آثار حضرت آیة الله العظمی شیخ محمد اسحاق فیاض
مناسك الحج وبهامشها – عربی
جلد
1
مناسك الحج وبهامشها – عربی
جلد
1
عليه الإعادة إذا علم بذلك بعد الصلاة، بل فى أثنائها إذا كان علمه بالحال بعد التجاوز عن محلها، وكذلك إذا كان جهله بسيطا إن كان معذورا فيه، نعم لو لم يكن معذورا وجبت عليه الإعادة.
مسألة 162: يستحب للطائف أن يقرأ فى الركعة الأولى من ركعتى الطواف سورة التوحيد (قل هو الله أحد)، وفى الركعة الثانية سورة الجحد (قُل يا أيُّها الكافرون)، ثم يتشهد ويحمد الله ويثنى عليه ويصلى على النبى (صلى الله عليه وآله وسلم) ويسأل الله أن يتقبل منه. وأن يسجد بعد الصلاة ويقول فى سجوده: “سجد وجهى لك تعبدا ورقا، لا إله إلا أنت حقًّا حقًّا، الأول قبل كل شيء، والآخر بعد كل شيء، وها أنا ذا بين يديك ناصيتى بيدك، واغفر لى إنه لا يغفر الذنب العظيم غيرك، فاغفر لى فإنى مقر بذنوبى على نفسى، ولا يدفع الذنب العظيم غيرك”.
ويستحب أيضا أن يقول بعد الفراغ من صلاة الطواف:
“اللهم ارحمنى بطواعيتى إياك، وطواعيتى لرسولك اللهم جنبنى أن أتعدى حدودك واجعلنى ممن يحبك ويحب رسولك وملائكتك وعبادك الصالحين.”.
مسألة 163: الواجب الرابع من واجبات عمرة التمتع السعى بين الصفا والمروة، وهما جبلان يقعان إلى جانب المسجد الحرام، وبينهما مسافة يقدر طولها بما يقارب أربعمائة متراً ويجب السعى بينهما، بمعنى السير من أحدهما إلى الآخر، ويعتبر فيه النية بتمام عناصرها الثلاثة: –
1 – قصد القربة 2 – الإخلاص 3 – قصد اسمه الخاص المميز له شرعا وصورتها مثلا أن يقول: (أسعى بين الصفا والمروة لعمرة التمتع من حجة الإسلام بقصد التقرب إلى الله تعالى)، وإذا كان نائبا ذكر اسم المنوب عنه، وإذا كان الحج مستحبا اسقط كلمة “حجة الإسلام” وهكذا.
مسألة 164: لا تشترط فيه الطهارة من الحدث ولا من الخبث، ولا ستر العورة، ولا الختان فيجوز أن يسعى بين الصفا والمروة مع عدم توفر شيء من هذه الشروط فى الساعى1.
مسألة 165: يجب الإتيان بالسعى على الكيفية التالية:
الأولى: أن يبدأ بالسعى من أول جزء من الصفا متجها نحو المروة، فإذا وصل إلى المروة اعتبر ذلك شوطا، ثم يبدأ من المروة متجها نحو الصفا، فإذا وصل إلى الصفا اعتبر ذلك شوطا آخر وهكذا يسير بينهما سبع مرات، ويسمى كل مرة منها شوطا، أربع مرات ذاهبا من الصفا إلى
المروة، وثلاث مرات راجعا من المروة إلى الصفا، ويكون ختام سعيه بالمروة، والأظهر اعتبار الموالاة بين الأشواط عرفا1.
وقد تسأل: أن الصعود على الجبل الذى يمثل الصفا من طرف والمروة من طرف آخر، هل يجب؟
والجواب: أنه غير واجب، وإن كان ذلك أولى وأجدر2.
وقد تسأل: أن السعى بينهما من الطابق العلوى هل هو مجزئ، أو لابد أن يكون من الطابق السفلى؟
والجواب: يجزى السعى بينهما من الطابق العلوى أيضا3.
مسألة 166: يجب على الساعى أن يستقبل المروة عند الذهاب إليها عرفا، كما يجب استقبال الصفا عند الرجوع من المروة إليه كذلك، فلو استدبر المروة عند الذهاب من الصفا إليها، أو استدبر الصفا عند الذهاب من المروة إليه، بأن مشى القهقرى لم يجزئه ذلك1 ، وكذلك إذا سعى بينهما على يمينه أو يساره مستقبلا الكعبة، أو مستدبرا، ولا بأس بالالتفات إلى اليمين أو اليسار أو الخلف عند الذهاب والإياب، ويجب أيضا أن يكون السعى بينهما من المبدأ إلى المنتهى، فلو خرج من المسعى ودخل فى
المسجد أو مكان آخر، ومنه ذهب إلى المروة أو إلى الصفا لم يجزئه نعم لا يعتبر أن يكون السير من المسعى بخط مستقيم1.
مسألة 167: موضع السعى بين الصفا والمروة من الناحية الزمانية بعد الطواف وصلاته، فلو قدمه عليهما عامدا وملتفتا بطل، فتجب إعادته بعد الإتيان بهما، وإذا نسى الطواف وتذكره بعد سعيه أعاد الطواف، ولا تجب عليه إعادة السعى1 ، وقد تقدم حكم من نسى الطواف أو بعض أشواطه وتذكره أثناء السعى فى الفقرة (5) من أحكام الطواف.
مسألة 168: من بدأ السعى من المروة إلى الصفا، فإن كان فى شوطه الأول ألغاه، وبدأ من الصفا إلى المروة، وإن كان بعده ألغى الكل واستأنف السعى من جديد، ولا فرق بين أن يكون ذلك عن علم وعمد، أو عن جهل، أو نسيان.
مسألة 169: يجب على الساعى أن يباشر السعى بين الصفا والمروة بنفسه، ولا تجوز له الاستنابة مع التمكن من المباشرة، ولا يلزم بالسعى ماشيا وبإمكانه السعى راكبا أو محمولا كيفما أحب وشاء2 ، ولو تعذر ذلك كله استناب غيره للسعى عنه.
مسألة 170: يجوز له الجلوس على الصفا أو المروة، أو بينهما للاستراحة شريطة أن لا تختل به الموالاة العرفية، كما يجوز له قطع السعى لشرب ماء أو لتطهير شيء، أو غير ذلك بما لا يضر بالموالاة عرفا1.
مسألة 171: إذا ترك السعى عامدا2 ، أى بدون نسيان أو غفلة حتى مضى الوقت بفوات الوقوف بعرفات بطلت عمرته وإحرامه، وبالتالى حجه، سواء أكان عالما بوجوب السعى أو جاهلا بذلك.
مسألة 172: إذا ترك السعى نسيانا أتى به عند التذكر، وإن كان تذكره بعد الفراغ من أعمال الحج، وإذا لم يتمكن منه مباشرة، أو كان فيه حرج أو مشقة لزمته الاستنابة.
مسألة 173: إذا لم يكن الساعى متمكنا من السعى بنفسه ومباشرة ولو راكبا أو محمولا فعليه الاستنابة كما مر.
مسألة 174: يجوز له تأخير السعى عن الطواف وصلاته بفترة طويلة من نفس اليوم، بل الأظهر جوازه إلى الليل مطلقا وإن لم يكن فيه تعب فى النهار. نعم لا يجوز تأخيره اختيارا إلى الغد، فلو أخره إلى الغد عامدا وملتفتا بطل سعيه1.
مسألة 175: إذا زاد فى سعيه عامدا وعالما بطل سعيه، ولو زاد جاهلا، أو ناسيا لم يبطل2 ونقصد بالزيادة هنا نظير ما تقدم فى الطواف، بأن يأتى بالشوط الثامن بقصد أنه جزء من السعى فلو أتى به كعمل مستقل لم يضر وإن وقع عقيب السعى.
مسألة 176: إذا زاد فى سعيه خطأ صح سعيه، وإذا كان الزائد شوطا كاملا استحب له أن يضيف إليه ستة أشواط أخرى حتى يكون سعيا كاملا، ويكون ختامه عند الصفا، وإذا كان الزائد أكثر من شوط واحد، فهل يستحب إكماله لكى يكون سعيا كاملا؟
والجواب: أنه غير بعيد.
مسألة 177: إذا نقص الساعى من أشواط السعى عامدا وعالما بالحكم أو جاهلا بذلك ولم يكن بإمكانه تداركه حتى مضى الوقت بفوات الوقوف بعرفات بطل حجه، ولزمته الإعادة من قابل.
ودعوى: أن وظيفته فى هذه الحالة تنقلب من حجة التمتع إلى حج الإفراد.
مدفوعة: بان الحج إذا بطل بطل إحرامه أيضا، وانقلابه إلى إحرام حج الإفراد أو العمرة المفردة بحاجة إلى دليل.
مسألة 178: إذا نقص من أشواط سعيه نسيانا وجب عليه التدارك متى تذكر بإكمال السعى وتكميل النقص، وإن كان التذكر بعد الفراغ من أعمال الحج أو الرجوع إلى بلدته وجب عليه أن يرجع بنفسه لتكميل السعى وإن لم يتمكن من ذلك بنفسه استناب غيره لذلك، والأولى فى هذه الصورة أن يأتى بنفسه أو بنائبه بسعى كامل بقصد الأعم من التكميل والاستيناف، ولا فرق فى ذلك بين أن يكون نسيانه بعد إتمام الشوط الرابع أو قبله، هذا إذا كان حافظا للشوط المنسى، وإلا بطل سعيه وعليه استئنافه من جديد.
مسألة 179: إذا نقص من أشواط سعيه فى عمرة التمتع نسيانا فأحل باعتقاد انه فرغ من السعى فعليه كفارة بقرة على الأظهر، بدون فرق فى ذلك بين أن يكون إحلاله بتقليم الأظفار، أو قص الشعر، أو غيره، وحينئذ فإن كان حافظا للشوط المنسى وجب تداركه بتكميل النقصّ وإلا وجب استئنافه من جديد1.
مسألة 180: يجب على الساعى أن يضبط عدد أشواط السعى، فلوّ شك فيه بطل سعيه، إلا فى حالتين:
الأولى: أن يكون شكه فى الأشواط زيادة ونقيصة، أو نقيصة فقط بعد التقصير شريطة احتمال انه كان حين العمل ملتفتا إلى ما يعتبر فى صحة السعى1.
الثانية: أن يكون شكه فى الزيادة فقط، وقد حدث وهو على المروة، فلا يدرى أن الشوط الذى انتهى منه فعلا هل هو السابع أو أكثر منه، وأما فى غير هاتين الحالتين فالشك فيه مبطل مهما كان نوعه وشكله وبذلك يظهر أن حكم الشك فى عدد أشواط السعى حكم الشك فى عدد أشواط الطواف2.
.1
مسألة 181: يستحب للساعى أن يصعد على الصفا بنحو ينظر إلى البيت لو لم يكن حاجب ويتوجه إلى الركن الذى فيه الحجر الأسود، فاحمد الله عز وجل، واثن عليه، ثم اذكر من آلائه وبلائه وحسن ما صنع إليك ما قدرت على ذكره، ثم كبر الله سبعا، واحمده سبعا، وهلله سبعا، وقل:
“لا إله إلّا الله، وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيى ويميت وهو حى لا يموت وهو على كل شيء قدير” ثلاث مرات، ثم صل على النبى (صلى الله عليه وآله وسلم). وقل:
“الله أكبر الحمد لله على ما هدانا، والحمد لله على ما أولانا، والحمد لله الحى القيوم، والحمد لله الحى الدائم” ثلاث مرات.
وقل:
“أشهد أن لا إ له إلّا الله، وأشهد أن محمدا عبدُه ورسولُه، ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره المشركون” ثلاث مرات، “اللهم إنى أسألك العفو والعافية واليقين فى الدنيا والآخرة” ثلاث مرات، “اللهم آتنا فى الدنيا حسنة وفى الآخرة حسنة وقنا عذاب النار” ثلاث مرات.
ثم كبر الله مائة مرة، وهلِّل مائة مرة، واحمد الله مائة مرة، وسبِّح مائة مرة، وتقول:
“لا إله إلا الله وحده وحده وأنجز وعده، ونصر عبده وغلب الأحزاب وحده فله الملك وله الحمد وحده وحده، اللهم بارك لى فى الموت وفيما بعد الموت، اللهم إنى أعوذ بك من ظلمة القبر ووحشته، اللهمّ أظِلَّنى فى ظل عرشك يوم لا ظل إلا ظلك”.
وأكثر من أن تستودع ربك دينك ونفسك، ثم يقول:
“أستودع الله الرحمن الرحيم الذى لا يضيع ودائعه دينى ونفسى، وأهلى، اللهم استعملنى على كتابك وسنة نبيك، وتوفنى على ملته، وأعذنى من الفتنة”
ثم يكبرثلاثا ثم يعيدها مرتين ثم يكبر واحدة، ثم يعيدها، فإن لم يستطع هذا فبعضه.
وفى رواية إذا صعد الصفا استقبل الكعبة، ثم يرفع يديه، ثم يقول: اللهم اغفر لى كل ذنب أذنبته قط، فإن عدت فعد على بالمغفرة، فإنك أنت الغفور الرحيم، اللهم افعل بى ما أنت أهله فإنك إن تفعل بى ما أنت أهله ترحمنى، وإن تعذبنى فأنت غنى عن عذابى وأنا محتاج إلى رحمتك، فيا من أنا محتاج إلى رحمته ارحمنى، لا تفعل بى ما أنا أهله فإنك إن تفعل بى ما أنا أهله تعذبنى ولن تظلمنى، أصبحت أتقى عدلك، و أخاف جورك، فيا من هو عدل لا يجور ارحمنى “ويستحب أن يسعى بين الصفا والمروة ماشيا، وأن يمشى على سكينة ووقار وخضوع وخشوع حتى يأتى محل المنارة الأولى، فيهرول إلى محل المنارة الأخرى،
التقصير
مسألة 182: وهو الواجب الخامس والأخير من عمرة التمتع، ومعناه أخذ شيء من ظفر يده أو رجله أو شعر رأسه أو لحيته أو شاربه ناويا به التقصير لعمرة التمتع من حجة الإسلام – مثلا – قربة إلى الله تعالى، ولا يكفى النتف عن التقصير، ولا يجزى حلق الرأس، بل يحرم عليه الحلق.
مسألة 183: موضعه من الناحية التسلسلية بعد السعى، ولكن لا تجب المبادرة إليه بعده ويجوز فعله فى أى موضع شاء1 ، سواء أكان فى المسعى أم فى منزله أم فى غيرهما2.
مسألة 184: حكم من ترك التقصير متعمدا، فاحرم للحج بطلان عمرته، سواء أكان عالما بالحكم أم جاهلا به وتحول حجه من التمتع إلى الإفراد، فيأتى بأعمال حج الإفراد، ثم يأتى بعمرة مفردة بعد الحج1.
وقد تتساءل عن أن حج الإفراد هل يجزى عن حج التمتع؟
والجواب: أنه يجزى على الأظهر، وإن كان الاحتياط بالإعادة فى السنة القادمة أولى وأجدر.
مسألة 185: من ترك التقصير نسيانا فاحرم للحج صحت عمرته، والأحوط لو لم يكن أقوى وجوب التكفير عليه بشاة2.
مسألة 186: إذا قصر المحرم رجلا كان أو امرأة فى عمرة التمتع حل له جميع ما كان يحرم عليه بسبب إحرامه ما عدا الحلق، وأما الحلق فإن
كان المكلف قد أتى بعمرة التمتع فى شهر شوال جاز له الحلق إلى مضى ثلاثين يوما من يوم عيد الفطر، وأما إذا أتى بها خلال شهر ذى القعدة وما بعده إلى حين الإحرام للحج، فالأظهر أن لا يحلق حتى بعد الإحلال بالتقصير، وإذا حلق عامدا وملتفتا كفر بشاة. وإذا كان ذلك جاهلا فلا شيء عليه.
وقد تسأل: أن المعتمر فى عمرة التمتع إذا كان ملبدا أو معقوصا هل عليه التقصير أيضا أو الحلق؟
والجواب: أن عليه التقصير دون الحلق.
مسألة 187: إذا جامع الرجل المحرم امرأته بعد السعى وقبل التقصير جاهلا بالحكم فالأظهر أن عليه كفارة ناقة أو جمل1.
مسألة 188: يحرم التقصير على المعتمر قبل الفراغ من السعى، فلو فعله عامدا وعالما وجبت الكفارة عليه2 وأما إذا فعله جاهلا أو ناسيا فلا شيء عليه3.
مسألة 189: لا يجب طواف النساء فى عمرة التمتع، ولا بأس بالإتيان به رجاء.
فى حج التمتع إثنا عشر واجبا كما مر عند الكلام عن حج التمتع فى أول تقسيمات الحج
وتفصيلها بحسب ترتيب الأعمال هو:
مسألة 190: الإحرام للحج هو الواجب الأول من واجبات حج التمتع، وخصائص هذا الإحرام متمثلة فى النقاط التالية:
الأولى: نيته، وصورتها – مثلا – (أحرم لحج التمتع من حجة الإسلام قربة إلى الله تعالى) وإذا كان نائبا ذكراسم المنوب عنه، وإذا كان الحج مستحبا أسقط كلمة” حجة الإسلام”.
الثانية: صورة إحرام الحج صورة إحرام عمرة التمتع فى الكيفية والشروط والعناصر التى يجب توفيرها فيه، وقد تقدم توضيح جميعها فى إحرام عمرة التمتع، ولا اختلاف بين الإحرامين إلا فى النية.
الثالثة: موضعه من الناحية المكانية مكة المكرمة، ويراد بها البلدة على امتدادها طولا وعرضا فالأحياء الجديدة التى تشكل الامتداد والتوسعة لمكة وتعتبر جزءا منها عرفا، يجوز الإحرام فيها ولا يجوز الإحرام من بلدة أو قرية أخرى لها عنوانها المتميز والخاص وان اتصلت بمكة من طريق
توسعة العمران. ويستحب الإحرام من المسجد الحرام من مقام إبراهيم أو حجر إسماعيل بعد صلاة ركعتين.
الرابعة: زمانه، يجب على الحاج أن يحرم قبل زوال اليوم التاسع من ذى الحجة على نحو يتمكن من إدراك الوقوف الواجب بعرفات، ولا يجوز التأخير عن ذلك، والأفضل أن يحرم فى اليوم الثامن، ويمكنه أن يحرم قبل اليوم الثامن بيوم أو يومين أو ثلاثة أيام دون أكثر منها على الأظهر عامدا وملتفتا، ولا فرق فى ذلك بين الصحيح والمريض والشيخ الكبير، ولا بين الرجل والمرأة، نعم إذا أراد أن يخرج من مكة بعد الفراغ من عمرة التمتع اختيارا، أو لحاجة ضرورية إلى بلدة قريبة أو بعيدة، فقد تقدم انه يجوز له الخروج إذا كان واثقا بعدم فوات الحج منه، والأفضل أن يخرج منها محرما بإحرام الحج وإن كان قبل ذى الحجة.
وقد تسأل: هل يجوز تأخير الإحرام إلى ما بعد زوال يوم عرفة بنحو لا يتمكن بعد الإحرام إلا من إدراك الركن وهو مسمى الوقوف بعرفات بين الزوال والغروب؟.
والجواب: أنه لا يجوز، ولو أخر كذلك اعتبر آثما، وإن كان لا يضر بحجه.
وقد تسأل: أن من أحرم للحج فى أول ذى الحجة أو قبله فى شهر ذى القعدة جاهلا بالحكم أو ناسيا، هل يصح إحرامه؟.
والجواب: أن الصحة غير بعيدة.
وقد تسأل: هل يجوز أن يحرم للعمرة المفردة أثناء أعمال الحج، كما إذا أحرم للحج قبل يوم التروية بيومين أو ثلاثة أيام، ثم احرم للعمرة المفردة وأتى بها، وبعد ذلك يذهب إلى عرفات؟
والجواب: لا يبعد جوازه.
الخامسة: حكمه: من ترك الإحرام ناسيا، أو لجهل منه بالحكم إلى أن خرج من مكة ثم التفت فإن كان التفاته قبل وصوله إلى عرفات وجب عليه الرجوع إلى مكة والإحرام منها، فإن لم يتمكن من الرجوع لضيق الوقت أو لعذر آخر يحرم من موضعه، وإن كان بعد وصوله إليها فهل يجب عليه الرجوع إلى مكة إذا كان بإمكانه ذلك؟، لا يبعد عدم وجوب الرجوع إليها، بل يحرم من مكانه، وإن كان الأحوط والأجدر به الرجوع، وإذا تذكر أو علم بالحكم بعد الوقوف بعرفات لم يجب عليه الرجوع جزما وإن تمكن ويحرم من مكانه، ولو لم يتذكر ولم يعلم بالحكم إلى أن فرغ من الحج صح حجه ولا شيء عليه.
السادسة: من ترك الإحرام عامدا وعالما بالحكم وجب عليه أن يتداركه، فإن تداركه قبل فوات الوقوف الركنى صح حجه وإن كان آثما، وإن فاته الوقوف الإختيارى كله بطل حجه ولم يجزه الوقوف الإضطرارى، وعليه الإعادة فى السنة القادمة.
السابعة: من أحرم لحج التمتع فالأحوط وجوبا أن لا يطوف حول البيت طوافا مندوبا قبل الخروج إلى عرفات، ولو طاف جدد التلبية بعد الطواف.
مسألة 191: إحرام الحج يشارك إحرام العمرة فيما له من آداب ومستحبات، وقد تقدم ذكرها فى إحرام العمرة، ويستحب لمن احرم للحج وخرج من مكة ملبيا فى طريقه أن يرفع صوته إذا اشرف على الأبطح، فإذا توجه إلى منى بسكينة ووقار، يقول:
“اللهم إياك أرجو، وإياك أدعو فبلغنى أملى، وأصلح لى عملى،” فإذا وصل إلى منى قال: “الحمد لله الذى أقدمنيها صالحا فى عافية، وبلغنى هذا المكان” ثم يقول:
“اللهم هذه منى، وهى مما مننت به علينا من المناسك، فأسألك أن تمنّ على بما مننت به على أنبيائك، فإنما أنا عبدك فى قبضتك” ويستحب له المبيت فى منى فى ليلة عرفة، ويقضى تلك الليلة فى عبادة الله تعالى وطاعته والصلاة فى مسجد الخيف والتعبد فيه تمام الليلة، فإذا طلع الفجر صلى صلاة الفجر فى منى وعقب إلى طلوع الشمس، ثم اتجه إلى عرفات مارا من وادى محسَر، ولا بأس أن يخرج من منى قبل طلوع الشمس، ولكن ينبغى أن لا يتجاوز وادى محسر قبل طلوع الشمس، ولا إثم عليه لو تجاوز، ولو شاء أن يخرج من منى قبل طلوع الفجر فلا بأس، ولا إثم عليه أيضا، غير أن ذلك مكروه، كل هذا فيما لو اتجه من مكة إلى منى، وأما إذا سلك طريقا إلى عرفات لا يمر بمنى كما هو الغالب، فى الطريق العام للحجاج فى الفترة المعاصرة، فلا إثم عليه، فإذا توجه الحاج إلى عرفات قال: “اللهم إليك صمدت وإياك اعتمدت ووجهك أردت،
فأسألك أن تبارك لى فى رحلتى، وأن تقضى لى حاجتى، وأن تجعلنى ممن تباهى به اليوم من هو أفضل منى” ثم يكرر التلبية إلى أن يصل إلى عرفات.
مسألة 192: الواجب الثانى من واجبات حج التمتع الوقوف بعرفات، والمراد منه التواجد فيها من دون فرق بين أن يكون تواجده فيها راكبا أو راجلا، واقفا أو قاعدا، أو على أية حالة أخرى.
مسألة 193: تبعد عرفات عن مكة المكرمة القديمة حوالى اثنين وعشرين كيلو مترا، وهى أبعد النقاط التى يجب على الحاج أن يقصدها فى حجه عن مكة، ثم يأخذ بعد ذلك بالاقتراب من مكة بالانتقال من عرفات إلى المشعر، ومنه إلى منى، وعرفات رقعة واسعة من الأرض وتكون خارج الحرم، وتتصل حدودها به، ويفصل بينها وبين المشعر الحرام منطقة تسمى بالمأزمين.
وقد حدد فى الروايات الموقف بعرفات بنقاط متميزة معروفة وقتئذ، كبطن عرنة، وثوية، ونمرة وذى المجاز، وبعض هذه الأسماء لا يزال موجودا أو منعكسا فى الخرائط المختصة بالموقف ولا يزال مسجد نمرة موجودا ومتميزا الآن، وكيف كان فالموقف لا يزال معلوما بحدوده وعلاماته المنصوبة فى أطرافه، ولا يجوز الوقوف فى الأماكن المذكورة والنقاط المحاذية للموقف بل لابد أن يكون الوقوف فى مكان محاط بتلك النقاط
والأماكن1 ، ولا فرق بين أن يكون فى الجبل أو السهل، وإن كان الأولى والأفضل أن يكون فى السفح من ميسرة الجبل.
مسألة 194: زمانه، الأقرب جواز البدء بالوقوف بعد زوال الشمس من يوم عرفة بساعة إلى الغروب، وإن كان الأحوط والأجدر به أن يقف من أول الظهر، والوقوف فى تمام
هذه المدة واجب، يأثم المكلف بتركه، ولكن لا يبطل الحج إذا اقتصر على الوقوف فترة قصيرة خلال هذه المدة، ويسمى هذا بالوقوف الاختيارى بعرفات. نعم لو ترك الوقوف بها رأسا حتى فى تلك الفترة القصيرة عامدا وملتفتا بطل حجه، وكذلك إذا تركه عن جهل لا يعذر فيه.
مسألة 195: تجب النية فى الوقوف بعرفات بتمام عناصرها الثلاثة: من قصد القربة، وقصد الإخلاص، وقصد اسمه الخاص المميز له شرعا، وصورتها – مثلا -: (أقف بعرفات من الظهر أو بعده بساعة إلى غروب الشمس لحج التمتع من حجة الإسلام قربة إلى الله تعالى)، وإذا كان مفردا بدل كلمة “التمتع” بكلمة “الإفراد” وإذا كان نائبا ذكر اسم
المنوب عنه، وإذا كان الحج مندوبا أسقط كلمة “حجة الإسلام” فلو كان الحاج نائما أو مغمى عليه أو مغشيا من أول ظهر اليوم التاسع إلى غروب الشمس لم يتحقق منه الوقوف الواجب1.
مسألة 196: لا يجوز للحاج الإفاضة من عرفات – أى الخروج منها – قبل غروب الشمس عامدا وملتفتا، وإذا خرج كذلك اعتبر آثما، ولكن لا يفسد حجه، وعليه كفارة جمل أكمل السنة الخامسة، ينحره فى منى يوم العيد، وإن لم يتمكن صام ثمانية عشر يوما فى مكة، أو فى الطريق، أو فى بلدته ولا تعتبر فيه الموالاة، وإذا ندم ورجع فلا شيء عليه، وإذا خرج من عرفات قبل الغروب جاهلا أو ناسيا وجب عليه الرجوع عند العلم أو التذكر، وإن لم يرجع عامدا وعالما فهل عليه كفارة؟.
والجواب: الأظهر انه لا كفارة عليه، هذا إذا تمكن من الرجوع، وأما إذا لم يتمكن منه بعد الالتفات فلا شيء عليه جزما2.
وقد تسأل: أن الخروج من عرفات قبل غروب الشمس لا بقصد الإفاضة هل هو جائز؟
والجواب: أنه جائز شريطة أن يكون واثقا ومتأكدا بالرجوع إليها قبل الغروب.
مسألة 197: من لم يدرك الوقوف الاختيارى بعرفات، وهو الوقوف فى برهة قصيرة خلال النهار نسيانا أو جهلا يعذر فيه أو غيره
من الأعذار، كتأخر وصوله إلى مكة وجب عليه الوقوف الاضطرارى، وهو الوقوف فى برهة من ليلة العيد، وإذا فعل ذلك صح حجه ولا شيء عليه.
مسألة 198: إذا ثبت هلال ذى الحجة عند قاضى أهل السنة، وحكم بذلك ولم يثبت عندنا فلذلك صور:
الأولى: ما إذا احتمل كون حكمه مطابقا للواقع، ففى هذه الحالة تجب المتابعة والوقوف والتواجد معهم فى نقلة جماعية زمانا ومكانا، ولا تجوز المخالفة لهم، وإن لم تكن هناك تقية.
وقد تسأل: أن من خالف فى هذه الحالة ولم يقف معهم بعرفات، ووقف فى اليوم الثانى فهل يجزى؟
والجواب: إن الإجزاء لا يخلو عن إشكال، بل منع، لأن وظيفته الواقعية هى الوقوف معهم دون الوقوف فى اليوم التالى الذى هو أيضا مشكوك فى كونه يوم عرفة.
الثانية: ما إذا علم بعدم مطابقة حكمه للواقع، مع افتراض عدم التمكن من المخالفة للتقية، ففى هذه الحالة أيضا لا إشكال فى وجوب المتابعة والوقوف معهم، وإنما الكلام فى إجزاء ذلك الوقوف، وهل أنه مجزئ عن الوقوف فى يوم عرفة؟
والجواب: لا يبعد الإجزاء، وإن كانت الإعادة فى العام القادم أحوط وأجدر.
الثالثة: نفس الصورة السابقة، ولكن لا تقية، بمعنى أن بإمكان الشخص أن يقف بعرفات والتخلف عنهم فى الوقوف اعتياديا فى يوم عرفة بدون خوف وخطر، ففى هذه الحالة، هل يجوز له ترك الوقوف معهم؟
الجواب: الأحوط وجوبا فى تلك الحالة أن يجمع بين الوقوف معهم والوقوف فى يوم عرفة إن أمكن، وإلا فالأحوط الإعادة فى السنة الآتية إذا توفرت شروطها1.
الرابعة: أن الوقوف إذا كان مخالفا للتقية كان مبغوضا، ولا يمكن التقرب به.
مسألة 199: أن يوم عرفة يوم دعاء وتضرع وخضوع وخشوع إلى الله تعالى، ويستحب أن يكون الحاج على طهارة، وقد جاء فى الحديث: “إنما تعجل الصلاة وتجمع بينهما لتفرغ نفسك للدعاء فإنه يوم دعاء ومسألة”.
ثم تأتى الموقف وعليك السكينة والوقار، فاحمد الله وهلله ومجده واثن عليه وكبره مائة مرة، واحمده مائة مرة، وسبِّحهُ مائة مرّة، واقرأ:
(/ قل هو الله أحد/) مائة مرة، وتخير لنفسك من الدعاء ما أحببت، واجتهد فإنه يوم دعاء ومسألة، وتعوذ بالله من الشيطان، فإن الشيطان لن يذهلك فى موطن قط أحب إليه من أن يذهلك فى ذلك الموطن، وإياك أن تشتغل بالنظر إلى الناس، وأقبل قبل نفسك وتقول له:
“اللهم إنى عبدك فلا تجعلنى من أخيب وفدك، وارحم مسيرى إليك من الفج العميق،” وتقول: “اللهم رب المشاعر كلها فك رقبتى من النار،
وأوسع َّعلى من رزقك الحلال، وادرأ عنى شر فسقة الجن والإنس” وتقول: “اللهم لا تمكُر بى ولا تخدعنى ولا تستدرجنى”
وتقول: “اللهم إنى أسألك بحولك وجودك وكرمك وفضلك ومَنِّك، يا أسمع السامعين ويا أبصر الناظرين ويا أسرع الحاسبين ويا أرحم الراحمين، أسألك أن تصلى على محمد وآل محمد وأن تفعل بى كذا وكذا”.
وتقول وأنت رافع رأسك إلى السماء: “اللهم حاجتى إليك التى إن أعطيتنيها لم يضرنى ما منعتنى، والتى إن منعتنيها لم ينفعنى ما أعطيتنى، أسألك خلاص رقبتى من النار، اللهم إنى عبدك وملك يدك وناصيتى بيدك وأجلى بعلمك، أسألك أن توفقنى لما يرضيك عنى، وأن تَسَلَّم منى مناسكك التى أريتها خليلك إبراهيم ودللت عليها نبيك محمد، اللهم اجعلنى ممن رضيت عمله، وأطلت عمره، وأحييته بعد الموت حياة طيبة” وقد جاء فى الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال لعلى عليه السلام: “ألا أعلمك دعاء يوم عرفة، وهو دعاء من كان قبلى من الأنبياء، فقال على عليه السلام: بلى يا رسول الله، قال: فتقول:
” لا اله إلا ألله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، يحيى و يميت و يميت ويحيى وهو حى لا يموت بيده الخير وهو على كل شيء قدير اللهم لك الحمد أنت كما تقول وخير ما يقول القائلون، اللهم لك صلاتى ودينى ومحياى ومماتى ولك تِراتى وبك حولى ومنك قوتى، اللهم إنى أعوذ بك من الفقر، ومن وسواس الصدر، ومن شتات الأمر، ومن عذاب النار، ومن عذاب القبر، اللهم إنى أسألك من خير ما يأتى به
الرياح، وأعوذ بك من شر ما يأتى به الرياح، وأسألك خير الليل وخير النهار”.
وقد جاء فى الحديث أن رسول الله وقف بعرفات، فلما همَّت الشمس أن تغيب قبل أن يندفع قال:
” اللهم إنى أعوذ بك من الفقر ومن تشتت الأمر، ومن شر ما يحدث بالليل والنهار، أمسى ظلمى مستجيرا بعفوك، وأمسى خوفى مستجيرا بأمانك، وأمسى ذلى مستجيرا بعزك، وأمسى وجهى الفانى مستجيرا بوجهك الباقى، يا خير من سئل، ويا أجود من أعطى، جللنى برحمتك “.ثم تطلب حاجتك وتسأل ما شئت.
وقد جاء فى الحديث: إذا غربت الشمس يوم عرفة فقل: اللهم لا تجعله آخر العهد من هذا الموقف، وارزقنيه من قابل أبدا ما أبقيتنى، واقلبنى اليوم مُفلحا مُنجِحا مُستجاباً لى مَرحوماً مَغفوراً لى بأفضل ما ينقلب به اليوم أحدٌ من وفدك وحجَّاج بيتك الحرام، واجعلنى اليوم من أكرم وفدك عليك، وأعطنى أفضل ما أعطيت أحدا منهم من الخير والبركة والرحمة والرضوان والمغفرة، وبارك لى فيما أرجع إليه من أهلٍ ومالٍ أو قليلٍ أو كثير، وبارك لهم فى”
وينبغى للحاج أن يدعو فى هذا اليوم بما أحب، وبالمأثور من الأدعية كدعاء الإمام الحسين، ودعاء الإمام زين العابدين عليهما السلام وسيأتى نص الدعاءين فى آخر هذا الكتاب إن شاء الله تعالى.
مسألة 200: وهذا هو الواجب الثالث من واجبات حج التمتع، ويجب على الحاج الوقوف فيه بعد الإفاضة من عرفات، أى الخروج منها بعد غروب الشمس متجها نحو المشعر الحرام، ويراد بالوقوف التواجد فيه، سواء أنام أم لم ينم، وهو اسم لفسحة من الأرض تسمى بالمزدلفة، وتبعد عن مكة القديمة حوالى عشر كيلومترات، وتكون داخل الحرم، وحد الموقف طولا من المأزمين إلى وادى محسر، وهما حدان وليسا من الموقف إلا عند الزحام وضيق الوقت، وحينئذ فتمتد رقعة الموقف وتشمل المأزمين وهى المنطقة الواقعة بين المشعر وعرفات.
مسألة 201: تعتبر فى الوقوف بالمشعر الحرام النية، وصورتها – مثلا -: (أقف بالمشعر الحرام من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس لحج التمتع من حجة الإسلام قربة إلى الله تعالى) وإذا كان نائبا ذكر اسم المنوب عنه، وإذا كان الحج مستحبا أسقط كلمة “حجة الإسلام”.
مسألة 202: قد تسأل: أن من أفاض من عرفات متجها نحو المشعر الحرام، هل يجب عليه أن يبيت ليلة العيد فيه؟
والجواب: إن ذلك وإن كان مشهورا بين العلماء، ولكنه لا يخلو عن إشكال بل منع، والأظهر عدم وجوب ذلك فإن الواجب هو تواجده فيه بين الطلوعين1.
مسألة 203: المشهور بين العلماء أنه لا يجوز الخروج من المشعر قبل طلوع الشمس، ولكن لا يبعد جواز الخروج منه قبل طلوعها بقليل بنحو لا يجتاز من وادى محسر إلا أن تطلع عليه الشمس.
مسألة 204: الوقوف بالمشعر الحرام بمعنى التواجد فيه من طلوع الفجر من يوم العيد، وهو اليوم العاشر من ذى الحجة إلى طلوع شمس ذلك اليوم واجب، إلا أن الحج لا يختل بالإخلال بالوقوف فى بعض هذه المدة، إذ يكفى لصحة الحج أن يقف برهة من الزمن بين الطلوعين ولو لم يستوعب تمام المدة، ويسمى الوقوف بين الطلوعين بالوقوف الاختيارى.
وقد تسأل: أن من وقف فى المشعر الحرام فترة قصيرة من ليلة العاشر، وترك الوقوف ما بين الطلوعين عامدا وعالما بالحكم، فهل يصح حجه؟
والجواب: الأقرب انه صحيح1 ، ولكنه عليه إثم وكفارة جمل، وإن كان جاهلا بالحكم فعليه كفارة شاة، وإذا وقف فى المشعر بعد طلوع الفجر فترة قصيرة، ثم خرج منه قبل طلوع الشمس متعمدا، فإن كان جاهلا بالحكم فلا شيء عليه، نعم إن كان مقصرا فعليه إثم، وإن كان عالما به فعليه كفارة شاة.
مسألة 205: يجب على الحاج الوقوف فى المشعر الحرام بين طلوع الفجر من يوم العيد وطلوع الشمس، ويستثنى من ذلك النساء والصبيان والخائف والضعفاء كالشيوخ والمرضى، فيجوز لهم بعد الوقوف فى المزدلفة ليلة العيد فترة قصيرة، أن يفيضوا منها ليلا قبل الفجر إلى منى ويرموا جمرة العقبة ليلا2.
مسألة 206: من لم يتمكن من الوقوف بين الطلوعين فى المزدلفة، وهو الوقوف الاختيارى لنسيان أو لعذر آخر كعدم توفر واسطة نقل، أو لغير ذلك، فإنه يجزيه أن يقف وقتا ما بين طلوع الشمس إلى ظهر يوم العيد، ويصح حجه حينئذ، ويسمى هذا الوقوف بالوقوف الاضطرارى.
مسألة 207: قد ظهر مما تقدم أن لكل من الوقوفين فى عرفات أو فى المزدلفة وقتين، أحدهما الوقت الاختيارى، والآخر الوقت الاضطرارى. فالوقت الاختيارى للوقوف بعرفات يمتد من زوال يوم التاسع من شهر ذى الحجة إلى الغروب، والوقت الاضطرارى له يمتد من ليلة العيد – العاشر من ذى الحجة – إلى الفجر، والوقت الاختيارى للوقوف بالمزدلفة يمتد من طلوع الفجر من يوم العيد إلى طلوع الشمس، والوقت الاضطرارى له يمتد من طلوع الشمس من يوم العيد إلى الزوال.
مسألة 208: من لم يدرك الوقوف فى الوقت الاختيارى بعرفات والمزدلفة معا فلذلك صور:
الأولى: يدرك الوقوف فى الوقت الاضطرارى فى كلا الموقفين معا، ففى هذه الصورة يصح حجه ولا شيء عليه. نعم إذا كان عدم إدراكه الوقوف فى الوقت الاختيارى مستندا إلى سوء اختياره وتسامحه وإهماله بطل حجه، ولم يعوض إدراكه الوقوف فى الوقت الاضطرارى عن ذلك، وعليه الإثم والحج فى العام القادم.
الثانية: لم يدرك الوقوف بعرفات، ولا بالمزدلفة فى الوقت الاضطرارى أيضا، ففى هذه الصورة لا حج له، وتنقلب وظيفته إلى العمرة المفردة، فيطوف حول البيت بعنوان طواف العمرة المفردة، ثم يأتى بركعتيه، وبعد ذلك يذهب إلى الصفا، ويبدأ بالسعى من هناك فإذا أكمل سعيه قصر أو
حلق1 ، ثم يأتى إلى المسجد ثانيا فيطوف طواف النساء، ويصلى ركعتيه، وبذلك أكمل عمرته فيخرج عن الإحرام، ويحل له كل شيء أحرم منه، ولا يجزى ذلك عن حجه، وعليه الإتيان به فى السنة القادمة شريطة أن لا تكون استطاعته وليدة تلك السنة، أو تجددت له الاستطاعة بعد رجوعه من مكة أو كان الحج مستقرا فى ذمته.
الثالثة: يدرك الوقوف فى الوقت الاختيارى بعرفات، والاضطرارى بالمشعر، ففى هذه الصورة صح حجه ولا شيء عليه، وكذلك إذا كان مدركا للوقوف فى الوقت الاختيارى بالمشعر والاضطرارى بعرفات2.
الرابعة: لا يدرك الوقوف بعرفات فى الوقت الاختيارى، ولا فى الوقت الاضطرارى، وأدرك الوقوف فى الوقت الاختيارى بالمشعر الحرام فحسب، ففى هذه الصورة هل يصح حجه؟ الظاهر انه صحيح.
وقد تسأل: أن من أدرك الوقوف فى الوقت الاختيارى بعرفات، ولم يدرك الوقوف بالمشعر فى الوقت الاختيارى، ولا فى الوقت الاضطرارى لسبب من الأسباب، فهل يصح حجه؟
والجواب: لا يبعد صحته، وإن كان الأحوط والأجدر به أن يجمع بين إتمامه والإتيان بعمرة مفردة بعد ذلك، والحج فى العام القابل1.
الخامسة: يدرك الوقوف فى الوقت الاختيارى بعرفات، ولكن لم يقف بالمشعر الحرام، وإنما مر به مرورا فى طريقه إلى منى، ففى هذه الصورة يصح حجه سواء كان عالما بوجوب الوقوف ولم ينوه متعمدا، أو كان جاهلا بوجوب الوقوف فيه1 ، ولكن إذا علم بالحال وهو فى منى وتمكن من الرجوع إلى المشعر وإدراك الموقف الاضطرارى فيه وجب، وإن لم يعلم بالحال أو علم بها ولكنه لم يتمكن من الرجوع إلى المشعر وإدراك الموقف ولو فى الوقت الاضطرارى فعليه كفارة شاة، وأما العالم العامد فعليه كفارة جمل.
السادسة: قد تسأل أنه إذا أدرك الوقوف فى الوقت الاضطرارى بالمشعر فحسب، ولم يدرك الوقوف بعرفات فى الوقت الاختيارى، ولا فى الوقت الاضطرارى، فهل يصح حجه؟
والجواب: لا يصح على الأظهر، وبذلك يظهر حكم من أدرك الوقوف فى الوقت الاضطرارى بعرفات، ولم يدرك الوقوف بالمشعر الحرام لا فى الوقت الاختيارى، ولا الاضطرارى، وفى كلتا الحالتين تنقلب وظيفته إلى العمرة المفردة، ويأتى بها ويتحلل بما يتحلل به المعتمر، وعليه الحج من قابل، على ما مر.
مسألة 209: ويستحب للحاج عند الإفاضة من عرفات إلى المشعر أن يتحلى بالسكينة والوقار ويتضرع إلى الله تعالى، ويطلب منه خير الدنيا والآخرة، وأن يؤجل المغرب والعشاء إلى حين وصوله إلى المشعر، فيجمع بينهما بأذان وإقامتين.
وقد جاء فى الحديث: ولا تجاوز الحياض ليلة المزدلفة، وتقول:
“اللهم هذه جمع، اللهم إنى أسألك أن تجمع لى فيها جوامع الخير، اللهم لا تؤيسنى من الخير الذى سألتك أن تجمعه لى فى قلبى، وأطلب إليك أن تعرفنى ما عرفت أولياءك فى منزلى هذا وأن تقينى جوامع الشر.” وإن استطعت أن تحيى تلك الليلة فافعل، فإنه بلغنا أن أبواب السماء لا تغلق تلك الليلة لأصوات المؤمنين، لهم دوى كدوى النحل، يقول الله جل ثناؤه: “أنا ربكم وأنتم أديتم حقى، على أن أستجيب لكم” فيحط تلك الليلة عمن أراد أن يحط عنه ذنوبه، ويغفر لمن أراد أن يغفر له.
ويستحب للحاج أن يكون على طهر بعد صلاة الفجر، فيقف ويحمد الله عز وجل ويثنى عليه ويذكر من آلائه وبلائه ما يقدر عليه، ويصلى على النبى ويقول: “اللهم رب المشعر الحرام فك رقبتى من النار، وأوسع على من رزقك الحلال، وادرأ عنى شر فسقة الجن والإنس، اللهم أنت خير مطلوب إليه وخير مدعو وخير مسؤول، ولكل وافد جائزة فاجعل جائزتى فى موطنى هذا وأن تقيلنى عثرتى، وتقبل معذرتى، وأن تجاوز
عن خطيئتى، ثم اجعل التقوى من الدنيا زادى” ثم افض حيث يشرف لك ثبير، وترى الإبل مواضع أخفافه.
مسألة 210: إذا طلعت الشمس يوم العيد فى المشعر انتهى ما على الحاج فى هذا المكان ولزمه التوجه نحو منى1 ، وحدُها طولا من ناحية مكة العقبة، ومن ناحية المشعر وادى محسر وأما عرضا فليس لها حدود واضحة، والمرجع فى تعيينها أهل الخبرة من البلد، وهل يجوز الابتعاد عرضا إلى نقاط يشك فى كونها من منى؟
والجواب: لا يبعد جوازه عمليا، بمعنى أن كل ما يجب أن يؤدى فى منى يجوز أن يؤدى فى تلك النقاط المشكوكة بالشبهة المفهومية أيضا على ما تقدم2 ، ويجب على الحاج فى منى أن يقوم بثلاثة واجبات فى نهار يوم العيد وهى:
1 – رمى جمرة العقبة. 2 – الذبح أو النحر. 3 – الحلق أو التقصير.
ونذكرها فيما يلى تباعا:
مسألة 211: وهو الرابع من واجبات حج التمتع، وجمرة العقبة اسم لموضع مخصوص، وهى واحدة من ثلاث جمرات، ولا يجب الرمى فى يوم العيد إلا لها، وتعتبر فيه أمور:
الأول: النية، وصورتها مثلا: أرمى جمرة العقبة سبعا فى حج التمتع من حجة الإسلام قربة إلى الله تعالى – وإذا كان حجه إفرادا َّبدل كلمة “حج التمتع” ب – “حج الإفراد” – وإذا كان نائبا ذكر اسم المنوب عنه، وإذا كان الحج مندوبا أسقط كلمة “حجة الإسلام”.
الثانى: أن يكون الرمى بسبع حصيات، ولا يجزئ الأقل من ذلك، ولا ضرر فى الزيادة، كما لا يجزئ الرمى بغيرها من الأجسام.
الثالث: أن يكون رميها على نحو التتابع، يعنى واحدة بعد أخرى، لا دفعة واحدة1.
الرابع: أن يكون إيصالها إلى الجمرة بالرمى، فلا يكفى وضعها على الجمرة، ولا رميها مع سقوطها قبل الوصول إلى الجمرة، نعم يجوز الاكتفاء بما إذا لاقت الحصاة فى طريقها إلى الجمرة شيئا ثم أصابت
الجمرة، إلا إذا كان ذلك الشيء جسما صلبا، وتكون إصابتها الجمرة مستندة إلى الطفرة من ذلك الجسم الصلب لا إلى الرمى، فإن ذلك لا يكفى، وكذلك إذا كان المرمى ذلك الجسم لتطفر منه الحصاة إلى الجمرة1.
الخامس: أن يقع الرمى بين طلوع الشمس وغروبها من يوم العاشر من ذى الحجة، ويستثنى من ذلك من سبق أنهم مرخصون فى الإفاضة من المشعر فى الليل2 ، فإنهم مرخصون فى الرمى أيضا فى تلك الليلة، ولا يبعد كونهم مرخصين فى الحلق أو التقصير أيضا فى نفس الليلة. نعم لا يكونون مرخصين فى الذبح أو النحر فيها، بل لابد أن يكون ذلك فى النهار، وهذا بخلاف الخائف، فإنه كما يكون مرخصا فى الإفاضة من المشعر فى الليل، كذلك يكون مرخصا فى الإتيان بتمام أعمال منى يوم العيد فى تلك الليلة3.
مسألة 212: إذا شك فى إصابة الحصاة الجمرة وعدمها، بنى على العدم، وألغى تلك الرمية من الحساب، ورمى جمرة أخرى حتى يستيقن بالإصابة، نعم إذا شك بعد دخوله فى واجب آخر مترتب عليه، أو كان بعد دخول الليل فلا يعتنى به.
مسألة 213: أن تكون الحصيات مأخوذة من الحرم، ويستثنى من الحرم المسجد الحرام ومسجد الخيف وأن تكون أبكارا على الأحوط الأولى، بمعنى عدم العلم بأنها كانت مستعملة فى الرمى قبل ذلك1.
مسألة 214: قد تسأل: هل يجوز رمى الجمرة من الطابق الثانى؟
والجواب: إنه يجوز.
مسألة 215: إذا ترك الحاج رمى جمرة العقبة نسيانا أو جهلا بالحكم، ثم التفت إلى الحال فلذلك صور:
الأولى: أن يتذكر فى نفس يوم العيد، فيؤديه، ولا تجب عليه إعادة ما أتى به من أعمال الحج من الذبح والحلق أو التقصير والطواف.
الثانية: أن يتذكر فى ليلة اليوم الحادى عشر أو نهاره، فيقضيه فى نهار اليوم الحادى عشر ويفرق بينه وبين الرمى المفروض فى ذلك النهار بتقديم القضاء على الأداء بساعة، والأحوط الأولى أن يجعل القضاء صباحا، والأداء عند الظهر، ولا تجب عليه إعادة ما أتى به من أعمال الحج.
الثالثة: أن يتذكر بعد مضى اليوم الحادى عشر، وقبل خروجه من مكة، فيجب عليه أن يرمى خلال أيام التشريق، وهى تمتد من اليوم الحادى عشر إلى نهاية اليوم الثالث عشر، وإذا كان فى مكة وتذكر وجب عليه الرجوع إلى منى والرمى فيها.
وقد تسأل: أنه إذا تذكر بعد انتهاء أيام التشريق وهو فى مكة، فهل يجب عليه الرجوع إلى منى والرمى منها.
والجواب: نعم يجب عليه الرجوع ما دام هو فى مكة.
الرابعة: أن يتذكر بعد خروجه من مكة متجها إلى بلدته، فهل يجب عليه الرجوع إلى منى؟
والجواب: لا يجب عليه الرجوع.
وقد تسأل: أن حكم الجاهل بوجوب الرمى يوم العيد هل هو حكم الناسى فى وجوب القضاء فى اليوم الحادى عشر؟
والجواب: نعم إن حكمه حكم الناسى، بل لا فرق فى وجوب القضاء بين أن يكون ترك الرمى فى يوم العيد نسيانا أو جهلا أو لعذر آخر، بل وإن كان عامدا وملتفتا.
مسألة 216: إذا ترك الحاج رمى جمرة العقبة عامدا وعالما بالحكم الشرعى، فإن استمر على تركه بطل حجه، وإن تداركه قبل مضى وقته صح، وهل يجب عليه حينئذ أن يعيد ما أتى به من أعمال منى المترتبة على الرمى؟
والجواب: لا يبعد عدم وجوب إعادتها، وإن كانت الإعادة أحوط وأجدر.
مسألة 217: إذا طاف طواف الحج قبل رمى جمرة العقبة عامدا وملتفتا إلى موضع الطواف من الناحية التسلسلية ووجوبه، وحينئذ فإن استمر على ترك الرمى بطل حجه، وإن تداركه قبل مضى وقته صح، وهل تجب عليه إعادة الطواف؟
والجواب: نعم تجب إعادته وإعادة ما بعده كالسعى.
مسألة 218: إذا ترك الحاج رمى جمرة العقبة عن علم وعمد، ومضى إلى مكة، وطاف طواف الحج قبل الحلق والذبح، فعليه كفارة شاة، كما أن عليه أن يرجع إلى منى، ويرمى ويذبح، ثم يحلق أو يقصر، وبعد ذلك يعود إلى مكة، ويعيد الطواف قبل مضى الوقت، فإن فعل ذلك صح حجه، وإلا بطل. وكذلك إذا رمى جمرة العقبة ولكنه ترك الحلق أو التقصير عامدا وعالما بتسلسل الأعمال، ومضى إلى مكة، وطاف طواف الحج، وسعى بين الصفا والمروة، فإن عليه دم شاة، ووجوب أن يرجع
إلى منى، ويحلق أو يقصر فيها، ثم يعيد الطواف والسعى فإن صنع ذلك صح حجه، وإلا فسد.
مسألة 219: يستحب أن يكون الحاج على طهارة فى حال الرمى، وإذا أخذ حصاة الجمار وأتى الجمرة. القصوى التى عند العقبة رماها من قبل وجهها، أى مستدبر القبلة، ويقول والحصى بيده:
“اللهمَّ هؤلاء حصياتى فاحصهن لى، وارفعهن فى عملى”.
ثم يرمى فيقول مع كل حصاة: “الله أكبر، اللهم ادحر عنى الشيطان، اللهم تصديقا بكتابك، وعلى سنة نبيك، اللهم اجعله حجا مبرورا وعملا مقبولا، وسعيا مشكورا، وذنبا مغفورا” فإذا رجع من الرمى قال: “اللهم بك وثقت، وعليك توكلت، فنعم الرب ونعم المولى، ونعم النصير.”.
وهو الخامس من واجبات حج التمتع.
مسألة 220: موضعه من الناحية المكانية منى، وإذا ضاقت منى بالناس وتعذرت ممارسة الواجبات فيها اتسعت رقعة منى شرعا فشملت وادى
محسر، وعليه فإذا أنجز الناس واجبات منى فى وادى محسر كفى1 ، وهى منطقة بين منى والمشعر، وتفصل الأولى عن الثانية، وإذا تعذر الذبح فى منى بسبب منع السلطات وتعيين المجازر خارج منى جاز للحاج أن يذبح فى تلك المجازر، أو فى مكة شريطة أن لا يتمكن ّمن الذبح فى منى طول ذى الحجة بسبب أو آخر وإلا وجب التأخير، وإذا ذبح فى غير منى جهلا بالحكم، أو نسيانا، أو لاعتقاد أن المكان الفلانى الذى يذبح فيه من منى، فلا يبعد صحة ذبحه.
وقد تسأل: أنه إذا شك فى نقطة أنها من منى أو لا، فهل يجزى الذبح أو النحر فيها؟
والجواب: أن هذا الشك إن كان من جهة الشبهة المفهومية لا يبعد إجزاؤه فيها، توضيح ذلك:
إن حدود منى طولا وإن كانت معينة، فإنها من ناحية مكة جمرة العقبة، ومن ناحية المشعر وادى مُحَسَّر، إلا أن حدودها عرضا غير واضحة، وعلى هذا فإذا شك فى نقاط فى عرض منى أنها داخلة فيها أو خارجة عنها، لا يبعد ترتيب آثار منى عليها عمليا، باعتبار أن منى اسم لواقع المكان المسمى بمنى، وحينئذ فيكون الواجب إيقاع الذبح والحلق أو التقصير فى واقع المكان، وهو مردد بين السعة والضيق، فإذن بطبيعة
الحال يدور أمر التكليف بين الأقل والأكثر، وحيث إن الدليل المخصص، وهو ما دل على اعتبار كون الذبح والحلق أو التقصير بمنى مجملٌُ مفهوماً، فلا يكون حجة إلا فى المقدار المتيقن، وهو عدم إجزاء هذه الواجبات فى النقاط التى لا تكون من منى يقينا، وحينئذ فيكون ّالمرجع فى النقاط المشكوكة الأصل اللفظى إن كان، وإلا فالأصل العملى، ومقتضاه كفاية الذبح والحلق فيها، وتوضيح ذلك بأكثر من هذا فى محله1.
مسألة 221: موضعه من الناحية الزمانية يوم العيد على الأحوط الأولى، فإذا لم يأت به فى ذلك اليوم عامدا أو غير عامد، فالأحوط أن يأتى به خلال أيام التشريق2 ، وهى اليوم الحادى عشر والثانى عشر والثالث
عشر، وإذا لم يأت به خلال تلك الأيام وجب عليه أن يأتى به خلال شهر ذى الحجة1.
مسألة 222: موضعه من ناحية تسلسل الواجبات بعد الرمى، وان قدمه على الرمى جاهلا أو ناسيا صح، ولم يحتج إلى الإعادة، وإن قدمه عليه عامدا وملتفتا بوجوب البدء بالرمى أولا فهل عليه أن يعيده بعد أن يرمى؟ لا يبعد عدم وجوب الإعادة، وإن كانت الإعادة أحوط وأجدر. وقد تسأل: أن من لم يتمكن من الذبح أو النحر فى منى يوم العيد بسبب من الأسباب فهل عليه أن يؤخر الحلق أو التقصير ايضا؟
والجواب: لا يجب عليه ذلك2.
وقد تسأل: هل يجوز تأخير الذبح أو النحر فى منى عن يوم العيد؟
والجواب: أنه غير بعيد وإن كانت رعاية الاحتياط أولى وأجدر.
مسألة 223: تجب فيه النية عند المباشرة، أو عند التوكيل، بأن ينوى مثلا (أذبح الشاة لحج التمتع من حجة الإسلام قربة إلى الله تعالى) وإذا كان نائبا ذكر اسم المنوب عنه، وإذا كان حجا مستحبا اسقط كلمة “حجة الإسلام”.
مسألة 224: من لم يتمكن من الذبح أو النحر بمنى فى يوم العيد بسبب من الأسباب، فهل يجوز له إنجاز هذه العملية خارج منى كمكة أو نحوها؟
والجواب: أن عدم التمكن من ذلك إن كان من جهة أن منى قد ضاقت بالناس وتعذر إنجاز هذه العملية فيها، فحينئذ بما أن رقعة منى قد توسعت شرعا فتشمل وادى محسر فعليه أن يقوم بإنجازها فى الوادى، ولا يجوز فى الخارج1. نعم إذا لم يتمكن من إنجازها فيه أيضا يجوز فى مكة أو غيرها. وإن كان من جهة منع السلطات عن الذبح فى منى وتعيينها مجازر
خارج منى، فهل يجوز له حينئذ الذبح فى تلك المجازر، أو فى مكة أو غيرها؟.
الجواب: أنه إن كان مأيوسا من التمكن من الذبح فى منى إلى آخر ذى الحجة ولو لسبب أنه لا يتمكن من البقاء فى مكة، جاز له الذبح فى خارج منى، وإن علم انه متمكن منه فيها خلال أيام التشريق أو إلى آخر ذى الحجة وجب التأخير والذبح فيها كما مر1.
مسألة 225: إذا ترك الحاج الذبح أو النحر فى يوم العيد عامدا وملتفتا إلى موضعه التسلسلى وأتى بسائر واجبات الحج من الحلق أو التقصير والطواف، فإن استمر على تركه بطل حجه2 ، وإن تداركه قبل مضى وقته صح.
وهل تجب عليه إعادة ما أتى به من الأعمال المترتبة.
عليه؟ والجواب: تجب إعادة الطواف1 ، وأما الحلق أو التقصير فعدم وجوب إعادته لا يخلو عن قوة، وإن كان الأحوط والأجدر الإعادة.
وإذا تركه نسيانا أو جهلا بالحكم1 ثم تذكر وجب عليه تداركه وإن كان التذكر فى آخر ذى الحجة، وهل تجب عليه إعادة ما أتى به من الأعمال المترتبة عليه؟
والجواب: لا تجب حتى الطواف وما بعده فى هذه الحالة.
مسألة 226: يجب أن يكون الهدى من أحد الأنعام الثلاثة، الإبل والبقر والغنم، ولا يجزى من الإبل إلا ما أكمل السنة الخامسة، ودخل فى السادسة، ولا يجزى من البقر والمعز إلا ما أكمل الثانية ّودخل فى الثالثة على الأحوط، ولا يجزى من الضأن إلا ما أكمل الشهر السابع ودخل فى الثامن، والأحوط أن يكون قد أكمل السنة الواحدة ودخل فى الثانية، وإذا تبين له بعد الذبح انه لم يبلغ السن المعتبر فيه لم يجزئه ذلك، ولزمته الإعادة2.
ويعتبر فى الهدى أن يكون تام الأعضاء، فلا يجزئ الأعور والأعرج والمقطوع أذنه والمكسور قرنه من الداخل والخصى، وأن لا يكون مهزولا عرفا، والأحوط الأولى أن لا يكون مريضا ولا موجوءا، ولا مرضوض الخصيتين، ولا كبيرا لا مخ له، ولا فاقد القرن أو الذنب من أصل خلقته، ولا بأس بأن يكون مشقوق الأذن أو مثقوبها، وإذا لم يتيسر الهدى الواجد لكل هذه الشروط أجزأه ما تيسر له من الهدى، ولا يجوز أن يشترك شخصان يقومان بحجة الإسلام فى هدى واحد، بل لابد من ذبيحة مستقلة لكل منهما.
مسألة 227: إذا اشترى هديا باعتقاد سلامته فنقد ثمنه، ثم علم أن به عيبا فالظاهر جواز الاكتفاء به.
مسألة 228: إذا اشترى هديا باعتقاد أنه سمين فبان مهزولا أجزأه وإن كان الانكشاف قبل الذبح أو النحر، ولا فرق فى ذلك بين أن يملك الهدى بالشراء أوالإرث أو الهبة1.
مسألة 229: إذا ذبح الهدى وبعد الذبح شك فى أنه كان واجدا للشروط أو لا، يحكم بصحته وعدم وجوب الإعادة شريطة احتمال أنه كان ملتفتا فى وقت الذبح إلى ما يعتبر فى صحته وكذلك إذا شك بعد الذبح انه كان بمنى أو كان فى محل آخر1 ، نعم إذا شك فى نقطة أنها من منى أو لا، فإن كان ذلك بنحو الشبهة الموضوعية لم يكف الذبح فيها، وإن كان بنحو الشبهة المفهومية فلا يبعد الكفاية كما تقدم، وإذا شك فى أصل الذبح فإن كان الشك بعد الدخول فى الحلق أو التقصير لم يعتن بشكه تطبيقا لقاعدة التجاوز.
مسألة 230: إذا شك الحاج فى هزال هديه فذبحه امتثالا لأمر الله تعالى رجاءً، وبعد الذبح ظهر أنه كان سمينا أجزأه ذلك.
مسألة 231: إذا اشترى هديا سليما وصحيحا، وبعد الشراء مرض وصار مهزولا، أو أصابه كسر فى رجله أو قرنه من الداخل أو غير ذلك أو عيب
كما إذا صار أعور أو أعرج أو مقطوع الأذن، فهل يجزى ذبحه، أو يجب عليه تبديله بالهدى السالم؟
والجواب: أنه يجزى.
مسألة 232: إذا ضل هديه ثم اشترى مكانه هديا آخر فإن وجد الأول قبل ذبح الثانى ذبح الأول وأما الثانى فهو بالخيار إن شاء ذبحه، وإن شاء لم يذبحه، فإنه كسائر أمواله، وإن وجد بعد ذبحه الثانى ذبح الأول أيضا، هذا إذا لم يكن الثانى أفضل من الأول كما وكيفا، وأما إذا كان أفضل منه، كما إذا كان الأول شاة واشترى مكانها جملا أو شاة أخرى اسمن من الأول، فلا يبعد الإجزاء، وإن كان الأحوط والأجدر ذبح الأول أيضا.
مسألة 233: إذا وجد شخص هديا ضالا وجب عليه تعريفه إلى اليوم الثانى عشر والثالث عشر فإن لم يَجِدْ صاحبه ذبحه عصر اليوم الثالث عشر عن صاحبه بمنى1.
مسألة 234: من لم يجد الهدى وتمكن من ثمنه فعليه أن يدع ثمنه فى مكة عند ثقة ليشترى به هديا، ويذبحه عنه فى منى إلى آخر ذى الحجة، فإن مضى الشهر انتهى وقته، وحينئذ فيجب عليه أن يذبحه فى السنة القادمة.
مسألة 235: إذا لم يتيسر للحاج الهدى ولا ثمنه، فعليه صيام عشرة أيام بديلا عنه1 ، ثلاثة أيام فى الحج، اليوم السابع والثامن والتاسع من ذى الحجة2 ، وسبعة أيام إذا رجع إلى بلدته، والأظهر أن يكون صيام السبعة فى بلدته متواليا، وهل يجوز أن يكون صيام الثلاثة من أول ذى الحجة بعد التلبس بإحرام عمرة التمتع؟
والجواب: يجوز ذلك، ويجب التتابع فى صيام الأيام الثلاثة مطلقا، سواء أصام تلك الأيام فى العشرة الأولى من ذى الحجة أم بعد أيام التشريق، أم فى العشرة الأخيرة، وسواءٌ كان ذلك فى الطريق أو فى مكة أو فى بلدته، ولا تجزى إذا كانت متفرقة3 ، وإذا لم يرجع الحاج إلى بلده، وأقام بمكة
فعليه أن يصبر حتى يرجع أصحابه إلى بلدهم، أو يمضى شهر كامل ثم يصوم السبعة1.
مسألة 236: من يجب عليه صوم ثلاثة أيام فى الحج، إذا لم يتمكن من الصوم فى اليوم السابع من شهر ذى الحجَّة، أخَّرَه إلى ما بعد أيام التشريق، وحينئذ فإن كان فى مكة، صام ثلاثة أيام متتابعات فيها، وإن لم يتمكن من البقاء فيها فإن شاء صام الأيام الثلاثة فى الطريق، وإن شاء صامها فى بلدته، ولا يجوز الجمع بين الثلاثة والسبعة، بأن يصوم عشرة أيام متواليات، وإذا لم يصم الحاج الثلاثة حتى أهل هلال محرم سقط الصوم عنه، وتعين عليه الهدى فى السنة القادمة.
مسألة 237: من كان فى منى لممارسة أعمال الحج فيها، لا يجوز له أن يصوم أيام التشريق وهى اليوم الحادى عشر والثانى عشر والثالث عشر من ذى الحجة.
وقد تسأل: هل يجوز أن يصوم اليوم الثالث عشر فى مكة بعد الرجوع من منى؟
والجواب: أنه يجوز، كما انه يجوز لغير الحاج أن يصوم هذه الأيام الثلاثة فى بلده أو مكان آخر.
مسألة 238: إذا تيسر له الهدى بعد يوم العيد خلال أيام التشريق أو بعدها حتى فى العشرة الأخيرة من ذى الحجة، فإن كان ذلك قبل صيامه الأيام الثلاثة فى الحج، فلا إشكال فى أن وظيفته الهدى دون الصيام، وإن كان ذلك بعد صيام الأيام الثلاثة فيه، فهل تكون وظيفته الهدى أيضا، أو الصيام؟ الأظهر أنها الهدى.
وقد تسأل: أن الحاج إذا ترك صيام الأيام الثلاثة فى تمام ذى الحجة، فهل يجب عليه الهدى فى السنة القادمة، أو الصوم فى الشهر الآتى؟
والجواب: أن وظيفته الهدى فى السنة الأخرى، ولا فرق فى ذلك بين أن يكون ترك صيامها عن اختيار أو نسيان أو جهل، بل الأمر كذلك إذا كان تركها لعذر كالمرض أو نحوه1.
وقد تسأل: أن المكلف إذا صام ثلاثة أيام فى الحج، فهل يجوز له أن يصوم سبعة أيام بعد ذى الحجة فى بلده؟
والجواب: يجوز له ذلك، لأن صوم الأيام الثلاثة مؤقت بذى الحجة دون صوم الأيام السبعة.
وقد تسأل: أن المكلف إذا نسى صيام الأيام الثلاثة فى مكة، ورجع إلى بلده وتذكر فى وقت يتمكن من الهدى فيه، فهل وظيفته حينئذ صيام تلك الأيام أو الهدى؟.
والجواب: أن وظيفته الهدى.
وقد تسأل: أن المكلف إذا صام الأيام الثلاثة فى ذى الحجة، ثم مات فى بلده إذا رجع قبل أن يصوم السبعة، فهل يجب على وليه القضاء؟
والجواب: لا يجب.
وقد تسأل: أن من لم يتمكن من الهدى مستقلا، وتمكن من الشركة فيه مع غيره1 ، فهل تكون وظيفته الشركة أو الصيام؟.
والجواب: أن وظيفته الصيام.
مسألة 239: إذا وكل الحاج شخصا فى الذبح أو النحر عنه، ثم شكّ فى أنه ذبحه أو نحره أو لا، بنى على عدمه، إلا إذا كان الوكيل ثقة وأخبره بذبحه أو نحره فإنه يكتفى به، أو حصل له الاطمئنان بذلك2.
مسألة 240: لا تعتبر شرائط الهدى فى الكفارة.
مسألة 241: يجب على الحاج أن يذبح هديه أو ينحره فى منى مباشرة، أو بالوكالة1 ، ولا يعتبر الإيمان فى الوكيل، ويكفى إسلامه.
وقد تسأل: أن الذابح إذا كان وكيلا من قبل الحاج فى الذبح، فهل ينوى القربة الوكيل أو الحاج نفسه؟
والجواب: ينوى القربة الحاج نفسه عند التوكيل2.
وقد تسأل: أن الحاج عندما يوصى الوكيل تنفيذ وكالته ومباشرة الذبح، قد يكون ذاهلا عن نيته فكيف تكفى فى صحته؟
والجواب: أن هذا الذهول لا يمنع عن صحته ما دامت النية كامنة فى أعماق نفسه على نحو لو سأله سائل ماذا صنعت، لانتبه فورا إلى أنه وكل فلانا فى الذبح عنه ونوى القربة فيه، ومن هنا لو نوى الصلاة وكبر ثم ذهل عن نيته وواصل صلاته على هذه الحال من الذهول صحت صلاته مادامت النية كامنة فى أعماقه على نحو لو سأله سائل ماذا تفعل لانتبه فورا إلى أنه يصلى قربة إلى الله تعالى، وهكذا الحال فى سائر العبادات، حيث لا يمكن أن يكون المصلى منتبها إلى نيته انتباها كاملا فى جميع أحوال الصلاة من المبدأ إلى المنتهى.
مسألة 242: يجب على الحاج إذا وجد الفقراء فى منى أن يتصدق عليهم من لحوم ذبيحته، ويجوز له أن يأكل منها وعائلته وإخوانه، هذا إذا ّلم يسق هديه معه، وإلا وجب عليه أن يتصدق بثلث منها للفقراء، وثلث منها للقانع والمعتر، ويأكل هو وأهله من الثلث الباقى، هذا فى فرض التمكن من ذلك، وإلا فلا شيء عليه.
وقد تسأل: أن الحاج إذا كان يأخذ الوكالة عن فقير فى بلده فيقبض ثلثه وكالة عنه فهل يكفى ذلك، ويعوض عن إطعام الفقير؟
والجواب: لا يكفى ذلك، لأن المأمور به فى الآية الشريفة عنوان إطعام البائس الفقير وهو لا ينطبق عرفا على تقبل الحاج للثلث وكالة عن فقير يبعد عن منى مئات الفراسخ، ولا يحصل على شيء من الذبيحة، فإن المأمور به عنوان الإطعام، لا مجرد إنشاء التمليك.
وقد تسأل: هل يعتبر الإيمان فى الفقير؟
والجواب: لا يعتبر الإيمان فيه، وإذا وجد الحاج فقراء فى منى تصدق باللحم عليهم مهما كان مذهبهم ونوعهم.
وقد تسأل: هل يجوز إخراج لحوم الأضاحى من منى؟
والجواب: يجوز ذلك.
مسألة 243: لا يضمن الحاج حصة الفقراء إذا تلفت، بل لو أتلفها عامدا وملتفتا إلى الحكم الشرعى لم يضمن، لأن الظاهر من الآية الشريفة والروايات أن وجوب إطعام الفقراء من الذبيحة وجوب تكليفى من دون أن تكون الذبيحة متعلقة لحقهم.
مسألة 244: يستحب أن يقول عند الذبح أو النحر:
“وجهت وجهى للذى فطر السماوات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين، إن صلاتى ونسكى ومحياى ومماتى لله رب العالمين، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين، اللهم منك ولك، باسم الله والله أكبر،
اللهم تقبل منى كما تقبلت عن إبراهيم خليلك وموسى كليمك ومحمد حبيبك.”1.
وهو الواجب السادس من واجبات حج التمتع.
مسألة 245: موضعه من الناحية المكانية منى، وإذا خرج منها نسيانا أو جهلا منه بالحكم، ولم يؤد هذا الواجب، فإن تذكر أو علم بالحكم وجب عليه الرجوع إلى منى مع التمكن، فإن تعذر الرجوع أو تعسر عليه، حلق أو قصر فى مكانه وبعث بشعر رأسه إلى منى1 ، وإذا خرج منها تاركا للحلق أو التقصير عامدا وملتفتا إلى الأحكام الشرعية وتسلسل المناسك فإن استمر على تركه بطل حجه، وإن تداركه فى وقته صح2 ، وحينئذ فإن كان قد طاف بالبيت وسعى قبل الحلق أو التقصير عن عمد وعلم فعليه أن يعيدهما بعد الحلق أو التقصير ويكفر بدم شاة.
مسألة 246: موضعه من الناحية الزمانية نهار يوم العيد على الأحوط، وإذا أخره عن نهار يوم العيد عامدا وملتفتا إلى الحكم الشرعى وأتى به بعده إلى آخر أيام التشريق أو بعدها، بل إلى آخر ذى الحجة صح
حجه1 ، ولكن إذا كان قد طاف بالبيت وسعى قبل الحلق أو التقصير عالما عامدا فعليه الإعادة والكفارة كما مر، وإذا تركه نسيانا أو جهلا بالحكم حتى نفر من منى وجب عليه الرجوع فى أى وقت تذكر لأدائه مع التمكن، وّان تعذر الرجوع أو تعسر حلق أو قصر فى موضعه وأرسل بشعره إلى منى.
وقد تسأل أن من خرج من منى قبل الحلق أو التقصير لحاجة ناويا الرجوع إليها لأداء أعمالها ولكن تعذر عليه الرجوع لسبب أو آخر، فهل وظيفته الحلق أو التقصير فى مكانه؟
والجواب: نعم وظيفته ذلك، وعليه إرسال شعره إلى منى.
مسألة 247: موضعه من ناحية تسلسل الأعمال بعد رمى جمره العقبة والذبح، ولكن إذا قدمه على الذبح جاهلا بالحكم أو ناسيا أو عالما عامدا2 صح، ولا تجب عليه إعادته بعد الذبح3 ، وأما إذا قدمه على
الرمى, فإن كان جاهلا أو ناسيا صح أيضا، ولا تجب إعادته، وإن كان عامدا وعالما بالحال فهل تجب إعادته؟
والجواب: لا يبعد عدم وجوب إعادته بعد الرمى أيضا، وإن كانت الإعادة أحوط وأجدر.
مسألة 248: وكيفيته، أن الرجل الحاج إذا كان قد حج حجة أو أكثر، فوظيفته التخيير بين الحلق أو التقصير، ونريد بالحلق حلق شعر الرأس بتمامه، سواء أكان بالموسى أو بالماكنة التى لا تبقى شعرا، وإن كانت حجته الأولى (الصرورة) فلا يبعد أن تكون وظيفته أيضا التخيير بينهما، وإن كان الأحوط والأجدر به أن يختار الحلق، نعم إذا لبد الرجل الحاج شعر رأسه أو عقصه، فالأظهر وجوب الحلق عليه تعيينا وإن لم يكن صرورة.
وأما المرأة الحاجة، فيتعين عليها التقصير وإن كان شعر رأسها ملبدا أو معقوصا.
مسألة 249: نيته، تجب فيه النية بتمام عناصرها الثلاثة، من نية القربة والإخلاص وقصد اسمه الخاص وعنوانه المخصوص المميز له شرعا، وصورتها – مثلا (أحلق، أو أقصر فى حج التمتع من حجة الإسلام قربة إلى الله تعالى مخلصا لوجهه الكريم)، وإن كان نائبا ذكر اسم المنوب عنه، وإن كان مستحبا اسقط كلمة” حجة الإسلام “وهكذا.
مسألة 250: أثره، إذا حلق المحرم أو قصر حل له كل شيء يحرم عليه بالإحرام ما عدا الطيب والنساء والصيد الإحرامى، ويجوز له حينئذ أن يلبس ثيابه الاعتيادية، وأن يغطى رأسه بما يشاء، وهكذا.
مسألة 251: الخنثى المشكل يجب عليه التقصير إذا لم يكن ملبدا أو معقوصا، وإلا جمع بين التقصير والحلق.
مسألة 252: يستحب أن يكون الحاج مستقبلا القبلة، وأن يبدأ فيه من الطرف الأيمن، وأن يقول حين الحلق” اللهم اعطنى بكل شعرة نورا يوم القيامة، “وأن يدفن شعره فى خيمته فى منى، وأن يأخذ من لحيته وشاربه، ويقلم أظافره بعد الحلق.
مسألة 253: كيفيتها وشرائطها هى نفس الكيفية التى ذكرناها فى طواف العمرة وصلاته وسعيها غير أن النية تختلف، فينوى هنا أنه يطوف ويصلى ويسعى بين الصفا والمروة لحج التمتع، بدلا من عمرة التمتع.
مسألة 254: موضعه من الناحية الزمانية يمتد من اليوم العاشر من ذى الحجة إلى آخر أيامه فيجوز تأخيره إلى ما بعد أيام التشريق، بل إلى آخر ذى الحجة على الأظهر، وإن كان الأحوط والأجدر أن لا يؤخره عن اليوم الحادى عشر، وكذلك الأمر فى السعى، فإن موضعه التسلسلى بعد الطواف وركعتيه1.
مسألة 255: موضعه من ناحية تسلسل المناسك بعد الوقوف بالموقفين وأعمال منى يوم العيد فلا يجوز تقديم طواف الحج وصلاته، والسعى على الوقوف بالموقفين، ولو قدم ذلك على الوقوف بهما عامدا أو غير عامد لم يجزئ، وتجب عليه الإعادة فى موضعها التسلسلى.
نعم يستثنى من ذلك المعذور والشيخ الكبير1 والمرأة الكبيرة والمرأة التى تخاف من الحيض2 والمريض، فيجوز لهؤلاء بعد التلبس بإحرام الحج3 تقديم الطواف وصلاته والسعى على الوقوف بالموقفين4.
وقد تسأل: هل يجوز لهؤلاء المعذورين أن يقدموا طواف النساء أيضا على الوقوف بالموقفين؟
والجواب: أنه غير بعيد، وان كان الاحتياط أولى وأجدر.
مسألة 256: يسوغ للخائف على نفسه أو عرضه أو ماله من دخول مكة أن يقدم الطواف وصلاته والسعى على الوقوف بالموقفين، بل يجوز له تقديم طواف النساء أيضا، فيمضى بعد الانتهاء من أعمال منى إلى بلده أو بلد آخر.
مسألة 257: لا يجوز تقديم طواف الحج على الحلق أو التقصير، فلو قدمه بأن ذهب إلى مكة فطاف قبل أن يحلق أو يقصر، فإن كان عامدا وعالما بالحال فعليه التكفير بشاة، وإعادة ما أتى به من الطواف وصلاته والسعى بعد أن يحلق أو يقصر، وإن كان جاهلا بالحكم أو ناسيا ثم التفت إلى الحال حلق أو قصر، ولا كفارة عليه ولا إعادة.
مسألة 258: أثره، إذا طاف الحاج رجلا كان أم امرأة وصلى صلاة الطواف، وسعى بين الصفا والمروة، حل له الطيب، وبقى عليه من محرمات الإحرام شيئان:
أحدهما: النساء، ونريد بحرمة النساء هنا خصوص الاستمتاع بها جماعا، وأما سائر ألوان الاستمتاعات فهى تحل له بالحلق أو التقصير، وكذلك عقد النكاح.
والآخر: الصيد الإحرامى، وإذا طاف طواف النساء حل له النساء، وإذا زالت الشمس فى اليوم الثالث عشر من شهر ذى الحجة حلّ له الصيد، وأما الصيد فى الحرم فهو محرم عليه ما دام فى الحرم.
وقد تسأل: أن الطيب هل يحل له بطواف الحج وصلاته فحسب، أو يتوقف على ضم السعى بين الصفا والمروة أيضا؟
والجواب: أنه يتوقف على ضم السعى أيضا.
مسألة 259: إذا طاف الرجل طواف النساء، ثم قبل امرأته بشهوة وهى لم تطف طواف النساء فعليه كفارة دم شاة.
مسألة 260: قد تسأل: أن من يجوز له تقديم طواف الحج وصلاته والسعى على الوقوف بالموقفين، فإذا قدمهما عليه، فهل يحل له الطيب؟
والجواب: لا يحل له الطيب حتى يأتى بتمام أعمال منى، من رمى جمرة العقبة والذبح والحلق أو التقصير.
مسألة 261: حكمه، من ترك الطواف أو صلاته، أو السعى عامدا وملتفتا إلى الحكم الشرعى فإن تداركه قبل مضى الوقت صح، وإن لم يتدارك حتى انتهى الوقت بانتهاء ذى الحجة بطل حجه وإحرامه.
ومن ترك الطواف أو السعى جاهلا بالوجوب، واستمر على هذه الحالة، ولم يتدارك قبل مضى الوقت، بطل حجه وإحرامه أيضا، وعلى تارك الطواف جهلا كفارة بدنة. ومن ترك صلاة الطواف جاهلا بوجوبها تداركهاّ فى محلها، ومع عدم التمكن صلاها فى مكانه، وإذا نسى صلاة الطواف، فإن تذكر وهو فى مكة وجب عليه الإتيان بها فى محلها، وإن تذكر بعد الخروج من مكة، فإن كان التذكر بعد الابتعاد عن مكة بمسافة قليلة وجب عليه أن يرجع ويصلى فى محلها، أو يستنيب من يصلى عنه، والأحوط وجوبا أن تكون الاستنابة فى حال عجزه من القيام بها مباشرة.
ومن ترك الطواف نسيانا أتى به، وإذا كان قد سعى طاف وأعاد سعيه على الأحوط الأولى، وإذا تذكر الطواف بعد خروجه من مكة وعدم تمكنه من الرجوع استناب شخصا يطوف عنه نيابة ويسعى أيضا كذلك، على الأحوط الأولى، بل لا يبعد جواز الاستنابة حتى فى حال التمكن من المباشرة، ومن ترك السعى نسيانا جرى عليه الحكم نفسه. وحال العجز عن المباشرة للطواف أو السعى فى الحج لمرض أو نحوه حال العجز عن مباشرتهما كذلك فى العمرة، وقد سبق حكمه فالعاجز عن الطواف يطاف به، ومع العجز عن ذلك أيضا يستنيب من يطوف عنه، والعاجز عن السعى ولو راكبا يستنيب من يسعى عنه. وتعتبر المرأة التى طرأ عليها الحيض أو النفاس عاجزة عن الطواف إذا لم يتيسر لها المكث فى مكة إلى حين طهرها، تستنيب من يطوف عنها ويصلى صلاة الطواف، ثم تسعى بنفسها بين الصفا والمروة بعد طواف النائب وصلاته.
لمزيد التعرف على حكم المسألة نذكر فيما يلى أمورا:
1 – قد تسأل: أن من نسى طواف الحج وتذكر بعد خروجه من مكة، ولم يتداركه مباشرة ولا استنابة عامدا وعالما بالحكم، فهل يبطل حجه؟
والجواب: أنه إن تذكر فى ذى الحجة فى وقت يتمكن من تداركه فيه بنفسه أو بنائبه وقبل خروجه ودخول شهر آخر، ومع ذلك تسامح ولم يقم بتداركه فيه عن علم وعمد بطل حجه باعتبار أنه حينئذ تارك للطواف عامدا وملتفتا فى وقته، وإن تذكر بعد خروج شهرّ ذى الحجة فحينئذ وإن وجب عليه قضاؤه، إلا أنه إذا تركه ولو عامدا وملتفتا لم يبطل حجه وإن اعتبر آثما.
2 – الطواف المنسى إن كان طواف عمرة التمتع، فإن تذكر بعد انتهاء الوقت، فعليه أن يقضيه بعد أعمال منى وإن كان طواف الحج وتذكر بعد الخروج من مكة، فقد مر حكمه.
3 – إذا استمتع الناسى للطواف بأهله جماعا وهو ناس فعليه هدى، وحينئذ فإن تذكر وهو فى بلده، فإن كان المنسى طواف الحج بعث بهديه إلى منى، ويذبح فيها، وإن كان طواف العمرة بعث بهديه إلى مكة ويذبح فيها. وان تذكر وهو فى مكة، فإن كان المنسى طواف الحج بعث بهديه إلى منى، وإن كان طواف العمرة ذبح فى مكة.
4 – إذا تذكر بعد شهر ذى الحجة انه ترك الطواف وهو فى مكة، فهل عليه أن يحرم من جديد للطواف المنسى، فيأتى به؟
والجواب: لا يجب عليه الإحرام من جديد، ويبقى عليه من محرمات إحرامه السابق الطيب والنساء، لا تَحِلُّ ما لم يأت بطواف الزيارة وطواف النساء.
5 – إذا تذكر وهو فى بلده ورجع ودخل فى مكة فى آخر يوم من شهرذى الحجة، ولكنه لا يتمكن من الإتيان بالطَّواف إلا بعد هلال شهر محرم، فهل يجب عليه أن يحرم ويدخل فى مكة وهو محرم؟
والجواب: لا يجب عليه أن يحرم.
6 – قد تسأل: هل لقضاء الطواف المنسى وقت محدد؟
والجواب: ليس له وقت محدد، فيجوز الإتيان به طول السنة.
7 – إذا كان المنسى بعض الطواف دون الكل، وجب تدارك ذلك البعض بالمباشرة أم بالاستنابة، وإن كان الأولى والأجدر أن يأتى بطواف كامل بقصد الأعم من التكميل والاستئناف.
مسألة 262: آداب طواف الحج وسعيه هى آداب طواف العمرة وسعيها التى تقدمت فى العمرة وآداب صلاة الطواف هى آداب صلاة طواف العمرة، ويستحب للحاج عند إرادة الوصول إلى المسجد للطواف أن يقف على باب المسجد ويقول:
“اللهمِّ أعنى على نسكك، وسلمنى له، وسلمه لى، أسألك مسألة العليل الذليل المعترف بذنبه، أن تغفر ذنوبى، وأن ترجعنى بحاجتى، اللهم إنى عبدك، والبلد بلدك، والبيت بيتك، جئت اطلب رحمتك، وأؤم طاعتك متبعا لأمرك راضيا بقدرك، أسألك مسألة المضطر إليك، المطيع لأمرك، المشفق من عذابك، الخائف لعقوبتك، أن تبلغنى عفوك، وتجيرنى من النار برحمتك”.
فإذا فرغ من هذا الدعاء ودخل المسجد يتجه قبل البدء بالطواف إلى الحجر الأسود، فيستلمه ويقبله إذا أتيح له ذلك بدون إيذاء للآخرين وإلا اكتفى باستلامه بيده، ويقبل يده بعد الاستلام، وإن لم يتيسر له ذلك أيضا كما هو الغالب استقبل الحجر وكبَّر، وقال: “اللهمّ أمانتى أديتها، وميثاقى تعاهدته، لتشهد لى بالموافاة”.
مسألة 263: الواجب العاشر والحادى عشر طواف النساء وصلاته، وهما واجبان مستقلان ولهذا لا يبطل الحج بتركهما وإن كان عن علم وعمد، ويجبان على الرجال والنساء1.
مسألة 264: موضعه من الناحية التسلسلية بعد طواف الحج، والسعى، فلا يجوز تقديمه عليهما، ولا على السعى، فلو قدمه عليه وجبت عليه إعادته بعد السعى، وإن كان التقديم عن جهل، بل لا يبعد وجوب الإعادة وإن كان ذلك عن نسيان.
مسألة 265: أثره، إذا طاف الحاج رجلا كان أو امرأة طواف النساء، حل له ما كان قد حرم عليه بالإحرام، وهو الاستمتاع بالجماع، ولم يبق عليه من محرمات الإحرام إلا الصيد الإحرامى، فإنه لا يحل له وإن كان فى الحل، إلا بالزوال من اليوم الثالث عشر من ذى الحجة وأما حرمة
الصيد فى الحرم، وحرمة قلع الشجر، وما ينبت فى الحرم، فهما ثابتان على المكلف على أساس حرمة الحرم، ويشترك فيها المحرم والمحل على السواء.
مسألة 266: الكيفية، طواف النساء وصلاته كطواف الحج وصلاته فى الكيفية والشرائط ويختلف فى النية إذ ينوى هنا طواف النساء وصلاته.
مسألة 267: صورة النية – مثلا -: “أطوف طواف النساء لحج التمتع من حجة الإسلام قربة إلى الله تعالى” وإذا كان نائبا عن الغير ذكر اسم المنوب عنه، وقصد الطواف عنه1 ، وإذا كان الحج مستحبا اسقط كلمة “حجة الإسلام” وصورتها فى الصلاة – مثلا – “أصلى ركعتى طواف النساء لحج التمتع قربة إلى الله تعالى” وهكذا على ما مَرَّ.
مسألة 268: حكمه، العاجز عن مباشرة طواف النساء بالاستقلال لمرض أو غيره يستعين بغيره فيطوف ولو محمولا على متن إنسان، وإذا لم يتمكن من ذلك أيضا لزمته الاستنابة، وأما العاجز عن صلاة الطواف مباشرة يستنيب من يصلى عنه2.
مسألة 269: من ترك طواف النساء سواء أكان عامدا وعالما بالحكم1 ، أم كان جاهلا أو ناسياً ظلَّت حرمةُ النساء عليه إلى أن يتداركه، ومع تعذر المباشرة أو تعسرها استناب من يطوف عنه فإذا طاف النائب حلت له النساء، وأما إذا مات الحاج قبل تداركه، فإن أوصى به خرج من ثلثه وإلا لم يجب قضاؤه على وليه. وحكم نسيان الصلاة فى طواف النساء كحكم نسيان الصلاة فى طواف الحج، وقد تقدم فى المسألة رقم 264.
مسألة 270: مَنْ يجوز له تقديم طواف النساء2 على الوقوف بالموقفين كالخائف أو غيره من المعذورين، فإذا قدمه عليه، فهل تحل له النساء؟
والجواب: لا تحل له النساء حتى يأتى بمناسك الحج جميعا.
مسألة 271: إذا حاضت المرأة ولم تنتظر القافلة طهرها، جاز لها فى هذه الحالة ترك طواف النساء والخروج مع رفقتها، ويجب عليها على الأحوط أن تستنيب لطوافها ولصلاته3 ، وكذلك إذا حاضت بعد طوافها أكثر
من النصف، فإنه يجوز لها ترك الباقى والخروج مع رفقتها وتستنيب لبقية الطواف، ولصلاته على الأحوط وجوبا.
مسألة 272: الواجب الثانى عشر من واجبات الحج المبيت فى منى، ونقصد به تواجد الحجاج فيها فى الليل، ولا يجب التواجد فيها فى النهار إلا بقدر ما يتطلبه رمى الجمرات، ويعتبر فى المبيت نية القربة1 والخلوص على النهج السابق المتقدم.
مسألة 273: يجب على الحاج التواجد فى منى2 ليلتين، وهما ليلة الحادى عشر، وليلة الثانى عشر، ويكفى فى التواجد المطلوب فى كل ليلة
أن يكون فى منى من أول الليل إلى أن يتجاوز منتصفه، أو يكون فيها قبل منتصف الليل إلى الفجر1 ، فيسمح لمن بقى من أول الليل إلى منتصفه فى منى أن يغادرها إلى مكة أو غيرها، وكذلك يسمح له أن يكون خارج منى إلى قبيل نصف الليل مع المبيت فيها حينئذ من النصف إلى الفجر. ويستثنى ممن يجب عليه المبيت من الحجاج عدة أصناف:
1 – المعذور كالمريض والممرض والخائف على نفسه أو عرضه أو ماله من المبيت فى منى.
2 – من اشتغل بالعبادة فى مكة المكرمة تمام ليلته ما عدا الحوائج الضرورية، كالأكل والشرب ونحوهما، وكذلك يجوز لمن خرج من منى إلى مكة بعد دخول الليل أن يبقى فيها مشتغلا بالعبادة إلى الفجر2.
3 – من طاف بالبيت واشتغل بالعبادة، ثم خرج من مكة وتجاوز بيوتها القديمة، فيجوز له أن يبيت فى الطريق من دون أن يصل إلى منى1.
وهؤلاءالأصناف معذورون من المبيت فى منى.
ويستثنى ممن لا يجب عليه المبيت فى ليلة الثالث عشر طوائف:
1 – من لم يجتنب الصيد فى إحرامه.
2 – من أتى النساء على الأحوط الأولى.
3 – من دخل عليه غروب اليوم الثانى عشر، وهو لا يزال فى منى.
ويجوز لغير هذه الأصناف النفر من منى2 بعد زوال اليوم الثانى عشر، إلا إذا بقى فى منى حتى دخل عليه الليل فيجب حينئذ المبيت ليلة اليوم الثالث عشر الى فجر ذلك اليوم3.
مسألة 274: إذا تهيأ الحاج للخروج من منى، وتحرك من مكانه، ولكنه من جهة الزحام أو مانع آخر، لم يتمكن من الخروج قبل الغروب من منى، وحينئذ فإن أمكنه المبيت فيها وجب ذلك وإن لم يمكنه أو كان المبيت حرجيا عليه، جاز له الخروج ولا شيء عليه، وإن كان الأولى والأجدر أن يكفر بشاة.
مسألة 275: مَن ترك المبيت بمنى رأسا عامدا وعالما بالحكم، وبدون عذر فحجه وإن لم يبطل بذلك ولكن عليه إثم وكفارة دم شاة عن ترك المبيت فى كل ليلة.
وقد تسأل: أن من ترك المبيت فى منى نسيانا أو جهلا منه بالحكم، فهل عليه كفارة أيضا؟
والجواب: أن عليه الكفارة على الأحوط، ويلحق الجاهل المعذور بالناسى وإن كان بسيطا والجاهل المقصر بالعالم العامد وإن كان مركبا، وأما الأشخاص المعذورون من المبيت فى منى فلا كفارة على الصنف الثانى والثالث، وأما الصنف الأول فلا يبعد وجوب الكفارة عليه1.
مسألة 276: إذا أفاض الحاج من منى، ثم رجع إليها بعد دخول الليلة الثالثة عشرة لحاجة لم يجب عليه المبيت فيها2.
مسألة 277: يستحب للحاج التواجد بمنى الأيام الثلاثة نهارا وليلا، وينبغى له أن يؤثر المكث فى منى مهما أمكن على الخروج ولو للطواف المندوب.
ويستحب أيضا أن يكبر الحاج فى منى فى أعقاب خمس عشرة صلاة ابتداءً من صلاة الظهر من يوم النحر إلى صلاة الفجر من اليوم الثالث عشر، والأفضل فى كيفية هذا التكبير أن يقول:
“الله اكبر الله أكبر، لا إله إلا الله والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد، الله أكبر على ما هدانا، الله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام والحمد لله على ما أبلانا” ويستحب ذكر الله فى أيام التشريق، والإكثار فيه، والصلاة والتسبيح والتهليل والحمد فى مسجد الخيف، فإن له شأنا عند الله تعالى، حتى ورد فى بعض الروايات أن مائة ركعة فيه تعادل عبادة سبعين عاماً.
مسألة 278: الثالث عشر من واجبات الحج رمى الجمار الثلاث، الأولى والوسطى وجمرة العقبة فى كل من اليوم الحادى عشر والثانى عشر، ومن بات ليلة الثالث عشر فى منى فهل يجب عليه الرمى فى اليوم الثالث عشر؟
والجواب: لا يجب عليه الرمى وإن كان أولى وأجدر.
مسألة 279: كيفيته، وهو متحد فى الكيفية والشروط مع ما تقدم من رمى جمرة العقبة يوم العيد، ونضيف هنا أنه يجب الترتيب بين الجمرات الثلاث فى الرمى، ابتداءً من الجمرة الأولى وانتهاء بجمرة العقبة، فلو خالف ورمى الوسطى قبل الأولى، أو العقبة قبل الوسطى، وجب
الرجوع إلى السابقة، وأعاد رمى اللاحقة1 ، بدون فرق بين أن يكون عالما أو جاهلا أو ناسيا نعم يستثنى من ذلك صورة واحدة وهى ما إذا نسى فرمى جمرة قبل سابقتها أربع حصيات أجزأه إكمالها سبعا، ولا تجب عليه إعادة رمى اللاحقة.
مسألة 280: تجب النية فى رمى كل جمرة، وصورتها – مثلا – (أرمى هذه الجمرة بسبع حصيات لحج التمتع من حجة الإسلام قربة إلى الله تعالى) وإذا كان نائبا ذكر اسم المنوب عنه وإذا كان الحج مستحبا اسقط كلمة “حجة الإسلام” وإذا كان الحج إفرادا أسقط كلمة “حج التمتع” ويعوض بكلمة “حج الإفراد”.
مسألة 281: وقته، يجب إيقاع رمى الجمرات فى النهار، ولا يجزى فى الليل اختيارا ويستثنى من ذلك عدة أصناف:
العبد، والخائف على نفسه أو عرضه أو ماله، والشيوخ، والنساء، والصبيان، والضعفاء الذين يخافون على أنفسهم من الزحام، فيجوز لهم الرمى فى الليلة السابقة على النهار فيرمون فى ليلة اليوم الحادى عشر ما يجب عليهم فى نهار ذلك اليوم من الرمى وهكذا1.
مسألة 282: حكمه، رمى الجمار الثلاث فى اليوم الحادى عشر والثانى عشر واجب، ولكن إذا تركه الحاج عامدا وملتفتا إلى وجوبه حتى مضى
وقته لم يبطل حجه، وهل يجب عليه قضاؤه فى العام القادم، إما بالمباشرة أو بالاستنابة؟
والجواب: لا يجب قضاؤه على الأظهر، وإن كان أولى وأجدر.
وإذا نسى الرمى فى اليوم الحادى عشر، قضاه فى اليوم الثانى عشر، وإذا نسيه فى اليوم الثانى عشر قضاه فى اليوم التالى، وإذا نسى الرمى فى أكثر من يوم، وتذكر ذلك قبل مضى اليوم الثالث عشر قضاه.
وقد تسأل: أن الحاج إذا رجع من منى إلى مكة ثم تذكر أنه نسى الرمى، فهل يجب عليه العود إلى منى لقضاء الرمى؟
والجواب: يجب إذا كان ذلك قبل انتهاء أيام التشريق، وهى اليوم الحادى عشر والثانى عشر والثالث عشر، وأما إذا كان بعد انتهائها فيجب ذلك على الأحوط، ويفصل بين القضاء والأداء بأن يقدم القضاء على الأداء بساعة1 ، وإذا نسيه ولم يذكره إلا بعد خروجه من مكة وانتهاء
أيام التشريق سقط وجوبه، ويقضيه على الأحوط الأولى فى السنة القادمة، إما بالمباشرة أو بالاستنابة.
مسألة 283: كل من يتمكن من مباشرة الرمى من دون مشقة وحرج يجب عليه ذلك، ولا يجوز له أن يستنيب من يرمى عنه، وإذا كان غير متمكن لمرض أو نحوه من الموانع التى لا يرجى زوالها إلى المغرب استناب غيره، فإذا اتفق برؤه قبل زوال الشمس رمى بنفسه1.
مسألة 284: قد تسأل أن الحاج إذا لم يتمكن من أن يبقى فى منى أيام التشريق لانهارا ولا ليلا لسبب من الأسباب، فهل يسقط الرمى عنه، أو أن وظيفته رمى جميع الأيام فى ليلة واحدة أو الاستنابة؟
والجواب: أن الأظهر فى هذه الحالة الاستنابة، وإن كان الأولى والأجدر أن يجمع بين رمى جميع الأيام فى ليلة واحدة والاستنابة.
مسألة 285: المصدود – رجلا كان أم امرأة – هو الممنوع عن الحج أو العمرة بعد تلبسه بالإحرام من قبل السلطات أو العدو.
مسألة 286: المصدود عن العمرة المفردة إذا ساق هديا معه يذبحه فى مكانه ويحلق ويتحلل بهما من كل شيء أحرم منه حتى النساء، وإذا لم يسق الهدى معه تحلل بالحلق أو التقصير، ولا يجب عليه الهدى، ومن صد عن عمرة التمتع، فإن أدى ذلك إلى صده عن الحج أيضا فوظيفته أن يذبح هديا فى مكانه، ويتحلل به، والأحوط ضم التقصير إليه أيضا1 ،
وأما إذا لم يؤد إلى ذلك، بأن يكون متمكنا من الحج، كما إذا خلى سبيله فى وقت يتمكن من إدراك الوقوف فى الوقت الاختيارى بالمشعر الحرام، فلا تترتب عليه أحكام المصدود، بل تنقلب وظيفته من التمتع إلى الإفراد، فإذا أتى بحج الإفراد ثم بالعمرة المفردة كفى ذلك.
مسألة 287: المصدود عن الحج إن كان مصدوداً عن الوقوف بالموقفين، فعليه أن يذبح هديا فى محل الصَّدِّ، فإذا ذبحه تحلل من كل شيء قد حرم عليه حتى النساء، والأحوط ضم الحلق أو التقصير إليه أيضا، وإن كان مصدودا عن الطواف والسعى فحسب، فإن لم يستمر صده إلى آخر ذى الحجة، بأن خُلِّى سبيلُه بعد أيام التشريق، أو فى العشرة الأخيرة، قام بنفسه بالطواف والسعى، فإذا طاف وسعى صح حجه، ولا شيء عليه، ولا يكون حينئذ من المصدود، وان استمر صده إلى آخر ذى الحجة، فعليه أن يستنيب من يطوف عنه، ويصلى ركعتيه، ويسعى ثم يطوف عنه طواف النساء، ويصلى ركعتيه، فإذا صنع النائب ذلك صح حجه، ولا تجرى عليه أحكام المصدود أيضا، وإن لم يكن متمكنا من الاستنابة أيضا، فحينئذ يكون مصدودا ووظيفته أن يذبح الهدى فى مكانه، ويضم إليه الحلق أو التقصير أيضا على الأحوط، ويتحلل بذلك، وعليه الحج فى العام القادم إذا لم تكن استطاعته وليدة تلك السنة، أو كانت ولكن تبقى
بعد رجوعه من سفره، نعم إذا لم تبق بعد الرجوع، ولم تتجدد له بعد ذلك، سقط عنه الوجوب.
وإن كان مصدودا عن مناسك منى خاصة، لم تجر عليه أحكام المصدود، فإنه فى هذه الحالة إن كان متمكنا من الاستنابة فيستنيب للرمى والذبح فى منى، ثم يحلق أو يقصر فى مكانه ويرسل شعره إليها، وبذلك يتحلل، ثم يأتى ببقية المناسك، وإن لم يكن متمكنا من الاستنابة جاز له أن يذبح هديه فى مكانه، ثم يحلق أو يقصر، فإن من لم يتمكن من الذبح فى منى لا بالمباشرة ولا بالاستنابة، جاز له أن يذبح فى خارج منى كمكة أو غيرها، وأما وجوب الرمى فهو مشروط بالتمكن ومع العجز عنه حتى بالاستنابة فلا وجوب. وبعد ذلك يذهب بنفسه إلى مكة فيطوف حول البيت طواف الحج، ويصلى ركعتيه، فيسعى بين الصفا والمروة، ثم يرجع إلى البيت فيطوف طواف النساء، ويصلى ركعتيه، فإذا صنع ذلك فقد فرغ عن الحج، ويحل له كل شيء قد حرم عليه حتى النساء.
والحاصل: إن المصدود عن أعمال منى ليس مصدوداً عن الحج لكى يكون مشمولا للآية الشريفة والروايات.
مسألة 288: لا يسقط الحج عن المصدود بذبح الهدى، وعليه الحج من قابل، إلا إذا كانت استطاعته وليدة تلك السنة، ولم تبق بعد الرجوع من سفره، فحينئذ سقط الوجوب عنه ما لم تتجدد الاستطاعة له بعد ذلك.
مسألة 289: إذا صٌدَّ عن الرجوع إلى منى للمبيت فيها، ورمى الجمار لم يضر بحجه، وعليه أن يستنيب من يرمى عنه إن أمكن.
مسألة 290: من تعذر عليه إكمال حجه لمانع غير الصد والحصر يبطل ولا شيء عليه1.
مسألة 291: لا فرق فى الهدى المذكور بين أن يكون جملا أو بقرة أو شاة، ولا تعتبر فيه شروط الهدى، وإذا لم يتمكن من الهدى، فهل يجب عليه أن يصوم عشرة أيام بدلاً عنه؟
والجواب: لا يبعد وجوبه، هذا إذا كان مصدودا فى الحج، وأما إذا كان مصدودا فى العمرة المفردة فلا يجب عليه الصوم2.
مسألة 292: من جامع امرأته عامدا وعالما بالحكم قبل الوقوف بالمشعر، ثم صد ومنع عن إكمال الحج من قبل السلطات، فهل تجرى عليه أحكام المصدود؟
والجواب: تجرى عليه أحكام المصدود، بناء على ما هو الصحيح من أن الحجة الأولى صحيحة والثانية عقوبة.
مسألة 293: إذا ساق المكلف هديا معه، ثم صُدَّ ومنع عن الحج، كفى ذبح ما ساقه، فإن المعيار فيه إنما هو بصدق الذبح أو النحر، مهما كان نوع الذبيحة أو المنحور.
مسألة 294: المحصور رجلا كان أو امرأة، هو الممنوع عن الحج أو العمرة المفردة بمرض أو نحوه بعد تلبسه بالإحرام، فإن كان محصورا فى عمرة مفردة تخير بين أن يرسل الهدى إلى محله، وهو مكة، فإذا بلغ الهدى محله حلق أو قصر فى مكانه، وبين أن يذبح أو ينحر فى مكانه، ثم يحلق أو يقصر فيه، فإذا فعل ذلك أحل ّمن كل شيء قد حرم عليه، ماعدا النساء