آثار حضرت آیة الله العظمی شیخ محمد اسحاق فیاض
الانموذج فی منهج الحکومة الاسلامیة
جلد
1
الانموذج فی منهج الحکومة الاسلامیة
جلد
1
عنوان کتاب :الانموذج فی منهج الحکومة الاسلامیة
نام ناشر : دفتر معظم له
جلد : 1
تعداد صفحات: 98
بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ
اَلْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِينَ و الصلاة و السلام على أشرف خلقه و أفضل بريته محمد و عترته الطاهرين.
و بعد لما كثر السؤال و الاستفسار من المؤمنين دامت توفيقاتهم في الفترات السابقة عن رأينا في مسألة(ولاية الفقيه الجامع للشرائط)و حدودها ، فكان الجواب عنها بما تقتضيه طبيعة تلك الظروف من الإجمال و الاختصار . إلا إننا في الظرف الحالي لمسنا الحاجة و الضرورة للكتابة عنها و بيان بعض حدودها استجابة لكثرة الأسئلة و الطلبات التي ترد علينا من الأوساط الدينية
و الثقافية و غيرها ، حيث ترغب للتعرف على رأينا و نظرنا في المسألة . فكان هذا الموجز الذي بين أيديكم.
1 تمايز الحكومة الإسلامية عن الحكومة غير الإسلامية الحكومة الإسلامية الشرعية هي الحكومة القائمة على أساس مبدأ الحاكمية لله وحده لا شريك له، و السلطة الحاكمة فيها تتمثل في ولي أمر المسلمين و هو منصوب من قبل الله تعالى في زمن الحضور و الغيبة معاً. أما في زمن الحضور فإنه منصوب بالتنصيص بالاسم و الشخص و الصفات. و أما في زمن الغيبة فإنه منصوب بالتنصيص بالصفات فقط كصفة الفقاهة التي هي متمثلة بالفقيه الجامع للشرائط منها الأعلمية. ثمّ أن ثبوت الولاية و الزعامة الدينية للنبي الأكرم(ص)و الأئمة الأطهار(ع)واضح و لا كلام و لا إشكال فيه لأن القدر المتيقن من قوله تعالى في الآية
المباركة: وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ هو الأئمة الأطهار(ع)هذا مضافاً إلى الروايات الدالة على ذلك. و إنما الكلام و الإشكال في ثبوت الولاية و الزعامة الدينية للفقيه الجامع للشرائط و لا يمكن إثبات هذه الولاية بالنص لأن الروايات التي استدل بها على ثبوت الولاية للفقيه باجمعها ضعيفة من ناحية السند فلا يمكن الاعتماد عليها و من هنا فالمشهور بين الفقهاء عدم ثبوت الولاية للفقيه هذا . و لكن الصحيح ثبوت هذه الولاية له و هو لا يحتاج إلى دليل خارجي لأن امتداد الشريعة المقدسة و خلودها يتطلب امتداد الولاية و الزعامة الدينية المتمثلة في زمن الحضور برسالة الرسول الأكرم(ص)و بعده بإمامة الأئمة الأطهار(ع)، و في زمن الغيبة بفقاهة الفقيه الجامع للشرائط منها الاعلمية إذ لا يمكن افتراض امتداد الشريعة و خلودها بدون افتراض امتداد الولاية و الزعامة الدينية ، ضرورة أن الشريعة في كل عصر بحاجة إلى التطبيق و التنفيذ و إجراء الحدود و الحفاظ
على الحقوق و الاهتمام بمبدإ العدالة و التوازن بين طبقات الأمة ، فإذن بطبيعة الحال ما هو ثابت للنبي الأكرم(ص)و الأئمة الأطهار(ع)في زمن الحضور في الدين الإسلامي فهو ثابت للفقيه الجامع للشرائط في عصر الغيبة فإذا فرضنا أن الفقيه كان مبسوط اليد و لم تكن هناك عوائق و موانع عن تشكيل الدولة الإسلامية على أساس مبدأ حاكمية الدين فيجب عليه أن يقوم بتشكيل الدولة كذلك و من الواضح أن تشكيل الدولة الإسلامية بتمام أركانها و مكوناتها لا يمكن بدون ثبوت الولاية و الصلاحية الواسعة للفقيه في سن القانون و التشريع حسب متطلبات الظروف و حاجة الوقت و مصالح الناس العامة في حدود منطقة الفراغ لأن ترك الإسلام هذه المنطقة بدون تشريع لزومي بعنوان أولي يدل على أنه تعالى جعل صلاحية التشريع في هذه المنطقة لولي الأمر بعنوان ثانوي حسب متطلبات الوقت و حاجة البلد في كل عصر كما سوف نشير إليه .
إلى هنا قد وصلنا إلى هذه النتيجة و هي أن ثبوت الولاية و الزعامة الدينية للفقيه الجامع للشرائط لا تحتاج إلى أي دليل خاص خارجي لأنه مقتضى القاعدة حيث أن امتداد الشريعة و خلودها يقتضي امتداد الولاية و الزعامة الدينية عليها . و مما ذكرناه فقد ظهر الفرق بين السلطة الحاكمة في الحكومة الشرعية حيث هي متعينة من قبل الله تعالى في زمن الحضور و الغيبة معاً و بين السلطة الحاكمة في الحكومات غير الشرعية حيث هي متعينة بالانتخابات الحرة أو بالقوة و الانقلاب . ثمّ إن للسلطة الحاكمة في الحكومة الشرعية صلاحية واسعة في تنفيذ الدستور الإلهي من جهة ، و التشريع و سن القانون في أجهزة الدولة كافة : الاقتصادية و التعليمية و الاجتماعية و الحقوقية و الإدارية و جهاز الأمن و المخابرات و الشرطة و الجيش و غيرها حسب الظروف و متطلبات حاجة الوقت و مصالح البلد العامة في حدود منطقة الفراغ من جهة أخرى ، و الهدف من
وراء كل ذلك هو تحقيق مبدأ العدالة الاجتماعية و التوازن بين طبقات الأمة و الاستقرار و الأمن هذا من جانب . و من جانب آخر إن الفرق بين الحكومة الشرعية و الحكومة غير الشرعية إنما هو على أساس مذهب الشيعة الإمامية لأن الحكومة على ضوء هذا المذهب إنما تكون شرعية إذا كانت قائمة على أساس مبدأ حاكمية الدين بأن يكون تعيين السلطة الحاكمة من قبل الله عز و جل سواء أ كان في زمن الحضور أم في زمن الغيبة ، إذ كما أن ولاية الرسول الأكرم(ص)و الأئمة الأطهار(ع)تكون من قبل الله تعالى كذلك ولاية الفقيه الجامع للشرائط في زمن الغيبة. فالنتيجة إن الولاية و الخلافة على أساس مذهب الشيعة الإمامية مجعولة من قبل الله عز و جل سواء أ كانت في زمن الحضور أم في زمن الغيبة و أما على أساس مذهب أهل السنة فالمجعول من قبل الله تعالى إنما هو ولاية الرسول الأكرم(ص)فحسب و أما خلافة
الخلفاء و ولايتهم فإنما هي ثابتة عندهم بالإجماع و آراء الناس لا بنص من الله تعالى . و على هذا فكل حاكم في البلاد الإسلامية إذا ثبتت حكومته على الناس بالانتخابات الحرة النزيهة يعني بآراء الناس فهو ولي أمر المسلمين و حكمه نافذ و حكومته حكومة إسلامية شرعية عند أهل السنة هذا هو الفرق بين مذهب الشيعة الاثنى عشرية و مذهب أهل السنة . ثمّ إن الحكومة الإسلامية القائمة على أساس مبدأ الدين قد شكلت في عصر النبي الأكرم(ص)بيده المباركة و بكافة أجهزتها و قد ظهرت في الساحة و نجحت في هذا التطبيق ، أي تطبيق الحكومة الإسلامية على الساحة نجاحاً باهراً رغم قصر عمرها . و أما نظام المحاسبة في الإسلام فليس نظاماً محدوداً و مدروساً فيه ضمن نص تشريعي من الكتاب أو السنة لأنه بيد السلطة الحاكمة في الحكومة الإسلامية الشرعية باعتبار أنها مأمورة بتطبيق هذا النظام في كل مجال من
المجالات الاقتصادية أو التعليمية أو غيرهما حتى تكون ناجحة . أما في زمن الحضور فمن الواضح أن النبي الأكرم(ص)إذا وضع خطة اقتصادية أو تعليمية أو غيرهما فلا محالة يكون قد وضعها بعد دراستها بشكل موسع و دقيق و جمع المعلومات حولها و الظروف المحيطة بها بحيث أنه(ص)كان يعلم بنجاح هذه الخطة . و أما في زمن الغيبة فعلى السلطة الحاكمة إذا أرادت وضع خطة اقتصادية أو تعليمية أو غيرهما أو إنشاء مشروع فلا بد أولاً من دراسة هذه الخطة أو المشروع بواسطة جماعة من العلماء و المفكرين و أهل الصلاح و الخبرة بالموضوع بشكل دقيق و موضوعي من جميع جوانبها الإيجابية و السلبية و دراسة مفرداتها و جمع المعلومات حولها و الحوادث المرتبطة بها و بعد هذه الدراسة إذا اطمأنّت بنجاح الخطة أو المشروع تقوم بإنشائها و سوف نشير إلى تفصيل ذلك .
2 ماهية الإسلام لا يخفى أن الإسلام مؤلف من عنصرين ثابتين غير متحركين و عنصر ثالث متحرك غير ثابت :
و هو المعيار و الميزان في الإسلام فمن آمن بهما فهو مسلم محقون الدم و العرض و المال بلا فرق بين أن يكون بحسب المذهب شيعيا أو سنيا و لهذا الإيمان دور بارز و هام و كبير في تربية الناس و تهذيب سلوكهم و تحقيق مبدأ العدالة و التوازن بينهم و سوف نشير إليه .
و هي متمثلة في العبادات و المعاملات . أما العبادات بالمعنى الجامع بين الواجبات و المحرمات فهي مجموعة أفعال خاصة و تروك مخصوصة تشكّل
علاقة معنوية روحية بين العبد و ربه و لا تتغير بتغيّر الحياة العامة و لا تتطور بتطورها عصراً بعد عصر فإن الصلاة التي كان يصليها الناس في عصر النبي الأكرم(ص)هي نفس الصلاة التي يصليها الناس في هذا العصر لأنها كما فرضت على من يحرث الأرض بمحراثه اليدوي البسيط و يقود الأشياء بقوة اليد كذلك فرضت على من يحرث الأرض بقوة الكهرباء و يقود الأشياء بقوة الذرة فلا امتياز للصلاة في عصر الذرة و الفضاء عن الصلاة في عصر النبي الأكرم(ص)و في الصوم و الحج في هذا العصر عن الصوم و الحج في ذلك العصر و هكذا . و كذلك الحال في المحرمات الإلهية فإنها بنفس الصيغ الموجودة في عصر النبي الأكرم(ص)موجودة في العصر الحالي . و هذا بخلاف علاقة الإنسان بالطبيعة حيث هي علاقة مادية تتأثر بتأثر الحياة العامة و تتطور بتطورها عصراً بعد عصر هذا من جانب .
و من جانب آخر إن للعبادات بتمام أصنافها و أنواعها دوراً تربوياً هاماً اجتماعياً و فردياً حيث أنها تهذب سلوك الإنسان في الخارج و تمنع عن التصرفات المنحرفة المعيقة عن الوصول إلى القيم و المثل الدينية و الإنسانية ، و لها دور أيضاً في تحقيق مبدأ العدالة الاجتماعية و التوازن بين طبقات الأمة ، و في نفس الوقت هي رمز للوحدة بين المسلمين لأن الصوم في شهر رمضان و الصلاة في أوقاتها الخاصة و الحج في وقته المعين المحدد و التوجه إلى القبلة و غيرها جميعاً من رموز الوحدة ، فإذن للعبادات بعد اجتماعي مضافاً إلى بعدها الديني. و من جانب ثالث إن للعبادات دوراً تربوياً روحياً و تأثيراً كبيراً في تقوية علاقة الإنسان بخالقه المطلق ، و لها دور أساسي في ترسيخ هذه العلاقة في النفس لأن العبادات في الخارج تنعكس على الإيمان بالله تعالى في النفس و تؤثر في نموه و ترسيخه فيها كما إن الإيمان بالله عز و جل في الداخل ينعكس تماما على العبادات في
الخارج و يؤثر في البعد الاجتماعي و الديني فيها ، لأنهما عنصران مرتبطان بترابط متبادل متفاعل طول التاريخ . و أما المعاملات فهي تتمثل بالأنشطة الاقتصادية الإسلامية و تختلف عن العبادات في نقطة و هي إن العبادات بأسرها مجعولة من قبل الشارع فحسب بينما المعاملات ثابتة بين العقلاء قبل الشرع و الشريعة غاية الأمر أن الشارع ينظر إلى هذه المعاملات برمتها فما كان منها موافقاً لمبادئ الشريعة فهو ممضى من قبل الشارع و ما لم يكن موافقاً لها و خطراً عليها فهو ملغى شرعاً كالمعاملات المحذورة في الشريعة المقدسة من الربا و بيع الخمر و الخنزير و الكلب و الاحتكار و الغش و غيرها لأن الشارع قد ألغى هذه المعاملات المحذورة عن الاقتصاد الإسلامي نهائياً . و السبب فيه هو أن الدين الإسلامي إنما جاء لإصلاح المجتمع الإنساني ككل و وضع نظام معتدل متوازن بهدف تحقيق مبدأ العدالة و التوازن بين طبقات الأمة و الحفاظ على حقوقها كافة بدون إفراط و تفريط فيه
و حيث أن النظام الاقتصادي الإسلامي قائم على أساس المصالح الواقعية فلهذا قد يوافق النظام العقلائي و قد لا يوافق و من هنا قد يعتبر الشارع شرطاً زائداً في صحة المعاملة بينما لا يكون هذا الشرط معتبراً عند العقلاء هذا من ناحية . و من ناحية أخرى إن دراسة الأنشطة الاقتصادية في الإسلام بصورة معمقة و موسعة في الحوزات العلمية الكبرى التي تطورت و تعمقت و توسعت عصراً بعد عصر تؤكد أصالة المسلمين في التشريع و التفكير و استقلالهم في النظام الاقتصادي . و من هنا قلنا في كتابنا)البنوك ): أنه يمكن تصحيح الأنشطة الاقتصادية و المبادلات التجارية بكافة أنواعها و أصنافها في الأسواق المالية العالمية)البورصات )من وجهة نظر إسلامية ما عدا المعاملات المحذورة في الشريعة المقدسة .
إلى هنا قد وصلنا إلى هذه النتيجة و هي إن الاقتصاد الإسلامي قابل للتطبيق في كل عصر و يعالج فيه مشاكل الإنسان في الحياة العامة بكل أصنافها . ثمّ إن علاقة الإنسان بالخالق المطلق كما تؤثر في الجانب الإيجابي فكذلك تعالج الجانب السلبي من مشكلة الإنسان الكبرى و هي الإلحاد ، لأنها ترفع الضياع و اللاانتماء و الإلحاد و تضع الإنسان موضع المسئولية أمام الخالق المبدع في اتجاهاته و تحركاته كافة لأنها تتحكم على الإنسان و تحدد مواقفه في جميع مرافق حياته الفردية و العائلية و الاجتماعية و الاقتصادية و التعليمية و الإدارية و هكذا و تجعل الجميع موافقة لمرضاته تعالى و تقدس و من هنا يكون دور العبادات دور الارتباط بالخالق المطلق و ترسيخ هذا الارتباط و من الطبيعي أن الارتباط بالمطلق القادر يرفع الضياع و اللاانتماء و الإلحاد من جهة و مشكلة الغلو و الارتباط بالمحدود الذي لا حول له و لا قوة من جهة أخرى ، لأن المشرك يحول ما ينتمي إليه في العبادات من الصنم
المحدود المصنوع بيد الإنسان إلى المعبود المطلق مع أنه لا حول له و لا شعور لأنه قد صنع بيد الإنسان . و من الطبيعي إن منشأ هذا هو الجهل و الغرور و العناد و عدم التأمل و التفكر و الضلال و ضياع الطريق من جهة و حس الحاجة إلى الارتباط بالمطلق في مسيرته و حركاته و مواقفه من جهة أخرى ، و المشرك من أجل ذلك يقوم بقلب الحقيقة و جعل ما ليس بحقيقة حقيقة مطلقة من خلال الأوهام و الأفكار الخاطئة المضلة التي تجعله أعمى بتمام المعنى ، و تصويره إلهاً يعبد و هل من المعقول أن يصل الإنسان إلى هذه الدرجة من الانحطاط بحيث يفقد عقله و شعوره و يتبع الأوهام و الخيال و يجعل ما هو مصنوع بيده معبوداً مطلقاً . و الإيمان بالله وحده لا شريك له الذي قدمته شريعة السماء هدية إلى الإنسان على سطح الأرض يعالج هاتين المشكلتين فإنه ارتباط بالخالق المطلق و انتماء إليه فيخرج الإنسان بذلك عن مشكلة الإلحاد و اللاانتماء كما أنه يخرج الإنسان بذلك عن مشكلة الغلو و الارتباط
بالمحدود فإذن يكون الإيمان بالخالق المطلق سيفاً ذا حدين : فبأحدهما يقطع دابر الإلحاد و اللاانتماء و الضياع و بالآخر يقطع دابر الوثنية و الشرك و الغلو حيث أن الإيمان به يضع الإنسان في أعلى مرتبة المسئولية أمام الله تبارك و تعالى في مسيرته و حركاته و سلوكه في كافة جوانب حياته العامة الاجتماعية و الفردية و العائلية و الاقتصادية و هكذا و يتكفل دعوته إلى الطريق المستقيم و المعتدل الذي عينه و حدده في الكتاب و السنة و يمنعه عن التصرفات اللامسئولة و المنحرفة و السلوكيات غير المستقيمة . و عليه فدور الإيمان بالله تعالى دور الارتباط بالمطلق و دور الاستقرار و الطمأنينة في النفوس ، و دور الرفض للإلحاد و اللاانتماء و الضياع ، و للشرك و الوثنية و الغلو ، و دور الهداية و الاستقامة ، و دور اعتماد الإنسان المؤمن في كل مرحلة من مراحل مسيرته الطويلة الشاقة. إلى هنا قد استطعنا أن نخرج بهذه النتيجة و هي إن للإيمان بالله القادر المطلق بعداً فردياً حيث أنه يشكّل
علاقة بين العبد و خالقه ، و بعداً اجتماعياً لأن ملامح الإيمان ملامح اجتماعية حيث أن الإيمان يهذب النفس و يزودها بالملكات الفاضلة و الأخلاق السامية و يهذب سلوك الإنسان في الخارج و يجعله معتدلاً مستقيماً ، و لهذا يكون له دور كبير في تحقيق مبدأ العدالة الاجتماعية و التوازن بين طبقات الأمة .
3 العنصر الثالث حدود صلاحيات الفقيه للتشريع إن من مميزات الدين الإسلامي كشريعة عامة للبشر و لجميع الأزمنة و الأمكنة ، و منهج خالد يواكب العلم و التطور نحو الأفضل ، هو أن ترك في هذه الشريعة منطقة فراغ ، و هي الرقعة الخالية من النصوص التشريعية في الكتاب و السنة ، و هي منطقة المباحات الأصلية و هي عنصر ثالث في الإسلام و هو العنصر المتحرك غير الثابت في الشريعة المقدسة
:
تحل مشاكل الإنسان في كل عصر و قرن طول التاريخ و إلى الأبد مهما تطور.
و من الواضح أن تلك الحكومة لا تغني في الوقت الحاضر لأن الحكومة في هذا الوقت قد تطورت و توسعت بكل مكوناتها و أجهزتها و أنظمتها من النظام الاقتصادي و التعليمي و الاجتماعي و الإداري و الأمني و المخابراتي و الجيش و الشرطة و هكذا .
ضرورة إن نظام الحكومة يتغيّر بتغيّر الزمان و تتطور بتطور الحياة العامة بكافة جوانبها و لا يمكن تطبيق نظام الحكومة في عصر النبي الأكرم(ص)على الحكومة في العصر الحالي المتطورة بكافة كياناتها و تشكيلاتها و أجهزتها .
و في زمن الغيبة للفقيه الجامع للشرائط منها الأعلمية و من الطبيعي أن ولي الأمر مسئول و مكلف من قبل الله تعالى بتشكيل الحكومة على أساس مبدأ حاكمية الدين إذا كانت الظروف ملائمة و العوائق و الموانع غير موجودة . العامل الخامس : أنه لا يسمح لولي الأمر أن يتصرف في الأحكام الشرعية الإلزامية المجعولة في الشريعة المقدسة كالمنع عن فعل الواجب و الأمر بفعل الحرام مثلا و هكذا . و هذه العوامل جميعاً تتطلب من الشارع ترك منطقة فراغ في الشريعة المقدسة و إعطاء صلاحية واسعة لولي الأمر فيها للتشريع بعنوان ثانوي في حدود هذه المنطقة و وضع دستور و نظام فيها للحكومة الإسلامية بكافة مكوناتها و شرائحها و أركانها حسب
متطلبات الظروف و حاجة الوقت في كل عصر لملءِ الفراغ .و من هنا يظهر أن منطقة الفراغ ليست نقصاً في التشريع الإسلامي و لا إهمال فيه بل هي تعبر عن ضرورة استيعاب الشريعة لكل العصور المختلفة في طول التاريخ و قدرتها على الاستيعاب. و الخلاصة أنه لا يمكن تشريع نظام ثابت للحكومة في هذه المنطقة فلهذا أوكل الشارع أمر التشريع و جعل النظام و القانون في حدود المنطقة إلى ولي الأمر بعنوان ثانوي حسب متطلبات الظروف و الحاجة في كل وقت لملءِ الفراغ فيه .
فحيث أن السلطة الحاكمة المتمثلة في النبي الأكرم(ص)و بعده بالأئمة الأطهار(ع)فلا يحتمل أن يقوم النبي الأكرم(ص)بوضع
خطة اقتصادية أو تعليمية أو إدارية أو أمنية أو غير ذلك عفوياً بدون دراسة هذه الخطة بكافة جوانبها الايجابية و السلبية و الظروف المحيطة بها و مفرداتها و جمع المعلومات حولها و إلا فقد خالف وظيفته الإلهية و هذا غير محتمل في حق النبي الأكرم(ص)هذا إضافة إلى أنه معصوم و لا يحتمل الخطأ في حقه .
كالأعلمية و العدالة و الأمانة و الإخلاص و الصرامة في تنفيذ الأحكام الإلهية و تحقيق مبدأ العدالة و التوازن بين طبقات الأمة بدون مجاملة أي جهة مهما كانت و استعمال صلاحيته للتشريع بصفة ثانوية في حدود منطقة الفراغ حسب حاجة الوقت و ظروف البلد . و على هذا فإذا فرضنا أن الفقيه المذكور قادر على تشكيل الحكومة الإسلامية كما إذا كانت الظروف مناسبة و العوائق غير موجودة لا من الداخل و لا من
الخارج وجب عليه شرعاً القيام أولاً بإنشاء مجلس الشورى المؤلف من العلماء البارزين و المفكرين و الخبراء و الأمناء المخلصين من كافة أنحاء البلد ثمّ المشاورة معهم بموضوعيه حول تشكيل الحكومة من الأفراد ذوي الخبرة و الكفاءة و اللياقة و الإيمان و الإخلاص ، لأنها الميزان و المعيار في الحكومة الإسلامية الشرعية . و أما المعايير الأخرى فلا قيمة لها من منظور الإسلام كالطائفية و الحزبية و غيرهما من الخصوصيات ، بينما تؤخذ هذه المعايير بعين الاعتبار في الحكومات غير الشرعية، و بذلك تختلف الحكومة الشرعية عن غيرها. و عليه فإذا قامت السلطة الحاكمة بوضع خطة اقتصادية، و تعليمية، و إدارية، و أمنية أو بإنشاء مشروع فلا بد أولاً من دراسة هذه الخطة أو المشروع بواسطة المفكرين و العلماء و المثقفين و أهل الإيمان و الإخلاص
و الخبرة بالموضوع دراسة مفصلة بكافة مفرداتها و جوانبها و ظروفها و مستقبلها و مدى نجاحها و بعد تكميل الدراسة و الاطمئنان بنجاحها تقوم بوضع الخطة أو إنشاء المشروع . و لا يجوز لها وضع خطة أو مشروع عفوياً لأنه قد يؤدي إلى إتلاف الأموال من بيت مال المسلمين ، و هذه جريمة لا تغتفر ، و لا يمكن لولي الأمر أن يقدم على مثل هذا العمل لأن عدالته و أمانته و وثاقته تمنع عن ذلك ، فإذن فرض وضع الخطة أو المشروع عفوياً خلف فرض أنه عادل و أمين و ثقة من جهة و مأمور شرعاً بالدراسة حولها من جهة أخرى . و من هنا يظهر أن نظام المحاسبة يسري في تمام مكونات الحكومة و شرائحها لأن وضع مكوناتها لا بد أن يكون بعد دراسته بجميع جهاته و جوانبه و ظروفه هذا من ناحية.
و من ناحية أخرى أن نظام المحاسبة في الإسلام لا يمكن أن يكون نظاماً ثابتاً بل هو متغير بتغير الحكومات و متطور بتطورها سعة و دقة ، و عصراً بعد عصر طول التاريخ ، و لهذا يكون أمره بيد السلطة الحاكمة في كل عصر. ثمّ أن وضع نظام أجهزة الحكومة ككل من النظام الإداري و التعليمي و الأمني و غيرهما يكون في حدود منطقة الفراغ لأن صلاحية السلطة الحاكمة للتشريع و وضع الدستور إنما هو في حدود هذه المنطقة لا مطلقاً ، و هذه المنطقة منطقة واسعة تكفي للتشريع حسب ما تتطلب حاجة الوقت لملءِ الفراغ فيه.
و أن تكون أعلم من غيرها في هذه الأحكام .
لتحقيق العدالة و التوازن بين طبقات المجتمع و حفظ الحقوق بدون ملاحظة أي جهة خارجية مهما كانت . فإذا كان الفقيه واجداً لهذه الصفات فالولاية ثابتة له من قبل الله تعالى و أنه مأمور بتشكيل الدولة الإسلامية على أساس مبدأ حاكمية الدين إذا لم تكن هناك عوائق و موانع من تشكيلها هذا من ناحية . و من ناحية أخرى إن للسلطة الحاكمة حق التدخل في جميع شئون الدولة و مكوناتها و شرائحها بغرض
الحفاظ على التوازن و مبدأ العدالة بين جميع طبقات الأمة التي أهتم الإسلام بها بل لها حق التدخل في القطاعات الخاصة أيضاً فيما إذا أرادت تلك القطاعات السيطرة على ثروات البلد بحيث توجب تزعزع العدالة و التوازن بين طبقات الأمة و حينئذ فعلى السلطة الحاكمة أن تمنعها إلا في حدود لا تضر بمبدإ العدالة و التوازن . مثلاً إذا فرضنا إن لدى شخص إمكانية السيطرة على مساحات كبيرة من الأرض باستخدام الآلات الحديثة لإحيائها و حيث أن هذه العملية قد تضر بالعدالة الاجتماعية و تزعزعها فللسلطة الحاكمة أن تمنعه عن ممارستها بعنوان ثانوي إلا في حدود تتناسب مع أهداف الإسلام النبيلة. و قد تقدم إن تشكيل الدولة لا بد أن يكون بواسطة مجلس الشورى المؤلف من العلماء و المفكرين و الخبراء و الأمناء و المخلصين فإنهم كانوا يقومون بانتخاب
أعضاء الدولة من الأفراد الكفوئين و المفكرين من ذوي اللياقة و الخبرة و الإيمان و الإخلاص بعد دراسة سوابقهم بشكل موضوعي دقيق و جمع المعلومات حولهم و دراسة أوضاعهم و استقامتهم و قوة إرادتهم و عدم تأثير الجهات الخارجية فيهم كالطائفية و الحزبية و نحوهما. و من هنا تكون مثل هذه الحكومة الإسلامية بالشروط التي ذكرناها حكومة نزيهة بتمام شرائحها و مكوناتها و بعيدة عن الاختلاس و الفساد الإداري و المالي و الأخلاقي و التساهل و التسامح في العمل و أداء الوظيفة . و لهذا و ذاك تدفع مثل هذه الحكومة الإسلامية البلد إلى التطور و الازدهار و التقدم و الأمن و الاستقرار بينما إذا لم تكن الحكومة نزيهة بكل مكوناتها و شرائحها تدفع البلد إلى التخلف و عدم الاستقرار .
إلى هنا قد وصلنا إلى هذه النتيجة و هي إن الحكومة الإسلامية لو طبقت بجميع شرائطها لكانت حكومة نزيهة بتمام مكوناتها و شرائحها و أعضائها و بعيدة عن تأثير أي جهة خارجية فيها بينما الحكومات غير الشرعية لا يؤتمن معها على عدم تدخل الجهات الخارجية و تأثيرها عليها . و هنا يتضح أن اتهام الحكومة الإسلامية بأنها دكتاتورية ناشئ من الجهل و التعصب و العناد و عدم المعرفة بالنظام الإسلامي و تخيل إن السلطة الحاكمة مطلق العنان تفعل ما تشاء و تترك ما تشاء ، و قد مر إن السلطة الحاكمة مأمورة من قبل الله تعالى بالتحاور و التشاور مع أهل الحل و العقد من العلماء و المفكرين و الخبراء و الأمناء و الصلحاء في كل صغيرة و كبيرة . و بعد دراسة موسعة و شاملة حول السيرة الذاتية لكل عضو من أعضاء الحكومة بشكل دقيق و موضوعي على طبق معايير خاصة كالنزاهة و الكفاءة
و اللياقة ينتخب إذا كانت المعايير منطبقة عليه هذا إضافة إلى أن المعتبر في السلطة الحاكمة العدالة و الأمانة و الوثاقة و هي تمنع عن إطلاق عنانها و أن تفعل ما تشاء .
4 دور الحوزات العلمية في تبلور أصالة المسلمين في التفكير و التشريع المعتدل ضد الأفكار المتطرفة و المنحرفة تقدم أن التشريعات الإسلامية ركيزة أساسية في ماهية الإسلام و هي تشمل العبادات و المعاملات ، و قد تصدت الحوزات العلمية إلى دراسة هذه التشريعات بكافة صنوفها في الحوزات العلمية الكبيرة كالنجف الأشرف و قم و غيرهما , و تقوم هذه الدراسات على أساس مبدأ الكتاب و السنة و لا يمكن أن تتجاوز عن هذا المبدأ مهما تطورت و أصبحت أكثر عمقاً وسعة و دقة و إلا فهي مرفوضة ، و لهذا لا توجد في هذه الدراسات أفكار متطرفة و منحرفة باعتبار أن مبدأ الكتاب و السنة ضد التطرف و الإرهاب بكافة أشكاله و ألوانه .
و إن شئت قلت إن هذه الحركة الفكرية الاجتهادية التي هي ذات طابع إسلامي على طول التاريخ تفتح الآفاق الذهنية و تحمل مشعل الكتاب و السنة في كل عصر و لو لا هذه الحركة الفكرية الاجتهادية في الإسلام التي تطورت و تعمقت عصراً بعد عصر بتطور الحياة العامة و اتساعها و في مختلف مجالاتها الاجتماعية و الفردية و المادية و المعنوية لم تتبلور أصالة المسلمين في التفكير و التشريع المتميز المستمد من الكتاب و السنة على طول الخط في عصر الغيبة و لو لا استمرار هذه الحركة الفكرية و الاجتهادية لظلت المشاكل الحياتية المتجددة في كل عصر بدون حل حاسم . و من هنا يكون تطور علم الفقه و اتساعه في تمام المجالات الحياتية على طول الخط مؤكداً أصالة المسلمين الفكرية و شخصيتهم التشريعية المستقلة المتميزة ، و لهذا لا توجد في هذه الدراسات أفكار
متطرفة منحرفة على أساس أن مبدأ الكتاب و السنة ضد التطرف و الإرهاب بكل أشكاله ، لأن منشأ الإرهاب و التطرف الجهل و الخداع و الغرور و التعصب الأعمى و العناد ، لأن المتطرف جاهل مغرور مخدوع يفقد عقله و شعوره و تفكيره حيث أن من كان عنده أدنى تفكير لا يقبل عقله و لا دينه و لا إنسانيته قتل الأبرياء و الأطفال و النساء و الشيوخ بالطريقة البشعة اللاإنسانية ، و كذا الاغتصاب و الاختطاف و غير ذلك من التصرفات المنبوذة عقلاً و شرعاً . و من هنا على علماء المسلمين كافة و قادتهم السياسيين أن يوحدوا كلمتهم و صفوفهم حول علاج هذه المشكلة و حلها بكل الوسائل الممكنة و المتاحة لأنها غدة سرطانية في جسم الأمة و لا بد من إزالتها عنه .
5 ملامح الاقتصاد الإسلامي و امتيازه عن الاقتصاد الرأسمالي و الاشتراكي إن من يطلع على مبادئ الاقتصاد الإسلامي يجده مذهباً اقتصادياً مستقلاً في ملامحه و توازنه و اعتداله في مقابل الاقتصاد الرأسمالي و الاشتراكي و يمتاز عنهما روحاً و شكلاً. أما الاقتصاد الرأسمالي فهو قائم على أساس مبدأ الخصخصة أي ملكية الأفراد بلا حدود و لا يعترف بمبدإ الملكية العامة و هي ملكية الدولة إلا في حالات خاصة استثنائية . و أما الاقتصاد الاشتراكي فهو قائم على أساس مبدأ الملكية العامة و هي ملكية الدولة و لا يعترف بالملكية الخاصة و هي ملكية الأفراد .
و أما الاقتصاد الإسلامي فهو يقوم على أساس مبدأ الملكية المزدوجة لأن الإسلام كما يعترف بمبدإ الملكية العامة كذلك يعترف بمبدإ الملكية الخاصة و هي ملكية الأفراد ، هذا من جانب . و من جانب آخر إن مبدأ الخصخصة أي ملكية الأفراد في الإسلام قائم على أساس مبدأ الحرية الاقتصادية في الحدود المسموح بها شرعاً بمعنى أنهم أحرار في ممارسة حرياتهم في كافة الأنشطة الاقتصادية إلا الأنشطة المحذورة كالتعامل بالربا و الاتجار بالخمور و لحوم الميتة و الخنازير و الاحتكار و الغش و ما شاكل ذلك . و بكلمة إن الإسلام قد أجاز للأفراد في ممارسة حرياتهم في الأنشطة الاقتصادية التجارية و التبادلية و الاستفادة من الثروات الطبيعية ببذل الجهد و العمل في سبيلها كإحياء الأراضي و حيازة الثروات المنقولة
و نقلها من مكانها الطبيعي و جعلها في حوزته بشكل مباشر و غير مباشر في الحدود المسموح بها شرعاً . و من هنا كان الإحياء و الحيازة من الأعمال الاستثمارية و الانتفاعية التي تكون ذات قيمة اقتصادية و ليست من الأعمال الاحتكارية لأن الأعمال الاحتكارية متمثلة في سيطرة الفرد على مساحات كبيرة من الثروات الطبيعية بالقوة و الغلبة و القهر بدون إنفاق أي عمل أو بذل أي جهد و تعب في سبيلها ، لأن الإسلام لا يعترف بكون هذه السيطرة مصدر حق أو ملك و إنما يعترف بها إذا كانت نتيجة العمل و الجهد حيث أن كل عامل إنما يملك نتيجة عمله و لا يعترف الإسلام بالملك أو الحق بدون العمل ، لأن علاقة الفرد بهذه الثروات إنما نجمت عن عمله و بذل جهده في سبيل الاستيلاء عليها بالإحياء أو الحيازة و إن كان المحاز اكبر من قدر حاجته بقانون أن كل فرد يستحق نتيجة عمله و لا تحصل العلاقة من منظور
الإسلام إذا كان الاستيلاء عليها بالقوة و الغلبة بدون بذل أي عمل و جهد . و من هنا يظهر أن الإسلام أعطى للأفراد حرية الممارسة في الأنشطة الاقتصادية بكافة أنواعها في الحدود المسموح بها شرعاً لا مطلقاً بأن لا تكون من الأنشطة المحذورة و أن لا يكون الاستيلاء على الثروات الطبيعية بالقوة و الغلبة. و من الواضح أن هذا التحديد من الشارع المقدس لا يمكن أن يكون جزافاً بل الهدف من ورائه تحقيق مبدأ العدالة و التوازن بين طبقات المجتمع و لا يمكن تحقيق ذلك إلا بالتحديد المذكور. إلى هنا قد تبين أن الاقتصاد في النظام الإسلامي يختلف عن الاقتصاد في النظام الرأسمالي في نقطتين: الأولى: إن الخصخصة في النظام الاقتصادي الإسلامي أتاحت الحرية للأفراد و الشركات الخاصة و أصحاب رءوس الأموال في القيام بممارسة النشاطات
الاقتصادية بكافة أنواعها و أصنافها إلا النشاطات المحذورة في الشريعة المقدسة بشرط أن لا تؤدي هذه الحرية إلى استغلال السوق و الإضرار بالطبقات الضعيفة و المحرومة و إلا فعلى الدولة الإسلامية أن تتدخل و تمنع عن هذه التجاوزات التي تضر بالعدالة الاجتماعية التي أهتم الإسلام بها . بينما الخصخصة في النظام الاقتصادي الرأسمالي أتاحت الحرية الواسعة و بلا حدود لهم في القيام بها و أن أدى ذلك إلى استغلال السوق و اقتصاد البلد و إيجاد الفجوات و الثغرات بين طبقات الأمة و الإضرار بمبدإ العدالة و التوازن الاجتماعي باعتبار أن هؤلاء الأفراد عند ممارستهم النشاطات الاقتصادية في النظام الرأسمالي إنما يأخذون مصالحهم الذاتية بعين الاعتبار بدون ملاحظة مصالح المجتمع الواقعية و أخذها بعين الاعتبار .
الثانية: إن النظام الاقتصادي في الإسلام قائم على أساس مبدأ الملكية المزدوجة و الهدف الأساسي من وراء تشريع هذه الملكية هو تحقيق مبدأ العدالة و التوازن في المجتمع الذي أهتم الإسلام به و تضييق الفجوات و الثغرات بين طبقات الأمة على أساس أن كلاً من الملكية الخاصة و الملكية العامة بمثابة الرقيب و الحارس على الأخرى لكي لا تتجاوز عن حدودها و لا تستغل السوق بينما النظام الاقتصادي الرأسمالي حيث أنه قائم على أساس مبدأ الملكية الخاصة يتيح الفرصة لأصحاب الشركات و رجال الأعمال باستغلال السوق و السيطرة على اقتصاد البلد باعتبار أنه لا مراقب عليهم في ذلك و لا عوائق فيه هذا من ناحية . و من ناحية أخرى إن الدولة إذا كانت إسلامية كان للسلطة الحاكمة حق الإشراف على كافة مؤسسات الدولة من القطاعات الخاصة و العامة لحماية المصالح
العامة للمجتمع و تحديد حريات الأفراد فيما يمارسونه من النشاطات الاقتصادية و الاجتماعية بما لا يضر العدالة و التوازن الاجتماعي . إلى هنا قد وصلنا إلى هذه النتيجة و هي إن الدين الإسلامي قائم على ثلاثة عناصر أساسية اثنان منها ثابتان غير متحركين : الأول / العنصر الداخلي الباطني . و هو الإيمان بالله وحده لا شريك له و برسالة الرسول(ص). الثاني / العنصر الخارجي . و هو متمثل في العبادات و المعاملات. و ثالث منها : متحرك و غير ثابت حسب متطلبات المجتمع ، و فيه يتبلور دور الفقيه الجامع للشرائط بوضع تشريعات ثانوية حسب حاجة الوقت في كل عصر و بهدف تنظيم الحياة العامة الاقتصادية و الاجتماعية و الأمنية و الفردية و علاقة الأمة بالسلطة و صلاحيات رئيس الدولة و سائر كياناتها و غير ذلك .
6 معايير تشكيل الحكومة الشرعية إن تشكيل الحكومة الإسلامية و هي الحكومة القائمة على أساس مبدأ الحاكمية لله وحده لا شريك له إنما هو بيد السلطة الحاكمة في زمن الغيبة لا بالانتخابات و صناديق الاقتراع على أساس أن السلطة الحاكمة في الدولة الإسلامية منصوبة من قبل الله تعالى حتى في زمن الغيبة و مأمورة بتشكيل الدولة إذا كانت الظروف مواتية و الموانع و العوائق غير موجودة و قد مرت الإشارة إلى أنه لا بد من التحاور و التشاور مع العلماء و المفكرين و الخبراء و الأمناء المخلصين في انتخاب أعضاء الحكومة و ان يكون ذلك بعد دراسة شاملة لِسوابق كل عضو و مدى أهليته في الحكم و خبرويته و كفايته و صرامته و أمانته بدون أي دور للطائفية و الحزبية و العنصرية و القرابة
بينما إن لهذه العناوين دوراً بارزاً و هاماً في انتخاب أعضاء الحكومة عن طريق صناديق الاقتراع لأن تلك العناوين تتحكم على التعيينات لا الأهلية و الخبروية و الأمانة و الإخلاص . أما الناس المشتركون في الانتخابات فأكثرهم لا يعرفون من هو الأهل لأن للدعايات الفارغة و الإعلانات البراقة الحزبية و الطائفية دوراً هاماً و كبيراً في كسب آراء الناس بل قد تشترى الأصوات بالمال و يستخدم الدين كوسيلة للوصول إلى الحكم و لهذا لا تكون هذه الحكومات ناجحة غالباً و لا تدفع البلد إلى التقدم و التطور و الاستقرار بل تدفع إلى التخلف و عدم الاستقرار . و من هنا يظهر أن طريقة انتخاب أعضاء الحكومة الشرعية و معاييره تمتاز عن طريقة انتخاب أعضاء الحكومة غير الشرعية و معاييره .
و الخلاصة إن تشكيل الحكومة الشرعية بكافة مكونتها و شرائحها و أعضائها إنما هو على طبق معايير خاصة و هي النزاهة و الكفاءة و الإخلاص على ضوء تطبيق نظام المحاسبة عليها بشكل موضوعي و دقيق ، و لهذا يكون لهذه الحكومة دور كبير و هام في تطور البلد و استقراره و تقدمه من جهة و في تحقيق مبدأ العدالة و التوازن بين طبقات الأمة من جهة أخرى ، بينما تتحكم في الحكومات غير الشرعية جهات أخرى أيضاً كالقرابة و العلاقات الخاصة .
7 منشأ تخوف الغرب و عملائهم من الحكومة الإسلامية إن من المؤسف جداً إن عدداً كبيراً من المسلمين في الداخل و الخارج الذين يسمون أنفسهم بالمثقفين و المفكرين يخشون من إقامة النظام الإسلامي في البلاد الإسلامية و منشأ هذا التخوف أمران: الأول : الجهل بالإسلام و نظامه الإنساني . الثاني : الإعلام المضلل و الدعايات الفارغة من الغرب و الشرق التي تصب على محاربة الإسلام ، و اتصافه بالتطرف و التحجر و الأحكام المضادة للحرية و حقوق الإنسان ، فإن لذلك دوراً بارزاً و هاماً في هذا التخوّف ، و تأثيراً كبيراً في النفوس غير المزودة و المجهزة بالقيم و المثل الدينية و الإنسانية .
أما تخوّف الغرب من الإسلام فله مبرر لأنهم يخافون من النظام الإسلامي و قيمه الإنسانية و الأخلاقية و الاجتماعية و الفردية و العائلية و قوة نفوذه و انتشاره في العالم و تبلور نظامه الإنساني في كل يوم لا سيما بين الشباب و الشابات في الدول الإسلامية و غير الإسلامية و لهذا ينقل و يسمع أن عدداً كبيراً من الشباب و الشابات في الدول الغربية و غيرها ينتحلون الدين الإسلامي على أنه دين الحضارة و العدل و المساواة ، مع قلة معرفتهم به و عدم اطلاعهم إلا على بعض القيم و المثل الإنسانية كالنظام العائلي الموجود بين المسلمين فإنه منهار و متفكك في المجتمع الغربي ، حيث نرى و نتعايش الاجتماع العائلي بين الآباء و الأمهات و الأبناء و البنات و الأحفاد على سفرة واحدة في كل يوم عدة مرات و هذه الظاهرة مفقودة في حياتهم اليومية ، و كذا كثير من الظواهر الإيجابية من الأخلاقية و الاجتماعية و العبادية و غيرها .
(تارة )بذريعة أن الدين الإسلامي يروج للتطرف و الإرهاب ،(و أخرى )إن الدين الإسلامي ضد الحرية و الديمقراطية ،(و ثالثة )إن الدين الإسلامي ضد حقوق الإنسان و هذه الدعايات كلها دعايات مغرضة و فارغة لا يمت إلى الإسلام بصلة ، و لا واقع موضوع لها .
فلأن الدين الإسلامي دين سلم و عدل و إنسانية و رأفة و رحمة و ضد التطرف و الإرهاب بكل أشكاله و أنواعه و أنه دين يستنكر قتل الأبرياء بأشد الاستنكار حيث جعله أكبر جريمة في تاريخ البشرية بنص قوله تعالى : مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسٰادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمٰا قَتَلَ النّٰاسَ جَمِيعاً ، وَ مَنْ أَحْيٰاهٰا فَكَأَنَّمٰا أَحْيَا النّٰاسَ جَمِيعاً فالإسلام
جعل قتل نفس واحدة بريئة بمثابة قتل الناس جميعاً و هو أكبر جريمة في عالم الإنسانية كما أنه جعل إحياء نفس واحدة بمثابة إحياء الناس جميعاً و هو أكبر خدمة في عالم البشرية ، بل الإسلام قد حرّم مثلة جسد الإنسان حتى في ساحة الحرب مع العدو ، و هذا هو الإسلام .
فلأن الإسلام قد أعطى الحرية للأفراد في كافة نواحي حياتهم بشكل متزن معتدل بحيث لا تؤدي الحرية إلى زعزعة العدالة الاجتماعية و التوازن بين طبقات الأمة ، لأنهم أحرار في ممارسة النشاطات الاقتصادية بكافة أنواعها غير النشاطات المحذورة المعيقة في الإسلام و أحرار في ممارسة النشاطات الثقافية و الترفيهية و غيرهما في الحدود المسموح بها شرعاً و أحرار في التعبير عن آرائهم شريطة أن لا يكون كذباً و إيذاء للآخرين و تضييعاً لحقوقهم .
و بكلمة إن الإنسان لا يمكن أن يبقى مطلق العنان يفعل ما يشاء و يترك ما يشاء و إلا لزم الهرج و المرج بل لا يمكن الحياة حينئذٍ على سطح الكرة الأرضية لأن القوي يأكل الضعيف ، فإذن لا بد من وضع حد لاطلاق عنانه ، و لهذا قام العقلاء بوضع حدود له من جانبهم . و أما الشريعة الإسلامية فقد قيدت إطلاق عنان الإنسان بخطوط عريضة و هي إن الإنسان حر في سطح الكرة الأرضية بكافة ممارساته و تصرفاته في الحدود المسموح بها شرعاً لا مطلقاً و الهدف من وراء هذا التقييد و التحديد أمران : الأول / إن الإنسان حيث أنه أشرف مخلوقاته من جهة أنه تعالى أوهب العقل له فلا بد من الحفاظ على مكانته و كرامته و شرفه و لا يمكن الحفاظ عليها إلا بتقييد إطلاق عنانه بالحدود المسموح بها شرعاً و إلا فهو إنسان ساقط في المجتمع و لا قيمة له .
الثاني / إن الإسلام قد أهتم في تحقيق العدالة الاجتماعية و التوازن بين طبقات الأمة و لا يمكن تحقيق هذا المبدأ إلا بتقييد حرية الإنسان بحدود لا تزعزع هذا المبدأ و لا تضر بحقوق الآخرين و تتناسب مع الحدود العقلائية و الإنسانية . فالنتيجة إن الدين الإسلامي دين حر شفاف يواكب العلم و الحضارة و التقدم و ينسجم مع متطلبات كل عصر مهما تطور كما إن الحرية في الإسلام تتناسب مع قيم الرجل و مكانته و قيم المرأة و مكانتها في الإسلام لأن المرأة حرة في الحدود المسموح بها شرعاً و لها أن تلعب دوراً هاماً في المجتمع كالرجل و لا فرق بينهما فأي عمل سياسي أو اجتماعي أو ثقافي يجوز للرجل يجوز للمرأة أيضاً شريطة أن تحافظ على كرامتها و شرفها و عفتها و سترها الإسلامي و قيمها الإنسانية و لا تكون مبتذلة حيث لا قيمة للمبتذلات
حتى عند المجتمع العقلائي ، لأن حرية المرأة لا تتطلب منها السفور و الابتذال و لا تفرض عليها ذلك. و أما الحرية في الغرب فحيث إنها ليست مبنية على قيم إنسانية و أسس دينية عقلائية . فلهذا وصلت إلى درجة الابتذال و حضيض الحيوانية و خرجت عن الحدود العقلائية و الإنسانية و الأخلاقية بل وصلت إلى درجة يشمئز الإنسان عن ذكر أسمها و يخجل و لكن مع ذلك فهم مصرون على تطبيق هذه الحرية المطلقة و نشرها في الدول الإسلامية و هدفهم من وراء ذلك تهديم الإسلام و تقاليده الإنسانية و ثقافته القيمة المبنية على الأخلاق و الاحترام .
فلأن الدين الإسلامي ليس ضد حقوق الإنسان كيف فان الإسلام قد أهتم بالحفاظ عليها و عدم جواز تفويتها و جعل الغرامة عليها لتحقيق مبدأ العدالة الاجتماعية بين طبقات الأمة و التوازن و لا يمكن تحقيق ذلك إلا بالحفاظ على
حقوق الجميع على حد سواء من دون أي تمييز بين فرد و فرد آخر هذا من جانب ، و من جانب آخر أنه لا يمكن من منظور الإسلام أن يذهب حق أحد هدراً بل الأمر كذلك من منظور العقلاء أيضاً . و من هنا يرى الإسلام المعادلة بالمثل في الحقوق بين الناس و في الجراحات : اَلنَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَ الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ … وَ الْأُذُنَ بِالْأُذُنِ و أشار تعالى إلى حكمة هذه المعادلة بقوله عز و جل وَ لَكُمْ فِي الْقِصٰاصِ حَيٰاةٌ يٰا أُولِي الْأَلْبٰابِ و في الأموال المعادلة بالمثل أو القيمة. و من هنا لو فرض أن شخصاً قام بقلع عين شخص آخر عدوانا و ظلماً و انتهاكاً لحرمته و سلب عنه هذا الحق فقد جعل الله تعالى للمظلوم حق الاقتصاص من الظالم بأن يقوم بقلع عينه و سلب هذا الحق عنه لسببين : الأول / إن حق الظالم ليس أولى من حق المظلوم فإذا لم ير الظالم هذا الحق للمظلوم و سلب حقه
و انتهك حرمته فقد جعل الله تعالى للمظلوم سلطانا عليه بأن يقوم بالاقتصاص منه بالمقدار الذي ظلمه في حقه لا أكثر و هو مقتضى العدل و الإنصاف و المعادلة بالمثل كما في الآية الكريمة . الثاني / إن في ذلك عبرة للظالم و للآخرين معاً بعدم التعدي على حقوق الآخرين و لهذا للقصاص أثر كبير في حفظ التوازن و العدالة الاجتماعية ، و لا يمكن تطبيق حقوق الإنسان على الظالم بدعوى أنه لا يجوز الاقتصاص منه لأنه ينافي حقه في بقاء عينه سالمة و ذلك : أولاً : إن معنى هذا هو ذهاب حق المظلوم هدراً و هو لا يجوز لا شرعاً و لا عقلاً و لا عقلائياً. و ثانياً : إن تطبيق المنهج الغربي الجديد لحقوق الإنسان على الظالم مكافئة له في مقابل ظلمه و عدوانه و تشويق له فيه و للآخرين معاً ، و ترويج للظلم و الطغيان و من الواضح إن ذلك مؤثر في عدم استقرار
البلد و الأمن و هذا معنى قوله تعالى : وَ لَكُمْ فِي الْقِصٰاصِ حَيٰاةٌ يٰا أُولِي الْأَلْبٰابِ . مثلا للإنسان حق البقاء في الحياة و ليس لأحد أن يسلب عنه هذا الحق ظلماً و عدواناً و أما إذا سلبه عنه فقد جعل الله تعالى لوليه سلطاناً عليه بأن يقتص منه ، لأن هذا هو مقتضى العدل و الإنصاف ، و مقتضى قوله تعالى : (النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَ الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ) فمن قتل أحداً ظلماً و جوراً فقد أضاع و هدر حقه في البقاء على قيد الحياة إذ من لم ير هذا الحق للآخر لم يكن هذا الحق ثابتاً له أيضاً و لا يمكن تطبيق حقوق الإنسان على القاتل دون المقتول لأنه مخالف للنظرة الإسلامية و العقلائية معاً و مكافأة له في مقابل ظلمه و عدوانه و تشويقاً له و للآخرين على ذلك مع أن في إجراء القصاص عليه عبرة للناس و تحقيقاً للعدالة و التوازن في الحقوق و الأمن في البلد لأن دم الإنسان لا يذهب هدراً و قد أعترف بذلك كقانون عام في أكثر دول
العالم و سيقر العالم بقانون القصاص في المستقبل القريب إذ من يؤيد هذا القانون و يطلب من حكومته تشريعه في ازدياد مستمر .
8 أسباب تدخل الأجانب في الدول الإسلامية أي منا لو ألتفت إلى حكومات الدول الإسلامية لشاهد بوضوح سيطرة بعض الدول الكبرى الاستعمارية على حكوماتها بشكل أو آخر ، و لهذه السيطرة و التدخل في شئونها عوامل عديدة نشير إلى بعض منها :
و هذا التخلف يدفعها إلى الاستسلام للغرب أو الشرق و عدم الاستقلال .
فإنه ذريعة لتدخل الأجانب فيها و فرصة ثمينة لهم .
و اعتقادهم غالباً بأنه نظام غير قابل للتطبيق في العصر الحالي دوراً كبيراً في إعطاء الذريعة لهم و إفساح المجال أمامهم للتدخل في البلاد الإسلامية .
و إنها تزودهم بالتقاليد الغربية أو الشرقية و ثقافتهم و هي تحول دون تقبل التقاليد الإسلامية و ثقافتها ، بل إلى رفضها و محاربتها .
تأثيراً كبيراً في عدم استقلالهم ، إذ لو كانت لهم رؤية واضحة مشتركة تجاه العالم الغربي و الشرقي لرأينا أنهم يحسبون لها ألف حساب حيث أن لها تأثيراً هاماً في استقلال
بلادهم الإسلامية و قوتهم و شوكتهم و الحفاظ على كرامتهم و كرامة شعوبهم المسلمة . العامل السادس : إن القادة و المسئولين في البلاد الإسلامية لعلهم كانوا يعتقدون بأن بقائهم في كرسي الحكم مرتبط بعلاقتهم الوطيدة بالغرب أو الشرق و هذا خطأ منهم لأن بقاءهم فيه مرتبط بإخلاصهم للوطن و خدمة شعوبهم بأمانة و إخلاص و صدق و منحهم حق الحرية في المعتقد و التعبير في الحدود المسموح بها شرعاً . و من الواضح أن لهذه العوامل دوراً أساسيا في تدخل الأجانب في شئون البلاد الإسلامية و نشر أفكارهم المضللة و ثقافتهم المتدنية المبتذلة و هدم الأفكار الإسلامية و تقاليدها الإنسانية و السيطرة على ثروات البلاد و هكذا .
9 نظام المحاسبة في الحكومة الإسلامية إن نظام المحاسبة في الإسلام ليس نظاماً محدداً و مدروساً في ضمن نص تشريعي من الكتاب و السنة و ثابتاً بل هو بيد السلطة الحاكمة في كل عصر لأن وظيفة السلطة الحاكمة شرعاً في الحكومة الإسلامية تفرض عليها أنه إذا قامت بوضع خطة تعليمية أو أمنية أو غيرها تقوم بدراسة تلك الخطة بواسطة الخبراء و المفكرين و الأمناء من جميع جهاتها الإيجابية و السلبية و الظروف المحيطة بها و مستقبلها و مدى نجاحها و غير ذلك دراسة موضوعية دقيقة و بعد هذه الدراسة و الاطمئنان بنجاحها تقوم بوضعها مثلاً إذا أرادت الحكومة الإسلامية إنشاء مشروع اقتصادي فلا بد من دراسته بكافة جوانبه و علاقة هذا المشروع بالاقتصاد
العالمي أو الإقليمي و مدى رغبة الناس إليه في الوقت الحاضر و في المستقبل و تسجيل المعلومات و الأحداث المرتبطة به و بعد هذه الدراسة و الاطمئنان بنجاحه تقوم بإنشائه . و من هنا يظهر أمور : الأول / إن نظام المحاسبة لا يمكن أن يكون نظاماً ثابتا مستقرا و غير متحرك طول التاريخ بل هو نظام متحرك و متغير بتغير الزمان و متطور بتطور الحكومة عصراً بعد عصر. و لا يمكن تطبيق نظام المحاسبة الذي كان متداولاً في زمن النبي الأكرم )ص)على الحكومة في الوقت الحاضر لأن الحكومة في ذلك الوقت كانت بسيطة بتمام مكوناتها و أجهزتها بينما الحكومة في هذا الوقت قد تطورت و توسعت بكافة أجهزتها و مكوناتها و من الواضح أن تطور الحكومة و توسعها يتطلب تطور نظام المحاسبة و توسعه .
الثاني / إن نظام المحاسبة لا يختص بالأنشطة الاقتصادية فحسب بل يشمل كافة أنشطة الدولة بتمام تشكيلاتها و أعضائها على أساس أن السلطة الحاكمة في الحكومة الشرعية مأمورة بتطبيق نظام المحاسبة بشكل مدروس و دقيق على كافة أعضاء الحكومة و شرائحها و مكوناتها و مشروعاتها العامة و الخاصة باعتبار أن الهدف الأصلي من وراء الحكومة الشرعية تحقيق الأهداف الإسلامية النبيلة و هي العدالة الاجتماعية و المحافظة على التوازن و الاعتدال بين طبقات الأمة و الأمن و الاستقرار و لا يمكن تحقيق هذا الهدف و الوصول إليه إلا بتطبيق نظام المحاسبة على جميع شرايين الحكومة بشكل دقيق و موضوعي . الثالث / إن نظام المحاسبة في الإسلام لا يمتاز عن نظام المحاسبة الوضعية إلا في نقطة واحدة و هي إن نظام المحاسبة في الإسلام محدود بالحدود المسموح بها شرعاً و لهذا لا يمكن تطبيق هذا النظام على الأنشطة
الاقتصادية المحذورة شرعاً كإنشاء مصنع للخمور مثلا و الأنشطة الربوية و نحوها بينما لا يكون نظام المحاسبة الوضعية محدودا بالحدود المذكورة . و حيث أن نظام المحاسبة في الإسلام يتطور وقتا بعد وقت و عصرا بعد عصر فبطبيعة الحال يخضع للدراسة الأكاديمية .
10 أسباب نجاح الحكومة الإسلامية بعد عرض النظام الإسلامي بمقوماته و ركائزه ، لا بد من ملاحظة ما يرجح هذا النظام على غيره ، و معرفة أسباب نجاح الحكومة الإسلامية . اعلم إن هناك عدة أسباب و عوامل لنجاح الحكومة المبتنية على أساس مبادئ الإسلام :
حيث إن الحكومة الشرعية على أساس معاييرها الخاصة مؤلفة من الأعضاء الكفوئين و المؤمنين و الخبراء المخلصين بدون تأثير أي جهة خارجية أو أمور جانبية فيها كالحزبية و الطائفية و العلاقات غيرها فبطبيعة الحال لها دور كبير و هام في نزاهة الحكومة ، باعتبار أنهم بحسب إيمانهم بالله عز
و جل يرون أنفسهم مسئولين أمام الله تعالى و لا يمكن الخروج عن هذه المسئولية إلا بالعمل الجاد و النزيه المعتدل .
و بمقتضى عقد الإجارة يجب عليهم الوفاء بها و الإتيان بما استؤجروا عليه و لا يجوز لهم الإخلال بالعمل المستأجر عليه و إلا فلا يستحقون تمام الأجرة .
بمقتضى قوله تعالى أَطِيعُوا اللّٰهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ و على هذا فحيث أن الموظفين في هذه الحكومة مأمورين بالعمل بوظائفهم من قبل السلطة الحاكمة و هي ولي الأمر ، فيجب عليهم العمل بها .
إضافة إلى الرقابة الموجودة من قبل السلطة الحاكمة على جميع شرائح الحكومة الشرعية . و غير خفي أنه لا يتوفر شيء من هذه العوامل في الحكومات غير الشرعية . و هذه هي المميزات الأساسية للحكومة الشرعية عن الحكومات غير الشرعية . و من الطبيعي أن تلك المميزات تدفع البلد إلى التطور و النمو اقتصاديا و تعليميا و تقنيا و أمنيا و إداريا و هكذا و إن لها دورا بارزا في تحقيق مبدأ التوازن و العدالة الاجتماعية بين طبقات الأمة و رص الصفوف و توحيد الكلمة و تكوين المجتمع المتلاحم الآمن المتحد الذي لا إفراط فيه و لا تفريط و لا يخاف أحد فيه على نفسه و لا على عرضه و لا على ماله