آثار حضرت آیة الله العظمی شیخ محمد اسحاق فیاض
المسائل المستحدثة
جلد
1
المسائل المستحدثة
جلد
1
الثاني: إن العميل المديون يحيل دائنه المستفيد على البنك و يصبح البنك بموجب هذه الحوالة مدينا للمستفيد، على أساس أن معناها نقل الدين من ذمة إلى ذمة، و حينئذ فإن احال البنك المستفيد على فرعه في بلده المقيم فيه لم يكن هذا حوالة ثانية بالمعنى الفقهي، على أساس ما مر أن الفرع ممثل للبنك و وكيل من قبله و ليس له ذمة أخرى لكي يحال عليها من جديد، فإذن يكون في المقام حوالة واحدة، و ان أحال البنك المستفيد على بنك آخر في بلده كان هذا حوالة ثانية، فهنا حوالتان: الأولى/ من العميل المدين للمستفيد على البنك. الثانية/ من البنك المدين للمستفيد على بنك آخر في بلده، و عندئذ فان كان البنك الآخر مدينا للبنك المحول وجب عليه قبول الحوالة، و كذلك إذا كانت بينهما معاهدة على ذلك، و إن لم يكن مدينا له و لا معاهدة بينهما كان هذا حوالة على البري، فإن قبل صحت، و إلا فلا. الثالث: ان البنك بوصف كونه مدينا لعميله، فيحيل العميل على بنك آخر، فيصبح البنك الآخر بموجب هذه الحوالة مدينا للعميل، و حينئذ فإن احال العميل دائنه في بلده على البنك المدين له كان هذا حوالة ثانية، الأولى من البنك لعميله الدائن على بنك آخر، و الثانية من العميل لدائنه المستفيد على ذلك البنك. و الخلاصة إن هذه العملية بكل تخريجاتها صحيحة و جائزة شرعا.
و هل يجوز أخذ العمولة عليها أولاً ؟ و الجواب: إن ذلك يقوم على أساس مجموعة من الضوابط: 1) إن من حق الدائن أن يطالب المدين بتسديد الدين في المكان الذي وقع فيه عقد القرض، من دون فرق في ذلك بين أن يكون الدائن متمثلا في الجهة العامة كالبنك أو في الجهة الخاصة، و لا يسمح شرعا للمدين أن يمتنع عن ذلك إلا إذا تنازل الدائن عن حقه، و على هذا فيجوز للدائن أن يتقاضى عمولة لقاء تنازله عن حقه، و قبول الوفاء بالدين في مكان آخر. 2) إن من حق الدائن أن يطالب المدين بتسديد الدين كما استدان فان استدان نقدا فمن حقه ان يطالبه بتسديده نقدا و لا يقبل الحوالة، و إن استدان حوالة فله أن يطالبه بتسديده كذلك، و لا يقبل تسديده نقدا، كما أن من حق المدين ان لا يقبل الحوالة إذا استدان نقدا، أو لا يقبل
التسديد نقدا إذا استدان حوالة، و يسوغ لكل منهما أن يتقاضى عمولة لقاء تنازله عن حقه. 3) إن من حق المدين الامتناع عن اداء الدين في غير المكان الذي وقع فيه عقد القرض، و لا يحق للدائن أن يطلب منه الوفاء في غير مكان العقد، و له ان يتقاضى عمولة لقاء التنازل عن حقه و قبوله الوفاء في مكان آخر. و على ضوء هذه الضوابط يظهر أنه يسوغ للبنك من الناحية الشرعية أن يتقاضى عمولة لقاء قيامه بهذه العملية بكافة تخريجاتها. و أما تخريجها على الطريق الأول، فلأن العميل إذا أمر البنك بتسديد قيمة الدين لدائنه المستفيد في بلده المقيم فيه، كان من حق البنك أن يطلب منه عمولة لقاء تسديد دينه في غير بلد القرض، إذ لا يجب عليه أن يلعب دور الاتصال بفرعه هناك أو بنك آخر، و يأمره بدفع قيمة الدين تطبيقا لتنفيذ أمر العميل مجانا، بل له أن لا يقوم بهذا الدور أو الخدمة بدون أجرة و عمولة، على أساس ان البنك غير ملزم بتسديد الدين في أي مكان يقترحه الدائن تطبيقا للضابط الثالث، و على هذا فان أراد الدائن من المدين الوفاء بدينه في مكان آخر غير مكان القرض، كان من حق المدين أن يتقاضى منه عمولة لقاء التنازل عن حقه. و أما تخريجها على الطريق الثاني، فلأن العميل حيث أنه أحال دائنه على البنك، فيصبح البنك بموجب هذه الحوالة مدينا لدائنه المستفيد و لكن لا يجب على البنك أن يسدد دينه إلا في مكان الحوالة و هو مكان الدين، و لا يكون ملزما بدفعه في بلد الدائن المقيم فيه، و إذا أراد الدائن ذلك، كان من حقه أن يتقاضى عمولة لقاء قيامه بهذا الدور. و أما تخريجها على الطريق الثالث، فلأن البنك المدين لعميله الآمر بالتحويل غير ملزم بأن يلعب دور الحوالة، بأن يحيل عميله على البنك في بلد المستفيد، لأنه ملزم بالأداء في مكان الدين لا في كل مكان أراد الدائن، و على هذا فإذا أمر العميل البنك بالتحويل على البنك في بلد المستفيد، فمن حق البنك المأمور ان لا يقبل ذلك مجانا و بدون عمولة. يتحصل من ذلك أنه يجوز للبنك أن يتقاضى عمولة لقاء قيامه بهذه العملية بكل تخريجاتها و تكييفاتها الشرعية.
شخص في بلد كالعراق مثلا مدين لشخص في بلد آخر كالهند، و أراد تسديد دينه و الوفاء به في بلده هناك المقيم فيه فما هو طريقه ؟ و الجواب:ان لذلك عدة طرق: الأول: ان الشخص المدين يصدر خطابا إلى البنك المدين له مباشرة، و يتضمن الخطاب الأمر بدفع قيمة الدين بعملة أجنبيه لدائنه المستفيد في بلده الهند المقيم فيه بواسطة ممثله هناك ان كان، و إلا فبواسطة بنك آخر، فإذا قبل البنك ذلك و قام بالعملية و لعب دورها فادى إلى وصول الدين للمستفيد هناك بأحد الطريقين، أصبح الشخص العميل مدينا للبنك بعملة أجنبية، و هو مدين للعميل بعملة داخلية، و بما أنه لا مماثلة بين الدينين، فلا يسقطان بالتهاتر. نعم بإمكان كل منهما إسقاط ما في ذمة الآخر، إلا إذا كانت قيمة أحدهما أزيد من قيمة الآخر فيطالب بالزائد، هذا من ناحية، و من ناحية أخرى إذا كان للبنك فرع في بلد المستفيد و أمره بدفع دين المستفيد هناك بعملة أجنبية فدفعه، لم يضمن البنك ما دفعه، لما مر من أن فرعه ممثل له و وكيل عنه فدفعه دفع البنك، لا دفع جديد في مقابل دفعه، و أما إذا لم يكن له فرع في بلده هناك ، فله أن يتصل ببنك آخر فيه و يأمره بدفع دين المستفيد هناك، فإذا دفعه ضمن البنك الآمر ما دفعه البنك المأمور بموجب هذا الآمر، فيصبح بذلك مدينا له. هذا إذا لم يكن للبنك الآمر رصيد مالي عند البنك المأمور هناك، و إلا فهو يدفعه من رصيده، و حينئذ فلا ضمان. و هل بإمكان البنك من الناحية الشرعية أن يتقاضى عمولة لقاء قيامه بهذه العملية أو لا ؟ و الجواب:نعم فإن بإمكانه ذلك على أساس أنه غير ملزم بدفع قيمة الدين بعملة أجنبية، و لا ببلدة أخرى غير بلدة القرض، كما إن للبنك في بلد المستفيد إذا لم يكن للبنك الآمر رصيد مالي عنده، و لا قرار و معاهدة بينهما على ذلك، ان يتقاضى عمولة لقاء قبوله الأمر منه و تنفيذه بدفع قيمة الدين للمستفيد في بلده من ماله. الثاني: ان العميل المدين للمستفيد في خارج البلد يقوم ببيع ماله في ذمة البنك من العملة الداخلية بعد
قبضها منه أصالة أو وكالة بالعملة الأجنبية، فيصبح البنك بذلك مدينا لعميله بالعملة الأجنبية، ثمّ يأمر العميل البنك بالحوالة، فيقوم البنك بموجب أمر عميله بدور الحوالة، فيحيله على فرع من فروعه في الخارج الممثل له، و لكن هذا لا يكون حوالة بالمعنى الفقهي، على أساس ما مر من أنه ليس للفرع ذمة أخرى في مقابل ذمة الأصل ليحال عليها، و أما إذا لم يكن له فرع فيه، فيحيله على بنك آخر هناك و يكون هذا حوالة بالمعنى الفقهي، إذ بها ينتقل الدين من ذمة البنك المحول إلى ذمة البنك المحول عليه، فيصبح البنك المحول بموجب هذه الحوالة مدينا للعميل الآمر، و حينئذ فبإمكان العميل أن يحيل دائنه المستفيد على البنك المحول عليه، و يكون هذا حوالة ثانية و بموجبها يصبح البنك المحول عليه مدينا للمستفيد و تبرأ ذمة العميل عنه. هذا إذا كان البنك المحول عليه مدينا للبنك المحول، و إلا فصحة الحوالة مشروطة بالقبول، باعتبار إنها حوالة على البري و هل بإمكان البنك من الناحية الشرعية أن يتقاضى عمولة لقاء قيامه بالحوالة أو لا ؟ و الجواب:نعم، فإن له ذلك، على أساس أنه غير ملزم بحوالة الدائن في بلد آخر، و له أن يطلب عمولة لقاء تنازله عن هذا الحق و قبوله الحوالة. الثالث: ان العميل المدين بعد عملية بيع العملة الداخلية بالعملة الأجنبية مع البنك، يطلب منه أن يدفع العملة الأجنبية للمستفيد بواسطة فرع من فروعه في الخارج أو بنك آخر، فإذا قام البنك بالعملية و تمت، برأت ذمة العميل من المستفيد و ذمة البنك من العميل، و اشتغلت ذمته، أي: البنك الآمر للبنك المأمور. هذا إذا لم يكن للبنك الآمر رصيد مالي عند البنك المأمور، و إلا فهو يدفع من رصيده و حينئذ فلا ضمان، و هل للبنك حينئذ أن يتقاضى عمولة شرعا لقاء قيامه بهذه العملية أو لا ؟ و الجواب:نعم، فإن له ذلك: إذ لا يجب عليه تسديد الدين في بلد آخر غير بلد القرض، و له حق الامتناع عن ذلك و عدم القبول بدون عمولة. التحويل إلى غير الدائن قد يقوم البنك بتحويل عميله غير الدائن على فرعه في بلد آخر أو بنك فيه، و لكن هذا لا يكون حوالة بالمعنى الفقهي، بل هو في الحقيقة اقراض من البنك ذلك العميل أو التبرع و الاهداء له، فلذلك لا يكون المحول له مالكا لقيمة الحوالة ما لم يقبضها نقدا، و هذه الحوالة جائزة شرعا، شريطة أن لا تكون ربوية باعتبار إنها ليست بحوالة، بل هي اقراض.
“خصم الكمبيالات أو تنزيلها” يراد بالخصم و التنزيل أن يدفع البنك أو غيره قيمة الكمبيالة قبل الموعد المحدد لها مقابل استقطاع مبلغ معين. و يمكن تخريج ذلك فقهيا بوجوه: الوجه الأول: بيع الكمبيالة نقدا بأقل مما تضمنتها من المبلغ. بيان ذلك: ان الكمبيالة المتداولة في الأسواق لم تعتبر لها مالية، و انما هي مجرد وثيقة لإثبات ان المبلغ الذي تضمنته دين في ذمة موقعها لمن كتبت باسمه، و هذا بخلاف الأوراق النقدية، فإن لها قيمة مالية، على أساس ان الجهة المصدرة لتلك الأوراق اعتبرتها ما لا بديلا عن الذهب و الفضة، لا مجرد انها وثيقة، و من هنا إذا دفع المشتري الكمبيالة للبائع لم يدفع ثمن البضاعة، و لو ضاعت الكمبيالة أو تلفت عند البائع لم يتلف منه مال و لم تفرغ ذمة المشتري، بينما إذا دفع المشتري له ورقة نقدية فقد دفع ثمن البضاعة و برأت ذمته منه و إذا تلفت عنده بعد ذلك و ضاعت فقد تلف ماله، و بعد ذلك نقول ان المستفيد من الكمبيالة الذي عرضها على البنك طالبا منه خصمها يبيع الدين الذي تمثله في ذمة محررها مؤجلا باقل منه نقدا، كما إذا كان الدين مائة دينار مثلا، فباعه المستفيد بخمسة و تسعين ديناراً نقدا، فإذا قبل البنك ذلك و اشترى ملك الدين الذي كان المستفيد يملكه في ذمة موقعها لقاء الثمن الذي يدفعه إليه حالا بموجب هذا البيع، فيكون هذا من بيع الدين نقدا باقل منه. و قد تسال:هل هذا البيع جائز أو لا ؟ و الجواب:ان المشهور بين الفقهاء جوازه إذا لم يكن الدين من الذهب و الفضة أو المكيل و الموزون، و حيث أن الدين الذي تمثله الكمبيالة ليس من الذهب و الفضة، فيجوز بيعه باقل منه نقدا، و لكنه لا يخلو عن اشكال، بل لا يبعد عدم جوازه، و ذلك للنصوص الخاصة الظاهرة في عدم جواز ذلك. منها: صحيحة محمد بن الفضيل، قال: قلت للرضا (ع): رجل اشترى دينارا على رجل، ثمّ ذهب
إلى صاحب الدين، فقال له: ادفع إلي ما لفلان عليك، فقد اشتريته منه، قال: ((يدفع إليه قيمة ما دفع إلى صاحب الدين، و برئ الذي عليه المال من جميع ما بقي عليه)) (1). فانها ظاهرة في ان المدين غير ملزم بدفع أكثر من المبلغ الذي دفعه المشتري إلى المستفيد، و أنه لا يستحق أكثر مما دفعه، و يعتبر الزائد عليها ساقطا عن ذمة المدين رأسا، و لا تشتغل ذمته بأكثر منه. و بكلمة ان المستفاد من الرواية أمور: الأول: بطلان بيع الدين نقدا بأقل منه. الثاني: براءة ذمة المدين من الدائن المستفيد. الثالث: اشتغال ذمته للمشتري بمقدار ما دفعه إلى المستفيد دون الأكثر. و دعوى: ان الرواية ساقطة بأعراض المشهور عنها، مدفوعة: بأن سقوط الرواية بأعراض المشهور منوط بتوفر أمرين: احدهما: ان يكون الاعراض من قدماء الاصحاب الذين يكون عصرهم متصلا بعصر اصحاب الائمة . و الآخر: ان يكون تعبدياً، بمعنى انه وصل اليهم من اصحاب الائمة (ع) يداً بيد و طبقة بعد طبقة، و لكن ليس بامكاننا احراز توفر كلا الامرين معاً، كما حققناه في علم الاصول، فإذا لا اثر لإعراض المشهور، و لا يكشف عن سقوط الرواية عن الاعتبار. و قد يقال: انه لم يفرض في الروايات شراء الدين باقل منه؟ و الجواب:ان الروايات ظاهرة في ذلك عرفا بمناسبة الحكم و الموضوع الارتكازية، و مع الاغماض عن هذا، فلا شبهة في اطلاقها و شمولها لصورة شراء الدين نقداً بالأقل منه. و على هذا فليس بامكاننا من الناحية الشرعية تخريج عملية خصم الكمبيالات فقهياً على اساس شراء الدين بأقل منه نقدا. الوجه الثاني: يمكن تكييف عملية خصم الكمبيالات فقهياً على اساس اشتراط البنك على المستفيد في عقد الشراء هبة مبلغ محدد من قيمة الكمبيالة، بان يقول له: اشتري منك الدين الذي تمثّله الكمبيالة بنفس قيمته بدون اي نقيصة مشروطاً، بان تهب لي من قيمتها مبلغاً محدداً بعد الشراء نقداً، و حينئذٍ فان وفى
بالشرط فهو المطلوب، و إلاّ فله فسخ الشراء، و لا بأس بهذا التكييف و التخريج شرعاً. الوجه الثالث: ان بامكاننا تكييف هذه العملية و تخريجها فقهياً، على اساس ان المشتري كالبنك يشترط على المستفيد في عقد الشراء عملا، كخياطة ثوب او كتابة شيء أو قراءة القرآن أو غير ذلك لقاء شرائه الدين الذي تضمنته الكمبيالة بنفس قيمته من دون اي نقص فيها، فان قبل المستفيد الشرط وجب عليه الوفاء به، و إلا كان له فسخ الشراء. الوجه الرابع: ان البنك يشتري الدين الذي تضمنته الكمبيالة بما يساوي قيمته، و لكنه يقتطع من القيمة مبلغاً معيناً، كعمولة لقاء الخدمة أو لقاء تحصيل المبلغ اذا كان يدفع في مكان آخر، لان العمولة لقاء الخدمة كأجرة كتابة الدين و تسجيله في السّجلات و حفظه جائزة، و لهذا يكون بامكان البنك ان يتقاضاها في كل قرض يقدمه لقاء تلك الخدمة، و حينئذٍ فيجوز هنا للبنك ان يتقاضى عمولة لقاء تحصيل قيمة الكمبيالة و تسجيلها بعنوان اجرة الكتابة و غير ذلك. الكمبيالات الصورية (المجاملية) قد تعارف بين الناس ان يكتب شخص لآخر من دون ان تكون ذمّته مشغولة له ورقة (كمبيالة)، تفيد بانه مديون له بمبلغ كذا كمائة دينار مثلاً، فمن اجل ذلك اطلق عليها (كمبيالة مجاملة) و حيث انّها لا تتضمن ديناً في ذمة محررها، فلا يصح بيعها؛ لانها في نفسها لا مالية لها و لا تمثل مالاً، و انما كتبت لتمكين المستفيد من خصمها فحسب، و على هذا فيمكن تكييف عملية الخصم في المقام على اساس احد أمرين: الأوّل: القرض. الثاني: البيع. اما الأوّل، فلان المستفيد قد ينوي القرض من الطرف الثالث كالبنك على ذمّته، فيستقرض خمسة و تسعين ديناراً مثلاً منه بمائة دينار مؤجلة لمدّة خمسة اشهر مثلاً، و بعد تمامية عقد القرض يقوم المستفيد بتحويل الطرف الثالث على الموقع للكمبيالة لكي يقبض منه المبلغ عند الاجل، و هذه الحوالة و ان كانت على البري في الواقع، الا انه بموجب توقيعه للكمبيالة و تعهده كان قد قبلها، و اذا
قام بعملية تسديد المبلغ و سدده، اصبحت ذمة المستفيد مشغولة له بنفس المبلغ، و قد ينوي القرض من الطرف الثالث في ذمة الموقع للكمبيالة بالوكالة، فيستقرض منه خمسة و تسعين ديناراً بمائة دينار على ذمته مؤجلة لمدة خمسة اشهر، و بعد تمامية عقد القرض يستقرض المستفيد منه هذا المبلغ و هو خمسة و تسعون ديناراً وكالة بمائة دينار على ذمّته مؤجلة, و لكن لا يمكن تكييف هذه العملية من الناحية الشرعية، على اساس القرض ؛ لانه ربوي على كلا الفرضين. و أما الثاني، فيمكن تخريجه فقهياً على اساس صورتين تاليتين: الاولى: ان المستفيد يشتري من الطرف الثالث، كالبنك مثلاً مبلغاً قدره خمسة و تسعون ديناراً بمائة دينار على ذمته مؤجلة لمدة خمسة اشهر، و بعد تكميل عملية البيع بين الطرفين يقوم المستفيد بعمليّة التحويل، فيحول الطرف الثالث على الموقع للكمبيالة ليتسلم مائة دينار عند الاستحقاق، و لا يمكن للموقع ان لا يقبل هذه الحوالة، فانها و ان كانت حوالة على البري في الواقع، إلا انّه قد قبلها بتوقيعه لها، فاذا قام بتسديد المبلغ الى الطرف الثالث، اصبح المستفيد مدينا له بنفس المبلغ و هو مائة دينار، و على هذا فلا اشكال في هذه العملية من الناحية الشرعية على الأظهر. الثانية: ان المستفيد بموجب هذه الكمبيالة وكيل من قبل الموقع في تنفيذ عملية الخصم مع الطرف الثالث، و عليه فيقوم المستفيد ج بموجب هذه الوكالة ج ببيع مبلغ قدره مائة دينار مثلاً على ذمة موكله مؤجلة لمدة خمسة اشهر بمبلغ قدره خمسة و تسعون ديناراً نقداً، و بعد تكميل هذه المعاملة البيعية، يكون الموقع مديناً للطرف الثالث بمائة دينار مؤجلة في مقابل خمسة و تسعين ديناراً نقداً، و هذا المبلغ حيث انه ملك للموقع، فلا يجوز للمستفيد ان يتصرف فيه، و حينئذٍ فعليه ان يجري معاملة جديدة مع الموقع وكالة، فيشتري منه المبلغ المذكور و هو خمسة و تسعون ديناراً نقداً بمبلغ قدره مائة دينار في الذمة مؤجلة لخمسة اشهر، فاذا تم هذا البيع بينهما أصبح المستفيد مالكاً للمبلغ نقداً و مدينا للموقع مؤجّلاً، و هذه العملية لا اشكال فيها شرعاً. قد يقال كما قيل: ان شرعية كلتا العمليتين مبنية على صحة بيع الاوراق النقدية الشخصية بالكلي منها في الذمة، كبيع خمسة و تسعين ديناراً مثلاً نقداً بمائة دينار في الذمة مؤجلة، و صحته موضع البحث و الاشكال.
و الجواب: ما مرّ من أن الاظهر صحة ذلك، و مع الاغماض عنه و تسليم ان هذا قرض واقعاً بلباس البيع، و لكن بامكاننا تخريج ذلك من الناحية الشرعية بطريقة اخرى، و هي ان للمستفيد أن يقوم ببيع عملة اجنبية على ذمته مؤجّلة للطرف الثالث، كالبنك مثلاً بعملة داخلية
نقدية، كما اذا باع الف تومان مثلاً على ذمته مؤجّلاً للبنك بثمانية و اربعين ديناراً نقداً، و لا اشكال في ان هذا بيع واقعاً لمكان التباين بين الثمن و المثمن و عدم انطباق احدهما على الآخر، ثمّ ان المستفيد يقوم باحالة البنك على الموقع للكمبيالة بما يساوي قيمة المبيع (ألف تومان) من الدينار العراقي و هو خمسون ديناراً مع التراضي بينهما على ذلك، و يكشف عن هذا التراضي قبول البنك الكمبيالة بما تضمنته من العملة و قبول الموقع الحوالة بتوقيعه لها. كما ان بامكان المستفيد ان يبيع الف تومان على ذمة الموقع وكالة عنه للبنك بثمانية و اربعين دينارا نقداً، و بعد عملية البيع يقدم المستفيد الكمبيالة الى المشتري و هو البنك في المثال، فاذا قبلها يملك ما يساوي قيمة المبيع في ذمة الموقع (الف تومان) و هو خمسون ديناراً عراقياً. ثمّ ان المستفيد يجري مع الموقع معاملة جديدة فيشتري منه المبلغ المذكور و هو ثمانية و اربعون ديناراً بألف تومان مؤجّلاً.
تحصيل الشيكات التجارية: يقوم البنك بتحصيل قيمة الشيكات من المدينين لحساب الدّائنين، فانه قبل حلول موعد استحقاق الشيك بايام اخطر المدين، و يوضح فيه رقم الشيك و تاريخ استحقاقه و ما تضمنه من المبلغ، و بعد الحصول على قيمته من الدين يدفعها الى المستفيد اذا طلب ذلك او يقيدها في رصيده بعد خصم مصارف التحصيل، و هذه العملية جائزة شرعاً و لا اشكال فيها. نعم، لا بد من الاقتصار على تحصيل نفس قيمة الشيك، فلا يجوز تحصيل فوائدها الربوية، و هل بامكان البنك ان يتقاضى عمولة ازاء قيامه بهذه الخدمة أولا ؟ و الجواب: نعم اذ لا يجب عليه ان يقوم بتلك الخدمة مجاناً. و من هذا القبيل الشيكات التي يقدمها المستفيد الى البنك و هي غير محولة عليه ابتداءً، و يطلب منه تحصيل قيمتها عند الاستحقاق و دفعها اليه نقداً، او تقييدها في رصيده، و يجوز للبنك اخذ عمولة لقاء هذه الخدمة، كاتصاله بالمدين و مطالبته بالوفاء. نعم لو كانت الشيكات محولة على البنك ابتداءً من عميله الدائن، لم يجز له أخذ العمولة على الوفاء بها، لأن البنك يصبح بموجب حوالة محرر الشيك عليه مدينا للمستفيد بقيمة الشيك، باعتبار ان للمُحرر رصيداً مالياً فيه، و
التحويل من الدائن على مدينه نافذ من دون حاجة الى قبول المدين، الا اذا اشترط على الدائن في عقد القرض عدم الحوالة عليه، و عملية الوفاء بالدّين و ان توقفت على بذل جهد و انفاق عمل، فلا يستحق المدين عليها عمولة. يتضح من ذلك ان بامكان البنك ان يأخذ عمولة على تحصيل الشيكات و الكمبيالات اذا لم تكن محولة عليه ابتداءً، و يمكن تخريج هذه العمولة من الناحية الشرعية بوجوه: الأوّل: ان تكون العمولة من باب اجرة المثل من دون ان تكون بينهما معاقدة على الأجرة المحدّدة. الثاني: ان تكون العمولة جعالة، بتقريب ان المستفيد يجعل جعلا للبنك إذا قام بتحصيل قيمة الشيك و الصك من المدين، و بعد التحصيل يستحق البنك العمولة على المستفيد. الثالث: أن تكون اجارة، فان المستفيد يستأجر البنك على القيام بهذه العملية و الخدمة لقاء أجرة معينة، فتكون الاجارة على نفس العمل، و على هذا فصحة الاجارة منوطة بكون البنك قادرا على تحصيل الدين و تسليمه إلى الدائن، و إلا فالاجارة باطلة، لأن الاجير لا يمكن أن يملك ما ليس من منافعه المملوكة. و بكلمة: إن قدرة الأجير على الفعل معتبرة في صحة الاجارة لسببين: الأول: ان القدرة دخيلة في مالكية الاجير للمنفعة التي يملكها للمستأجر في عقد الاجارة مثلا إذا لم يكن الشخص قادرا على الخياطة، فلا يكون مالكا لهذه المنفعة لكي يصح منه تمليكها لغيره. الثاني: إن القدرة على التسليم معتبرة في صحة الاجارة، بلا فرق بين أن تكون الاجارة على الاعمال أو على منافع الاموال، فاذا عجز الاجير عن العمل المستأجر عليه فقد أخل بشرطية القدرة على التسليم. و قد تسأل: هل يحكم بصحة الاجارة مع الشك في قدرة البنك على تحصيل الدين أولا ؟ و الجواب:ان الاجارة الواقعة مع الشك في القدرة تتبع الواقع، فتصح إذا كان البنك قادرا على تحصيل الدين واقعا، و تبطل اذا كان عاجزا عنه كذلك، و حينئذ فلا يستحق البنك الاجرة بالمطالبة باعتبار ان الاجارة لم تقع عليها و انما وقعت على تحصيل الدين، فان تسلم الدين واخذه من المدين و دفعه إلى الدائن أو قيده في رصيده كشف ذلك عن قدرته على العمل المستأجر عليه، و بالتالي عن صحة الإجارة و استحقاقه الأجرة، و إلا كشف عن
عدم قدرته عليه و بالتالي عن بطلان الاجارة و عدم استحقاق الاجرة. فالنتيجة ان البنك يستحق الاجرة على ضوء الوجه الأول و الثاني بعد العمل المستأجر عليه و هو تحصيل الدين من المدين، و على الوجه الثالث بعد تمامية العقد و اكماله اذا كان قادرا على تحصيل الدين. نعم لو كانت الجعالة أو الاجارة على المطالبة، فإن البنك يستحق الاجرة على الجعالة بعد المطالبة و الالحاح، سواء أدى إلى تحصيل الدين أم لا، و على الاجارة من حين العقد و أن لم يكن قادرا على تحصيل الدين إذا كان قادرا على المطالبة.
الكمبيالات قبول البنك الاوراق التجارية: و هو على نحوين: أحدهما: ان البنك يقبل الورقة التجارية، بمعنى أنه يتحمل مسئوليته أمام المستفيد من الورقة و يجعلها في عهدته، و الآخر أنه يقبلها و لكنه لا يتحمل أي مسئولية أمام المستفيد، و انما يؤكد على وجود رصيد مالي له أي: لمحرر الورقة التجارية باسم الشيك أو الكمبيالة عنده يصلح لأن تخصم منه قيمة تلك الورقة، أما الأول فهو جائز شرعا، و هل هو على أساس عقد الضمان بمعناه الفقهي المعروف لدى فقهاء الإمامية و هو نقل دين من ذمة إلى ذمة، لا ضم ذمة إلى ذمة الذي هو باطل، أو على أساس التعهد بوفاء المدين بدينه ؟ و الجواب:أنه على أساس التعهد لا على أساس عقد الضمان بمعناه المعروف، إذ من الواضح إن البنك لا يقصد بقبوله الورقة التجارية باسم الكمبيالة أو الشيك نقل الدين من ذمة المدين إلى ذمته، بل يقصد به معنى آخر للضمان، و هو تعهده بوفاء المدين دينه، فالضمان هنا ليس ضمانا لنفس مبلغ الدين بديلا عن الدين، بل هو ضمان لأدائه مع بقاء الدين في ذمة المدين الأصلي، و نتيجة ذلك أنه لو تخلف المدين عن الوفاء، فعلى البنك المتعهد الوفاء به، و هذا يعني إن المستفيد من الورقة يرجع إليه و يأخذ قيمتها منه. و أما الثاني: و هو قبول البنك الورقة و توقيعه لها بدون أن يتحمل مسئولية الوفاء أمام المستفيد، و إنما يقصد به التأكد على وجود رصيد مالي لمحرر الورقة يكفي لخصم قيمتها منه فهو أيضا جائز شرعا و لا مانع منه أصلا، و حيث أن ذمة المحرر قد أكسبت من قبول البنك الورقة و توقيعه لها اعتبارا و ثقة بين الناس، فبإمكان البنك أن يأخذ عمولة على هذا القبول.
(خطاب الضمان) ذات أطراف ثلاثة: 1. المكفول: و هو المتعهد و المقاول. 2. المكفول له: و هو المتعهد له المستفيد سواء كان جهة حكومية عامة أو خاصة أم أهلية كذلك. 3. الكفيل: و هو البنك. المتعهدون و المقاولون الذين يتولون مشروعا بالمناقصة، كبناء مستشفى أو مصنع أو معمل أو إحداث طرق أو تبليطها أو مجمع سكني أو مسجد أ, غير ذلك لجهة حكومية أو شركة أهلية على المواصفات المعينة و في فترة زمنية محددة، فاذا تمت المقاولة و المعاهدة بينهما بمواصفاتها و شروطها وجب عليهم القيام بالعمل و تنفيذ المشروع، و قد تشترط تلك الجهة على المقاولين في ضمن عقد المقاولة و المعاهدة أن يدفعوا مبلغا معينا من المال في حالة عدم انجاز المشروع و عدم اكماله في موعده المحدد، أو الانسحاب عنه دون الاتمام، و لتعزيز عنصر الثقة و الامانة للوفاء بالشرط تطلب الجهة المستفيدة من المقاولين ضمانات و كفالات مالية لذلك فالمقاولون من أجل تعزيز هذا العنصر يلجئون إلى البنك، و يطلبون منه الضمان و التعهد لتلك الجهة بالمبلغ المذكور، فإذا وافق البنك على ذلك أصدر خطاب ضمان يتعهد فيه للجهة المستفيدة بالمبلغ المقرر في حالة تخلف المقاولين عن القيام بتعهداتهم. و هذا الشرط صحيح شرعا و نافذ و يجب الوفاء به ما دام واقعا في عقد صحيح كعقد الايجار مثلا، و مقتضى صحته ان للجهة المستفيدة حقا شرعيا ان ترجع الى البنك و تطلب منه المبلغ المشروط في حالة تخلف المقاولين عن القيام بتعهداتهم و الامتناع عن دفع المبلغ لها و أما إذا كان تخلف المقاولين من جهة بطلان العقد فلا تستحق الجهة المستفيدة ان تطالب المقاولين بالمبلغ المشروط، لفرض أن الشرط قد بطل ببطلان العقد، و ذلك كما إذا كان العقد عقد اجارة و كان مورد الاجارة المنفعة الخارجية لا المنفعة في الذمة، ففي مثل ذلك اذا كان الاجير عاجزا عن ممارسة العمل المستأجر عليه، فمعنى هذا بطلان أصل الاجارة، لانكشاف ذلك كون تلك المنفعة ليست من منافع الاجير، و حينئذ فيبطل الشرط المفروض في عقد الاجارة بالتبع، ثمّ ان هذا الشرط هل يمكن ان يكون بنحو شرط النتيجة، بمعنى: أن الجهة المستفيدة (و هي المكفول و المتعهد له) تشترط على المقاول أن تكون مالكة كذا مبلغا في ذمته إذا تخلف عن تعهداته أو لا ؟
و الجواب: أن شرط النتيجة في المقام غير صحيح لأن النتيجة المشترطة و هي اشتغال ذمة المقاول كذا مبلغا من المال ابتداء ليست من المضامين المعاملية المشروعة، و أدلة نفوذ الشرط لا تكون مشرعة لأصل المضمون، و انما هي متكفلة لبيان صلاحية الشرط لان ينشأ به المضمون المشروع في نفسه. و الخلاصة: أن الشرط في المقام لا يمكن أن يكون بنحو شرط النتيجة، بل لا بد أن يكون بنحو شرط الفعل، بأن تشترط الجهة المستفيدة على المقاول أن يملك لها كذا مبلغا من المال في حالة تخلفه عن تعهداته، و لا فرق في صحة هذا الشرط بين أن يكون الفعل المشترط خصوص فعل المقاول أو الاعم منه و من فعل غيره كالبنك. و قد تسال: ما هو المراد من الضمان في خطابات الضمان ؟ و الجواب: ان المراد منه التعهد بشيء و جعله في عهدة الشخص، لا نقل الدين من ذمة إلى ذمة و لا ضم ذمة إلى ذمة، فانه باطل، و من هنا قلنا: ان قبول البنك للكمبيالات أنما هو بمعنى تعهده لأداء الدين و جعل نفسه مسئولة عنه لا بمعنى نقل الدين من ذمة إلى ذمة فالمدين مسئول و مشغول الذمة بذات المبلغ و الضامن كالبنك مسئول عن أداء ذلك المبلغ أي أنه مسئول عن خروج المدين عن عهدة مسئوليته و تفريغ ذمته، و عليه فليس للدائن أن يرجع ابتداء على الضامن بهذا المعنى،و انما يرجع إليه اذا أمتنع المدين عن الوفاء فان معنى هذا الامتناع ان ما تعهد به الضامن و هو اداء المدين الدين لم يتحقق، فاذن تشتغل ذمته بقيمة الاداء و هي قيمة الدين، باعتبار أن الاداء في نفسه لا مالية له إلا بلحاظ مالية نفس الدين، و على هذا الأساس فمعنى خطاب الضمان هو تعهد البنك بأداء الشرط و جعله في عهدته كتعهده بأداء الدين على حد أداء العين المغصوبة الذي هو على عهدة الغاصب، غاية الأمر أن أداء العين المغصوبة على عهدة الغاصب أمر قهري، و أما أداء الشرط أو أداء الدين في عهدة البنك انما هو بسبب إنشائه هذا التعهد اختيارا النافذ بمقتضى الارتكاز العقلائي الممضى شرعا، بل هو مشمول لعموم قوله تعالى: ((أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)) باعتبار أنه عقد بين اثنين، و كما أن العين المغصوبة اذا تلفت اشتغلت ذمة الغاصب ببدلها من المثل أو القيمة، كذلك أداء الشرط أو أداء الدين، و معنى تلف أداء الشرط أو الدين: امتناع المشروط عليه و المدين عن الاداء، فاذن تحولت العهدة الجعلية إلى اشتغال الذمة بقيمة اداء الشرط أو اداء الدين الذي هو قيمة نفس الشرط و الدين و بالتالي بالشرط و الدين.
و هناك إشكال، و هو: ان تعهد البنك باداء الدين و ان كان يؤدي الى اشتغال ذمته بالاداء عند امتناع المدين عنه و بالتالي بالدين، على اساس ان الدين مملوك للدائن إلا ان تعهده بأداء الشرط في المقام لا يؤدي إلى اشتغال ذمته بالاداء عند امتناع المشروط عليه عنه و بالتالي بنفس الشرط، باعتبار أن المشترط لا يكون مالكا للشرط في ذمة المشترط عليه، و في المقام أن الجهة المستفيدة التي تشترط على المقاول بنحو شرط الفعل أن يدفع إليها ألف دينار مثلا إذا تخلف عن تعهداته لا تكون مالكة لألف دينار في ذمته لأن مفاد الاشتراط في موارد شرط الفعل هو أن المشروط عليه يلتزم للمشروط له بالفعل كالخياطة و تمليك مبلغ من المال أو غير ذلك، لا أنه يلتزم بان الفعل للمشروط له و ملك له، و على هذا فلا يمكن افتراض ان تعهد البنك بالشرط يؤدي الى تملك الجهة المستفيدة للشيء في ذمته، رغم أنها لا تملك شيئا بسبب الشرط في ذمة المقاول و المتعهد.
و الجواب: ان المشروط له و ان كان لا يملك العمل في ذمة المشروط عليه، إلا أنه لا شبهة في أن الشرط بما هو شرط حق للمشروط له و له مالية، و لهذا يبذل بازاء اسقاطه المال، فاذا كانت للشرط مالية كان يضمن بالتفويت، و على هذا فاذا تعهد البنك باداء الشرط من المشروط عليه كان مرجعه إلى ضان قيمته عند تفويته، و تفويته إنما هو بامتناع المشروط عليه عن الاداء و الوفاء به، و حيث أن قيمة الاداء إنما هي بلحاظ قيمة الفعل لا في نفسه، فاذن تشتغل ذمته بقيمة الفعل، و دعوى: أنه لا معنى للضمان بالتفويت و الاتلاف إذا لم يكن المفوت و المتلف مملوكا، و المفروض أن الفعل المشروط لا يكون مملوكا للمشروط له حتى يضمن بالاتلاف و التفويت. مدفوعة بأنه لا موجب لتخصيص الضمان بالتفويت و الاتلاف بما إذا كان المفوت و المتلف مملوكا لغير المفوت و المتلف، بل يكفي في ذلك كونه مضافا إلى غيره و لو بنحو من الحقية التي لها مالية عرفا، لكي يكون مشمولا لدليل الضمان في نظر العرف و العقلاء. و مع الاغماض عن ذلك و تسليم أنه لا معنى للضمان و الاتلاف إذا لم يكن المفوت و المتلف مملوكا، و لكن بإمكاننا أن نقول: أن معنى تعهد البنك باداء الشرط: التزامه به على تقدير تخلف المشروط عليه و عدم الاداء، و هذا يعني أن البنك تعهد أن المقاول إذا لم يف بالشرط و لم يؤد و امتنع عن الاداء فهو يفي به و يؤديه، فيكون وجوب الوفاء عليه كوجوب الوفاء على المشروط عليه، بمعنى انه تكليفي من دون أن تكون ذمته مشغولة بشيء ، و لا مانع من صحة هذا
التعهد بمقتضى أدلة وجوب الوفاء بالعقود، و بما ذكرناه ظهر أنه لا وجه لمحاولة تطبيق الكفالة بمعناها المعروف لدى الفقهاء، و هو كفالة النفس على خطابات الضمان للبنك، و كفالاته للمقاولين، ثمّ الاشكال على أن هذه الكفالة لا تقتضي الضمان المالي، فان أثرها احضار نفس المكفول فقط لا غير، وجه الظهور ما مر من أن كفالة البنك إنما هي بمعنى الضمان المالي، لكن لا بمعنى نقل الدين من ذمة إلى ذمة، و لا ضم ذمة إلى ذمة، بل بمعنى التعهد بأداء الدين أو الشرط كما مر، لا بمعنى إحضار نفس المكفول، ثمّ أن الطرف الثالث كالبنك إذا أصدر خطاب ضمان و تعهد بموجب أمر طالب الضمان للجهة المستفيدة بالمبلغ المقرر في حالة تخلف المقاول عن تعهداته و التزاماته، فان كان ذلك الخطاب مرتبطا بالعقد الواقع بينها و بين المقاول، أو كان في ضمن عقد آخر لازم، كان من خطاب الضمان النهائي، فيجب عليه الوفاء به إذا تخلف المقاول عن تعهداته و لم يف بالشرط عليه عند التخلف، و ان لم يكن مرتبطا بالعقد اللازم لا بالعقد الواقع بينهما و لا بعقد آخر، فهو من الضمان الابتدائي، فلا يجب الوفاء به، لأنه وعد ابتدائي من الطرف الثالث و غير ملزم.
للبنك أن يتقاضى عمولة من المقاولين لقاء كفالته للجهة المستفيدة، و يمكن تخريج ذلك من الناحية الشرعية بوجوه: الأول: يمكن أن يكون ذلك من باب أجرة المثل التي يتقاضاها الأجراء للقيام بمثل هذا العمل من دون أي عقد بينهما على الأجرة. الثاني: يمكن أن يكون ذلك من باب الجعالة، فإن المقاول جعل للبنك جعلا بإزاء كفالته، و يكون ملزما بدفعه له بعد صدور خطاب الكفالة و الضمان من البنك. الثالث: يمكن أن يكون ذلك من باب المصالحة و التراضي بينهما على أجرة محددة.
الظاهر أن بإمكان البنك الرجوع على المقاول و مطالبته بما دفعه من المبلغ المشروط في عقد المقاولة للجهة المستفيدة على أساس أن ذلك إنما يكون بأمر المقاول و طلب منه، و عليه فاذا قام البنك بالاداء بموجب أمره و طلبه و ادّاه فعليه ضمانه، يتلخص من ذلك أن ذمة المقاول تشتغل للبنك اذا قام البنك و ادّى الشرط بموجب أمره. نعم، إذا كانت كفالته للمقاول بدون أمره و طلبه، فليس من حقه أن يرجع إليه و يطالبه بما دفعه عنه.
فتح الاعتماد: يعرف فتح الاعتماد بأنه عقد و تعهد بين البنك و العميل، و يضع البنك بموجب هذا العقد و التعهد مبلغا تحت تصرف العميل في فترة محددة، و له أن يسحب مبلغ الاعتماد دفعة واحدة أو على فترات أو بالشكل المتفق عليه في طول تلك الفترة، و أثره تعهد البنك و التزامه بإيجاد الاعتماد و الائتمان للعميل، و إما العميل فهو لا يكون ملزما باستعماله، فإذا استخدم العميل مبلغ الاعتماد فعلا أصبح العقد لازما من الطرفين، و على العميل حينئذ أن يرد المبالغ التي سحبها من الاعتماد و يدفع فوائدها، و أما إذا لم يضطر في عملياته التجارية إلى سحب الأموال الموضوعة تحت تصرفه، فلا يلزم بدفع فائدة عنها، لعدم تحقق عملية القرض، على أساس إنها مشروطة بقبض المال المقترض و ما لم يتحقق القبض فلا قرض. و الخلاصة: إن فتح الاعتماد يتمثل في وضع البنك مبلغا من المال المحدد تحت تصرف عميله في فترة زمنية محددة، و له استخدامه في عملياته التجارية دفعة واحدة أو تدريجيا إذا لم يكن هناك شرط، و حيث إن استخدامه للمال اقتراض مع الفائدة فلا يجوز. و قد تسال: هل يمكن تكييف هذه الفائدة فقهيا بفائدة غير ربوية أو لا ؟ و الجواب:قد يقال بإمكان ذلك، بتقريب أن من حق البنك أن يتقاضى عمولة من العميل لقاء قيامه بعملية عقد فتح الاعتماد، و هو وضع مقدار من ماله تحت تصرفه متى شاء، على أساس إن هذه العملية ليست عملية الاقتراض التي تتمثل في دفع المقرض نفس المال إلى المقترض. نعم، إذا قام العميل بسحب ذلك المال من البنك كلا أو بعضا تحقق القرض بالنسبة إلى المال المقبوض، و ما دام لم يسحب منه فلا قرض. و يمكن المناقشة في هذا التقريب بأنه ليس لدى العرف و العقلاء لهذه العملية مالية إضافية وراء مالية نفس المال الذي وضع تحت يده و تصرفه، بل ماليتها هي مالية نفس ذلك المال، و لهذا لا تقبل الضمان و لا تصح الجعالة عليها و لا الإجارة، و على هذا فاخذ العمولة عليها في الحقيقة أخذ العمولة على المال المسحوب و المقترض و هو ربا محرم شرعا، و على هذا فلا يمكن هذا التكييف الشرعي. نعم يمكن تحويل هذه الفائدة الربوية إلى فائدة غير ربوية باشتراط العميل على البنك القيام بتلك العملية في ضمن إيقاع عقد معه كهبة أو بيع أو صلح مع أخذ نسبة الفائدة فيه بعين الاعتبار.
فتح الاعتماد المستندي:
و هو عقد يتعهد البنك بموجبه و يلتزم على عاتقه أن يدفع ثمن البضاعة نقدا أو يقبل الشيكات عند تسليم المستندات من المصدر بكامل شروطها المتفق عليها مسبقا. و ذلك بموجب طلب فاتح الاعتماد و هو المشتري المستورد من البنك ذلك لصالح المصدر بالخارج مقابل عمولة محددة، فإذا تم الاتفاق على ذلك أصدر البنك خطاب ضمان و تعهد إلى المصدر، و أصدر خطاب ضمان و تعهد إلى المستورد و يتعهد فيهما بجميع ما في الاعتماد المستندي من الشروط، مثال ذلك: تاجر عراقي إذا أراد استيراد البضائع الأجنبية من الخارج عن طريق البنوك، يصدر أوامره و تعليماته إلى احد البنوك المحلية في العراق بفتح اعتماد مستندي لصالح المصدر الأجنبي، و يذكر فيه كافة التفاصيل التي يجب أن تظهر في المستندات التي يطلب من المصدر قبل أن يدفع له الثمن، و حينئذ يقوم البنك في العراق بالاتصال مع بنك مراسل الذي يعمل كوكيل له في بلد المصدر، و يرسل إلى البنك المراسل إشعار بفتح اعتماد مستندي لصالح المصدر، فيقوم البنك المراسل بتقديم الإشعار إلى المصدر و يحتفظ بنسخة منه، و ذلك فيما يسمى في عالم البنوك بخطاب الاعتماد، و إذا تسلم المصدر خطاب الاعتماد من البنك الوكيل كان يطمئن بدفع ثمن البضاعة، و من ثمّ يبدأ في تحضير البضاعة المباعة و اتخاذ إجراءات لتصديرها بحرا أو برا أو جوا، و عند ذلك يقدم للبنك المراسل مستندات البضاعة المتمثلة في سند الشحن و وثيقة التأمين و فاتورة الثمن، و يطلب منه تسليم الثمن المتفق عليه في عقد البيع و المذكور في الاعتماد المستندي المفتوح لصالحه، و يقوم البنك في هذا الوقت بفحص المستندات بدقة كاملة وفقا لشروط الاعتماد المستندي، فإن وجدها سليمة و مطابقة لجميع الشروط و المواصفات الواردة في الاعتماد المستندي قام بدفع الثمن للمصدر. و بكلمة: إن البنك الوكيل مأمور بموجب ما تلقاه من التعليمات من البنك الأصلي في بلد المستورد بفحص المستندات بكامل الدقة، و مطابقتها لشروط الاعتماد المستندي قبل دفع قيمة البضاعة، فإن تم كل ذلك حسب الشروط، قام البنك الوكيل يدفع القيمة للمصدر ثمّ يقوم بإرسال المستندات إلى البنك الأصلي، و اثر فتح الاعتماد المستندي تعزيز عنصر الثقة المتبادلة بين المصدرين و المستوردين، فالمصدر البائع قد لا يعرف المستورد المشتري في البلد الأجنبي و بالعكس، أو يعرفه
و لكنه لا يدري مدى قدرته المالية و ثقته، و في هذه الحالة لا يرغب المصدر التخلي عن المستندات التي تمثل ملكية البضاعة حتى يكون واثقا و مطمئنا إلى دفع الثمن، و لا المستورد الدفع إلى البائع المصدر ما لم يكن مطمئنا بسلامة المستندات، و هنا يأتي دور البنك بموجب طلب المستورد المشتري منه فتح الاعتماد المستندي لصالح المصدر الأجنبي حتى يمنح كل منهما الثقة المطلوبة بالآخر و يعززها، و يفي برغبات كل من المصدر و المستورد في البيوع المتبادلة بينهما، و من هنا قد يطلب المصدر من البنك الوكيل أن يدفع ثمن البضاعة بواسطة كمبيالة مسحوبة على البنك الأصلي في بلد المستورد مباشرة، لا على المستورد الذي قد لا يكون معروفا في البلد الأجنبي. و من ثمّ قد أصبح فتح الاعتماد المستندي من أهم الوسائل و الطرق للتجارات الخارجية و أكثرها انتشارا في العالم لتسوية المبادلات الدولية و غيرها، لما يوفره من ثقة و طمأنينة لأطراف الصفقات التجارية بعضهم ببعض، و يجوز استخدامه في البيوع و التجارات الداخلية أيضا، و إن شئت قلت، إن البنك إذا طلب منه أحد عملائه فتح اعتماد مستندي أصدر خطاب اعتماد إلى المصدر و يتعهد فيه بدفع ثمن البضاعة، شريطة أن يقدم المصدر المستندات التي تمثل بضاعة منقولة أو معدة للنقل مطابقة لتمام شروط الاعتماد المستندي و مواصفاته حرفيا، و إلا فان البنك يمتنع عن الدفع، و أصدر خطاب اعتماد إلى المستورد، و يتعهد فيه بعدم دفع الثمن ما لم يستلم المستندات مطابقة لجميع الشروط و المواصفات الواردة في عقد الاعتماد، و على ضوء هذا الأساس فالبنك بموجب عقد فتح الاعتماد المستندي متعهد لزوما بدفع ثمن البضاعة مطابقة للمواصفات و الشروط الواردة في الاعتماد المستندي، و قد يكون عقد فتح الاعتماد جائزا، و يسمى في عالم البنوك بالاعتماد القابل للإلغاء أو بالاعتماد غير المؤبد، و يقتصر دور البنك في هذا النوع من الاعتماد على مجرد إخطار المصدر المستفيد بأنه قد فتح الاعتماد لحسابه بناء على طلب الآمر اعتمادا في حدود مبلغ معين من دون أي التزام أو مسئولية من جانب الآمر، و هذا النوع من الاعتماد غير مرضي في التبادل التجاري بين المصدر و المستورد إلا في حالات خاصة، و هي ما إذا كان عنصر الثقة بين البائع و المشتري وطيدا، فان في مثل هذه الحالة أختار هذا النوع من الاعتماد، على أساس أنه رخيص و قليل التكاليف فلا داعي لاختيار الاعتماد غير القابل للإلغاء و المؤبد.
و اعتماده عليها دون البنك، و في هذه
الحالة لا يكون البنك ملزما بدفع الثمن بمجرد تسلم المستندات من المصدر و مطابقتها للشروط المتفق عليها مسبقا قبل إرسالها إلى المستورد، بل عليه أن يرسل تلك المستندات إليه، فإذا وافق عليها و وجدها مطابقة للشروط المسبقة كان على البنك ان يدفع الثمن إلى المصدر.
كما و كيفا إلى البنك من دون معاملة مسبقة بينه و بين المشتري في بلد البنك، و إرسال تعليمات تتضمن الأمر بعرض المستندات على المستثمرين و رجال الأعمال و شروطها، و حينئذ فيقوم البنك بعرض تلك المستندات عليهم في بلد البنك، فإن رغب منهم في شراء تلك البضائع و قبل المستندات يطلب من البنك فتح الاعتماد، و حينئذ يقوم البنك المستورد بالاتصال مع البنك المراسل في بلد المصدر و يرسل إليه أشعارا بالبيع و بفتح الاعتماد لصالحه، و يأمره بإرسال البضائع بطريق البر أو البحر أو الجو، فإذا قام بإرسالها و شحنها دفع البنك المراسل ثمنها إليه. و فتح الاعتماد المستندي بتمام أشكاله المشار إليها و صوره جائز من الناحية الشرعية، و لا مانع شرعا من قيام البنك بدور الضمان و التعهد للبائع المصدر بدفع ثمن البضاعة عند تسلم المستندات مطابقة لتمام الشروط، و بدوره للمشتري بعدم دفع الثمن ما لم يتسلم المستندات بكامل شروطها و مواصفاتها، و كما يجوز شرعا للبنك أن يتقاضى عمولة لقاء قيامه بهذا الدور الذي يوسع مجال المبادلات التجارية الدولية، كذلك يسهل المعاملات في العالم ككل، و يعزز عنصر الثقة و الأمانة بين المصدرين و المستوردين، لأنها أجرة على العمل الحلال،
و حينئذ فيقوم البنك بدوره بتكليف البنك المراسل في بلد المصدر بدفع قيمة البضاعة بعد تسلم المستندات مطابقة لتمام الشروط الواردة في الاعتماد المستندي، ثمّ يقوم البنك الاصيل بخصم القيمة من رصيده المالي بسعر الوقت، و يمكن تخريج ذلك فقهيا بأحد وجوه: الأول: إن البنك يقوم بدفع ثمن البضاعة للمصدر بواسطة البنك المراسل في بلده بعملة أجنبية بموجب تعهده بذلك في عقد الاعتماد، و حيث إن هذا الدفع كان بامر المستورد، فبطبيعة الحال
يضمن تلك العملة و يصبح بذلك مدينا للبنك بعملة أجنبية، و البنك مدين له بعملة محلية، و بما إن فتح الاعتماد يتضمن توكيل البنك في أن يخصم قيمة البضاعة من حسابه الجاري لديه، فبإمكانه أن يأخذ عملة محلية من حسابه بديلا عن العملة الأجنبية بسعر الوقت، و هذا جائز شرعا، كما يجوز له اخذ العمولة عليه، على أساس أن الدائن أمر المدين بأداء دينه في غير مكانه الطبيعي، و له أن لا يقبل ذلك من دون عمولة. الثاني: إن المشتري المستورد يقوم بخصم مبلغ من رصيده لدى البنك المساوي لثمن البضاعة، ثمّ يقوم ببيعه على البنك بعملة أجنبية، فإذا باع أصبح مالكا في ذمة البنك عملة أجنبية، و بعد ذلك يقوم البنك بدوره بتكليف البنك المراسل في بلد المصدر بدفع الثمن إليه بالعملة الأجنبية و هذا جائز شرعا لأنه من يبيع عملة محلية حاضرة بعملة أجنبية في الذمة. نعم، لا يجوز للمستورد أن يبيع ما في ذمة البنك من العملة المحلية بعملة أجنبية في ذمته لأنه من بيع الدين بالدين و هو غير جائز، كما أن للبنك أن يأخذ عمولة لقاء تسديد الدين في غير مكانه الطبيعي. الثالث: إن البنك في بلد المستورد يقوم باحالته على البنك المراسل في بلد المصدر الأجنبي، و بموجب هذه الحوالة أصبح ذلك البنك في بلد المصدر مدينا للمستورد بعملة أجنبية، و حينئذ فيحيل المستورد دائنه المصدر على البنك المراسل المدين له، فتكون هنا حوالتان متعاقبتان، و كلتاها من الحوالة على المدين، و تكون صحتها على القاعدة، و كما يجوز للبنك أخذ العمولة على هذه الحوالة، على أساس أنها تتضمن أداء الدين في غير مكانه الطبيعي بموجب طلب الدائن.
و لكن البنك بموجب اعتماده عليه و ثقته به قبل طلبه بفتح الاعتماد المستندي، و اصدر خطاب ضمان و تعهد للبائع بدفع الثمن الأجنبي له في بلده من ماله الخاص عند تسلم المستندات بكامل شروطها، و حينئذ فإذا قام البنك بدوره بتكليف البنك المراسل بدفع الثمن له ضمن المستورد قيمة الثمن بموجب أمره بالدفع، و أصبح مدينا له، و هذه العملية في نفسها جائزة شرعا، و يجوز أخذ عمولة عليها كذلك. نعم إن هذه العملية تتبع فائدة ربوية في حالتين: إحداهما: إن البنك بموجب نظامه التقليدي الربوي يحسب فائدة على المستورد مقابل الدين في ذمته.
و الأخرى: إن البنك إذا أخر دفع الثمن الذي يستحقه المصدر على المستورد عن وقت الدفع إلى فترة يحسب له فائدة، و حيث إنها فائدة على تأخير الدين فهي ربوية، فلا يجوز أخذها. و هل بامكاننا تكييف هذه الفائدة في كلتا الحالتين فقهيا إلى فائدة غير ربوية أو لا ؟ و الجواب: نعم، فان بامكاننا ذلك. أما في الحالة الأولى، فيمكن للبنك أن يضيف هذه الفائدة المجددة إلى عمولة فتح الاعتماد، فإنه حينما قبل فتح الاعتماد بموجب طلب عميله في مقابل عمولة يضيف إليها تلك الفائدة و لا يحسب على الدين، كما ان بامكانه أن يأخذ الفائدة المذكورة بعنوان أجرة الكتابة و التسجيل و غيرهما مما تتطلبه هذه العملية من الخدمات، فإذا لا ربا في القرض. و أما في الحالة الثانية فيمكن للمصدر ان يشترط في عقد البيع على المستورد أن يدفع دينارا مثلا عن كل شهر يسبق تحصيل الثمن، فان المستورد حينئذ يكون ملزما بدفع دينار عن كل شهر يتأخر فيه عن دفع الثمن و ليس ذلك الزاما بالربا المحرم، لأن ذلك الالزام إنما هو بحكم عقد البيع لا بحكم عقد القرض حتى يكون ربا. نعم، إذا أشترط عليه أن يكون له دينار في كل شهر يتأخر فيه عن دفع الثمن بنحو شرط النتيجة، لم يجز و إن كان في عقد البيع، لأن المستورد حينئذ يكون ملزما بدفع الدينار للمصدر، على أساس أنه مالك له في مقابل الأجل، و هو من اشتراط الربا، و هذا بخلاف ما إذا كان ذلك بنحو شرط الفعل، فان الزام المستورد به إنما هو بحكم عقد البيع لا بحكم عقد القرض، و لا بحكم كونه عوضا مملوكا في مقابل الأجل، كما في شرط النتيجة. و الخلاصة: إن الشرط المدعى في المقام بما أنه غير واقع في عقد القرض لكي يكون قرضا ربويا، و لا هو من اشتراط كون المال في مقابل الأجل بنحو شرط النتيجة لكي يكون من اشتراط الربا، بل هو واقع في عقد البيع بنحو شرط الفعل و الالزام به بملاك أنه في عقد البيع.
على أساس إنها تتطلب قيامه بدور الاتصال مع البنك المراسل في بلد المصدر، و اطلاعه بفتح الاعتماد و تكليفه بدفع الثمن عند ما تسلم مستندات البضاعة مطابقة لجميع الشروط و المواصفات الواردة في الاعتماد المستندي. و يمكن تخريج ذلك فقهيا بأحد وجوه: الأول: أن يكون ذلك من باب الجعالة، فان المستورد بموجب طلبه من البنك فتح الاعتماد يقول له، إن قمت بهذه العملية و متطلباتها فلك كذا و كذا مبلغا محددا من المال، و حينئذ فان وافق البنك على ذلك و قام بدوره بكامل متطلباته، أستحق الجعل المحدد له في العقد. الثاني: أن يكون ذلك من باب الاجارة، فان المستورد يقوم باستئجار البنك للقيام بعملية الاعتماد مقابل أجرة معينة، فاذا قبل البنك ذلك و وافق استحق الاجرة. الثالث: أن يكون ذلك من باب أجرة المثل التي تتقاضاها الاجراء عادة بالقيام بمثل هذا العمل، فانه إذا لم تحدد الاجرة بالعقد لا بعقد الاجارة و لا بالجعالة، فالمتعين أجرة المثل.
أو تصديرها إليها بواسطة الاعتماد المستندي لديها على نحوين: أحدهما: أن تكون الديون بموجب عقد القرض الواقع بين المستورد و البنك، فإن المستورد في هذه الحالة يرجع إلى البنك و يقترض منه مباشرة مبلغا محددا ثمّ بعد عملية القرض سلم المبلغ إلى البنك لكي يقوم البنك بدوره بتكليف البنك المراسل في بلد المصدر بدفع الثمن إليه عند ما تسلم مستندات ملكية البضاعة بكاملها. الثاني: إن المستورد لا يرجع إلى البنك لا بنفسه و لا بوكيله، بل يتصل به من مكتبه و يطلب منه الاعتماد المستندي و دفع ثمن البضاعة للمصدر في بلد إقامته عند تسلم المستندات منه،و بذلك يصبح المستورد مدينا للبنك بقيمة ثمن البضاعة، و لا فرق بين الحالتين من هذه الناحية، و إنما الفرق بينهما من ناحية أخرى،
و هي إن سبب الدين في الحالة الأولى عملية القرض، و في الحالة الثانية الأمر بالاتلاف، على أساس إن المستورد إذا أمر البنك بدفع دينه للمصدر في بلده الأجنبي و هو ثمن البضاعة، و قام البنك بدوره و أدى دينه من ماله الخاص، ضمن المستورد قيمة التالف، باعتبار أنه كان بأمره، و لا مانع من وفاء دين شخص بمال شخص آخر حتى تبرعا، فضلا عما إذا كان بأمر الشخص المدين. و قد تسال: هل هناك فرق بين الزيادة على الدين في الحالة الأولى و الزيادة في الحالة الثانية أو لا ؟ قد يقال بالفرق بينهما، بتقريب ان الزيادة في الحالة الأولى زيادة على المال المقترض في عقد القرض فتكون ربا، و في الحالة الثانية لا تكون كذلك، إذ ليس فيها عقد قرض بين المستورد و البنك لكي تكون الزيادة على المال المقترض في عقد القرض بل فيها ضمان غرامة للمال التالف بسبب أمره بالاتلاف، و لا يكون هذا الضمان ضمانا قرضيا، بل هو ضمان إتلاف، و على هذا فالزيادة المشترطة على المستورد على ما دفعه البنك للمصدر من ثمن البضاعة ليست زيادة على المال المقترض في عقد القرض لكي تكون ربا، و لا يصدق عنوان القرض على ضمان الغرامة، فإنه لا يتضمن تمليكا معامليا لا التمليك على وجه الضمان بالمثل و لا غيره. و بكلمة: إن الربا المحرم إنما يكون في المعاملة كعقد القرض أو البيع، و أما ضمان الغرامة فإنه ضمان ابتداء بموجب الأمر بالاتلاف و لا يتضمن أي تمليك عقدي، فلهذا لا يجري فيه الربا. و يمكن المناقشة في ذلك: أما أولا: فلان المتفاهم العرفي من أدلة حرمة الربا بمناسبة الحكم و الموضوع الارتكازية هو حرمة الزام الدائن مدينه بالزيادة على مقدار الدين، سواء أ كان الدين حاصلا بالقرض أم بالأمر بالاتلاف، حيث لا يرى العرف خصوصية لعنوان القرض و موضوعية له إلا كونه سببا للدين و اشتغال الذمة، بل إن هذا هو مقتضى إطلاق بعض روايات المسألة ايضا، و على هذا فلا فرق بين أن يكون الشخص مدينا بموجب عقد القرض أو بموجب الأمر بالاتلاف، فعلى كلا التقديرين لا يجوز للدائن أن يلزم مدينه بالزيادة على مقدار الدين. ثانيا: لو سلمنا اختصاص الربا المحرم في عقد القرض لا مطلقا و لا يكون الزام الدائن مدينه بالزيادة في الحالة الثانية محرما، إلا ان ذلك بحاجة إلى موجب و سبب يجعل المدين ملزما بدفع الزيادة كاشتراطها في ضمن عقد، و المفروض أنه لا عقد هنا غير الأمر بالاتلاف، فإذن لا يكون اشتراطها عليه من الشرط في ضمن العقد لكي يجب الوفاء به، بل هو من الشرط الابتدائي الذي لا دليل على صحته و نفوذه.
نعم، بإمكان البنك أن يقوم في هذه الحالة بعملية اشتراط الزيادة في ضمن عقد الجعالة، على أساس إن من حق البنك أن لا يقبل تسديد دين المستورد بموجب طلبه للمصدر في بلد إقامته من دون جعل و عمولة، فإذا وافق على ذلك و حدد الجعل لقاء قيامه بعملية التسديد فإذا قام بها أستحق الجعل المحدد بموجب عقد الجعالة و قيمة الدين بقانون ضمان الاتلاف. و الحاصل: إن البنك بعد قيامه بالعملية المذكورة أستحق أمرين: أحدهما: قيمة الدين بموجب الأمر بالاتلاف. و الآخر: الجعل بموجب عقد الجعالة. قد يناقش في صحة الجعالة في المقام، بتقريب ان صحتها مبنية على أن للعمل المجعول عليه قيمة مالية لدى العرف و العقلاء، على أساس إن الجعالة مركبة من جزءين: أحدهما: الأمر بالعمل الذي تكون له أجرة المثل في نفسه و قابل للضمان. و الآخر: تعيين الجعل و الأجر بإزاء ذلك العمل. و الجزء الأول من الجعالة: هو ملاك الضمان و الضمان فيها من قبيل ضمان الغرامة، لا الضمان المعاوضي. و الجزء الثاني: يحدد قيمة العمل المضمون بضمان الغرامة، حيث إن الأصل في الضمان هو أجرة المثل ما لم يحصل الاتفاق على الضمان بغيرها. و حيث انه ليس لعملية تسديد الدين مالية وراء مالية نفس المال المسدد، فلا يحق للبنك ان يتقاضى عمولة لقاء قيامه بعملية التسديد زائدة على قيمة المال المسدد، فإنه إذا لم تكن للعملية مالية زائدة على مالية نفس المال المسدد، فلا يتحمل المستورد إلا ضمانا واحد، و هو ضمان المال المسدد، و لا يعقل ضمانا آخر و هو ضمان عملية التسديد في مقابل الضمان الأول، لعدم الموضوع له و هو المالية، فمن أجل ذلك لا يعقل الجعالة، لأنها لا تنشئ الضمان و إنما تحدده في الأجر المعين. و يمكن الجواب عن هذه المناقشة في المقام: بأن العميل المديون هنا فبما انه يطلب من البنك القيام بتسديد دينه لدائنه في البلد الأجنبي، فمن الواضح أنه يتطلب بذل جهد و عمل زائد على مجرد دفع المال إلى الدائن، و حينئذ فيكون من حقه أن يتقاضى عمولة على ذلك إذا طلب منه القيام به، على أساس ان لعملية التسديد عندئذ قيمة مالية زائدة على القيمة المالية للمال المسدد.
و الخلاصة: إن المدين المستورد إذا طلب من البنك القيام بعملية التسديد للمصدر الدائن في بلد إقامته، فبما أنه يتطلب بذل جهد و عمل زائد كاتصاله بالبنك المراسل و إصدار خطاب إليه بدفع دينه في بلده، فله أن لا يقبل ذلك بدون عمولة، فإذاً لا مانع من عقد الجعالة عليها، باعتبار انها مضمونة بضمان آخر غير ضمان المال المسدد، و يحدد الضمان في الأجر المعين بموجب عقد الجعالة. نعم، إذا لم تتطلب عملية تسديد الدين بذل جهد و عمل زائد على نفس دفع المال إلى الدائن، كما إذا كانت العملية في نفس بلد البنك، فلا تصح الجعالة عليها لأنه لا ضمان لها في مقابل ضمان المال المسدد لكي تقبل الجعالة. إلى هنا قد وصلنا إلى هذه النتيجة، و هي أن اشترط الزيادة في كلتا الحالتين المذكورتين من اشتراط الربا، إلا إذا كان ذلك الاشتراط في عقد الجعالة أو الإجارة. و قد تسأل: هل بإمكاننا تحويل شرط الزيادة الربوية إلى غيرها أو لا ؟ و الجواب: نعم، أما في الحالة الأولى فبإمكاننا هذا التحويل بالطريق التالي: و هو أن المستورد يقوم بعملية الاقتراض من البنك مبلغا محددا، و بعد القبض يقدم البنك على شراء المبلغ منه بعملة أجنبية في ذمته، و يضيف إلى المبلغ مقدار الفائدة بدلا عما إذا اشترطها عليه في عقد القرض، فتحول الفائدة بذلك من الربوية إلى غيرها عن طريق البيع و الشراء، و يصبح البنك حينئذ مدينا للمستورد بعملة أجنبية، ثمّ يقوم البنك بعملية التسديد من طريق البنك المراسل في الخارج، و يجوز للبنك عندئذ ان يتقاضى عمولة لقاء قيامه بالعملية بتخريجين: أحدهما: إنها تتطلب بذل عمل زائد، و الآخر: إنها تمثل تأدية الدين في غير مكانه الطبيعي. و أما في الحالة الثانية فبإمكاننا تخريج ذلك بالنحو التالي: و هو ان المستورد يوكل البنك من اقراضه مبلغا معينا من ماله الخاص، ثمّ يقبضه بالوكالة عنه، و بعد تمامية عملية القرض بالقبض و الإقباض، يقوم البنك ببيع ذلك المبلغ لنفسه وكالة منه بعملة أجنبية في ذمته، و يضيف إليه مقدار الفائدة، فتحول الفائدة الربوية إلى غيرها من طريق البيع و الشراء، كما أن للبنك أن لا يقبل طلب المستورد تسديد دينه للمصدر في بلد إقامته بدون عمولة على أساس أنه تسديد الدين في غير مكانه، مضافا إلى أنه يتطلب مئونة زائدة.
سواء أ كان الدين بعقد القرض أم كان بضمان الغرامة كما مر. و أما إذا كانت الفائدة لقاء عمل له مالية وراء مالية نفس المال المقترض، فهل يجوز أخذها و لا يكون ربا أو لا ؟ و الجواب:نعم، يجوز أخذها، على أساس انها ليست لقاء المال المقترض لكي تكون ربا، بل لقاء عمل له قيمة مالية زائدة على القيمة المالية لنفس المال المقترض، فإذا أفترض إن لعملية الإقراض مالية وراء مالية المال المقترض كما إذا طلب العميل من البنك الإقراض في بلد أجنبي فان الاقراض فيه بحاجة إلى بذل عمل و جهد زائد على مجرد دفع المال إلى المقترض و حينئذ فله أن لا يقبل ذلك بدون عمولة. فالنتيجة: أنه لا يجوز للمقرض بنكا كان أم غيره أخذ فائدة على المال المقترض، و يجوز له أخذها لقاء عملية الإقراض إذا تطلبت مئونة زائدة مضمونة و لا يؤدي إلى الربا نعم إذا لم تتطلب مئونة زائدة على مجرد دفع المال إلى المقترض كما إذا كانت العملية في مكان المقرض فلا مالية لها زائدة على مالية نفس المال المقترض و حينئذ فلا يجوز أخذ العمولة عليها، لأن أخذها عليها أخذ فائدة على المال المقترض فيكون ربا، و لهذا لا تصح الجعالة عليها أيضا.
في البلد الأجنبي و يتقاضى منه عمولة لقاء ذلك، على أساس أن العملية بحاجة إلى مئونة زائدة أو لا ؟ و الجواب:أنه جائز بناء على ما هو الصحيح من عدم بطلان عقد القرض الربوي، و الباطل إنما هو الربا، أي: الزيادة، و حينئذ فالمقترض مالك لأصل المال المقترض، كما ان المقرض يملك مثله في ذمة المقترض و إنما لا يملك الزيادة فقط، و على هذا فيجوز للبنك أن يقوم بعملية تسديد دينه من ماله المقترض، و إذا كانت العملية بحاجة إلى مئونة زائدة، جاز له أن يأخذ عمولة عليها. نعم، لو قلنا ببطلان القرض الربوي و عدم كون المقترض مالكا للمال المقترض، فلا يكون البنك
حينئذ وكيلا و مخولا من قبله في تسديد دينه من ماله المقترض لفرض أنه لم ينتقل إليه بعقد القرض على أساس بطلانه .
لا بمعنى نقل دين من ذمة إلى ذمة، و لا ضم ذمة إلى ذمة فإن الثاني باطل، و الأول ليس مقصودا منه في المقام، بل بمعنى: تعهد البنك بدفع ثمن البضاعة الذي يستحقه البائع المصدر على المشتري المستورد عند تسلم المستندات من البائع مطابقة لجميع الشروط الواردة في الاعتماد المستندي، و لا يكون تعهده مشروطا بامتناع المشتري عن الوفاء بالثمن، بل يكون مطلقا، فإن البائع ملزم بتسليم مستندات البضاعة منها سند الشحن للبنك المراسل، و البنك المراسل ملزم بدفع الثمن إليه إذا وجد المستندات مطابقة للشروط، و هذا معنى آخر للضمان عند العقلاء يتصور في الديون و الأعيان الخارجية معا. و أما دوره بالنسبة إلى المشتري المستورد، فهو في الواقع أيضا تعهد منه بتسلّم المستندات بكاملها من البائع و فحصها بدقة، فإن كانت مطابقة لتمام المواصفات و الشروط المقيدة في الاعتماد المستندي قام بدفع الثمن إليه، و إلا فلا.
و امتنع عن تسلم المستندات التي تمثل نقل البضاعة أو عن الوفاء بالثمن، فللبنك أن يحبس المستندات إلى فترة محددة من تاريخ إخطاره بوصول المستندات المطابقة للشروط، فان لم يدفع الثمن خلال هذه الفترة يقوم البنك ببيع البضاعة في الأسواق لاستيفاء ما دفعه إلى البائع من الثمن. و يمكن تخريج ذلك فقهيا بأحد وجهين: الأول: إن دفع البنك ثمن البضاعة لما كان بأمر المشتري فهو ضامن له بضمان الغرامة و هي ضمان الإتلاف، باعتبار إن الإتلاف كان بأمره، و حيث أنه ممتنع عن الأداء، فللبنك أن يقوم ببيع البضاعة لاستيفاء ما دفعه إلى البائع من الثمن تقاصا. نعم لو كان بامكان البنك تحصيل الثمن منه بطريق آخر كالرجوع إلى المحاكم و القضاة، لم يجز بيعها لاستيفاء ما دفعه تقاصا، و أما إذا أنحصر الطريق بالتقاص فيجوز.
الثاني: ان جواز بيع البضاعة في هذه الحالة، إنما هو على أساس الشرط الضمني من البنك على المستورد في ضمن عقد فتح الاعتماد المستندي، فان المرتكز فيه إن المستورد إذا أمتنع عن الوفاء بالتزاماته و دفع الثمن، فالبنك لا يصبر إلى الأبد، فلا محالة يتحرك و يقوم ببيعها بعد فترة محددة من تاريخ الإخطار بوصول المستندات، و حينئذ فيجوز للغير الشراء.
هو أن العميل قد يطلب من البنك تزويده بخطاب الاعتماد الشخصي باسمه في الخارج لدى فرع من فروعه أو مراسله هناك، و حينئذ يقوم البنك بعملية إصدار خطاب الاعتماد لصالحه بموجب طلبه، و يحدد المبلغ في ظهر الخطاب، و هل للبنك أن يتقاضى عمولة لقاء قيامه بهذه الخدمة أو لا ؟ و الجواب: نعم. و هل فرق بين أن يكون للعميل رصيد مالي لدى البنك أو لا يكون ؟ و الجواب: أنه لا فرق بين الحالتين في جواز أخذ العمولة. أخذ العمولة في الحالة الأولى: يمكن تخريج ذلك فقهيا بأحد وجوه: الأول: أن يكون خطاب الوثيقة بمثابة التوكيل للعميل الدائن في استيفاء دينه من حساب البنك في الخارج بجنس الدين كان أم بغير جنسه، و حيث أنه لا يجب على البنك المدين تسديد الدين في غير مكانه الطبيعي، فإذا طلب الدائن منه ذلك، فله أن لا يقبل بدون عمولة. الثاني: أنه لا يجب على المدين أداء الدين من غير جنسه، فإذا طلب الدائن منه ذلك، كان من حقه أن لا يقبله من دون عمولة. الثالث: إن البنك يقوم بشراء عملة محلية حاضرة من عميله بعملة أجنبية في ذمته بسعر الوقت و يضيف إليها مقدار حق العمل، و بعد عملية البيع و الشراء يصبح العميل مالكا للعملة الأجنبية في ذمة البنك بديلا عن العملة المحلية، و حينئذ فالبنك أما أن يقوم بإحالة العميل الدائن على فرع من فروعه هناك أو على بنك آخر، فإن كان على الفرع فبما أنه يمثل نفس ذمته، فلا
تكون هذه العملية حوالة بالمعنى الفقهي، بل هي اختلاف في شكل عملية الأداء، على أساس إن الذمة واحدة، و ان كان على بنك آخر هناك فهو حوالة بالمعنى الفقهي، و حينئذ فان كان البنك الآخر مدينا للبنك الأول كانت الحوالة على المدين، و إلا فعلى البري. و الخلاصة: إن بيع العملة الأجنبية بالمحلية جائز شرعا، و حينئذ فيجوز للبنك أن يضيف إلى الثمن حق العمل أو يتقاضاه من العميل لقاء قيامه بتزويده بخطاب الحوالة في خارج البلد، فان له أن لا يقبل ذلك بدون عمولة. أخذ العمولة في الحالة الثانية: يمكن تخريج ذلك فقهيا بما يلي: إن مرد خطاب الوثيقة من البنك إلى عميله في خارج البلد إلى إقراضه، و حيث أن القرض لا يتم إلا بالقبض، فإذا قبض العميل المبلغ المحدد على ظهر خطاب الاعتماد أصبح مديونا للبنك، و على هذا فالفائدة التي يتقاضاها البنك من العميل إن كانت على القرض فهي فائدة ربوية محرمة و ان كانت لقاء قيامه بعملية الاقراض في الخارج التي تتطلب جهدا و عملا زائدا على عملية الإقراض في نفس البلد فهي جائزة، و على هذا فبإمكان البنك أن يتقاضى فائدة في تلك الحالة لقاء قيامه بهذه العملية لا لقاء المال المقترض، هذا من ناحية، و من ناحية أخرى إن العميل إذا قام بتسديد دين البنك في مكان القرض، فليس من حق البنك أن لا يقبل ذلك، و ان قام بتسديده في بلد آخر لا في مكان القرض كان من حق البنك أن لا يقبل ذلك مجانا و بدون عمولة.
تخزين البضائع: تخزين البنك للبضائع تارة يكون على حساب المصدر و أخرى على حساب المستورد. أما الأول/ فلأن المصدر إذا قام بتصدير البضائع المحلية بواسطة أحد البنوك، فبطبيعة الحال يقوم البنك بعملية التخزين في المخازن المخصصة لذلك إلى موعد شحنها، و هذه العملية جائزة شرعا، و يجوز للبنك أن يأخذ عمولة عليها زائدة على أجرة المخازن و غيرها من المصارف. و أما الثاني/ فلأن البضائع إذا وصلت إلى الجمارك يتحرك البنك للقيام بتخزينها في المخازن المخصصة عند تأخر المشتري المستورد عن تسلم البضائع أو امتناعه عنه لسبب او آخر فإن صلة
تلك البضائع قد انقطعت عن المصدر بتسلم البنك المراسل المستندات منه و دفع الثمن إليه، فيكون التخزين على حساب المستورد فقط، و عملية التخزين جائزة شرعا، و يجوز للبنك ان يأخذ عمولة لقاء قيامه بها. و قد تسأل: هل يجوز للبنك إذا لم يقم المستورد بتسلم البضائع خلال فترة محددة من تاريخ إخطاره بوصول تلك البضائع مطابقة لتمام المواصفات و الشروط الواردة في الاعتماد المستندي، أن يقوم ببيعها بالمزاد العلني أو من مستثمر آخر أو لا ؟ و الجواب:يجوز له ذلك، على أساس إن تخزين البنك البضائع المستوردة في مخازن متخصصة إنما هو في فترة محددة، و بعد انتهاء تلك الفترة يقوم البنك ببيعها و يعلم التاجر المستورد بهذه الشروط، و مع هذا إذا امتنع عن تسلم البضائع خلال تلك الفترة عامدا و ملتفتا، فمعناه أنه راض ببيعها، لأن ذلك شرط في ضمن العقد الذي يوقع عليه التاجر الحاصل بينه و بين البنك، و أنه من أحد الشروط الواردة في هذا العقد. و الخلاصة: إن التاجر المستورد إذا لم يستلم البضاعة خلال الفترة المحددة، سواء أ كان من جهة انخفاض أسعارها في السوق بشكل لا يفي ثمنها لأجور المخازن و مصارف الجمارك و النقل أم كان بسبب آخر، فيجوز للبنك حينئذ أن يبيعها بموجب الشرط المذكور، و كذلك الحال إذا استورد التاجر البضائع من الدول الأجنبية مباشرة، و في كلتا الحالتين يجوز للغير ان يقوم بشرائها و التصرف فيها فإنها إذا وصلت إلى الجمارك و أخطر التاجر بوصول البضائع، و مع هذا إذا أمتنع عن تسلمها خلال فترة محددة، جاز للجمارك أن تقوم ببيعها بنفس ذلك الملاك و هو الشرط الضمني مباشرة و من دون واسطة البنك. و أما العمولة التي يأخذها البنك لقاء عملية التخزين فيمكن تكييفها بأحد وجهين: الأول: أن يكون ذلك على أساس الجعالة، بأن يأمر التاجر البنك بالقيام بعملية التخزين لقاء مبلغ محدد، فإذا قبل البنك ذلك و قام بالعملية استحق المبلغ المحدد. الثاني: أن يكون على أساس الإجارة، بأن يستأجر التاجر البنك على ممارسة هذه العملية مقابل أجر معين، فإذا وافق البنك على ذلك تحقق العقد أستحق الأجر.
خصم الأوراق التجارية: و هو لون من ألوان التسليف المصرفي، إذ المستفيد يتقدم بالورقة التجارية ذات الاجل المحدود قبل حلول موعد وفائها إلى بنك معين بغرض تحصيل قيمتها، فيقوم البنك بدفع قيمتها بعد خصم مبلغ معين بعنوان فائدة القرض من يوم الدفع إلى يوم الوفاء، و إذا كانت هناك خدمة أخرى كان للبنك أن يتقاضى عمولة لقاء قيامه بها، كما إذا كانت الورقة تدفع في مكان آخر غير المكان الموجود فيه. و إذا حل الأجل أخطر البنك محرر الشيك بحلول موعد الوفاء و طلب منه قيمته، و في حالة تخلف المحرر المدين عن دفع قيمة الشيك المستحقة عليه يرجع إلى المستفيد من الشيك الذي خصم له البنك الورقة، فإنه المسئول أمام البنك عن دفع المبلغ على أساس تعهده بذلك في عقد القرض، و في حالة الاتفاق على تأخر الدفع بعد حلول الاجل، فإن البنك يحتسب فائدة على مدة التأخير، على أساس النظام التقليدي للفائدة على القرض، و يتقاضى هذه الفائدة من المحرر المدين للشيك. تكييف هذه العملية: إن خصم الورقة التجارية و تكييف هذه العملية يتمثل في تقديم قرض من البنك للمستفيد من الورقة مع تحويل المستفيد البنك الدائن على محرر الورقة المديون، و عليه فهذا التحويل من الحوالة على المدين و في جانب القرض، و و هذا التحويل يتضمن عنصرا آخر و هو تعهد المستفيد لدى البنك بوفاء محرر الورقة عند حلول أجلها، و نتيجة ذلك إن المستفيد يصبح مالكا للمبلغ المقترض و هو المبلغ الذي خصم البنك به الشيك بحكم القرض، و يصبح محرر ذلك الشيك مدينا للبنك بحكم الحوالة، و يصبح المستفيد مسئولا و مطالبا بتسديد قيمة الشيك إذا تخلف محرره عن الوفاء بها عند حلول الاجل بحكم تعهده به في حالة التخلف، و بحكم كون المحرر مدينا للبنك يتقاضى البنك منه فوائد على تأخير الدين عن موعده المحدد. و على أساس هذا التكييف فهنا صورتان ربويتان: الأولى: إن ما يقتطعه البنك من قيمة الشيك مبلغا محدداً لقاء المدة الباقية من موعد الدفع، ممثل للفائدة التي يتقاضاها على تقديم القرض إلى المستفيد و هو محرم شرعا لأنه ربا. الثانية: إن ما يتقاضاه من الفائدة على تأخير دفع الدين عن موعده المحدد ربا محرم، نعم إذا كان تحصيل قيمة الشيك في مكان آخر فمن حق البنك أن يتقاضى منه عمولة لقاء قبوله قيمته في ذلك المكان، على أساس ان البنك بخصم قيمة الشيك قد أصبح دائنا للمستفيد الذي خصم
له الشيك بعقد القرض، فإذا طلب منه قبول الدين في غير مكان القرض، فله أن لا يقبل مجانا و من دون عمولة. و هل يمكن تكييف هذه العملية من الناحية الشرعية ؟ و الجواب: نعم، فإن بإمكان البنك ان ما اقتطعه من قيمة الشيك يعتبره أجرة لما قدمه له من الخدمات كأجرة الكاتب و غيرها من المتطلبات لذلك، بدلا عن ان يعتبره لقاء الأجل الباقي، حيث أن للبنك أن يشترط في عقد القرض على المقترض العميل ان يدفع له أجرة معقولة مقابل تسجيل الدين و حفظه و غير ذلك من الخدمات. و لكن بهذا الوجه لا يمكن تكييف العملية شرعا في الصورة الثانية، و ذلك لأنه ليس بإمكان البنك في هذه الصورة أن يأخذ من محرر الشيك بدلا عن الفائدة على تأخير دفع الدين مبلغا مماثلا بعنوان الاجرة، باعتبار إن المحرر أصبح مدينا للبنك بموجب حوالة ضمنية من المستفيد للبنك عليه من دون إنشاء أي عقد بينهما، لكي يشترط البنك في ضمن ذلك العقد الأجرة عليه. نعم يمكن تكييفها شرعا في هذه الصورة بالطريقة التالية: و هي إن المستفيد من الشيك بعد اقتراض قيمته من البنك بعملية الخصم، يقوم بتوكيل البنك في تحصيل قيمة الشيك من محرره عند حلول الأجل لا باحالته عليه، و نتيجة ذلك ان محرر الشيك يظل مدينا للمستفيد الذي خصم الشيك لصالحه لا للبنك، و إنما البنك دائن للمستفيد و وكيل عنه في تحصيل قيمة الشيك عند حلول الأجل و حينئذ فللبنك أن يشترط في إقراضه للمستفيد أن يدفع له أجرة معقولة (اجرة المثل) لقاء كتابة الدين و تسجيله و ما تتطلبه من النفقات. ثمّ إن هنا طريقا آخر ذكره الفقهاء، و هو تكييف عملية خصم الشيك، على أساس بيع الدين الذي يمثله الشيك بأقل منه حاضرا. مثلا إذا كان الشيك يمثل خمسة آلاف دينار، فالمستفيد يقوم ببيعه بأربعة ألاف و تسعمائة دينار حاضرا، و بموجب هذا البيع يملك البنك الدين الذي كان المستفيد مالكا له في ذمة موقع الشيك لقاء الثمن الذي يدفعه إليه نقدا، فيكون من بيع الدين باقل منه، و حيث إن الدين المباع بأقل منه نقدا، على أساس عملية الخصم ليس من النقود الذهبية أو الفضية و لا من المكيل أو الموزون، بل هو من النقود الورقية، فلا مانع من بيعها بأقل منها، لأن أحكام الصرف من التماثل و القبض في المجلس لا تترتب عليها، هذا و إن كان معروفا و مشهورا بين الاصحاب و لكنه لا يخلو عن أشكال، بل
لا يبعد عدم جوازه للنص الخاص الدال على أن الدائن إذا باع دينه باقل منه، فلا يستحق المشتري من المدين إلا بقدر ما دفع إلى البائع، و يعتبر الزائد ساقطا من ذمة المدين رأسا، و سوف نشير إلى شرح ذلك بأوسع من هذا.
القروض و التسليفات: تقديم البنوك القروض و التسليفات لعملائها بأشكالها المختلفة من طويلة الأجل أو متوسطة الأجل أو قصيرة الأجل: إذا تقدم العميل بطلب إلى البنك لمبلغ محدد إلى أجل معين، فإذا تأكد البنك على ذلك و عزز ثقته به قام بدفع مبلغ له قرضا إلى أجل محدد طويلا كان أم قصيرا، و يتقاضى منه فائدة على هذا القرض، و تعتبر هذه الفائدة فائدة ربوية محرمة. و قد تسأل هنا: هل يمكن تخريج هذه الفائدة من الناحية الشرعية و تحويلها إلى فائدة غير ربوية أو لا ؟ و الجواب:أنه يمكن تخريج ذلك بوجوه: الأول: يمكن تحويل القروض و التسليفات الربوية إلى بدائل مشروعة كالمضاربات و نحوها كما تقدم تفصيل ذلك. الثاني: إن بإمكان العميل أن يقوم بشراء شيء من البنك و يضيف إلى ثمنه مقدار الفائدة، و يشترط القرض عليه بمبلغ معين في ضمنه. الثالث: إن للبنك أن يتقاضى من عملائه أجرة معقولة لقاء قيامه بالخدمات التي تتطلبها تقديم القروض لهم، كأجرة الكاتب و الحارس و المحاسب و العمال الفنيين و غيرهم، و قيمة الدفاتر و السجلات التقليدية او التقنية و غير ذلك. و بكلمة: إن من أهم خدمات المصارف و البنوك و أكثرها انتشارا في البلاد تقديم القروض و التسليفات بأشكالها المختلفة و أحجامها المتعددة لعملائها، و من الواضح إن قيام البنوك بهذه العمليات يتطلب وجود كاتب و حارس و محاسب و دفاتر و سجلات و غيرها، و حينئذ فللبنوك بدلا عما يتقاضى عمولة على هذه القروض، يتقاضى أجرة معقولة منهم لقاء ما تتطلبه تلك العمليات من الخدمات.
صرف العملات الأجنبية: تقوم البنوك بصرف العملات الأجنبية لرجال الأعمال و المستثمرين من أفراد دول متعددة، على أساس الديون التي تتولد بينهم بتصدير البضاعة إلى الخارج أو استيرادها منه، فان المستورد للبضاعة من بلده يكون مدينا لقيمتها بعملة تلك البلدة و المصدر من دولة يكون دائنا لقيمتها بعملة منها و حينئذ فالمدين بعملة أجنبية بدلا عن أن يشتري من سوق الصرف مبلغا من تلك العملة بالمقدار الكافي لتسديد دينه ثمّ يرسله إلى دائنه في الخارج، يرجع إلى البنك و يطلب منه القيام بعملية الصرف و تأدية الدين على اساس ان البنوك و المصارف قد تطورت في عمليات الصرف و تأدية الديون الخارجية من طريق إصدار الشيكات و الحوالات و غيره من الطرق و الوسائل التقنية الحديثة بدون نقل أي نقد من بلد إلى بلد آخر، فلذلك استطاعت السيطرة على عمليات التأدية في داخل البلاد و خارجها، و اتسعت رقعتها باتساع الأعمال و التبادلات الخارجية، و تطورت بتطورها، و أصبحت من الوسائل و الأدوات الاطمئنانية، فإذا استورد رجل عراقي بضاعة من دولة أجنبية بقيمة عشرة آلاف دولار مثلا، أصبح مدينا بالمبلغ من مصدر تلك الدولة، و حينئذ فبإمكانه تسديد دينه من طريق شيك تجاري يأخذه من بنك عراقي على بنك أجنبي بقيمة الدين من الدولارات، فهنا حوالتان: الأولى: حوالة من المستورد دائنه المصدر الأجنبي على بنك عراقي، و بذلك يصبح المصدر الأجنبي مالكا قيمة البضاعة في ذمة البنك العراقي. الثانية: حوالة من البنك العراقي دائنه الأجنبي على بنك خارجي يكون له حساب جار عنده. و كلتا الحوالتين صحيحة شرعا.
بيع العملات الأجنبية و شراؤها: تقوم البنوك و المصارف ببيع العملات الأجنبية و شرائها للتسهيلات المصرفية المؤثرة في تطور التجارات الخارجية لعملائها يوما بعد يوم، و بغرض الحصول على ربح من تفاوت بين سعر الشراء و سعر البيع أو بداعي توفير النقود و العملات الاجنبية عنده، و لهذا تقوم ببيع و شراء العملات الأجنبية التي يحملها السياح الأجانب أو السياح العائدون من الخارج.
نعم، في العصر الحاضر قد استطاعت البنوك أن تقلل إلى درجة كبيرة من أهمية هذه الخدمة على المستوى العام، بإيجاد بديل لها أكثر تطورا و هو البطاقات الائتمانية و تزويد عملائها بها، فإنها قد أصبحت من أهم الخدمات المصرفية في العالم، و تحقق أمانا كبيرا للإنسان على أمواله في السفر و الحضر، فإن السواح بدلا عن أن يحملوا معهم في السفر نقودا أو شيكات التي لا تخصم إلا في البنوك و المصارف، يحملوا البطاقة الائتمانية و يستعملونها لتوفير متطلباتهم متى شاءوا، كقطع التذاكر للسفر و أجور الفنادق و المطاعم و السيارات و الخدمات في المحطات و غيرها، و يستغني حاملها من عمليات بيع و شراء العملات الاجنبية و خصم الشيكات في البنوك و المصارف، و عملية بيع و شراء العملات الأجنبية و تبادل بعضها مع بعضها الآخر جائزة شرعا، سواء أ كانت نقدية أم مؤجلة، كما إذا قام البنك بشراء عملة اجنبية من البنوك الخارجية مؤجلة إلى شهر مثلا بثمن حاضر لسبب أو آخر ما لم يكن الثمن أيضا مؤجلا، و إلا فهو محل إشكال بل منع لأنه من بيع الدين بالدين.
التحويل المصرفي الخارجي: التحويل المصرفي الخارجي من أهم أسباب التعامل بالتجارات الخارجية و أسلم الوسائل، فإن المستورد إذا استورد بضاعة أجنبية أصبح مدينا لمصدر أجنبي، و في هذه الحالة يلجأ إلى البنك و يطلب منه الحوالة لصالح المصدر الاجنبي الدائن على البنك المراسل في بلده، فإذا قبل البنك الحوالة قام العميل المدين بدفع قيمة الحوالة إليه بعملة بلده أما نقدا أو بالخصم من رصيده. و يمكن تخريج ذلك فقهيا باحد وجوه: الأول: إن عملية التحويل المصرفي الخارجي تقوم على أساس إن البنك يبيع ما يملكه من عملة أجنبية في ذمة البنك المراسل في خارج البلد بما يملكه المستورد من عملة محلية حاضرة عنده (البنك) في الداخل. و بذلك تصبح ذمة البنك المراسل في الخارج مدينة للمستورد، و حينئذ يقوم المستورد بتحويل دائنه المصدر على ذلك البنك الأجنبي.
مثال ذلك: إن البنك في الداخل مدين للمستورد بعملة محلية و في الخارج مالك للعملة الأجنبية في ذمة البنك المراسل، و حينئذ فيقوم البنك ببيع ما يملكه من العملة الخارجية بما يملكه العميل المستورد من العملة الداخلية عنده و بموجب هذا البيع يصبح العميل المستورد مالكا للعملة الأجنبية في ذمة البنك الأجنبي مقابل ما ملكه البنك الداخلي من رصيده من العملة الداخلية، و عندئذ فبإمكان المستورد ان يحيل دائنه المصدر على ذلك البنك الاجنبي المراسل فتكون هنا عمليتان: الأولى: بيع الدين. الثانية: حوالة الدين. و كل ذلك جائز شرعا، و هل يجوز للبنك حينئذ أن يأخذ عمولة لقاء قيامه بعملية بيع عملة اجنبية بعملة محلية، و الجواب يجوز له ذلك على أساس ان هذه العملية بحاجة إلى مئونة زائدة على ما تتطلبه طبيعة البيع، و بإمكانه أن يضيف العمولة إلى الثمن في عملية البيع. الثاني: إن البنك يقوم بتسديد دين عميله المستورد لدائنه الاجنبي بغير جنسه في الخارج بواسطة فرعه أو بنك مراسل، و هذا جائز شرعا مع رضا الدائن به، و له ان يتقاضى عمولة لقاء تسديد دينه في غير مكانه الطبيعي إذا طلب منه ذلك كما هو المفروض في المقام. الثالث: إن العميل المدين يحيل دائنه المصدر على البنك في الداخل بعملة أجنبية، و حيث إن البنك لا يكون مدينا له بهذه العملة، و إنما هو مدين له بعملة داخلية، فيكون هذا من الحوالة على البري، فإن قبل البنك صحت و إلا فلا. و يجوز للبنك أن يتقاضى عمولة لقاء قبوله الحوالة. نعم قد تكون الحوالة المصرفية مجرد إصدار أمر من البنك إلى البنك المراسل في الخارج بدفع مبلغ محدد للمصدر، و هذا ليس حوالة بالمعنى الفقهي، فإن المصدر لا يصبح بذلك مالكا لقيمة التحويل في ذمة البنك المراسل، فإنه إنما يملك المبلغ بالتسليم و القبض مباشرة أو بالتوكيل، و هذه العملية جائزة شرعا، و للبنك أن يتقاضى عمولة لقاء قيامه بها إذا طلب منه ذلك.
الودائع على ثلاث أقسام الأول: الودائع الثابتة. و هي رءوس أموال يقوم عملاء البنك بتقديمها إليه في فترة زمنية محددة بدافع الادخار و الاستثمار، و ليس من حقهم المطالبة بها في تلك الفترة المحددة. الثاني: الودائع المتحركة. و هي ودائع تحت الطلب التي يطلق عليها اسم الحساب الجاري، و لمودعها الحق في أن يسحب أي مبلغ على ذلك البنك، شريطة أن لا تزيد قيمة المبلغ المسحوب عما هو له من الرصيد عنده. نعم قد يسمح البنك له في أن يسحب مبالغ يعين البنك مقدارها، على أساس عنصر الثقة بينهما، و يسمى ذلك بالسحب على المكشوف. الثالث: ودائع التوفير. و لا فرق بين القسم الثاني و الثالث، فإن كليهما تحت الطلب، و المودع متى شاء قادر على السحب، إلا أن البنك بموجب نظامه التقليدي ملتزم بتقديم الفائدة على ودائع التوفير و لو بنسبة ضئيلة. هذا بحسب مصطلحات البنوك و المصارف الربوية. و أما بالنظر إلى مفهوم الوديعة في الفقه الإسلامي، فلا يمكن أن تكون الاموال وديعة عند البنوك حتى تخرج فوائدها عن كونها فوائد ربوية على القرض، لأن المودعين يسمحون للبنك التصرف فيها بكامل حريته و سلطنته من التصرفات الاعتبارية و الخارجية، و من الواضح إنه لا يراد بهذا الإذن السماح له بالتصرف مع بقاء الوديعة في ملك صاحبها، و إلا لزم حينئذ أن يعود الثمن و الربح معا إلى المالك بقانون المعاوضة لا إلى البنك بل يراد بالإذن المذكور السماح للبنك بتملك الوديعة على وجه الضمان بالمثل، و هو معنى القرض، و عليه فتكون الفوائد التي يدفعها البنك إلى المودعين فوائد على القرض و هي ربا المحرم شرعا. نعم، قد ذكرنا في مقدمة الكتاب إن الأموال المودعة لدى البنك و إن أمكن كونها وديعة بالمعنى الفقهي، إلا إنه مجرد تصور نظريا و لا واقع موضوعي له خارجا، و على هذا فتلك الاموال ليست وديعة فقهية، بل هي قروض ربوية، و المبالغ التي يتقاضاها المودعون فوائد على القرض و هي محرمة،
و هل بإمكاننا إيجاد بديل لهذه الفوائد و التخلص من كونها فوائد ربوية أو لا ؟ و الجواب:نعم، انه ممكن شريطة أن لا يتقيد البنك بنظامه التقليدي الربوي، و يمارس عملياته على طبق النظام الإسلامي، إذ حينئذ بإمكانه أن يقوم بهبة مبلغ للمودع مسبقة، و يشترط في ضمنها الاقراض بمبلغ معين إلى فترة و يلحظ في الهبة نسبة الفائدة الربوية على القرض بعين الاعتبار، و لا مانع من ذلك شريطة أن تكون الهبة بينهما واقعية لا صورية، و إن كان الدافع من ورائها القرض المماثل، إلا أن ذلك كما لا يجعل الهبة صورية كذلك لا يجعل القرض ربويا، كما إن بإمكان البنك أن يقوم بعملية بيع شيء للمودع بثمن أقل مسبقا، و اشتراط قرض مبلغ معين عليه في مدة محددة، أو يقوم بالمصالحة كذلك. و الخلاصة: إن بإمكان كل من البنك و المودع إيجاد البديل الإسلامي للفائدة الربوية و التعامل به بدلا عن التعامل بالفائدة على القرض التي هي محرمة شرعا.
الشيكات المصرفية: كما قد يسحب العميل صاحب الحساب الجاري لدى البنك شيكا عليه، كذلك قد يسحب البنك نفسه شيكا لصالح عميله على البنك المراسل في البلد الأجنبي، فيقدم العميل الشيك إلى البنك المسحوب عليه لتسلم قيمته، و تؤخذ قيمة الشيك من حساب البنك لدى البنك المسحوب عليه، و هنا حالتان: الأولى: أن لا يكون للعميل المستفيد رصيد مالي بالعملة الداخلية عند البنك الساحب. الثانية: ان يكون له رصيد مالي كذلك. ففي الحالة الأولى بما أن الشيك مجرد تسهيل مصرفي للعميل دون غطاء و رصيد مالي، فيمكن تخريج ذلك بأحد وجوه: الأول: أن يعتبر الشيك من البنك الساحب أمرا منه للبنك المسحوب عليه باقراض العميل من رصيده الدائن لديه، فإذا تمت عملية القرض أصبح العميل المستفيد مدينا للبنك الساحب. و هذه العملية جائزة شرعا، و يجوز أخذ العمولة عليها من الناحية الشرعية، على أساس
أحد تخريجين: الأول: أن للبنك الساحب ان يتقاضى عمولة لقاء قيامه بعملية اقراض العميل في الخارج بواسطة البنك المراسل بعملة أجنبية، على أساس ان هذه العملية بحاجة إلى بذل جهد و عمل زائد على مجرد دفع المال المقترض إلى المقترض، و لها قيمة مالية زائدة على قيمة نفس المال المقترض. نعم، إذا لم تتوقف عملية الاقراض على بذل جهد زائد على مجرد دفع المال المقترض، فليست لها قيمة مالية زائدة على المال المقترض، و لا يجوز أخذ العمولة عليها. و الخلاصة: إن عملية الاقراض إذا توقفت على بذل عمل و جهد زائد كما إذا طلب العميل الاقراض في مكان آخر كان من حق المقرض أن يأخذ عمولة لقاء تحمله الجهد الزائد. الثاني: إن العميل المستفيد بما انه أصبح مدينا للبنك الساحب بعملة أجنبية، فللبنك الساحب أن يبيعها عليه بعملة داخلية حاضرة و يضيف إليها مقدار الفائدة على القرض، و لا مانع من ذلك، على أساس ان أحكام الصرف لا تترتب على الأوراق النقدية. الثالث: إن الشيك الصادر من البنك الساحب يعتبر أمرا للبنك المسحوب عليه باقراض العميل قيمة الشيك من ماله الخاص بضمان البنك الساحب، و بذلك يصبح العميل مدينا للبنك المسحوب عليه، و هذه العملية جائزة شرعا، و إذا طلب من البنك القيام بها كان له أن يأخذ عمولة لقاء ذلك و لا يقبل القيام بها مجانا، حيث لا يجب عليه أن يقوم بإصدار شيك على بنك أجنبي في الخارج بإقراض عميله بعملة أجنبية مع الضمان و التعهد بالاداء مجانا و بدون عمولة. نعم، ليس للبنك المسحوب عليه أن يأخذ عمولة لقاء قيامه بعملية الاقراض، على أساس ان قيامه بها لا يتوقف على بذل جهد زائد على دفع نفس المال إلى الشخص المقترض لأن مالية الاقتراض في نظر العرف و العقلاء إنما هي مالية المال المقترض، و ليس لنفس عمل الاقراض بما هو عمل مالية زائدة ما لم يتوقف على بذل جهد و عمل زائد، و على هذا فإذا أخذ البنك المسحوب عليه عمولة من العميل المستفيد لقاء قيامه بعملية الاقراض له، فهي زيادة على المال المقترض و محرمة. الرابع: إن البنك الساحب يبيع ما يملكه في ذمة البنك المسحوب عليه من عملة أجنبية
بسعر مساو لقيمة الشيك في ذمة العميل المستفيد بالعملة الداخلية الحاضرة، و يضيف على الثمن مقدار الفائدة على القرض. و هذا العمل جائز شرعا، و لا بأس بهذه الزيادة ما دامت العملية عملية البيع و الشراء دون القرض. و في الحالة الثانية: يمكن تخريج الشيك المصرفي من الناحية الشرعية بأحد وجوه: الأول: إن البنك الساحب يقوم ببيع في حدود قيمة الشيك من العملة الأجنبية في ذمة البنك المراسل بالعملة المحلية التي يملكها العميل المستفيد في ذمته و بذلك يصبح المستفيد مالكا للعملة الأجنبية في ذمة البنك المراسل بدلا عما يملكه البنك الساحب ما يساوي قيمة الشيك من العملة المحلية من رصيد العميل عنده، و هذه العملية جائزة شرعا، شريطة أن لا يكون الثمن مؤجلا أيضا في عقد البيع حتى لا يكون من بيع الدين بالدين، و يجوز للبنك أن يأخذ من العميل المستفيد عمولة لقاء تسديد دينه في بلد آخر غير بلد القرض. الثاني: إن بإمكان البنك الساحب أن يحيل دائنه المستفيد على البنك المراسل، و حيث إن البنك مدين للمستفيد بعملة داخلية، فلا بد أن تكون هذه الحوالة مسبوقة ضمنا بعقد بيع بين العمليتين لكي يكون البنك مدينا للمستفيد بعملة خارجية، و حينئذ فيتاح له أن يحيل المستفيد على البنك المراسل المدين له بالعملة الاجنبية حتى يكون من حوالة الدائن على المدين. و كل ذلك جائز شرعا، و كذا يجوز للبنك أن يأخذ عمولة من المستفيد لقاء قيامه بتسديد دينه في غير مكان القرض. الثالث: إن للبنك الساحب أن يفوض عميله الدائن المستفيد من الشيك بتسلم قيمة الشيك من البنك المسحوب عليه وفاء لما يملكه في ذمة البنك الساحب من العملة الداخلية، و لا مانع من ذلك، لأنه من وفاء الدين بغير جنسه و هو جائز شرعا برضا الدائن. و يجوز للبنك أن يأخذ عمولة من العميل المستفيد لقاء دفع دينه في غير مكانه بموجب طلبه.
بطاقات الائتمان: إن بطاقة الائتمان من أهم الخدمات المصرفية في العالم في العصر الحاضر، فإنها تحقق أمانا كبيرا للإنسان على أمواله من حملها معه في السفر و الحضر، حيث إن في حملها خطرا على المال من الضياع و السرقة، بل على النفس إضافة إلى متاعب اخرى، فالإنسان بدلا عن أن يحمل النقود معه لتوفير متطلباته و حاجياته في حال السفر و الحضر يحمل معه بطاقة الائتمان و يستعملها في توفير حاجياته من التسويق اليومي و قطع التذاكر للسفر و أجور الفنادق و المطاعم و السيارات و الخدمات في المحطات للقطارات و محطات البنزين و غيرها و المحلات التجارية لشراء السلع و البضائع و سحب النقود من البنوك و أجهزة الصرف الآلي إذا دعت الحاجة إليها و نحوها من الحوائج، كل ذلك شريطة أن لا تتجاوز عن الحد الاعلى للائتمان الذي توفره له البطاقة. البطاقة الائتمانية علاقة بين الأطراف الثلاثة الطرف الأول: الجهة التي تصدر البطاقة، و هي في الغالب البنوك و المصارف، و قد تكون جهة أخرى كالشركات العامة أو الخاصة أو المنظمات. الطرف الثاني: الجهة التي تحمل البطاقة، و هي عملاء شراء البطاقة. الطرف الثالث: الجهة التي تقبل البطاقة، و هي عملاء البيع بالبطاقة. فحامل البطاقة عند ما يرغب شراء سلعة او خدمة أو الحصول على نقود أو غير ذلك، فما عليه إلا ان يبرز تلك البطاقة للطرف الثالث المسمى بالتاجر، فإذا أبرزها له قدم التاجر إليه ما أراده من السلعة او الخدمة أو النقود او غير ذلك، ثمّ يسجل رقم بطاقته و توقيعه على قسيمة تبين ثمن السلعة أو الخدمة بعد التأكد من صحة البطاقة و تاريخ انتهاء صلاحيتها، ثمّ يقوم التاجر بتقديم تلك القسيمة إلى الطرف الأول (مصدر البطاقة) مباشرة أو بالواسطة، فيحصل على المبلغ المدون
عليها مطروحا منه رسم يتراوح بين 1 إلى 4 أو أكثر على إختلاف البطاقات الائتمانية باختلاف الشركات التي تصدرها، و الجهة المصدرة ملتزمة بدفع المبلغ بمجرد التأكد من دقة البيانات، بقطع النظر عما إذا كان حامل البطاقة قد سدد الثمن للبنك أو لا، باعتبار إن ذمتها قد اشتغلت به بقبولها الحوالة تجاه التاجر ثمّ يقوم بإرسال فاتورة إلى حامل البطاقة في كل شهر مرة تتضمن تمام مشترياته بالبطاقة في فترة شهر واحد، و تطالبه بدفع ما تضمنته الفاتورة من المبلغ.
أنواع البطاقات الائتمانية
و هو متمثل في بطاقة يصدرها البنك مشروطا بأن يكون للعميل حساب مصرفي عنده أو عند أي بنك آخر، و لا يكون حسابه أقل من الحد الأعلى للائتمان الذي توفره له البطاقة و هو ما يسمى بالخط الائتماني، و لا يسمح له بأن ينخفض رصيد حسابه المذكور عن ذلك المبلغ، و هذا نوع من الضمان النقدي، و على هذا فكلما أستخدم العميل البطاقة في شراء حاجياته و توفير متطلباته، يقوم البنك المصدر بالسحب من رصيده مباشرة لتسديد قيمة الفاتورة المرسلة إليه من التاجر، و هذا النوع من البطاقات متواجد في كثير من الدول النامية.
و هذه البطاقة تمتاز عن النوع الأول في عدم اشتراط الجهة المصدرة لها، بأن يفتح العميل حسابا ماليا عندها لا يقل عن الحد الأعلى للائتمان الذي توفره له البطاقة، فالحصول عليها لا يكون منوطا بوجود مثل ذلك الحساب، و على هذا فحامل البطاقة إذا اراد استخدامها لشراء السلع أو الخدمة أو غيرها قام بإبرازها للطرف الثالث و هو بعد التأكد على صحتها وافق على تقديم ما اراد حامل البطاقة واخذ توقيعه على الفاتورة و رقم البطاقة و هذه الموافقة ليست من جهة ان حامل البطاقة يحصل على قرض ائتمان مساوي لقيمة السلع و الخدمة من الجهة المصدرة او تماميتها باعتبار ان صحة القرض منوط بقبض المال المقترض حتى تشتغل ذمته بمثله و هذا الشرط غير متوفر في المقام بل من جهة ان الطرف الثالث كان يعلم بأن الجهة المصدرة متعهدة بأداء قيمة السلع أو الخدمات و الحاجيات للطرف الثالث و مسئولة عنه عند وصول الفاتورة إليها و يحدد الحد الأعلى للتعهد لكل عميل الحد الأعلى من الائتمان الذي توفره له البطاقة
المسمى بخط الائتمان و في هذه الحالة يلتزم حامل البطاقة طبقا لشروط الاصدار بتسديد كامل مبلغ الفاتورة خلال فترة لا تزيد عن ثلاثين يوما من تاريخ استلامه لها، و في حالة المماطلة يقوم المصدر بالغاء عضوية حامل البطاقة و سحبها منه و ملاحقته قضائيا لتسديد ما تعلق بذمته من المبلغ المذكور و أشهر أنواع هذه البطاقات أمريكان أكسبريس.
و تمتاز هذه البطاقة عن النوع السابق في نقطة، و هي إن الائتمان الذي تخلقه هو عدم الزام حامل البطاقة بدفع المبلغ تماما عند تسلمه للفاتورة الشهرية، و الغالب الزامه بدفع نسبة ضئيلة منه، و يظل الباقي في ذمته، و يقوم شهريا بدفع فوائد التأخير، و تحسب الفوائد بصفة يومية على المبالغ المتبقية، و أشهر أنواع هذه البطاقة (بطاقة فيزا) و هناك أنواع أخرى من البطاقة الائتمانية التي تستخدم في جهات خاصة، و لكن حيث أنه لا دخل لها في حكم البطاقة من وجهة النظر الشرعية فلا مبرر للدخول في تفصيلاتها، كما إن امتياز بعض أقسام البطاقات عن بعض أقسامها الأخرى غير دخيل في حكمها كبطاقة فيزا، فإنها على ثلاثة أقسام: القسم الأول: بطاقة الفيزا الفضية. القسم الثاني: بطاقة الفيزا الذهبية. القسم الثالث: بطاقة الفيزا الألكترونية. و تمتاز الأولى عن الثانية في نقطة، و هي ان الأولى ذات حدود ائتمانية منخفضة نسبيا، و الثانية ذات حدود ائتمانية عالية، فإنها إضافة إلى الخدمات المتوفرة للبطاقة السابقة، تأمينا على الحياة و خدمات أخرى دولية فريدة، كاولوية الحجز في مكاتب السفر و الفنادق و التأمين الصحي و الخدمات القانونية، و أما الأخيرة فهي تستخدم في جهة خاصة، و هي أجهزة الصرف الآلي الدولي.
يمكن تفسير هذه العلاقة بأحد أمرين: الأول: على أساس الضمان العقدي،و نريد به تعهد الجهة المصدرة للبطاقة لأداء ديون حاملها تجاه التاجر الذي يشتري منه حاجياته بابرازه البطاقة له و جعلته في مسئوليتها، لا نقل الدين من ذمة إلى ذمة، بل الدين قد ظل في ذمة الحامل للبطاقة، و الجهة المصدرة جعلت نفسها مسئولة عن الأداء، فاذا قامت بأدائه و أدّته اشتغلت ذمة الحامل بنفس المبلغ لتلك الجهة، و برأت ذمته عن التاجر. الثاني: على أساس تعهد الجهة المصدر للبطاقة لقبول الحوالة من حاملها المدين للتاجر الذي اشترى منه السلع و البضائع بابراز البطاقة له، فإنه بعد الشراء يحيله على تلك الجهة، و هي ملزمة بقبولها على أثر تعهدها في عقد البطاقة و إن لم يكن له رصيد مالي عندها، ثمّ إن الظاهر منهما التفسير الثاني، و عليه فالعلاقة بينهما متمثلة في تعهد الجهة المصدرة بقبول الحوالة من العضو الحامل للبطاقة لثمن المشتريات بها، و الأمارة على الحوالة هي توقيع الحامل على القسيمة. و قد تسأل: هل يمكن أن تكون العلاقة بينهما على أساس الوكالة بأن تكون الجهة المصدرة و هي البنك وكيلة عن حامل البطاقة في أداء دينه تجاه التاجر ؟ و الجواب:الظاهر أنه لا يمكن أن تكون العلاقة بينهما على أساس الوكالة في جميع أنواع البطاقات الائتمانية. نعم، إن العلاقة بينهما في النوع الأول من البطاقة الائتمانية، و هو ما إذا كان لحامل البطاقة رصيد مالي عنده لا تبعد أن تكون بنحو الوكالة، بأن يكون البنك وكيلا عنه في أداء دينه تجاه التاجر من رصيده، و أما في النوعين الآخرين فهي بعيدة و بحاجة إلى مئونة زائدة. و قد تسأل: هل يمكن أن تكون العلاقة بينهما على أساس عقد القرض، بأن تقوم الجهة المصدرة بإقراض العميل الحامل للبطاقة بمقدار ما اشتغلت به ذمته تجاه التاجر أوتوماتيكيا،
و هذا يعني: ان العميل هل يحصل بصرف استخدامه للبطاقة على قرض اوتوماتيكي من الجهة المصدرة ؟ و الجواب:أنه لا يمكن ان تكون العلاقة بينهما من باب القرض، فان المعتبر في صحة القرض و تحققه أن يقبض المقترض مبلغ القرض، و هذا لا يوجد في شيء من صيغ البطاقة الائتمانية، إلا إذا فرض أن العميل وكل البنك في قبض مبلغ القرض منه وكالة، ثمّ يؤدي دينه كذلك، و لكن هذا مجرد افتراض و خارج عن مرتكزات المتعاملين بها. و الخلاصة: أن العلاقة بينهما على اساس التعهد و الالتزام من الجهة المصدرة بقبول الحوالة من الحامل في عقد البطاقة، و هذا المعنى هو المتبادر في الأذهان و المرتكز في أعماق نفوسهم، حيث أن العميل عند ما يبرز بطاقته للتاجر، فإنه بعد التأكد من صحتها يحصل له اليقين بأن الجهة المصدرة متعهدة بأداء ثمن البضائع أو الخدمات و مسئولة أمامه.
الظاهر ان هذه العلاقة بينهما متمثلة في عقد الحوالة، فإن العميل الحامل للبطاقة عند ما يشتري سلعة أو خدمة من التاجر باستخدامه البطاقة تشتغل ذمته بقيمتها له، فيكون العميل حينئذ مدينا و التاجر دائنا، و يقوم العميل المدين عندئذ لعملية الحوالة فيحيل التاجر الدائن على الجهة المصدرة للبطاقة، و يكون توقيعه على الفاتورة المرسلة إلى تلك الجهة يدل على الاحالة و التاجر يقبلها فيرسل الفاتورة الى الجهة المصدرة التي تقوم بدفع المبلغ له، و لا فرق في ذلك بين أن تكون تلك الجهة مدينة لحامل البطاقة أو لا، فإن الحوالة على الثاني و ان كانت حوالة على البريء ، إلا أن إصدارها البطاقة الائتمانية بمثابة قبولها الحوالة، فعلى كلا التقديرين فهي ملزمة بقبولها الحوالة، و حينئذ فتصبح بموجب هذه الحوالة مدينة للتاجر بديلا عن حامل البطاقة. و يمكن ان نتصور بان العلاقة بينهما متمثلة في الوكالة، فحامل البطاقة يجعل التاجر وكيلا عنه في الاقتراض من البنك أي: البنك المصدر للبطاقة باسمه، ثمّ يقوم بتسديد دين الحامل وكالة عنه لنفسه، و لكن هذا التصور بعيد عن أذهان المتعاملين بالبطاقة كما مر.
هي علاقة المحال و المحال عليه، على أساس ان حامل البطاقة يحيل التاجر على تلك الجهة و يترتب على ذلك كون الجهة المصدرة مدينة للتاجر، و هذا إضافة إلى أن التاجر من عملاء البيع بالبطاقة أو خدمة أخرى، فتكون علاقته بالجهة المصدرة علاقة العميل، و معنى ذلك: أنه قبل تمام شروط البطاقة منها اقتطاع الجهة المصدرة من ثمن البضائع عند تسديده بنسبة مئوية محددة. قد يقال: كما قيل إن الفاتورة التي وقع عليها المشتري أي: حامل البطاقة، هي كمبيالة مستحقة الدفع يقوم التاجر بحسمها لدى البنك المصدر فاذن تكون علاقة التاجر مع البنك المصدر علاقة البيع و الشراء، فإن التاجر يقوم ببيع قيمة الفاتورة في ذمة المشتري للبنك نقدا بأقل منها، فيكون من بيع الدين نقدا بالأقل.
و الجواب: أولا: ان الفاتورة ليست من الأوراق التجارية كالكمبيالة، بل هي قائمة فيها قيمة الاشياء المشتريات، و توقيع المشتري عليها أمارة على الحوالة لا على انها كمبيالة، فإذا لا وجود للبيع و الشراء. و ثانيا: مع الاغماض عن ذلك و تسليم انها كمبيالة، و لكن قد مر أن الاظهر بطلان بيع الدين نقدا بالاقل منه، و أما اقتطاع البنك من الثمن بنسبة مئوية فهو على أساس القرار بينه و بين التاجر لقاء ما قدمه البنك المصدر من الخدمة له و قبول التاجر ذلك، و لهذا لا إشكال فيه شرعا.
من حق الجهة المصدرة للبطاقات الائتمانية و توفيرها للعملاء المستثمرين و رجال الأعمال و السياح أن تتقاضى عمولة لقاء قيامها بهذه الخدمة القيمة التي هي أمان للإنسان على ماله و نفسه، و لا يحتاج مع وجودها إلى حمل أي نقود معه، مع أن ما في حمل النقود من خطر السرقة و الضياع و عوائق و متاعب أخرى، و إنها توفر له الراحة و الطمأنينة و الثقة، و تسهل له الحصول على ما يرغب إليه من شراء سلعة أو خدمة او نقود إذ ليس عليه حينئذ إلا إبراز البطاقة للتاجر. و يمكن تخريج هذه العمولة من الناحية الشرعية بأحد وجوه: الأول: أن تكون من باب أجرة المثل، على اساس أن تزويد العميل بالبطاقة انما كان بامره و طلبه من ناحية،
و عدم تحديد الاجرة في عقد من ناحية أخرى. الثاني: ان تكون من باب الجعالة، بمعنى: إن العميل يجعل أجرا و جعلا للمصدر لقاء قيامه بهذه الخدمة، بأن يقول له ان زودتني بالبطاقة الائتمانية فلك كذا مبلغا من المال في رأس كل شهر، و حينئذ فإذا قام و زوده بالبطاقة استحق الجعل حسب ما عين و حدد. و بكلمة: ان استحقاق الجعل المحدد في الجعالة ليس في الحقيقة إلا بملاك ضمان عمل غيره بأمره به لا على وجه التبرع، فإذا امرت الخياط مثلا بان يخيط ثوبك كذا او الكاتب بان يكتب لك الدفتر الفلاني، فاذا خاط أو كتب فعليك قيمة عمله من الخياطة او الكتابة ، بمعنى: ان ذمتك تشتغل باجرة المثل، و هذا قسم من الضمان الغرامة في الاعمال على حد ضمان الغرامة في الاموال، و في هذه الحالة بامكانك ان تحول اجرة المثل منذ البدء الى مقدار محدد، فتقول: من خاط ثوبي الفلاني فله دينار، و حينئذ فيكون الضمان بمقدار ما حدد في هذا الجعل، و يسمى هذا جعالة، فالجعالة في الحقيقة تنحل إلى جزءين: أحدهما: الامر الخاص أو العام بالعمل الذي له قيمة. و الآخر: تعيين مبلغ معين بازاء ذلك، فالجزء الأول من الجعالة هو ملاك الضمان، أي: ضمان الغرامة لا الضمان المعاوضي. و الجزء الثاني يحدد قيمة العمل المضمون، فاجرة المثل هي الاصل في الضمان ما لم يحصل الاتفاق على غيرها، و على هذا الاساس فان عين العميل الاجرة للجهة المصدرة لقاء تزويده بالبطاقة ضمن نفس الاجرة المحددة، و إلأ فأجرة المثل. الثالث: انها عوض في المعاقدة بينهما بالتراضي، فانهما يتفقان على ان تقوم الجهة المصدرة باصدار البطاقة له و تزويده بها مقابل مبلغ محدد بنسبة مئوية في رأس كل شهر، و لا بأس بهذه المعاقدة بينهما شرعا فانه و ان لم ينطبق عليها شيء من العناوين الخاصة للمعاملات، الا أنه يكفي في صحتها شرعا عموم قوله تعالى: ((إِلاّٰ أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ)) على اساس ان عنوان التجارة عن تراض يصدق عليها.
و قيل أنه لا يجوز شرعا استخدام هذه البطاقات، بدعوى: ان المبالغ التي تحصل عليها الجهة المصدرة للبطاقة، كالبنك او الشركة بطريق الحسم من اثمان البضائع و الخدمات عند سداد قيمتها عن اصحابها، ما هي في الحقيقة الا فائدة يدفعها حامل البطاقة الى الجهة المصدرة و هذه الفائدة تعتبر مقابلا لاقراض الجهة المصدرة المبلغ له بالسداد نيابة عنه الى ان يقوم الحامل بدفع القرض لها، و هذه فائدة ربوية محرمة.
و الجواب:ان اقتطاع مصدر البطاقة عن اثمان البضائع و الخدمات عند سداد قيمتها بنسبة 2% إلى 4% ثمّ أخذ هذه النسبة من حامل البطاقة ليس بملاك فائدة على الدين، لان حامل البطاقة و ان اصبح مدينا للجهة المصدرة اذا لم يكن له رصيد مالي لديها عند ما قامت الجهة لدفع اثمان البضائع و الخدمات للتاجر، سواء أ كان قيامها لذلك بالوكالة و النيابة عنه ام بالحوالة عليها، و لكنه مدين بقدر ما دفعته الى التاجر دون الزائد، و أما اخذ الزائد فهو ليس بعنوان الفائدة على الدين، بل من اجل تزويده بالبطاقة و حصوله عليها، حيث انها خدمة كبيرة له. و بكلمة: ان تقديم البنك او الشركة البطاقة للعميل ليس على وجه التبرع، بل لقاء ما اقتطعه من اثمان السلع و الخدمات بنسبة مئوية محددة، و العميل يأخذها في مقابل ذلك، و هذا هو المرتكز في اذهان المتعاملين من بطاقات الائتمان، فاذن ما اقتطعته من الاثمان ليس فائدة على الدين، هذا اضافة الى ان ذلك لا يتم اذا كان للعميل رصيد مالي لدى المصدر إذ حينئذ لا موضوع للدين هذا من ناحية، و من ناحية اخرى إن الظاهر من استخدام العميل البطاقة لشراء السلع او الخادمات او الحصول على النقود من الطرف الثالث، هو احالته على المصدر من باب احالة الدائن على المدين أو على من تعهد بقبول الحوالة لا التوكيل و الاستنابة في اداء الدين عنه. و الحاصل: إن الظاهر و المرتكز في الذهن ان استخدام العميل البطاقة في شراء السلع او الخدمات او غير ذلك من الطرف الثالث، احالة لذلك الطرف اتوماتيكيا على الجهة المصدرة في اخذ اثمان البضائع و الخدمات منها بلا فرق في ذلك بين ان يكون له رصيد مالي عندها أو لا باعتبار ان معنى تزويدها العميل بالبطاقة تعهد منها بتسديد الاثمان و ان لم يكن للعميل رصيد مالي لديها، و نتيجة ذلك ان العميل اذا استخدم البطاقة لشراء البضائع او الخدمات و اشتراها و وقع على فاتورة المشتريات، فهذه منه حوالة على تلك الجهة تلقائيا.
و الخلاصة: ان المرتكز من البطاقات الائتمانية و التعامل بها ان الزيادة انما هي في مقابل تمتع العميل بالبطاقة لا في مقابل الدين. نعم، هنا اشكال في خصوص النوع الثاني من البطاقة الائتمانية و النوع الثالث، اما في النوع الثاني فلان حاملها ملتزم بدفع ما عليه من اثمان البضائع او الخدمات خلال ثلاثين يوما و الا تقوم الجهة المصدرة بالغاء عضويته في البطاقة الائتمانية و ملاحقته عند اجهزة القضاء و الامن لارغامه على الدفع، و تنص عقود هذا النوع من البطاقات على ان العضو ملتزم بدفع الفوائد على المبالغ المتأخرة ابتداء من تاريخ الغاء عضويته، و هذا شرط ربوي. و أما في النوع الثالث فعقده لا يوجب الزام العميل بدفع ما عليه من الديون خلال ثلاثين يوما عند تسلمه الفاتورة الشهرية و لكنه ملزم بدفع فائدة على التأخير، و تحسب الفوائد يوميا على المبالغ المتبقية على ذمة العميل و هذا ربا. و قد تسال: هل يمكن تخريج ذلك فقهيا من الناحية الشرعية أو لا ؟ و الجواب:يمكن ذلك بأحد وجهين: الأول: ان البنك المصدر يجعل العميل في عقد البطاقة وكيلا عنه في شراء السلع او الخدمات على ذمته، ثمّ يقوم ببيعها وكالة عنه على نفسه، و يشترط في ضمن هذا البيع على نفسه من قبل البنك وكالة ان يدفع له دينارا في رأس كل شهر يتاخر فيه عن دفع الثمن، و لا مانع من ذلك لانه ليس ربا فان الزامه بدفع الدينار انما هو بحكم البيع لا بحكم عقد القرض و ليس في مقابل الاجل. نعم لو شرط ان يكون له دينار في مقابل التأجيل بنحو شرط النتيجة لم يصح، لانه من اشتراط الربا. و بكلمة: كما يمكن للبائع ان يشترط على المشتري ان يهب له دينارا في كل شهر إلى ستة اشهر مثلا، كذلك له ان يشترط عليه ان يدفع له دينارا في كل شهر يتأخر فيه عن دفع الثمن، ثمّ ان هذا التخريج الفقهي مبني على ان يشترط العميل على البنك في عقد البطاقة ان يكون وكيلا عنه في شراء البضائع او الخدمات بالبطاقة على ذمته، ثمّ يبيعها على نفسه وكالة منه، و الا فلا تخريج له شرعا.
الثاني: ان البنك المصدر يتعهد في ضمن عقد البطاقة ان لا يقبل الحوالة من العميل اذا لم يكن له رصيد مالي عنده الا لقاء عمولة يقتطعها من الفاتورة الشهرية بنسبة مئوية لا مجانا، إذ من حقه ان لا يقبل بدون عمولة اذا كان بريئا، و أما اذا كان مدينا للعميل، فهو ملزم بقبول الحوالة شرعا، و لا يجوز له ان يتقاضى عمولة لقاء عملية اداء الدين، فانها وظيفة المدين و هو ملزم بها شرعا و ان استلزمت مزيد جهد و انفاق عمل، و أما اذا كان البنك وكيلا عن العميل في تسديد ديونه، فله ان لا يقبل الوكالة عنه الا لقاء عمولة محددة، حتى فيما اذا كان له رصيد مالي عنده اذ لا يكون ملزما بقبول الوكالة عنه في اداء دينه لدائنه و لو من ماله عنده مجانا، و لكن هذا الوجه لا يدفع الاشكال عن اشتراط الفوائد على تاخير الديون المتبقية على ذمة العميل، لانه من اشتراط الربا، و انما يدفع الاشكال عن ذلك، على اساس امكان تبديل ذلك باخذ تلك الفائدة بعنوان العمولة لقاء قبول الحوالة أو الوكالة، و يمكن تخريج ذلك فقهيا بالنسبة الى خصوص تعامل حامل البطاقة بها فحسب دون مصدرها، فانه يجوز للعميل الدخول في عضوية عقود البطاقة و اشتراكه فيها و حصوله عليها إذا كان ملتزما بالدفع خلال الفترة المسموح بها، أو كان له رصيد مالي عند المصدر لا يقل عن الحد الأعلى من الائتمان الذي توفره له البطاقة. و أما اذا كان العضو الحامل غير ملتزم بالدفع خلال الفترة المسموح بها فهل يجوز له الدخول في عضوية عقد البطاقة في النوع الثالث من البطاقات الائتمانية أو لا ؟ و الجواب: أنه لا مانع من دخوله فيها و حصوله على البطاقة و التعامل بها، و أما اشتراط المصدر الفائدة على تأخير الدين الثابت في ذمته فهو و ان كان شرطا ربويا، إلا أن بإمكان حامل البطاقة عدم الالتزام به، بل وظيفته ذلك و فساده لا يوجب فساد العقد حتى لو قلنا بأن الشرط الفاسد مفسد، فإن هذا الشرط ليس شرطا للعقد أي: عقد البطاقة الواقع بين المصدر و العميل، بل هو اشتراط فائدة محددة على تأخير الدين على ذمة العميل عن الفترة المسموح بها، هذا نظير من باع داره مثلا من شخص و اشترط عليه أن يكون له مبلغ من المال في مقابل تأجيل الثمن بنحو شرط النتيجة، فان فساد هذا الشرط لا يرتبط بالبيع أصلا، لأنه لا يكون من شئون البيع و لا من شئون المبيع و لا الثمن، بل هو شرط بازاء التأجيل و التأخير للثمن، و حيث أن هذا الشرط فاسد، فلا يكون العميل ملزما به شرعا نعم هو مجبور بالعمل بهذا الشرط بمعنى انه يفي به بعنوان أنه مجبور لا بعنوان الشرط أو يتبرع به و لو بداعي أن لا تلغي الشركة المصدرة عضويته في عقد البطاقة، و في هذه الحالة فلا شيء عليه.
النتائج من وجهة النظر الشرعية أمور: الأول: أنه يجوز للعميل ان يدخل في عضوية عقود البطاقة و الحصول عليها بدون فرق في ذلك بين أنواعها. الثاني: ان من حق الجهة المصدرة للبطاقة ان تتقاضى عمولة من العميل لقاء قيامها بعملية تزويده بالبطاقة، لأنها خدمة، فلا يجب عليها القيام بها مجانا و بدون أجرة. الثالث: ان الاجرة التي تتقاضاها لا تخلو من ان تكون من باب أجرة المثل، على اساس ان تزويد العميل بها إنما هو بأمره و طلبه، و هو يوجب الضمان بها أو من باب الجعالة أو المعاقدة أو المصالحة على ما تقدم شرحه. الرابع: ان الزيادة التي تأخذها الجهة المصدرة من حامل البطاقة ليست فائدة على الدين كما مر، بل هي أجرة لما قدمته من الخدمة له، فإذا لا ربا. الخامس: ان الفائدة على تاخير الدين عن المدة المقررة و ان كانت ربا، الا ان بامكان حامل البطاقة عدم الالتزام بهذا الشرط الباطل، و هذا لا يضر بصحة عقد البطاقة الواقع بينه و بين الجهة المصدرة، و حينئذ فان أجبر على دفعها فلا شيء عليه، و إلا لم يجز إلا بعنوان الهبة و التبرع. السادس: يجوز للجهة المصدرة للبطاقة ان تقطع من اثمان البضائع و السلع و الخدمات عند تسديدها للتاجر بنسبة مئوية محددة، على أساس قبوله و التزامه بشروط البطاقة حيث لا يجب عليه ذلك مجانا كما تقدم. السابع: ان المتحصل من كل ذلك، أنه لا مانع شرعا من التعامل بالبطاقات بانواعها و استخدامها في السفر و الحضر في اقسام المعاملات و الخدمات السائغة من الناحية الشرعية.
هو أوراق مالية ذات قيمة اسمية محددة تكتب عليها، و هي تعادل حصة من رأس المال للشركة.
هي التي تتكون من رءوس اموال محددة تقسم الى اسهم عديدة، و لهذه الاسهم خصائص مميزة منها تساوي قيمتها حسب ما يحددها قانون الشركة، و منها تساوي حقوقها، و منها ان مسئولية كل مساهم بقدر قيمة اسهمه، و منها قابليتها للتداول في الاسواق، و يتم تداولها وفق انظمة و اجراءات محددة في الاسواق المالية (البورصة). و تترتب على ملكية الاسهم حقوق و التزامات، منها حق بقاء مالكها في الشركة، و منها حق الاولوية في الاكتتاب، و منها حق اقتسام موجودات الشركة، و منها حق التدخل في قرارات الشركة، و منها غير ذلك.
على اساس ان نظامها التأسيسي ينص على انها تتعامل في حدود دائرة الحلال و ذلك كشركة الكهرباء المساهمة و شركة السمنت و الزراعة و المعادن و النفط و الصناعة التوليدية و غيرها، شريطة ان تقتصر تلك الشركات على اعمالها الاستثمارية في حدود دائرتها المحللة و لا تتعامل بالربا اقراضا و اقتراضا و لا غيره من الاعمال المحرمة.
و تتعامل على الحلال و الحرام كتوليد الخمور و غيرها و الربا و غير ذلك و لا تتقيد بالحلال.
و لكنها لا تتقيد بنص نظامها التأسيسي على ان تتعامل بالحلال لا بالحرام.
يجوز المشاركة و المساهمة في القسم الاول من الشركات المساهمة باكتتاب اسهمه و شرائها و الاستفادة من الارباح التي تحصل الشركة عليها. و ما قيل من: ان الاسهم بما انها جزء من النظام الراس مالي فلا تتفق جملة و تفصيلا مع الاسلام غريب جدا، و ذلك لان المراد من النظام الاقتصادي الراس مالي هو ان لا يتقيد بحدود دائرة الشرع التي يتبناها الاسلام بنصوصه التشريعية المستمدة من الكتاب و السنة، و المراد من النظام الاقتصادي الاسلامي هو ما يتقيد بحدود دائرة الشرع التي يتبناها الاسلام في جميع نشاطاته الاقتصادية انتاجية كانت ام تبادلية، و لا يعترف باي نشاط اقتصادي خارج عن هذه الدائرة، و لهذا قد الغي الاسلام التعامل بالربا بكل الوانه عن الاقتصاد الاسلامي نصا و روحا، و كذلك التعامل بالخمور و انتاجها و لحوم الميتة و الخنزير و غيرها. و على هذا فيجوز المشاركة في شراء اسهم القسم الاول من الشركات المساهمة و الدخول في عضويته و الاتجار بها. و لا تجوز المشاركة في القسم الثاني من الشركات المساهمة بالقيام بعملية اكتتاب اسهمه و شرائها و الدخول في عضويته و الاستفادة من الارباح و الفوائد التي تحصل عليها الشركة، على اساس انها جميعا تعامل و انتفاع بالمال الحرام او المخلوط به و هو غير جائز. و أما القسم الثالث من تلك الشركات فهل تجوز المساهمة و المشاركة فيها أم لا ؟ و الجواب:لا تجوز، لأن رأس ماله و ان كان حلالا، إلا انها لا تتقيد بموجب قراراتها التقليدية بالتعامل من طريق الحلال فانها كما تتعامل من هذا الطريق تتعامل من طريق الحرام ايضا، فمن اجل ذلك لا يجوز شراء اسهمها بغرض العضوية و المساهمة فيها و الاستفادة من ارباحها التي تحصل عليها من طريق الحلال و الحرام معا. و بكلمة: ان اسهمهما الاولية و ان كانت من اموال الحلال و لا مانع من التصرف فيها في نفسها، إلا ان شرائها بغرض المساهمة و العضوية فيها غير جائز ، على اساس انه يعلم ان الشركة لا تتقيد بالتعامل بها على الحلال، و المفروض انه بموجب كونه عضوا فيها شريك في هذه العمليات، و لا فرق في ذلك بين ان يكون شرائها بقصد المساهمة و العضوية أو لا، حيث انه يعلم بكونه قد اصبح عضوا تلقائيا بمجرد الشراء و ان كان حين الشراء غافلا عن ذلك و غير قاصد، و حينئذ يكون شريكا في جميع
معاملاتها السوقية و فوائدها و لو في فترة قليلة، و ان شئت قلت ان الشركة بموجب قراراتها التقليدية غير مقيدة بالمعاملات و الاتجارات في الحدود المسموح بها شرعا اذ كما انها تقوم بالمعاملات و الاستثمارات في هذه الحدود كذلك تقوم بها في الحدود غير المسموح بها شرعا كالاتجار بالخمور و الميتة و لحم الخنزير و الربا فان حرمة هذه المعاملات و ان كانت وضعية فقط و ليست بتكليفية غير الربا فان حرمته تكليفية و وضعية معا الا ان المساهمة و المشاركة في هذه المعاملات توجب تبديل مال المساهم الحلال بالحرام فلذلك لا تجوز.
و يطلق عليه السوق غير الرسمي أو السوق المفتوح أو سوق فوق الحاجز، و كل ذلك تعبيرات عن شيء واحد، و هو السوق غير الخاضع للنظم، و لا تتوفر فيه كفاءة التداول من حيث عدالة الاسعار، فان لسلوكيات الوسطاء و السماسرة و المستثمرين و المضاربين تاثير كبير في تحديد الاسعار هبوطا و صعودا، و في عدم الموازنة بين العرض و الطلب.
و هو ما يعرف (بالبورصة) حيث انها سوق منظم للأوراق المالية، و مكان تنعقد في ردهته صفقات تداول الاسهم و السندات و تبادلها بالبيع و الشراء بطريقة منظمة، و يتم فيها تداول الاسهم و السندات المسجلة بها فقط لا مطلقا، و يكون تداولها خاضعا لقوانين و اجراءات رسمية، و في اوقات محددة، و يتم التداول فيها بواسطة الوسطاء المتخصصين المسجلين لدى ادارة السوق بالتعامل في هذه الاسواق كالسماسرة و نحوهم، حيث انهم يقومون بتنفيذ اوامر عملائهم بيعا و شراء، و يكون التداول فيها بشكل علني و بصورة مسموعة و مقروءة، و يتم التداول فيها بدون ان يكون هناك تماس بين السماسرة و العملاء، و تشرف على نشاطات السوق هيئة رقابة متخصصة، و من اجل ان للبورصة هذه المزايا و الخصوصيات تكون سوقا مثاليا لبيع و شراء الاسهم و السندات المالية، و حيث انها تخضع لرقابة شديدة فتستبعد امكانية تواجد اتفاقات سرية و حدوث سلوكيات غير قانونية، كالتلاعب بالاسعاء و استغلال المعلومات. ثمّ ان المستثمر يستعين باحد الوسطاء لتحقيق رغبته في التعامل بالاسهم بافضل الشروط في وقت
مناسب، و الوسيط بحكم عمله و تخصصه و المامه باوامر العرض و الطلب المتاحة له في السوق يمكنه ان يحقق آمال المستثمر بالبيع أو الشراء، و من هنا كان لكل سوق من اسواق الاوراق المالية وسطاء (سماسرة) سواء أ كان من البورصات ام كان من الاسواق فوق الحاجز و الوسيط يتمثل في الشخص المصرح له الاذن بممارسة تداول الاسهم و السندات لحساب عملائه، و قد يكون الوسيط همزة وصل بين المستثمرين و السماسرة، و قد يمارس مهمة السمسرة احيانا، و المستثمر له حرية اختيار الوسيط و تحديد الشروط و الاسعار التي يرغبها لاجراء التداول، و لا يجوز له التعدي عما حدده المستثمر من الشروط و الاسعار. نعم، انه قد يعول الاختيار و تحديد الاسعار للوسيط لثقته فيه، و على هذا الاساس فان العملاء الذين يرغبون في التعامل بالاوراق و الاسهم المالية يتصلون بالوسطاء كالبنك اما بالهاتف او بالفاكس او يصدرون اوامر البيع و شراء الاسهم اليهم، و البنك بعد التأكد و تحصيل الاطمئنان و الوثوق بالمسألة و وجود ارصدة لهم عنده يقبل التوسط، و يبدأ بالاتصال بالبورصة للوقوف و الاطلاع على سير الاسعار، فاذا كانت الاسعار بالنحو المرغوب فيها للعميل، قام بانجاز الشراء او البيع من طريق سماسرة الاوراق و الاسهم المالية او ممثل خاص له. و بكلمة: ان المستثمر اذا رغب التعامل بالاوراق و الاسهم المالية في السوق المنظم (البورصة) فبما انه ليس بامكانه ذلك عن طريق مباشر فيلتجئ الى ذلك من طريق الوسطاء (السماسرة) الذين هم مرخصون في القيام بتنفيذ اوامر عملائهم بيعا و شراء فيه على ضوء الشروط المحددة. نعم بامكانه التعامل بالاسهم في السوق غير المنظم و المفتوح من طريق مباشر بدون وسيط، كما ان هناك سوقا آخر يتم فيه تداول الاسهم في شركات الاستثمار بطريق مباشر، و لا يتقيد بان يكون من طريق الوسطاء.
يمكن تخريج هذه العملية فقهيا و تطبيقيا على العقود الشرعية بما يلي:
بان يلتزم كل منهما بتنفيذ
العقود بينهما حالا بتسليم البائع الاسهم المالية و المشتري ثمنها أو في مدة لا تتجاوز اليوم. و في هذه الحالة قد يحتفظ المشتري بها بامل تحسن وضع السوق و ارتفاع الاسعار، فاذا ارتفعت قام ببيعها و يحقق بذلك ربحا، و قد يخسر لانخفاض الاسعار بسبب قلة الطلب و كثرة العرض، و على كل حال فهذا بيع عاجل بكامل الثمن و المثمن.
و هو الاسهم، بعد شهر مثلا، و تسلم الثمن عاجلا و في هذه الحالة اذا تم العقد بينهما، فعلى المشتري ان يقوم بتسليم الثمن الى البائع حالا، و على البائع ان يقوم بتسليم الاسهم عند حلول الاجل، و هذا يكون من بيع السلم و لا اشكال في صحته.
و عندئذ فيجب على البائع ان يقوم بتسليم المثمن و هو الاسهم الى المشتري حالا و على المشتري ان يقوم بتسليم الثمن إليه عند حلول الموعد، و هذا يكون من عقد النسيئة، و لا ريب في صحته شرعا.
كشهر أو شهرين أو ثلاثة أشهر، و حينئذ فعلى كل من المتعاقدين ان يقوم بالتسليم و التسلم و تصفية الحساب في الموعد المعين المتفق عليه. و قد تسأل هل يمكن الحكم بصحة هذه المبادلة و المعاقدة على الرغم من أنه لا يصدق عليها عنوان عقد السلم و لا النسيئة أو لا ؟ و الجواب: نعم، يمكن الحكم بصحتها، على أساس أن صحة العقد لا تتوقف على أن يكون من أحد العقود الخاصة في الشريعة المقدسة، بل يكفي في صحته و مشروعيته انطباق عنوان عام التجارة عن تراض عليه، و المفروض انطباق هذا العنوان على المبادلة المذكورة، و بذلك تكون مشمولة لإطلاق قوله تعالى: ((لاٰ تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ إِلاّٰ أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ)) فإذا لا مانع من الحكم بصحتها.
و بكلمة: إن نصوص إمضاء المعاملات من الكتاب و السنة على نوعين: النوع الأول: ما يدل على إمضاء المعاملات بعناوينها الخاصة، كالبيع و الصلح و الإجارة و المضاربة و نحوها. النوع الثاني: ما يدل على الإمضاء بعنوان عام، كعنوان العقود و التجارة عن تراض، و حيث أن ذلك العنوان العام يصدق على هذه المعاملة، فهي محكومة بالصحة شرعا، لأنها معاملة مستقلة و مشمولة لإطلاق الآية الشريفة. و قد تسأل: هل للبائع أو المشتري أن يجعل لنفسه خيار التنازل عن حق الأجل أو لا ؟ و نتيجة ذلك: إن المشتري عند ما يرى مؤشرات لهبوط الاسعار في السوق، فيتنازل عن حق الأجل، و يطلب من البائع تسليم الأسهم المالية المتفق عليها، و حينئذ فإن كانت الأسهم موجودة عنده قام بتسليمها إلى المشتري، و إلا فيضطر شرائها من السوق بسعر العاجل، و المشتري يقوم ببيعها قبل موعد التصفية عن طريق وسيط، و أما البائع فعند ما يرى مؤشرات لارتفاع الأسعار في السوق فيتنازل عن حق الأجل و يطلب من المشتري تسليم الثمن المتفق عليه، فإذا تسلم البائع الثمن قام بشراء الأسهم من السوق بسعر العاجل.
و الجواب:أنه لا مانع من جعل كل من البائع و المشتري هذا الخيار لنفسه في ضمن العقد، فإذا جعل كان متمتعا به، و له أن يقوم بأعماله. و قد تسأل: هل يجوز لكل من البائع و المشتري ان يجعل لنفسه الخيار في عدم تنفيذ المعاملة التي تمت بينهما آجلا، و فسخها مقابل مبلغ من المال يتم عليه الاتفاق أو لا ؟ و الجواب: نعم، يجوز ذلك و لا بأس به.
كما هو الحال في سائر السلع و البضائع.
بأن يدفع المستثمر تمام قيمة الأسهم المالية إلى البائع،
و هذا النوع من المعاملة قليل التداول في الأسواق و البورصات، إذ الغالب فيها التأجيل، فالذي يجري في أكثر تلك الأسواق، هو ان المستثمر يفتح حسابا مع الوسطاء كالسماسرة، مثل الحساب الجاري في البنك و يودع فيه الأسهم، و الأوراق المالية لصالحه، و يودع الوسيط ما يحصل للمستثمر من الارباح و الفوائد في حسابه، و حكم هذا النوع اذا كان الشراء بكامل الثمن أو من حسابه الجاري عند الوسطاء هو الصحة. و قد يكون الشراء بجزء من الثمن، بأن يدفع المشتري جزء من الثمن للبائع و يستدين الباقي من السماسرة أو من مصادر أخرى لهذا الغرض، و الجزء الذي يعين على المستثمر توفيره من الاول لشراء الاسهم يطلق عليه بالهامش، و تختلف نسبة الهامش من بورصة إلى بورصة أخرى بل في بورصة واحدة تختلف من فترة إلى اخرى، بل و قد تمثل النسبة في بورصة أو في فترة من بورصة واحدة 60% من قيمة السهام، و قد تمثل 40 % من قيمة السهام و هكذا، مثال ذلك مستثمر اشترى مائة سهم كل سهم بمائة دولار مثلا، و دفع للسماسرة ستة آلاف دولارا فقط، و اقترض منهم أو من مصدر آخر الباقي من الثمن و هو أربعة آلاف دولاراً مع الفائدة، و حينئذ يحتفظ السماسرة بالأسهم رهينة على الدين، فالهامش الابتدائي في المثال هو 60%، و إذا انخفضت الاسعار و اصبحت قيمة كل سهم ثمانين دولارا، صارت قيمة مجموع السهام ثمانية آلاف دولار، ارتفعت نسبة القرض من السماسرة الى مجموع الثمن 50% و الهامش 50%، فما هو حكم هذا النوع من الشراء من الناحية الشرعية ؟ و الجواب:ان حكمه الجواز من وجهة النظر الشرعية، إذ لا مانع من التداول بالأسهم بهذه الطريقة و الكيفية في أسواق المال و البورصات شرعا، شريطة أن لا تكون الأسهم من أسهم الشركات المحظورة من الناحية الشرعية. نعم يحرم عليه الاقتراض بالفائدة، لأنه ربا و محرم.
و نريد به بيع أسهم في فترة قصيرة, حيث يتم شراؤها مرة أخرى. بيان ذلك: أن المستثمر عند ما يتوقع و يتكهن بسبب أو آخر ارتفاع أسعار الأسهم في السوق في وقت لاحق, فيقوم باقتراض عدد من الأسهم من الشركات أو مثيلاتها في السوق بواسطة الوسطاء و يحتفظ بها, فإذا ارتفعت أسعارها و تحققت توقعاته قام ببيعها بالسعر السائد في السوق, ثمّ يعيد شراءها منه عند ما انخفضت الأسعار, و بعد ذلك يرجع السهام إلى صاحبها الأصلي تسديدا
للقرض, و يستفيد المستثمر من خلال هذه العمليات من الفرق بين سعر البيع و سعر الشراء, و الوسيط من أرباح الأسهم للشركة في الفترة ما بين العمليتين, مضافا إلى ما يحصل عليه مقابل خدماته الادارية, و المالك المقرض للأسهم من نسبة ربح العمليتين بدون أن يتحمل أي مخاطرة ,فلو اتفق انخفاض الأسعار على خلاف ما تكهن المستقرض, فان المستقرض وحده يتحمل مخاطرة هذا التصرف و خسارته. و الخلاصة أن هاهنا عمليتين: الأولى: عملية القرض. الثانية:عملية البيع و الشراء في فترة قصيرة. أما حكم عملية القرض من الناحية الشرعية فعدم الجواز, على أساس إنها قرض ربوي و هو محرم شرعا. و أما حكم عملية البيع من وجهة النظر الشرعية فهو الجواز و الصحة. و دعوى إن صحة هذه العملية بيعا و شراء, تقوم على أساس أن تكون عملية القرض صحيحة حتى يكون المستثمر مالكا للأسهم المقترضة, و حيث أن العملية ربوية فلا تصح, و بالتالي لا يكون المستثمر مالكا للأسهم, مدفوعة بان اصل عقد القرض صحيح شرعا, و الباطل إنما هو الربا أي: مقدار الزيادة, و على هذا فلا مانع من صحة البيع و الشراء. ثمّ إن السمسار إذا قام بعملية البيع و الشراء بعد قبض السهام من المقرض, فلا إشكال في الصحة, و إما إذا قام بالعملية قبل القبض فهل تصح أو لا ؟ و الجواب:إنها لا تصح, على أساس إن صحة القرض متوقفة على القبض, و ما لم يقبض السهام وكالة عن المستثمر لم يكن المستثمر مالكا لها, و عندئذ يكون هذا البيع من بيع ما لا يملك و هو باطل إذا لم يكن البيع على ما تعهد به السمسار في الذمة, و ألا فهو صحيح. ثمّ إن التراضي بين المتعاملين في الأسواق أو البورصات موجود بتصرف كل واحد منهم في مال الأخر بموجب قوانينها و أنظمتها التأسيسية و ان كانت المعاملات الواقعة بينهم باطلة من وجهة النظرة الشرعية, و المقام داخل في هذه الكبرى على تقدير بطلان البيع.
و نريد به شراء الأسهم بدافع الاحتفاظ بها, بأمل أن يحصل على الأرباح من الشركة أو يقوم ببيعها إذا ارتفعت أسعارها, و حكم هذا النوع من البيع من الناحية الشرعية الجواز و ان كان بغرض المشاركة و المساهمة في الشركة على أساس ما مر من انه لا مانع من المشاركة في الشركة التي تتقيد بتعاملاتها على الحلال و لا تتعامل بالحرام.
و الجواب: نعم يجوز إذا لم يكن المبيع من المكيل أو الموزون, و إما إذا كان منه فلا يجوز إلا برأس ماله. و قد تسأل أن البائع قد يقوم ببيع الأسهم للعميل قبل أن يشتريها من الشركة المصدرة لتسليم شهر مثلا, و لكنه في وقت التسليم و التحويل يقوم بشرائها بغرض تسليمها إلى المشتري, فما هو حكم هذا البيع من الناحية الشرعية ؟ و الجواب:أن بيع المعدوم بما هو معدوم و ان كان غير عقلائي بل غير معقول, و إما بيع شيء موجود في وقت التسليم و التحويل، و لكنه كان معدوما في وقت إنشاء العقد فهل هو جائز أو لا؟ الأظهر الجواز، إذ لا مانع من إنشاء ملكية الأسهم، التي كان يملكها في وقت متأخر، من الآن في ذلك الوقت، ثمّ يقوم بتسليمها للمشتري، و لا يلزم منه محذور، و انفكاك زمان المنشأ و المجعول عن زمان الإنشاء و الجعل أمر اعتيادي و لا محذور فيه، على أساس إن فعلية المنشأ تتوقف على فعلية موضوعه في الخارج، و لا ترتبط بالإنشاء. و بكلمة: إن المنشأ بوجود الإنشائي يستحيل أن ينفك عنه، باعتبار انه عين الإنشاء، فلا اثنينية بينهما، و إما بوجوده الفعلي فلا مانع منه و نقصد بوجوده الفعلى فعلية فاعليته و محركيته في الخارج لا فعلية نفسه إذ يستحيل فعليته و وجوده فيه و الا لكان خارجيا و هذا خلف و من هنا قلنا في الاصول ان للحكم مرتبة واحدة و هي مرتبة الجعل و أما مرتبة المجعول و هي مرتبة فعلية الحكم بفعلية موضوعه في الخارج فهي ليست من مراتب الحكم و لا يمكن ان تكون من مراتبه لان الحكم امر اعتباري يوجد في عالم الاعتبار باعتبار المعتبر و يستحيل ان يوجد في الخارج و الا كان موجودا فيه و هو كما ترى و لهذا لا ترتبط مرتبة المجعول بالشارع اصلا هذا إضافة إلى إن المتعارف و المرتكز في مثل ذلك،
هو إن البائع يبيع الأسهم التي تعهد بتسليمها بعد شهر و المشتري يقوم بشراء ما تعهد من الأسهم، و حينئذ فلا إشكال في صحته. و الخلاصة: إن الشركة المساهمة إذا كانت من القسم الأول جازت المساهمة و المشاركة فيها بقصد العضوية و الاستفادة من أرباحها التي تحصل عليها، و كذلك يجوز شراء أسهمها بدافع التداول و الاتجار بها كسلع في الأسواق المالية أو البورصات من يد الى يد، و الاستفادة من فوارق الأسعار التي تطرأ عليها يوميا لسبب أو آخر.
تقدم انه لا تجوز المساهمة و المشاركة في هذا القسم من الشركات التي يكون رأس مالها حراما أو مخلوطا بالحرام باكتتاب أسهمها و شرائها بغرض العضوية، على اساس ان السهم جزء من رأس المال و هو حرام أو مخلوط به، فلا يصح شراؤه، و كذلك لا تصح عملية تداول أسهمها في الأسواق بغرض الاستثمار و التجارة بها من يد إلى يد، و الاستفادة من فروق أسعارها باعتبار إن كل سهم من أسهمها يمثل جزء من رأس مالها، و حيث انه حرام أو مخلوط بالحرام فلا يصح التصرف فيه بالبيع أو الشراء، كما لا يصح التعامل على الحرام.
مر أنه لا يسوغ وضعا المساهمة و المشاركة في هذا القسم من الشركات أيضا، على أساس إنها لا تتقيد بتعاملاتها في الحدود المسموح بها شرعا، و تقوم بالأعمال الاستثمارية من طريق الحلال و الحرام و يؤدي ذلك إلى تبديل حلال المساهم بالحرام كلا أو جزءا. و هل يجوز تداول أسهمها في أسواق البورصة بالبيع أو الشراء لا بدافع العضوية و الاستفادة من أرباح الشركة، بل بدافع الاتجار بها كسلعة في السوق و الاستفادة من فروق أسعارها التي تعرض عليها يوميا أم لا ؟ و الجواب:لا يجوز للسببين. الأول: إن المشتري للأسهم بصرف الشراء أصبح احد الأعضاء المساهمين للشركة تلقائيا بموجب قوانينها الصارمة و ان كان غرضه من الشراء بيعها كسلعة للاستفادة من الفروق بين سعر الشراء و سعر البيع
لا للعضوية، و قد سبق أنه لا تجوز المساهمة فيها و لو بفترة زمنية يسيرة، على أساس إن المعاملات الواقعة في الشركة في هذه الفترة من المعاملات المحرمة أو المحللة فهو شريك فيها و في منافعها. الثاني: أن السهم يمثل جزء من رأس مال الشركة و رأس مالها في مرحلة تكوينها و ان كان حلالا إلا انه بدء بالاختلاط بالحرام من لحظة شروع الشركة بالتعامل و الاستثمار الخارجي على أساس انها بحسب نظامها التقليدي تتعامل بالحلال و الحرام كالربا و الخمور و غيرهما و لا تتقيد بالحلال فمن اجل ذلك لا يجوز التعامل بأسهمها كسلعة في السوق و البورصة لان التعامل بها بموجب إنها جزء من رأس مالها تعامل بالمال المختلط بالحرام. و دعوى: إن قيمة السهم بعد عملية الاكتتاب في الشركة بقيمتها الاسمية يحددها السوق و لم تبق لتلك القيمة بعد الاكتتاب أية أهمية، فان قيمتها في السوق قد تصل إلى أضعاف قيمتها الاسمية المحددة و قد تصل دونها بل إلى جزء بسيط منها و هذا يدل على أن قيمتها لا ترتبط برءوس أموال الشركة. مدفوعة: بان ارتفاع قيمة الأسهم و انخفاضها في الأسواق مرتبط بارتفاع مالية الشركة و انخفاضها بشكل مباشر, و ذلك لان الارتفاع أو الانخفاض فيها مرتبط بعدة عوامل: الأول: قوة العرض أو الطلب. الثاني: المركز المالي للشركة, فان كان قويا ارتفعت أسعار أسهمها و إلا انخفضت. الثالث: ديون الشركة كثرة و قلة, و على هذا فالسهم إذا ارتفعت قيمته في السوق, فمعنى ذلك إن مالية الشركة قد زادت, و حيث إن الشركة لا تتقيد بان تتعامل في حدود الحلال, فلا محالة اختلط رأس مالها بالحرام, فإذن لا يجوز التعامل به, لأنه من التعامل بالمال المختلط بالحرام و هو غير جائز, و بكلمة إن مالية السهم إنما هي بلحاظ ما بإزائه من جزء من رأس مال الشركة و المفروض أنه أما حرام أو مخلوط به و على كلا التقديرين لا يصح شراؤه و أما ارتفاع قيمته السوقية فهو منوط بعوامل أخرى كارتفاع قيمة سائر الأشياء. يتلخص: إن الشركة المساهمة إذا كانت تتقيد- بموجب أنظمتها التأسيسية على ان لا تتعامل إلا في حدود الحلال جاز الدخول في عضويتها و المساهمة فيها و الاستفادة من ارباحها التي تدر عليها, و كذلك
يجوز تداول أسهمها بيعا و شراء كسلع في الأسواق و البورصات بغرض الاتجار بها و الاستفادة من فوارق أسعارها, و إذا كانت لا تتقيد ج بموجب قراراتها التقليدية ج بان تتعامل في الحلال و إنها حرة في القيام باستثماراتها من طريق الحلال و الحرام, لم يجز الدخول و المساهمة فيها, و لا يجوز تداول أسهمها للاتجار بها كسلع في السوق, بلا فرق في ذلك بين أن يكون رأس مالها من بدء تكوينه حراما أو حلالا كما مر, و قد تسأل: إن المستثمر إذا لم يعلم أن ما اشتراه من الأسهم هل هو من اسهم القسم الاول من الشركة المساهمة أو من الثاني أو من الثالث فما ذا يصنع ؟ و الجواب:انه يجوز ما لم يعلم بوجود الحرام و لا قيمة للشك. نعم إذا علم إجمالا بان الأسهم التي تباع في السوق منها أسهم محرمة فحينئذ اذا لم يكن جميع أطراف العلم الإجمالي مورد ابتلائه بمعنى: ان ما يكون مورد ابتلائه كان واثقا و مطمئنا بعدم وجود الحرام فيه, جاز له الشراء و البيع في ذلك المورد, و الا فلا. هذا كله في الأسهم العادية, و إما إذا كان بعض أسهم الشركة عادية و بعضها ممتازة, و حينئذ فان كان امتيازها في نسبة الربح التي تحصل عليه الشركة, بان يجعل من الربح حصة أصحاب الأسهم الممتازة بنسبة 10 % من قيمة السهم, و حصة أصحاب الاسهم العادية بنسبة 5% من القيمة, فلا بأس بهذا الامتياز إذا كان ذلك بالجعل و القرار في عقد الشركة بنحو التراضي, و على هذا فالأرباح تقسم على الأعضاء من الصنفين بنسبة متفاوتة, و ان كان امتيازها بان أصحاب الأسهم الممتازة يحصلون على نسبة معينة من القيمة الاسمية لاسهمهم 10% مثلا من صافي الأرباح, و قبل توزيع أي ربح على بقية الأسهم الاخرى العادية, ثمّ يوزع ما تبقى من الأرباح بعد ذلك أما على الأسهم العادية فقط او على كل الاسهم من العادية و الممتازة, و لهذا قد يتفق أن لا يبقى من الربح ما يوزع عليهما, ففيه ان ذلك غير صحيح, حيث انه على خلاف مقتضى عقد الشركة, فان مقتضاه أن كل عضو من اعضائها شريك في الربح بنسبة سهمه بنحو الإشاعة ,و لا يمكن تصحيح ذلك بنحو شرط النتيجة, لان صحة شرط النتيجة من أصحاب الأسهم الممتازة على الشركة متوقفة على أن تكون الارباح ملكا لها ابتداء لا للمساهمين, و لكن الأمر ليس كذلك, فان الأرباح تدخل في ملكهم من البداية, و الشرط المذكور لا يقتضي دخول ما يكون ملكا لهم في ملكهم في طول دخوله في ملك هؤلاء لا ابتداء, إلا إذا كان هذا الشرط منهم عليهم في عقد الشركة و هو بعيد.
هذا كله في أحكام الأسهم المالية في الشركات المساهمة المؤسسة في البلاد الاسلامية, أو كانت رءوس أموالها من المسلمين.
و غير خفي ان مقتضى النظام الاسلامي و ان كان عدم جواز الدخول و الاشتراك في الشركات المساهمة التي لا تتقيد بحسب نظامها التقليدي في تعاملاتها الاستثمارية ان تكون من طرق الحلال و مطابقته للشرع، و لكن حيث ان التراضي بين المستثمرين و المتعاملين في هذه الشركات و في تبادل اسهمها و الاتجار بها في الاسواق المالية موجود و ان كانت المعاملة باطلة فلا مانع من الدخول فيها و القيام بشراء اسهمها و الاتجار بها في الاسواق و التصرف في اثمانها على اساس التراضي الموجود بينهم في السوق كما هو الحال في كثير من المعاملات في الاسواق المالية(البورصات).
الشركات المساهمة: و هي على أقسام: 1. أن تكون الشركة قائمة على الاستثمارات المحرمة فقط, كتوليد الخمور و انواع المسكرات المشروبة و التعامل بالربا. 2. أن تكون قائمة على الاستثمارات المحللة و المحرمة معا. 3. أن تكون قائمة على الاستثمارات المحللة فقط, كشركة الكهرباء المساهمة و النفط و المعادن و نحوها من الشركات الزراعية و التصنيعية و الإنشائية, شريطة اقتصارها على أعمالها المحددة.
لا تصح المساهمة و المشاركة في القسم الاول لشراء اسهمه و القيام بعملياته الاستشارية المحرمة, و لا في القسم الثاني بنفس الملاك الا اذا كان الغرض من وراء المساهمة الاستيلاء على حصة من أموال الشركة و أخذها و ما يترتب عليها من الفائدة استنقاذا. نعم تصح في القسم الثالث مزاولة أعماله و القيام بنشاطاته.
لا يصح شراء أسهم القسم الأول و الثاني, باعتبار انه لا موضوعية للسهم فان ما هو المشترى في الحقيقة انما هو جزء من رأس المال للشركة الذي هو حرام او مخلوط بالحرام و على كلا التقديرين لا يجوز شرائه وضعا . نعم بامكانه التخلص من ذلك, بجعل الشراء وسيلة للاستيلاء على الأسهم منهما و أخذها استنقاذا لا أخذها شراء, فإذا أخذها كذلك, جاز له أن يقوم ببيعها في الأسواق و الاتجار بها و الاستفادة من فوارق أسعارها, و إما أسهم القسم الثالث فلا إشكال في جواز شرائها و التداول بها بيعا و شراء في السوق بغرض الاستفادة من فوارق الأسعار باعتبار ان ما بازائها من المال حلال و لا مانع من شرائه و بيعه. نذكر فيما يلي نتائج البحث: 1. تجوز المساهمة و المشاركة في الشركات التي تتقيد بموجب قراراتها التأسيسية بان لا تتعامل إلا في حدود دائرة الشرع بغرض الاستفادة من أرباحها التي تحصل عليها كما يجوز شراء أسهمها بدافع التداول و الاتجار بها بيعا و شراء في السوق كسلع و الاستفادة من فوارق الأسعار التي تعرض عليها يوميا. 2. لا تجوز المساهمة و المشاركة في الشركات التي لا تتقيد بالتعامل في حدود شرع الله تعالى وضعا على اساس ان السهم عبارة عن جزء من رأس مال الشركة فالمشتري هو ذلك الجزء في الحقيقة بغرض الاتجار به كسلع كذلك. 3. يجوز تداول الأسهم في الأسواق مباشرة أو بواسطة الوسطاء بكل إشكال البيع و الشراء من العاجل أو الأجل أو السلم. 4. يجوز شراء الأسهم من السوق لتسليم الثمن أو المثمن بعد فترة زمنية محددة كشهر أو شهرين أو اقل. 5. يجوز قيام البائع ببيع الأسهم في السوق لتسليمها خلال شهر مع انها غير موجودة عنده فعلا, و حين حلول الشهر يقوم بشرائها من الشركة او غيرها و يسلمها إلى المشتري و قد تقدم وجه ذلك.
1. سندات الدولة تصدرها في الأسواق لتمويل الإنفاق العام. 2. سندات الهيئات العامة كالبنوك الدولية، فإنها تصدرها بدافع تمويل مشاريعها. 3. سندات الهيئات الخاصة كالبنوك المحلية رسمية كانت أم غير رسمية. 4. سندات المؤسسات الحكومية الخاصة التي تصدرها لتمويل مشاريعها و الإنفاق عليها. 5. سندات الشركات التجارية أو الصناعية أو الخدمية أو غيرها.
هو صك يمثل جزء من المال المحدد في ذمة الجهة المصدرة و وثيقة عليه. جدول المفارقة و المشاركة بين السند و السهم
1. يشترك السند مع السهم في تساوي القيمة الاسمية لكل فئة. 2. يشترك في القابلية للتداول في الأسواق المالية. 3. يشترك في عدم القابلية للتجزؤ و التقسيم.
1. إن السند يعتبر شهادة و وثيقة دين على الشركة و ليس جزء من رأس مالها، بينما يعتبر السهم جزء من رأس مالها. 2. صاحب السند يحصل على فائدة ربحت الشركة ام خسرت، بينما صاحب السهم يحصل على فائدة إذا ربحت الشركة و يخسر إذا خسرت. 3. صاحب السند لا يشارك أصحاب الشركة في إدارتها، باعتبار أنه ليس من أحدهم، بينما كان صاحب السهم يشاركهم في الإدارة، باعتبار أنه من أحد الشركاء.
السند كسائر السلع تتغير أسعاره بتغير أوضاع السوق هبوطا و صعودا، فإذا رغب رجال الأعمال و المستثمرين على شرائها بغرض الاستثمار و الربح من الفرق بين سعر الشراء و سعر البيع اتصلوا بالوسطاء في السوق كالبنك أو السماسرة، و الوسيط بعد التأكد و جدية الأمر و وجود أرصدة مالية لهم عنده، يبدأ بالاتصال بالبورصة للاطلاع على سير الأسعار فيها و وضع السوق، فإذا كان الوضع بالنحو المرغوب فيه للعميل قام بإنجاز البيع و الشراء.
الأولى: مسالة تداول السندات و تبادلها من وجهة النظر الشرعية. الثانية: مسألة أخذ الوسيط العمولة على ذلك من الناحية الشرعية. أما المسألة الأولى فبإمكاننا تفسيرها على أساس أمرين:
الأول: إن عملية تبادل السندات و تعاطيها تقوم على أساس عقد القرض، فان الجهة المصدرة للسند التي تصدره بقيمة اسمية محددة، نفرضها مائة دولار و تبيعه مؤجلة إلى ستة اشهر مثلا 95 دولارا نقدا، تمارس في الحقيقة عملية الاقتراض، أي إنها تقترض 95 دولارا نقدا بمائة دولار مؤجلة، و تدفع إلى المقرض السند على أساس انه وثيقة دين، و في نهاية المدة تعتبر ما دفعته من الزيادة (خمسة دولارات) فائدة ربوية على القرض، و على هذا فلا يجوز تداول السندات لأنه في الواقع تداول قرض ربوي. الثاني: إن هذه العملية تقوم على أساس عقد البيع و الشراء بتأجيل المثمن إلى وقت معين، و ذلك لأن الجهة المصدرة للسند في المثال تقوم ببيع مائة دولار مؤجلة إلى ستة اشهر بخمسة و تسعين دولارا نقدا، و المعتبر في البيع أن يكون الثمن و المثمن مختلفين، و الفرض انهما مختلفان في المقام، فان الثمن عين خارجية و المثمن أمر كلي في الذمة، و هذا المقدار من المغايرة يكفي في صدق البيع. و دعوى: أن تفسير هذه العملية بالبيع تغطية لفظية فقط، لأنها في طبيعتها الواقعية قرض، فإن ملاك القرض هو أن يملك شخص مالا من شخص و تصبح ذمته مشغولة بمثله، و هذا الملاك تماما
ينطبق على عمليات بيع و شراء السندات. مدفوعة: بأن مفهوم البيع يختلف عن مفهوم القرض، فإن مفهوم البيع تمليك عين بعوض، و مفهوم القرض تمليك عين على وجه الضمان بمثلها، و على هذا فإن قصدت الجهة المصدرة تمليك ما في ذمتها من المبلغ بعوض خارجي، فهو بيع و إن كانت النتيجة نتيجة القرض و إن قصدت تملك شيء بالضمان بمثله فهو قرض.
إن عملية تبادل السندات و تداولها في الأسواق المالية أو البورصات لا يبعد أن تكون قائمة على أساس عملية البيع و الشراء، بان تقوم الجهة المصدرة للسندات ببيع قيمتها في الذمة إلى أجل بعين خارجية، لا على أساس عملية القرض، بأن تجعل السند وسيلة لأن تقترض مبلغا على وجه الضمان بمثله إلى مدة محددة، و يكون السند بمثابة الوثيقة على القرض، و مع ذلك فالاحتياط في المسألة لا يترك. نعم، إن بامكاننا التخلص عن فكرة إن هذه العملية مجرد تغطية لفظ عن عملية القرض الى فكرة اخرى، و هي القيام بعملية تبادل السندات و تداولها بعملات اجنبية، فاذا كانت قيمة السند بعملة محلية كالدينار مثلا تبيعها بعملة أجنبية كالدولار أو التومان تزيد قيمتها على الدينار بحسب اسعار الصرف بمقدار الفائدة، و لا إشكال في ان هذه العملية عملية بيع واقعا و صورة. و أما المسألة الثانية فان كان قيام الوسيط بدور التوسط في بيع و شراء السندات المالية في الاسواق جائزا شرعا، فمن حقه ان يتقاضى عمولة لقاء قيامه بهذا الدور، لأنها أجرة على العمل السائغ. نعم لو كانت هذه العملية بطبيعتها عملية اقتراض و ان كان بصورة البيع و الشراء لم يجز قيام الوسيط بهذه الدور، لأن العملية حينئذ غير مسموح بها شرعا، فلا يجوز له ان يتقاضى عمولة عليها، و لا فرق في ذلك بين أنواع السندات التي يتعامل بها في الأسواق المالية أو البورصات.
و هي كما يلي:
فبإمكان المستثمر حينما يتسلم السند من الجهة الحكومية أن ينوي تسلمه كوثيقة على الدين غير الربوي، و لا ينوي الزيادة كشرط و ان علم ان الحكومة ملتزمة بذلك، فإن تسلم الزيادة تسلّم بعنوان المال المجهول مالكه أو مال لا مالك له، و على الأول يتصدق بمقدار نصفها او ثلثها للفقراء و على
الثاني فلا شيء عليه.
فحيث ان المستثمر يعلم ان صاحب الشركة متعهد بدفع الزيادة له على كل حال و من طيب نفسه بموجب قوانين الشركة الصارمة عند حلول الأجل، فبإمكانه التخلص من الربا بعدم اشتراطها عليه في اعماق نفسه، بمعنى ان يكون جادا في التزامه نفسيا بعدم المطالبة بها اذا لم يدفعها لسبب أو آخر، و حينئذ فاذا دفعها اليه جاز اخذها بملاك انه يرضى بالتصرف فيها و اما في سندات الشركات المشتركة بين الحكومة و الاهلية فيمكن له التخلص من الربا فيها بنفس الطريقة في السندات الحكومية و الاهلية .
و هي صكوك استثمارية يتمثل كل صك منها جزء من رأس مال المضاربة بنحو المشاع، و من يملك من هذه الصكوك و السندات صكا أو صكين أو أكثر، فهو يملك بقدره من رأس مال المضاربة و شريك في الربح بعد تحققه بنسبة مئوية منه، و على ذلك فيجوز بيع السندات و الصكوك في الاسواق المالية و شرائها، و لا مانع من ذلك، لأن كل من يملك من رأس مال المشروع بنسبة مئوية معينة، فله أن يبيع ما يملكه من النسبة، على أساس ان الصكوك المقارضة (المضاربة) قابلة للتداول بعد انتهاء الفترة المحددة للاكتتاب، و حينئذ فان كان البيع بعد الاكتتاب و قبل المباشرة في العمل بالمال اعتبر المعاملة نقدا بنقد، باعتبار ان رأس ماله لا يزال نقودا، و لا مانع من ذلك، لأن المغايرة بين الثمن و المثمن موجودة، لأن الثمن نقد خارجي معين و المثمن نقد خارجي مشاع، و لا فرق بين ان يكونا متساويين او متفاضلين و ان كان بعد المباشرة في العمل، و حينئذ قد يكون المثمن عينا خارجية و قد يكون دينا، و قد يكون مركبا منهما فقط، و قد يكون مركبا منهما و من النقد جميعا، فان البيع و شراء الصكوك في تمام هذه الصور صحيح شرعا شريطة ان تكون المضاربة على المعاملات المشروعة في شرع الإسلام.
1. النقود الذهبية و الفضية. 2. النقود الورقية بمختلف أقسامها. 3. السلع بكافة أنواعها. 4. الطعام بكافة أشكاله.
التعامل بالنقود الذهبية و الفضية في السوق ان كان ببيع الذهب بالذهب و الفضة بالفضة، فالمعتبر فيه امر واحد و هو التماثل بين الثمن و المثمن و عدم زيادة احدهما على الآخر، و أما التقابض بينهما في مجلس العقد فالاظهر عندي عدم اعتباره، و هذا بلا فرق بين ان يكونا مسكوكين أولا، و ان كان ببيع الذهب بالفضة و الفضة بالذهب، فالمعتبر فيه أمر واحد و هو التقابض في المجلس، فلو افترق البائع و المشتري قبل القبض بطل البيع، فلا يجوز حينئذ تصرف كل منهما في مال الآخر، إلا إذا كان بينهما التراضي على ذلك، حتى اذا كان البيع باطلا كما هو الحال في الغالب و لا سيما في الاسواق المالية (البورصات)، و أما التساوي في الكمية فهو غير معتبر فيه، و ان كان ببيع الذهب او الفضة بالنقود الورقية، فلا يعتبر فيه شيء من الامرين، على اساس ان احكام الصرف لا تترتب على النقود الورقية.
التعامل بالنقود الورقية ان كان من طريق البيع و الشراء النقدي لمختلف العمولات فلا اشكال فيه من الناحية الشرعية، و ان كان من طريق البيع و الشراء سلما او مؤجلا لتسليم اسبوعين او اشهر مثلا فأيضا لا اشكال في صحته شرعا، لا من ناحية الربا، باعتبار ان هذا التعامل انما هو على اساس عملية البيع و الشراء، لا على اساس عملية القرض و الاقتراض، و لا من ناحية احكام الصرف، لأن احكام الصرف كاعتبار التقابض في المجلس او التماثل بين العوضين لا تجري على النقود الورقية. و قد يتم التعاقد بينهما من طريق التحويلات البريدية البرقية و السفاتح (الحوالات) و اكثر التعامل في سوق الورق النقدية يتم من الخارج، و أما تكلفة الارسال فهي على حسب الاتفاق الواقع بين المتعاقدين، و لا فرق في الصحة بين ان يكون التعامل بالمباشرة او الحوالة من الخارج، و قد يتم
تداول العملات في البورصة بعقود مؤجلة ثمنا و مثمنا بتسليم شهر مثلا، و هل تصح هذه العقود من الناحية الشرعية أو لا ؟ و الجواب: نعم، انها تصح كما مر، لا بملاك انها من مصاديق العقود الخاصة لما عرفت من انها ليست من مصاديقها، بل بملاك انها من مصاديق التجارة عن تراض، و عليه فتكون مشمولة لإطلاق قوله تعالى ((لاٰ تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ إِلاّٰ أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ)) ، بل لا يبعد كونها مشمولة لإطلاق قوله تعالى: ((أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)) . و هذا اضافة الى وجود التراضي بينهما في تصرف كل منهما في مال الآخر حتى و لو كان العقد باطلا بموجب قوانين السوق الصارمة.
التعامل بانواع السلع الخارجي في اسواق البورصة و غيرها كالاقمشة و المواد الانشائية و الكهربائية و التصنيعية و غيرها، يمكن تكييفه بأحد الأنحاء التالية: 1. يتم التعامل بكمية محددة من تلك الانواع باوصافها المعينة و شروطها الخاصة بعقود معجلة ثمنا و مثمنا. 2. يتم التعامل بها بالبيع و الشراء بعقود نقدا ثمنا و مؤجلة مثمنا، بأن يتم الاتفاق بين البائع و المشتري بتحويل المبيع بعد عشرة أيام أو أسبوعين أو أكثر. 3. يتم التعامل بها بعقود معجلة مثمنا و مؤجلة ثمنا، و لا إشكال في صحة هذه العقود بأقسامها الثلاثة. 4. يتم التعامل بها بعقود مؤجلة ثمنا و مثمنا، و قد تقدم ان هذه العقود و ان لم تكن مشمولة لأدلة الامضاء الخاصة، الا انها مشمولة لإطلاق قوله تعالى: ((إِلاّٰ أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ)) بل لا يبعد ان تكون مشمولة لإطلاق قوله تعالى ((أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)) . هذا اضافة الى وجود التراضي بينهما حتى فيما اذا كانت المعاملة باطلة. و قد تسال انه اذا قام الشخص ببيع سلع في السوق لتسليم شهر بدون ان يكون مالكا له حين البيع، و لكنه اذا حل الاجل اشتراه من السوق و سلمه الى المشتري، فهل هذا البيع صحيح أو لا ؟
و الجواب: ان بيع ما لا يملك و ان كان باطلا في نفسه، و لكن البائع يملك المبيع عند حلول الاجل و قادرا على تحويله الى المشتري في وقته، فبالإمكان تصحيح ذلك بأحد وجهين: الأول: ما تقدم من انه لا مانع من ان يقوم شخص بانشاء ملكية ما يملكه في وقت متأخر من الآن، فيكون الانشاء فعليا و المنشأ متأخرا، و نقصد بالانشاء الوجود الانشائي و هو بطبيعة الحال يكون فعليا، و لا يتصور فيه التعليق، و بالمنشأ الوجود الفعلي له بفعلية موضوعه، و من هنا لا محذور في تاخر المنشأ عن الانشاء باعتبار انه يتوقف على فعلية موضوعه في الخارج. الثاني: الظاهر ان البائع في مثل هذه الحالة يبيع ما تعهد على نفسه، و المشتري يقوم بشراء ما تعهد به لا المعدوم في الخارج، هذا اضافة الى ان كلا منهما كان يرضى بتصرف الآخر في ماله حتى اذا كان البيع باطلا شرعا كما مر.
التعامل بالطعام كالحنطة و الشعير و الارز و نحوها، فان كان الحنطة بالحنطة و الشعير بالشعير و الشعير بالحنطة و هكذا، اعتبر فيه التماثل حتى اذا كان احد العوضين اجود من الآخر، فلا يجوز بيع خمسين كيلو من الحنطة الجيدة بستين كيلوا من الحنطة الرديئة و ان كانتا متساويتين في القيمة، و لا فرق في ذلك بين ان يكون التعامل بالعقود المعجلة او المؤجلة، و ان كان التعامل بها بالنقود الورقية او الذهبية أو الفضية فلا اشكال فيه سواء أ كان بالعقد العاجل ام الاجل، بل يجوز ذلك حتى اذا كان كل من الثمن و المثمن مؤجلا، لما مر من ان مثل هذه المعاملة صحيحة في نفسها بلحاظ انطباق عنوان التجارة عن تراض عليها.
سوق الاختيار نريد به حق شراء أو بيع اسهم او سلع في فترة زمنية محددة بسعر متفق عليه بين البائع و المشتري سلفا، و يكون من له هذا الحق مخيرا بين أمرين، أما ان يقوم بعملية صفقة البيع أو الشراء أو لا يقوم بها. و هذا الاتفاق يكون بين البائع و المشتري على الأسس التالية: الأول: ان يقوم البائع باعطاء مشتريه حق شراء عدد من اسهمه او سلعه بسعر معين متفق عليه مسبقا يسمى سعر الممارسة خلال فترة زمنية محددة، كستة أشهر مثلا. الثاني: ان المشتري يدفع ثمن حق الخيار فقط الى البائع دون ثمن الاسهم او السلع، باعتبار انه لم يقدم على شرائها بعد، و انما يأخذ التصميم على الشراء او عدمه خلال تلك الفترة، و هي فترة الخيار لسبب او آخر، و ثمن حق الخيار لا يقل عن 10% من القيمة السوقية للسهم او السلعة. الثالث: ان يكون الحق للمشتري في تنفيذ عملية شراء الاسهم بنفس القيمة السوقية المتفق عليها خلال فترة الخيار، سواء ارتفعت قيمتها بعد ذلك ام لا، و يلزم على بائعه ان يقوم ببيع تلك الاسهم و السلع عند طلب المشتري اياه خلال تلك الفترة، و اذا لم يمارس المشتري حقه في تنفيذ عملية الشراء الى نهاية الفترة سقط حقه في ذلك اتوماتيكيا، و يخسر حينئذ قيمة الخيار فقط التي دفعها مقدما. الرابع: لا يحق للبائع ان يتصرف في اسهمه المباع خيارها بموجب هذا الاتفاق خلال فترة الخيار، و يتعين عليه الاحتفاظ باسهمه حتى نهاية الفترة او حتى ممارسة المشتري حقه في تنفيذ عملية الشراء خلال المدة، و الهدف من وراء ممارسة هذا السلوك الاستثماري، و هو حق الخيار أحد العاملين:
الأول: ان بعض المستثمرين يلجأ الى ممارسة ذلك السلوك، على أساس ان رأس ماله قليل لا يفي بشراء عدد من الأسهم أو السلع، فبدلا عن ان يشتري الف سهم بقيمة خمسين دولارا لسهم واحد بما عنده من المال، يشتري حق الخيار لشراء عشرة آلاف سهم في فترة محددة بثمن لا يقل عن 10% من القيمة السوقية و يدفع ثمن الخيار فقط، و حينئذ فاذا ارتفعت اسعار الاسهم او السلع قام ببيع حق الخيار من شخص آخر، و يستفيد من الفرق بين سعر الشراء و سعر البيع، و هكذا يقوم بالاتجار به و التداول في الاسواق، و يستفيد من الفروق بين الاسعار. الثاني: ان المستثمرين اذا توقعوا اتجاه اسعار الاسهم نحو الارتفاع الى حد يسمح بتحقق ربح جيد لهم قاموا بممارسة هذه العملية، مثلا لو توقع المشتري و تكهن ان قيمة الاسهم ترتفع في المستقبل القريب بنسبة 20% قام بشراء حق الخيار لتلك الأسهم خلال فترة محددة، و حينئذ فان ارتفعت اسعارها بتلك النسبة خلال شهر او شهرين، فانه حتما يمارس حقه في تنفيذ عملية الشراء بالسعر المتفق عليه سلفا، و يطلب البائع ببيع اسهمه بذلك السعر له بموجب الاتفاق بينهما و تعهده بذلك، و اذا كان هذا العقد اي عقد الخيار بواسطة الوسطاء كما في البورصات الرئيسية كلجنة السوق او السماسرة كان الوسيط هو الضامن لوفاء الطرفين بتعهداتهما، و لو انخفضت الاسعار السوقية بنسبة 20% فإنه حينئذ حتما سيفضل عدم القيام بتنفيذ الصفقة و شراء الأسهم تجنبا من الخسارة بازيد من قيمة حق الخيار، و من مميزات شراء حق الخيار أنه يعطي للمشتري الإمكانية التالية: 1. امكانية تخفيض نسبة الخسارة عن الحد الاقصى، و هو ما يساوي قيمة الخيار. 2. امكانية زيادة الربح بنسبة غير محددة طبقا للحد الذي يصل إليه ارتفاع الاسعار. 3. امكانية عدم تجاوز الحد الاقصى للخسارة عما يدفعه مقدما لقاء حق الخيار، هذا كله بالنسبة إلى خيار المشتري. و أما خيار البائع فهو عند ما يتوقع المستثمر اتجاه اسعار الأسهم أو السلع نحو الانخفاض بموجب مؤشرات السوق، يقوم بعرض اسهمه في السوق للبيع بالخيار على الاعتبارات التالية: الأول: أنه يتكهن انخفاض قيمة الاسهم السوقية خلال الأشهر القادمة بنسبة 20% من القيمة.
الثاني: انه لا يرغب في بيع اسهمه باقل من القيمة السوقية الحالية و هي خمسون دولارا. الثالث: انه لو ارتفعت الاسعار السوقية فهو راغب في بيعها، و إلا فهو يفضل الاحتفاظ بها. و على ضوء هذه الاعتبارات إذا توقع انخفاض الاسعار السوقية خلال الاشهر القادمة لجأ إلى شراء حق خيار البيع بثمن لا يقل عن 10% من القيمة السوقية، فإذا عرض مائة سهم في الاسواق للبيع بالخيار بقيمة مائة دولار لسهم واحد، فسيدفع إلى المشتري الف دولار مقابل ان يعطيه المشتري حق خيار البيع لمدة ستة أشهر، و حينئذ فان انخفضت الاسعار بنسبة 20% من القيمة السوقية و وصل سعر سهم واحد ثمانين دولارا، فان البائع سيقوم حتما بممارسة حقه و تنفيذ بيع اسهمه على المشتري بالقيمة السوقية المتفق عليها و هي مائة دولار لسهم واحد تفاديا عن بيعها بالسعر المنخفض، و لو حدث ان ارتفعت الاسعار السوقية على عكس توقعاته فمن حق البائع الاحتفاظ باسهمه و عدم القيام ببيعها بالقيمة السابقة و هي أقل من القيمة الحالية.
خيار الشراء يمكن تكييف ذلك شرعا على اساس أمرين:
فان المالك المساهم سواء أ كان جهة عامة ام خاصة، بما انه يملك حق بيع اسهمه أو سلعه لكل من اراد شراءها او لمشتر خاص او لمشتر لها بالخيار، فبإمكانه ان يعطي هذا الحق لمن اراد شراءها بالخيار بازاء ثمن لا يقل عن نسبة 10% من القيمة السوقية خلال فترة محددة فاذا اتفقا و تعاهدا على ان يكون للمشتري هذا الحق خلال تلك الفترة مقابل ما دفعه من الثمن تحقق البيع و المبادلة و تمتع المشتري به، و ليس للبائع حينئذ الامتناع و التخلف عن تعهده و اعطاء الحق للمشتري اذا طلب منه ذلك خلال الفترة. و بكلمة: ان تمتع العميل المشتري بحق خيار الشراء باعطاء المالك المساهم انما يكون على الاسس التالية: الاول: ان يكون ذلك لقاء عمولة لا مجانا، و يحدد العمولة بان لا تكون اقل من نسبة 10% من القيمة السوقية للسهم او السلعة.
الثاني: ان تمتعه به يكون في فترة خاصة محددة كستة اشهر مثلا. الثالث: ان على العميل فعلا هو دفع ثمن الحق فقط الى المالك دون الاسهم او السلع فان تصميمه على شرائها او عدم الشراء انما يتخذ خلال تلك الفترة. الرابع: ان المالك متعهد في ضمن عقد الخيار بتنفيذ بيع الاسهم او السلع اذا طلب من ذلك خلال المدة، كما انه متعهد بالاحتفاظ بالاسهم او السلع المباع خيارها و عدم التصرف فيها حتى نهاية المدة، و حيث ان هذه العمليات تجري في اسواق البورصة بواسطة الوسطاء فهم ضامنون لوفاء كل منهما بتعهداته. فالنتيجة: انه لا مانع من تكييف ثبوت هذا الحق للعميل على اساس عقد البيع.
فإن قبول المالك، بيع اسهمه او سلعه للعميل خلال فترة زمنية محددة و بسعر معين متفق عليه سلفا و تعهده به اذا طلب منه، ذلك تنازل منه عن حقه فان له ان لا يقبل ذلك مجانا، و لا يكون ملزما بقبوله كذلك، و له حينئذ أن يتقاضى عمولة لقائه. و بكلمة: ان المالك المساهم اذا قبل بيع اسهمه او سلعه من العميل بالخيار في فترة معينة و تنازل عن حقه في تلك الفترة فنتيجته ثبوت هذا الحق للعميل و تمتعه به خلال الفترة المذكورة، و عندئذ فيجوز شرعا له ان يأخذ عمولة معينة من العميل لقاء منح هذا الحق.
تكييف حق خيار البيع
فان البائع بدافع من الدوافع يطلب من العميل ان يعطي له حق خيار بيع اسهمه او سلعه خلال فترة محدودة و بسعر متفق عليه مقابل عمولة محددة لا تقل عن نسبة 10% من القيمة السوقية فاذا قبل العميل ذلك و وافق عليه تحقق عقد البيع و تمتع البائع بهذا الحق خلال الفترة و بموجب هذا الاتفاق تعهد العميل بالشراء اذا طلب منه البائع ذلك خلال تلك الفترة و لا يجوز له شرعا التخلف عنه.
فان من حقه عدم قبول الشراء مجانا متى ما طلب منه ذلك خلال مدة معينة و له ان يتقاضى منه عمولة لقاء قبوله. فالنتيجة: انه يجوز شرعا للعميل ان يأخذ عمولة لقاء قبوله الشراء من البائع اذا طلب منه ذلك خلال فترة محددة. و قيل: ان عقد الاختيار شراء و بيعا يكون نوع من القمار، لان ضابط القمار هو ان يكون كل واحد من المتعاقدين اما غانما او غارما، و أما البيع الذي احله الله تعالى فيكون كل واحد من المتعاقدين غانما من جهة حصوله على العوض.
و الجواب: أولا:ان قمار لغة و عرفا ماخوذ من المقامرة. و هي الرهن على اللعب بشيء من الآلات. نعم، اللعب بالآلة المخصوصة و الورق الخاص قمار و هو محرم شرعا و ان لم يكن مع الرهن و أما اللعب اذا كان مع الرهن فهو قمار عرفا و ان لم يكن بالآلات المخصوصة. و من هنا يطلق عرفا القمار على كل لعب يشترط فيه ان يأخذ الغالب من المغلوب شيئا، سواء أ كان اللعب بالورق ام كان بغيره و من الواضح انه لا يصدق على هذه المعاملة التي يكون كل واحد من المتعاملين فيها اما خاسرا او رابحا، فان غاية ما يمكن ان يقال: ان هذه المعاملة معاملة سفيه و غير عقلائية، لا انها قمار و محرمة شرعا.
و بكلمة: ان القمار الذي الغاه الاسلام عن الشرع نصا و روحا انما هو بمعناه العرفي و ليس له معنى شرعي في مقابل ذلك، و المفروض انه بمعناه العرفي لا يصدق على اي معاملة و ان افترض ان كلا من المتعاملين فيها اما ان يكون غانما او خاسرا لان الماخوذ في القمار الغلبة و الرهان عرفا، و شيء من الامرين غير ماخوذ في المعاملات منها عقد الاختيار. ثانيا: ان عقد الاختيارات من الناحية النظرية و التطبيقية كعقد الاسهم و السندات و غيرها، فلا فرق بينهما من هذه الجهة اما من الناحية النظرية فلان الدافع من وراء جميع هذه العقود بدون فرق بين عقد الاختيار و غيره هو ان القيمة الاحتمالية للربح فيه اكبر من القيمة الاحتمالية للخسران لوضوح ان المستثمر لا يقدم على التعامل بعقد الاختيار، الا اذا كان احتمال الربح فيه اكبر من احتمال الخسران كما هو الحال في غيره. و أما من الناحية التطبيقية، فكما ان في عقد الاسهم او عقد السلع او غيرها قد يخسر البائع و يربح المشتري، و قد يكون الامر بالعكس، و قد لا يربح ايا منها و لا يخسر، و كذلك الحال في عقد الاختيار فلا فرق بينهما في هذه الناحية اصلا، فاذن لا يدور امر المتعاملين فيه بين الغانم و الخاسر.
انه لا شبه في ان عقد الاختيار من العقود العقلائية، و لهذا شاع و اصبح سوقه من اهم اسواق المال بين المستثمرين و رجال الاعمال. شروط صحة عقد الاختيار و هي متمثلة في امرين: الأول: ان يكون بيع و شراء الاموال التي هي محل الاختيار و موضوعه كالاسهم او السندات او السلع جائزاً شرعا، و الا لم يجز عقد خيارها، و عليه فاذا افترضنا ان بيع السند غير جائز في الشرع، باعتبار انه في الواقع قرض ربوي و ان كان بيعا صورة، فلا يجوز عقد خياره ايضا. الثاني: ان الاسهم التي تباع وثيقة اختيارها لا بد ان تكون من الاسهم الواقعية الحقيقية، فلا يصح بيع خيار
الاسهم التي لا وجود لها في الواقع، كما لا يصح بيع نفس تلك الاسهم. نعم لو تعهد الوسيط من قبل البائع و المشتري في عقد الخيار بشراء الاسهم عند الطلب صح، و لا يلزم ان يكون مالكا لها حين عقد الخيار، ثمّ ان التعامل في عقد الخيار او البنوك المتخصصة بما انه قليل، فيقع التعامل بها نوعا في اسواق المال و البورصات و هي الاسواق المنظمة التي تشرف عليها هيئات حكومية متخصصة، و تكون العقود فيها نمطية في كل شيء من الاسهم و السندات و السلع و الطعام و العملات و المعادن و الاختيارات عدا السعر الذي يخضع لعوامل العرض و الطلب، و يسمح فيها للوسطاء المتخصصين المسجلين لدى ادارة السوق في التعامل لدى هذه الاسواق و هؤلاء الوسطاء يقومون بعقود الاختيارات بين البائع و المشتري و ان لم يكن احدهما معروفا عند الآخر و يعبر عنهم بالهيئة الضامنة، و دور هذه الهيئة هو دور الوكيل عن طرفي العقد، فانها تتولى العقد وكالة عن المشتري في القبول و عن البائع بالايجاب، و ضامنة لوفاء كل منهما بتعهداته، و تحسب لهما الربح و الخسارة في المعاملات، و لا يجب على الهيئة ان تقوم بهذا الدور مجانا بل لها ان تتقاضى عمولة لقاء قيامها به، شريطة ان يتوفر فيه الشرطان المذكوران، و الا لم يجز قيامها به فاذا لم يكن جائزا شرعا اعتبر التوسط فيه توسط في امر غير جائز شرعا و حينئذ فلا يجوز اخذ الاجرة عليهم.
الاختيار على العملة الأجنبية نقصد به بطاقة شهادة تصدرها الشركة تعطي صاحبها الحق في الحصول على مبلغ معين من عملة اجنبية بسعر معين في فترة محددة كستة اشهر او اكثر، و حيث ان اسعار العملات الاجنبية تكون في تقلب هبوطا و صعودا، فقد يحقق ذلك الربح لصالحها.
الظاهر جواز شرائه لان هذه العملية عقد بين الشركة و صاحب البطاقة، فان الشركة تبيع له عملة اجنبية بعملة محلية بسعر معين الى فترة محددة. و دعوى: أنه لا يجوز في النقود إلا يدا بيد، مدفوعة بان ذلك انما هو في النقود الذهبية و الفضية، و لا تجري أحكامها على النقود الورقية، فان تلك النقود لا تكون نائبة، عنها بل تمثل تعهدا من الدولة المصدرة بصرف قيمتها ذهبا عند الطلب و هذا مجرد التزام من الدولة تكسب بذلك الورقة قيمة مالية في المجتمع للوثوق بوفاء الدولة بتعهداتها، لأنها مجرد وثيقة و سند على اشتغال ذمة الدولة
بقيمة الورقة من الذهب أو الفضة، إذ من الواضح ان التعامل بهذه الاوراق بين الناس، انما هو على اساس ان لها قيمة مالية في نفسها، لا انها كالاوراق التجارية من سندات و كمبيالات، فان استهلاك السند او سقوطه عن الاعتبار لا يعني تلاشي الدين و سقوطه، كما ان استلامها لا يكون استلاما للدين، و هذا بخلاف الاوراق النقدية، فان استلامها استلام للدين، و اذا تلاشت بعد الاستلام، فلا يحق للدائن ان يرجع الى المدين ثانيا. فالنتيجة: ان احكام الصرف لا تجرى على النقود الورقية.
تعقد هذه العقود في سوق منظمة أنشأت بدافع التعامل بها، و تسمى سوق تبادل السلع، و من يحب ان يتعامل في المستقبليات يلزم ان يكون عضوا في هذا السوق، و ان العضوية تتكون من منتجي عدة سلع و تاجر بها، و من مؤسسات السماسرة و من اراد ان يتعامل في هذا السوق دون ان يكون عضوا فيها فانما يستطيع عن طريق السماسرة الاعضاء، و على المتعامل فيها ان يفتح حسابا عند ادارة السوق كضمان لتصفية التعامل حسب قواعد و مقررات السوق و لا يزيد حسابه عادة على 10 % من قيمة العقد عند التوقيع، و الغرض من ذلك تغطية الخسارة المحتملة في حال تخلف احد الفريقين عن الوفاء بما التزمه، و بعد فتح الحساب يجوز للعضو ان يبيع و يشتري كمية معينة من السلع لتسليم شهر مثلا، و عقود هذا السوق عقود نمطية بمعنى: ان كميات السلع المتعامل بها مقسمة على وحدات تجارية كل وحدة منها عبارة عن كمية خاصة من تلك السلع المعروفة، فلا يقع التعامل فيه بكمية ادنى من هذه الكمية، فالوحدة المعتبرة في القمح هي خمسة آلاف كيس، فلا يباع بكمية ادنى من هذه الكمية و كذلك انواع السلعة و صفاتها محددة بدقة من حيث جودتها و ردائتها و يشار إلى هذه الانواع بارقام الدرجات، الدرجة الاولى و الدرجة الثانية و الدرجة الثالثة، و على هذا فمن اراد بيع وحدة من قمح الدرجة الاولى مثلا يقدم عرضه الى ادارة السوق، و المشترى يقبل هذا العرض عن طريق الادارة، و لا يحتاج اي منهما الى الالتقاء بالآخر او معرفته، و الادارة تتكفل ذلك و تقوم بتسليم السلعة من قبل البائع و الثمن من قبل المشتري عند حلول تاريخ التسليم. ثمّ ان المشتري لا ينتظر وقت التسليم، و انما يظل هذا العقد من الآن الى تاريخ التسليم محل بيع
و شراء في كل يوم بل عشرات البيوع يوميا، مثلا لو باع زيد على عمرو وحدة من القمح الى اجل محدد، فان عمروا يبيعها بعد ذلك الى خالد و خالد الى بكر و بكر الى حامد و هكذا كل واحد منهم بثمن، و يختلف عن الثمن الاول، و الفارق بين سعر المبيع و سعر الشراء هو الربح، و كل من اشترى بسعر اقل و باعه بسعر اكثر، فانه يستحق ان يطلب بفرق السعرين كربح له دون ان يدفع الثمن كمشتري او يسلم المبيع كبائع، ففي المثال المذكور لو اشترى عمرو من زيد وحدة القمح لتسليم ثلاثة اشهر بعشرة آلاف دولار مثلا و باعها عمرو من خالد باحد عشر الف دولار، فانه لا يدفع الثمن الى زيد و لا يسلم المبيع الى خالد، و انما يستحق الف دولار كالربح الحاصل على تعامله، و تقوم ادارة السوق بانجاز هذه العمليات المسجلة في غرفة المقاصة، و تتولى تصفية جميع الالتزامات في آخر النهار كل يوم، و اذا جاء وقت التسليم، يصدر من قبل ادارة السوق اخطار للمشتري الاخير بحلول تاريخ التسليم، و باستفساره هل يرغب في استلام المبيع في التاريخ المتفق عليه او يريد بيع هذا العقد، فان رغب في استلام المبيع فان البائع يسلم السلعة المبيعة الى مستودعات معينة، و يسلم وثيقة الادخال الى المستودع، و يحصل في مقابلها على الثمن، و ان لم يرغب المشتري الاخير في استلام السلعة و رغب في بيع العقد، فانه يبيعه من البائع الاول مرة اخرى حينئذ، فان المعاملة تقضي على اساس دفع فوارق السعر كما هو الحال في البيوع السابقة التي تم انجازها قبل التاريخ، و حينئذ لا يقع التسليم و التسلم حتى في المعاملة الاخيرة. و من هنا لا يريد المتعاملون في هذا السوق النمطي شراء السلع و بيعها بغرض الحصول على المبيع او الثمن، و انما يريدون الحصول على الارباح و الفوائد التي تتكون من فروق اسعار البيع و الشراء، على اساس ان الكمية المتداول لها بيعا و شراءً بما انها كبيرة، فالتفاوت اليسير في ارتفاع السعر يؤدي الى ربح كبير، و حيث انهم على ثقة من خبرويتهم بتقلبات الاسعار، فلذلك يقومون بشراء المستقبليات على امل انهم سوف يبيعونها بسعر اكثر، و يتخلص لهم ربح من وراء هذه العملية بدون ان يخضعوا في استلام المبيع و تسليمه.
و الهدف من هذه التخريجات تحويل هذه العقود الى عقود شرعيه. نذكر في ما يلي أهم ما يمكن ان يقال او قيل من المناقشة في مشروعية هذه العقود و عدم مطابقتها للشرع.
فان التاجر المستورد او منتج السلعة يقدم عرضه الى السوق ببيع وحدة او وحدتين من السلع كالقمح او النفط مثلا لتسليم ثلاثة اشهر من تاريخ البيع بينما هو لا يملك هذه الوحدة او الوحدتين فعلا، فيكون من بيع ما لا يملك. و هو باطل شرعا فاذا بطل هذا البيع بطلت البيوع اللاحقة جميعا و يمكن علاج هذه المناقشة بوجهين: 1 ان البائع الذي يبيع كمية من السلع في هذه السوق و ان كان لا يملكها حين انشاء البيع الا ان ادارة السوق التي تقوم بعملية البيع لا تقوم ببيع الكمية المعدومة فانه غير عقلائي بل تقوم ببيع ما تعهدت لتسليمه للمشتري خلال ثلاثة اشهر مثلا و المشتري يقوم بشراء ما تعهدت به الادارة و هذا جائز شرعا. 2 ان ما لا يملك بما هو لا يملك و ان كان غير عقلائي و لكن هل يصح بيعه في ذلك الوقت المتأخر من الآن للمشتري بمعنى انشاء ملكيته له من حين كونه مالكا له.
الجواب:انه لا مانع منه لان الانشاء خفيف المئونة حيث انه عبارة عن الاعتبار و لا مانع من اعتبار البائع بقوله بعت، ملكية ما يملكه في المستقبل لا انه اعتبر بقوله بعت ملكيته فعلا فانه غير عقلائي و لا يلزم على هذا انفكاك الانشاء عن المنشأ لان المنشأ بوجوده الانشائي الاعتباري عين الانشاء و لا فرق بينهما الا بالاعتبار كالايجاد و الوجود في التكوينيات و من هنا يظهر انه لا تعليق في الانشاء لكي يقال انه غير معقول لان التعليق يقتضي الاثنينية و لا اثنينية هنا و ان شئت قلت ان المنشأ و ان كان هو الملكية في زمن متأخر الا انه بوجوده الانشائي و الاعتباري في عالم الاعتبار و الذهن موجود فعلا و أما بوجوده الفعلي بفعلية موضوعه في الخارج فهو متأخر و لكنه غير مرتبط بالانشاء و الاعتبار و من هنا قلنا ان للحكم مرتبة واحدة و هي مرتبة الجعل و الانشاء و أما مرتبة المجعول و هي فعلية الحكم بفعلية موضوعه في الخارج فهي ليست من مراتب الحكم لانها معلولة لفعلية موضوعه فيه. و الخلاصة:أنه لا مانع من بيع من لا يملك السلع فعلا و لكنه يملكه في وقت متأخر بانشاء ملكيته للمشتري في ز»من تملكه له فيكون الانشاء من الآن و المنشأ بوجوده الفعلي متأخر، و هذا لا مانع منه.
هذا اضافة الى انا لو افترضنا ان هذه العقود باطلة شرعا، و لكن بطلانها لا يمنع من تصرف المتعاملين في السوق لا في الثمن و لا المثمن و لا في الربح، على اساس التراضي الموجود بينهم في هذا التصرف بموجب قوانين السوق و مقرراته الصارمة. نعم لو كانت قوانين السوق و مقرراته مبنية على طبق الاحكام الشرعية فعندئذ لو كانت العقود المذكورة باطلة لم يجز تصرفهم في السوق إذا لم يحرزا الرضا.
لأن المعتبر فيه تعجيل الثمن بكامله و لا في النسيئة فاذن لا يمكن الحكم بصحتها شرعا. و يمكن علاج هذه المناقشة اولا: بان الحكم بصحة عقد لا يدور مدار كونه داخلا في احد العقود الخاصة، بل يكفي في صحته انطباق عنوان التجارة عن تراض عليه، و بذلك يكون مشمولا لقوله تعالى ((لاٰ تَأْكُلُوا أَمْوٰالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبٰاطِلِ إِلاّٰ أَنْ تَكُونَ تِجٰارَةً عَنْ تَرٰاضٍ)) ، و على هذا و ان لم ينطبق على تلك العقود عنوان بيع السلم و لا النسيئة الا انه مع ذلك لا مانع من الحكم بصحتها بملاك انها من التجارة عن تراض، بل لا يبعد ان تكون مشمولة لإطلاق قوله تعالى ((أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)) . ثانيا: لو سلمنا ان العقود المستقبلية جميعا باطلة شرعا الا انه مع ذلك لا مانع من التصرف في السوق على اساس وجود التراضي بين المتعاملين فيه كما مر.
(البورصات) بين الناس و عملاء السوق، حيث انها غالبا تقع قبل حلول الاجل، فهي محكومة بالبطلان بلا فرق بين ان تكون الكمية المتداولة بها من المكيل و الموزون او من غيرهما.
و الجواب: ان المشهور بين الفقهاء و ان كان بطلان البيع قبل الاجل و لكنه لا يخلو عن اشكال، و الاقوى الصحة.
بما انها بيوع تتم قبل قبض السلعة المبيعة، فلا تجوز و كذلك البيع الأول.
و الجواب: ان هذه المناقشة تامة اذا كان المبيع من المكيل او الموزون كالقمح و الارز و النفط و نحوها، فانه حينئذ لا يجوز بيعه قبل قبضه الا براس ماله فقط، و أما اذا لم يكن المبيع من المكيل او الموزون، فلا مانع من بيعه قبل قبضه، و لا يعتبر في صحته القبض، فالنتيجة انه يجوز التعامل في سوق المستقبليات بالبيع و الشراء اذا لم يكن المبيع من المكيل او الموزون، و أما اذا كان منه فلا يجوز الا براس ماله، و أما التعامل بالنقود الذهبية و الفضية فيه، فان كان الذهب بالذهب و الفضة بالفضة فالمعتبر فيه التماثل و المساواة بينهما، و أما التقابض في المجلس فالاظهر عدم اعتباره كما مر، و ان كان الذهب بالفضة او الفضة بالذهب فالمعتبر فيه التقابض في المجلس دون التماثل و المساواة، و عليه فلا يصح التعامل بهما كذلك بالعقود المستقبلية. و دعوى ان البيوع اللاحقة بيوع صورية و ليست بواقعية فانها مجرد وسيلة للاستفادة من فوارق الاسعار في فترة زمنية محددة، حيث لا تسليم و لا تسلم فيها، و مثل هذه البيوع لا تكون مشمولة لأدلة الامضاء. مدفوعة بان تلك البيوع بيوع حقيقية واقعية، غاية الامر ان نظر البائع و المشتري الى المبيع و الثمن بالمبادلة بينهما تارة يكون بالمعنى الاسمي، و اخرى بالمعنى الحرفي، و الغرض هو الاستفادة من فروق اسعارهما لا التسليم و التسلم، و قوام البيع انما بانشاء المبادلة بينهما عن جد، و هو موجود لا بالتسليم و التسلم، فانه ليس من مقوماته . يتلخص: ان المستثنى من العقود المستقبليات في اسواق البورصة أمران: أحدهما: ان المبيع اذا كان من المكيل او الموزون، فبما انه لا يصح بيعه قبل قبضه الا براس ماله، فلذلك لا تصح العقود اللاحقة المترتبة على العقد الاول ايضا، باعتبار انها جميعا قبل القبض، و لكن مع هذا يجوز التصرف في الربح على اساس التراضي كما مر. الثاني: ان المبيع اذا كان من الذهب و الثمن من الفضة أو بالعكس لم يصح التعامل بهما في سوق المستقبليات الا بتراضي كل منهما بالتصرف في مال الآخر.