آثار حضرت آیة الله العظمی شیخ محمد اسحاق فیاض
الاراضی – مجموعة دراسات و بحوث فقهیة اسلامیة
جلد
1
الاراضی – مجموعة دراسات و بحوث فقهیة اسلامیة
جلد
1
بالاشارة اليها هنا أيضا.
منها:صحيحة سعيد الاعرج عن أبي عبد اللّه(ع)قال:
سألته عن الرجل يكون له الشرب مع قوم في قناة فيها شركاء فيستغنى بعضهم عن شربه أ يبيع شربه؟قال:نعم إن شاء باعه بورق و إن شاء باعه بحنطة.
و منها:صحيحة عبد اللّه الكاهلي قال:سأل أبا عبد اللّه(ع) و انا عنده عن قناة بين قوم لكل رجل منهم شرب معلوم فاستغنى رجل منهم عن شربه أ يبيع بحنطة او شعير،قال:(يبيعه بما شاء،هذا مما ليس فيه شيء).
و منها:رواية علي بن جعفر عن اخيه موسى بن جعفر(ع) قال:سألته عن قوم كانت بينهم قناة ماء لكل انسان منهم شرب معلوم فباع احدهم شربه بدراهم او بطعام هل يصلح ذلك،قال:
(نعم لا بأس).
الاول:ما في الجواهر من حمل المجموعة الأولى على الكراهة على اساس ان المجموعة الثانية نص في الجواز.
و اورد عليه بانه لا يمكن التوفيق بينهما بذلك الطريق فان قوله(ع)في المجموعة الأولى(و هذا ليس مما فيه شيء)ظاهر جدا في خلوه عن كل حزازة و شبهة حتى الكراهة،فاذن لا يمكن حملها عليها.
و فيه:انه غير ظاهر في ذلك،بل الظاهر منه عرفا هو انه
ليس في هذا البيع شيء يمنع عن جوازه،و من الطبيعي انه قابل للحمل على الكراهة اذا كانت هناك قرينة،و عليه فالايراد المزبور غير وارد على هذا الجمع.نعم لا موضوع لهذا الجمع على اساس ما سنذكره من انه لا تعارض بين المجموعتين نهائيا.
الثاني:ان المجموعة الأولى تدل على امرين:
احدهما:وجوب الاعارة و بذل الماء مجانا.
و الآخر:عدم جواز بيعه.و المجموعة الثانية-التي تدل على جواز البيع-لا تنافي الامر الأول-و هو وجوب الاعارة-على اساس انها لا تدل على عدم وجوب اعارة الماء لآخر،و انما تدل على جواز بيعه،و جواز بيعه لا يستلزم عدم وجوب الاعارة.
و دعوى:-ان فرض جواز البيع ملازم لعدم وجوب الاعارة، لكي يتحقق الداعي العقلائي للشراء-خاطئة جدا،و ذلك لان الشخص قد لا يكتفي بمجرد الانتفاع المبذول له مجانا بالاعارة بل يريد ان يكون له حق الاولوية كما كان لصاحبه،و هذا الحق لا ينتقل الا بالبيع و الشراء،لا بالاعارة،فاذن الداعي للشراء موجود.
فالنتيجة:ان المجموعة الدالة على جواز البيع لا تنافي وجوب الاعارة اصلا.
نعم تقع المعارضة بين هذه المجموعة الدالة على جواز البيع و بين المجموعة المانعة بلحاظ مدلولها الثاني-و هو النهاية عن بيع الماء الزائد-.
و حل هذه المعارضة:ان المجموعة المانعة عن البيع يحتمل في منعها عن البيع وجهان:
احدهما:انه نهي حقيقي عن البيع بقول مطلق.
و الآخر:انه نهى عن البيع في قبال الاعارة بمعنى ان من يريد ان يستعير منك الماء لا تضطره الى الشراء،و لا تبعه عليه،بل اعره اياه مجانا،فان كان النهي بالمعنى الاول وقعت المعارضة بينهما و ان كان بالمعنى الثاني فلا معارضة.
و عليه فينبغي ان يقال:ان ظهور المجموعة الدالة على الجواز بما انه اقوى من ظهور النهي عن البيع في المجموعة الأخرى في المعنى الاول-لو كان له ظهور في ذلك و لم يقل بتردده بين المعنيين او ظهوره في الثاني-فيقدم عليه فتكون النتيجة من مجموع الطائفتين وجوب اعارة الزائد على الحاجة من القناة مجانا للاخر،و جواز بيعه المنتج لانتقال حق الاختصاص و الاولوية الى المشترى،و لا تنافي بين الامرين.
و لنأخذ بالنقد:على هذا الطريق،فان المجموعة الأولى من الروايات ظاهرة في الملازمة بين عدم جواز البيع و وجوب الاعارة بمعنى-ان المتفاهم منها عرفا هو ان وجوب اعارة الماء بعد الاستغناء عنه انما هو من ناحية عدم جواز بيعه فلو كان بيعه جائزا في هذه الحالة لم تجب اعارته جزما على اساس ان العرف يفهم الملازمة بين الامرين،و عليه فالتنافي بين هذه المجموعة بالاضافة الى دلالتها على وجوب الاعارة و بين المجموعة الثانية من الروايات الدالة على جواز البيع موجود لدى العرف.
الا ان يقال:انه لا تنافي بينهما على اساس ان متعلق الاعارة نفس الماء،و متعلق البيع هو الحق المتعلق بالماء،فالواجب على المستغنى اعارة نفس الماء لمن يكون بحاجة اليه،و هذا لا ينافي جواز بيع حقه المتعلق به،فاذن لا تنافي بين وجوب الاعارة و جواز البيع.
و الجواب عن ذلك:ان متعلق الاعارة تارة يكون نفس الماء الجاري من القناة.و اخرى يكون نفس القناة التي حفرها العامل للوصول الى ذلك الماء،و بما ان ظاهر روايات الاعارة هو الاول فلا محالة يكون المراد من اعارته هو رفع اليد عنه،و وضعه تحت يد الآخر على اساس ان الاعارة بمعنى الانتفاع بالشيء مع بقاء عينه لا تعقل بالاضافة الى نفس الماء.
و بكلمة اخرى:ان الماء لا يخلو من ان يكون من الانفال،او يكون من المشتركات العامة بين كل الناس،و على كلا التقديرين فحق العامل في الماء انما هو ما دام بحاجة اليه.و اما اذا اشبع حاجته و استغنى عنه فقد سقط حقه عنه نهائيا،و يجوز للآخر حينئذ الانتفاع به.و ليس له حق الاحتفاظ به.و منع الاخر عن الانتفاع.
نعم له المنع عن الانتفاع بالماء من قناته التي حفرها و اوصلها به،او من نهره الذي حفره و اوصله به باعتبار ان حقه القائم بالقناة او النهر باق،و لا موجب لسقوطه اصلا ما دام ظلت فرصة الانتفاع بها.
و على ذلك فلا يبقى حقه في الماء بعد استغنائه عنه،ليقال:كما قيل:انه لا تنافي بين وجوب اعارته و جواز بيعه على اساس ان مرد اعارته هو ان حقه باق فيه رغم ان المنتفع به غيره.و مرد بيعه هو انتقال حقه المتعلق به اليه بسبب البيع فيكون المشترى ذا حق فعلا.
فاذن الصحيح في المقام ان يقال:ان المجموعة من الروايات الدالة على عدم جواز بيع الماء بعد الاستغناء عنه و وجوب اعارته ظاهرة لدى العرف في الارشاد الى عدم جواز اخذ العوض بازائه على اساس ان علاقة العامل به قد انقطعت عنه نهائيا بسبب استغنائه
عنه فلا حق له فيه،كي يجوز اخذ العوض بازاء رفع اليد عنه، و احتمال ان يكون الأمر بالاعارة امرا تكليفيا بعيد جدا و خارج عن المتفاهم العرفي،بل لا معنى لإعارته بعد سقوط حقه عنه، و كون نسبته اليه كنسبة غيره،و عليه فلا محالة يكون الأمر المزبور امرا ارشاديا يعني ارشاد الى لزوم رفع اليد عنه،و وضعه تحت يد الآخر،و عدم جواز اخذ العوض بازائه.
و اما المجموعة الأخرى منها:الدالة على جواز بيع الماء بعد الاستغناء عنه فلا بد من حملها على بيع القناة كلا او بعضا،فان علاقة الفرد بها سواء أ كانت على مستوى الملك أم كانت على مستوى الحق فهي قابلة للانتقال الى الآخرين،و لا يبعد دعوى ظهور تلك المجموعة في ذلك على اساس انها وارد في القناة التي فيها شركاء و لكل منهم شرب معلوم من تلك القناة يعني-الحصة المعلومة- و من الطبيعي انه يجوز ان يبيع كل منهم حصته منها،و مرد هذا البيع بالتالي الى بيع الفرصة التي خلقها العامل للانتفاع بمائها،لا نفس الماء، لما عرفت من ان علاقة العامل به قد انقطعت عنه باستغنائه،و ان كان لا يجوز للاخر ان يتصرف فيه في نفس تلك القناة على اساس ان التصرف فيه يستلزم التصرف فيها و هو غير جائز.و اما التصرف فيه في خارج القناة فلا مانع منه اصلا.
و عليه فلا تنافي بين المجموعتين من الروايات اصلا على اساس ان المجموعة الأولى ناظرة الى عدم جواز بيع نفس الماء،و لزوم وضعه تحت يد الآخر كما هو موردها.و من هنا لو كان الماء المستغنى عنه من العيون الطبيعية او الانهار الكبار لم بجز بيعه الا ما خلقه الفرد في سبيل ايصاله الى منطقته من الفرصة و الشروط
للانتفاع بمائها كحفر نهر او نحو ذلك،فانه يجوز بيعه.و المجموعة الثانية ناظرة الى جواز بيع حصته من القناة يعني-ما خلقه من الفرصة و الشروط للانتفاع بمائها-باعتبار انها نتيجة عمله،و قد تقدم ان كل عامل في المصادر الطبيعية يملك نتيجة عمله.
الى هنا قد استطعنا ان نخرج بهذه النتيجة:و هي ان ما تقدم من الطريقين للجمع بينهما انما هو يقوم على اساس افتراض التنافي و التعارض بينهما.و اما على ما ذكرناه من انه لا تنافي و لا تعارض بينهما على اساس عدم ورودهما في مورد واحد نفيا و اثباتا فلا موضوع للطريقين المزبورين.
و المستغنى عنه هو الارشاد الى انهاء امد حق العامل فيه بذلك،و عليه فلا بد له من رفع اليد عنه،و وضعه تحت يد الآخر مجانا فيما اذا كان بحاجة اليه كما هو الفرض.
التين قد دلت احداهما على جواز بيع الماء الزائد و الاخرى على عدم جوازه و وجوب اعارته مجانا-فقد عرفنا ما فيه من الاشكال بشكل موسع.
فان المجموعة الدالة على عدم جواز بيع الماء الزائد و وجوب اعارته انما يكون موردها نفس الماء،و لذا قلنا:انها في مقام
الارشاد الى انتهاء امد حق العامل فيه باشباع حاجته منه.و اما المجموعة الدالة على جواز بيعه فقد عرفت ان موردها القناة التي تتيح الفرصة للانتفاع بمائها،و لا مانع من بيع هذه الفرصة و نقلها الى الآخر.
او البئر بنسبة العمل على اساس ان كلا منهم يملك نتيجة عمله.
و عليه فان كانوا متساوين في العمل كانت الشركة بينهم بالسوية و ان كانوا متفاوتين فيه كانت الشركة بالتفاوت،و لا فرق في ذلك بين ان يكونوا متساوين في النفقة او متفاوتين فيها فلو استأجر احدهم شخصا لذلك باجرة اكثر من اجرة المثل للآخرين لم يوجب ذلك كون حصته اكثر من حصتهم اذا كان متساويا معهم في العمل، فالعبرة انما هي بالعمل لا بالنفقة.
فما عن الشيخ(قده)في محكي المبسوط:من ان ملكية النهر على قدر النفقة لا يتم باطلاقه الا ان يكون منزلا على الغالب، و هو ان التفاوت في النفقة يوجب التفاوت في العمل،و التساوي فيها يوجب التساوي فيه
فالنتيجة:ان الفرصة و الشروط التي تتيح لهم الانتفاع بالماء من خلال عمليات الحفر بما انها نتيجة عمل الجميع فلا محالة تكون مملوكة للجميع بنسبة العمل على اساس ان كل عامل يملك نتيجة عمله،و لا فرق في ذلك بين ان يكون قيامهم بهذه العملية بشكل مباشر او غير مباشر بعد ما ذكرناه من صحة الاجارة في امثال المقام هذا من ناحية.
و من ناحية اخرى:انه لا فرق بين ان يكونوا مشتركين في الحفر الى ان وصلوا بالماء او يكونوا منفردين فيه-بان يقوم كل منهم بحفر مقدار من القناة او البئر الى اكتشاف الماء-و ذلك لان كلا من هؤلاء و ان كان يملك نتيجة عمله الا ان بنائهم لما كان على
الاشتراك في النتيجة-و هي الفرصة التي تتيح لهم الانتفاع بالماء- على نسبة خاصة فبطبيعة الحال كانت نيتهم على المبادلة و المعاوضة بان يجعل كل واحد منهم مقدار حفره عوضا عن مقدار حفر الاخرين و ينشأ تلك المعاملة و المعاوضة بعملهم خارجا.
قدم من كان اقرب الى فوهته فالاقرب فيأخذ منه لزراعته و اشجاره و نخيله و مواشيه بقدر ما تحتاج اليه،و يرسل الباقي الى من دونه،و هكذا،و قد استقرت على ذلك السيرة القطعية من العقلاء في جميع الاعصار،و من الطبيعي ان انتشارها في تمام الاعصار من دون ورود ردع عنها كاشف عن امضائها جزما.
هذا اضافة الى ورود مجموعة من النصوص في المقام الدالة على ذلك.
منها:معتبرة غياث ابن ابراهيم عن أبي عبد اللّه(ع)قال:
سمعته يقول:(قضى رسول اللّه(ص)في سيل وادي مهزور (للزرع الى الشراك،و للنخل الى الكعب،ثم يرسل الماء الى اسفل من ذلك) 1
و منها:معتبرته الاخرى عن أبي عبد اللّه(ع)قال:(قضى رسول اللّه(ص)في سيل وادي مهزور(ان يحبس الاعلى على الاسفل للنخل الى الكعبين،و الزرع الى الشراكين) 2.
و منها:رواية عقبة بن خالد عن أبي عبد اللّه(ع)قال:(قضى رسول اللّه(ص)في شرب النخل بالسيل(ان الاعلى يشرب قبل الاسفل يترك من الماء الى الكعبين،ثم يسرح الماء الى الاسفل الذي
يليه،و كذلك حتى ينقضى الحوائط و يفنى الماء) 1.
فهذه المجموعة من النصوص تدل بوضوح ان من كان في اعلى النهر احق بالماء ممن كان في اسفله،و هذا مما لا اشكال فيه في الجملة، و انما الاشكال و الكلام فيما اذا كان من في الاسفل اسبق زمنيا في الانتفاع بالماء بالاضافة الى من في اعلاه فهل يجوز عندئذ لمن في اعلى النهر ان يأخذ الماء لزرعه و ماشيته و نخيله و غير ذلك مما يحتاج اليه و يمنع من ارساله الى من يعيش في اسفله فيما اذا افترض عدم كفاية الماء لإشباع حاجة كلتا الطائفتين معا؟فيه قولان:
المعروف و المشهور بين الاصحاب كما في الجواهر هو القول الثاني.
الظاهر انه الصحيح،و الوجه فيه ان من يعيش في اسفل النهر بما انه كان اسبق زمنا في الانتفاع بهذا النهر من خلال قيامه باحياء الارض في اطرافه و زرعها،او غرسها،او ما شاكل ذلك فقد اصبح احق به لدى العرف و العقلاء فلا يجوز لغيره ان يزاحمه فيه و ان كان في اعلى النهر.
هذا اضافة:الى صحيحة محمد بن الحسن(الحسين)المتقدمة قال:
كتبت الى أبي محمد(ع)رجل كانت له قناة في قرية فاراد رجل ان يحفر قناة اخرى الى قرية له،كم يكون بينهما من البعد حتى لا تضر احداهما بالاخرى في الارض اذا كانت صلبة،او رخوة فوقع(ع)(على حسب لا تضر احداهما بالاخرى ان شاء اللّه).
فانها تنص على ان العبرة في الجواز و عدمه انما هي بلزوم الضرر و عدمه،و لا يمكن تحديد ذلك كليا و في جميع الموارد بالبعد المكاني و مورد السؤال في الصحيحة،و ان كان هو القناة الا ان الارتكاز
القطعي لدى العرف قائم على عدم خصوصية لها.و لذا يعم الحكم البئر أيضا.و عليه فلا يبعد دعوى عموم الصحيحة-بضميمة هذا الارتكاز-لما نحن فيه،و كذا يشمله التعليل في رواية الرحى التي نشير اليها في المسألة الثالثة.
و اما الروايات المتقدمة:الدالة على كون الاعلى احق بالماء من الاسفل فلا يبعد دعوى انصرافها عن هذه الصورة اولا.و على تقدير اطلاقها فلا مانع من تقييده بما ذكرناه ثانيا
و هذا لا كلام فيه،و انما الكلام فيما اذا استجد بنائها باذنه فهل له بعد ذلك تعطيل هذه الرحى اولا؟فيه وجهان:
الظاهر هو الوجه الاول:و ذلك لصحيحة محمد بن الحسين قال كتبت الى أبي محمد(ع)رجل كانت له رحى على نهر قرية، و القرية لرجل فاراد صاحب القرية ان يسوق الى قريته الماء في غير هذا النهر،و يعطل هذه الرحى،أ له ذلك أم لا؟فوقع(ع) (يتقى اللّه و يعمل في ذلك بالمعروف و لا يضر اخاه المؤمن 1.
فانها واضحة الدلالة:على عدم جواز تعطيلها على اساس انه يضر بصاحبها،بل قوله(ع)في الصحيحة(و لا يضر اخاه المؤمن) كبرى كلية لا تنحصر مواردها بما نحن فيه.
و من هنا لو اذن:بغرس الاشجار في حافتي نهره او غيرها فليس له الرجوع عن اذنه بتحويل الماء في غير هذا النهر الموجب لهدم تلك الاشجار او غيرها.
فالنتيجة:ان الصحيحة تدل على حكم سيال بقرينة التعليل
فيها فلا يختص بموردها.
و عن الشيخ(قده)في المبسوط تحديده بمنح الامام(ع)حق العمل فيها لشخص او اشخاص على اساس ان الإسلام لا يجوز العمل في المصادر و الثروات الطبيعية الخام بدون اذن الامام(ع)او الدولة اذنا خاصا او عاما،فاذا سمح لفرد او افراد في استثمار تلك الثروات فهو في المصطلح الفقهي اقطاع.
فالنتيجة ان الاقطاع بدوره اسلوب من اساليب الاستثمار و الانتاج في الموارد الخام،و يترتب على ذلك انه لا يجوز للإمام(ع) اقطاع الفرد ما يزيد على قدر طاقته و يعجز عن استثماره.
و على هذا الاساس فالاسلام لم يعتبر الاقطاع سببا لتملك الفرد الثروة الطبيعية التي اقطعها النبي الاكرم(ص)او الامام(ع) اياه،و انما جعل للفرد المقطع حق الاولوية في استثمار تلك الثروة يعني-لا يجوز لغيره انتزاعها منه و العمل فيها بدلا عنه- كما عن العلامة(قده)في القواعد حيث قال:بان الاقطاع يفيد الاختصاص،و عن الشيخ في المبسوط بان السلطان اذا اقطع رجلا من الرعية قطعة من الموات صار احق بها من غيره بلا خلاف، و قد صرح بذلك المحقق في الشرائع أيضا هذا.
اقول:ان تفسير الاقطاع بهذا المعنى و ان كان بمكان من الامكان على اساس ان للنبي الاكرم(ص)ذلك،و كذا للإمام(ع) الا ان اثباته بدليل معتبر مشكل جدا.حيث لم يرد في دليل معتبر ان النبي الاكرم(ص)او الامام(ع)اقطع لفرد او جماعة هذه
الارض او ذلك المعدن.
نعم نقل عن ان النبي الاكرم(ص)اقطع-عبد الله بن مسعود- الدور،و هي اسم موضع بالمدينة.و اقطع-وابل بن حجر-ارضا بحضر موت.و اقطع-الزبير-حضر فرسه.
و لكن كل ذلك:لم يثبت بنص معتبر كما مر.هذا من ناحية.
و من ناحية اخرى:انه لا مانع من تفسير الاقطاع بمعنى منح النبي الاكرم(ص)او الامام(ع)ملكية هذه الارض او هذا المعدن لفرد او جماعة اذا رأى فيه مصلحة،لما تقدم في ضمن البحوث السالفة من ان امر الاراضي بيده(ع)حتى الاراضي الخراجية،و له ان يتصرف فيها بما يرى و لو كان ذلك التصرف منح ملكيتها لفرد،و عليه فلا وجه لتخصيص الاقطاع بالتفسير الاول
و على الجملة:فلو ثبت الاقطاع في الشرع المقدس بدليل معتبر فلا وجه لتخصيصه بالتفسير الاول،اذ هو كما ينسجم مع هذا التفسير ينسجم مع التفسير الثاني أيضا.
نعم يمتاز التفسير الاول عن التفسير الثاني في نقطة اخرى، و هي ان الاقطاع بالتفسير الثاني خاص بالنبي الاكرم(ص)و الامام (عليه السلام)و ليس لأحد غيرهما ذلك و اما الاقطاع بالتفسير الاول فهو غير خاص بهما.
حيث انه عند العرب في زمن الجاهلية عبارة عن الاستيلاء و السيطرة على مساحات كبيرة من الارض بما فيها من الثروات بالقوة و التحكم على الاخرين بحيث يعتبر المسيطر نفسه مالكة لتلك المساحات الكبيرة بما فيها من المصادر و الثروات،و قد
تقدم في ضمن الابحاث السالفة بشكل موسع ان الإسلام لم يعترف باي حق في تلك الثروات و المواد الخام الا على اساس العمل و بذل الجهد في سبيل الانتفاع بها و الاستفادة منها،و لا قيمة للسيطرة عليها نهائيا بدون انفاق عمل.
نعم لا شبهة في ثبوت حق الحمى في الإسلام للرسول(ص)على اساس ان امر الاراضي بيده(ص)و له ان يتصرف فيها بما يرى فيجوز له(ص)ان يحمى مساحة كبيرة من الارض لمصالح عامة.كما روى ان رسول اللّه قد حمى النقيع لخيل المسلمين، و كذا لا شبهة في ثبوت هذا الحق للإمام(ع)بعده بعين الملاك المزبور،بل لا يبعد ثبوته لنائبه(ع)و هو الفقيه الجامع للشرائط -في عصر الغيبة أيضا.
هذا آخر ما اوردناه في هذا الكتاب بتوفيق من اللّه سبحانه و هو الموفق و المعين نحمده تعالى و نشكره على نعمه و آلائه.