنا ان نخرج بهذه النتيجة:و هي أن اكتشاف الماء من خلال عمليات الحفر و بذل الجهد لا يفيد اكثر من الاحقية و الاولوية هذا من ناحية.
و من ناحية اخرى:ان هذه الاحقية تمتد الى منتهى مادة هذا الماء في اعماق الارض و بواطنها،و لا يتقدّر امتداد هذا الحق من حيث المسافة الا بما يضره.و عليه فبما ان عروقها قد انفتحت من خلال عمليات الحفر التي اوصلها الحافر بها فبطبيعة الحال لا يجوز لآخر ان يقوم بفتح عروقها بحفر حفيرة من طرف آخر،و أيضا لها بها لأنها تضر الأولى.
و تدل على امتداد هذا الحق-مضافا الى ما سوف نشير اليه- مجموعة من النصوص الواردة في تحديد مقدار المسافة المعتبرة بين الآبار و العيون التي تقدمت في ضمن الابحاث السالفة،فان المستفاد
من تلك المجموعة-بعد تحكيم بعضها ببعضها الآخر-هو ان الحد المكاني المعتبر بين الآبار و العيون انما هو بما لا تضر الثانية بالاولى بلا فرق بين ان تكون المسافة بينهما قريبة او بعيدة.
فالنتيجة:ان هذه النصوص تدل على ان الاحقية لا تقتصر على المقدار المكشوف من الماء بل تمتد الى منتهى عروقه و مادته الكامنة في اعماق الارض.
و بذلك تفترق:المياه المستورة في باطن الارض عن المعادن المستورة فيه،فان احقية الفرد في المعادن على اساس اكتشافه إياها من خلال قيامه بعمليات الحفر لم تمتد الى منتهى عروقها و ينابعها،و لذا يجوز لغيره ان يقوم باستخراجها من طرف آخر.و من هنا قلنا:ان مرد ذلك بالتالي الى ان حق العامل انما هو قائم بنفس الحفيرة التي اوصلها بالمعادن،دون بنفسها ما دامت في موضعها الطبيعي.
و نكتة الفرق بينهما:-مضافا الى الروايات-هي ان الماء بعد اكتشاف الفرد إياه من خلال قيامه بعملية الحفر ينتقل من موضعه الطبيعي الى الحفيرة فانها تجذب الماء،و عليه فتصبح نفس الماء متعلقة لعلاقته فلا يجوز لآخر ان يتصرف فيه بقطع النظر عن التصرف في الحفيرة.هذا من ناحية
و من ناحية اخرى بما ان هذا الماء يستمد قوته آنا فآنا من مادته المكنوزة في باطن الارض فلا محالة يمتد حقه الى تلك المادة، و بذلك يمتاز الماء عن المعدن حيث ان المعدن غير واجد لتلك الخصوصية،لوضوح ان ما يحوزه الفرد منها من الكمية لا ترتبط بما ظل في اعماق الارض من الكميات اصلا.
و على اساس ذلك:فلا يجوز لاخر ان يقوم بفتح عروق ذلك
الماء و مادته من مكان آخر بسبب عملية الحفر،فان ذلك لا محالة يؤدي اما الى قطع جريانه من الحفيرة الاولى،او الى نقصه،و هو ضرر على الحافر الاول فلا يمكن الجمع بين انتفاع الحافر الاول به و انتفاع الحافر الثاني بدون ان يكون ضررا على الاول،إلا اذا افترض ان الماء اكثر من قدر حاجته،و هو خلاف الفرض.
و هذا بخلاف المواد المعدنية:فانها لم تصبح متعلقة لحق الحافر بسبب اكتشافه إياها من خلال عملية الحفر.و من هنا قلنا انه يجوز لغيره ان يقوم بحفر حفيرة من طرف آخر.و اوصلها بها،فانه لا يكون ضررا على الاول باعتبار ان انتفاعه بها من حفيرته لا يمنع من انتفاعه بها و لا يزاحمه فيه،فاذن لا مانع من انتفاع كل منهما بها من حفيرته بدون أية مزاحمة في البين على اساس ان كل كمية من المواد المعدنية لا ترتبط بكمية اخرى منها،و ليست من هذه الناحية كالمياه.و عليه فاذا استخرج العامل كمية منها فقد اصبحت تلك الكمية متعلقة لعلاقته دون الكميات الاخرى التي ظلت في موضعها الطبيعي.
ثم ان المياه:المكنوزة في اعماق الارض ان كانت من الانفال فحق الفرد فيها بسبب اكتشافها بعملية الحفر و ان كان يمتد الى منتهى عروقها و ينابعها الا ان هذا الحق له انما هو بمعنى عدم جواز قيام غيره بما يضره كما اذا قام بفتح عروقها من مكان آخر،و اما قيامه بما لا يضره من التصرف فلا مانع منه،حيث ان ثبوت الحق له فيها باكثر من ذلك بحاجة الى دليل و لا دليل عليه.
نعم الماء الذي اجتذبته الحفيرة فحقه فيه اقوى من حقه فيما ظل في عروقه و ينابعه على اساس انه اصبح في حوزته بشكل مباشر
فيكون متعلقا لحقه كذلك،دون ما هو باق في عروقه.و من هنا لا يجوز التصرف فيه مطلقا حتى فيما لا يكون فيه ضرر عليه الا باذنه.
بل يمكن ان يقال:ان تعلق حقه بما ظل في عروقه انما هو من تبعات تعلقه بما اجتذبته الحفيرة من الماء-التي تسمى بالقناة او البئر- فان فتح عروقه من مكان اخر موجب لانقطاع مادة ما اجتذبته الحفيرة فلا محالة يكون ضررا على تلك الحفيرة،فان الانتفاع بمائها انما يمكن في فرض اتصاله بالمادة التي تمده أنا فآنا،و اما اذا انقطع اتصاله بها فلا يمكن الانتفاع به لانقطاع جريانه.
و اما على القول-بكونها من المشتركات العامة بين كل الناس فلا تظهر الثمرة-بينه و بين القول بكونها من الانفال-في المياه التي ما دام ظلت في عروقها و مادتها،فان حق المكتشف فيها على كلا القولين انما هو على الشكل الذي عرفت.
نعم تظهر الثمرة بينهما في الماء الذي اجتذبته الحفيرة،فانه على القول الاول متعلق لحقه فحسب مع بقاء رقبته في ملك الامام(ع).
و على القول الثاني فلا مانع من الالتزام بدخوله في نطاق ملكيته، لتوفر المقتضى له-و هو دخوله في حوزته بشكل مباشر-و عدم المانع منه.
و من هنا ذكرنا.انه على اساس ما قويناه من التفصيل-بين المياه الموجودة في اراضي الدولة،و المياه الموجودة في اراضي الامة و المياه الموجودة في ارض لفرد خاص،فانها على الأول ملك للدولة و على الثاني ملك للامة،و على الثالث فهي من المشتركات العامة بين كل الناس-تظهر الثمرة فيما اجتذبته الحفيرة من الماء،فانه على
الفرضين الاولين متعلق لحق الحافر،و على الفرض الثالث متعلق لملكه.هذا من ناحية.
و من ناحية اخرى:ان ما ذكرناه من التفصيل انما هو فيما اذا كان الفرد مالكا للأرض قبل التاريخ الزمني لتشريع ملكية الانفال للإمام(ع).فان المياه الموجودة فيها يكون الناس فيها شرع سواء،و اما اذا كانت ملكيته لها بعد التاريخ المزبور بسبب عملية الاحياء بناء على انها تمنح الملك فلا تكون المياه الموجودة فيها من المشتركات العامة،بل هي ظلت في ملك الامام(ع)رغم ان الارض قد خرجت عن ملكه و دخلت في ملك المحيى،و قد عرفت ان ملكية الارض لا تستلزم ملكية ما فيها من المصادر و الثروات الطبيعية.
و لا دليل على ما هو المشهور بين الاصحاب من انها من المشتركات العامة بين كل الناس.
-بل لا يحصل على حق الاولوية فيها و الحال هذه،فانه انما يحصل على حق في كمية من المياه التي اخذها منها و حازها بالاعتراف باناء،او بالسحب بآلة،او نحو ذلك بناء على كونها من الانفال،كما اذا كانت في
اراضي الدولة او الامة.و اما بناء على كونها من المشتركات العامة بين كل الناس فهو يملك تلك الكمية.
نعم ان ذلك يمنحه حق الاولوية فيها بالاضافة الى غيره،و لا فرق في ذلك بين القول بكونها من الانفال و القول بكونها من المشتركات العامة بين كل الناس نعم يظهر الفرق بينهما فيما اجتذبته الحفيرة من المياه كما عرفت.
و بذلك يفترق عن المعادن على تفصيل قد سبق بشكل موسع.
بلا فرق بين كون تلك المياه مكشوفة على وجه الارض،كماء البحار،و الانهار،و العيون الطبيعية،او كانت مكنوزة في اعماق الارض.
بل هي من المشتركات العامة بين كل الناس.
في المسألة قولان:
احدهما:انه لا يجوز بيعه في هذه الحالة بل يجب على من يستغنى عن الماء بذله للآخرين مجانا فلا تجوز له مطالبة العوض منهم،
و عن الشيخ(قده)في المبسوط اختيار هذا القول،حيث انه قال:
كل موضع قلنا:فيه بملك البئر،فانه احق بمائها بقدر حاجته لشربه،و شرب ماشيته،و سقي زرعه،فاذا فضل بعد ذلك شيء وجب بذله بلا عوض لمن احتاج اليه.و قد علل ذلك بان المادة لا تزال من المشتركات العامة بين كل الناس،و أنما حصل للمكتشف حق الاولوية بها بقدر حاجته،فاذا اشبع حاجته منها فقد انقطع حقه عنها نهائيا،و حينئذ يجوز للآخرين الانتفاع بها،و ليس له حق المنع عنه،و لا مطالبة العوض.
و تدل على ذلك:موثقة أبي بصير عن أبي عبد اللّه(ع)قال:
نهى رسول اللّه(ص)عن النطاف و الاربعاء-أن يسنى مسناة فيحمل الماء فيسقى به الارض ثم يستغني عنه-قال:(فلا تبعه، و لكن اعره جارك،و النطاف ان يكون له الشرب فيستغنى عنه يقول لا تبعه اعره اخاك او جارك) 1.
و موثقة عبد الرحمن البصري عن أبي عبد اللّه(ع)في حديث قال:و النطاف شرب الماء ليس لك اذا استغنيت عنه ان تبيعه جارك و تدعه له،و الاربعاء:المسناة تكون بين القوم فيستغنى عنها صاحبها قال:(يدعها لجاره،و لا يبيعها اياه) 2.
فانهما تدلان:على عدم جواز بيع ما يستغنى عنه من الماء، و وجوب اعارته.
و في مقابلهما:مجموعة من الروايات التي قد صرح فيها بجواز البيع في هذا الفرض،و قد اشرنا الى تلك الروايات سابقا و لا بأس