آثار حضرت آیة الله العظمی شیخ محمد اسحاق فیاض
محاضرات فی أصول الفقه – جلد ۱
جلد
1
محاضرات فی أصول الفقه – جلد ۱
جلد
1
تكون اختيارية كما في مثل قولنا:ضرب زيد،وقام عمرو وما شاكلهما.وقد تكون غير اختيارية كما في مثل قولنا:تحقق موت زيد،وأسرع النبض،وجرى الدم في العروق،ونحو ذلك.فالنتيجة:أ نّه لا أساس لأخذ الاختيار في الأفعال لا مادّةً ولا هيئةً.
ولكن شيخنا الاُستاذ (قدس سره) 1قد ادّعى في المقام أنّ صيغة الأمر أو ما شاكلها ظاهرة في الاختيار،لا من ناحية دعوى الانصراف،فانّها ممنوعة، بل لخصوصية فيها،واستدلّ على ذلك بوجهين:
الأوّل: أنّ الغرض من الأمر الصادر من المولى إلى العبد هو بعثه وإيجاد الداعي له لتحريك عضلاته نحو إيجاد المأمور به،ومن الطبيعي أنّ هذا يستلزم كون المتعلق مقدوراً له وإلّا لكان طلبه لغواً محضاً،لعدم ترتب الغرض المذكور عليه،وصدور اللغو من المولى الحكيم مستحيل.
وعلى هذا فبطبيعة الحال يكون المطلوب في باب الأوامر حصّة خاصّة من الفعل وهي الحصّة المقدورة،وتلك الحصّة هي الواجبة على المكلف دون غيرها، ولا يسقط الواجب عنه إلّاباتيان تلك الحصّة.وعليه فإذا شككنا في سقوط واجب بمجرد تحققه في الخارج ولو بلا اختيار ولا إرادة،فمقتضى إطلاق الأمر عدم سقوطه،لأنّ إجزاء غير الواجب عن الواجب يحتاج إلى دليل.فالنتيجة:
أ نّا لا نقول بأنّ الاختيار جزء مدلول المادة أو الهيئة،أو أ نّها عند الاطلاق منصرفة إلى هذا،وذلك لأنّ هذه الدعوى ساقطة لا واقع لها أصلاً،بل نقول:
إنّه كان من خصوصيات الطلب والبعث المستفاد من الصيغة أو ما شاكلها ومن شؤونه،فإذن تمتاز صيغة الأمر أو ما شابهها عن بقية الأفعال في هذه النقطة
والخصوصية.
الثاني: أ نّه لا يكفي في صحّة الواجب حسنه الفعلي واشتماله على مصلحة ملزمة،بل يعتبر فيها زائداً على ذلك الحسن الفاعلي،بمعنى أن يكون صدور الفعل على وجه حسن،ومن هنا التزم (قدس سره) ببطلان الصلاة في الدار المغصوبة حتّى على القول بالجواز،نظراً إلى أنّ صدور الصلاة في تلك الدار ليس بوجه حسن يستحق أن يمدح عليه،وإن كانت الصلاة في نفسها حسنة.
وحيث إنّ الفعل الصادر من المكلف بلا اختيار وإرادة لايتصف بالحسن الفاعلي، فلا يعقل أن يكون من أفراد الواجب،وعليه فسقوط الواجب به يحتاج إلى دليل،وإلّا فمقتضى الأصل عدم سقوطه.
فالنتيجة على ضوء هذين الوجهين:هي أنّ مقتضى إطلاق الأمر عدم سقوط الواجب بما إذا صدر بغير إرادة واختيار،فالسقوط يحتاج إلى دليل.
هذا إذا كان هنا إطلاق،وإلّا فالأصل العملي أيضاً يقتضي ذلك.
ولنأخذ بالمناقشة في هذين الوجهين:
أمّا الوجه الأوّل: فهو مورد للمؤاخذة من جهتين:الاُولى:أنّ اعتبار القدرة في متعلق التكليف إنّما هو بحكم العقل لا بمقتضى الخطاب كما فصّلنا الحديث من هذه الناحية في بحث الضد 1فلا نعيد.الثانية:أنّ اعتبار القدرة فيه سواء أكان بحكم العقل أو بمقتضى الخطاب ليس إلّامن ناحية أنّ التكليف بغير المقدور لغو،ومن الطبيعي أنّ ذلك لا يقتضي إلّااستحالة تعلّق التكليف بغير المقدور خاصّة،وأمّا تعلّقه بخصوص الحصّة المقدورة فحسب فلا،ضرورة أنّ غاية ما يقتضي ذلك كون متعلقه مقدوراً،ومن المعلوم أنّ الجامع بين المقدور
وغيره مقدور فلا مانع من تعلّقه به،ولا فرق في ذلك بين أن يكون اعتبار القدرة بحكم العقل أو بمقتضى الخطاب،أمّا على الأوّل فواضح.وأمّا على الثاني فأيضاً كذلك،ضرورة أنّ الطلب المتعلق بشيء لا يقتضي أزيد من كون ذلك الشيء مقدوراً.
وبكلمة اخرى:أنّ المصلحة في الواقع لا تخلو من أن تقوم بخصوص الحصّة المقدورة،أو تقوم بالجامع بينها وبين غير المقدورة.فعلى الأوّل لا معنى لاعتبار الجامع.وعلى الثاني لا مناص من اعتباره ولا يكون لغواً بعد إمكان تحقق تلك الحصّة في الخارج.فالنتيجة أنّ استحالة تعلّق الطلب بالجامع واعتباره إنّما تقوم على أساس أحد أمرين:الأوّل:أن لا يكون للجامع ملاك يدعو المولى إلى اعتباره.الثاني:أن تكون الحصّة غير المقدورة مستحيلة الوقوع في الخارج.
وأمّا في غير هذين الموردين فلا مانع من اعتباره على ذمّة المكلف أصلاً.
ولا يقاس هذه المسألة بالمسألة الاُولى،حيث قلنا في تلك المسألة بعدم إمكان تعلّق التكيف بالجامع بين فعل المكلف نفسه وبين فعل غيره،والوجه في ذلك:هو أنّ اعتبار ذلك الجامع في ذمّة المكلف لا يرجع بالتحليل العلمي إلى معنىً محصّل،بداهة أ نّه لا معنى لاعتبار فعل غير المكلف في ذمّته،وهذا بخلاف مسألتنا هذه فان اعتبار فعل المكلف على ذمّته الجامع بين المقدورة وغيرها بمكان من الامكان بلا لزوم أيّ محذور كما عرفت،هذا بحسب مقام الثبوت.
وأمّا بحسب مقام الاثبات،فان كان هناك إطلاق كشف ذلك عن الاطلاق في مقام الثبوت،يعني أنّ الواجب هو الجامع دون خصوص حصّة خاصّة، فعندئذ إن كان المولى في مقام البيان ولم يقم قرينة على التقييد،تعيّن التمسك بالاطلاق لاثبات صحّة الفعل لو جيء به في ضمن حصّة غير مقدورة.
فالنتيجة:أ نّه لا مانع من التمسك بالاطلاق في هذه المسألة إن كان،ومقتضاه سقوط الواجب عن المكلف إذا تحقق في الخارج ولو بلا إرادة واختيار.وهذا بخلاف المسألة الاُولى،حيث إنّ الاطلاق فيها غير ممكن في مقام الثبوت فلا إطلاق في مقام الاثبات ليتمسك به،ومن ثمة قلنا بالاشتغال هناك وعدم السقوط،هذا بناءً على نظريتنا من أنّ التقابل بين الاطلاق والتقييد من تقابل التضاد،فاستحالة التقييد تستلزم ضرورة الاطلاق لا استحالته،كما سيأتي بيانه في ضمن البحوث الآتية إن شاء اللّٰه تعالى 1.
وأمّا بناءً على نظريّة شيخنا الاُستاذ (قدس سره) من أنّ التقابل بينهما من تقابل العدم والملكة،فإذا أمكن أحدهما أمكن الآخر،وإذا استحال استحال، فلا يعقل الاطلاق في المقام حتّى يمكن التمسك به،وذلك لاستحالة التقييد هنا، أي تقييد الواجب في الواقع بخصوص الحصّة غير المقدورة،فإذا استحال استحال الاطلاق.
وقد تحصّل من ذلك نقطة الامتياز بين نظريتنا ونظرية شيخنا الاُستاذ (قدس سره) في المسألة،وهي إمكان التمسك بالاطلاق على الأوّل وعدم إمكانه على الثاني،هذا إذا كان إطلاق.
وأمّا إذا لم يكن،فالأصل العملي يقتضي البراءة،وذلك لأنّ تعلق الوجوب بالجامع معلوم وإنّما الشك في تعلّقه بخصوص الحصّة المقدورة،ومن الطبيعي أنّ المرجع في ذلك هو أصالة البراءة عن وجوب خصوص تلك الحصّة،وعليه فلو تحقق الواجب في ضمن فرد غير مقدور سقط.
وأمّا الوجه الثاني: فترد عليه المناقشة من جهتين:
الاُولى:أنّ اعتبار الحسن الفاعلي في الواجب زائداً على الحسن الفعلي والملاك القائم فيه لا دليل عليه أصلاً،والدليل إنّما قام على اعتبار الحسن الفعلي وهو المصلحة القائمة في الفعل التي تدعو المولى إلى إيجابه.
الثانية:أ نّنا لو اعتبرنا الحسن الفاعلي في الواجب إضافةً إلى الحسن الفعلي لزم من ذلك محذور آخر،لا إثبات ما هو المقصود هنا،وذلك المحذور هو عدم كفاية الاتيان بالواجب عندئذ عن إرادة واختيار أيضاً في سقوطه،بل لا بدّ من الاتيان به بقصد القربة،بداهة أنّ الحسن الفاعلي لا يتحقق بدونه،ومن الطبيعي أنّ الالتزام بهذا المعنى يستلزم إنكار الواجبات التوصلية،وانحصارها بالواجبات التعبّدية،وذلك لأنّ كل واجب عندئذ يفتقر إلى الحسن الفاعلي ولا يصح بدونه، والمفروض أ نّه يحتاج إلى قصد القربة،وهذا لا يتمشى مع تقسيمه (قدس سره) في بداية البحث الواجب إلى تعبدي وتوصلي.
فالنتيجة:أنّ اعتبار الحسن الفاعلي في الواجب رغم أ نّه لا دليل عليه، يستلزم محذوراً لا يمكن أن يلتزم به أحد حتّى هو (قدس سره) فإذن لا مناص من الالتزام بعدم اعتباره وكفاية الحسن الفعلي.نعم،هنا شيء آخر وهو أن لا يكون مصداق الواجب قبيحاً كما إذا أتى به في ضمن فرد محرّم،وذلك لأنّ الحرام لا يعقل أن يقع مصداقاً للواجب.
وقد تحصّل من ذلك عدّة امور:
الأوّل:خطأ الوجوه المتقدمة التي اقيمت لاثبات كون الواجب هو خصوص الحصّة الاختيارية.
الثاني:إمكان كون الواجب في الواقع هو الجامع بين الحصّة المقدورة وغيرها.
الثالث:أنّ المولى إذا كان في مقام البيان فلا مانع من التمسك بالاطلاق،وإن
لم يكن فالمرجع هو أصالة البراءة.وبهذين الوجهين يعني الوجه الثاني والثالث تمتاز هذه المسألة عن المسألة الاُولى.
الثالثة: ما إذا شكّ في سقوط واجب في ضمن فرد محرّم،وهذا يتصور على نحوين:
الأوّل:أن يكون المأتي به في الخارج مصداقاً للحرام حقيقةً،كغسل الثوب المتنجس بالماء المغصوب أو نحوه.
الثاني:أن لا يكون المأتي به مصداقاً له كذلك،بل يكون ملازماً له وجوداً، وذلك كالصلاة في الأرض المغصوبة أو نحوها بناءً على جواز اجتماع الأمر والنهي وعدم اتحاد المأمور به مع المنهي عنه في مورد الاجتماع والتصادق.
أمّا الكلام في القسم الأوّل: فتارةً نعلم بأنّ الاتيان بالواجب في ضمن فرد محرّم مسقط له،وسقوطه من ناحية سقوط موضوعه وعدم تعقل بقائه حتّى يؤتى به ثانياً في ضمن فرد غير محرّم،وذلك كازالة النجاسة عن المسجد مثلاً، فانّها تسقط عن المكلف ولو كانت بالماء المغصوب فلايبقى موضوع لها،وكغسل الثوب المتنجس بالماء المغصوب حيث يسقط عن ذمّته بانتفاء موضوعه وحصول غرضه وما شاكل ذلك،هذا من ناحية.
ومن ناحية اخرى:أنّ مردّ سقوط الواجب في ضمن الفرد المحرّم ليس إلى أنّ الواجب هو الجامع بينهما،بل مردّه إلى حصول الغرض به الداعي إلى إيجابه، حيث إنّه مترتب على مطلق وجوده ولو كان في ضمن فرد محرّم،وعدم موضوع لاتيانه ثانياً في ضمن فرد آخر،لا أنّ الواجب هو الجامع.
وتارةً اخرى نشك في أ نّه يسقط لو جيء به في ضمن فرد محرّم أو لا، وذلك كغسل الميت وتحنيطه وتكفينه ودفنه وما شاكل ذلك،فلو غسّل الميت
بالماء المغصوب،أو دفن في أرض مغصوبة أو حنّط بالحنوط المغصوب،أو غير ذلك،وشككنا في سقوط التكليف بذلك وعدم سقوطه فنقول:
لا إشكال ولا شبهة في أنّ مقتضى إطلاق الواجب عدم السقوط،بداهة أنّ الفرد المحرّم لا يعقل أن يكون مصداقاً للواجب،لاستحالة انطباق ما هو محبوب للمولى على ما هو مبغوض له.فعدم السقوط من هذه الناحية لا من ناحية استحالة اجتماع الأمر والنهي في شيء واحد،وذلك لأنّ هذه الناحية تقوم على أساس أنّ الأمر يسري من الجامع إلى أفراده،ولكنّه خاطئ لا واقع موضوعي له،وذلك لما ذكرناه غير مرّة من أنّ متعلق الأمر هو الطبيعي الجامع، ولا يسري الأمر منه إلى شيء من أفراده العرضية والطولية،هذا من ناحية.
ومن ناحية اخرى:بعد ما عرفت استحالة انطباق الواجب على الفرد المحرّم فبطبيعة الحال يتقيد الواجب بغيره.
وعلى ضوء هذا البيان فإذا شككنا في سقوط الواجب في ضمن فرد محرّم فلا محالة يرجع إلى الشك في الاطلاق والاشتراط،بمعنى أنّ وجوبه مطلق فلا يسقط عن ذمّته باتيانه في ضمن فرد محرّم أو مشروط بعدم إتيانه في ضمنه، وقد تقدّم أنّ مقتضى الاطلاق عدم الاشتراط إن كان،وإلّا فالمرجع هو الأصل العملي وهو في المقام أصالة البراءة،وذلك لأنّ المسألة على هذا الضوء تكون من صغريات كبرى مسألة الأقل والأكثر الارتباطيين،وقد اخترنا في تلك المسألة القول بجريان البراءة فيها عقلاً وشرعاً.هذا بناءً على نظريتنا من عدم جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية،وإلّا فلا مانع من الرجوع إليه ويأتي بيانه في مورده إن شاء اللّٰه تعالى.
وأمّا الكلام في القسم الثاني: فلا ينبغي الشك في سقوط الواجب به إذا كان توصلياً،لأنّ المفروض أ نّه فرد حقيقي للواجب غاية الأمر أنّ وجوده في
الخارج ملازم لوجود الحرام،ومن الطبيعي أنّ هذا لا يمنع من انطباق الواجب عليه.
وأمّا إذا كان تعبدياً فالظاهر أنّ الأمر أيضاً كذلك،والسبب في هذا:هو أنّ المعتبر في صحّة العبادة الاتيان بها بكافّة أجزائها وشرائطها مع قصد القربة، ولا دليل على اعتبار شيء زائد على ذلك،ومن المعلوم أنّ مجرد مقارنتها خارجاً وملازمتها كذلك لوجود الحرام لا يمنع عن صحّتها وقصد القربة بها، فانّ المانع منه ما إذا كانت العبادة محرّمة،لا في مثل المقام.
ومن هنا قلنا بصحّة العبادة في مورد الاجتماع بناءً على القول بالجواز،حيث إنّ ما ينطبق عليه الواجب غير ما هو الحرام فلا يتحدان خارجاً كي يكون مانعاً عن الانطباق وقصد التقرب،بل يمكن الحكم بالصحّة فيه حتّى على القول باعتبار الحسن الفاعلي،وذلك لأنّ صدور العبادة بما هي عبادة حسن منه، وإنّما القبيح صدور الحرام،ومن الواضح أنّ قبح هذا لا يرتبط بحسن ذاك،فهما فعلان صادران من الفاعل،غاية الأمر كان صدور أحدهما منه حسناً وصدور الآخر قبيحاً.
إلى هنا قد استطعنا أن نخرج بهذه النتيجة:وهي أنّ الواجب التوصلي على أنواع،منها:ما يسقط عن ذمّة المكلف بصرف وجوده في الخارج،سواء أكان بفعل نفسه أم كان بفعل غيره،وسواء أكان في ضمن فرد مباح أم كان في ضمن فرد محرّم.ومنها:ما لا يسقط إلّابفعل المكلف نفسه.ومنها:ما لا يسقط إلّافي ضمن فرد مباح فلا يسقط في ضمن فرد حرام.نعم،يشترك الجميع في نقطة واحدة وهي عدم اعتبار قصد القربة في صحّتها،ومن هنا يظهر أ نّه لا أصل لما اشتهر في الألسنة من أنّ الواجب التوصلي ما يسقط عن المكلف ويحصل الغرض منه بمجرّد وجوده وتحققه في الخارج.هذا آخر ما أوردناه في المقام الأوّل.
وأمّا الكلام في المقام الثاني: فلا شبهة في أنّ الواجب في الشريعة المقدّسة بل في كافّة الشرائع على نوعين:تعبدي وتوصلي.والأوّل ما يتوقف حصول الغرض منه على قصد التقرب،وذلك كالصلاة والصوم والحج والزكاة والخمس وما شاكل ذلك.والثاني ما لايتوقف حصوله على ذلك كما عرفت،ومنه وجوب الوفاء بالدين،وردّ السلام،ونفقة الزوجة،وهذا القسم هو الكثير في الشريعة المقدّسة،وجعله من الشارع رغم أ نّه لا يعتبر فيه قصد التقرب إنّما هو لأجل حفظ النظام وإبقاء النوع،ولولاه لاختلّت نظم الحياة المادية والمعنوية،وبعد ذلك نقول:مرّةً يعلم المكلف بأنّ هذا الواجب توصلي وذاك تعبدي،ولا كلام فيه.ومرّةً اخرى لا يعلم به ويشك،الكلام في المقام إنّما هو في ذلك،وهو يقع في مقامين:
الأوّل:في مقتضى الأصل اللفظي من عموم أو إطلاق.
الثاني:في مقتضى الأصل العملي.
أمّا الكلام في المقام الأوّل: فالمشهور بين الأصحاب قديماً وحديثاً هو أ نّه لا إطلاق في المقام حتّى يمكن التمسك به لاثبات كون الواجب توصلياً،ولكن هذه الدعوى منهم ترتكز على أمرين:
الأوّل:دعوى استحالة تقييد الواجب بقصد القربة وعدم إمكانه.
الثاني:دعوى أنّ استحالة التقييد تستلزم استحالة الاطلاق،فينبغي لنا التكلّم عندئذ في هاتين الدعويين:
أمّا الدعوى الاُولى: فقد ذكروا في وجه استحالة التقييد وجوهاً:
أحسنها: ما ذكره شيخنا الاُستاذ (قدس سره) 1من أنّ كل قيد في القضايا الحقيقية إذا اخذ مفروض الوجود في الخارج-سواء أكان اختيارياً أم كان غير اختياري-يستحيل تعلّق التكليف به،والسبب في ذلك:أنّ القضايا الحقيقية ترجع إلى قضايا شرطية مقدّمها وجود الموضوع وتاليها ثبوت المحمول له.
مثلاً قولنا:المستطيع يجب عليه الحج،قضيّة حقيقية ترجع إلى قضيّة شرطية، وهي قولنا:إذا وجد في الخارج شخص وصدق عليه أ نّه مستطيع وجب عليه الحج،فيكون وجوب الحج مشروطاً بوجود الاستطاعة في الخارج،فتدور فعليته مدار فعليتها،لاستحالة فعلية الحكم بدون فعلية موضوعه.
وعليه فلا يمكن أن يقع مثل هذا القيد مورداً للتكليف،بداهة أنّ المشروط لا يقتضي وجود شرطه.ولا فرق في ذلك بين أن يكون ذلك القيد اختيارياً أو غير اختياري.والأوّل:كالعقد والعهد والنذر والاستطاعة،وما شاكل ذلك.
فانّ مثل قوله تعالى: «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» 2أو نحوه،يرجع إلى أ نّه إذا فرض وجود عقد في الخارج يجب الوفاء به،لا أ نّه يجب على المكلف إيجاد عقد في الخارج والوفاء به.والثاني:كالوقت والبلوغ والعقل،حيث إنّها خارجة عن اختيار المكلف فلا تكون مقدورةً له،ومن الطبيعي أنّ مثل هذه القيود إذا اخذت في مقام الجعل فلا محالة اخذت مفروضة الوجود في الخارج،يعني أنّ المولى فرض وجودها أوّلاً ثمّ جعل الحكم عليها،ومردّ ذلك إلى أ نّه متى تحقق وقت الزوال مثلاً فالصلاة واجبة،ومتى تحقق البلوغ في مادة المكلف فالتكليف فعلي في حقّه،وهكذا.وليس معنى إذا زالت الشمس فصلّ وجوب الصلاة ووجوب تحصيل الوقت،حيث إنّه تكليف بغير مقدور،بل معناه ما ذكرناه،
فانّ ما هو مقدور للمكلف هو ذات الصلاة،وإيقاعها في الوقت عند تحققه، وأمّا تحصيل نفس الوقت فهو غير مقدور له فلا يعقل تعلّق التكليف به.
وقد تحصّل من ذلك:أنّ كل قيد إذا اخذ في مقام الجعل مفروض الوجود فلا يعقل تعلّق التكليف به سواء أكان اختيارياً أم لم يكن،غاية الأمر أنّ القيد إذا كان غير اختياري فلا بدّ من أخذه مفروض الوجود،ولا يعقل أخذه في متعلق التكليف بغير ذلك.
ومقامنا من هذا القبيل،فان قصد الأمر إذا اخذ في متعلقه فلا محالة يكون الأمر موضوعاً للتكليف ومفروض الوجود في مقام الانشاء،لما عرفت من أنّ كل قيد إذا اخذ متعلقاً لمتعلق التكليف فبطبيعة الحال كان وجود التكليف مشروطاً بفرض وجوده فرضاً مطابقاً للواقع الموضوعي،وحيث إنّ متعلق المتعلق فيما نحن فيه هو نفس الأمر،فيكون وجوده مشروطاً بفرض وجود نفسه فرضاً مطابقاً للخارج،فيلزم عندئذ كون الأمر مفروض الوجود قبل وجود نفسه وهذا خلف،ضرورة أنّ ما لا يوجد إلّابنفس إنشائه كيف يعقل أخذه مفروض الوجود في موضوع نفسه،فانّ مرجعه إلى اتحاد الحكم والموضوع.
وإن شئت قلت:إنّ أخذ قصد الأمر في متعلقه يستلزم بطبيعة الحال أخذ الأمر مفروض الوجود،لكونه خارجاً عن الاختيار،وعليه فيلزم محذور الدور، وذلك لأنّ فعلية الحكم تتوقف على فعلية موضوعه،وحيث إنّ الموضوع على الفرض هو نفس الأمر وهو متعلق لمتعلقه،فطبيعة الحال تتوقف فعليته على فعلية نفسه،وهو محال.
فالنتيجة:أنّ أخذ داعي الأمر في متعلقه كالصلاة مثلاً يستلزم اتحاد الحكم والموضوع في مقام الجعل،وتوقف الشيء على نفسه في مقام الفعلية،وكلاهما مستحيل.
وقد خفي على بعض الأساطين 1حيث قد أورد على شيخنا الاُستاذ (قدس سره) بما حاصله:هو أنّ ما يؤخذ مفروض الوجود في مقام الجعل إنّما هو موضوعات التكاليف وقيودها،لا قيود الواجب،لوضوح أنّ قيود الواجب كالطهارة في الصلاة مثلاً واستقبال القبلة وما شاكلهما،يجب تحصيلها على المكلف،وذلك لأنّ الأمر المتعلق بالصلاة قد تعلّق بها مقيدةً بهذه القيود،فكما يجب على المكلف تحصيل أجزائها يجب عليه تحصيل قيودها وشرائطها أيضاً.
وهذا بخلاف موضوعات التكاليف حيث إنّها قد اخذت مفروضة الوجود في الخارج فلايجب على المكلف تحصيلها ولو كانت اختيارية كالاستطاعة بالاضافة إلى وجوب الحج وما شاكلها.
وبعد ذلك قال:إنّ قصد الأمر ليس من قيود الموضوع حتّى يؤخذ مفروض الوجود خارجاً،بل هو قيد الواجب وكان المكلف قادراً عليه،فعندئذ حاله حال بقيّة قيود الواجب كالطهارة ونحوها فيجب تحصيله ولا معنى لأخذه مفروض الوجود.
ولنأخذ بالنقد على ما أفاده (قدس سره) أمّا ما أفاده من حيث الكبرى من أنّ قيود الواجب يجب تحصيلها دون قيود الموضوع ففي غاية الصحّة والمتانة، إلّا أنّ المناقشة في كلامه إنّما هي في تطبيق تلك الكبرى على ما نحن فيه،وذلك لأنّ المحقق النائيني (قدس سره) لم يدّع أنّ قصد الأمر من قيود الموضوع وأ نّه لابدّ من أخذه مفروض الوجود في مقام الجعل حتّى يرد عليه الاشكال المزبور، بل إنّما يدّعي ذلك بالاضافة إلى نفس الأمر المتعلق للقصد،والمفروض أنّ الأمر خارج عن اختيار المكلف حيث إنّه فعل اختياري للمولى،له أن يأمر
بشيء،وله أن لا يأمر،وقد تقدّم أنّ ما هو خارج عن الاختيار لا يعقل أن يؤخذ قيداً للواجب،لاستلزامه التكليف بغير المقدور،فلو اخذ فلا بدّ من أخذه مفروض الوجود،فإذن عاد المحذور المتقدم.
وقد تحصّل من ذلك:أنّ الاشكال يقوم على أساس أن يكون قصد الأمر مأخوذاً مفروض الوجود،ولكن عرفت أ نّه لا واقع موضوعي له.
فالصحيح في الجواب أن يقال:إنّ لزوم أخذ القيد مفروض الوجود في القضيّة في مقام الانشاء إنّما يقوم على أساس أحد أمرين:
الأوّل: الظهور العرفي كما في قوله تعالى: «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» 1فانّ المستفاد منه عرفاً هو لزوم الوفاء بالعقد على تقدير تحققه ووجوده في الخارج رغم كون العقد مقدوراً للمكلف.ومن هذا القبيل وجوب الوفاء بالنذر والشرط والعهد واليمين،ووجوب الانفاق على الزوجة،وما شاكل ذلك،حيث إنّ القيود المأخوذة في موضوعات هذه الأحكام رغم كونها اختيارية اخذت مفروضة الوجود في مقام جعلها بمقتضى المتفاهم العرفي،فانّ العرف يفهم أنّ النذر الذي هو موضوع لوجوب الوفاء قد اخذ مفروض الوجود فلا يجب تحصيله،وهكذا الحال في غيره وهذا هو الغالب في القضايا الحقيقية.
الثاني: الحكم العقلي،ومن الطبيعي أنّ العقل إنّما يحكم فيما إذا كان القيد خارجاً عن الاختيار،حيث إنّ عدم أخذه مفروض الوجود يستلزم التكليف بالمحال كما في مثل قوله تعالى: «أَقِمِ الصَّلاٰةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلىٰ غَسَقِ اللَّيْلِ» 2فان دخول الوقت حيث إنّه خارج عن قدرة المكلف واختياره،لا مناص من
أخذه مفروض الوجود في مقام الانشاء والخطاب،وإلّا لزم التكليف بغير المقدور،وهو مستحيل.
فالنتيجة: أنّ أخذ القيد مفروض الوجود في مرحلة الجعل والانشاء إنّما يقوم على أساس أحد هذين الأمرين فلا ثالث لهما،وأمّا في غير هذين الموردين فلا موجب لأخذه مفروض الوجود أصلاً،ولا دليل على أنّ التكليف لا يكون فعلياً إلّابعد فرض وجوده في الخارج.ومن هنا قد التزمنا بفعلية الخطابات التحريمية قبل وجودات موضوعاتها بتمام القيود والشرائط فيما إذا كان المكلف قادراً على إيجادها.مثلاً التحريم الوارد على شرب الخمر فعلي وإن لم يوجد الخمر في الخارج إذا كان المكلف قادراً على إيجاده بايجاد مقدّماته،فلا تتوقف فعليته على وجود موضوعه.
والسرّ في ذلك:ما عرفت من أنّ الموجب لأخذ القيد مفروض الوجود إمّا الظهور العرفي،أو الحكم العقلي،وكلاهما منتف في أمثال المقام.
أمّا الأوّل،فلأنّ العرف لا يفهم من مثل«لا تشرب الخمر»أنّ الخمر اخذ مفروض الوجود في الخطاب بحيث تتوقف فعلية حرمة شربه على وجوده في الخارج فلا حرمة قبل وجوده،بل المتفاهم العرفي من أمثال هذه القضايا هو فعلية حرمة الشرب مطلقاً وإن لم يكن الخمر موجوداً إذا كان المكلف قادراً على إيجاده بما له من المقدّمات،وهذا بخلاف المتفاهم العرفي من مثل قوله تعالى «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» 1كما عرفت.
وأمّا الثاني،فلأنّ المفروض تمكن المكلف من إيجاده،وفي مثله لا يحكم العقل بأخذه مفروض الوجود.
فالنتيجة:أنّ المناط في فعلية الخطابات التحريمية إنّما هو فعلية قدرة المكلف على متعلقاتها إيجاداً وتركاً ولو بالقدرة على موضوعاتها كذلك،فمن كان متمكناً من شرب الخمر ولو بايجاده،كانت حرمته فعلية في حقّه،ومن كان متمكناً من تنجيس المسجد مثلاً ولو بايجاد النجاسة،كانت حرمته كذلك فلا تتوقف على وجود موضوعه في الخارج،ومن هنا لا ترجع تلك القضايا في أمثال هذه الموارد إلى قضايا شرطية مقدّمها وجود الموضوع وتاليها ثبوت الحكم له،حيث إنّ ترتب الأحكام فيها على موضوعاتها ليس كترتب الجزاء على الشرط.
وعلى ذلك تترتب ثمرة مهمّة في عدّة موارد وفروع وستأتي الاشارة إلى بعضها في ضمن البحوث الآتية 1.
وبعد ذلك نقول:إنّ القيد فيما نحن فيه-وهو نفس الأمر-وإن كان خارجاً عن الاختيار،إلّاأنّ مجرد ذلك لا يوجب أخذه مفروض الوجود،لما عرفت من الملاك الموجب لأخذ قيدٍ كذلك إمّا الظهور العرفي أو الحكم العقلي،وعندئذ فهل نرى أنّ الملاك لأخذه كذلك موجود هنا أم لا ؟
والتحقيق عدم وجوده،أمّا الظهور العرفي فواضح،حيث لا موضوع له فيما نحن فيه،فانّ الكلام هنا إنّما هو في إمكان أخذ قصد الأمر في متعلقه بدون أخذه مفروض الوجود وعدم إمكانه،ومن الطبيعي أ نّه لا صلة للعرف بهذه الناحية.
وأمّا الحكم العقلي فأيضاً كذلك،فلأنّ ملاكه هو أنّ القيد لو لم يؤخذ مفروض الوجود في مقام الانشاء لزم التكليف بما لا يطاق،ومن المعلوم أ نّه لا يلزم من
عدم أخذ الأمر مفروض الوجود ذلك،والسبب فيه:أنّ الأمر الذي هو متعلق للداعي والقصد يتحقق بمجرد جعله وإنشائه،ومن الطبيعي أنّ الأمر إذا تحقق ووجد أمكن للمكلف الاتيان بالمأمور به بقصد هذا الأمر وبداعيه،ولا حاجة بعد ذلك إلى أخذه مفروض الوجود في مقام الانشاء.
وبكلمة واضحة:أنّ الأمر وإن كان خارجاً عن قدرة المكلف واختياره، حيث إنّه فعل اختياري للمولى،كما أ نّه لا يمكن للمكلف الاتيان بشيء بقصده بدون فرض تحققه ووجوده،إلّاأنّ كل ذلك لايستدعي أخذه مفروض الوجود، والوجه في ذلك:هو أنّ المعتبر في صحّة التكاليف إنّما هو قدرة المكلف على الاتيان بمتعلقاتها بكافّة الأجزاء والشرائط في مرحلة الامتثال،وإن كان عاجزاً وغير قادر في مرحلة الجعل.
وعلى هذا الضوء فالمكلف وإن لم يكن قادراً على الاتيان بالصلاة مثلاً بداعي أمرها وبقصده قبل إنشائه وجعله،ولكنّه قادر على الاتيان بها كذلك بعد جعله وانشائه،وقد عرفت كفاية ذلك وعدم المقتضي لاعتبار القدرة من حين الجعل،وعليه فلا مانع من تعلّق التكليف بالصلاة مع قصد أمرها،لفرض تمكن المكلف من الاتيان بها كذلك في مقام الامتثال،فإذن لا ملزم لأخذه مفروض الوجود،فانّ الملزم لأخذه كذلك هو لزوم التكليف بالمحال وهو غير لازم في المقام.
ومن هنا يظهر أنّ الأمر يمتاز عن بقية القيود غير الاختيارية في نقطة،وهي أ نّه يوجد بنفس الانشاء والجعل دون غيره،ولأجله لا موجب لأخذه مفروض الوجود.
فالنتيجة: هي أ نّه لايلزم من أخذ قصد الأمر في متعلقه شيء من المحذورين السابقين،حيث إنّ كليهما يرتكز على نقطة واحدة وهي أخذ الأمر مفروض
الوجود في مقام الانشاء،وبانتفاء تلك النقطة انتفى المحذوران.
الوجه الثاني: ما ذكره شيخنا الاُستاذ (قدس سره) 1أيضاً من أنّ قصد الأمر والامتثال لو كان مأخوذاً في متعلق نفسه لزم تقدّم الشيء على نفسه، وهو مستحيل،وذلك لأنّ القصد المزبور متأخر رتبة عن إتيان تمام أجزاء المأمور به وقيوده،حيث إنّ قصد الأمر إنّما يكون بهما،وبما أ نّنا فرضنا من جملة تلك الأجزاء والقيود نفس ذلك القصد الذي هو عبارة عن دعوة شخص ذاك الأمر،فلا بدّ وأن يكون المكلف في مقام امتثاله قاصداً للامتثال قبل قصد امتثاله،فيلزم تقدّم الشيء على نفسه.
وإن شئت قلت:إنّ معنى قصد الامتثال هو الاتيان بالمأمور به بتمام أجزائه وشرائطه الذي تعلّق التكليف به كذلك بقصد امتثال أمره،فلو اخذ قصد الامتثال متعلقاً للتكليف لزم تقدّمه على نفسه،فانّه باعتبار أخذه في متعلق التكليف لا بدّ أن يكون في مرتبة سابقة وهي مرتبة الأجزاء،وباعتبار أ نّه لا بدّ من الاتيان بتمام الأجزاء والشرائط بقصد الامتثال لا بدّ أن يكون في مرتبة متأخرة عنها،وهذا معنى تقدّم الشيء على نفسه.
الوجه الثالث: ما ذكره المحقق صاحب الكفاية (قدس سره) وإليك نصّه:
إنّ التقرب المعتبر في التعبدي إن كان بمعنى قصد الامتثال والاتيان بالواجب بداعي أمره كان ممّا يعتبر في الطاعة عقلاً،لا ممّا اخذ في نفس العبادة شرعاً، وذلك لاستحالة أخذ ما لا يكاد يتأتى إلّامن قبل الأمر بشيء في متعلق ذاك الأمر مطلقاً شرطاً أو شطراً،فما لم تكن نفس الصلاة متعلقة للأمر لا يكاد يمكن إتيانها بقصد امتثال أمرها.وتوهم إمكان تعلّق الأمر بفعل الصلاة بداعي
الأمر وإمكان الاتيان بها بهذا الداعي،ضرورة إمكان تصور الأمر بها مقيدة والتمكن من إتيانها كذلك بعد تعلّق الأمر بها،والمعتبر من القدرة المعتبرة عقلاً في صحّة الأمر إنّما هو في حال الامتثال لا حال الأمر،واضح الفساد،ضرورة أ نّه وإن كان تصورها كذلك بمكان من الامكان،إلّاأ نّه لا يكاد يمكن الاتيان بها بداعي أمرها،لعدم الأمر بها،فانّ الأمر حسب الفرض تعلّق بها مقيدةً بداعي الأمر،ولا يكاد يدعو الأمر إلّاإلى ما تعلّق به لا إلى غيره.
إن قلت:نعم،ولكن نفس الصلاة أيضاً صارت مأمورة بها بالأمر بها مقيدة.
قلت:كلا،لأنّ ذات المقيد لاتكون مأموراً بها،فانّ الجزء التحليلي العقلي لا يتصف بالوجوب أصلاً،فانّه ليس إلّاوجود واحد واجب بالوجوب النفسي كما ربّما يأتي في باب المقدّمة.
إن قلت:نعم،لكنّه إذا اخذ قصد الامتثال شرطاً،وأمّا إذا اخذ شطراً فلا محالة نفس الفعل الذي تعلّق الوجوب به مع هذا القصد يكون متعلقاً للوجوب،إذ المركب ليس إلّانفس الأجزاء بالأسر ويكون تعلّقه بكلٍّ بعين تعلّقه بالكل،ويصح أن يؤتى به بداعي ذاك الوجوب،ضرورة صحّة الاتيان بأجزاء الواجب بداعي وجوبه.
قلت:مع امتناع اعتباره كذلك،فانّه يوجب تعلّق الوجوب بأمر غير اختياري،فانّ الفعل وإن كان بالارادة اختيارياً إلّاأنّ إرادته حيث لا تكون بارادة اخرى وإلّا لتسلسلت ليست باختيارية كما لا يخفى،إنّما يصحّ الاتيان بجزء الواجب بداعي وجوبه في ضمن إتيانه بهذا الداعي،ولا يكاد يمكن الاتيان بالمركب من قصد الامتثال بداعي امتثال أمره 1.
ملخّص ما أفاده (قدس سره): أنّ قصد الأمر حيث إنّه يكون متفرعاً على الأمر ومتأخراً عنه رتبةً فلا يعقل أخذه في متعلّقه،لاستلزامه تقدّم الشيء على نفسه،وذلك لأنّ أخذه في متعلّقه مع فرض كونه ناشئاً عن حكمه معناه تقدّمه على نفسه وهو مستحيل.فإذن لا يمكن أخذه فيه شرعاً،بل لا بدّ أن يكون اعتباره في العبادات بحكم العقل.
الوجه الرابع: ما ذكره شيخنا المحقق (قدس سره) من أنّ لازم تقييد المأمور به بداعي الأمر هو محذور لزوم عدمه من وجوده،وذلك لأنّ أخذ الاتيان بداعي الأمر في متعلّق الأمر يقتضي اختصاص ما عداه بالأمر،لما سمعت من أنّ الأمر لا يدعو إلّاإلى ما تعلّق به،وهو مساوق لعدم أخذه فيه، إذ لا معنى لأخذه فيه إلّاتعلّق الأمر بالمجموع من الصلاة والاتيان بداعي الأمر، فيلزم من أخذه فيه عدم أخذه فيه،وما يلزم من وجوده عدمه محال 1.
الوجه الخامس: ما ذكره (قدس سره) أيضاً وإليك نصّه:إنّ الأجزاء بالأسر ليس لها إلّاأمر واحد،ولا لأمر واحد إلّادعوة واحدة،فلا يكون الأمر داعياً إلى الجزء إلّابعين دعوته إلى الكل،وحيث إنّ جعل الأمر داعياً إلى الصلاة مأخوذ في متعلق الأمر في عرض الصلاة،فجعل الأمر المتعلق بالمجموع داعياً إلى الصلاة بجعل الأمر بالمجموع داعياً إلى المجموع،ليتحقق الدعوة إلى الصلاة في ضمن الدعوة إلى المجموع،مع أنّ من المجموع الدعوة إلى الصلاة في ضمن الدعوة إلى المجموع،فيلزم دعوة الأمر إلى جعل نفسه داعياً ضمناً إلى الصلاة ومحركية الأمر لمحركية نفسه إلى الصلاة عين عليته لعلية نفسه،ولا فرق بين علية الشيء لنفسه وعليته لعليته 2.
توضيحه: هو أنّ الأمر المتعلق بالمركب حيث إنّه واحد فبطبيعة الحال كانت له دعوة واحدة،فليست دعوته إلى الاتيان بكل جزء إلّافي ضمن دعوته إلى الكل لا على نحو الاستقلال،وعلى هذا فإذا افترضنا أنّ دعوة الأمر قد اخذت في متعلق نفسه،يعني أنّ المتعلق مركب من أمرين:الفعل الخارجي كالصلاة مثلاً،ودعوة أمرها،فلا محالة الأمر المتعلق بالمجموع يدعو إلى كل جزء في ضمن دعوته إلى المجموع،مثلاً دعوته إلى الصلاة في ضمن دعوته إلى المجموع وكذا دعوته إلى الجزء الآخر،وبما أنّ الجزء الأخر هو دعوة شخص ذلك الأمر فيلزم من ذلك دعوة الأمر إلى دعوة نفسه إلى الصلاة ضمناً،أي في ضمن الدعوة إلى المجموع،وهذا معنى داعوية الأمر لداعوية نفسه المساوقة لعلية الشيء لعلية نفسه.
ولكن تندفع تلك الوجوه بأجمعها ببيان نكتة واحدة،وتفصيل ذلك قد تقدّم في صدر المبحث 1أنّ الواجب على قسمين:تعبّدي وهو ما يعتبر فيه قصد القربة فلا يصح بدونه.وتوصلي وهو ما لا يعتبر فيه قصد القربة فيصح بدونه،هذا من ناحية.
ومن ناحية اخرى:يمكن تصوير الواجب التبعدي على أنحاء:
الأوّل:أن يكون تعبدياً بكافة أجزائه وشرائطه.
الثاني:أن يكون تعبدياً بأجزائه مع بعض شرائطه.
الثالث:أن يكون تعبدياً ببعض أجزائه دون بعضها الآخر.
أمّا النحو الأوّل،فالظاهر أ نّه لا مصداق له خارجاً ولا يتعدى عن مرحلة
التصور إلى الواقع الموضوعي.
وأمّا النحو الثاني،فهو واقع كثيراً في الخارج،حيث إنّ أغلب العبادات الواقعة في الشريعة المقدّسة الاسلامية من هذا النحو،منها الصلاة مثلاً،فانّ أجزاءها بأجمعها أجزاء عبادية.وأمّا شرائطها فجملة كثيرة منها غير عبادية، وذلك كطهارة البدن والثياب واستقبال القبلة وما شاكل ذلك،فانّها رغم كونها شرائط للصلاة تكون توصلية وتسقط عن المكلف بدون قصد التقرب.نعم، الطهارات الثلاث خاصّة تعبدية فلا تصح بدونه.
وأضف إلى ذلك:أنّ تقييد الصلاة بتلك القيود أيضاً لا يكون عبادياً،فلو صلّى المكلف غافلاً عن طهارة ثوبه أو بدنه ثمّ انكشف كونه طاهراً صحّت صلاته مع أنّ المكلف غير قاصد للتقيد فضلاً عن قصد التقرب به،فلو كان أمراً عبادياً لوقع فاسداً،لانتفاء القربة به،بل الأمر في التقيد بالطهارات الثلاث أيضاً كذلك،ومن هنا لو صلّى غافلاً عن الطهارة الحدثية ثمّ بان أ نّه كان واجداً لها صحّت صلاته،مع أ نّه غير قاصد لتقيدها بها فضلاً عن إتيانه بقصد القربة،هذا ظاهر.
وأمّا النحو الثالث،وهو ما يكون بعض أجزائه تعبدياً وبعضها الآخر توصلياً،فهو أمر ممكن في نفسه ولا مانع منه،إلّاأ نّا لم نجد لذلك مصداقاً في الواجبات التعبدية الأوّلية كالصلاة والصوم وما شاكلهما،حيث إنّها واجبات تعبدية بكافّة أجزائها.
ولكن يمكن فرض وجوده في الواجبات العرضية،وذلك كما إذا افترضنا أنّ واحداً مثلاً نذر بصيغة شرعية الصلاة مع إعطاء درهم لفقير على نحو العموم المجموعي بحيث يكون المجموع بما هو المجموع واجباً،وكان كل منهما جزء الواجب،فعندئذ بطبيعة الحال يكون مثل هذا الواجب مركباً من جزأين:
أحدهما تعبدي وهو الصلاة.وثانيهما توصلي وهو إعطاء الدرهم.وكذلك يمكن
وجوب مثل هذا المركب بعهد أو يمين أو شرط في ضمن عقد أو نحو ذلك.
فالنتيجة:أ نّه لا مانع من الالتزام بهذا القسم من الواجب التعبدي إذا ساعدنا الدليل عليه،هذا من ناحية.
ومن ناحية اخرى:أنّ الأمر المتعلق بالمركب من عدّة امور فبطبيعة الحال ينحل بحسب التحليل إلى الأمر بأجزائه وينبسط على المجموع،فيكون كل جزء منه متعلقاً لأمر ضمني ومأموراً به بذلك الأمر الضمني،مثلاً الأمر المتعلق بالصلاة ينحل بحسب الواقع إلى الأمر بكل جزء منها ويكون لكل منها حصّة منه المعبّر عنها بالأمر الضمني،ومردّ ذلك إلى انحلال الأمر الاستقلالي إلى عدّة أوامر ضمنية حسب تعدد الأجزاء.
ولكن هذا الأمر الضمني الثابت للأجزاء لم يثبت لها على نحو الاطلاق،مثلاً الأمر الضمني المتعلق بالتكبيرة لم يتعلق بها على نحو الاطلاق،بل تعلّق بحصّة خاصّة منها وهي ما كانت ملحوقة بالقراءة،وكذا الأمر الضمني المتعلق بالقراءة فانّه إنّما تعلّق بحصّة خاصّة منها وهي ما كانت ملحوقة بالركوع ومسبوقة بالتكبيرة،وكذلك الحال في الركوع والسجود ونحوهما.
وعلى ضوء ذلك يترتب أنّ المكلف لا يتمكن من الاتيان بالتكبيرة مثلاً بقصد أمرها بدون قصد الاتيان بالأجزاء الباقية،كما لا يتمكن من الاتيان بركعة مثلاً بدون قصد الاتيان ببقية الركعات،وإن شئت قلت:إنّ الأمر الضمني المتعلق بالأجزاء يتشعب من الأمر بالكل،وليس أمراً مستقلاً في مقابله،ولذا لا يعقل بقاؤه مع انتفائه.ومن المعلوم أنّ الأمر المتعلق بالكل يدعو المكلف إلى الاتيان بجميع الأجزاء،لا إلى الاتيان بجزء منها مطلقاً ولو لم يأت بالأجزاء الباقية،هذا إذا كان الواجب مركباً من جزأين أو أزيد وكان كل جزءٍ أجنبياً عن غيره وجوداً وفي عرض الآخر.
وأمّا إذا كان الواجب مركباً من الفعل الخارجي وقصد أمره الضمني، كالتكبيرة مثلاً إذا افترضنا أنّ الشارع أمر بها مع قصد أمرها الضمني،فلا إشكال في تحقق الواجب بكلا جزأيه وسقوط أمره إذا أتى المكلف به بقصد أمره كذلك،أمّا الفعل الخارجي فواضح،لفرض أنّ المكلف أتى به بقصد الامتثال،وأمّا قصد الأمر فأيضاً كذلك،لأنّ تحققه وسقوط أمره لا يحتاج إلى قصد امتثاله،لفرض أ نّه توصلي.
وبكلمة اخرى:أنّ الواجب في مثل الفرض مركب من جزء خارجي وجزء ذهني وهو قصد الأمر،وقد تقدّم أنّ الأمر المتعلق بالمركب ينحل إلى الأمر بكل جزء جزء منه،وعليه فكل من الجزء الخارجي والجزء الذهني متعلق للأمر الضمني،غايته أنّ الأمر الضمني المتعلق بالجزء الخارجي تعبدي فيحتاج سقوطه إلى قصد امتثاله،والأمر الضمني المتعلق بالجزء الذهني توصلي فلا يحتاج سقوطه إلى قصد امتثاله،هذا من ناحية.
ومن ناحية اخرى:قد سبق أ نّه لا محذور في أن يكون الواجب مركباً من جزء تعبدي وجزء توصلي.
فالنتيجة على ضوء هاتين الناحيتين:هي أ نّه لا مانع من أن يكون مثل الصلاة أو ما شاكلها مركباً من هذه الأجزاء الخارجية مع قصد أمرها الضمني، وعليه فبطبيعة الحال الأمر المتعلق بها ينحل إلى الأمر بتلك الأجزاء وبقصد أمرها كذلك،فيكون كل منها متعلقاً لأمر ضمني،فعندئذ إذا أتى المكلف بها بقصد أمرها الضمني فقد تحقق الواجب وسقط.وقد عرفت أنّ الأمر الضمني المتعلق بقصد الأمر توصلي فلا يتوقف سقوطه على الاتيان به بقصد امتثال أمره.
ومن هنا يفترق هذا الجزء وهو قصد الأمر عن غيره من الأجزاء الخارجية،
فانّ قصد الأمر الضمني في المقام محقق لتمامية المركب فلا حالة منتظرة له بعد ذلك،وهذا بخلاف غيره من الأجزاء الخارجية فانّه لا يمكن الاتيان بجزء بقصد أمره إلّامع قصد الاتيان ببقية أجزاء المركب أيضاً بداعي امتثال أمره.مثلاً لا يمكن الاتيان بالتكبيرة بقصد أمرها إلّامع قصد الاتيان ببقية أجزاء الصلاة أيضاً بداعي امتثال أمرها،وإلّا لكان الاتيان بها كذلك تشريعاً محرّماً،لفرض عدم الأمر بها إلّامرتبطة ببقية الأجزاء ثبوتاً وسقوطاً.
إلى هنا قد انتهينا إلى هذه النتيجة:وهي أنّ توهم استحالة أخذ قصد الأمر في متعلقه يقوم على أساس أحد أمرين:
الأوّل:أخذ الأمر مفروض الوجود في مقام الجعل والانشاء،ولكن قد تقدّم نقده بشكل موسّع.
الثاني:أن يكون المأخوذ في متعلقه قصد الأمر الاستقلالي،بمعنى أن يكون الواجب مركباً من الفعل الخارجي وقصد الأمر كذلك،وهذا غير معقول، وذلك لأنّ الفعل الخارجي مع فرض كونه جزء الواجب لا يعقل له الأمر الاستقلالي،ليكون الأمر متعلقاً به مع قصد ذاك الأمر له،ضرورة أنّ الأمر المتعلق به في هذا الفرض لا يمكن إلّاالأمر الضمني،ففرض الأمر الاستقلالي له خلف،يعني يلزم من فرض تركب الواجب عدمه.ولكن قد عرفت ممّا ذكرناه أ نّه لا واقع موضوعي لهذا التوهم أصلاً،حيث إنّ المأخوذ في متعلقه على ما بينّاه هو قصد الأمر الضمني المتعلق به،ولا مانع من أن يكون الواجب مركباً منهما،غاية ما يمكن أن يقال إنّ لازم ذلك هو أن يكون أحد الأمرين الضمنيين متأخراً عن الآخر رتبة،فانّ الأمر الضمني المتعلق بالفعل المزبور مقدّم رتبةً عن الأمر الضمني المتعلق بقصده،وهذا لا محذور فيه أصلاً بعد القول بالانحلال.
وعلى ضوء هذا الأساس يظهر اندفاع جميع الوجوه المتقدمة:
أمّا الوجه الأوّل: فهو يبتني على أن يكون المأخوذ في متعلق الأمر هو قصد الأمر الاستقلالي،وأمّا إذا كان المأخوذ فيه هو قصد الأمر الضمني كما هو الصحيح فلا يلزم المحذور المزبور،وذلك لأنّ قصد الأمر الضمني في كل جزء إنّما هو متأخر عن هذا الجزء لا عن جميع الأجزاء والشرائط،هذا من ناحية.
ومن ناحية اخرى:قد تقدّم في مبحث الصحيح والأعم 1أ نّه لا مانع من أن يكون الواجب مركباً من جزأين طوليين،ومن لحاظهما شيئاً واحداً وجعلهما متعلقاً لأمر واحد،وما نحن فيه من هذا القبيل.فالنتيجة أنّ هذا الوجه ساقط على ضوء ما قدّمناه.
وأمّا الوجه الثاني: فهو أيضاً يقوم على أساس أن يكون المأخوذ في متعلق الأمر كالصلاة مثلاً هو قصد الأمر النفسي الاستقلالي،فعندئذ لايتمكّن المكلف من الاتيان بها واجدة لتمام الأجزاء والشرائط منها قصد الأمر الاستقلالي إلّا تشريعاً حيث لا أمر بها كذلك لفرض أ نّها جزء الواجب والأمر المتعلق بالجزء لا يعقل أن يكون أمراً استقلالياً وإلّا لزم الخلف،بل لا بدّ أن يكون أمراً ضمنياً.وأمّا إذا افترضنا أنّ المأخوذ فيه هو قصد الأمر الضمني فلا يلزم ذلك المحذور،لتمكن المكلف وقتئذ من الاتيان بالصلاة مع قصد أمرها الضمني، وبذلك يتحقق المركب بكلا جزأيه.
وبكلمة اخرى:أنّ المكلف وإن لم يتمكن من الاتيان بها بداعي أمرها قبل إنشائه وفي ظرفه،إلّاأ نّه متمكن منه كذلك في ظرف الامتثال،وقد أشرنا أنّ المعتبر في باب التكاليف إنّما هو القدرة على امتثالها في هذا الظرف دون ظرف
الانشاء،فلو افترضنا أنّ المكلف غير متمكن في ظرف الانشاء،ولكنّه متمكن في ظرف الامتثال صحّ تكليفه.
فالنتيجة:أنّ التشريع يقوم على أساس أن يكون المأخوذ في المتعلق هو داعوية الأمر النفسي الاستقلالي.وعدم القدرة يقوم على أساس أن يكون المعتبر هو القدرة على متعلقات الأحكام من حين الأمر،وقد عرفت أ نّه لا واقع موضوعي لكلا الأمرين.فإذن لا يلزم من أخذه في المتعلق [ شيء ] من المحذورين المزبورين كما هو واضح.
وأمّا الوجه الثالث: فلأ نّه أيضاً مبتنٍ على أن يكون المأخوذ في المتعلق هو قصد الأمر النفسي الاستقلالي،فعندئذ بطبيعة الحال يلزم من فرض وجوده عدمه،وذلك لأنّ معنى أخذ داعوية الأمر بالصلاة في متعلقه هو أنّ الصلاة جزء الواجب،فإذا كانت جزء الواجب فلا محالة الأمر المتعلق بها ضمني لا استقلالي،فإذن يلزم من وجوده عدمه وهو محال،ولكن قد عرفت أنّ المأخوذ فيه إنّما هو قصد الأمر الضمني،وعليه فلا موضوع لهذا الوجه كما هو واضح.
وأمّا الوجه الرابع: فلأ نّه يقوم على أساس أن يكون ما اخذ داعويته في متعلق الأمر كالصلاة مثلاً عين ما يدعو إليه،فعندئذ بطبيعة الحال يلزم داعوية الأمر لداعوية نفسه.
ولكن قد ظهر من ضوء ما حققناه أنّ الأمر ليس كذلك،فانّ المأخوذ في المتعلق إنّما هو داعوية الأمر الضمني،وما يدعو إلى داعويته إنّما هو أمر ضمني آخر،ومن الطبيعي أ نّه لا مانع من أن يكون أحد أمرين متعلقاً لأمر آخر ويدعو إلى داعويته،بداهة أ نّه لا يلزم من ذلك داعوية الأمر لداعوية نفسه، بيان ذلك:أنّ الأمر المتعلق بالصلاة مثلاً مع داعوية أمرها الضمني بطبيعة الحال ينحل ذلك الأمر إلى أمرين ضمنيين:أحدهما متعلق بذات الصلاة.والآخر متعلق
بداعوية هذا الأمر،يعني الأمر المتعلق بذات الصلاة،ولا محذور في أن يكون الأمر الضمني يدعو إلى داعوية الأمر الضمني الآخر،كما أ نّه لا مانع من أن يكون الأمر النفسي الاستقلالي يدعو إلى داعوية الأمر النفسي الآخر كذلك.نعم،لو كان المأخوذ فيه الأمر النفسي الاستقلالي لزم داعوية الأمر لداعوية نفسه.
قد انتهينا في نهاية المطاف إلى هذه النتيجة:وهي أ نّه لا محذور في أخذ داعوية الأمر الضمني في متعلق الأمر النفسي الاستقلالي.
لا من ناحية التشريع لابتنائه على عدم الأمر بذات الفعل الخارجي كالصلاة مثلاً،ولكن قد عرفت خلافه وأنّ الأمر الاستقلالي بها وإن كان منتفياً إلّاأنّ الأمر الضمني موجود.
ولا من ناحية عدم القدرة لابتنائه على اعتبار القدرة على متعلقات التكاليف من حين الأمر وقد عرفت نقده.ولا من ناحية الخلف،لابتنائه على أن يكون المأخوذ فيه داعوية الأمر الاستقلالي ولكن قد سبق خلافه.
ولا من ناحية داعوية الأمر لداعوية نفسه،لابتنائه على أن يكون الأمر المتعلق بالصلاة مع داعوية أمرها عين ذلك الأمر،ولكن قد مرّ خلافه وأنّ الأمر المتعلق بالمجموع حيث إنّه ينحل إلى أمرين ضمنيين فلا مانع من أن يكون أحد الأمرين متعلقاً للآخر،ولا يلزم من ذلك المحذور المذكور.
وإن شئت قلت:إنّ هذا المركب يمتاز عن بقية المركبات في نقطتين:
الاُولى: أنّ الاتيان بجزء في بقية المركبات لا يمكن بداعي أمره الضمني إلّا في ضمن الاتيان بالمجموع وإلّا لكان تشريعاً محرّماً.وأمّا الاتيان به في هذا المركب بقصد أمره الضمني فلا مانع منه،بل هو موجب لسقوط الأمر عنه، لفرض أنّ المركب تحقق به بكلا جزأيه،ولا يتوقف تحقق جزئه الآخر-وهو قصد الأمر-على قصد امتثال أمره،لما عرفت من أنّ الأمر المتعلق به توصلي
ولا معنى لكونه تعبدياً.
الثانية: أنّ الأوامر الضمنية في بقية المركبات أوامر عرضية فلا يكون شيء منها في طول الآخر،وأمّا في هذا المركب فهي أوامر طولية،فانّ الأمر الضمني المتعلق بذات الصلاة مثلاً في مرتبة متقدمة بالاضافة إلى الأمر الضمني المتعلق به،وهو في طوله وفي مرتبة متأخرة عنه،ولذا جعله داعياً إلى الصلاة.
وقد تحصّل من جميع ما ذكرناه:أ نّه لا مانع من أخذ قصد الأمر في متعلقه في مقام الثبوت.وأمّا في مقام الاثبات فان كان هنا دليل يدلّنا على أخذه فيه فهو وإلّا فمقتضى الاطلاق عدم أخذه وكون الواجب توصلياً.
فالنتيجة في نهاية الشوط:عدم تمامية الدعوى الاُولى وهي استحالة تقييد الواجب بقصد أمره.
وأمّا الدعوى الثانية: وهي أنّ استحالة التقييد تستلزم استحالة الاطلاق، فالكلام فيها يقع في موردين:
الأوّل:أنّ التقابل بين الاطلاق والتقييد هل هو من تقابل العدم والملكة أو من تقابل التضاد ؟
الثاني:على فرض أنّ التقابل بينهما من تقابل العدم والملكة،فهل استحالة التقييد تستلزم استحالة الاطلاق أم لا ؟
أمّا المورد الأوّل: فقد اختار شيخنا الاُستاذ (قدس سره) 1أنّ التقابل بينهما تقابل العدم والملكة،وفرّع على ذلك أنّ استحالة التقييد تستلزم استحالة الاطلاق وبالعكس.ومن هنا فرّق (قدس سره) بين الحالات والانقسامات
الأوّلية التي تعرض على الموضوع أو المتعلق،وبين الحالات والانقسامات الثانوية التي تعرض عليه بملاحظة تعلّق الحكم به وقال:إنّ الاطلاق والتقييد إنّما يتصوران بالاضافة إلى الانقسامات والقيود الأوّلية،ولا يتصوران بالاضافة إلى الانقسامات والقيود الثانوية،حيث إنّ التقييد بها مستحيل،فإذا استحال التقييد استحال الاطلاق أيضاً.ومن تلك القيود الثانوية قصد الأمر، وحيث إنّ تقييد الواجب به مستحيل فاطلاقه كذلك.
ولكن الصحيح هو التفصيل بين مقامي الاثبات والثبوت.
أمّا في مقام الاثبات،فلا ينبغي الشك في أنّ التقابل بينهما من تقابل العدم والملكة،وذلك لأنّ الاطلاق في هذا المقام عبارة عن عدم التقييد بالاضافة إلى ما هو قابل له،كما إذا فرض أنّ المتكلم في مقام البيان وهو متمكن من الاتيان بالقيد ومع ذلك لم يأت به فعندئذ تحقق إطلاق لكلامه،ومن الطبيعي أنّ مردّ هذا الاطلاق ليس إلّاإلى عدم بيان المتكلم القيد،فالاطلاق في هذا المقام ليس أمراً وجودياً،بل هو أمر عدمي.
وهذا بخلاف التقييد،فانّه أمر وجودي وعبارة عن خصوصية زائدة في الموضوع أو المتعلق.وعلى الجملة:فالمتكلم إذا كان في مقام البيان فان نصب قرينةً على اعتبار خصوصية زائدة فيه فلا إطلاق لكلامه من هذه الناحية، وإن لم ينصب قرينةً على اعتبارها فله إطلاق ولا مانع من التمسك به.ومنه يستكشف الاطلاق في مقام الثبوت،ومن الواضح أنّ الاطلاق بهذا المعنى أمر عدمي،كما أنّ التقييد المقابل له أمر وجودي.
فالنتيجة:أنّ استحالة التقييد في هذا المقام تستلزم استحالة الاطلاق وبالعكس.
وأمّا في مقام الثبوت،فالصحيح أنّ المقابلة بينهما مقابلة الضدّين لا العدم والمَلكة،وذلك لأنّ الاطلاق في هذا المقام عبارة عن رفض القيود والخصوصيات ولحاظ عدم دخل شيء منها في الموضوع أو المتعلق،والتقييد عبارة عن لحاظ دخل خصوصية من الخصوصيات في الموضوع أو المتعلق،ومن الطبيعي أنّ كلاً من الاطلاق والتقييد بهذا المعنى أمر وجودي.
بيان ذلك:أنّ الخصوصيات والانقسامات الطارئة على الموضوع أو المتعلق – سواء أكانت تلك الخصوصيات من الخصوصيات النوعية أو الصنفية أو الشخصية-فلا تخلو من أن يكون لها دخل في الحكم والغرض أو لا يكون لها دخل فيه أصلاً ولا ثالث لهما،فعلى الأوّل بطبيعة الحال يتصور المولى الموضوع أو المتعلق مع تلك الخصوصية التي لها دخل فيه،وهذا هو معنى التقييد.وعلى الثاني فلا محالة يتصور الموضوع أو المتعلق مع لحاظ عدم خصوصية من هذه الخصوصيات ورفضها تماماً،وهذا هو معنى الاطلاق،ومن الطبيعي أنّ النسبة بين اللحاظ الأوّل واللحاظ الثاني نسبة التضاد،فلا يمكن اجتماعهما في شيء واحد من جهة واحدة.
وإن شئت فقل: إنّ الغرض لا يخلو من أن يقوم بالطبيعي الجامع بين كافّة خصوصياته،أو يقوم بحصّة خاصّة منه ولا ثالث بينهما،فعلى الأوّل لا بدّ من لحاظه على نحو الاطلاق والسريان رافضاً عنه جميع القيود والخصوصيات الطارئة عليه أثناء وجوده وتخصصه.وعلى الثاني لا بدّ من لحاظ تلك الحصّة الخاصّة ولا يعقل لهما ثالث،فانّ مردّ الثالث-وهو لحاظه بلا رفض الخصوصيات وبلا لحاظ خصوصية خاصّة-إلى الاهمال في الواقعيات،ومن الطبيعي أنّ الاهمال فيها من المولى الملتفت مستحيل،وعليه فالموضوع أو المتعلق في الواقع إمّا مطلق أو مقيّد،هذا من ناحية.
ومن ناحية اخرى:أنّ الاطلاق والتقييد على ضوء هذا البيان أمران وجوديان، فإذن بطبيعة الحال كانت العلاقة بينهما علاقة الضدّين.
وأمّا المورد الثاني: وهو ما إذا سلّمنا أنّ المقابلة بين الاطلاق والتقييد مقابلة العدم والملكة لا الضدّين،وافترضنا أنّ التقييد في محل الكلام مستحيل لتمامية الوجوه المتقدمة أو بعضها،فهل تستلزم استحالة التقييد استحالة الاطلاق أم لا ؟ قولان.
قد اختار شيخنا الاُستاذ (قدس سره) 1القول الأوّل بدعوى أنّ لازم كون التقابل بين الاطلاق والتقييد تقابل العدم والملكة،اعتبار كون المورد قابلاً للتقييد،فما لم يكن قابلاً له لم يكن قابلاً للاطلاق أيضاً.
ولكن الصحيح هو أنّ استحالة التقييد بشيء في مرحلة الثبوت تستلزم ضرورة الاطلاق فيها أو ضرورة التقييد بخلافه.فلنا دعويان:
الاُولى:بطلان ما أفاده شيخنا الاُستاذ (قدس سره).
الثانية:صحّة ما قلناه.
أمّا الدعوى الاُولى: فهي خاطئة نقضاً وحلاً.
أمّا نقضاً فبعدّة موارد:
منها: أنّ الانسان جاهل بحقيقة ذات الواجب تعالى ولايتمكن من الاحاطة بكنه ذاته سبحانه حتّى نبيّنا محمّد (صلّى اللّٰه عليه وآله) وذلك لاستحالة إحاطة الممكن بالواجب،فإذا كان علم الانسان بذاته تعالى مستحيلاً لكان جهله بها ضرورياً مع أنّ التقابل بين الجهل والعلم من تقابل العدم والملكة،فلو كانت
استحالة أحدهما تستلزم استحالة الآخر لزم استحالة الجهل في مفروض المقام، مع أ نّه ضروري وجداناً.
ومنها: أنّ الانسان يستحيل أن يكون قادراً على الطيران في السماء مع أنّ عجزه عنه ضروري وليس بمستحيل،فلو كانت استحالة أحد المتقابلين بتقابل العدم والملكة تستلزم استحالة الآخر لكانت استحالة القدرة في مفروض المثال تستلزم استحالة العجز،مع أنّ الأمر ليس كذلك.
ومنها: أنّ كل أحد يستطيع مثلاً حفظ صفحة أو أكثر من أيّ كتاب شاء وأراد،ولكنّه لايستطيع حفظ جميع الكتب بشتّى أنواعها وفنونها،بل لايستطيع حفظ مجلّدات البحار مثلاً أجمع،وهذا لا يستلزم خروجه عن القابلية بتاتاً، وأ نّه لايستطيع حفظ صفحة واحدة أيضاً ببيان أنّ استحالة أحد المتقابلين بتقابل العدم والملكة تستلزم استحالة الآخر،بداهة أنّ استطاعته لحفظ صفحة واحدة ضرورية.
وأمّا حلاً: فلأنّ قابلية المحل المعتبرة في التقابل المذكور لا يلزم أن تكون شخصية في جزئيات مواردها،بل يجوز أن تكون صنفية أو نوعية أو جنسية، ومن هنا ذكر الفلاسفة 1أنّ القابلية المعتبرة بين الأعدام والملكات ليست القابلية الشخصية بخصوصها في كل مورد،بل الأعم منها ومن القابلية الصنفية والنوعية والجنسية حسب اختلاف الموارد والمقامات،فلا يعتبر في صدق العدم المقابل للملكة على موردٍ أن يكون ذلك المورد بخصوصه قابلاً للاتصاف بالوجود أي الملكة،بل كما يكفي ذلك يكفي في صدقه عليه أن يكون صنف هذا الفرد أو نوعه أو جنسه قابلاً للاتصاف بالوجود وإن لم يكن شخص هذا الفرد
قابلاً للاتصاف به.
ويتّضح ذلك ببيان الأمثلة المتقدمة،فانّ الانسان قابل للاتصاف بالعلم والمعرفة،ولكن قد يستحيل اتصافه به في خصوص موردٍ لأجل خصوصية فيه،وذلك كالعلم بذات الواجب تعالى حيث يستحيل اتصاف الانسان به مع أنّ صدق العدم-وهو الجهل-عليه ضروري،ومن الطبيعي أنّ هذا ليس إلّا من ناحية أنّ القابلية المعتبرة في الأعدام والملكات ليست خصوص القابلية الشخصية.
وكذلك الحال في المثال الثاني،فانّ اتصاف الانسان بالعجز عن الطيران إلى السماء بلحاظ قابليته في نفسه للاتصاف بالقدرة،لا بلحاظ إمكان اتصافه بها في خصوص هذا المورد،وقد عرفت أ نّه يكفي في صدق العدم القابلية النوعية، وهي موجودة في مفروض المثال.
وهكذا الحال في المثال الثالث،فانّ استطاعة كل أحد لحفظ صفحة أو أكثر وعدم استطاعته لحفظ جميع مجلّدات البحار مثلاً لايوجب خروجه عن القابلية النوعية أو الجنسية.
وقد تحصّل من ذلك بوضوح:أ نّه لا يعتبر في صدق العدم المقابل للملكة على موردٍ قابلية ذلك المورد بشخصه للاتصاف بتلك الملكة،بل يكفي في ذلك قابلية صنفه أو نوعه أو جنسه للاتصاف بها.
فالنتيجة:انّه لا ملازمة بين الأعدام والملكات في الامكان والاستحالة.
ولعل ما أوقع شيخنا الاُستاذ (قدس سره) في هذا الوهم ما هو المشهور في الألسنة من اعتبار قابلية المحل للوجود في التقابل المزبور،ومن هنا لا يصح إطلاق العمى على الجدار مثلاً لعدم كونه قابلاً للاتصاف بالبصر،وكذا لا يصح إطلاق الجاهل أو العاجز عليه،لعدم القابلية الشخصية في تمام جزئيات
مواردها.
ولكن قد عرفت خلافه.وأمّا عدم صحّة الاطلاق في هذه الأمثلة من ناحية فقدان القابلية بتمام أشكالها.
وأمّا الدعوى الثانية: وهي أنّ استحالة التقييد تستلزم ضرورة الاطلاق أو ضرورة التقييد بخلافه،فلأنّ الاهمال في الواقعيات مستحيل،وذلك لأنّ الغرض الداعي إلى جعل الحكم واعتباره لا يخلو من أن يقوم بالطبيعي الجامع بين خصوصيّاته من دون مدخلية شيء منها فيه،أو يقوم بحصّة خاصّة منه ولا ثالث لهما،فعلى الأوّل لا محالة يلاحظه المولى في مقام جعل الحكم واعتباره على نحو الاطلاق.وعلى الثاني لا محالة يلاحظ تلك الحصّة الخاصّة منه فحسب، وعلى كلا التقديرين فالاهمال في الواقع غير معقول فالحكم على الأوّل مطلق، وعلى الثاني مقيّد.
ولا فرق في ذلك بين الانقسامات الأوّلية والثانوية،بداهة أنّ المولى الملتفت إلى انقسام الصلاة مع قصد الأمر وبدونه خارجاً وفي الواقع،بطبيعة الحال إمّا أن يعتبرها في ذمّة المكلف على نحو الاطلاق،أو يعتبرها مقيّدةً بقصد الأمر أو مقيّدةً بعدم قصده،ولا يتصور رابع،لأنّ مردّ الرابع إلى الاهمال بالاضافة إلى هذه الخصوصيات وهو غير معقول،كيف حيث إنّ مرجعه إلى عدم علم المولى بمتعلق حكمه أو موضوعه من حيث السعة والضيق وتردّده في ذلك،ومن الطبيعي أنّ تردّده فيه يستلزم تردّده في نفس حكمه وهو من الحاكم غير معقول، وعندئذ إذا افترضنا استحالة تقييدها بقصد الأمر فبطبيعة الحال تعيّن أحد الأمرين الآخرين هما:الاطلاق أو التقييد بخلافه،وإذا فرضنا أنّ التقييد بخلافه أيضاً مستحيل كما هو كذلك،حيث إنّ الغرض من الأمر هو كونه داعياً فلا معنى لتقييد المأمور به بعدم كونه داعياً،فلا محالة يتعيّن الاطلاق.
وعلى الجملة: فلازم ما أفاده (قدس سره)-من أنّ استحالة التقييد في موردٍ تستلزم استحالة الاطلاق فيه-إهمال الواقع وأ نّه لا يكون مقيداً به ولا يكون مطلقاً،وقد عرفت أنّ مرجع هذا إلى عدم علم الحاكم بحدود موضوع حكمه أو متعلقه من حيث السعة والضيق وهو غير معقول،وعليه حيث استحال تقييد المأمور به كالصلاة مثلاً بقصد الأمر على مختاره (قدس سره) للوجوه المتقدمة من ناحية،واستحال تقييده بعدم قصده من ناحية اخرى حيث إنّه على خلاف الغرض من الأمر،فالاطلاق ضروري يعني أنّ المأمور به هو الطبيعي الجامع بلا دخل لقصد الأمر فيه وجوداً وعدماً.
ولا فرق في ذلك بين قيود الموضوع وقيود المتعلق،وكذا لا فرق بين القيودات الأوّلية والقيودات الثانوية،ضرورة أنّ الاهمال كما لا يعقل بالاضافة إلى القيودات الأوّلية كذلك لا يعقل بالاضافة إلى القيودات الثانوية،فانّ الحكم المجعول من قبل المولى الملتفت إلى تلك القيودات لا يخلو من أن يكون مطلقاً باطلاق موضوعه أو متعلقه بالاضافة إليها،يعني لا دخل لشيء منها فيه،أو يكون مقيداً بها ولا ثالث في البين،وعليه فإذا افترضنا استحالة التقييد بقيدٍ فلا محالة أحد الأمرين ضروري:إمّا الاطلاق أو التقييد بغيره،لاستحالة الاهمال في الواقع.
وإلى ذلك أشار شيخنا العلّامة الأنصاري (قدس سره) بقوله:من أ نّه إذا استحال التقييد وجب الاطلاق 1.
نعم،الاهمال في مقام الاثبات والدلالة أمر معقول،وذلك لأنّ المولى إذا كان في مقام البيان فان نصب قرينةً على التقييد دلّ كلامه على ذلك،وإن لم
ينصب قرينةً على ذلك دلّ على الاطلاق.وأمّا إذا لم يكن في مقام البيان وكان في مقام الاهمال والاجمال،إمّا لأجل مصلحة فيه أو لوجود مانع،لم يدل كلامه لا على الاطلاق ولا على التقييد وأصبح مهملاً،فلا يمكن التمسك به.
ولعل من هذا القبيل قوله تعالى «وَ إِذٰا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنٰاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاٰةِ» 1فانّ الآية الكريمة تشير إلى وجوب القصر عند تحقق الضرب في الأرض،ولكنّها أهملت التعرض لمقدار الضرب وتحديده بحدوده الخاصّة،فتكون مهملةً من هذه الناحية فلا يمكن التمسك باطلاقها.
وأمثلة ذلك كثيرة في الآيات والروايات،إلّاأنّ الاطلاق والتقييد في مقام الاثبات خارج عن محل البحث هنا،حيث إنّه في الاطلاق والتقييد في مرحلة الثبوت والواقع كما عرفت.
وقد تحصّل من ذلك عدّة نقاط:
الاُولى: أنّ التقابل بين الاطلاق والتقييد تقابل الضدّين لا العدم والملكة كما اختاره شيخنا الاُستاذ (قدس سره).
الثانية: أ نّنا لو افترضنا أنّ التقابل بينهما تقابل العدم والملكة لا التضاد،إلّا أنّ ما أفاده (قدس سره) من أنّ استحالة التقييد تستلزم استحالة الاطلاق خاطئ،وذلك لأنّها تقوم على أساس اعتبار القابلية الشخصية في العدم والملكة، ولكن قد عرفت أنّ القابلية المعتبرة أعم من أن تكون شخصية أو صنفية أو نوعية أو جنسية.
الثالثة: أنّ استحالة التقييد بشيء تستلزم ضرورة الاطلاق أو التقييد بغيره،لاستحالة الاهمال في الواقع.هذا تمام الكلام في إمكان أخذ قصد الأمر
في متعلقه وعدم امكانه.
يبقى الكلام في بقية الدواعي القربية كقصد المحبوبية أو قصد المصلحة أو الاتيان بالعبادة بداعي أنّ اللّٰه (سبحانه وتعالى) أهلاً لها،أو غير ذلك،فهل يمكن اعتبار تلك الدواعي في متعلق الأمر أم لا ؟ وعلى تقدير الامكان فهل يجوز التمسك بالاطلاق لاثبات عدم اعتبارها أو لا يجوز ؟
فالبحث هنا يقع في مقامين:
الأوّل:في إمكان أخذها في متعلق الأمر وعدم إمكانه.
الثاني:في جواز التمسك بالاطلاق وعدم جوازه.
أمّا المقام الأوّل: فذهب المحقق صاحب الكفاية (قدس سره) 1إلى أنّ أخذ تلك الدواعي في متعلق الأمر وإن كان بمكان من الامكان،إلّاأ نّا نعلم قطعاً بعدم أخذها في العبادات،وذلك لأنّ تلك الدواعي لو كانت مأخوذة في متعلق الأمر لم تصحّ العبادة بدون قصدها وإن كان قاصداً لامتثال الأمر،مع أ نّه لا شبهة في صحّتها إذا اتي بها بداعي أمرها من دون الالتفات إلى أحد هذه الدواعي فضلاً عن قصدها،وهذا كاشف قطعي عن عدم اعتبارها.فالنتيجة أنّ الدواعي القربية بكافّة أصنافها لم تؤخذ في متعلق الأمر،غاية الأمر عدم أخذ بعضها من ناحية الاستحالة،وبعضها الآخر من ناحية وجود القطع الخارجي.
ولنأخذ بالنقد على ما أفاده (قدس سره) وذلك لأنّ ما ذكره من صحّة العبادة مع قصد أمرها وبدون قصد تلك الدواعي لا يكشف إلّاعن عدم اعتبارها بالخصوص.وأمّا اعتبار الجامع بين الجميع وهو إضافة العمل إليه
تعالى فهو بمكان من الامكان.ولا دليل فيما ذكره (قدس سره) على عدم اعتباره فلعل صحّة العبادة المأتي بها بداعي أمرها إنّما هي من ناحية تحقق الجامع القربي به.
بكلمة واضحة:أ نّنا لو افترضنا أنّ تقييد العبادة بقصد الأمر مستحيل، وافترضنا أيضاً اليقين الخارجي بعدم تقييدها ببقية الدواعي القربية أيضاً، ولكنّه لا مانع من تقييدها بالجامع لا من الناحية الاُولى لما عرفت من أنّ الجامع بين المقدور وغير المقدور مقدور،ولا مانع من تعلّق التكليف به،وعليه فعدم إمكان تقييد العبادة بخصوص قصد الأمر لايستلزم عدم إمكان تقييدها بالجامع بينه وبين غيره من الدواعي،لعدم الملازمة بينهما أصلاً،ولا من الناحية الثانية، لعدم القطع الخارجي بعدم اعتباره أيضاً.فإذن لا مانع من أخذ الجامع القربي بين هذه الدواعي في العبادة.
وتوهم أنّ لازم ذلك هو أن يكون الاتيان بذات الصلاة مثلاً بداعي أمرها تشريعاً ومحرّماً،لفرض أنّ الأمر قد تعلّق بها مع قصد ذلك الجامع ولا يتعلّق بذات الصلاة وحدها،مع أ نّه لا شبهة في صحّة الاتيان بها بداعي أمرها،ومن الطبيعي أنّ ذلك يكشف عن تعلّق الأمر بذاتها لا بها مع قصد التقرب،وعليه فكيف يحتمل أخذ الجامع القربي فيها، خاطئ جداً لما تقدّم بشكل موسّع في ضمن البحوث السابقة 1من أنّ الاتيان بالعبادة بداعي أمرها لا يستدعي تعلّق الأمر النفسي الاستقلالي بذاتها،بل يمكن الاتيان بها بداعي أمرها الضمني، والمفروض أنّ الأمر الضمني موجود.فإذن لا تشريع في البين أصلاً.
ولشيخنا الاُستاذ (قدس سره) في المقام كلام:وهو أنّ الدواعي القربية حيث
كانت بأجمعها في عرض واحد،وأنّ الجامع بين الجميع هو كون العمل للّٰهتعالى كما يستفاد من قوله (عليه السلام):«وكان عمله بنيّة صالحة يقصد بها ربّه» 1فلا يمكن أخذها في المأمور به،وذلك لأنّ الداعي أيّاً منها فرض فهو في مرتبة سابقة على الارادة المحرّكة للعمل،فإذا كان كذلك استحال كونه في عرض العمل الصادر عن الارادة التكوينية،فانّ المفروض سبقه على الارادة حيث إنّ الارادة تنبعث منه،والعمل متأخر عن الارادة على الفرض،فإذا لم يمكن وقوع الداعي في حيّز الارادة التكوينية فلا يمكن وقوعه في حيّز الارادة التشريعية أيضاً،بداهة أنّ متعلق الارادة التشريعية هو بعينه ما يوجده العبد في الخارج وتتعلق به إرادته التكوينية،فلو لم يمكن تعلّق الارادة التكوينية بشيء لم يمكن تعلّق الارادة التشريعية به أيضاً.
أو فقل:إنّ الداعي حيث كان علّةً لحدوث الارادة التكوينية في نفس المكلف كان مقدّماً عليها رتبةً وهي متأخرة عنه كذلك،فلو افترضنا أنّ الارادة تتعلق به لزم كونها مقدمةً عليه رتبة،ومردّ هذا إلى تقدّم الشيء على نفسه وهو محال،فإذا لم يمكن أخذ كل واحد من تلك الدواعي في المأمور به لم يمكن أخذ الجامع بينها فيه بعين البيان المذكور 2.
ولنأخذ بالمناقشة عليه أوّلاً بالنقض.وثانياً بالحل.
أمّا الأوّل: فلو تمّ ما أفاده (قدس سره) من عدم إمكان تعلّق الارادة التشريعية والتكوينية بداعٍ من الدواعي القربية،لكان ذلك موجباً لعدم إمكان تعلقهما به بمتمم الجعل وبالأمر الثاني أيضاً،مع أ نّه (قدس سره) قد التزم بامكان أخذه بالأمر الثاني،والسبب في ذلك:هو ما عرفت من أنّ الداعي
عبارة عمّا تنبعث الارادة منه في نفس المكلف للقيام بالعمل،وعليه فبطبيعة الحال تكون الارادة متأخرةً عنه.فإذن كيف يعقل أن تتعلق الارادة به كما تتعلق بالفعل الخارجي،ومن الواضح أ نّه لا فرق في استحالة أخذه في متعلق الارادة بين أن يكون بالأمر الأوّل أو بالأمر الثاني.
وأمّا الثاني: فلأنّ ما أفاده (قدس سره) إنّما يتم في الارادة الشخصية، حيث إنّها لا يعقل أن تتعلق بما تنبعث منه،بداهة استحالة تعلّق الارادة الناشئة عن داعٍ بذلك الداعي،لتأخرها عنه رتبةً فكيف تتقدّم عليه كذلك.
أو فقل:إنّ هذه الارادة معلولة لذلك الداعي فكيف يعقل أن تتقدّم عليه وتتعلّق به.وأمّا تعلّق فرد آخر من الارادة به غير الفرد الناشئ منه فلا استحالة فيه أصلاً.وما نحن فيه من هذا القبيل،وذلك لأنّ الواجب فيه مركب على الفرض من فعل خارجي كالصلاة مثلاً وفعل نفساني كأحد الدواعي القربية، حيث إنّه فعل اختياري للنفس يصدر منها باختيارها وإرادتها وبلا واسطة إحدى قواها كقصد الاقامة وما شاكله،وقد تقدّم تفصيل ذلك بصورة موسّعة في ضمن البحوث السابقة 1هذا من ناحية.
ومن ناحية اخرى:قد ذكرنا سابقاً بشكل مفصّل 2أنّ الملاك في كون الفعل اختيارياً،ما كان مسبوقاً باعمال القدرة والاختيار،سواء أكان من الأفعال الخارجية أم كان من الأفعال النفسانية.
فالنتيجة على ضوء هاتين الناحيتين:هي أنّ الاختيار المتعلق بالفعل الخارجي كالصلاة مثلاً غير الاختيار المتعلق بالفعل النفساني،فانّ تعدد الفعل بطبيعة الحال يستلزم تعدّد الاختيار وإعمال القدرة،فلا يعقل تعلّق اختيار واحد
بهما معاً.فإذن لايلزم المحذور المتقدم حيث إنّ الاختيار المتعلق بالفعل الخارجي هو الناشئ عن الفعل النفساني يعني أحد الدواعي القربية،والاختيار المتعلق به غير ذلك الاختيار ولم ينشأ منه.
وأمّا ما أفاده (قدس سره) من أنّ الارادة التشريعية تتعلّق بما يوجده العبد وتتعلّق به إرادته التكوينية فيرد عليه ما ذكرناه سابقاً 1:من أ نّه لا معنى للارادة التشريعية في مقابل الارادة التكوينية إلّاأن يكون المراد من الارادة التشريعية الأمر الصادر من المولى المتعلق بفعل المكلف،ولكن على هذا الفرض فالارادة التشريعية في المقام واحدة دون الارادة التكوينية،وذلك لأنّ وحدة الارادة التشريعية وتعددها تتبع وحدة الغرض وتعدده،وحيث إنّ الغرض في المقام واحد قائم بالمجموع المركب منهما،لفرض كون الواجب ارتباطياً،فبطبيعة الحال الارادة التشريعية المتعلّقة به أيضاً واحدة.
وقد تحصّل من ذلك:أ نّه لا مانع من أخذ الجامع بين جميع الدواعي القربية في متعلق الأمر وإن قلنا باستحالة أخذ خصوص قصد الأمر فيه،كما أ نّه لا مانع من أخذ بقية الدواعي القربية فيه.
قد يقال كما قيل 2: إذا افترض استحالة أخذ قصد الأمر في متعلقه من ناحية،واليقين بعدم أخذ غيره من الدواعي القربية فيه من ناحية اخرى، فبطبيعة الحال كان عدم أخذ الجامع بين جميع هذه الدواعي أيضاً متيقناً، لفرض أ نّه لا يعمّ غيرها.
وإن شئت فقل:إنّ أخذ خصوص قصد الأمر في متعلقه حيث إنّه مستحيل فلا معنى لأخذ الجامع بينه وبين غيره من الدواعي القربية فيه،وعندئذ فلو
كان الجامع مأخوذاً فلا بدّ أن يكون الجامع بين بقية الدواعي،وهو غير مأخوذ قطعاً وإلّا لم تكن العبادة صحيحةً بدون أحد تلك الدواعي وإن كانت مع قصد الأمر.
والجواب عنه يظهر ممّا حققناه سابقاً 1وحاصله:هو أنّ الاطلاق عبارة عن رفض القيود وملاحظة عدم دخل شيء من الخصوصيات فيه من الخصوصيات النوعية أو الصنفية أو الشخصية،وليس عبارة عن الجمع بين القيود والخصوصيات.وعلى هذا فلا مانع من أخذ الجامع بين جميع هذه الدواعي القربية في العبادات،ولايستلزم عدم اعتبار كل واحد من تلك الدواعي فيها عدم أخذ الجامع،وذلك لأنّ معنى أخذ الجامع ليس أخذ خصوص قصد الأمر وقصد المحبوبية وقصد الملاك ونحو ذلك من الدواعي في المتعلق ليلزم المحذور السابق،لما عرفت من أ نّه يقوم على أساس أن يكون معنى الاطلاق هو الجمع بين القيود ولحاظ دخل الجميع فيه،ولكن قد عرفت خطأ هذا التفسير،بل معناه لحاظ عدم دخل شيء منها فيه،ومن الطبيعي أ نّه لا محذور في ذلك،فانّ المحذور إنّما هو في أخذ خصوص قصد الأمر لا في عدم أخذه، وهكذا.
ومن هنا قلنا إنّه لو أمكن للمكلف إيجاد المطلق المعرى عنه جميع الخصوصيات فقد حصل الغرض وامتثل الأمر.مثلاً ففي مثل قولنا:اعتق رقبةً، الذي لاحظ المولى طبيعي الرقبة من دون ملاحظة خصوصية من الخصوصيات فيها،لو تمكن المكلف من إيجاد عتق الرقبة خالياً عن تمام الخصوصيات لامتثل الأمر.
فالنتيجة لحدّ الآن قد أصبحت:أ نّه لا مانع من أخذ خصوص قصد الأمر
في المتعلق.وعلى تقدير تسليم المانع منه فلا مانع من أخذ الجامع القربي فيه، بداهة أنّ ما ذكر من المحاذير لايلزم شيء منها على تقدير أخذه،هذا من ناحية.
ومن ناحية اخرى:أنّ الدواعي القربية بكافّة أصنافها في عرض واحد فليس واحد منها في طول الآخر،فانّ المعتبر في العبادة هو الاتيان بها بقصد التقرب إلى المولى،وهو يتحقق باضافة الفعل إليه حيث لا واقع له ما عدا ذلك،ومن المعلوم أنّ الاضافة جامعة بين جميع أنحاء قصد القربة،ومن ذلك يظهر أنّ كل واحد من الدواعي القربية غير مأخوذ في متعلق الأمر،والمأخوذ إنّما هو الجامع بين الجميع،ومن ثمة لو أتى المكلف بالعبادة بأيّ داعٍ من تلك الدواعي لكانت صحيحة،ولا خصوصية لواحد منها بالاضافة إلى الآخر أصلاً.
ثمّ لو تنزّلنا عن ذلك وسلّمنا أنّ أخذ الجامع القربي في متعلق الأمر أيضاً مستحيل،ولكن للمولى التوصّل إلى غرضه في الواجبات العبادية بأخذ ما يلازم قصد الأمر فيها،بيان ذلك:أنّ كل عمل صادر عن الفاعل المختار لا بدّ أن يكون صدوره عن داعٍ من الدواعي التي تدعو المكلف نحو العمل وتبعث نحوه،ومن الواضح أنّ الداعي لا يخلو من أن يكون داعياً نفسانياً أو يكون داعياً إلهٰياً فلا ثالث لهما.وعليه فلو أخذ المولى في متعلق أمره عدم إتيانه بداعٍ نفساني فقد وصل به إلى غرضه،حيث إنّ هذا العنوان العدمي ملازم لاتيان الفعل المأمور به مضافاً به إلى المولى.مثلاً لو أمر بالصلاة مقيّدةً بعدم إتيانها بداعٍ من الدواعي النفسانية،فقد أخذ في متعلق أمره عنواناً عدمياً ملازماً لاتيان الصلاة بداعٍ إلهٰي،وبهذه الطريقة يتمكن المولى أن يتوصل إلى غرضه.
ولكن قد أورد عليه شيخنا الاُستاذ (قدس سره) 1بأ نّه لو فرض محالاً انفكاك العمل العبادي المعنون بالعنوان المذكور عن الدواعي الإلهٰية وبالعكس،
لزم كون العبادة صحيحةً على الأوّل وباطلةً على الثاني،وهذا ممّا لا يعقل أن يلتزم به فقيه قطعاً،بداهة صحّة العبادة مع قصد القربة وإن لم يتحقق العنوان المزبور،وعدم تعقل صحّتها بدونه وإن تحقق ذلك العنوان.
وغير خفي أنّ غرض المولى من أخذ ذلك العنوان الملازم في العبادات إنّما هو التوصل به إلى غرضه خارجاً،وحيث إنّ عدم الاتيان بالعبادة بداعٍ نفساني في الخارج ملازم للاتيان بها بداعٍ إلهٰي ولا ينفك أحدهما عن الآخر خارجاً، فلا مانع من اعتباره فيها توصلاً إلى مقصوده،وأمّا فرض الانفكاك محالاً فلا أثر له أصلاً حيث إنّه لا يخرج عن مجرد الفرض من دون واقع موضوعي له، والأثر إنّما هو للانفكاك خارجاً وهو غير متحقق.
ولو تنزّلنا عن ذلك أيضاً وسلّمنا بأنّ التقييد كما لا يمكن بداعي الأمر،ولا بالجامع بينه وبين غيره،كذلك لا يمكن بما يكون ملازماً له،ولكن مع ذلك يمكن للمولى التوصل إلى مقصوده إذا تعلّق بالعمل مع قصد القربة بالإخبار عن ذلك بجملة خبرية بعد الأمر به أوّلاً كقوله:تجب الصلاة مع قصد القربة، وأنّ غرضي لا يحصل من الأمر المتعلق بها إلّاباتيانها بداعي الأمر أو نحو ذلك.إلى هنا قد عرفت حال المانع عن أخذه في متعلقه بالأمر الأوّل.
ولكن شيخنا الاُستاذ (قدس سره) 1قد اختار طريقاً آخر لتوصل المولى إلى غرضه في العبادات-بعد اعترافه بعدم إمكان أخذه فيها بالأمر الأوّل – وهو الأمر بها ثانياً بداعي أمرها الأوّل،ويسمى الأمر الثاني بمتمم الجعل، بيان ذلك:أ نّنا إذا افترضنا أنّ غرض المولى مترتب على الصلاة بداعي القربة، فإذا أراد المولى استيفاء غرضه وحيث لا يمكن له ذلك إلّابأمرين:أمر متعلق بذات الصلاة وأمر آخر متعلق باتيانها بقصد القربة،فلا بدّ له من ذلك،ولا
يمكن الاكتفاء بأمر واحد وإيكال الجزء الآخر-وهو قصد القربة-إلى حكم العقل،ضرورة أنّ شأن العقل إدراك الواقع على ما هو عليه وأنّ هذا الشيء ممّا جعله الشارع جزءاً أو شرطاً أم لم يجعله،وليس له الجعل والتشريع في قبال الشارع،وعليه فكلّ ما تعلّق به غرض المولى فلا بدّ أن يكون اعتباره من قبله،فإذا لم يمكن ذلك بالأمر الأوّل فبالأمر الثاني،وقصد القربة من هذا القبيل فلا فرق بينه وبين غيره من الأجزاء والشرائط إلّافي هذه النقطة وهي عدم إمكان اعتباره إلّابالأمر الثاني المتمم للجعل الأوّل،فلذا يكون الأمران بحكم أمر واحد.
فالنتيجة:أنّ متعلق الأمر الأوّل مهمل فلا إطلاق له ولا تقييد،فعندئذ إن دلّ دليل من الخارج على اعتبار قصد القربة فيه كالأمر الثاني أفاد نتيجة التقييد، وإن دلّ دليل على أنّ الجعل لا يحتاج إلى متمم أفاد نتيجة الاطلاق،ولا فرق في ذلك بين متعلق الحكم وموضوعه.
وقد أورد عليه المحقق صاحب الكفاية (قدس سره) 1بأنّ أخذ قصد القربة في متعلق الأمر كما لا يمكن بالأمر الأوّل كذلك لا يمكن بالأمر الثاني أيضاً، وذلك مضافاً إلى القطع بأ نّه ليس في العبادات إلّاأمر واحد،أنّ التكليف إن سقط باتيان المأمور به بالأمر الأوّل فلا يبقى مجال للأمر الثاني،لانتفائه بانتفاء موضوعه فلا يتمكن المولى أن يتوصل إلى غرضه بهذه الطريقة،وإن لم يسقط عندئذ فبطبيعة الحال ليس الوجه لعدم سقوطه إلّاعدم حصول غرضه بذلك من أمره،وبدونه لا يعقل سقوطه،وعليه فلا حاجة في الوصول إلى غرضه إلى تعدد الأمر،لاستقلال العقل بلزوم تحصيل غرضه وهو لا يمكن إلّاباتيان العمل مع قصد القربة.
والجواب عنه: أ نّنا نلتزم بعدم سقوط الأمر الأوّل إذا أتى المكلف به من دون قصد القربة مع وجود الأمر الثاني من المولى باتيانه بداعي الأمر الأوّل، وبسقوطه باتيانه كذلك مع فرض عدم وجود الأمر الثاني به،فإذن لا يكون الأمر الثاني لغواً،وذلك لأنّ المولى إذا أمر ثانياً باتيان شيء بداعي أمره الأوّل، كشف ذلك عن أنّ الغرض منه خاص وهو لا يحصل إلّاباتيانه بداعي القربة ويعبّر عن ذلك بنتيجة التقييد،وإذا لم يأمر ثانياً باتيانه كذلك كشف ذلك عن أنّ المأمور به بالأمر الأوّل وافٍ بالغرض وأ نّه يحصل بتحققه في الخارج ولو كان غير مقرون بقصد القربة.
الذي يرد على ما ذكره شيخنا الاُستاذ (قدس سره) ما تقدّم منّا في ضمن البحوث السالفة 1من أنّ الاهمال في الواقعيات غير معقول،فالحكم المجعول من المولى لا يخلو من أن يكون مطلقاً في الواقع أو مقيّداً ولا يعقل لهما ثالث، ولكن لو تنزلنا عن جميع ما ذكرناه سابقاً وسلّمنا أنّ استحالة التقييد تستلزم استحالة الاطلاق،فلا مناص من الالتزام بمقالته (قدس سره) وأنّ الحكم بالجعل الأوّل مهمل فلا بدّ من نتيجة التقييد أو نتيجة الاطلاق.
إلى هنا قد استطعنا أن نخرج بهذه النتيجة وهي أ نّه لا مانع من أخذ قصد الأمر في متعلقه،وعلى تقدير تسليم استحالته فلا مانع من أخذ الجامع بينه وبين بقية الدواعي فيه،كما أ نّه لا مانع من أخذ بقية الدواعي.وعلى تقدير تسليم استحالته أيضاً فلا مانع من أخذ العنوان الملازم لعنوان قصد الأمر في متعلقه،وعلى تقدير تسليم استحالته أيضاً فلا مانع من بيان ذلك بجملة خبرية، أو بالأمر الثاني.
وعلى ضوء هذا الأساس لو شككنا في اعتبار قصد القربة في عمل فلا مانع من التمسك بالاطلاق لنفي اعتباره،وذلك لأنّه لو كان معتبراً ودخيلاً في الغرض لكان على المولى البيان ولو بجملة خبرية أو بالأمر الثاني فإذا لم يبيّن علم بعدم اعتباره.فالنتيجة:أنّ مقتضى الاطلاق وكون المولى في مقام البيان هو أنّ الواجب توصلي،فالتعبدية تحتاج إلى دليل وبيان.
ولكن ذهب جماعة إلى أنّ مقتضى الأصل اللفظي عند الشك في تعبّدية واجب وتوصليته هو كونه تعبّدياً،فالتوصلية تحتاج إلى دليل وبيان زائد واستدلّوا على ذلك بعدّة وجوه:
الأوّل: لا شبهة في أنّ الغرض من الأمر هو إيجاد الداعي للمكلف نحو الفعل أو الترك،حيث إنّه فعل اختياري للمولى،ومن الطبيعي أنّ الفعل الاختياري لا يصدر من الفاعل المختار إلّابداعٍ من الدواعي،والداعي من الأمر إنّما هو تحريك المكلف نحو الفعل المأمور به وبعثه إليه بايجاد الداعي في نفسه ليصدر الفعل منه خارجاً.
أو فقل:إنّ المكلف قبل ورود الأمر من المولى بشيء كان مخيّراً بين فعله وتركه فلا داعي له لا إلى هذا ولا إلى ذاك،وإذا ورد الأمر من المولى به متوجهاً إليه صار داعياً له إلى فعله،حيث إنّ الغرض منه ذلك أي كونه داعياً،وعليه فإن أتى المكلف به بداعي أمره فقد حصل الغرض منه وسقط الأمر،وإلّا فلا.
فإذا كان الأمر كذلك فبطبيعة الحال يستقل العقل بلزوم الاتيان بالمأمور به بداعي الأمر تحصيلاً للغرض،وهذا معنى أنّ الأصل في كل واجب ثبت في الشريعة المقدّسة هو كونه تعبدياً إلّاأن يقوم دليل من الخارج على توصليته.
ولنأخذ بالنقد عليه:
أمّا أوّلاً: فلأنّ الغرض من الأمر يستحيل أن يكون داعويته إلى إيجاد المأمور به في الخارج ومحركيته نحوه،ضرورة أنّ ما هو غرض منه لا بدّ أن يكون مترتباً عليه دائماً في الخارج ولا يتخلف عنه،ومن الطبيعي أنّ وجود المأمور به في الخارج فضلاً عن كون الأمر داعياً إليه ربّما يكون وربّما لا يكون، وعليه فكيف يمكن أن يقال:إنّ الغرض من الأمر إنّما هو جعل الداعي إلى المأمور به،فإذن لا مناص من القول بكون الغرض من الأمر هو إمكان داعويته نحو الفعل المأمور به على تقدير وصوله إلى المكلف وعلمه به،وهذا لا يتخلف عن طبيعي الأمر فلا معنى عندئذ لوجوب تحصيله على المكلف،هذا من ناحية.
ومن ناحية اخرى:أنّ هذا الغرض مشترك فيه بين الواجبات التعبدية والتوصلية فلا فرق بينهما من هذه الناحية،وأجنبي عن التعبدية بالمعنى المبحوث عنه في المقام.
وأمّا ثانياً: فلو سلّمنا أنّ غرض المولى من أمره ذلك،إلّاأ نّه لا يجب على العبد تحصيله،ضرورة أنّ الواجب عليه بحكم العقل إنّما هو تحصيل غرضه المترتب على وجود المأمور به في الخارج دون غرضه المترتب على أمره على أ نّه طريق محض إلى ما هو الغرض من المأمور به فلا موضوعية له في مقابله أصلاً كي يجب تحصيله.وقد عرفت أنّ العقل إنّما يحكم بوجوب الاتيان بالمأمور به خارجاً وإطاعة ما تعلّق به الأمر وتحصيل غرضه دون غيره.وعلى هذا حيث إنّ المأمور به مطلق وغير مقيّد بداعي القربة فلا يحكم العقل إلّا بوجوب إتيانه كذلك.
وأضف إليه:أنّ هذا الغرض لايكون نقطة امتياز بين التعبديات والتوصليات، لاشتراكهما فيه وعدم الفرق بينهما في ذلك أصلاً.
فالنتيجة:أنّ هذا الغرض أجنبي عن اعتبار قصد القربة في متعلق الأمر، فإذن لا يبقى مجال للاستدلال بهذا الوجه على أصالة التعبدية.
والحاصل:أنّ هذا الوجه خاطئ بحسب الصغرى والكبرى فلاواقع موضوعي له.
الثاني: بعدّة من الروايات:منها قوله (عليه السلام):«إنّما الأعمال بالنيّات» 1وقوله (عليه السلام):«لكل امرئ ما نوى»(2) ببيان أنّ كل عمل إذا خلا عن نيّة التقرب فلا عمل ولا أثر له إلّاأن يقوم دليل من الخارج على وجود أثر له، وعليه فمقتضى هذه الرواية هو أنّ كل عمل ورد الأمر به في الشريعة المقدّسة لزم الاتيان به بنيّة التقرب إلّاما قام الدليل على عدم اعتباره،وهذا معنى أصالة التعبدية في الواجبات.
ولنأخذ بالمناقشة عليه: وهي أنّ هذه الروايات لا تدل بوجه على اعتبار نيّة القربة في كل فعل من الأفعال الواجبة في الشريعة المقدّسة إلّاما قام الدليل على عدم اعتباره،وذلك لأنّ مفادها هو أنّ الغاية القصوى من الأعمال الواجبة لا تترتب عليها إلّامع النيّات الحسنة لا بدونها،فإذا أتى المكلف بعمل فان قصد به وجه اللّٰه تعالى تترتب عليه المثوبة،وإن لم يقصد به وجه اللّٰه سبحانه بل قصد به أمراً دنيوياً ترتب عليه ذلك الأمر الدنيوي دون الثواب.
ولا يكون مفادها فساد العمل وعدم سقوط الأمر،فلو جاء المكلف بدفن الميت مثلاً،فان أراد به وجه اللّٰه تعالى اثيب عليه،وإلّا فلا وإن سقط الأمر عنه بذلك وفرغت ذمّته.
وقد صرّح بذلك في بعض هذه الروايات كقوله (عليه السلام):«إنّ المجاهد إن جاهد للّٰهتعالى فالعمل له تعالى،وإن جاهد لطلب المال والدنيا فله ما نوى» 1.وإليه أشار أيضاً قوله تعالى «وَ مَنْ يُرِدْ ثَوٰابَ الدُّنْيٰا نُؤْتِهِ مِنْهٰا وَ مَنْ يُرِدْ ثَوٰابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهٰا» 2.
والحاصل:أنّ الروايات ناظرة إلى أ نّه يصل لكل عامل من الأجر حسب ما نواه من الدنيوي أو الاُخروي.
وبكلمة اخرى: الكلام تارةً يقع في ترتب الثواب على الواجب وعدم ترتبه عليه.واُخرى يقع في صحّته وفساده.وهذه الروايات ناظرة إلى المورد الأوّل، وأنّ ترتب الثواب على الأعمال الواجبة منوط باتيانها لوجه اللّٰه تعالى،بداهة أ نّه لو لم يأت بها بهذا الوجه فلا معنى لاستحقاقه الثواب.وليس لها نظر إلى المورد الثاني أصلاً،وكلامنا في المقام إنّما هو في هذا المورد وأنّ قصد القربة هل هو معتبر في صحّة كل واجب إلّاما خرج بالدليل أم لا،وتلك الروايات لا تدل على ذلك.
هذا،مضافاً إلى أ نّها لو كانت ظاهرة في ذلك فلا بدّ من رفع اليد عن ظهورها وحملها على ما ذكرناه،وذلك للزوم تخصيص الأكثر وهو مستهجن، حيث إنّ أكثر الواجبات في الشريعة الاسلامية واجبات توصلية لا يعتبر فيها قصد القربة،فالواجبات التعبدية قليلة جداً بالاضافة إليها،ومن الواضح أنّ تخصيص الأكثر مستهجن فلا يمكن ارتكابه.
فالنتيجة:أنّ هذه الروايات ولو بضمائم خارجية ناظرة إلى أنّ الغاية القصوى من الواجبات الإلهٰية-وهو وصول الانسان إلى درجة راقية من الكمالات واستحقاقه لدخول الجنّة وحور العين وما شاكل ذلك-لا تترتب إلّاباتيانها خالصةً لوجه اللّٰه تعالى،وليست ناظرةً إلى اعتبارها في الصحّة وعدم استحقاق العقاب.
الثالث: بقوله سبحانه وتعالى «وَ مٰا أُمِرُوا إِلاّٰ لِيَعْبُدُوا اللّٰهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ» 1ببيان أنّ الآية الكريمة واضحة الدلالة على حصر الأوامر الصادرة منه (سبحانه وتعالى) بالأوامر العبادية،وتدل على لزوم الاتيان بمتعلقاتها عبادةً وخالصةً وهي نيّة القربة.أو فقل:إنّ الآية تدل على حصر الواجبات الإلهٰية بالعبادات،وعليه فان قام دليل خاص على كون الواجب توصلياً فهو،وإلّا فالمتبع هو عموم الآية،وهذا معنى كون الأصل في الواجبات التعبدية،فالتوصّلية تحتاج إلى دليل.
وفيه: أنّ الاستدلال بظاهر هذه الآية الكريمة وإن كان أولى من الاستدلال بالروايات المتقدمة،إلّاأ نّه لايمكن الالتزام بهذا الظاهر،وذلك من ناحية وجود قرينة داخلية وخارجية.
أمّا القرينة الداخلية:فهي ورودها في سياق قوله تعالى «لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتٰابِ وَ الْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتّٰى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ» 2حيث يستفاد من هذا أنّ اللّٰه (عزّ وجلّ) في مقام حصر العبادة بعبادة اللّٰه تعالى،وليس في
مقام حصر أنّ كل أمر ورد في الشريعة المقدّسة عبادي إلّافيما قام الدليل على الخلاف،فالآية في مقام تعيين المعبود وقصر العبادة عليه ردّاً على الكفار والمشركين الذين عبدوا الأصنام والأوثان وغير ذلك حيث لا سلطان ولا بيّنة لهم على ذلك،فلو طلب منهم البيّنة فقالوا:إنّا وجدنا آباءنا على ذلك،لا في مقام بيان حال الأوامر وأ نّها عبادية.فالنتيجة أنّ الآية المباركة بقرينة صدرها في مقام حصر العبادة بعبادته تعالى لا بصدد حصر الواجبات بالواجبات العبادية.
فحاصل معنى الآية هو أنّ اللّٰه تعالى إذا أمر بعبادة أمر بعبادة له لا لغيره،وهذا المعنى أجنبي عن المدّعى.
وأمّا القرينة الخارجية:فهي لزوم تخصيص الأكثر،حيث إنّ أغلب الواجبات في الشريعة المقدّسة توصلية،والواجبات التعبدية قليلة جداً بالنسبة إليها، وحيث إنّ تخصيص الأكثر مستهجن فهو قرينة على عدم إرادة ما هو ظاهرها.
وقد تحصّل من جميع ما ذكرناه:أنّ مقتضى الأصل اللفظي في موارد الشك في التعبدية والتوصلية هو التوصلية،فالتعبدية تحتاج إلى دليل خاص.
أمّا المقام الثاني:فالكلام فيه يقع في مقتضى الأصل العملي عند الشك في التعبدية والتوصلية إذا لم يكن أصل لفظي،وهو يختلف باختلاف الآراء والنظريات في المسألة.
أمّا على نظريتنا من إمكان أخذ قصد الأمر في متعلقه،فحال هذا القيد حال سائر الأجزاء والشرائط،وقد ذكرنا في مسألة دوران الأمر بين الأقل
والأكثر الارتباطيين 1أنّ المرجع عند الشك في اعتبار شيء في المأمور به جزءاً أو شرطاً هو أصالة البراءة،وما نحن فيه كذلك حيث إنّه من صغريات تلك الكبرى،وعليه فإذا شكّ في تقييد واجب بقصد القربة لا مانع من الرجوع إلى أصالة البراءة عنه،فالأصل العملي على ضوء نظريتنا كالأصل اللفظي عند الشك في التعبدية والتوصلية فلا فرق بينهما من هذه الناحية.
وكذلك الحال على نظرية شيخنا الاُستاذ (قدس سره) لوضوح أ نّه لا فرق في جريان البراءة بين أن يكون مأخوذاً في العبادات بالأمر الأوّل أو بالأمر الثاني،إذ على كلا التقديرين فالشك في اعتباره يرجع إلى الشك في تقييد زائد، وبذلك يدخل في كبرى تلك المسألة،ومختاره (قدس سره) فيها هو أصالة البراءة.
وأمّا على ضوء نظرية المحقق صاحب الكفاية (قدس سره) 2فالمرجع هو قاعدة الاشتغال دون البراءة،والسبب في ذلك:هو أنّ أخذ قصد القربة في متعلق الأمر شرعاً حيث إنّه لا يمكن لا بالأمر الأوّل ولا بالأمر الثاني،فبطبيعة الحال يكون اعتباره بحكم العقل من جهة دخله في غرض المولى،وعليه فمتى شكّ في تحققه فالمرجع هو الاشتغال دون البراءة النقلية والعقلية.
ولا يخفى أنّ ما ذكره (قدس سره) هنا يشترك مع ما ذكره (قدس سره) في كبرى مسألة الأقل والأكثر الارتباطيين 3في نقطة ويفترق عنه في نقطة اخرى.
أمّا نقطة الاشتراك،وهي أنّ العقل كما يستقل بوجوب تحصيل الغرض هناك عند الشك في حصوله كذلك يستقل بوجوب تحصيله هنا،ومن ثمة قد التزم (قدس سره) هناك بعدم جريان البراءة العقلية كما في المقام.فالنتيجة:أنّ حكمه (قدس سره) بلزوم تحصيل الغرض هنا يقوم على أساس ما بنى عليه في تلك المسألة من استقلال العقل بذلك عند الشك في حصوله.
وأمّا نقطة الافتراق،وهي أ نّه (قدس سره) قد التزم بجريان البراءة الشرعية هناك ولم يلتزم بجريانها في المقام،والوجه في ذلك:هو أنّ المكلف عند الشك في اعتبار شيء في العبادة كالصلاة مثلاً كما يعلم إجمالاً بوجود تكليف مردد بين تعلّقه بالأقل أو بالأكثر،كذلك يعلم إجمالاً بوجود غرض مردد بين تعلّقه بهذا أو ذاك،وحيث إنّ هذا العلم الاجمالي لاينحلّ إلى علم تفصيلي وشك بدوي، فبطبيعة الحال مقتضاه وجوب الاحتياط-وهو الاتيان بالأكثر-ومعه لاتجري أصالة البراءة العقلية.
وأمّا البراءة الشرعية فلا مانع من جريانها،وذلك لأنّ مقتضى أدلة البراءة الشرعية هو رفع الشك عن التقييد الزائد المشكوك فيه،فلو شككنا في جزئية السورة مثلاً للصلاة فلا مانع من الرجوع إليها لرفع جزئيتها،وإذا ضممنا ذلك إلى ما علمناه إجمالاً من الأجزاء والشرائط ثبت الاطلاق ظاهراً-وهو وجوب الأقل-والسرّ في جريان البراءة الشرعية هناك وعدم جريانها هنا واضح، وهو أنّ البراءة الشرعية إنّما تجري فيما يكون قابلاً للوضع والرفع شرعاً،وأمّا ما لا يكون كذلك فلا تجري فيه،وحيث إنّ الأجزاء والشرائط قابلتان للجعل فلا مانع من جريان البراءة الشرعية فيهما عند الشك في اعتبارهما،وهذا بخلاف قصد القربة حيث إنّ جعله شرعاً غير ممكن لا جزءاً ولا شرطاً،لا بالأمر الأوّل ولا بالأمر الثاني،فبطبيعة الحال لاتجري البراءة فيه عند الشك في اعتباره ودخله
في الغرض.
فما ذكره (قدس سره) من التفرقة بين مسألتنا هذه ومسألة الأقل والأكثر الارتباطيين متين على ضوء نظريته (قدس سره) فيهما،وأمّا إذا منعنا عنها في كلتا المسألتين أو في إحداهما لم يتم ما أفاده (قدس سره) وحيث إنّها ممنوعة وخاطئة في كلتا المسألتين فلا مناص من الالتزام بعدم التفرقة بينهما.
أمّا في هذه المسألة فلما عرفت من أ نّه لا مانع من أخذ قصد القربة في متعلق الأمر،فحاله حال بقية الأجزاء والشرائط من هذه الناحية.
وأمّا في تلك المسألة فلما حققناه هناك 1من أ نّه على فرض تسليم حكم العقل بالاشتغال فيها والاتيان بالأكثر فلا مجال لجريان البراءة الشرعية أيضاً، والسبب في ذلك:هو أ نّها لا تثبت ترتب الغرض على الأقل إلّاعلى القول بالأصل المثبت،حيث إنّ لازم نفي الوجوب عن الأكثر هو وجوب الأقل ووفاؤه بالغرض،ومن المعلوم أنّ أصالة البراءة لا تثبت هذا اللازم.
نعم،لو كان الدليل على نفي وجوب الأكثر هو الأمارة ثبت وجوب الأقل ووفاؤه بالغرض باعتبار أنّ لوازمها حجّة.
وإن شئت فقل:إنّ هناك علمين إجماليين:أحدهما متعلق بالتكليف،والآخر متعلق بالغرض،وجريان البراءة عن التكليف الزائد المشكوك لا يثبت ترتب الغرض على الأقل بناءً على ما هو الصحيح من عدم حجية الأصل المثبت، وبدونه لا أثر لها.ومن هنا قلنا في تلك المسألة بالملازمة بين البراءة الشرعية والعقلية في الجريان وعدمه فلا وجه للتفكيك بينهما أصلاً.
وحيث قد اخترنا هناك جريان البراءة شرعاً وعقلاً فلا مانع من الالتزام بجريان البراءة العقلية هنا دون الشرعية بناءً على ضوء نظريته (قدس سره) من استحالة أخذ قصد الأمر في متعلقه،وذلك لأنّ الواجب بحكم العقل إنّما هو تحصيل الغرض الواصل إلى المكلف لا مطلقاً،ومن الطبيعي أنّ المقدار الواصل منه هو ترتبه على الأقل دون الزائد على هذا المقدار،فاذن بطبيعة الحال كان العقاب على تركه عقاباً بلا بيان وهو قبيح بحكم العقل.فالنتيجة أ نّه لا وجه للتفرقة بين المسألتين في البراءة والاحتياط أصلاً.
والتحقيق في المقام أن يقال:إنّه لا مانع من جريان أصالة البراءة العقلية والشرعية في كلتا المسألتين،وذلك لما فصّلناه هناك 1بشكل موسّع وملخصه:
هو أنّ الغرض لا يزيد على أصل التكليف،فكما أنّ التكليف ما لم يصل إلى المكلف لا يحكم العقل بتنجّزه ووجوب موافقته وقبح مخالفته وغير ذلك، فكذلك الغرض فانّه ما لم يصل إليه لا يحكم العقل بوجوب تحصيله واستحقاق العقاب على مخالفته،بداهة أنّ العقل إنّما يستقل بلزوم تحصيله بالمقدار الواصل إلى المكلف الثابت بالدليل.وأمّا الزائد عليه فلا يحكم بوجوب تحصيله،لأنّ تركه غير مستند إلى العبد ليصح عقابه عليه،بل هو مستند إلى المولى،فإذن العقاب على تركه عقاب من دون بيان وهو قبيح عقلاً.
وإن شئت قلت:إنّ منشأ حكم العقل بوجوب تحصيل الغرض إنّما هو إدراكه استحقاق العقاب على ترك تحصيله،ومن الطبيعي أنّ إدراكه هذا إنّما هو في مورد قيام البيان عليه.وأمّا فيما لم يقم لم يدركه،بل يدرك قبحه،لأنّه من العقاب بلا بيان،وعليه فلا مانع من جريان البراءة العقلية في موارد الشك في
الغرض وعدم وصوله إلى المكلف،هذا من ناحية.
ومن ناحية اخرى:قد ذكرنا هناك أنّ التفكيك بين أجزاء مركب واحد كالصلاة مثلاً بحسب الحكم لايمكن لا في مرحلة الثبوت ولا في مرحلة السقوط، بداهة أ نّه لا معنى لأن يكون بعض أجزائه واجباً دون الباقي،كما أ نّه لا معنى لسقوط التكليف عن بعضها دون بعضها الآخر،والسر في ذلك:هو أنّ التكليف المتعلق بالمجموع المركب حيث إنّه تكليف واحد فلا يعقل التفكيك فيه بحسب أجزائه،وهذا معنى ارتباطية أجزاء الواجب الواحد.
ولكن مع ذلك قد ذكرنا في محلّه 1أ نّه لا مانع من التفكيك بينها في مرحلة التنجيز،والوجه فيه هو أنّ التنجيز متفرع على وصول التكليف،وعليه فبطبيعة الحال فقد تنجّز التكليف بالمقدار الواصل إلى المكلف دون الزائد عليه،وبما أنّ فيما نحن فيه التكليف المتعلق بالمركب كالصلاة مثلاً قد وصل بالاضافة إلى عدّةٍ من أجزائه كالتكبيرة والقراءة والركوع والسجود والتشهد والتسليمة،فلا محالة تنجّز بالاضافة إليها فلا يجوز له تركها.وأمّا بالاضافة إلى جزئية السورة مثلاً حيث إنّه لم يصل فلا يكون منجّزاً ولو كانت جزئيتها ثابتةً في الواقع،فإذن لا عقاب على تركها،لأنّه من العقاب بلا بيان،وهذا هو معنى التفكيك بينها بحسب مرتبة التنجز.
وعلى الجملة:فلا واقع لتنجز التكليف ما عدا إدراك العقل استحقاق العقوبة على مخالفته واستحقاق المثوبة على موافقته،وحيث إنّه فرع وصوله إلى المكلف فلا مانع من التفكيك فيه بحسبه وإن لم يمكن بحسب الواقع.مثلاً التكليف المتعلق بالصلاة المشتملة على الأجزاء المزبورة قد وصل إلى المكلف وعلم به
فلا يجوز له بحكم العقل مخالفته.وأمّا التكليف المتعلق بها المشتملة على السورة زائداً عليها حيث إنّه لم يصل فلا يحكم العقل بعدم جواز مخالفته.
فالنتيجة على ضوء ما ذكرناه:هي أ نّه لا مانع من جريان البراءة العقلية والشرعية في كلتا المسألتين على أساس نظريتنا في هذه المسألة وهي إمكان أخذ قصد القربة في متعلق الأمر وأنّ حاله من هذه الناحية حال بقية الأجزاء والشرائط فلا تفرقة بينهما أصلاً،بل على هذا تكون مسألتنا هذه من صغريات تلك المسألة.
ومن ذلك يظهر أ نّه لا مانع من جريان البراءة العقلية هنا على مسلكه (قدس سره) أيضاً،وذلك للملازمة بين وصول التكليف ووصول الغرض وبالعكس،وحيث إنّ التكليف لم يصل إلّابالمقدار المتعلق بالأقل دون الزائد عليه فكذلك الغرض.فإذن لا مانع من الرجوع إلى حكم العقل بقبح العقاب على تركه،أي ترك قصد القربة.
ودعوى أنّ قاعدة قبح العقاب بلا بيان لا تجري في المقام لعدم إمكان البيان من قبل الشارع خاطئة جداً،وذلك لأنّ البيان بمعنى أخذ قصد القربة في متعلق الأمر وإن كان لا يمكن على مذهبه،وأمّا البيان بمعنى أ نّه دخيل في غرضه ولو بجملة خبرية من دون أخذه في متعلق أمره فهو بمكان من الامكان،وعليه فنقول:لو كان قصد القربة دخيلاً في غرض المولى فعليه بيانه،وحيث إنّه لم يبيّن مع أ نّه كان في مقام بيان تمام ما له دخل في غرضه،علم من ذلك عدم دخله فيه،فإذن بطبيعة الحال كان العقاب على تركه من العقاب بلا بيان.
نعم،تفترق هذه المسألة عن تلك المسألة على مسلكه (قدس سره) في نقطة واحدة،وهي جريان البراءة الشرعية هناك وعدم جريانها هنا باعتبار أنّ قصد القربة غير مجعول شرعاً فليس حاله من هذه الناحية حال بقية الأجزاء
والشرائط،ومن المعلوم أنّ البراءة الشرعية لا تجري إلّافيما هو مجعول من قبل الشارع.
وقد استطعنا أن نخرج في نهاية المطاف بهذه النتيجة:وهي أنّ مقتضى الأصل اللفظي والعملي في المسألة هو التوصلية،فالتعبدية تحتاج إلى دليل.
هذا آخر ما أردنا بيانه في التعبدي والتوصلي.
فهرس الموضوعات الموضوع الصفحة تمهيد
أقسام القواعد الاصولية 1
تعريف علم الاصول 4
موضوع العلم و عوارضه الذاتية و تمايز العلوم 13
الاشارة إلى قاعدة الواحد لا يصدر إلاّ من واحد 14
موضوع علم الاصول 27
الوضع
منشأ الوضع 33
تعيين الواضع 35
حقيقة الوضع 40
مسلك التعهد 48
أقسام الوضع 53
المعنى الحرفي 58
القول باتحاد المعنى الاسمي و الحرفي 59
القول بعلامية الحروف 64
القول بمباينة المعنى الاسمي للحرفي 65
مسلك إخطارية المعنى الاسمي و إيجادية المعنى الحرفي 65
القول بأنّ المعاني الحرفية نسب و روابط 74
القول بوضع الحروف و الأدوات للأعراض النسبية 80
المختار في المعنى الحرفي 83
كون الوضع في الحروف عاما و الموضوع له خاصا 91
الانشاء و الاخبار 92
أسماء الاشارة و الضمائر 100
استعمال اللفظ في المعنى المجازي 102
إطلاق اللفظ على اللفظ 105
أقسام الدلالة 115
وضع المركبات 123
الوضع الشخصي و النوعي 126
علامات الحقيقة و المجاز 128
1-التبادر 128
2-عدم صحة السلب 130
3-الاطراد 137
تعارض الأحوال 141
الحقيقة الشرعية 141
ثمرة البحث 141
إمكان الوضع التعييني بالاستعمال 143
ثبوت الحقيقة الشرعية 145
الصحيح و الأعم 152
جريان النزاع على القول بعدم الحقيقة الشرعية 152
معنى«الصحيح»في محل النزاع153
دخول الأجزاء و الشرائط في محل النزاع 156
لزوم تصوير الجامع على القولين 158
المقام الأوّل:في العبادات 159
نقد كلام المحقق النائيني في المقام 159
تصوير الجامع على الصحيح 163
كلام صاحب الكفاية في المقام 163
كلام المحقق العراقي 171
كلام المحقق الاصفهاني 172
تبصرة:في كيفية تأثير الصلاة في الانتهاء عن الفحشاء 176
تصوير الجامع على الأعم 178
1-تصوير المحقق القمي للجامع 178
تذييل:في أركان الصلاة 186
2-تصوير المشهور للجامع 189
3-تصوير آخر للجامع 191
ثمرة البحث 193
المقام الثاني:في المعاملات 209
التمسك باطلاق المعاملات على القولين 210
التفصيل بين وضع أسامي المعاملات للأسباب و بين وضعها للمسببات 212
جواب المحقق النائيني عن ذلك 214
تذييل:دخول أجزاء الواجب و شرائطه في محل النزاع 224
مبحث الاشتراك 226
الكلام في إمكان الاشتراك 226
منشأ الاشتراك 232
استعمال اللفظ في أكثر من معنى واحد 234
ما ذكره النائيني في وجه الاستحالة 234
ما ذكره صاحب الكفاية في وجه الاستحالة 236
ما هو الظاهر من اللفظ على فرض جواز الاستعمال 238
تفصيل صاحب المعالم في المقام 240
الروايات الدالة على أنّ للقرآن بطونا 243
مبحث المشتق
تحرير محل النزاع 246
فرعان في مسألة الرضاع 250
كون النزاع في المشتق في وضع الهيئة 260
كلام المحقق النائيني في خروج بعض العناوين عن محل النزاع 261
الاشكال في دخول اسم الزمان في محل النزاع 262
خروج المصادر و الأفعال عن محل النزاع 266
دلالة الفعل على الزمان 266
أقسام موادّ المشتقات و مبادئها 270
دخول اسم الآلة و اسم المفعول في محل النزاع 272
المراد باحال المأخوذ في عنوان البحث 274
الأصل العملي في المسألة 276
نتائج الأبحاث إلى هنا 280
الأقوال في المسألة 282
ابتناء النزاع على البساطة و التركب 282
أدلة وضع المشتق لخصوص المتلبس 287
أدلة القول بالأعم291
الاستدلال بقوله تعالى لاٰ يَنٰالُ عَهْدِي الظّٰالِمِينَ 294
ثمرة النزاع في المشتق 298
بساطة المشتق و تركبه 302
معنى البساطة و التركب 302
الاستدلال على التركب 305
ما استدل به على البساطة 307
الاستدلال على التركب بوجهين آخرين 322
كلام المحقق الاصفهاني في المقام 323
الفرق بين المشتق و مبدئه 324
النسبة بين المبدأ و الذات 331
ما هو المتازع فيه في المشتق 337
نتائج الأبحاث السابقة 338
الأوامر
المقام الأوّل:مادّة الأمر 341
معنى مادة الأمر 341
المعنى الاصطلاحي للأمر 347
اعتبار العلو في معنى الأمر 350
منشأ تبادر الوجوب من لفظ الأمر 351
الطلب و الارادة 352
كلام صاحب الكفاية في المقام 352
1-نظرية الأشاعرة:الكلام النفسي 356
الاستدلال على الكلام النفسي بوجوه اخر 363
2-نظرية الفلاسفة:إرادة اللّه ذاتية 374
3-نظرية الأشاعرة:مسألة الجبر 385
استدلال الأشاعرة على الجبر 385
كلام أبي الحسن الأشعري و نقده 392
نظرية الجبر في إطارها الفلسفي 394
4-نظرية المعتزلة:التفويض 422
5-نظرية الإمامية:الأمر بين الأمرين 429
6-نظرية العلماء:العقاب 447
المقام الثاني:صيغة الأمر 471
معنى صيغة الأمر 471
ظهور الصيغة في الوجوب 473
الجمل الفعلية التي تستعمل في مقام الانشاء 484
الواجب التعبدي و التوصلي 491
إطلاق الواجب التوصلي على معنيين 491
الشك في كون الواجب تعبديا أو توصليا بالمعنى الثاني 494
إذا شك في سقوط الواجب بفعل الغير 495
إذا شك في سقوط الواجب بفعل المكلف بلا اختيار 500
إذا شك في سقوط الواجب بفعله في ضمن فرد محرّم 506
الشك في التعبدية و التوصلية 509
مقتضى الأصل اللفظي في المقام 509
وجوه استحالة تقييد الواجب بقصد الأمر 509
الكلام في التقابل بين الاطلاق و التقييد 528
الكلام في أخذ بقية الدواعي في الواجب 537
القول بأنّ مقتضى الأصل اللفظي هو التعبدية 547
مقتضى الأصل العملي في المقام 552
فهرس الموضوعات 561-569