آثار حضرت آیة الله العظمی شیخ محمد اسحاق فیاض
مناسك الحج وبهامشها – عربی
جلد
1
مناسك الحج وبهامشها – عربی
جلد
1
3 – موضع إحرام حج التمتع مكة المكرمة، وموضع إحرام حج الإفراد أحد المواقيت التى يحرم منها لعمرة التمتع، أو من محاذاتها1.
4 – لا يجوز تقديم طواف الحج والسعى بين الصفا والمروة فى حج التمتع على الوقوف بالموقفين اختيارا، ويجوز ذلك فى حج الإفراد2.
والكلام فيه يقع فى مرحلتين، الأولى فى تفصيل واجبات عمرة التمتع، ثم تليها المرحلة الثانية فى تفصيل واجبات وأعمال حج التمتع.
الواجب الأول: الإحرام.
وفيه ثلاثة أمور 1: – حقيقة الإحرام 2 – مواقيت الإحرام 3 – واجبات المحرم 4 – محرمات الإحرام.
وهى متقومة بأمرين: أحدهما النية، والآخر التلبية:
1 – النيَّة: وهى نية الإنسان تحريم أشياء عديدة على نفسه بإحرامه، ولا يلزم فيها تصور تلك الأشياء تفصيلا، بل تكفى نية تحريمها على وجه الإجمال.
والى جانب ذلك لابد أن تتوفر فى هذه النية الأمور التالية:
1 – أن الإحرام بما أنه جزء العبادة فيجب أن ينويه باسم تلك العبادة المميزة لها شرعا، فإذا أراد المكلف أن يأتى بعمرة التمتع من فريضة حج التمتع من حجة الإسلام، فعليه أن ينوى الإحرام لعمرة التمتع من حجة الإسلام. وإذا أراد أن يأتى بحج التمتع من حجة الإسلام، فعليه أن ينوى الإحرام لحج التمتع من حجة الإسلام، وهكذا فلو احرم من دون تعيين لم يصح.
ولا يجب التلفظ بالنية والنطق بما ينويه وإن جاز له ذلك، بل استحب بان يقول: ((أحرم لعمرة التمتع من حجة الإسلام قربة إلى الله تعالى)) وإذا كان نائبا ذكر اسم المنوب عنه، وإذا كان الحج مستحبا أسقط كلمة “حجة الإسلام” وإذا كان الحج واجبا بالنذر أو العهد أو اليمين أو بالإفساد، قصد الحج الواجب بذلك بديلا عن قصد حجة الإسلام.
2 – أن يقصد القربة بإحرامه لعمرة أو حج.
3 – أن يقصد بإحرامه للعمرة أو الحج، الإخلاص، ونقصد بذلك عدم الرياء، فالرياء فى العبادة مبطل لها.
2 – التلبية: وهى متمثلة فى أربع صيغ، وصورتها أن يقول:
“لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك. – والأحوط استحبابا أن يضيف إلى ما تقدم جملة أخرى بهذه الصيغة -: إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك لبيك”.
فإذا نوى الإحرام لعمرة التمتع مثلا، ولبى انعقد إحرامه، وأصبح محرما شرعا، وحرمت عليه أشياء عديدة معينة. وأما إذا نوى ولمّ يلب لم ينعقد إحرامه شرعا، ولم يحرم عليه ما يحرم على المحرم.
مسألة 10: لا يعتبر فى صحة الإحرام العزم من المحرم حين النية على عدم ارتكاب ما يحرم على المحرم زائدا على ما تقدم سابقا، نعم قد يقال باعتبار العزم من المحرم على ترك خصوص الجماع والاستمناء عند النية فى صحة الإحرام، ولكن الأقوى أنهما كسائر المحرمات.
مسألة 11: يجب على المكلف أن يتعلم ألفاظ التلبية وصيغها، ويحسن أداءها بصورة صحيحة ويكفى فى أدائها أن يقوم شخص بتلقينه بهذه الكلمات والصيغ، بأن يتابعه فى النطق بها.
وأما إذا لم يتح له أن يتعلم تلك الألفاظ، ولم يتيسر له التلقين فيجبّ عليه التلفظ بما تيسر له منها والأحوط الأولى أن يأتى إضافة إلى ذلك بما يدل على معانى تلك الألفاظ، ويستنيب أيضا من يحسن التلبية كاملة لأدائها نيابة عنه.
مسألة 12: تلبية الأخرس إنما هى بإشارته بإصبعه مع تحريك لسانه.
مسألة 13: إذا كان الصبى غير مميز، ولم يقدر على التلبية لبى عنه وليه.
مسألة 14: الأقرب أن لبس ثوبى الإحرام ليس من شروط صحة الإحرام، بل هو واجب مستقل على من يحرم، ومن هنا إذا ترك لبسهما وأحرم فى
ثيابه الاعتيادية صح إحرامه، وانعقد وإن اعتبر آثما وأما إحرام حج القران فهو كما ينعقد بالتلبية ينعقد بالإشعار، أو التقليد، والتقليد مشترك بين الناقة وغيرها من أقسام الهدى، وأما الإشعار فالمشهور انه مختص بالناقة، ولكنه لا يخلو عن إشكال، إذا كان الإحرام بالإشعار، فالأولى والأجدر ضم التقليد إليه أيضا.
وأما التقليد فالمشهور بين الأصحاب هو أن يعلق فى رقبة الهدى نعلا خلقا قد صلى فيه، ولكنه لا يخلو عن إشكال، والأقرب كفاية تعليق مطلق شيء يكون علامة للهدى. نعم يستحب تعليق نعل خلق قد صلى فيه.
مسأله 15: لا تشترط الطهارة من الحدث الأكبر والأصغر فى صحة الإحرام، فيصح من المحدث بالحدث الأكبر كالجنب والحائض والنفساء، ومن المحدث بالأصغر.
مسألة 16: لا يجب فى النية إخطار الصورة التفصيلية لفريضة حج التمتع وغيرها، بل يكفى له أن ينوى الإتيان بواجباتها إجمالا ثم يتعلمها ويأتى بالتدريج بها، كما لا تجب الإشارة إلى الوجوب أو الاستحباب.
مسألة 17: يجب على من اعتمر عمرة التمتع أن يقطع التلبية عند مشاهدة بيوت مكة القديمة ونقصد بها مكة فى زمن النبى الأكرم وعلى من اعتمر العمرة المفردة إذا جاء من الخارج أن يقطع التلبية على الأحوط عند دخول الحرم، وإذا كان فى مكة وخرج منها إلى أدنى الحل والإحرام منه للعمرة المفردة أن يقطع التلبية على الأحوط عند مشاهدة بيوت مكة القديمة.
مسألة 18: إذا شك المكلف بعد الإتيان بالتلبية أنه أتى بها صحيحة أولا؟ بنى على الصحة تطبيقا لقاعدة الفراغ، وإذا شك فى أنه لبى أولا، فإن كان قد تجاوز الميقات لم يعتن بشكه تطبيقا لقاعدة التجاوز، وإلا وجبت عليه التلبية.
مسألة 19: إذا نوى الإحرام ولبس الثوبين وشك فى أنه لبّى أولاً، بنى على أنه لم يلبِّ، فيجوز له ارتكاب ما يحرم على المحرم.
مسألة 20: إذا أتى المكلف بما يوجب الكفارة، وشك فى أنه كان بعد التلبية حتى تجب عليه، أو قبلها حتى لا تجب، فالأظهر عدم وجوبها، بدون فرق فى ذلك بين أن يكون كلاهما مجهولى التاريخ، أو التاريخ الزمنى لأحد هما معلوما وللآخر مجهولا.
مسألة 21: يستحب غسل الإحرام فى الميقات حتى من الحائض والنفساء أيضا على الأقوى، وإذا خشى المسافر عدم تيسر الماء فى الميقات جاز له أن يغتسل قبل ذلك، فإن وجد الماء فى الميقات أعاد، وإذا اغتسل ثم أحدث بالأصغر، أو أكل أو لبس ما يحرم على المحرم قبل أن يحرم أعاد غسله.
قد تقدم أن وقته من الناحية الزمانية أشهر الحج، ويمتد من أول يوم شوال إلى اليوم التاسع من ذى الحجة، وأما من الناحية المكانية فيجب على كل من أراد أن يأتى بعمرة التمتع أن يحرم لها من أحد المواقيت المعينة التى وقتها رسول الله، وهذه المواقيت كما يلى:
الأول: مسجد الشجرة: وهو منطقة تسمى بذى الحليفة، يكون قريبا من المدينة المنورة، ويقدر بعده عنها بتسعة كيلو مترات تقريبا، وهو أبعد المواقيت من مكة المكرمة، والظاهر أن المسجد فى المنطقة مبدأ الميقات، ويمتد الميقات إلى البيداء بمسافة ميل، ويجوز الإحرام فى أى جزء من هذه المسافة وإن كان الإحرام من البيداء أفضل وأولى.
وبكلمة أن سعة حدود هذا الميقات طولا معينة شرعا، وهى من المسجد إلى البيداء بمسافة ميل، وأما عرضا فلا تكون معينة. نعم يجوز الإحرام من يمين المسجد أو يساره قريبا كان أم بعيدا.
الثانى: وادى العقيق: وهو ذو أجزاء ثلاثة: أولها بريد البعث، ثانيها المسلخ، ثالثها بريد أوطاس، فيجوز الإحرام فى كل من هذه الأمكنة الثلاثة، وأما ذات عرق وغمرة فهما داخلان فى هذه الأمكنة فيجوز الإحرام فى كل منهما، وإذا تعسر تطبيق ذلك، فالمرجع أهل الخبرة فى المنطقة.
الثالث: الجُحفة: وهى قرية بين مكة المكرمة والمدينة المنورة، وهى ميقات أهل الشام، نعم من ترك الإحرام من مسجد الشجرة غافلا أو جاهلا وأجتاز إلى الجحفة جاز له الإحرام منها، ولا يجب عليه الرجوع إلى مسجد الشجرة والإحرام منه، وإن كان بإمكانه ذلك، بل لا يبعد جواز الإحرام من الجحفة لمن اجتاز من الميقات السابق بدون إحرام عامدا وملتفتا ولكن الاحتياط بالرجوع إليه، والإحرام منه فى هذه الصورة لا يترك إذا أمكن.
الرابع: يَلَمْلمَ: وهو جبل من جبال تهامة، وقيل أن بعده عن مكةّ يقدر بأربع وتسعين كيلو مترا.
الخامسُ: قرنُ المنازل: قيل: أنه يقع فى جبل مشرف على عرفات، ويقدر بعده عن مكة المكرمة بتسعين كيلو مترا، ولا يبعد أن يكون اسما للمنطقة لا للجبل خاصة، وعلى كلا التقديرين يجوز الإحرام من النقطة المحاذية للجبل فى الطريق العام التى قد شيد عليها المسجد1.
مسألة 22: إذا كان فى الطريق إلى مكة ميقاتان، أحدهما كان قبل الآخر، كما فى الطريق من المدينة المنورة إلى مكة المكرمة هما ذو الحليفة والجحفة، لم يجز أن يجتاز من الميقات الأول بدون إحرام، ويحرم من الميقات الثانى، ولو اجتاز من الميقات الأول بلا إحرام، وأحرم من الميقات الثانى صح إحرامه، ولكنه اعتبر آثما، ويستثنى من ذلك المريض، ومن ضعفت حالته الصحية وغيرهما ممن يكون الإحرام عليه من الميقات الأول حرجيا بسبب من الأسباب.
مسألة 23: يصح الإحرام من محاذاة مسجد الشجرة طولا إلى محاذاة البيداء بمسافة ميل، وتتحقق المحاذاة عرفا بأن يصل المسافر إلى نقطة لو اتجه فيها إلى مكة المكرمة لكان الميقات واقعا فى طرف يمينه أو يساره، ولا فرق بين أن تكون المحاذاة من نقطة بعيدة عرفا أم قريبة، فيسوغ لمن يمر بذى الحليفة أن يجعل مسجد الشجرة عن يمينه أو يساره، ويحرم من هناك.
وقد تسأل: أن الإحرام من محاذاة سائر المواقيت هل يكفى؟
والجواب: أنه يكفى على الأظهر.
وقد تسأل: أن المكلف إذا وصل إلى نقطة محاذية للميقات، فهل يجوز له ترك الإحرام منها وتأجيله إلى الميقات الآخر والإحرام منه؟
والجواب: يجوز له ذلك.
مسألة 24: قد تسأل أنه إذا كان فى طريقه إلى مكة يحاذى ميقاتين، فهل يجوز له تأجيل إحرامه من المحاذى للميقات الأول إلى المحاذى للميقات الثانى؟
والجواب: أن الجواز وإن كان غير بعيد نظريا، ولكن مع هذا فالأحوط والأجدر به وجوبا عدم التأجيل.
مسألة 25: يجب على المكلف التأكد من وصوله إلى أحد المواقيت أو ما يحاذيها والإحرام منه وذلك عن طريق العلم أو الوثوق والاطمئنان، أو الحجة الشرعية، ولا يجوز له الإحرام عند الشك فى الوصول إلى الميقات أو المحاذى له، ومع تعذر تحصيل العلم بذلك فبإمكانه أن يطمئن من صحة إحرامه بأحد طريقين:
الأول: أن يحرم بالنذر من نقطة يعلم أنها قبل الميقات، أو أنها إما قبل الميقات أو محاذية له.
الثانى: ان يلبس ثوبى الإحرام ويشرع فى التلبية برجاء ادراك الواقع من أول نقطة يحتمل أنها من المواقيت، أو من المحاذاة لأحدها ويستمر على ذلك إلى آخر نقطة يعلم أنه باجتيازه عن هذه النقطة قد خرج منها.
وقد تسأل: أنه إذا وصل إلى نقطة لا يعلم أنها قبل الميقات أو بعده مع عدم تمكنه من إحراز صحة إحرامه بأحد الطريقين المذكورين، فما هو وظيفته؟
والجواب: أن وظيفته فى هذه الحالة أن يحرم من مكانه بالنذر.
مسألة 26: لا يصح الإحرام قبل الميقات إلاّ بالنذر، فإذا نذر الإحرام من مكان يكون قبل الميقات انعقد نذره، فإذا أحرم صح إحرامه من هناك، ولا يصح الإحرام بعد الميقات حتى بالنذر، نعم من كان يسكن فى نقطة دون أحد المواقيت فإنه يجوز له الإحرام من مسكنه وموطنه، ولا يجب عليه الرجوع إلى أحد المواقيت، وإن جاز ذلك أيضا.
مسألة 27: قد تسأل أن المراد من دون الميقات، هل هو المعنى النسبى، أو المطلق؟ فعلى الأول إن كل من كان منزله دون الميقات من جانبه خاصة إلى مكة، فيجوز له أن يحرم من منزله وإن لم يكن دونه بالنسبة إلى سائر جوانب مكة. وعلى الثانى إن كل من كان منزله فى نقطة هى أقرب إلى مكة من جميع المواقيت فى أطرافها المحيطة بها، فيجوزّ له أن يحرم من منزله، وإلا فلا.
والجواب: أن المراد منه المعنى الأول.
مسألة 28: قد تسأل أن هذا الحكم هل يختص بمن كان من أهل ذلك البلد، أو يشمل المقيم فيه أيضا، وإن لم يصدق عليه عنوان الأهل؟
والجواب: يشمل المقيم أيضا.
مسألة 29: قد تسأل أن من كان منزله فى مكة المكرمة، فهل هو مشمول لهذا الحكم أيضا، فيجوز له أن يحرم لعمرة التمتع من مكة؟
والجواب: أنه لا يشمل أهل مكة والساكنين فيها1.
مسألة 30: الحجاج السائرون إلى مكة بَرًّا من طريق الطائف يُحرمون من قرن المنازل، وقد مر أن من المحتمل أن يكون قرن المنازل اسما للمنطقة، فيشمل الطريق العام أيضا، لا أنه اسم لخصوص الجبل المشرف على عرفات، وعلى كل تقدير يجوز الإحرام من المسجد الذى شُيِّد فى الطريق العام، لأنه إما ميقات أو محاذ له.
وأما الحجاج السائرون إلى مكة برا من طريق المدينة المنورة ويحرمون من مسجد الشجرة، أو من محاذاته، يمكنهم أن ينذروا الإحرام من المدينة نفسها بالنذر أيضاً، ثم يحرمون من نفس المدينة.
مسألة 31: الحجاج الوافدون إلى مكة من طريق جدة جوا، هل يجوز لهم أن يحرموا من جدة؟
الجواب: لا يجوز لهم الإحرام منها، لأنها ليست من أحد المواقيت ولا طريق لنا للتأكد بأنها محاذية للميقات، وحينئذ فإن كانوا متمكنين من
الذهاب إلى الميقات والإحرام منه، وجب عليهم ذلك، وإن لم يكونوا متمكنين من ذلك لضيق الوقت، أو لمنع السلطات، أو لسبب آخر أحرموا من جدة بالنذر، ويعتبر إحرامهم حينئذ صحيحا ولا يجب عليهم التجديد من أدنى الحل.
الحالة الأولى: إذا كان الحاج يعلم من بلده أنه يذهب إلى المدينة المنورة بعد وصوله إلى جدة ثم يرجع إلى مكة، ففى هذه الحالة يحرم من مسجد الشجرة أو ما يحاذيه.
الحالة الثانية: فى حال كونه يعلم بعدم ذهابه إلى المدينة المنورة بعد وصوله إلى جدة، ولكنه كان واثقا ومطمئنا بتمكنه من الذهاب إلى أحد المواقيت كالجحفة أو قرن المنازل والإحرام منه ففى هذه الحالة يجوز له أن ينذر الإحرام من مطار بلده، أو من منتصف الطريق، وهو فى الطائرة قبل الميقات والإحرام منه بالنذر، كما يجوز له بعد ما يصل إلى جدة أن يذهب إلى أحد المواقيت والإحرام منه.
الحالة الثالثة: لو وصل الحاج إلى جدة بدون إحرام بالنذر من مطار بلده، أو من منتصف الطريق قبل الميقات، وبعد ما يصل إلى جدة يظهر أنه لم يتمكن من الذهاب إلى أحد المواقيت، أما لضيق الوقت، أو لمنع السلطات، أو لمانع آخر، ففى هذه الحالة يتعين عليه أن يحرم من جدة بالنذر، ويعتبر إحرامه صحيحا.
الحالة الرابعة: إذا كان يعلم بأنه لا يتمكن من الذهاب إلى أحد المواقيت بسبب أو آخر والإحرام من هناك بعد وصوله إلى جدة، فهل يجب عليه أن ينذر الإحرام من مطار بلده، أو من منتصف الطريق، وهو فى الطائرة قبل الميقات؟
والجواب: يجب عليه ذلك، لأن الإحرام من جدة بالنذر وظيفة المضطر، فما دام المكلف متمكنا من الإحرام من أحد المواقيت، أو الإحرام بالنذر قبل الميقات، لا يصل الدور إليه. نعم إذا كان غافلا أو جاهلا عن ذلك ووصل إلى جدة ولم يتمكن من الرجوع إلى احد المواقيت، فوظيفته أن ينذر الإحرام من جدة، فيحرم منها، ويكون إحرامه صحيحا كما مر.
وقد تسأل: أنه إذا ترك الإحرام بالنذر من مطار بلده، أو فى منتصف الطريق وهو فى الجو عامدا وملتفتا إلى أنه بعد وصوله إلى جدة لم يتمكن من الرجوع إلى أحد المواقيت والإحرام منه، فهل يصح إحرامه من جدة بالنذر؟
والجواب: أن صحته غير بعيدة وإن كان مأثوما على ترك الإحرام بالنذر قبل الميقات.
وقد تسأل: أن المسافر إذا كان يعلم انه متمكن بعد ما يصل إلى جدة من الرجوع إلى أحد المواقيت والإحرام منه، ومع ذلك فإذا نذر الإحرام من مطار بلده، أو من منتصف الطريق قبل الميقات وأحرم، فإحرامه وإن كان صحيحا، إلا أنه جعل باختياره وعامدا وملتفتا نفسه مضطرا إلى التظليّل المحرّم على المحرم، لركوبه الطائرة، فهل يجوز له ذلك فى هذه الحالة؟
والجواب: إذا كان المحرم امرأة فلا شيء عليها، وإذا كان رجلا وقد ضاق عليه الوقت ويخشى من تأخير الإحرام، فيحرم ويكفر كفارة التظليل، ولا شيء عليه، وأما إذا لم يكن الوقت مضيقا – كما هو المفروض – وصنع ذلك بدون خوف وعذر، فحينئذ إن تمكن بعد الإحرام من عدم التظليل، ومع ذلك إذا ظلل عامدا وملتفتا، وركب الطائرة باختياره وبدون اضطرار اعتبر مقصرا وآثما وإن لم يضر بحجه، وإن لم يتمكن من عدم التظليل بعد الإحرام واضطر إلى ركوب الطائرة ولا يتمكن من السفر إلى مكة بدون ذلك لم يعتبر مقصرا، ولا إثم عليه، وإنما عليه كفارة التظليل فحسب.
مسألة 32: قد تسأل أن المسافر الذى يصل إلى المدينة المنورة رأسا، هل يجوز له وهو فى المدينة أن ينذر الإحرام من جدة، فيسافر إلى جدة محلا ويحرم من هناك، فيسافر إلى مكة محرما؟
والجواب: لا يجوز ذلك، كما إذا كان هناك من يرغب فى السفر بالطائرة من المدينة المنورة إلى جدة، فإنه لا يسعه أن يحرم من مسجد الشجرة، إذ لو احرم من هناك حرم عليه التظليل وركوب الطائرة إذا كان بإمكانه عدم التظليل بعد الإحرام، وأما تأجيل إحرامه إلى ما بعد وصوله إلى جدة والإحرام منها بالنذر، فهو لا يجوز مع تمكنه من الإحرام فى أحد المواقيت.
مسألة 33: لا يجوز الإحرام قبل الميقات إلاّ فى حالتين:
الأولى: أن ينذر الإحرام قبل الميقات، فيحرم، فيعتبر إحرامه صحيحا وإن كان متمكنا من الإحرام فى أحد المواقيت، ولا يجب عليه التجديد إذا
مر بأحدها أو ما يحاذيه، ولا فرق فى ذلك بين أن يكون إحرامه لعمرة التمتع أو العمرة المفردة، أو حج الإفراد.
الثانية: أن يخشى المكلف عدم إدراك عمرة رجب إذا أخر الإحرام إلى الميقات، فإنه يجوز له أن يحرم قبل الميقات بنية العمرة المفردة فى شهر رجب، وتحسب له عمرة رجب وإن وقعت بقية أعمال العمرة فى شعبان.
مسألة 34: إذا مر المكلف بالميقات أو المحاذى له، وترك الإحرام منه عامدا وملتفتا واجتازه، فإن أمكنه الرجوع إليه أو المحاذى له، وجب، فإذا رجع وأحرم من هناك صح، وأما إذا لم يمكن الرجوع إليه، فهل يكفى أن يخرج من الحرم، ويبتعد عنه بالمقدار الممكن والإحرام من هناك، وإذا لم يتمكن من الخروج عن الحرم أحرم من مكانه؟
والجواب: الأظهر الكفاية، وفى حكم ذلك ما إذا لم يصل إلى الحرم، وندم، فإن عليه أن يرجع إلى أحد المواقيت، أو المكان المحاذى له، والإحرام منه، وإن لم يمكن ذلك ابتعد عن مكانه بالمقدار الممكن والإحرام من هناك، وإلاّ فمن مكانه.
مسألة 35: قد تسأل: أن من تكون وظيفته الرجوع إلى الميقات، هل وظيفته الرجوع إلى ميقات أهل بلده، أو يجوز له الرجوع إلىّ أى ميقات شاء؟
والجواب: أن الأظهر هو الرجوع إلى أى ميقات شاء، وإن كان الأولى والأجدر أن يرجع إلى ميقات أهل بلده إن أمكن.
مسألة 36: إذا ترك المكلف الإحرام من الميقات بسبب النسيان أو الإغماء أو الجهل بالحكم أو بالميقات أو بما يحاذيه، ثم انتبه، فللمسألة صور:
الأولى: أن يتمكن من الرجوع إلى الميقات أو المكان المحاذى له، ففى هذه الصورة يجب عليه الرجوع والإحرام من هناك.
الثانية: أن يكون فى الحرم، ولا يمكنه الرجوع إلى الميقات، غير أنه متمكن من الرجوع إلى خارج الحرم، وحينئذ فيجب عليه أن يخرج من الحرم ويبتعد عنه بالمقدار الممكن والإحرام من هناك.
الثالثة: أن يكون فى الحرم، ولا يمكنه أن يرجع إلى خارج الحرم، ففى هذه الصورة أن يحرم من مكانه.
الرابعة: أن يكون خارج الحرم، ولا يمكنه الرجوع إلى الميقات أو ما يحاذيه، ووظيفته عندئذ أن يحرم من مكانه، والأحوط والأجدر به الابتعاد عنه بالمقدار الذى يمكنه.
وفى جميع هذه الصور إذا لم يعمل المكلف بوظيفته عامداً وعالماً وأتى بسائر أعمال العمرة بدون إحرام بطلت عمرته، كمن ترك الإحرام لعمرة التمتع من الميقات عامداً وملتفتاً إلى الحكم الشرعى وأتى بسائر أعمال العمرة بدون إحرام، فإنه لا إشكال فى بطلان عمرته.
مسألة 37: المرأة الحائض أو النفساء إذا تركت الإحرام من مسجد الشجرة – مثلا – عن جهل بالحكم أو غفلة إلى أن دخلت مكة، ثمّ تنبهت بالحال، فإن كانت متمكنة من الرجوع إلى الميقات والإحرام منه، وجب عليها ذلك وإن لم تكن متمكنة من ذلك فحكمها حكم الصور المتقدمة التى لا يتمكن المكلف من الرجوع إلى الميقات.
مسألة 38: قد تسأل أن من ترك الإحرام عن الميقات لعذر كالمرض أو نحوه، وواصل سفره إلى مكة، فإذا بلغ أدنى الحل أحرم منه، ودخل مكة
ثم ارتفع عذره واستعاد قوته ونشاطه. فهل يجب عليه أن يرجع إلى الميقات والإحرام منه إذا كان بإمكانه ذلك ولم يخش فوت الحج؟
والجواب: يجب عليه ذلك، بل الأمر كذلك إذا ارتفع عذره بعدأعمال العمرة، شريطة تمكنه من الرجوع إلى الميقات والإحرام منه، وعدم خوف فوت الموقف، فإنه كاشف عن بطلان العمرة.
مسألة 39: إذا أحرم المكلف حرمت عليه أشياء عديدة، وسيأتى شرحها فى ضمن المسائل القادمة.
وقد تسأل: أن المكلف إذا كان عازما فى حال الإحرام على ارتكاب بعض تلك الأشياء، فهل يصح إحرامه؟
والجواب: يصح إحرامه وإن كان آثما بارتكاب تلك المحرمات، مثال ذلك: من يحرم وهو عازم على التظليل اختيارا وبدون اضطرار.
مسألة 40: يجوز للجنب والحائض أن يحرما فى مسجد الشجرة حال الاجتياز كما يجوز لهما الإحرام خارج المسجد يمينا ويسارا وأماما إلى جهة مكة المكرمة طولا بمسافة ميل كما مر.
مسألة 41: إذا ترك المكلف الإحرام من الميقات أو المحاذى له عالما وعامدا حتى تجاوزه، فإن أمكنه الرجوع إلى الميقات أو المحاذى له وجب بلا فرق بين أن يكون ذلك بعد دخول الحرم أو قبله، وإن لم يمكن الرجوع إليه، فهل يكفى الإحرام من أدنى الحل، بأن يخرج من الحرم ويحرم منه، أو من مكانه إذا كان بعد لم يصل إلى الحرم، أو وصل ولكن تعذر عليه الرجوع إلى أدنى الحل؟
والجواب: لا يبعد الكفاية فى تمام هذه الصور، وإن كان الأحوط والأجدر به الإعادة فى السنة القادمة.
مسألة 42: قد تسأل: أن من أتى بعمرة التمتع بدون إحرام جاهلا بالحكم أو ناسيا، هل تصح عمرته وبالتالى حجه؟
والجواب: أن صحتها لا تخلو عن إشكال، والأظهر عدم الاعتداد بتلك العمرة، والإعادة فى السنة الآتية.
مسألة 43 يجب على الرجل المحرم أن يُحرِم فى ثوبين، هما الإزار والرداء بعد تجرُّده من ملابسه الاعتيادية التى يحرم عليه لبسها حدوثا وبقاء، ويكفى فى الثوبين المذكورين صدق الإزار والرداء عليهما عرفا، ويصدق الإزار على قطعة قماش يستر بها ما بين السرة والركبة، والرداء على قطعة قماش يستر بها ما بين المنكبين، ويُحرمُ فى حال لبسه لهذين الثوبين، ولا بأس بزيادتهما على الحد المذكور.
مسألة 44: الأظهر أن لبس ثوبى الإحرام واجب تعبدى على الرجل المحرم، وليس من شروط صحة إحرامه، فمن ترك لبسهما عامدا وملتفتا إلى الحكم الشرعى وأحرم صح إحرامه، وحرُم عليه ما يحرُم على المحرم وإن كان عاصيا وآثماً1.
مسألة 45: يعتبر فى ثوبى الإحرام نفس الشروط المعتبرة فى لباس المصلى على الأحوط، بأن لا يكونا من الحرير الخالص، ولا من أجزاء ما لا يؤكل لحمه، ولا من الذهب، على نحو يصدق أنه لابس للذهب، وأن لا يكونا حاكيين للبشرة، ويلزم طهارتهما. نعم لا بأس بتنجسهما بنجاسة معفو عنها فى الصلاة. والأحوط الأولى أن لا يكونا من الجلد، ولا من الملبد، ولا من المخيط.
مسألة 46: لا يجوز للرجل المحرم أن يلبس السراويل إلا أن لا يكون له إزار، ولا خفين إلا أن لا يكون له نعلان.
مسألة 47: إن وجوب لبس ثوبى الإحرام مختص بالرجل المحرم دون المرأة، فإنه يجوز لها أن تحرم فى ملابسها الاعتيادية، شريطة أن تكون طاهرة، والأحوط لها مراعاة سائر الشروط التى تقدمت فى المسألة.
نعم لا يجوز للمرأة المحرمة أن تلبس الحرير الخالص والقفازين فى جميع أحوال الإحرام.
مسألة 48: إذا تنجس أحد الثوبين أو كلاهما، فالأحوط والأجدر وجوبا المبادرة إلى التبديل أو التطهير.
مسألة 49: يسوغ للمحرم أن يزيد على ثوبى الإحرام ما يصلح له أن يلبسه فى ابتداء الإحرام وأثنائه، كما يجوز للمحرم تبديل الثوبين بآخرين واجدين لنفس الشروط المعتبرة فيهما، ويجوز له بعد عقد الإحرام والتلبية
التجرد منهما بدون تبديل، شريطة أن يكون آمنا من الناظر المحترم، أو كون العورة مستورة بشيء آخر.
أمور:
الأول: أن يقوم الشخص بتنظيف جسده، وتقليم أظافره، وإزالة الشعر عن الإبطين والعانة وأخذه من الشارب، وتنظيف الأسنان وغير ذلك.
الثانى: أن يوفر الرجل شعر رأسه منذ بداية شهر ذى القعدة، فلا يأخذ منه شيئا إذا كان غرضه الحج منذ ذلك الحين.
الثالث: غسل الإحرام1 ، كما مرَّ، ويدعو المكلف عند الغسل بهذا الدعاء:
“بسم الله الرحمن الرحيم، بسم الله وبالله، اللهم اجعله لى نورا وطهورا وحرزا، وأمناً من كل خوف، وشِفاء من كل داء وسقم، اللهم طهرنى وطهر قلبى، واشرح لى صدرى، وأَجْرِ على لسانى محبتك ومِدحتك والثناء عليك، فإنه لا قوة لى إلاّ بك، وقد علمتُ أنَّ قِوامَ دينى التسليمُ لك، والإتباعُ لسنة نبيك”.
ويستحب الإحرام فى دبر صلاة مكتوبة أو نافلة فإن كانت مكتوبة أحرمت فى دبرها بعد التسليم، وإن كانت نافلة صليت ركعتين وأحرمت فى دبرهما، فإذا انفتلت من صلاتك فاحمد الله واثن عليه وصل على النبى. وقل:
“اللهم إنى أسألك أن تجعلنى ممن استجاب لك، وآمن بوعدك واتبع أمرك، فانى عبدك، وفى قبضتك، لا أُوقى إلا ما وقيت، ولا أجد إلا ما أعطيت، وقد ذكرتُ الحج فأسألك أن تعزم لى عليه على كتابك وسنة نبيك صلواتك عليه وآله، وتقوينى على ما ضعفت، وتسلم لى مناسكى فى يسر منك وعافية، واجعلنى من وفدك الذى رضيت وارتضيت وسعيت وكتبت، اللهم إنى خرجت من شقة بعيدة وأنفقت مالى ابتغاء مرضاتك، اللهم فتمم لى حجتى وعمرتى اللهم أريد التمتع بالعمرة إلى الحج على كتابك وسنة نبيك صلواتك عليه وآله، فإن عرض لى عارض يحبسنى فخلنى حيث حبستنى بقدرك الذى قدرت على، اللهم إن لم تكن حجة فعمرة، أحرم لك شعرى وبشرى ولحمى ودمى وعظامى ومخى وعصبى من النساء والثياب والطيب، أبتغى بذلك وجهك والدار الآخرة”.
ويقول عند لبس ثوبى الإحرام:
“الحمد لله الذى رزقنى ما أوارى به عورتى وأؤدى فيه فرضى وأعبد فيه ربى، وانتهى فيه إلى ما أمرنى، الحمد لله الذى قصدته فبلَّغنى، وأردته فأعاننى وقبلنى ولم يقطع بى، ووجهه أردت فسلمنى، فهو حصنى
وكهفى وحرزى وظهرى وملاذى ورجائى ومنجاى وذخرى، وعدتى فى شدتى ورخائى.”.
ويستحب أن يعقب التلبية التى تقدم ذكرها فى كيفية الإحرام بما يلى:
“لبَّيك ذا المعارج لبيك، لبيك داعياً إلى دار السلام لبَّيك، لبيك غفَّار الذنوبِ لبيك، لبيك أهل التلبية لبيك، لبيك ذا الجلال والإكرام لبيك، لبيك تبدئ والمعاد إليك لبيك، لبيك تَستغنى ويُفتقر إليك لبيك، لبيك مرهوباً ومرغوباً إليك لبيك، لبيك إله الحق لبيك، لبيك ذا النعماء والفضل الحسن الجميل لبيك، لبيك كشَّافَ الكُرَب العظام لبيك، لبيك عبدُك وابنُ عبديك لبيك، لبيك يا كريمُ لبيك”.
ويستحب بعد أن يحرم الحاج أن يكرر التلبية التى احرم بها، وسائر التلبيات فى مختلف الحالات والأوقات خصوصا عقيب كل صلاة فريضة أو نافلة، وعند اليقظة من النوم، وبالأسحار وعند استيناف السفر، وعند النزول فى وادى، أو من واسطة النقل، وعند الركوب فيها، وهكذا، وحد التلبية فى عمرة التمتع مشاهدة بيوت مكة القديمة، وفى حج التمتع زوال يوم عرفة، وفى العمرة المفردة دخول الحرم على الأحوط كما تقدم.
وهى على أنواع:
النوع الأول: ما يحرم على الرجل المحرم والمرأة المحرمة معا.
النوع الثانى: ما يحرم على الرجل المحرم خاصة.
النوع الثالث: ما يحرم على المرأة المحرمة خاصة.
: ما يحرم على الرجل المحرم والمرأة المحرمة معا، وهو متمثل فى أشياء:
مسألة 50: لا يجوز للمحرم رجلا كان أم امرأة صيد الحيوان البرى ولا قتله فى الحل والحرم، سواء أكان الحيوان محلل الأكل، أم كان محرم الأكل، كما أنه لا فرق فى حرمة قتله بين أن يكون بعد صيده أو ابتداء.
مسألة 51: كما لا يجوز للمحرم صيد الحيوان البرى، لا يجوز له إعانة شخص آخر على صيده بالإشارة باليد أو غيرها من ألوان الاعانة، وإن كان ذلك الشخص الآخر محلا.
مسألة 52: لا يجوز للمحرم رجلا كان أم امرأة إمساك الصيد من الحيوان البرى والاحتفاظ به، وإن كان صيده قبل إحرامه وفى وقت كان محلا، ولا يجوز له أكل لحم الصيد وإن كان الصائد محلا.
وقد تسأل أن المحرم إذا أصاب صيدا، أو ذبحه وهو محرم، فهل يجوز للمحل أن يأكل منه؟
والجواب: إن ذلك إن كان فى الحل، فالأظهر جوازه، بل لا يبعد الجواز وإن كان فى الحرم، ولو ذبحه المحل فى الحرم حرم على المحرم والمحل معا، والفارق بين المحرم والمحل أن المحرم يحرم عليه الصيد فى الحل والحرم، كما يحرم عليه أن يأكل من لحمه وإن كان قد اصطاده غيره، والمحل يحرم عليه الصيد فى الحرم فقط ولكن لا يبعد جواز أكله مما أصابه المحرم وإن كان الاحتياط فى محله.
مسألة 53: الصيد إنما ينطبق على الحيوان النافر كالطيور مثلا، وأما الحيوان الأهلى كالدجاج والغنم والبقر والإبل، فلا يصدق على أخذه الصيد وإن توحش، ولهذا لا يحرم على المحرم أخذه وإمساكه وذبحه والأكل من لحمه، وأما إذا شك فى حيوان أنه برى أو أهلى فهل يجوز صيده؟
الأظهر عدم جوازه. ولا يختص حرمة الصيد بالحيوان الذى ينتفع عادة بلحومه، كالطيور وغيرها، بل تعم غيره أيضا، كالسباع ونحوها. نعم ما يخاف منه على النفس يجوز قتله مطلقا، كالأسد وغيره من السباع كالأفعى والأسود الغدر والعقرب والفأرة، وأما الحية فإذا أرادته فلا شيء عليه فى قتله.
مسألة 54: يختص الحكم بالحرمة بالحيوان البرى النافر، وأما الحيوان البحرى كالسمك أو نحوه فيجوز للمحرم صيده وإمساكه، ونقصد بالحيوان البحرى ما يعيش فيه فقط، وأما ما يعيش فى البر والبحر، فهو ملحق بالبرى، فلا يجوز صيده. نعم إذا شك فى حيوان أنه برى أو بحرى جاز صيده، ويلحق بصيد الحيوان البرى إمساك الجراد، فيحرم على
المحرم صيده والاحتفاظ به وأكله، ويرخص للمحرم أن يرمى الغراب الأبقع والحدأة، ولا كفارة لو أصابهما الرمى وقتلهما.
مسألة 55: فرخ الحيوان البحرى والأهلى تابع لهما فى الحكم، وكذلك بيضهما.
مسألة 56: فى قتل النعامة جمل، وفى قتل بقرة الوحش بقرة، وفى قتل حمار الوحش جمل أو بقرة على الأحوط، وفى قتل الظبى والأرنب شاة، وكذلك فى الثعلب على الأحوط الأولى.
مسألة 57: من أصاب صيدا وكانت كفارته إبلا ولم يجده، فعليه إطعام ستين مسكينا لكل مسكين مد، وإن كانت قيمة الإبل أكثر، وأما إن كانت قيمتها أقل من ذلك لم يجب عليه إلا التصدق بمقدار قيمتها دون الأكثر، وإن كانت كفارته بقرة ولم يجدها، فليطعم ثلاثين مسكينا فإن لم يقدر على الإطعام صام تسعة أيام، وإن كانت كفارته شاة ولم يجدها فليطعم عشرة مساكين، فإن لم يقدر صام ثلاثة أيام.
مسألة 58: إذا قتل المحرم – رجلا كان أو إمرأة – حمامة ونحوها فى خارج الحرم، فعليه شاة وفى فرخها إذا تحرك حمل أوجدى، وفى كسر بيضها درهم على الأظهر، وإذا قتلها المحل فى الحرم فعليه درهم، وفى فرخها نصف درهم، وفى بيضها ربعه، وإذا قتلها المحرم فى الحرم فعليه الجمع بين الكفارتين هما الشاة وقيمة الحمامة، وإذا كسر البيض وقتل الفرخ فيه فى الحرم فعليه فى كل منهما كفارتان على الأحوط الأولى.
مسألة 59: فى قتل القطاة حمل قد فطم من اللبن وأكل من الشجر، وكذلك فى قتل الحجل والدراج ونظيرهما على الأحوط، ولا كفارة فى
قتل العصفور والقبرة والصعوة. نعم نسب إلى المشهور أن فيه مدا من الطعام، ولكنه لا يخلو عن إشكال بل منع، وفى قتل جرادة واحدة تمرة وفى أكثر من واحدة كف من طعام، وفى الكثيرعرفا شاة.
مسألة 60: فى قتل اليربوع والقنفذ والضب وما أشبهها جدى، وفى قتل العظاية كف من الطعام وفى قتل الزنبور متعمدا إطعام شيء من الطعام، وإذا كان القتل دفعا لإيذائه فلا شيء عليه.
مسألة 61: يجب على المحرم أن ينحرف عن الطريق يمينا ويسارا، إذا كان فيه جراد، فإن لم يتمكن فلا بأس بقتلها.
مسألة 62: لو اشترك جماعة من المحرمين رجالا كانوا أو نساءً فى قتل صيد، فعلى كل واحد منهم كفارة مستقلة.
مسألة 63: كفارة أكل الصيد ككفارة الصيد نفسه، فلو صاده المحرم وأكله فعليه كفارتان على الأحوط.
مسألة 64: من كان معه صيد ودخل الحرم يجب عليه إرساله وإن كان محلا، وإن لم يرسله حتى مات الصيد فعليه فداء، ولا يجوز له امساكه بعد إحرامه وان كان قبل أن يدخل الحرم، وهل عليه فداء إذا مات عنده قبل أن يدخل الحرم، فالأظهر عدم الفداء، وإن كان الفداء أولى وأجدر.
مسألة 65: لا فرق فى وجوب الكفارة فى قتل الصيد وأكله بين أن يكون عن عمد أو جهل أو نسيان.
مسألة 66: تتكرر الكفارة بتكرر الصيد جهلا إذا كان مما يعذر فيه أو نسيانا، أو خطاء، وكذلك فى العمد إذا كان الصيد من المحل فى الحرم، أو من المحرم مع تعدد الإحرام، وأما إذا كان تكرار الصيد عمدا من المحرم
فى إحرام واحد، فلا يوجب تعدد الكفارة، وإنما يوجب فى المرة الثانية الإدانة والعقوبة فى الآخرة.
مسألة 67: يحرم على الرجل الاستمتاع بالمرأة جماعا أثناء عمرة التمتع، والعمرة المفردة، والحج.
مسألة 68: إذا جامع المحرم امرأته، فإن كان فى أثناء عمرة التمتع، فمع الجهل بالحكم أو النسيان صحت عمرته سواء أكان الجماع بعد الفراغ من السعى بين الصفا والمروة أم قبله. وأما مع العلم بالحكم والعمد فهل تصح عمرته، فالأظهر صحتها أيضا، ولكنه آثم وعليه كفارة، وهى إما جمل أو بقرة أو شاة وإن كان الأولى والأجدر تقديم الجمل، ومع العجز عنه البقرة، وإلا فشاة. وإن كان فى أثناء العمرة المفردة، فإن كان جاهلا أو ناسيا، فعمرته صحيحة ولا شيء عليه، وإن كان عالما وعامدا فحينئذ إن كان الجماع بعد السعى فالظاهر صحة عمرته أيضا، ولكنه آثم، وإن كان قبل السعى فهل تبطل عمرته به أو لا؟
والجواب: أن المشهور بين الفقهاء البطلان، ولكنه لا يخلو عن إشكال، بل لا يبعد الصحة وإن اعتبر آثما.
وقد تسأل أنه على القول بصحة العمرة وعدم فسادها بالجماع أثناءها، فهل يجب على من فعل ذلك أن يقيم بمكة إلى شهر آخر، ثم يخرج إلى أحد المواقيت الخمسة، ويحرم منه للعمرة المعادة؟
والجواب: يجب عليه ذلك، كما يجب على القول بفساد العمرة.
والمرأة المحرمة كالرجل المحرم، فإنها إن كانت جاهلة بالحكم أو ناسية فعمرتها صحيحة ولا شيء عليها، وان كانت عالمة به، فإن كانت مطاوعة وغير مستكرهة فعليها إثم وكفارة، وأما عمرتها فهى صحيحة أيضا، وإلا فلا إثم عليها ولا كفارة.
مسألة 69: مَنْ حَلَّ من إحرامه، إذا جامع زوجته وهى محرمة وجبت عليها الكفارة، وعلى الرجل أن يغرمها، والكفارة ناقة أو جمل.
وقد تسأل: أن هذا الحكم هل يعم مطلق المحل إذا جامع زوجته وهى محرمة، أو يختص بمن يكون مسبوقا بالإحرام؟
والجواب: الأظهر أنه يعم مطلق المحل.
مسألة 70: إذا جامع المحرم للحج امرأته قبل الوقوف بالمزدلفة، فإن كان جاهلا بالحكم أو ناسيا فحجه صحيح ولا شيء عليه، وإن كان عامدا وملتفتا إليه فحجه حينئذ وإن كان صحيحا أيضا ولكن عليه إثم وكفارة والحج من قابل، هذا بدون فرق بين أن يكون الحج المأتى به حجة الإسلام أو غيرها، كالحج الواجب بالنذر أو نحوه، والحج المستحب، وكذلك الحكم فى المرأة المحرمة. نعم إن ثبوت الكفارة عليها والحج من قابل منوط بكونها مطاوعة للاستمتاع بها جماعا، وأما إذا كانت مكرهة فلا شيء عليها. نعم على زوجها كفارتان حينئذ. ويجب التفريق بينهما من مكان الإصابة فى حجتهما الفعلية إلى إتمام المناسك كلها، وفى الحجة المعادة فى العام القادم شريطة أن لا يكون معهما ثالث، ويستمرهذا التفريق بينهما إلى يوم النفر من منى، أو وصولهما إلى المكان الذى أصابا فيه ما أصابا.
مسألة 71: وقد تسأل: هل الحجة الأولى هى الصحيحة، والثانية عقوبة، أو أن الأولى فاسدة والثانية إعادة؟.
والجواب: أن الأولى هى الصحيحة، والثانية عقوبة.
مسألة 72: قد تسأل: أن المحرم للحج إذا جامع امرأته عامدا وملتفتا إلى الحكم الشرعى بعد الوقوف بالمزدلفة، وقبل طواف النساء، فهل تجب عليه إعادة الحج فى العام القادم؟
والجواب: لا تجب عليه الإعادة، نعم عليه إثم وكفارة إذا كان قبل الشوط الخامس من طواف النساء، وأما إذا كان بعده فلا كفارة عليه أيضا، وإنما عليه الإثم فقط.
وقد تسأل: أن هذا الحكم هل يختص بجماع الرجل المحرم امرأته أو يعم المرأة الأجنبية أيضا.
والجواب: أن الأظهر عموم الحكم.
مسألة 73: يكفى فى كفارة الجماع أن يكفر بذبح ناقة أو جمل قد أكمل خمس سنوات ودخل فى السادسة. نعم إن كان الجماع أثناء عمرة التمتع، فإن عجز عن الناقة أو الجمل كفى ذبح بقرة وإن عجزعنها أيضا كفى ذبح شاة، وإن كان فى الحج فإن عجزعن ذلك تعين عليه ذبح شاة، وأما فى العمرة المفردة فالأحوط أن يذبح ناقة أو جملا، وإن عجز فعليه بقرة، وإلاّ فشاة، ولا فرق فى ذلك بين الرجل المحرم والمرأة المحرمة شريطة أن تكون مطاوعة غيرمستكرهة.
مسألة 74: لا تثبت هذه الكفارة على الجاهل بالحكم والناسى، ولا كفارة سائر محرمات الإحرام ويستثنى من ذلك موردان:
1 – إذا نسى المكلف الطواف فى الحج أو بعض أشواط السعى فى عمرة التمتع، فأحلَّ وواقع أهله فإن عليه الكفارة، وكذلك الحال إذا أتى أهله بعد السعى فى عمرة التمتع وقبل التقصير جاهلا بالحكم.
2 – إذا أَمرَّ يده على رأسه أو لحيته عبثاً، فسقطت شعرة أو شعرتان أو أكثر، بدون قصد وإرادة وغافلا عن ذلك، أو جاهلا به، فإن عليه الكفارة.
مسألة 75: يحرم على الرجل المحرم تقبيل زوجته عن شهوة، فلو قبلها وخرج منه المنى فعليه كفارة جمل، وإذا لم يخرج منه منى فعليه كفارة شاة، وإن كان الأحوط والأجدر به أن يكفر بجمل وأما إذا لم يكن التقبيل عن شهوة فكفارته دم شاة.
مسألة 76: إذا قبل الرجل بعد طواف النساء وخروجه عن الإحرام امرأته وهى محرمة بشهوة فعليه دم شاة على الأظهر، ويحرم على المرأة المحرمة ما يناظر ذلك.
مسألة 77: يحرم على الرجل المحرم أن يمس امرأته بشهوة، فإن فعل ذلك فعليه كفّارة شاة، وإن أدى المس إلى الإمناء فعليه كفارة ناقة أو جمل، ولا يحرم عليه مس امرأته بدون شهوة، وإذا صنع ذلك فلا شيء عليه أيضا. وإذا مس الرجل المحرم المرأة الأجنبية بشهوة، فإن لم يؤد إلى الإمناء فعليه كفارة دم شاة، وإن أدى إليه فعليه ناقة أو جمل، وإن فعل ذلك بدون شهوة، فلا كفارة عليه، ولكنه آثم، وتناظر المرأة المحرمة الرجل المحرم فى ذلك.
مسألة 78: يحرم على الرجل المحرم النظر إلى المرأة الأجنبية بتركيز مؤد إلى الإمناء، فإذا فعل ذلك فعليه الإثم والكفارة، وهى ناقة أو جمل على الموسر، وبقرة على المتوسط، وشاة على الفقير، وأما إذا نظر إليها بشهوة بدون أن يؤدى إلى الإمناء، فلا كفارة عليه ولكن عليه إثم.
مسألة 79: إذا نظر الرجل المحرم إلى زوجته عن شهوة، فإن أدى إلى الإمناء فعليه كفارة ناقة أو جمل على الأحوط، وإن لم يؤد إلى الإمناء
فلا شيء عليه، وكذلك إذا نظر إليها لا بقصد الشهوة ولكنه أدى اتفاقا إلى الإمناء.
وقد تسأل: أن النظر إليها بشهوة بدون أن يؤدى إلى الإمناء، فهل هو حرام أو لا؟.
والجواب: لا يبعد عدم حرمته، وإن كان الأحوط والأجدر به أن لا يفعل ذلك، والمرأة المحرمة مثل الرجل المحرم فى ذلك.
مسألة 80: لا يحرم على الرجل المحرم الاستمتاع بزوجته بألوان من الاستمتاعات غير ما مرَّ، وإن كان الأحوط الأولى تركها مطلقا. نعم يحرم عليه الاستمتاع المُفضى إلى الإمناء، فإذا فعل ذلك فعليه كفارة ناقة1.
مسألة 81: يحرم على المحرم رجلا كان أو إمرأة الاستمناء، فإن كان فى عمرة التمتع وكان عن جهل بالحكم أو نسيان فلا شيء عليه، وإن كان عن علم وعمد فعليه كفارة ككفارة الجماع وإثم وأما عمرته فهى صحيحة، وإن كان فى عمرة مفردة فمع الجهل بالحكم أو النسيان فلا شيء عليه وأما مع العلم والعمد فعليه كفارة ناقة وإثم، وأما عمرته فهى صحيحة، وإن كان الاستمناء قبل الفراغ من السعى، وكان فى الحج، فإن
كان قبل الوقوف بالمزدلفة وكان عامدا وعالما بالحال فعليه كفارة ناقة أو جمل وإثم، وأما الحج فى العام القادم فالأظهر عدم وجوبه عليه، وإن كان جاهلا بالحكم أو ناسيا فلا شيء عليه.
مسألة 82: إذا عقد المحرم على امرأة وهو محرم كان العقد باطلا، سواء أكان لنفسه أم لغيره وسواء أكان ذلك الغير محرما أو محلا، كما أنه لا فرق فيه بين العقد الدائم والمنقطع، وكذلك الحال إذا وكل غيره للعقد على امرأة، فإنه إذا عقد عليها وكالة منه بطل، وإذا عقد فضوليا من قبله لم تصح إجازته.
وقد تسأل: أن عقد المحرم الذى هو باطل، فهل هو حرام تكليفا أيضا؟.
والجواب: أنه ليس بحرام تكليفا.
وقد تسأل: أن المحرم إذا عقد على امرأة وهو محرم، فهل تحرم عليه مؤبدة؟.
والجواب: أنها تحرم عليه مؤبدة إذا كان عامدا وملتفتا إلى الحكم الشرعى، وأما إذا كان جاهلا به فلا تحرم عليه كذلك، ويجوز له أن يتزوج منها بعد خروجه من الإحرام. نعم لا بأس بأن يحضر المحرم رجلا كان أو إمرأة مجلس العقد والشهادة عليه، بل قد تجب لدفع ظلم أو إثبات حق كما لا بأس أن يتعرض المحرم بخطبة النساء، ويجوز له الطلاق والرجوع إلى زوجته المطلقة الرجعية وشراء الإماء وإن كان بقصد الاستمتاع.
وقد تسأل: هل يجوز للمحرم تحليل أمته أو قبوله التحليل؟.
والجواب: أنه جائز ولا بأس به.
مسألة 83: إذا عقد المحرم أو المحل للمحرم امرأة ودخل بها، فإن كان العاقد والزوج عالمين بتحريم العقد فى هذه الحالة وبطلانه، فعلى كل منهما كفارة ناقة، وإن كان أحدهما عالما بالحال دون الآخر فعلى العالم كفارة دون الجاهل، وكذلك على المرأة إذا كانت محرمة وعالمة بالحكم الشرعى، وأما إذا لم تكن محرمة فإن كانت تعلم أن من يقوم بتزويجها محرم ومع ذلك قبلت تزويجها منه، فعليها كفارة دم ناقة، وإن كانت لا تعلم بذلك فلا شيء عليها.
مسألة 84: يحرم على المحرم رجلا كان أو امرأة استعمال الزعفران والمسك والعنبر والورس والعود بالشم والدلك والأكل والمسّ، وكذلك يحرم عليه لبس ما يكون عليه اثر منها.
ويحرم على الأظهر استعمال الطيب بصورة عامة بكل هذه الألوان من الاستعمال، والطيب كل مادة لها رائحة طيبة، وتتخذ للشم والتطيب، كعطر الورد والقرنفل والياسمين وغير ذلك، وإذا ابتلى به عن عمد أو غير عمد وجب عليه أن يحاول التخلص منه1.
ويستثنى من الطيب المحرم ما تطيب به الكعبة الشريفة، فلا بأس بشمه وتركه فى الثوب إذا أصابه.
مسألة 85: لا يجب على المحرم رجلا كان أو امرأة أن يمسك على أنفه من رائحة الطيب فى حال السعى بين الصفا والمروة إذا كانت هناك. ويحرم عليه أن يمسك على أنفه من الرائحة الكريهة وإذا ابتلى بها وأراد التخلص منها بالإسراع فى المشى أو نحوه، جاز له ذلك1.
مسألة 86: إذا مارس المحرم شيئا من أنواع الطيب فى الأكل، كالزعفران أو نحوه، عامدا وملتفتا إلى الحكم الشرعى، فعليه إثم وكفارة دم شاة، وكذلك إذا كان جاهلا بسيطا وغير معذور فيه نعم إذا كان معذورا، أو
جاهلا مركبا، أو ناسيا فلا شيء عليه. وأما إذا مارسه عامدا وعالما بالحكم فى غير الأكل، كالشم والتطيب به فيكون آثما، ولا كفارة عليه.
وأما الرياحين والنباتات ذوات الروائح الطيبة التى لا تتخذ منها مادة للطيب، كالخزامى والقيصوم وغيرهما، فلا بأس بشمها.
وأما ما يؤخذ منه مادة له كالورد والياسمين وغيرهما، فالأحوط وجوبا ترك مسها والتلذذ بشمها.
مسألة 87: يجوز للمحرم أن يأكل من فاكهة ذات رائحة طيبة كالتفاح والنبق والسفرجل وغيرها ولا يجب عليه أن يمسك على أنفه من شمها وإن كان أولى.
.
مسألة 88: يحرم على المحرم رجلا كان أو إمرأة النظر فى المرآة إذا كان المقصود بالنظر إصلاح صورته أو هندامه الطبيعى، وأما إذا كان بدافع آخر كالتأكد من عدم وجود حاجب على بشرة الوجه مثلا، أو تأكد سائق السيارة على جلوس المسافرين فى كراسيهم واستقرارهم فيها، أو التعرف على ما خلفه من السيارات فلا يحرم.
ولا يعتبر لبس النظارة من النظر فى المرآة، فلا يحرم لبسها بشرط أن لا يكون زينة فى العرف العام، وإلا لم يجز وإن كان بدافع آخر، كالوقاية
من الشمس، أو لقراءة قرآن أو دعاء، أو كتابة شيء، أو لغرض طبى شريطة أن لا يصل إلى حد الاضطرار، و إلا جاز1.
ولا بأس فى النظر إلى الأجسام الشفافة كالماء الصافى وغيره التى ينطبع فيها صورة الناظر، ولا كفارة على المحرم إذا نظر فى المرآة وإن اعتبر آثما.
مسألة 89: يحرم على المحرم رجلا كان أو إمرأة الزينة، سواء أكان الدافع من ورائها قصد الزينة أم كان له غرض آخر، فإن ما يكون زينة فى العرف العام، لا يجوز للمحرم التزين به وإن لم يكن بدافع الزينة، بل بغرض آخر، ومالا يكون زينة فى العرف العام فيجوز للمحرم أن يستعمله مطلقا.
وضابط ذلك: أن ما هو زينة للإنسان فى العرف العام كإصلاح هندامه أو لباسه، أو لبس ما يكون زينة عندهم، فإنه محرم على المحرم وإن لم يكن الدافع إليه قصد الزينة، ومالا يكون زينة للإنسان فى العرف العام كلبس لباسه الاعتيادى، أو لبس ثوبى الإحرام فلا يكون محرما على المحرم، ويستثنى من ذلك لبس المرأة الحلى التى كانت تعتاد لبسها قبل إحرامها، فإنها زينة فى العرف العام، ومع هذا يجوز للمرأة المحرمة لبسها، ولكن لا يجوز لها إظهارها لزوجها ولا لغيرها من الرجال.
وأما تختم الرجل المحرم بالخاتم، فإن عد زينة فى العرف العام لم يجز، وإلا فلا بأس به. ومن هذا القبيل لبس الساعة اليدوية، ولا كفارة فى ممارسة الزينة وإن كانت عن علم وعمد.
مسألة 90: يحرم على المحرم – رجلا كان أو إمرأة – استعمال الحناء إذا عدَ زينة فى العرف العام وإن لم يكن بقصد الزينة، ويجوز له ذلك إذا لم يعد زينة عندهم1.
وفيه صور:
1 – لا يجوز للمحرم أن يكتحل بالكحل الأسود، وهو محرم، وإن لم يقصد به الزينة، بدون فرق فيه بين الرجل المحرم والمرأة المحرمة.
2 – يسوغ للمحرم رجلا كان أو إمرأة أن يكتحل بالكحل غير الأسود، إلا إذا كان فى العرف العام زينة، فحينئذ لا يجوز له الاكتحال به وإن لم يكن الداعى إليه قصد الزينة.
3 – لا يجوز للمحرم أن يكتحل بكحل فيه طيب، سواء أكان رجلا أو إمرأة.
4 – يجوز له أن يكتحل لعلة وإن كان بالأسود، كالتداوى به أو غيره، بدون فرق فى ذلك بين الرجل المحرم والمرأة المحرمة، وإذا ارتكب المحرم هذا المحرم عامدا وعالما اعتبر آثما، ولا كفارة عليه.
مسألة 91: الفسوق هو الكذب والسب، وهما محرمان فى الشريعة المقدسة على كل مكلف، غير أن حرمتهما مؤكدة بوجه خاص فى حال الإحرام.
وهل المراد من الفسوق فى الآية الشريفة: فلاََََََََُُ رفث ولا فسوق ولا جدال فى الحج، هو الكذب والسباب، أو الكذب والمفاخرة؟.
الظاهر هو الأول، لأن المفاخرة لون من ألوان السباب فى المقام، وأما إظهار المفاخرة من حيث الحسب أو النسب إذا لم يستلزم الحط من شأن الآخرين، والنيل من كرامتهم، فلا مانع شريطة أن لا يكون كذبا، ولا كفارة على ممارسة هذا المحرم وإن كانت عن علم وعمد.
مسألة 92: يحرم على المحرم – رجلا كان أو إمرأة – الجدال، وهو متمثل فى الصيغتين التاليتين، هما (لا والله – و – بلى والله) فى مقام الخصومة والمخالفة، سواء أكان صادقا أم كاذبا، ويسمى ذلك جدالا، وأما الخصومة والمقابلة بالكلام من دون حلف بالله تعالى بالصيغتين المذكورتين فلا تكون بجدال شرعا، وإن كان الأحوط والأجدر اجتنابه.
وقد تسأل: أن حرمة الحلف على المحرم هل تختص بموارد المخاصمة والمخالفة، أو تعم كل مورد وإن لم تكن فيه مخاصمة ولا مخالفة ما عدا المقابلة بالكلام، كما لو سأله أحد هل طفت بالبيت؟.
فقال: لا والله.
والجواب: الأقرب عدم اختصاص الحرمة بموارد المخاصمة والمخالفة.
وقد تسأل: أن الجدال هل يتحقق بعبارة أخرى غير هاتين الصيغتين المؤدية لنفس المعنى؟.
والجواب: أن تحقق الجدال المحرم فى الحج بغيرهما مشكل، وإن كان الأحوط والأجدر به وجوبا تركه. ويستثنى من حرمة الجدال أمران:
أحدهما: أن يكون ذلك فى مقام إحقاق حق أو إبطال باطل.
والآخر: أن لا يكون المقصود بذلك الحلف، بل يكون أمرا آخر كإظهار المحبة والتكريم، كما إذا قال تكريما لغيره: والله افعل ذلك، وقال غيره: والله لا أقبل ذلك.
ثم إن المحرم إذا جادل، فإن كان صادقا فى قوله: لا والله وبلى والله، فلا كفارة عليه ما لم يتكرر حلفه ثلاث مرات، غير أنه يستغفر ربه، فإن تكرر ثلاث مرات ولاءً فى مقام واحد كان عليه كفارة. وإن كان كاذبا فى قوله: لا والله، وبلى والله، فعليه كفارة دم شاة للمرة الأولى وشاتين للمرة الثانية، وبقرة للمرة الثالثة.
وقد تسأل: أن الجدال بالصيغتين المذكورتين هل يعتبر أن يكون بجملة خبرية؟.
والجواب: نعم لابد أن يكون بجملة خبرية.
وقد تسأل: هل المعتبر فى تحقق الجدال شرعا تحقق كلتا الصيغتين معا، أو يكفى تحقق إحداهما؟
والجواب: يكفى تحقق واحدة منهما.
وقد تسأل: أن كلمة (لا) فى إحدى الصيغتين، وكلمة (بلى) فى الأخرى، هل هى معتبرة فى ترتيب الأثر على الصيغتين؟.
والجواب: نعم، إنها معتبرة فى ذلك.
مسألة 93: لا يجوز للمحرم رجلا كان أو إمرأة، قتل القمل فى جسده، وإذا قتله عامدا وملتفتا إلى الحكم الشرعى، فهل عليه كفارة؟.
والجواب: أنه لا كفارة عليه وإن كانت أحوط وأولى.
ولا يجوز للمحرم إلقاء القمل من جسده، نعم يجوز نقله من مكان إلى مكان آخر، وإذا نقله فكفارته كف من الطعام، وأما غيره من الدواب فيجوز إلقاؤه من جسده، كما يجوز نقله.
وقد تسأل: أن قتل البق والبرغوث هل هو جائز أو لا؟.
والجواب: أنه جائز سواء ترتب على وجودهما ضرر أو لا1.
مسألة 94: لا يجوز للمحرم والمحرمة الإدهان، سواء أكانت فيه رائحة طيبة أم لا، ويستثنى من ذلك ما إذا كان للتداوى والعلاج.
الأظهر أنه لا كفارة فيه على المحرم رجلا كان أو امرأة، وإن كان ذلك عن علم وعمد.
مسألة 95: لا يجوز للمحرم رجلا كان أو إمرأة إخراج الدم منّ بدنه بالحجامة والحك، إلا إذا كانت هناك ضرورة، أو كان من أجل دفع الأذى. وأما إذا خرج منه الدم نتيجة استعماله السواك فلا بأس به، وإن كان المستعمل يعلم مسبقا بذلك، وإذا ارتكب المحرم هذا الحرام عامدا وملتفتا إلى الحكم الشرعى اعتبر آثما، ولا كفارة عليه1.
مسألة 96: لا يجوز للمحرم رجلا كان أو إمرأة تقليم ظفره وهو محرم ولو بعضه، إلا فى الحالات التى ينشأ من بقائه الضرر أو الأذى، فإنه يجوز حينئذ تقليمه، وإذا قلم أظفاره وهو جاهل بالحكم أو ناس فلا شيء عليه، وإذا كان مع العلم والعمد فعليه كفارة، وهى مد من الطعام لتقليم كل ظفر وإذا قلم أظافير اليدين العشرة فى مجلس واحد كان عليه التكفير بشاة، وكذلك إذا قلم أظافير الرجلين العشرة فى مجلس واحد، أو جمع
بين أظافير اليدين والرجلين العشرين فى مجلس واحد، وأما إذا قلم أظافير يديه فى مجلس ورجليه فى مجلس آخر فعليه التكفير بشاتين.
مسألة 97: إذا قلَّم المحرم أظافيره وهو محرم فأدمى اعتماداً على فتوى من يجوِّزه، فالمشهور أن كفارته على المفتى، ولكنه لا يخلو عن إشكال بل منع.
مسألة 98: يحرم على المحرم رجلا كان أو إمرأة أن يزيل الشعرعن بدنه أو بدن غيره، سواء أكان ذلك الغير محرما أم كان محلا.
وتستثنى من ذلك ثلاث حالات:
1 – تكاثر القمل على جسد المحرم الموجب لإيذائه.
2 – وجود ضرورة لإزالة الشعر، كما إذا أوجبت كثرة الشعر صداعا أو نحو ذلك.
3 – وجود الشعر فى أجفان العين الموجب لتألم الإنسان، وإذا تساقطت شعرات عفوا بسبب حك الإنسان لجسده، أو أثناء الوضوء أو الغسل بدون أن يكون مقصودا فلا شيء عليه.
مسألة 99: إذا حلق المحرم رأسه من دون ضرورة، فإن كان مع الجهل بالحكم أو النسيان فلا شيء عليه، وإن كان مع العلم والعمد فعليه كفارة دم شاة وإثم. وإذا حلقه لضرورة أو لعذر مع العلم والعمد أمكنه أن يكفر بشاة، أو يصوم ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين، لكل واحد منهم مدان من الطعام، وإذا نتف المحرم شعره النابت تحت إبطيه عالما عامدا
فعليه كفارة شاة، وكذلك إذا نتف أحد إبطيه، وإذا نتف شيئا من شعر لحيته أو غيرها فعليه أن يطعم مسكينا بكف من الطعام.
وقد تسأل: أن الكفارة هل هى على نتف تمام الشعر النابت فى الإبط، وحلق تمام الرأس، أو يكفى البعض أيضا؟.
والجواب: أنها على التمام.
وقد تسأل: هل للنتف خصوصية بحيث لو حلق الشعر النابت فى الإبط فلا كفارة فيه؟.
والجواب: أنه لا خصوصية له فإن المعيار إنما هو بإزالة الشعر سواء أكانت بالنتف أم بالحلق وإذا أزال شعر غيره كما إذا حلق رأسه سواء أكان ذلك الغير محرما أم محلا، فلا كفارة عليه ولكنه آثم.
مسألة 100: إذا علم المحرم بأنه لو حك رأسه أو بدنه أدمى لم يجز إذا لم تكن هناك ضرورة تدعو إليه، وإذا علم بأنه لو مس لحيته بدون ضرورة وعبثا تساقطت شعرة أو شعرات، فعليه أن يطعم كفّا ًمن الطعام، ولا إثم عليه إذا فعل ذلك وتساقطت شعرة أو شعرات.
مسألة 101: قد تسأل أن قلع الضرس هل هو محرم على المحرم رجلا كان أو إمرأة وإن لم يؤد إلى الإدماء؟ وهل عليه كفارة؟.
والجواب: أنه ليس بمحرم مع عدم الإدماء، ولا كفارة عليه.
مسألة 102: لا يجوز للمحرم رجلا كان أو إمرأة الإرتماس فى الماء، وهو إدخال رأسه بكامله فيه، وهل يجوز ذلك فى غير الماء من المايعات؟
الأظهر الجواز، وإن كان الأحوط والأجدر به أن لا يفعل ذلك فى غير الماء أيضا.
مسألة 103: يحرم على المحرم رجلا كان أو إمرأة حمل السلاح، كالسيف والرمح والبندقية ونحوها مما يصدق عليه السلاح عرفا، ولا يلحق بها فى التحريم على الأظهر الآلات الوقائية كالدرع والمغفر، ولا بأس بوجود السلاح عند المحرم وفى أمتعته.
مسألة 104: لا بأس بحمل السلاح عند الضرورة والاضطرار، وإذا حمله المحرم عامدا وملتفتا إلى الحكم الشرعى، وبدون ضرورة فعليه كفارة شاة على الأحوط.
مسألة 105: لا يجوز للمحرم – رجلا كان أو امرأة – بل لكل مكلف وإن لم يكن محرما، أن يقلع أو يقطع أى شيء من أشجار الحرم ونباتاته، ولا بأس بما ينقطع عند المشى على النحو المعتاد والمتعارف، كما لا بأس بان تترك الدواب فى الحرم لتأكل من حشيشه.
وهناك استثناءات:
1 – استثناء الإذخر، وهو نبت معروف.
2 – استثناء النخل وشجر الفاكهة.
3 – استثناء الأعشاب التى تجعل علوفة للإبل.
4 – استثناء ما غرسه الشخص بنفسه، أو نما فى داره، أو فى ملكه، دون ما كان موجودا فيه قبل التملك.
مسألة 106: الشجرة التى يكون أصلها فى الحرم وفروعها فى خارجه، أو بالعكس حكمها حكم الشجرة التى يكون جميعها فى الحرم.
مسألة 107: كفارة قلع الشجرة أو قطعها قيمة تلك الشجرة، يتصدق بها، ولا كفارة فى قلع الأعشاب وقطعها.
وقد تسأل: أن فى قطع أغصان الشجرة كفارة؟.
والجواب: أن فيه كفارة على الأحوط.
مسألة 108: يحرم الصيد فى الحرم على الرجل المحرم والمرأة المحرمة، بل على كل مكلف وإن لم يكن محرما، لأن ذلك من أحكام الحرم لا من أحكام المحرم، ولهذا لا يحل للمحرم بعد خروجه من الإحرام الصيد فى الحرم ما دام هو فيه1.
: ما يحرم على الرجل المحرم خاصة، وهو أمور:
مسألة 109: يحرم على الرجل المحرم لبس الملابس الاعتيادية، كالقميص وهو الثوب الذى يسلك فى العنق، فإن كل ثوب يسلك فى العنق يسمى
قميصا، والدرع وهو الثوب الذى له يدان أو فتحتان على نحو يتيح للابس أن يدخل يديه فيهما، وكل ثوب من هذا القبيل يسمى بالدرع، وهو محرم وإن لم يسلك فى العنق كالعباءة، فإن الحرمة هنا ليست مرتبطة بإدخال اليدين فعلا فى يدى العباءة ونحوها، فإنه لو لبس العباءة بصورتها الاعتيادية دون أن يدخل يديه فى يديها كان حراما أيضا، والسراويل وهو الثوب الذى يستر به العورة، والثوب المزرور وهو الثوب الذى فيه أزرار يعقد بعضها ببعض، فإن لبسه حرام على المحرم وإن لم تكن له يدان ولم يسلك فى العنق كما إذا لبس مما دون إبطيه ثوبا مزرورا، وليس موضوع الحرمة هنا وجود الأزرار، بل استعمال تلك الأزرار بعقد بعضها بالبعض الآخر.
وهذه الأنواع الأربعة من الثياب محرمة على المحرم1 ، سواء أكانت مصنوعة من طريق الخياطة أم من طريق آخر، كما إذا كانت مصنوعة من طريق النساجة، فلو كان هناك ثوب مصنوع بالخياطة على نحو لا يسلك فى العنق، ولا له يدان أو فتحتان، ولا له أزرار، جاز للمحرم لبسه إذ لا يصدق على لبسه لبس شيء من هذه الأنواع الأربعة، كما إذا غطى
جسده باللحاف المصنوع بالخياطة، لأن هذا ليس تقمصا للحاف، ولا ادراعا له1.
وقد تسأل: هل يجوز للمحرم أن يلبس ثوبا ليس بقميص ولا درع ولا سراويل ولا مزرور، ولكن يعوض فيه عن الأزرار بمادة أخرى لاصقة؟
والجواب: لا يبعد عدم جوازه.
مسألة 110: يجوز للرجل المحرم أن يلبس الطيلسان شريطة أن لا يشد أزراره أو ينزعها، كما أنه يجوز له أن يلبس الملبد، وهو الثوب الذى تستعمله الرعاة شريطة أن لا يكون لبسه على أحد الأنحاء الأربعة، والحزام والهميان الذى يوضع فيه النقود، ورباط العنق وان كانت مصنوعة من طريق الخياطة.
مسألة 111: الأقوى أن لا يعقد الإزار فى عنقه، ولا مانع من عقده فى غيرعنقه، كما أنه لا بأس بأن يغرزه بإبرة ونحوها، ولا مانع من أن يعقد الرداء فى عنقه وإن كان الأولى تركه.
مسألة 112: إذا لبس المحرم أحد الأثواب الأربعة، فإن كان جاهلا بالحكم أو ناسيا فلا كفارة عليه وان كان عامدا وملتفتا إلى الحكم الشرعى فعليه كفارة شاة وإثم، وأما إذا كان لبسه للاضطرار2 فهل فيه كفارة؟
والجواب: أنه لا كفارة فيه على الأظهر، كما أنه لا إثم، وأما الجاهل البسيط، فإن كان مقصرا فيلحق بالعامد العالم، وإن كان قاصرا فيلحق بالجاهل المركب، ولا كفارة عليه.
مسألة 113: لا يجوز للرجل المحرم لبس الخف والجورب وهو محرم وأما لبس كل ما يستر تمام ظهر القدم فهل هو جائز أم لا؟.
لا يبعد جوازه، وإن كان الأحوط والأجدر الاجتناب عنه. وأما ستر تمام ظهر القدم بدون لبس بأن يضع عليه منديلا – مثلا – فهو جائز ولا إشكال فيه، نعم إذا لم يتيسر للمحرم نعل أو شبهه واضطر إلى لبس الخف جاز.
مسألة 114: إذا لبس الخف أو الجورب، فإن كان جاهلا بالحكم أو ناسيا فلا شيء عليه، و إن كان عامدا وعالما به، فهل عليه كفارة دم شاة أو لا؟ لا يبعد عدم وجوبها، وإن كان الاحتياط فى محله.
مسألة 115: يحرم على الرجل المحرم ستر رأسه كله1 ، وكذلك ستر الأذنين، ولا فرق فى الساتر مهما كان نوعه حتى مثل الطين أو نحوه، وأما ستر بعض الرأس فهل هو جائز؟
والجواب: أنه لا يبعد جوازه وإن كان الاحتياط أولى وأجدر.
ولا بأس بحمل شيء على رأسه شريطة أن لا يغطى تمام الرأس2. نعم إذا اضطر إلى تغطيته من جهة الصداع أو نحوه فلا بأس بها.
مسألة 116: يجوز ستر الرأس بشيء من البدن كاليد.
وقد تسأل: هل يجوز للرجل المحرم أن يغطى رأسه فى حال النوم؟
والجواب: أنه يجوز على الأظهر، وإن كان الاحتياط فى محله1.
مسألة 117: يحرم على الرجل المحرم أن يستظل بظل يتحرك بحركته وينتقل بانتقاله، ويكون فوق رأسه، كسقف السيارة أو الطائرة أو الباخرة أو المظلة التى يحملها بيده، سواء أكانت الحركة أفقية، كما فى راكب السيارة أو الطائرة، أم كانت عمودية كالواقف فى المصعد الكهربائى وهو يصعد وينزل وراكب طائرةّ تتحرك عمودية، ولا فرق بين أن يكون ذلك من الشمس، أو من البرد غير الاعتيادى أو المطر، أو غير ذلك من الحوادث التى قد تتفق فى الجو.
وقد تسأل: أن التظليل بظل متحرك بحركته، والتستر بساتر كذلك هل يجوز للمحرم إذا لم تكن هناك شمس ولا مطر ولا برد، كما إذا كان الجو معتدلا وصافيا؟.
والجواب: لا يجوز له ذلك على الأظهر.
مسألة 118: يجوز للرجل المحرم أن يستظل بظل ثابت لا يتحرك بحركته، كظل السقوف أو الجسور أو الأنفاق أو الجدران أو غير ذلك، كما يجوز له بعد وصوله إلى مكة أن يتحرك تحت الجسور أو السقوف أو فى النفق
أو فى ظل الحيطان فى حالة الذهاب إلى منزله والإياب منه، وهو محرم، ولا فرق فيه بين أن يكون بعد اتخاذه مسكنا أو قبله.
وقد تسأل: أنه إذا نزل فى الطريق للاستراحة أو للبيتوتة فيه أو لغرض آخر كملاقاة الأصدقاء أو غيرها، فهل يسوغ له التظليل فى الخباء والفسطاط؟.
والجواب: يجوز له ذلك.
وهل يسوغ له أن يحمل مظلة بيده ويستظل بها وهو جالس؟.
والجواب: أنه جائز، وان كان الأولى والأجدر أن لا يفعل ذلك.
وقد تسأل: أن التظليل بما يكون فى أحد جانبى المحرم هل يجوز أو لا؟.
والجواب: أنه جائز ولا بأس به، كما هو الحال فى السيارة التى يكون الجزء الواقع فوق رأس المحرم مكشوفا دون سائر أجزائها1.
مسألة 119: قد تسأل: أن التظليل فى الليل هل هو جائز؟.
والجواب: أنه غير جائز، ولا فرق فى حرمته بين الليل والنهار، فإن المراد من التظليل المحرم على الرجل المحرم هو تستره بمظلة أو سقف سيارة أو طائرة، فى مقابل بروزه وظهوره وإن لم تكن هناك شمس ولا برد غير اعتيادى ولا مطر.
مسألة 120: قد تسأل: أن السفينة فى البحر هل تلحق بالمنزل لكى يجوز التظليل فيها، أو أنها ملحقة بالسيارة والطائرة؟.
والجواب: أنها ملحقة بالسيارة والطائرة.
مسألة 121: لا بأس باستظلال المحرم بظل كالمظلة أو نحوها إذا كان واقفا غير متحرك، كما فى حالة الجلوس والنوم ونحوهما، كما يجوز له
الاستظلال بظل ثابت حتى حال سيره وتحركه ويجوز له أن يستتر من الشمس بيديه.
مسألة 122: يرخص الرجل المحرم بالتظليل للضرورة والخوف من صحته من حر أو برد، أو الخوف على سيارته من الضياع لو تركها وركب سيارة مكشوفة، أو على عائلته أو غير ذلك. وإذا ظلل جاهلا أو ناسيا فلا كفارة عليه، وإن ظلل عامدا عالما كان عليه التكفير بشاة عن كل إحرام ظلل فى أثنائه ولا فرق فى ذلك بين أن يكون تظليله لضرورة أو بدون ضرورة، ولو ظلل فى إحرام واحد مرات، فلا تجب عليه إلا كفارة واحدة1.
النوع الثالث: ما يحرم على المرأة خاصة، وهو كما يلى:
مسألة 123: يحرم على المرأة المحرمة ستر وجهها كله بالبرقع أو النقاب، بل بكل ساتر وإن لم يكن اعتياديا2.
وقد تسأل: أن ستر بعض وجهها هل هو حرام أو أنه جائز؟.
والجواب: أن جوازه غير بعيد، وان كان الاحتياط فى محله. نعم يجوز لها أن تتحجب من الأجنبى بأن تنزل ما على رأسها من الخمار أو نحوه من ملابسها إلى الذقن إذا لم تكن المرأة راكبة والى النحر إذا كانت راكبة، وإن مس ذلك وجهها مباشرة، كما يجوز لها أن تغطى وجهها كله حال النوم بالنقاب أو نحوه1.
مسألة 124: يحرم على المرأة المحرمة أيضا لبس القفازين، وكذلك يحرم عليها لبس الحرير الخالص1.
وقيل: إن كفارة ستر الوجه شاة إذا ارتكبت المرأة المحرمة ذلك عامدة وملتفتة، وهو الأحوط الأولى2.
مسألة 125: محل ذبح كفارة الصيد فى إحرام العمرة أعم من العمرة المفردة والتمتع مكة المكرمة وفى إحرام الحج منى. وأما سائر الكفارات ككفارة التظليل والجماع ونحوهما فيجوز له تأخير ذبحها إلى أن يرجع إلى بلده ويذبحها فيه، كما يسوغ له أن يذبح كفارة إحرام الحج فى منى
وإحرام العمرة أعم من المفردة والتمتع فى مكة، ومصرفها الفقراء، ويجوز له الأكل منها قليلا، وإن كان الأحوط والأجدر تركه.
مسألة 126: إذا وصل إلى الحرم استحب له أن يغتسل ويدعو بهذا الدعاء:
“اللهم إنك قلت فى كتابك – وقولك الحق – ((وأذِّنْ فى الناس بالحجَِِّ يأتوك رجالاً وعلى كلِّ ضامرٍ يأتينَ من كل فجٍّ عميق)). اللهم انى أرجو أن أكون ممن أجاب دعوتك، وقد جئت من شقة بعيدة وفج عميق سامعا لندائك مستجيبا لك مطيعا لأمرك، وكل ذلك بفضلك على وإحسانك إلى فلك الحمد على ما وفقتنى له، أبتغى بذلك الزلفة عندك والقربة إليك والمنزلة لديك، والمغفرة لذنوبى والتوبة على منها بمنِّكَ، اللهم صل على محمد وآل محمد، وحرِّمْ بدنى على النار، وآمنى من عذابك وعقابك برحمتك يا أرحم الراحمين.”.
آدابُ دخول مكّة والمسجد ومستحباتُهُ
مسألة 127: يستحب الغسل قبل دخول مكة، فإذا اغتسل يدخلها بسكينة ووقار وخشوع وتواضع ولا يدخل بتكبر، فإذا انتهى إلى باب المسجد قام، وقال:
“السلام عليك أيها النبى ورحمة الله وبركاته، باسم الله وبالله ومن الله وما شاء الله، والسلام على أنبياء الله ورسله، والسلام على رسول الله، والسلام على إبراهيم خليل الله، والحمد لله رب العالمين”.
ثم يدخل المسجد ويستقبل البيت، ويرفع يديه للدعاء ويقول:
“اللهمّ إنى أسألك فى مقامى هذا فى أول مناسكى أن تقبل توبتى وأن تتجاوز عن خطيئتى، وتضع عن وزرى، الحمد لله الذى بلغنى بيته الحرام، اللهم إنى عبدك والبلد بلدك، والبيت بيتك، جئت أطلب رحمتك، وأؤم طاعتك، مطيعا لأمرك، راضيا بقدرك أسألك مسألة المضطر إليك، الخائف لعقوبتك، اللهم افتح لى أبواب رحمتك، واستعملنى بطاعتك ومرضاتك”.
وإذا دنا من الحجر الأسود، يرفع يديه، ويحمد الله ويثنى عليه ويصلى على النبى، ويسأل الله أن يتقبل منه، ثم يستلم الحجر ويقبله، فإن لم تستطع أن يقبله فيستلمه بيده، فإن لم يستطع أن يستلمه بيده فيشير إليه ويقول:
“اللهمَّ أمانتى أديتها، وميثاقى تعاهدته، لتشهد لى بالموافاة اللهم تصديقا بكتابك، وعلى سنة نبيك، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، آمنت بالله وكفرت بالجبت والطاغوت، وباللات والعزى، وعبادة الشيطان، وعبادة كل ند يدعى من دون الله” .فإن لم يستطع أن يقول هذا كله فبعضه، ويقول:
“اللهم بسطت يدى وفيما عندك عظمت رغبتى، فاقبل سبحتى واغفر لى وارحمنى، اللهم إنى أعوذ بك من الكفر والفقر ومواقف الخزى فى الدنيا والآخرة” .وبعد ذلك يبدأ بالطواف الواجب.
هو الواجب الثانى من واجبات عمرة التمتع، وصورته: أن يقف الحاج
إلى جانب الخط الموازى للحجر الأسود، مراعيا أن يكون البيت فى جانبه الأيسر، ويطوف حوله سبع مرات، بكيفية خاصة يأتى شرحها، ويبطل الحج بتركه متعمدا، سواء أكان عالما بالحكم أم كان جاهلا به ويتحقق الترك بالتأخير عن عمد إلى زمان لا يتمكن من إدراك الموقف بعرفات، فإذا بطلت العمرة بطل إحرامه أيضا.
الأول: الطهارة من الحدث الأكبر كالجنابة والحيض والنفاس الذى يستوجب الغسل، والأصغر كالبول والنوم ونحوهما الذى يستوجب الوضوء1 ، فلو طاف المحدث بالحدث الأكبر بدون أن يغتسل والمحدث بالحدث الأصغر بدون أن يتوضأ، بطل طوافه، سواء أكان ذلك عن عمد
وعلم، أم كان عن جهل ونسيان، نعم لا تعتبر الطهارة فى الطواف المندوب.
وقد تسأل: أن الطواف المندوب إذا كان واجبا بالفرض بسبب النذر أو نحوه فهل تعتبر فيه الطهارة؟
والجواب: لا تعتبر فيه.
مسألة 128: إذا أحدث المحرم أثناء طوافه، فهل يبطل طوافه بذلك أو لا؟.
والجواب: الأقرب عدم البطلان بذلك وإن كان الحدث قبل بلوغه النصف وكان عن اختيار، وحينئذ فوظيفته أن يقطع طوافه ويتطهر، بأن يتوضأ أو يغتسل، ثم يبدأ من حيث انتهى مع الطهارة فيحتسب ما مضى منه، ويتمه، وإن كان الأحوط والأجدر به أن يستأنف طوافا جديدا بقصد الأعم من التكميل والاستيناف، ويلغى ما تقدم.
مسألة 129: إذا شك فى الطهارة، فإن علم انه كان على طهارة فى السابق وشك فى بقائها وصدور الحدث منه بعدها، لم يعتن بالشك، وبنى على الطهارة، وإن لم يعلم بذلك فهنا صور:
الأولى: أن يكون شكه فى الطهارة قبل الشروع فى الطواف، ففى هذه الصورة تجب عليه الطهارة، ولا يسمح له بالدخول فى الطواف بدونها.
الثانية: أن يكون شكه فيها أثناء الطواف، والحكم فى هذه الصورة هو الحكم فى الصورة الأولى.
الثالثة: أن يحصل له الشك بعد الفراغ من الطواف وقبل صلاته، ففى هذه الصورة لا تجب عليه إعادة الطواف، وإنما يتطهر لصلاته، هذا إذا لم
يصدر الحدث الأصغر منه بعد الطواف، وقبل الإتيان بصلاته، وأما إذا صدر فإن كان مسبوقا به فلا أثر له، وإن كان مسبوقا بالأكبر كالجنابة فعليه أن يغتسل ويعيد الطواف، ثم يتوضأ ويصلى صلاته.
الرابعة: أن يحصل له الشك بعد الفراغ من الطواف وصلاته، ففى هذه الصورة يبنى على صحة الطواف وصلاته معا، ويتوضأ أو يغتسل لما يأتى من الأعمال المشروطة بالطهارة.
مسألة 130: إذا لم يتيسر الماء للمكلف، أو تيسر له ولكنه لا يتمكن من استعماله لمرض أو نحوه، فوظيفته التيمم، فيتيمم ويأتى بالطواف وصلاته، ولا شيء عليه، وأما إذا لم يتيسر له التيمم أيضا فهو فاقد الطهورين وعاجز عن الطواف وصلاته مع الطهارة من الحدث، وحينئذ فوظيفته الاستنابة، وإن كان الأحوط والأجدر به أن يطوف بنفسه أيضا ولا فرق فى ذلك بين أن يكون محدثا بالأكبر أو بالأصغر.
مسألة 131: يجب على المرأة المحرمة إذا حاضت أو نفست أن تغتسل بعد انقضاء أيام العادة إذا تمكنت، ثم تطوف حول البيت1 وإن لم تتمكن من الغسل فعليها أن تتيمم فتطوف حول البيت.
وإذا تعذر عليها التيمم أيضا فوظيفتها الاستنابة، وكذلك الحال فى الجنب1.
مسألة 132: إذا حاضت فى عمرة التمتع حال الإحرام أو بعده وقد وسع الوقت لأداء أعمالها صبرت إلى أن تطهر وتغتسل وتأتى بأعمالها، وإن لم يسع الوقت لذلك فالأظهر أن وظيفتها فى هذه الحالة أن تجمع بين الاستنابة للطواف وصلاته، ثم تسعى بنفسها بين الصفا والمروة، وتقصر وتحرم للحج، وبين أن تأتى بهما بعد الفراغ من أعمال منى، وقبل طواف الحج وركعتيه، والأحوط أن تعيد السعى أيضا ولا فرق فى ذلك بين أن يكون حيضها قبل الإحرام، بأن أحرمت وهى حائض، أو يكون بعده.
مسألة 133: قد تسأل: أن المرأة إذا كانت تعلم أنها تحيض قبل الإحرام، ولا تطهر إلا بعد الوقوف بعرفات فهل تنقلب وظيفتها من حج التمتع إلى الإفراد ويجب عليها أن تنوى الإحرام للإفراد من الأول؟
والجواب: أن الأظهر عدم الانقلاب، ووظيفتها فى هذه الحالة أن تحرم للتمتع وتستنيب من يطوف عنها ويصلى، ثم تسعى هى بنفسها بين الصفا والمروة، وتقصر، ثم تحرم للحج، وبعد الفراغ من أعمال منى وقبل طواف الحج وصلاته تأتى بهما، والأحوط لها أن تعيد السعى أيضا1.
مسألة 134: إذا حاضت المرأة أثناء الطواف وجب عليها قطعه والخروج من المسجد فورا وحينئذ فإن كان الوقت متسعا فعليها الانتظار إلى أن تطهر، ثم تأتى على الأحوط وجوبا بطواف كامل بقصد الأعم من التكميل والاستيناف حسب ما هو المطلوب منه واقعا، وإن لم يكن الوقت متسعا للانتظار فوظيفتها أن تستنيب للطواف وصلاته، وتسعى بنفسها بين الصفا والمروة، وتقصر، ثم تحرم للحج، وبعد الرجوع من منى يوم العيد أو بعده تأتى به قبل طواف الحج.
مسألة 135: إذا حاضت المرأة بعد الطواف وقبل صلاته، صح طوافها، وحينئذ فإن كان الوقت متسعا انتظرت إلى أن تطهر ثم تأتى بالصلاة وتتابع سائر أعمال العمرة من السعى بين الصفا والمروة والتقصير، وان كان ضيقا سعت وقصرت وأتت بالصلاة بعد أعمال منى، وقبل طواف الحج على الأحوط.
مسألة 136: إذا طافت المرأة وصلت ثم تأكدت بالحيض، ولكن لا تدرى انه كان قبل الطواف أو بعده وقبل الصلاة أو أثناءها أو بعدها، بنت على صحة الطواف والصلاة معا1.
مسألة 137: إذا كان المكلف محدثا بالأصغر، ولم يتمكن من الوضوء للطواف، وكان ميؤوسا من ذلك، فوظيفته التيمم، وكذلك الجنب والحائض والنفساء بعد انقطاع الدم، فيجب عليهم التيمم بديلا عن الغسل للطواف إذا كانوا غير متمكنين منه.
مسألة 138: إذا دخلت المرأة مكة المكرمة، وكانت متمكنة من الإتيان بتمام أعمال العمرة وواجباتها، ولكنها أخرت الإتيان بها تسامحا وإهمالا إلى أن حاضت، وضاق الوقت، فحينئذ إن كانت فالظاهر فسادها، وعليها الحج فى السنة القادمة، وإن لم تكن تعلم بذلك، ولكنها حاضت فجأة، ولا يسع لها الوقت للإتيان بها بعد النقاء من الحيض، فوظيفتها فى هذه الحالة أن تستنيب للطواف وصلاته وتسعى هى بنفسها بين الصفا والمروة وتقصر، ثم تحرم للحج، وبعد الفراغ من أعمال منى يوم العيد تأتى بطواف العمرة قبل طواف الحج1.
مسألة 139: لا تعتبر الطهارة فى الطواف المندوب، فيصح بدون وضوء، نعم تعتبر فى المرأة تعلم بأنها تحيض فى آخر الوقت، ولا تتمكن بعد الحيض من إنجاز العمرة،
صلاته فلا تصح بدونها.
مسألة 140: لا فرق فى الطهارة المعتبرة فى صحة الطواف بين أن تكون من المكلف فى حالة صحية تامة، أو تكون من المكلف فى حالة مرضية، كوضوء صاحب الجبيرة التى توضع على العضو المكسور، أو المجروح، ويمسح عليها بديلا عن غسل ما تخفيه من البشرة، فإنه رافع للحدث واقعا ما دام العذر باقيا، وكذلك وضوء المسلوس والمبطون فإنه طهور حقيقة، ورافع للحدث كذلك، ولا ينتقض بما يصدر منهما قهرا ما دام لم يصدر منهما الحدث اعتياديا كالنوم أو غيره.
مسألة 141: قد تسأل: أن المستحاضة هل يجب عليها أن تفعل للطواف وصلاته ما تفعله للصلوات اليومية أم لا؟
والجواب: يجب عليها ذلك، فإن استحاضتها إن كانت الصغرى، فعليها أن تتوضأ لكل من الطواف وركعتى صلاته1 ، كما أنها تتوضأ لكل
صلاة من الصلوات اليومية، وان كانت الوسطى فعليها أن تتوضأ لكل منهما، كما تتوضأ لكل من الفرائض اليومية، نعم إن عليها غسلا واحدا فى كل يوم وليلة دون أكثر، سواء أكان عليها طواف وركعتى الطواف أم لا. وإذا كانت الكبرى وجب عليها الإتيان بالغسل لكل منهما، ولا يكتفى بالأغسال الثلاثة للفرائض اليومية.
وقد يقال: إن المستحاضة بالاستحاضة الكبرى إذا فعلت ما يجب عليها أن تفعله من أجل الصلوات اليومية يجوز لها أن تصلى أى صلاة أخرى أو غيرها مما هو مشروط بالطهارة، كالطواف ونحوه بالوضوء بدون حاجة إلى غسل آخر.
والجواب: أنه لا يجوز لها ذلك، لان مفعول غسلها محدود بفترة زمنية خاصة، وهى فى الفجر تسع لصلاة الفجر فحسب، وفى الظهر تسع للظهرين شريطة أن تجمع بينهما، وإذا أرادت أن تفرق بينهما فعليها أن تغتسل لكل منهما، وفى المغرب تسع للعشاءين جمعا لا تفريقا، وحينئذ فإذا أرادت الإتيان بالطواف وركعتى صلاته فعليها أن تغتسل لكل
منهما، ولا تكتفى بالوضوء فحسب، فإنه لا يكون رافعا لحدث الاستحاضة الكبرى1.
الثانى: من شروط الطواف الطهارة من النجاسة على المشهور، ولكنه لا يخلو عن إشكال بل منع وإن كان الأحوط اعتبارها، نعم تعتبر الطهارة من النجاسة فى صلاته، فلا تصح بدونها، إلا إذا كان مما يعفى عنه فى الصلاة، كالدم إذا كان أقل من الدرهم، أو كان من القروح أو الجروح شريطة أن تكون فى إزالته مشقة نوعية.
مسألة 142: إذا صلى ثم علم أن بدنه أو شيئا من ملابسه كان نجسا فى أثناء الصلاة صحت صلاته، ولا إعادة عليه، نعم إذا كان عالما بوجود نجاسة فى بدنه أو ثوبه ثم نسى ذلك وصلى وتذكر بعد الصلاة فالأحوط والأجدر به وجوبا إعادتها مرة ثانية.
مسألة 143: المشهور أن من اشتغل بالطواف وأصابت بدنه أو ثوبه نجاسة، أو علم أن بدنه وثوبه نجس، فإن كان قبل إكمال الشوط الرابع قطع الطواف، وطهر الموضع المتنجس، وكفاه أن يستأنف طوافا جديدا، وإن كان بعد إكمال الشوط الرابع قطع وطهر وكان له أن يحتسب ما مضى، ويقتصر على تكميله، نعم إذا كانت النجاسة فى ثوبه فقط، وأمكنه تبديله فى نفس المطاف، بدون الحاجة إلى قطع الطواف كان له ذلك، ويواصل طوافه. ولكنه لا يخلو عن إشكال بل منع على تقدير تسليم اعتبار الطهارة من النجاسة فى صحة الطواف إذ لا دليل على هذا التفصيل فالأظهر أنه على كلا التقديرين يجوز له أن يحتسب ما مضى
ويكتفى بتكميله شريطة أن تكون فترة خروجه للتطهير قليلة لا تخل بالموالاة عرفا.
الثالث: من شروط الطواف الختان للمحرم من الرجال دون النساء، كما أن الأظهر اعتباره فى الصبى المميز أيضا شريطة أن يحرم بنفسه ومباشرة، وأن يطوف كذلك، ولا يعتبر فى الصبى غير المميز إذا كان إحرامه من وليه.
مسألة 144: من طاف حول البيت وهو غير مختون كان كتارك الطواف فيبطل حجه، وإذا استطاع المكلف وهو غير مختون فلذلك صور:
الأولى: أن يكون متمكنا من الختان والحج معا فى سنة الاستطاعة، ففى هذه الصورة يجب عليه الحج، ولا يجوز له تأخيره.
الثانية: أن يكون متمكنا من الختان، ولكن لا يتمكن من الحج فى هذه السنة فيؤجل الحج إلى السنة الأخرى.
الثالثة: أن لا يتمكن من الختان أصلا لضرر أو حرج أو غير ذلك ففى هذه الصورة يجب عليه الحج ويطوف بنفسه فى عمرته وحجه ويستنيب أيضا من يطوف عنه ويصلى هو صلاة الطواف بعد طواف النائب.
الرابع: من شروط الطواف ستر العورة على الطائف رجلا كان أم امرأة، فإن كان رجلا فعليه أن يستر عورتيه، وإن كان امرأة فعليها أن تستر كامل جسمها عدا الوجه والكفين، وهذا الشرط وإن كان مشهورا ولكنه لا يخلو عن إشكال. نعم هو الأحوط والأجدر وجوبا1.
مسألة 145: الطواف كما مر، هو السير حول الكعبة الشريفة، وتعتبر فيه أمور:
الأول: النية، ونريد بها أن تتوفر فيها العناصر التالية:
1 – قصد القربة 2 – قصد الإخلاص 3 – قصد الاسم الخاص المميز له شرعا.
وصورتها أن يقول مثلا: “أطوف حول البيت سبعة أشواط لعمرة التمتع، أو لحج التمتع من حجة الإسلام، أو لعمرة مفردة، أو حج الإفراد من حجة الإسلام قربة إلى الله تعالى خالصا لوجهه الكريم”.
وإن كان الحج مستحبا أسقط كلمة (حجة الإسلام)، وإن كان منذورا بدل كلمة (المستحب) بكلمة (المنذور)، وإن كان نائبا ذكر اسم المنوب عنه، ولا يجب التلفظ بالنية، بل يكفى وجودها فى القلب.
ويعتبر أن تكون النية بتمام عناصرها مقارنة للطواف بتمام أشواطه من الابتداء به إلى الانتهاء، وهذا ليس بمعنى أن لا تتقدم عليه، بل بمعنى أن لا تتأخر عن أول جزء من أجزائه، كما أن المراد من المقارنة ليس بمعنى أنه يجب أن يكون الطائف منتبها إلى نيته انتباها كاملا كما كان فى اللحظة الأولى، بل بمعنى أنه إذا نوى وبدأ بالطواف، ثم ذهل عن نيته وواصل طوافه على هذه الحالة من الذهول صح شريطة أن تكون النية كامنة فى أعماق نفسه على نحو لو سأله سائل ماذا تفعل لانتبه فورا إلى أنه يطوف قربة إلى الله تعالى.
الثانى: كون الطائف خارج الكعبة ورخامها المبنى فى أسفل حائطها لدعم بنيانها المسمى بشاذروان، فإذا تجاوز الطائف مطافه، ودخل الكعبة بطل طوافه ولزمته الإعادة، وكذلك إذا تجاوز إلى الشاذروان.
الثالث: الابتداء من الحجر الأسود1 الموضوع فى أحد أركان البيت، بأن يقف إلى جانب الحجر محاذيا له قريبا منه أو بعيدا، والأحوط والأجدر به
أن يتأخر عنه قليلا لكى يعلم بأن تمام بدنه يمر على تمام الحجر ناويا أن يبدأ طوافه من النقطة التى تحقق فيها المحاذاة بينه وبين الحجر.
الرابع: أن ينتهى فى كل شوط بالحجر الأسود الذى بدأ منه، ويحتاط فى الشوط الأخير بتجاوز الحجر بقليل ناويا بذلك التأكد من إكمال سبعة أشواط.
الخامس: أن يجعل الكعبة عند طوافه حولها على يساره فى جميع أحوال الطواف، فإذا استقبل الطائف الكعبة لتقبيل الأركان أو لغيره، أو ألجأه الزحام إلى استقبال الكعبة أو استدبارها، أو جعلها على اليمين، فذلك المقدار لا يعد من الطواف، فيعيد من حيث انحرف، والمقصود من وضع الكعبة على اليسار تحديد وجهة سير الطائف، ولا يجب عليه أن ينحرف كتفه الأيسر عند مروره بالأركان لكى يكون محاذيا لبناء الكعبة، فإن هذه التدقيقات غير واجبة شرعا.
السادس: الطواف حول حجر إسماعيل، بمعنى إدخاله فى المطاف، فلا يجوز جعل الطواف بينه وبين الكعبة، فإذا دخل الطائف حجر إسماعيل بطل الشوط الذى وقع فيه، فلابد من إعادته، ولا يبطل أصل الطواف، وإن كان دخوله فيه عامدا وملتفتا إلى الحكم الشرعى، هذا مع بقاء
الموالاة عرفا، وأما مع فوتها فيبطل اصل الطواف، وعليه استينافه من جديد1.
السابع: أن يكون الطواف بخطواته المختارة، فلو حملته كثرة الزحام على نحو ارتفعت رجلاه من الأرض لم يكف، وإذا اتفق له ذلك وجب عليه أن يلغى تلك المسافة التى انتقل فيها محمولا لا مشيا على الأقدام، ويعود إلى المكان الذى حملته كثرة الزحام، ويواصل طوافه منه، وإذا تعذر الرجوع عليه كذلك فبإمكانه أن يسير حول البيت فى اتجاهه بدون أن يقصد الطواف إلى أن يصل إلى ذلك المكان، فيقصد الطواف، كما أن بإمكانه أن يخرج من المطاف ويلغى ما أتى به ويستأنف طوافا جديدا.
وقد تسأل: أن كثرة الزحام إذا ألجأته على المشى بخطواته على أرض المطاف، واضطراره إليه كذلك، ولا يتمكن من الوقوف فى الأثناء، وإلا لحملته كثرة الزحام، فهل يكفى ذلك؟
والجواب: نعم يكفى ذلك2.
الثامن: أن يطوف حول البيت سبع مرات متواليات عرفا، ولا يجزئ الأقل من ذلك ويسمى كل واحد من السبع بالشوط، فالطواف مركب من سبعة أشواط1.
التاسع: اعتبر المشهور فى الطواف أن يكون بين الكعبة ومقام إبراهيم ويقدر هذا الفاصل بستة وعشرين ذراعا ونصف الذراع، وبما أن حجر إسماعيل داخل فى المطاف فمحل الطواف من الحجر لا يتجاوز ستة
أذرع ونصف الذراع، ولكنه لا يخلو عن إشكال بل منع، والظاهر كفاية الطواف فى مساحة أكبر من تلك المساحة، والمعيار فى تحديدها إنما هو بصدق الطواف حول الكعبة الشريفة عرفا1 وإن كان من خلف المقام2.
العاشر: أن القران بين طوافين فى طواف الفريضة بأن يطوف سبعة أشواط ويلحقها بسبعة أخرى كطواف ثان مؤجلا ركعتى الطواف إلى ما بعد الطوافين مبطل على الأظهر. نعم لا بأس به فى الطواف المستحب.
الحادى عشر: أن يكون حافظا لعدد الأشواط، فلو شك فى عددها بطل طوافه، وعليه استئنافه من جديد.
ويستثنى من الحكم ببطلان الطواف بالشك فيه الصور التالية:
الأولى: أن يكون الشك فى العدد بعد الفراغ من الطواف والتجاوز عنه بالدخول فى صلاة الطواف – مثلا – فلا أثر للشك فيه حينئذ.
الثانية: أن يكون قد أكمل الأشواط جميعا، وكان يشك بعد إكمالها فى أنها سبعة تماما أو أكثر مع عدم احتمال النقصان فيه، فإن طوافه صحيح ولا يعتنى بشكه وإن لم يدخل بعد فى صلاة الطواف، بل وإن لم يخرج من المطاف أيضا.
الثالثة: أن يكون الشك فى عدد الأشواط فى طواف مندوب، فإنه يبنى على الأقل ويكمل ويصح طوافه، فالشك فى عدد أشواطه فيما عدا هذه الصور الثلاث مبطل، سواء أكان بين السادس والسابع والثامن، أم بين السادس والثامن، أو السادس والسابع، أو ما دون ذلك. نعم إذا شك بين السادس والسابع، وبنى على السادس جهلا منه بالحكم وأتم طوافه،
فإن علم بالحال فى الوقت وجب عليه استئناف الطواف من جديد، وان استمر جهله إلى أن فاته وقت التدارك1 ، فلا تبعد صحة طوافه.
مسألة 146: يكفى فى ضبط الطائف لعدد أشواط طوافه أن يكون واثقا ومطمئنا به، ولو بالاتكال على ضبط غيره الذى يشاركه فى الطواف شريطة أن يحصل له الوثوق والاطمئنان بصحة إحصائه وضبطه ولا يكفى الظن.
وأحكامه على النحو التالى:
الأول: إذا خرج الطائف من المطاف، فدخل الكعبة بطل طوافه، وعليه إعادته من جديد.
الثانى: يجوز للطائف أن يخرج من المطاف للوضوء إذا أحدث أثناء الطواف، فإذا خرج وتوضأ ثم عاد، فعليه أن يتم طوافه إذا لم تفت به الموالاة عرفا، وإلا بطل، وعليه إعادته من جديد، ولا فرق فى ذلك بين أن يكون صدور الحدث منه قبل تجاوز النصف أو بعده.
مسألة 147: إذا تنجس بدنه أو ثوبه أثناء الطواف جاز له الخروج لتطهير بدنه أو ثوبه، فإذا رجع فإن فاتت الموالاة فعليه أن يستأنف طوافا جديدا،
وإن لم تفت الموالاة فالأحوط والأجدر به وجوبا أن يأتى بطواف كامل بقصد الأعم من التكميل والاستئناف حسب ما هو المطلوب منه واقعا.
ولو حاضت المرأة أثناء طوافها وجب عليها قطعه والخروج من المسجد فورا، وقد مر حكم ذلك فى المسألة. 134
الثالث: إذا عرض على الطائف مرض مفاجئ كالصداع فى الرأس، أو الوجع فى البطن أو غيره فله صور:
الأولى: أن يرتفع مرضه واستعاد صحته بعد الخروج منه بفترة زمنية قصيرة لم تختل بها الموالاة عرفا، ففى هذه الصورة تكون وظيفته أن يكمل ما نقص من طوافه، ولا شيء عليه.
الثانية: نفس الصورة السابقة ولكن كانت الفترة الزمنية طويلة اختلت بها الموالاة عرفا، فى هذه الصورة أيضا وظيفته على الأظهر تكميل ما نقص من طوافه، وان كان الأولى والأجدر فيها أن يأتى بطواف كامل جديد بقصد الأعم من التكميل والاستئناف، حسب ما هو المطلوب واقعا.
الثالثة: إذا لم يرتفع مرضه إلى أن ضاق الوقت، ولم يتمكن من تكميل النقص، فوظيفته أن يستنيب من يكمل ما نقصه من الأشواط، وإن كان الأولى أن يأتى النائب بطواف كامل بقصد الأعم من التكميل والاستئناف، ولا فرق فى تمام هذه الصور الثلاث بين أن يكون خروجه من المطاف قبل إكمال الشوط الرابع أو بعده.
الرابعة: انه إذا جامع امرأته أثناء الخروج فى منزله بعد استعادة صحته، فإن كان بعد الشوط الخامس لم يوجب البطلان فيما أتى به من الأشواط، بل يجوز له حينئذ أن يكتفى بإكمال ما أتى به،
وان كان بعد الشوط الثالث بطل، وعليه أن يستأنف طوافا جديدا كاملا.
الرابع: يجوز للطائف أن يخرج من المطاف لعيادة مريض أو تشييع جنازة، أو لقضاء حاجة لنفسه أو لمؤمن، وحينئذ فإن طالت مدة الخروج وفاتت الموالاة بطل طوافه إذا كان فريضة، وعليه إعادته من جديد، وإن لم تفت الموالاة لم يبطل طوافه فوظيفته عندئذ التكميل والأظهر أنه لا فرق فى ذلك بين أن يكون خروجه بعد شوط أو شوطين أو أكثر1.
الخامس: قد تسأل أن الطائف فى خروجه عن المطاف فى طواف الفريضة عامدا وملتفتا وبدون مبرر، هل يعتبر آثما؟
والجواب: أنه لا يعتبر آثما.
السادس: قد تسأل: أن خروج الطائف من المطاف عامدا وملتفتا وبدون عذر مسوغ، هل هو مبطل للطواف وإن لم تفت به الموالاة عرفا؟
والجواب: الظاهر أنه مبطل وإن لم تفت به الموالاة عرفا، وهذا بدون فرق بين أن يكون خروجه قبل تجاوزه النصف أو بعده.
وقد تسأل: هل يجوز للطائف أن يقطع طوافه فى الأثناء عن علم وعمد، ويلغى ما أتى به من الأشواط، ويستأنف طوافا جديدا كاملا من الأول؟
والجواب: يجوز له ذلك، ولا يلزم منه محذور الزيادة فيه، لأنها تتبع القصد، بأن يؤتى بالزائد بقصد أنه جزء المزيد فيه، وإلا فلا موضوع للزيادة1.
السابع: إذا خرج نسيانا وبتخيل انه أكمل الطواف، ثم تذكر النقص، فإن كان النقص ثلاثة أشواط أو أقل كفاه أن يرجع ويتم طوافه بتكميله سبعة أشواط، ولا يجب عليه استئناف طواف جديد، وإن كان النقص أكثر من ثلاثة أشواط، فهل يكفى إكماله سبعة أشواط، أو يستأنف طوافا جديدا كاملا؟
والجواب: أنه يكفى إكماله على الأظهر، وإن كان الأحوط الاستئناف.
الثامن: أن الطواف إذا كان مستحبا لم يبطل بقطع الطائف له عامدا وملتفتا وخروجه من المطاف، فإذا قطع وخرج عن المطاف، ثم رجع وبنى على ما أتى به فيكمله، صح طوافه.
مسألة 148: يجوز الجلوس للطائف أثناء الطواف فى المطاف
للاستراحة أو لسبب آخر2 شريطة أن لا تكون فترة الجلوس بمقدار يضرّ بالموالاة، وإلا بطل طوافه.
مسألة 149: إذا نقص الطائف من طوافه عامدا وملتفتا إلى الحكم الشرعى، فإن فاتت الموالاة بطل طوافه، وعليه استئنافه من جديد، وإن لم تفت الموالاة فإن كان لا يزال هو فى المطاف جاز له أن يكمل النقص ويكتفى به ولا شيء عليه، وإن كان قد خرج من المطاف كفاه أن يستأنف طوافا جديدا.
مسألة 150: إذا نقص من طوافه سهواً فلذلك صور:
الأولى: أن يتذكر ذلك قبل خروجه من المطاف، وبعد برهة قصيرة لم تختل بها الموالاة، ففى هذه الصورة يأتى بالباقى ويصح طوافه.
الثانية: أن يتذكر بعد خروجه من المطاف أو بعد فوات الموالاة، فحينئذ إن كان النقص شوطا واحدا أتى به وصح، وإن لم يتمكن من الإتيان به مباشرة لسبب من الأسباب، ولو من أجل أن تذكره كان بعد الرجوع إلى بلده استناب غيره، وإن كان الناقص أكثر من شوط واحد وأقل من أربعة أشواط رجع وأكمل ما نقص مباشرة ّإن أمكن، وإلا فبالاستنابة، بل الأمر كذلك، وإن كان الناقص أربعة أشواط أو أكثر وإن كان الأحوط والأجدر فى الصورتين الأخيرتين الإتيان بطواف كامل بقصد الأعم من التكميل والاستئناف حسب ما هو المطلوب منه واقعا.
الثالثة: أن شرطية الموالاة بين الأشواط مختصة بحال التذكر والالتفات، وأما فى حال النسيان والغفلة فلا تكون شرطا، فإذا نسى منها وخرج من المطاف وتذكر بعد فوات الموالاة لم يبطل ما أتى به من الأشواط، فيجوز له الاكتفاء بتكميل الناقص، ولا يتحتم عليه الاستئناف من جديد.
ونقصد بالزيادة أن يأتى الطائف بعد إكمال الطواف بالشوط الآخر بقصد أنه جزؤه، سواء أكان ذلك القصد من الأول، أم كان يتجدد له فى الأثناء، أم بعد الفراغ، وهذا بخلاف ما إذا أتى به لا بهذا العنوان والقصد، فإن ذلك لا يكون زيادة حتى يبطل الطواف بها.
مسألة 151: إذا زاد الطائف فى طوافه، فلذلك صور:
الأولى: إذا قصد الطائف أن يجعل طوافه أكثر من سبعة أشواط، فإذا جعله كذلك بطل سواء أقصد ذلك من البداية، بأن طاف قاصدا أن يزيد شوطا فى طوافه، أو تجدد له القصد فى الأثناء إلى أن يزيد فى طوافه، أو بعد الانتهاء منه، فبدأ بالشوط الثامن بقصد أنه جزء من طوافه الأول لا كعمل مستقل، ولا يفرق فى البطلان بالزيادة بين العالم بحكم المسألة والجاهل به1.
الثانية: إذا طاف سبعة أشواط، ثم طاف شوطا آخر بدون أن يقصد ضمه إلى الطواف الأول بنية أنه جزؤه، بل كعمل مستقل، فلا يضر بصحة طوافه المتقدم، كما أنه إذا زاد فى طوافه سهوا بأن خيل له أنه لم يستوف سبعة أشواط فطاف شوطا آخر، ثم تبين له أنها أصبحت ثمانية، فلا يبطل طوافه بذلك1.
وفى كلتا الصورتين يجب تكميله أسبوعا بإضافة ستة أشواط أخرى إليه.
وقد تسأل: أن ذلك يستلزم القران بين الطوافين، وقد مر أن الأقوى مانعية القران فى طواف الفريضة.
والجواب: أن القران الممنوع هو أن يقصده الطائف فى طواف الفريضة، سواء أكان من البداية أو تجدد له القصد فى الأثناء أو بعد الفراغ، بأن يقرن طوافه الأول بطواف آخر وفى المقام لا يقصد الطائف أن يقرن طوافه بطواف ثان، بل هو يأتى بعد الفراغ من طوافه بشوط كعمل مستقل أو سهوا، ثم أمر الشارع بتكميله أسبوعا آخر، وإلا فهو غير قاصد لذلك، ومثل هذا القران لا يكون ممنوعا.
الثالثة: قد تسأل أن وجوب الإتمام والتكميل بإضافة ستة أشواط أخرى، هل هو من حين الشروع فى الشوط الثامن والدخول فيه سهوا، أو كعمل مستقل، أو بعد إكماله؟
والجواب: الظاهر أنه بعد إكماله، وأما إذا لم يكمله بعد وكان فى أثنائه فيجوز له قطعه وإلغاؤه والخروج من المطاف.
الرابعة: قد تسأل أن الطائف إذا زاد أكثر من شوط واحد سهوا أو كعمل مستقل، فهل يجب عليه التكميل والإتمام بإضافة الباقى؟
والجواب: أنه غير بعيد، وإن كان الأحوط والأجدر أن يكمله أسبوعا رجاءً.
الخامسة: قد تسأل أن الواجب هل هو الطواف الأول أو الثانى أو كلاهما معا؟
والجواب: الظاهر الأخير1.
السادسة: أن الطائف بعد الطوافين مخير بين الإتيان بأربع ركعات جميعا، أو بركعتين منها بعدهما وركعتين أخريين بعد السعى بين الصفا والمروة.
مسألة 152: إذا ترك الشخص الطواف فلذلك صور:
الأولى: أن يتركه عامدا وملتفتا إلى وجوبه، ولو من أجل الخوف من الزحام وكثرة الناس فى المطاف، فلا يكون معذورا، ولا يصح منه السعى بين الصفا والمروة وما بعده من الأعمال لو ترك الطواف متعمدا وتوجه إلى السعى1 ، بل يجب عليه أن يطوف ثم يسعى ثم يقصر حسب تسلسل أعمال العمرة مادام فى الوقت متسع. وأما إذا لم يكن الوقت متسعا لذلك ولإدراك الوقوف بعرفات تبطل عمرته.
الثانية: أن يتركه جاهلا بالحكم، وبأنه واجب، والحكم فى هذه الصورة كما تقدم فى الصورة الأولى.
الثالثة: أن يترك طواف الحج، فإن كان ذلك عن عمد وعلم بالحكم ولم يتدارك حتى انتهى الوقت بانتهاء شهر ذى الحجة، بطل حجه وإحرامه معا، وإن كان عن جهل بالوجوب ولم يتدارك إلى أن ينتهى الوقت بطل حجه وإحرامهُ أيضا، وعلى تارك الطواف جهلا كفارة بدنة2.
الرابعة: أن ترك الطواف نسيانا أو غفلة لا يوجب بطلانه، بدون فرق بين طواف العمرة وطواف الحج، وعلى هذا فإذا كان المنسى طواف العمرة، فإن تذكر فى وقت يتمكن من الإتيان به فى ذلك الوقت بدون أن يفوت منه الوقوفّ بعرفات وجب عليه ذلك، و إلا فعليه أن يقضيه بعد أعمال منى. وإذا كان طواف الحج، فإن تذكر قبل الخروج من مكة وجب عليه الإتيان به، وإن تذكر بعد الرجوع إلى بلدته، فهل تجوز له الاستنابة مع تمكنه من القيام المباشر به؟
والجواب: أن الجواز غير بعيد.
الخامسة: إذا ترك بعض أشواط الطواف نسيانا، وتذكره فى أثناء السعى، فعليه أن يرجع إلى المطاف ويكمل طوافه ثم يعود إلى المسعى ويتم سعيه، وإذا بدأ بالسعى ناسيا لطوافه ثم تذكر فعليه أن يقطع سعيه ويرجع ويطوف حول البيت، ويصلى ركعتيه، ثم يعود ويستأنف السعى من جديد. نعم إذا تذكره بعد الفراغ من السعى انه لم يأت بالطواف وجب عليه أن يأتى بالطواف وصلاته، ولا تجب إعادة السعى وإن كانت أحوط.
السادسة: إذا استمتع الناسى للطواف بأهله جماعا، فعليه هدى، وحينئذ فإذا تذكر، فإن كان تذكره بعد الرجوع إلى بلدته وكان الطواف المنسى طواف الحج بعث بهديه إلى منى ويذبح هناك وإن كان طواف العمرة بعث بهديه إلى مكة ويذبح فيها، وإذا تذكر وهو فى مكة المكرمة يذبح الهدى فى منى إن كان فى الحج، وفى مكة إن كان فى العمرة.
السابعة: إذا تذكر الناسى للطواف وهو فى بلدته، فحينئذ إذا رجع إلى مكة للإتيان به بنفسه ومباشرة، فإن كان فى شهر ذى الحجة دخل مكة بدون إحرام، ويأتى بالطواف حول البيت ولا شيء عليه، وإن كان فى شهر آخر لم يجز له الدخول فيها بدون إحرام من أحد المواقيت للعمرة المفردة، فإذا احرم لها ودخل فى مكة أتى بالعمرة المفردة كاملة، ثم بالطواف قضاءً أو بالعكس، ولايجب عليه الإحرام للطواف المنسى فقط، فإذا تذكر بعد شهر ذى الحجة وهو فى مكة لم يجب عليه أن يرجع إلى أحد المواقيت والإحرام منه لقضاء ذلك الطواف، وأما إذا استناب من يطوف عنه فعلى النائب أن يحرم من احد المواقيت للعمرة المفردة لا للطواف الذى ناب فيه وإن كان دخوله فى شهر ذى الحجة، شريطة أن لا يكون من الذين رجعوا عن الحج فى نفس السنة.
الثامنة: أنه إذا دخل فى مكة فى آخر يوم من ذى الحجة، ولكنه لا يتمكن من الإتيان ّبالطواف إلا فى أول شهر محرم، فهل يجب عليه أن يحرم حينما دخل فى مكة؟
والجواب: لا يجب عليه ذلك.
التاسعة: قد تسأل أن من نسى بعض أشواط الطواف دون الكل فهل يجب عليه تدارك ذلك البعض بالمباشرة أم بالاستنابة سواء أكان تذكره فى مكة أم بعد الرجوع إلى بلدته؟
والجواب: يجب عليه تداركه حتى بعد شهر ذى الحجة بنفسه أو بنائبه، وإن كان الأولى والأجدر أن يأتى بطواف كامل بقصد الأعم من التكميل والاستئناف حسب ما هو المطلوب منه واقعا.
العاشرة: انه ليس لقضاء الطواف المنسى أو بعض أشواطه وقت محدد شرعا، فمتى تذكر وتمكن منه مباشرة أو استنابة وجب.
الحادية عشرة: لا يحل لناسى الطواف ما كان حله متوقفا عليه، كالطيب مادام لم يأت به، فإذا أتى به حل سواء أكان بنفسه أم كان بنائبه، وكذلك الحكم لو كان ناسيا لبعض أشواط الطواف، فلا يحل له الطيب إلا بعد تكميل النقص.
الثانية عشرة: إذا لم يتمكن المحرم من الطواف بنفسه لمرض أو كسر أو غير ذلك، ففى هذه الحالة إن تمكن من الطواف بالاستعانة بالغير ولو بأن يطوف محمولا على متن إنسان وجب عليه ذلك ولا يصل الدور إلى الاستنابة، وإن لم يتمكن من ذلك أيضا كفاه أن يستنيب شخصا يطوف عنه وأما بالنسبة إلى ركعتى الطواف، فإن كان قادرا على إتيانهما مباشرة فعليه أن يأتى بهما بعد طواف النائب كذلك وإلاّ فعلى النائب أن يأتى بهما نيابة عنه1.
مسألة 153: من آداب الطواف أن يطوف الطائف خاضعا وخاشعا ومقصرا فى خطواته حول البيت، مشغولا بالذكر وقراءة القرآن والدعاء والصلاة على محمد وآله، تاركا كل ألوان اللغو متوجها إلى الله تعالى فى بيته العتيق.
ومنها: أن يستلم الحجر الأسود ويقبله فى الابتداء والانتهاء وفى نهاية كل شوط شريطة أن لا يزاحم أحدا ولا يؤذيه.
ومنها: أن يدعو أثناء الطواف بهذا الدعاء:
“اللهم إنى أسألك باسمك الذى يُمشى به على طلل الماء، كما يٌمشى به على جُدد الأرض، وأسألك باسمك الذى يهتز له عرشك وأسألك باسمك الذى تهتز له أقدام ملائكتك، وأسألك باسمك الذى غفرت به لمحمد ما تقدم من ذنبه وما تأخر وأتممت عليه نعمتك، أن تفعل بى كذا
وكذا” أو ما أحببت من الدعاء وكلما انتهيت إلى باب الكعبة فصل على النبى (صلى الله عليه وآله وسلّم)، وتقول فيما بين الركن اليمانى والحجر الأسود:
ربَّنا آتِنا فى الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
وقل فى الطواف: “اللهم إنى إليك فقير، وانى خائف مستجير، فلا تغير جسمى، ولا تبدل اسمى”.
ثم إن هناك آداباً وأدعية ترتبط بمواضع خاصة من الكعبة الشريفة، وينبغى للطائف مراعاتها عند الوصول إليها تباعا فى طوافه، وهى كما يلى:
تقدم أن الطواف يبدأ من النقطة المحاذية للحجر الأسود الواقع فى ركن من أركان البيت العتيق وهذا الركن فى الجهة الشرقية، وحينما يبدأ الطائف طوافه منه واضعا البيت الشريف على يساره يمر بعد خطوات قصيرة بباب البيت الشريف ثم يواصل سيره إلى أن يصل إلى الركن الآخر للبيت الشريف، ويسمى ذلك الركن بالركن العراقى، ويقع فى الجهة الشمالية وفى هذا الجانب يوجد حجر إسماعيل وميزاب البيت المطل عليه، ثم يصل الطائف فى طوافه إلى الركن الثالث، ويسمى ذلك الركن بالركن الشامى، ويقع فى الجهة الغربية، ومنه يواصل سيره نحو الركن الرابع والأخير المسمى بالركن اليمانى الواقع فى الجهة الجنوبية، وقبل أن يصل إلى الركن اليمانى بمسافة قصيرة موضع للبيت الشريف يسمى بالمستجار، وهو يكون فى النقطة المقابلة لباب البيت وإذا وصل الطائف إلى المستجار فقد وصل إلى مؤخر البيت، ويسير الطائف بعد
ذلك من الركن اليمانى إلى الحجر الأسود لينهى بذلك شوطا كاملا من الطواف، وبعد معرفة هذه المواضع التى يمر بها الطائف فى طوافه حول البيت العتيق فى كل شوط تعين محال الأدعية والآداب، وإذا بدأ الطائف طوافه من المحاذى للحجر الأسود ووصل إلى باب البيت فى كل شوط، صلى على محمد وآل محمد، وإذا بلغ حجر إسماعيل قبيل الميزاب يرفع رأسه ثم يقول:
“اللهم أدخلنى الجنة برحمتك، وأجرنى برحمتك من النار، وعافنى من السقم، وأوسع على من الرزق الحلال، وادرأ عنى شر فسقة الجن والإنس، وشر فسقة العرب والعجم”.
وإذا جاز حجر إسماعيل ووصل إلى ظهر البيت، قال: “يا ذا المن والطول والجود والكرم إن عملى ضعيف فضاعفه لى وتقبله منى، إنك أنت السميع العليم”.
وإذا صار بحذاء الركن اليمانى قام فرفع يده إلى السماء، ثم يقول: “يا الله يا ولى العافية وخالق العافية ورازق العافية والمنعم بالعافية، والمنان بالعافية، والمتفضل بالعافية على وعلى جميع خلقك، يا رحمان الدنيا والآخرة ورحيمهما، صل على محمد وآل محمد وارزقنا العافية ودوام العافية وتمام العافية وشكر العافية فى الدنيا والآخرة يا أرحم الراحمين”.
يستحب للطائف استلام الأركان كلها فى كل شوط، ويقول عند استلام الحجر الأسود: “أمانتى أديتها، وميثاقى تعاهدته لتشهد لى بالموافاة” فإذا فرغ من طوافه ذهب إلى مؤخر الكعبة بحذاء المستجار دون الركن اليمانى
بقليل فى الشوط السابع. فابسط يديك على البيت والصق خدك وبطنك بالبيت، ثم قل:
“اللهم البيت بيتك، والعبد عبدك وهذا مكان العائذ بك من النار” ثم أقرّ لربك ما فعلته من الذنوب، فإنه ليس عبد مؤمن يقر لربِّه بذنوبه فى هذا المكان إلا غفر له إن شاء الله، ويقول:
“اللهم من قبلك الروح والفرج والعافية، اللهم إن عملى ضعيف فضاعفه لى واغفر لى ما اطلعت عليه منى وخفى على خلقك”.
ثم تستجير بالله من النار وتتخير لنفسك من الدعاء، ثم استقبل الركن اليمانى، والركن الذى فيه الحجر الأسود، واختم به وتقول: “اللّهم قنعنى بما رزقتنى وبارك لى فيما آتيتنى”.
مسألة 154: إذا فرغ الطائف من الطواف وجبت عليه ركعتا الطواف، وتسمى بصلاة الطواف وهى الواجب الثالث من عمرة التمتع، وصورتها كصلاة الفجر، ولكنه مخير فى قراءتها بين الجهر والإخفات.
وتجب فيها النية، وصورتها مثلا: أصلى ركعتى الطواف لعمرة التمتع من حجة الإسلام قربة إلى الله تعالى، وإذا كان الحج مستحبا أسقط كلمة “حجة الإسلام” ،وإذا كان منذورا بدل كلمة حجة الإسلام ب – “الحجة المنذورة” ،وإذا كان المصلى نائبا ذكر اسم المنوب عنه ونوى عنه1.
مسألة 155: موضع الصلاة من الناحية المكانية خلف المقام، ويجب الإتيان بها خلفه، والمقام هو الحجر الذى كان ابراهيم يقف عليه وقت بناء الكعبة، وهو على مقربة من البيت الشريف، فإن تعذر الصلاة خلف المقام صلى فى أى موضع من المسجد شاء، وإن كان الأحوط والأجدر مراعاة الأقرب فالأقرب إلى المقام.
وأما الطواف المندوب فيجوز الإتيان بصلاته فى أى نقطة من المسجد أراد عامدا وملتفتا1.
مسألة 156: موضع الصلاة من الناحية الزمانية بعد الطواف، أو بفاصل قليل منه، فلا يجوز الفصل بينهما بفترة طويلة تختل بها الموالاة العرفية بينها وبين الطواف عامدا وملتفتا1.
مسألة 157: إذا ترك الطائف صلاة الطواف عامدا وعالما بالحكم بطل حجه إذا لم يكن بإمكانه أن يتداركها قبل انتهاء وقت العمرة، وحينئذ فهل تنقلب وظيفته إلى حج الإفراد ثم الإتيان بالعمرة المفردة؟
والجواب: أنها لا تنقلب، بل عليه أن يأتى بالحج فى السنة القادمة شريطة توفر شروطه.
مسألة 158: إذا ترك صلاة الطواف نسيانا، وبدأ بالسعى بين الصفا والمروة، ثم التفت فإن كان التفاته أثناء السعى فعليه أن يقطعه ويذهب إلى المسجد ويصلى فى محلها، ثم يرجع ويكمل سعيه، وإن كان بعد السعى يصلى فى محلها، ولا تجب عليه إعادة السعى، وإن كانت الإعادة أولى وأجدر، وإن كان التفاته بعد الارتحال من مكة فإن كان ارتحاله بمسافة قصيرة عرفا رجع إلى المسجد الحرام ويصلى فى محلها، أو يستنيب من يصلى عنه، والأحوط والأجدر به وجوبا أن تكون الاستنابة عند عدم تمكنه من الرجوع بنفسه. وإن كان بمسافة طويلة عرفا، أو بعد الوصول إلى بلدته، صلاها فى أى موضع ذكرها ّفيه، ولا يجب عليه حينئذ
الرجوع إلى مكة بنفسه والصلاة فى محلها وإن تمكن من ذلك، أو استناب شخص يصلى عنه، وكذلك الحال إذا كان التفاته بعد فوت الوقت.
وقد تسأل: أن من نسى صلاة الطواف للعمرة وخرج من مكة إلى منى، ثم تذكر، فهل يجب عليه أن يرجع إلى المسجد ويصليها خلف المقام، أو يكفى أن يصليها فى أى موضع ذكرها فيه؟
والجواب: الظاهر أنه يجب عليه أن يرجع ويصليها فى محلها أو يستنيب إذا لم يتمكن. نعم إذا كان تذكره فى عرفات صلى هناك.
وقد تسأل: أن الطائف إذا ترك الطواف جاهلا بالحكم، فهل أن حكمه حكم الناسى؟
والجواب: أن حكمه حكم الناسى بدون فرق فى ذلك بين الجاهل المركب والبسيط وإن كان مقصرا1.
مسألة 159: إذا ترك صلاة الطواف نسيانا حتى مات، وجب علىّ وليه قضاؤها، وكذلك إذا تركها جاهلا بالحكم ولو كان مقصرا.
مسألة 160: يجب على الطائف أن يتأكد من صحة صلاته وقراءته فإن كان فيها خطأ وجب عليه تصحيحها إذا كان متمكنا من ذلك ولكنه إذا تماهل وتسامح ولم يقم بتصحيحها حتى ضاق الوقت معه، فالأظهر أن يصليها جماعة إن أمكن، وإلا فعليه أن يجمع بين الصلاة فرادى والاستنابة. نعم إذا كان الخطأ فى غير القراءة تخير بين أن يصليها بنفسه ومباشرة، وبين الاستنابة، وأما إذا لم يتمكن من تصحيحها فوظيفته أن يصليها حسب إمكانه، وإن كان الأحوط والأجدر به أن يجمع بينها وبين الصلاة جماعة والاستنابة إن أمكن1.
مسألة 161: إذا كان فى قراءته خطأ، وكان جاهلا بذلك فصلى صحت صلاته وإن كان جهله مما لا يعذر فيه شريطة أن يكون مركبا، ولا تجب