آثار حضرت آیة الله العظمی شیخ محمد اسحاق فیاض
محاضرات فی أصول الفقه – جلد ۴
جلد
4
محاضرات فی أصول الفقه – جلد ۴
جلد
4
أراده.قلت:وكل شيء هو عند اللّٰه مثبت في كتاب اللّٰه ؟ قال:نعم.قلت:
فأيّ شيء يكون بعده ؟ قال:سبحان اللّٰه ثمّ يحدث اللّٰه أيضاً ما يشاء تبارك وتعالى» 1.
ومنها: ما في تفسيره أيضاً عن عبداللّٰه بن مسكان عن أبي جعفر وأبي عبداللّٰه وأبي الحسن (عليه السلام) عند تفسير قوله تعالى: «فِيهٰا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ» أي يقدّر اللّٰه كل أمر من الحق ومن الباطل وما يكون في تلك السنة وله فيه البداء والمشيئة يقدّم ما يشاء ويؤخر ما يشاء من الآجال والأرزاق والبلايا والأعراض والأمراض ويزيد فيها ما يشاء وينقص ما يشاء 2.
ومنها: ما في الاحتجاج عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أ نّه«قال:لولا آية في كتاب اللّٰه لأخبرتكم بما كان وبما يكون وبما هو كائن إلى يوم القيامة وهي هذه الآية «يَمْحُوا اللّٰهُ مٰا يَشٰاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتٰابِ» » 3ومثله ما عن الصدوق في الأمالي والتوحيد عن أمير المؤمنين (عليه السلام).
ومنها: ما في تفسير العياشي عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام)«قال:
كان علي بن الحسين (عليه السلام) يقول:لولا آية في كتاب اللّٰه لحدّثتكم بما يكون إلى يوم القيامة،فقلت:أيّة آية ؟ قال:قول اللّٰه «يَمْحُوا اللّٰهُ» »إلخ 4.
ومنها: ما في قرب الاسناد عن البزنطي عن الرضا (عليه السلام)«قال:
قال أبو عبداللّٰه وأبو جعفر وعلي بن الحسين والحسين بن علي وعلي بن أبي
طالب (عليهم السلام):لولا آية في كتاب اللّٰه لحدّثناكم بما يكون إلى أن تقوم الساعة «يَمْحُوا اللّٰهُ» »إلخ 1.
ومنها: ما عن العياشي عن ابن سنان عن أبي عبداللّٰه (عليه السلام)«يقول:
إنّ اللّٰه يقدّم ما يشاء ويؤخّر ما يشاء ويمحو ما يشاء ويثبت ما يشاء وعنده امّ الكتاب،وقال:فكل أمر يريده اللّٰه فهو في علمه قبل أن يصنعه،وليس شيء يبدو له إلّاوقد كان في علمه،إنّ اللّٰه لا يبدو له من جهل» 2.
ومنها: ما رواه عن عمار بن موسى عن أبي عبداللّٰه (عليه السلام)«سئل عن قول اللّٰه «يَمْحُوا اللّٰهُ» إلخ قال:إنّ ذلك الكتاب كتاب يمحو اللّٰه ما يشاء ويثبت،فمن ذلك الذي يردّ الدعاء القضاء،وذلك الدعاء مكتوب عليه الذي يردّ به القضاء حتى إذا صار إلى امّ الكتاب لم يغن الدعاء فيه شيئاً» 3ومنها غيرها من الروايات الدالة على ذلك.
فالنتيجة على ضوء هذه الروايات:هي أنّ البداء يستحيل أن يقع في القسم الأوّل من القضاء المعبّر عنه باللوح المحفوظ وباُمّ الكتاب والعلم المخزون عند اللّٰه،بداهة أ نّه كيف يتصور البداء فيه وأنّ اللّٰه سبحانه عالم بكنه جميع الأشياء بشتى ألوانها منذ الأزل لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء.
نعم،هذا العلم منشأ لوقوع البداء،يعني أنّ انسداد باب هذا العلم لغيره تعالى حتى الأنبياء والأوصياء والملائكة أوجب وقوع البداء في بعض إخباراتهم.
وكذا الحال في القسم الثاني من القضاء،نظراً إلى أنّ العقل يستقل باستحالة
تكذيب اللّٰه تعالى نفسه أو أنبياءه.
وأمّا القسم الثالث فهو مورد لوقوع البداء،ولا يلزم من الالتزام بالبداء فيه أيّ محذور كنسبة الجهل إلى اللّٰه (سبحانه وتعالى) ولا ما ينافي عظمته وجلاله ولا الكذب،حيث إنّ إخباره تعالى بهذا القضاء لنبيّه أو وليّه ليس على نحو الجزم والبت،بل هو معلّق بعدم تعلق مشيئته بخلافه،فاذا تعلّقت المشيئة على الخلاف لم يلزم الكذب،فانّ ملاك صدق هذه القضية وكذبها إنّما هو بصدق الملازمة وكذبها،والمفروض أنّ الملازمة صادقة وهي وقوعه لو لم تتعلق المشيئة الإلهٰية على خلافه.
مثلاً إنّ اللّٰه تعالى يعلم بأنّ زيداً سوف يموت في الوقت الفلاني ويعلم بأنّ موته فيه معلّق على عدم إعطائه الصدقة أو ما شاكلها،ويعلم بأ نّه يعطي الصدقة فلا يموت فيه،فهاهنا قضيتان شرطيتان ففي إحداهما قد علّق موته في الوقت الفلاني بعدم تصدقه أو نحوه،وفي الاُخرى قد علّق عدم موته فيه على تصدقه أو نحوه.
ونتيجة ذلك:أنّ المشيئة الإلهٰية في القضية الاُولى قد تعلقت بموته إذا لم يتصدق،وفي القضية الثانية قد تعلقت بعدم موته وبقائه حيّاً إذا تصدق،ومن الواضح أنّ إخباره تعالى بالقضية الاُولى ليس كذباً،فانّ المناط في صدق القضية الشرطية وكذبها هو صدق الملازمة بين الجزاء والشرط وكذبها لا بصدق طرفيها،بل لا يضر استحالة وقوع طرفيها في صدقها،فعلمه تعالى بعدم وقوع الطرفين هنا لا يضر بصدق إخباره بالملازمة بينهما.وكذا لا محذور في إخبار النبي أو الوصي بموته في هذا الوقت معلّقاً بتعلق المشيئة الإلهٰية به، فانّ جريان البداء فيه لا يوجب كون الخبر الذي أخبر به المعصوم كاذباً، لفرض أنّ المعصوم لم يخبر بوقوعه على سبيل الحتم والجزم ومن دون تعليق،
وإنّما أخبر به معلّقاً على أن تتعلق المشيئة الإلهٰية به أو أن لا تتعلق بخلافه، ومن الواضح أنّ صدق هذا الخبر وكذبه إنّما يدوران مدار صدق الملازمة بين هذين الطرفين وكذبها لا وقوعهما في الخارج وعدم وقوعهما فيه.
فالنتيجة في نهاية المطاف:هي أ نّه لا مانع من الالتزام بوقوع البداء في بعض إخبارات المعصومين (عليهم السلام) في الاُمور التكوينية،ولا يلزم منه محذور لا بالاضافة إلى ذاته (سبحانه وتعالى) ولا بالاضافة إليهم (عليهم السلام) 1.
وقد تحصّل مما ذكرناه: أنّ نتيجة البداء الذي تقول به الشيعة الإمامية وتعتقد به هي الاعتراف الصريح بأنّ العالم بأجمعه تحت سلطان اللّٰه وقدرته حدوثاً وبقاءً،وأنّ مشيئة اللّٰه تعالى نافذة في جميع الأشياء،وأ نّها بشتى ألوانها باعمال قدرته واختياره،وقد تقدم الحديث من هذه الناحية في ضمن نقد نظريتي الجبر والتفويض 1هذا من ناحية.
ومن ناحية اخرى:أنّ في الاعتقاد بالبداء يتضح نقطة الفرق بين العلم الإلهٰي وعلم غيره،فانّ غيره وإن كان نبياً أو وصياً كنبيّنا محمّد (صلّى اللّٰه عليه وآله وسلّم) لا يمكن أن يحيط بجميع ما أحاط به علمه تعالى وإن كان عالماً
بتعليم اللّٰه إيّاه بجميع عوالم الممكنات،إلّاأ نّه لا يحيط بما أحاط به علم اللّٰه المخزون المعبّر عنه باللوح المحفوظ وباُمّ الكتاب،حيث إنّه لا يعلم بمشيئة اللّٰه تعالى لوجود شيء أو عدم مشيئته إلّاحيث يخبره اللّٰه تعالى به على نحو الحتم.
ومن ناحية ثالثة:أنّ القول بالبداء يوجب توجه العبد إلى اللّٰه تعالى وتضرّعه إليه وطلبه إجابة دعائه وقضاء حوائجه ومهماته وتوفيقه للطاعة وإبعاده عن المعصية،كل ذلك إنّما نشأ من الاعتقاد بالبداء وبأنّ عالم المحو والاثبات بيده تعالى «يَمْحُوا اللّٰهُ مٰا يَشٰاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتٰابِ» 1وهذا بخلاف القول بانكار البداء وأنّ كلّ ما جرى به قلم التقدير لا يمكن أن يتغير وأ نّه كائن لا محالة،حيث إنّ لازمه أنّ المعتقد بهذه العقيدة مأيوس عن إجابة دعائه وقضاء حوائجه،فانّ ما يطلبه العبد من ربّه لا يخلو من أن يجري قلم التقدير بايجاده أو لا يجري،فعلى الأوّل فهو موجود لا محالة،وعلى الثاني لن يوجد أبداً ولن ينفعه الدعاء والتضرع والتوسل حيث يعلم بأنّ تقديره لن يتغير أبداً.
ومن الطبيعي أنّ العبد إذا يئس من إجابة دعائه وأ نّه لا يؤثر في تقديره تعالى أصلاً،ترك التضرع والدعاء له تعالى،لعدم فائدة في ذلك.وكذلك الحال في سائر العبادات والصدقات التي ورد عن المعصومين (عليهم السلام) أ نّها تزيد في العمر والرزق وغير ذلك مما يطلبه العبد،ولأجل هذا السر قد ورد في الروايات الكثيرة عن الأئمة الأطهار (عليهم السلام) الاهتمام بشأن البداء:
منها: ما رواه الصدوق في كتاب التوحيد باسناده عن أحدهما (عليهما السلام) «قال:ما عبد اللّٰه (عزّ وجلّ) بشيء مثل البداء» 2.
ومنها: ما رواه باسناده عن هشام بن سالم عن أبي عبداللّٰه (عليه السلام) «قال:ما عظّم اللّٰه (عزّ وجلّ) بمثل البداء» 1.
ومنها: ما رواه باسناده عن محمّد بن مسلم عن أبي عبداللّٰه (عليه السلام) «قال:ما بعث اللّٰه (عزّ وجلّ) نبياً حتى يأخذ عليه ثلاث خصال:الاقرار بالعبودية،وخلع الانداد،وأنّ اللّٰه يقدّم ما يشاء ويؤخّر ما يشاء» 2وقد ورد أيضاً في الروايات الكثيرة من طرق أهل السنّة أنّ الصدقة والدعاء يغيّران القدر 3.
والنكتة في هذا الاهتمام:هو أنّ القول بعدم البداء يشترك بالنتيجة مع القول بأنّ اللّٰه تعالى غير قادر على أن يغيّر ما جرى عليه قلم التقدير تعالى اللّٰه عن ذلك علواً كبيراً،حيث إنّه مخالف لصريح الكتاب والسنّة وحكم العقل الفطري كما عرفت،ومن المعلوم أنّ ذلك يوجب يأس العبد من إجابة دعائه،وهو يوجب تركه وعدم توجهه إلى ربّه في قضاء مهماته وطلباته.
إلى هنا قد استطعنا أن نخرج بالنتائج التالية:
الاُولى: أنّ ما عن العامة من نسبة تجويز الجهل عليه (سبحانه وتعالى) إلى الشيعة باعتبار التزامهم بالبداء،فقد عرفت أ نّه افتراء صريح عليهم،وأنّ الالتزام بالبداء لا يستلزم ذلك،بل هو تعظيم وإجلال لذاته تعالى وتقدّس.
الثانية: أنّ العالم بأجمعه وبشتى أشكاله تحت سلطان اللّٰه تعالى وقدرته،كما أ نّه تعالى عالم به بجميع أشكاله منذ الأزل،وقد عرفت أنّ هذا العلم لا ينافي ولا يزاحم قدرته واختياره،ومن هنا قلنا إنّ ما ذهب إليه اليهود من أنّ قلم التقدير والقضاء إذا جرى على الأشياء في الأزل استحال أن تتعلق المشيئة الإلهٰية بخلافه خاطئ جداً ولا واقع موضوعي له أصلاً،فانّ قلم التقدير والقضاء لا ينافي قدرته ولا يزاحم اختياره.
الثالثة: أنّ قضاءه تعالى على ثلاثة أنواع:1-قضاؤه الذي لم يُطلع عليه أحداً من خلقه.2-قضاؤه الذي أطلع بوقوعه أنبياءه وملائكته على سبيل الحتم والجزم.3-قضاؤه الذي أطلع بوقوعه أنبياءه وملائكته معلّقاً على أن لا تتعلق مشيئته على خلافه،ولا يعقل جريان البداء في القضاء الأوّل والثاني وإنّما يكون ظرف جريانه هو الثالث،وهذا التقسيم قد ثبت على ضوء الروايات وحكم العقل الفطري.
الرابعة: أ نّه لا يلزم من الالتزام بالبداء أيّ محذور كتجويز الجهل عليه سبحانه أو ما ينافي عظمته وإجلاله أو الكذب،بل في الاعتقاد به تعظيم لسلطانه وإجلال لقدرته،كما لا يلزم منه محذور بالاضافة إلى أنبيائه وملائكته، بل فيه امتياز علم الخالق عن علم المخلوق.
الخامسة: أنّ حقيقة البداء عند الشيعة الإمامية هي بمعنى الابداء أو الاظهار وإطلاق لفظ البداء عليه مبني على التنزيل وبعلاقة المشاكلة.
السادسة: أنّ فائدة الاعتقاد بالبداء هي الاعتراف الصريح بأنّ العالم بأجمعه تحت سلطان اللّٰه وقدرته «يَمْحُوا اللّٰهُ مٰا يَشٰاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتٰابِ» وتوجه العبد إلى اللّٰه تعالى وتضرّعه إليه قي قضاء حوائجه ومهماته وعدم يأسه من
ذلك،وهذا بخلاف القول بانكار البداء،فانّه يوجب يأس العبد ولا يرى فائدةً في التضرع والدعاء،وهذا هو السر في اهتمام الأئمة (عليهم السلام) بشأن البداء في الروايات الكثيرة.
المطلق في اللغة 1بمعنى المرسل الذي لم يقيد بشيء في مقابل المقيد الذي هو مقيد به،ومنه يقال:إنّ فلاناً مطلق العنان يعني أ نّه غير مقيد بشيء.وأمّا عند الاُصوليين فالظاهر أ نّه ليس لهم في إطلاق هذين اللفظين اصطلاح جديد،بل يطلقونهما بمالهما من المعنى اللغوي والعرفي.
ثمّ إنّه يقع الكلام في جملة من الأسماء وهل أ نّها من المطلق أو لا ؟
منها:أسماء الأجناس من الجواهر والأعراض وغيرهما،وقبل بيان ذلك ينبغي لنا التعرض لأقسام الماهية فنقول:
الماهية تارةً تلاحظ بما هي هي،يعني أنّ النظر مقصور على ذاتها وذاتياتها ولم يلحظ معها شيء زائد،وتسمى هذه الماهية بالماهية المهملة،نظراً إلى عدم ملاحظة شيء من الخصوصيات المتعينة معها فتكون مهملةً بالاضافة إلى جميع تلك الخصوصيات حتى خصوصية عنوان كونها مقسماً للأقسام الآتية.
وبكلمة اخرى:أنّ النظر لم يتجاوز عن حدود ذاتها وذاتياتها إلى شيء خارج عنها حتى عنوان إهمالها وقصر النظر عليها،فانّ التعبير عنها بالماهية المهملة باعتبار واقعها الموضوعي،لا باعتبار أخذ هذا العنوان في مقام اللحاظ معها.
فالنتيجة:أنّ هذه الماهية مهملة ومبهمة بالاضافة إلى جميع طوارئها وعوارضها الخارجية والذهنية.
وتارة اخرى يلاحظ معها شيء خارج عن مقام ذاتها وذاتياتها،وذلك الشيء إن كان عنوان مقسميتها للأقسام التالية دون غيره سمّيت هذه الماهية بالماهية اللا بشرط المقسمي،وإن كان ذلك الشيء الخارج عنوان تجردها في وعاء العقل عن جميع الخصوصيات والعوارض سمّيت هذه الماهية بالماهية المجردة وفي الاصطلاح بالماهية بشرط لا.وهي بهذا العنوان غير قابلة للحمل على شيء من الموجودات الخارجية،لوضوح أ نّها لو حملت على موجود خارجي لكانت مشتملةً على خصوصية من الخصوصيات وهذا خلف الفرض.
وهذه الماهية تسمّى بالأسماء التالية:النوع،الجنس،الفصل،العرض العام، العرض الخاص،حيث إنّها عناوين للماهيات الموجودة في افق النفس فلا تصدق على الموجود الخارجي.
وإن كان ذلك الشيء خصوصية من الخصوصيات الخارجية سمّيت هذه الماهية بالماهية المخلوطة،وفي الاصطلاح بالماهية بشرط شيء،وهذه الخصوصية تارةً وجودية واُخرى عدمية.والأوّل كلحاظ ماهية الانسان مثلاً مع العلم،فانّها لا تنطبق إلّاعلى هذه الحصة فحسب،يعني الانسان العالم دون غيرها،والثاني كلحاظها مثلاً مع عدم العلم أو عدم الفسق،فهي على هذا لا تنطبق في الخارج إلّاعلى الحصة التي لا تكون متصفةً بالعلم أو بالفسق، فهذان القسمان معاً من الماهية الملحوظة بشرط شيء.نعم،قد يعبّر عن القسم الثاني في الاُصول بالماهية بشرط لا ولكنّه مجرد اصطلاح من الاُصوليين ولا مناقشة فيه.
وإن كان ذلك الشيء عنوان الاطلاق والارسال سمّيت هذه الماهية بالماهية اللا بشرط القسمي،حيث إنّها ملحوظة مطلقة ومرسلة بالاضافة إلى جميع ما تنطبق عليه في الخارج.
وقد ذكرنا في غير مورد أنّ الاطلاق عبارة عن رفض القيود وعدم أخذ شيء منها مع الماهية،وإلّا لم تكن الماهية ماهيةً مطلقة،ولنأخذ لذلك بمثال وهو أنّ الكلمة إذا لوحظت بما هي بأن يكون النظر مقصوراً على ذاتها وذاتياتها فحسب،فهي ماهية مهملة ومبهمة بالاضافة إلى جميع التعيّنات الخارجية والذهنية حتى تعيّن قصر النظر عليها،يعني أنّ هذه الخصوصية أيضاً لم تلحظ معها،فالكلمة في إطار هذا اللحاظ لا تصلح أن يحمل عليها شيء إلّاالذات أو الذاتيات،نعم إنّها تصلح أن تكون محلاً لعروض كل من الاسم والفعل والحرف.
وإن لوحظت معها خصوصية زائدة عن ذاتها وذاتياتها،فإن كانت تلك الخصوصية هي عنوان كونها مقسماً لهذه الأقسام فهي الماهية لا بشرط المقسمي،حيث إنّها في إطار هذا اللحاظ مقسم لتلك الأقسام،يعني أ نّه لا تحقق لها إلّافي ضمن أحد أقسام الماهية كالمجردة والمخلوطة والمطلقة.كما أ نّها تمتاز بهذا اللحاظ عن الماهية المهملة.
وإن لوحظت معها خصوصية زائدة على تلك الخصوصية أيضاً،فإن كانت تلك الخصوصية الزائدة عنوان تجرّدها في افق النفس عن جميع العوارض والطوارئ التي يمكن أن تلحقها في الخارج من خصوصيات أفرادها وأصنافها، فهي ماهية مجردة،وإن كانت تلك الخصوصية خصوصية خارجية كخصوصية الاسم أو الفعل أو الحرف فهي ماهية مخلوطة،وإن كانت تلك الخصوصية عنوان الاطلاق والارسال فهي ماهية مطلقة المسماة في الاصطلاح بالماهية لا بشرط القسمي.
وبعد ذلك نقول: إنّ اسم الجنس موضوع للماهية المهملة دون غيرها من أقسام الماهية وهي الجامعة بين جميع تلك الأقسام بشتى لحاظاتها،وقد عرفت
أ نّها معرّاة من تمام الخصوصيات والتعينات:الذهنية والخارجية،حتى خصوصية قصر النظر عليها،والسبب فيه:هو أ نّه لو كان موضوعاً للماهية المأخوذ فيها شيء من تلك الخصوصيات لكان استعماله في غيرها مجازاً ومحتاجاً إلى عناية زائدة حتى ولو كانت تلك الخصوصية قصر النظر على ذاتها وذاتياتها،لما عرفت من أ نّه نحو من التعيّن وهو غير مأخوذ في معناه الموضوع له،فالمعنى الموضوع له مبهم من جميع الجهات.
ومن هنا يصح استعمال اسم الجنس كالانسان أو ما شاكله في الماهية بجميع أطوارها:الذهنية والخارجية،ومن الطبيعي أ نّه لو كان شيء منها مأخوذاً في معناه الموضوع له لكان استعماله في غير الواجد له بحاجة إلى عناية زائدة،مع أنّ الأمر ليس كذلك.
ومن الواضح أنّ صحة استعماله فيها في جميع حالاتها وطوارئها تكشف كشفاً يقينياً عن أ نّه موضوع بازاء الماهية نفسها من دون لحاظ شيء من الخصوصيات فيها حتى قصر النظر على ذاتها وذاتياتها،ففي مثل قولنا:النار حارة لم تستعمل كلمة النار إلّافي الطبيعة الجامعة بين تلك الأقسام المهملة بالاضافة إلى تمام خصوصياتها ولحاظاتها.
وإن شئت قلت:إنّ اللحاظات الطارئة على الماهية بشتى أشكالها إنّما هي في مرحلة الاستعمال،حيث إنّ في هذه المرحلة لا بدّ من أن تكون الماهية ملحوظة بأحد الأقسام المتقدمة،نظراً إلى أنّ الغرض قد يتعلق بلحاظها على شكل،وقد يتعلق به على شكل آخر وهكذا.
إلى هنا قد وصلنا إلى هذه النتيجة:وهي أنّ الماهية المهملة فوق جميع الاعتبارات واللحاظات الطارئة عليها،حيث إنّها مهملة حقيقةً وبتمام المعنى، وأمّا الماهية المقصور فيها النظر إلى ذاتها وذاتياتها فليست بمهملة بتمام المعنى
نظراً إلى أ نّها متعينة من هذه الجهة-أي من جهة قصر النظر إلى ذاتها – فتسمية هذه بالماهية المهملة لا تخلو عن مسامحة،فالأولى ما عرفت.
ثمّ إنّ الظاهر أنّ الكلي الطبيعي عبارة عن الماهية المهملة دون غيرها، خلافاً لشيخنا الاُستاذ (قدس سره) 1حيث قد صرّح بأنّ الكلي الطبيعي الصادق على كثيرين هو اللابشرط القسمي دون المقسمي،بدعوى أنّ اللا بشرط المقسمي عبارة عن الطبيعة الجامعة بين الكلي المعبّر عنه باللا بشرط القسمي الممكن صدقه على كثيرين،والكلي المعبّر عنه بالماهية المأخوذة بشرط لا الممتنع صدقه على الأفراد الخارجية،والكلي المعبّر عنه الماهية بشرط شيء الذي لا يصدق إلّاعلى أفراد ما اعتبر فيه الخصوصية.
ومن الطبيعي أ نّه يستحيل أن يكون الجامع بين هذه الأقسام هو الكلي الطبيعي،لأنّ الكلي الطبيعي هو الكلي الجامع بين الأفراد الخارجية الممكن صدقه عليها،فهو حينئذ قسيم للكلي العقلي الممتنع صدقه على الأفراد الخارجية، ولا يعقل أن يكون قسيم الشيء مقسماً له ولنفسه،ضرورة أنّ المقسم لا بدّ من أن يكون متحققاً في ضمن جميع أقسامه،ولا يعقل أن تكون الماهية المعتبرة فيها خصوصية على نحو تصدق على الأفراد الخارجية متحققة في ضمن الماهية المعتبرة فيها خصوصية على نحو يمتنع صدقها على ما في الخارج، وعليه فلا مناص من الالتزام بكون الجامع بين الأقسام هو الماهية الجامعة بين ما يصح صدقه على ما في الخارج وما يمتنع صدقه عليه،فالمقسم أيضاً وإن كان قابلاً للصدق على الأفراد الخارجية لفرض أ نّه متحقق في ضمن الماهية المأخوذة على نحو اللا بشرط القسمي وحيث إنّها صادقة على ما في الخارج،
فالمقسم أيضاً كذلك،إلّاأ نّه حيث يكون قابلاً للصدق على الكلي العقلي أيضاً فيستحيل أن يكون الجامع بين الأقسام هو نفس الجهة الجامعة بين الأفراد الخارجية المعبّر عنها بالكلي الطبيعي.
ما أفاده (قدس سره) يحتوي على عدة نقاط:
الاُولى: أنّ الماهية اللا بشرط المقسمي هي نفس الماهية من حيث هي هي.
الثانية: أنّ الكلي الطبيعي ليس هو الماهية اللا بشرط المقسمي،حيث إنّه (قدس سره) قد اعتبر في كون الشيء كلياً طبيعياً صدقه على الأفراد الخارجية فحسب دون غيرها.ومن المعلوم أنّ هذه النكتة غير متوفرة في الماهية اللا بشرط المقسمي،لفرض صدقها على الماهيات المجردة التي لا موطن لها إلّا العقل،وعليه فلا يمكن أن تكون تلك الماهية كلياً طبيعيّاً.
الثالثة: أنّ ما يصلح أن يكون كلياً طبيعيّاً هو الماهية اللا بشرط القسمي، حيث إنّ النكتة المتقدمة وهي الصدق على الأفراد الخارجية فحسب دون غيرها متوفرة فيها.
ولنأخذ بالنظر إلى هذه النقاط:
أمّا النقطة الاُولى: فهي وإن كانت معروفةً بينهم إلّاأ نّها خاطئة جداً ولا واقع موضوعي لها،وذلك لما عرفت من أنّ الماهية من حيث هي هي بعينها هي الماهية المهملة التي كان النظر مقصوراً على ذاتها وذاتياتها وغير ملاحظ معها شيء خارج عنهما،بل قلنا إنّها مهملة بالاضافة إلى جميع الخصوصيات الذهنية والخارجية حتى عنوان إهمالها وقصر النظر عليها،ولذا لا يصح حمل شيء عليها في إطار هذا اللحاظ إلّاالذات فيقال:الانسان حيوان ناطق،وهذا بخلاف الماهية اللا بشرط المقسمي،فانّ عنوان المقسمية قد لوحظ معها فلا
يكون النظر مقصوراً على الذات والذاتيات،فاذن كيف تكون الماهية اللا بشرط المقسمي هي الماهية المهملة ومن حيث هي هي.
وأمّا النقطة الثانية: فهي وإن كانت صحيحةً إلّاأ نّها ليست من ناحية ما أفاده (قدس سره) بل من ناحية اخرى،وهي أنّ الماهية اللا بشرط المقسمي لا تحقق لها إلّافي ضمن أحد أقسامها من الماهية المجردة والمخلوطة والمطلقة كما هو الحال في كل مقسم بالاضافة إلى أقسامه،وما يعرض عليه أحد اللحاظات المتقدمة هو الماهية المهملة دون الماهية اللا بشرط المقسمي،نظراً إلى أ نّه لا وجود لها ولا تحقق في افق النفس مع قطع النظر عن هذه التقسيمات،ضرورة أنّ عنوان المقسمية عنوان انتزاعي وهو منتزع بلحاظ عروض هذه التقسيمات على الماهية ومتفرع عليها فكيف يعقل أن تعرض تلك التقسيمات عليها بلحاظ هذا العنوان الانتزاعي وتكون متفرعة عليه.أو فقل انّ عروض هذا العنوان – المقسمية-على الماهية إنّما هو في مرتبة متأخرة عن عروض تلك التقسيمات عليها،ومعه كيف يعقل أن تكون تلك التقسيمات عارضة على الماهية المعنونة بهذا العنوان.
إلى هنا قد استطعنا أن نخرج بهذه النتيجة:وهي أنّ الماهية اللا بشرط المقسمي-يعني المعنونة بهذا العنوان-كما لا تصلح أن تكون محلاً لعروض الأقسام المتقدمة،كذلك لا تصلح أن تكون كلياً طبيعياً.
أمّا الأوّل فلأمرين:الأوّل ما عرفت من أنّ لحاظها مع هذا العنوان في مرتبة متأخرة عن لحاظ تلك الأقسام ومتفرّع عليه،ومعه كيف تكون محلاً لعروض تلك الأقسام.الثاني:أ نّها مع هذا العنوان غير قابلة للانطباق على ما في الخارج حيث إنّه لا موطن له إلّاالعقل.
وأمّا الثاني فيظهر وجهه مما عرفت،فانّ الكلي الطبيعي ما هو قابل للانطباق على ما في الخارج،والمفروض أ نّها مع هذا العنوان غير قابلة لذلك ومعه كيف تكون كلياً طبيعياً،وأمّا مع قطع النظر عن ذلك العنوان فهي ليست الماهية اللا بشرط المقسمي،بل هي الماهية المهملة.
وعلى الجملة:فالماهية مع هذا العنوان-أي عنوان المقسمية-غير قابلة للانطباق على ما في الخارج حيث لا وجود لها إلّافي الذهن فلا تصلح أن تكون كلياً طبيعياً،وأمّا مع قطع النظر عن هذا العنوان فهي وإن كانت قابلةً للانطباق على الخارجيات وتصلح أن تكون كلياً طبيعياً،إلّاأ نّها ليست حينئذ الماهية اللا بشرط المقسمي،بل هي ماهية مهملة التي قد عرفت أ نّها عارية عن جميع الخصوصيات ولم تلحظ معها أيّة خصوصية من الخصوصيات:الذهنية والخارجية.
وقد تقدم أنّ اسم الجنس موضوع لها وأنّ الخصوصيات بشتى أشكالها وألوانها طارئة عليها في ظرف الاستعمال،حيث إنّ الغرض قد يتعلق بالماهية المجردة،وقد يتعلق بالماهية المخلوطة،وقد يتعلق بالماهية المطلقة،وهذه الماهية هي التي تصلح أن تكون محلاً لعروض اللحاظات المتقدمة،فانّها بأجمعها ترد عليها.
وأمّا النقطة الثالثة: فيظهر حالها مما تقدم،بيان ذلك:أنّ المعتبر في الماهية اللا بشرط القسمي هو انطباقها بالفعل على جميع أفرادها ومصاديقها،حيث إنّ السريان الفعلي قد لوحظ فيها رغم أ نّه غير ملحوظ في الكلي الطبيعي،إذ لا يعتبر فيه إلّاإمكان انطباقه على الخارجيات دون فعليته،ونقصد بالفعلية والامكان لحاظ الماهية فانيةً بالفعل في جميع مصاديقها وعدم لحاظها كذلك، فعلى الأوّل هي اللا بشرط القسمي وعلى الثاني هي الكلي الطبيعي.
فالنتيجة في نهاية المطاف:أنّ الكلي الطبيعي هو الماهية المهملة لا الماهية اللا بشرط المقسمي كما عن السبزواري 1ولا الماهية اللا بشرط القسمي كما عن شيخنا الاُستاذ (قدس سره) 2هذا من ناحية.
ومن ناحية اخرى:قد ظهر مما تقدم أنّ أسماء الأجناس موضوعة للماهية المهملة دون غيرها.
ومن ناحية ثالثة:قد تبيّن مما ذكرناه أنّ ما ذكره المحقق صاحب الكفاية (قدس سره) 3من أنّ الماهية المطلقة لا وجود لها إلّافي الذهن وأ نّها كلي عقلي خاطئ جداً،ومنشأ الخطأ تخيّل أنّ لحاظ السريان قد اخذ قيداً لها، ومن الطبيعي أنّ الماهية المقيدة به لا موطن لها إلّاالذهن.ولكنّه تخيل فاسد، فانّ معنى لحاظ سريانها هو لحاظها فانيةً في جميع مصاديقها وأفرادها الخارجية بالفعل من دون أخذ اللحاظ قيداً لها،فالمعتبر فيها هو واقع السريان الفعلي لا لحاظه الذهني ووجوده في افق النفس،فمعنى الارسال والاطلاق هو عدم دخل خصوصية من الخصوصيات الخارجية في الحكم الثابت لها،لما ذكرناه غير مرّة من أنّ معنى الاطلاق هو رفض القيود وعدم دخل شيء منها فيه.
ومن البديهي أنّ السريان الفعلي من لوازم لحاظ الماهية كذلك،ففي مثل قولنا:النار حارة الملحوظ فيه هو طبيعة النار مطلقة،أي مرفوضة عنها جميع القيود والخصوصيات وعدم دخل شيء منها في ثبوت هذا الحكم لها وهو الحرارة،ومن المعلوم أنّ السريان الفعلي وانطباقها على جميع أفرادها الخارجية
بالفعل من لوازم إطلاقها وإرسالها كذلك.
وكذا قولنا:الانسان كاتب بالقوة أو مركب من الروح والبدن حيث لم يلحظ فيه إلّاطبيعة الانسان مطلقة،أي من دون لحاظ أيّة خصوصية معها كالقصير والطويل والشاب والشيخ والعرب والعجم والذكر والاُنثى وما شاكل ذلك،ومن الطبيعي أنّ الانسان الملحوظ كذلك ينطبق على جميع أفراده ومصاديقه بالفعل،وعليه فالحكم الثابت له لا محالة يسري إلى جميع أفراده في الخارج من دون اعتبار خصوصية من الخصوصيات فيه.
فالنتيجة: أنّ السريان ليس خصوصية وجودية مأخوذة في الماهية لتصبح الماهية المطلقة الماهية بشرط شيء،بل هو عبارة عن انطباق نفس الماهية على أفرادها في الخارج ولا واقع موضوعي له ما عدا هذا،وعليه فما أفاده المحقق صاحب الكفاية (قدس سره) من أنّ الماهية المطلقة غير قابلة للانطباق على الخارجيات حيث لا موطن لها إلّاالذهن خاطئ جداً ولا واقع له أصلاً،هذا كلّه في أسماء الأجناس.
وأمّا أعلام الأجناس فقد قال جماعة إنّه لا فرق بينها وبين أسماء الأجناس إلّا في نقطة واحدة،وهي أنّ أسماء الأجناس موضوعة للماهية المهملة من جميع الجهات والخصوصيات الذهنية والخارجية،وأعلام الأجناس موضوعة لتلك الماهية لكن بشرط تعيينها في الذهن،ومن هنا يعاملوا معها معاملة المعرفة دون أسماء الأجناس.
وقد أورد على هذه النقطة المحقق صاحب الكفاية (قدس سره) 1ببيان أنّ أعلام الأجناس لو كانت موضوعةً للماهية المتعينة في الذهن فلازم ذلك أ نّها
بما لها من المعنى غير قابلة للحمل على الخارجيات حيث لا موطن لها إلّا الذهن،ومن الطبيعي أنّ ما لا موطن له إلّاالذهن فهو غير قابل للانطباق على ما في الخارج،مع أ نّه لا شبهة في صحة انطباقها بما لها من المعنى على الخارجيات من دون تصرف ولحاظ تجرد فيها أصلاً،على الرغم من أنّ الخصوصية الذهنية لو كانت مأخوذةً في معانيها لم يمكن انطباقها عليها بدون التصرف ولحاظ التجرد،ومن الواضح أنّ صحة الانطباق بدون ذلك تكشف كشفاً قطعياً عن أنّ تلك الخصوصية غير مأخوذة فيها.
هذا مضافاً إلى أنّ وضعها لخصوص معنى يحتاج إلى تجريده عن الخصوصية في مقام الاستعمال لا يصدر عن جاهل فضلاً عن الواضع الحكيم،حيث إنّه لغو محض،ومن الطبيعي أ نّه لا معنى لوضع لفظ لمعنىً لم يستعمل فيه أبداً.
ومن هنا قال (قدس سره):التحقيق أ نّه لا فرق بين أسماء الأجناس وأعلام الأجناس،فكما أنّ الاُولى موضوعة لصرف الطبيعة من دون لحاظ شيء من الخصوصية-الذهنية أو الخارجية-معها،فكذلك الثانية يعني أعلام الأجناس.والدليل على عدم الفرق بينهما ما عرفت من أ نّه لا يمكن أن تكون الخصوصية الذهنية مأخوذةً في معناها الموضوع له،والخصوصية الخارجية مفروضة العدم.فاذن بطبيعة الحال لا فرق بينهما من هذه الناحية أصلاً.وأمّا أ نّهم يعاملون معها معاملة المعرفة دون أسماء الأجناس فالظاهر أنّ التعريف فيها لفظي كالتأنيث اللفظي،فكما أنّ العرب قد تجري على بعض الألفاظ حكم التأنيث مع أ نّه ليس فيه تأنيث حقيقةً كلفظ اليد والرجل والاُذن والعين وما شاكلها،فكذلك قد تجري على بعض الألفاظ حكم التعريف وآثاره مع أ نّه ليس فيه تعريف أصلاً،كلفظ اسامة حيث إنّه لا فرق بينه وبين لفظ أسد في المعنى الموضوع له،فالفرق بينهما إنّما هو من ناحية جريان أحكام التعريف على
الأوّل لفظاً فقط،يعني لا يدخل عليه الألف واللام ولا يقع مضافاً دون الثاني.
وعلى الجملة:فاللغة تتبع السماع ولا قياس فيها،وحيث إنّ المسموع والمنقول فيها من أهلها كذلك فلا بدّ من متابعته مع عدم الفرق بينهما بحسب المعنى في الواقع والحقيقة،كما هو الحال في المؤنث اللفظي السماعي حيث إنّ المسموع منهم جريان أحكام التأنيث عليه مع عدم التأنيث فيه حقيقة فلا بدّ من متابعته.
وهذا الذي أفاده (قدس سره) متين جداً.نعم،يمكن المناقشة في البرهان الذي ذكره على عدم أخذ التعين الذهني في المعنى الموضوع له لأعلام الأجناس،بيان ذلك:أنّ أخذه في المعنى الموضوع له تارةً يكون على نحو الجزئية،يعني كل من التقيد والقيد داخل فيه،وتارة اخرى يكون على نحو الشرطية،بمعنى أنّ القيد خارج عن المعنى الموضوع له والتقيد داخل فيه، فالتعين الذهني على الأوّل مثل أجزاء الصلاة التي هي داخلة فيها قيداً وتقيداً كالتكبيرة والفاتحة والركوع والسجود وما شاكل ذلك،وعلى الثاني كشرائطها التي هي داخلة فيها [ تقيداً لا ] قيداً كاستقبال القبلة وطهارة البدن والثوب وما شاكلها،وثالثةً يكون على نحو المرآتية والمعرّفية فحسب من دون دخله في المعنى الموضوع له لا بنحو الجزئية ولا بنحو الشرطية.
فما أفاده صاحب الكفاية (قدس سره) من البرهان على عدم أخذ التعين الذهني في المعنى الموضوع له،وهو أ نّه لو كان مأخوذاً فيه لم يكن المعنى قابلاً للانطباق على الخارجيات،إنّما يتم إذا كان أخذه فيه على أحد النحوين الأوّلين.وأمّا إذا كان أخذه على النحو الثالث فهو غير مانع عن انطباقه على الخارجيات.فاذن لو كان مراد القائلين بأخذه في المعنى الموضوع له لأعلام الأجناس هو النحو الثالث لم يرد عليه ما أورده (قدس سره) من عدم الانطباق
على الخارجيات.
وكيف كان،فما أفاده (قدس سره) من أ نّه لا فرق بين اسم الجنس وعلم الجنس في المعنى الموضوع له متين جداً،لأنّه مطابق للمرتكزات الوجدانية من ناحية،والاستعمالات المتعارفة من أهل اللسان من ناحيةاُخرى،ضرورة أنّ لفظ اسامة استعمل في المعنى الذي استعمل فيه بعينه لفظ أسد،فلا فرق بينهما من هذه الناحية أصلاً،وإنّما الفرق بينهما في اللفظ فقط بترتيب آثار المعرفة على لفظ اسامة دون لفظ أسد كما عرفت.
فالنتيجة في نهاية الشوط:هي أ نّه لا فرق بين أسماء الأجناس وأعلام الأجناس وأنّ كلتيهما موضوعة للماهية المهملة من دون أخذ خصوصية من الخصوصيات فيها،والخصوصيات الطارئة عليها من ناحية الاستعمال لا دخل لها في المعنى الموضوع له.وأمّا ترتيب آثار المعرفة على أعلام الأجناس دون أسمائها فهو لا يتجاوز عن حدود اللفظ فحسب كالمؤنثات اللفظية التي لا يتجاوز تأنيثها عن حدود اللفظ فحسب.
ومنها: المفرد المعرّف باللام.
أقول:المعروف بينهم أنّ اللام على أقسام:الجنس والاستغراق والعهد بأقسامه من الذهني والذكري والخارجي،كما أنّ المعروف بينهم أنّ كلمة اللام موضوعة للدلالة على التعريف والتعيين في غير العهد الذهني.
وأورد على ذلك المحقق صاحب الكفاية (قدس سره) بقوله:وأنت خبير بأ نّه لا تعيّن في تعريف الجنس إلّاالاشارة إلى المعنى المتميز بنفسه من بين المعاني ذهناً،ولازمه أن لا يصح حمل المعرّف باللام بما هو معرف على الأفراد، لما عرفت من امتناع الاتحاد مع ما لا موطن له إلّاالذهن إلّابالتجريد،ومعه
لا فائدة في التقييد.مع أنّ التأويل والتصرف في القضايا المتداولة في العرف غير خالٍ عن التعسف.هذا مضافاً إلى أنّ الوضع لما لا حاجة إليه بل لا بدّ من التجريد عنه وإلغائه في الاستعمالات المتعارفة المشتملة على حمل المعرف باللام أو الحمل عليه كان لغواً كما أشرنا إليه.فالظاهر أنّ اللام مطلقاً يكون للتزيين كما في الحسن والحسين،واستفادة الخصوصيات إنّما تكون بالقرائن التي لا بدّ منها لتعيينها على كل حال ولو قيل بافادة اللام للاشارة إلى المعنى،ومع الدلالة عليه بتلك الخصوصيات لا حاجة إلى تلك الاشارة لو لم تكن مخلّةً،وقد عرفت إخلالها فتأمل جيداً 1.
ما أفاده (قدس سره) يتضمن عدّة نقاط:
الاُولى: أنّ كلمة اللام لو كانت موضوعة للدلالة على التعريف والتعيين فلازمه عدم إمكان حمل المفرد المعرّف باللام على الخارجيات،وذلك لأنّ الجنس المعرّف بها لا تعيّن له في الخارج على الفرض،وعليه فلا محالة يكون تعيّنه في افق النفس،يعني أنّ كلمة اللام تدل على تعيينه وتمييزه من بين سائر المعاني في الذهن.
ومن المعلوم أنّ الموجود الذهني غير قابل للحمل على الموجود الخارجي إلّا بالتجريد.
الثانية: أنّ لازم ذلك هو التصرف والتأويل في القضايا المتعارفة المتداولة بين العرف،حيث إنّ الحمل فيها على هذا غير صحيح بدون ذلك،مع أنّ التأويل والتصرف فيها لايخلوان عن التعسف،لفرض صحة الحمل فيها بدونهما.
الثالثة: أنّ وضع كلمة اللام لذلك لغو محض فلا يصدر من الواضع الحكيم.
الرابعة: أنّ كلمة اللام تدل على التزيين فحسب من دون أن تكون موضوعةً للدلالة على التعريف والتعيين.
ولنأخذ بالنظر في هذه النقاط:أمّا النقطة الاُولى فهي تبتني على كون كلمة اللام موضوعةً للدلالة على تعين مدخولها في افق الذهن بنحو يكون التعين الذهني جزء معناه الموضوع له أو قيده.ولكنّ الأمر ليس كذلك،فانّ وضعها للدلالة على التعريف والتعيين لا يستلزم كون التعين جزء معنى مدخولها أو قيده،ضرورة أنّ اسم الجنس موضوع لمعنى واحد سواء أكان مع اللام أو بدونه،وأ نّه مع اللام لم يوضع لمعنىً آخر غيره،هذا من ناحية.
ومن ناحية اخرى:أ نّنا إذا راجعنا مرتكزاتنا الذهنية نرى أنّ كلمة اللام تدل على معنىً هي موضوعة بازائه وهو التعريف والاشارة،وليس بحيث يكون وجودها وعدمها سيّان وأ نّه لا أثر لها ما عدا التزيين،فيكون حالها حال أسماء الاشارة والضمائر من هذه الناحية،فكما أنّ اسم الاشارة موضوع للدلالة على تعريف مدخوله وتعيينه في موطنه حيث قد يشار به إلى الموجود الخارجي كقولنا:هذا زيد،وقد يشار به إلى الكلي كقولنا:هذا الكلي يعني الانسان مثلاً أخص من الكلي الآخر وهو الحيوان،بل قد يشار به إلى المعدوم كقولنا:هذا الشيء معدوم ولا وجود له،أو هذا القول معدوم وغير موجود بين الأقوال،فكذلك كلمة اللام فقد يشار بها إلى الجنس كقولنا:أكرم الرجل، وقد يشار بها إلى الاستغراق كقولنا:أكرم العلماء،بناءً على دلالة الجمع المعرّف باللام على العموم،وقد يشار بها إلى العهد الخارجي،وقد يشار بها إلى العهد الحضوري،فهي في جميع هذه الموارد قد استعملت في معنىً واحد،والاختلاف إنّما هو في المشار إليه بها.
وبكلمة اخرى:أنّ ما دلت عليه كلمة اللام من التعريف والاشارة فهو غير مأخوذ في المعنى الموضوع له لمدخولها لا جزءاً ولا شرطاً،ولذا لا يختلف معنى المفرد المعرّف باللام عما إذا كان مجرّداً عنها،فشأنها الاشارة إلى معنى مدخولها،فإن كان جنساً فهي تشير إليه،وإن كان استغراقاً فهي تشير إليه وهكذا.
وكيف كان،فالظاهر أنّ دلالتها على هذا المقدار من المعنى غير قابلة للانكار وأ نّها مطابقة للارتكاز والوجدان في الاستعمالات المتعارفة وإن لم يكن لها مرادف في سائر اللغات كي نرجع إلى مرادفها في تلك اللغات ونعرف معناها،حيث إنّه من أحد الطرق لمعرفة معاني الألفاظ،إلّاأنّ في المقام لا حاجة إلى هذا الطريق لوجود طريق آخر فيه وهو التبادر والارتكاز.
وأمّا العهد الذهني فالظاهر أنّ دخول كلمة اللام عليه لا يفيد شيئاً فيكون وجودها وعدمها سيّان،فلا فرق بين قولنا:لقد مررت على اللئيم وقولنا:لقد مررت على لئيمٍ بدون كلمة اللام،فانّ المراد منه واحد على كلا التقديرين، وهو المبهم غير المعيّن في الخارج،ولا تدل كلمة اللام على تعيينه فيه،وأمّا دخولها عليه فهو إنّما يكون من ناحية أنّ الأسماء المعربة في كلمات العرب لم تستعمل بدون أحد امور ثلاثة:التنوين،الألف واللام،والاضافة،لا أ نّها تدل على شيء،ففي مثل ذلك صحّ أن يقال:إنّ اللام للتزيين فحسب كاللام الداخلة على أعلام الأشخاص،وببالي أنّ المحقق الرضي 1ذهب إلى ذلك،أي كون اللام للتزيين في خصوص العهد الذهني.
فالنتيجة في نهاية الشوط:هي أنّ ما أفاده المحقق صاحب الكفاية
(قدس سره) من أنّ كلمة اللام لم توضع للدلالة على معنى وإنّما هي للتزيين فحسب خاطئ جداً ولا واقع موضوعي له على إطلاقه،وإنّما يتم في خصوص العهد الذهني فقط.
ومنها: الجمع المعرّف باللام ذكر المحقق صاحب الكفاية (قدس سره) 1أنّ دلالته على العموم لا تخلو من أن تكون من جهة وضع المجموع لذلك،أو وضع خصوص كلمة اللام لها،يعني أ نّها إذا دخلت على الجمع تدل على ذلك.وأمّا ما ذكره بعض الأصحاب من أنّ كلمة اللام بما أ نّها موضوعة بازاء التعريف والاشارة فلا بدّ أن يراد جميع أفراد مدخولها حيث لا تعيين لسائر مراتبها – الافراد-إلّاتلك المرتبة يعني المرتبة الأخيرة،فهو غير تام،وذلك لأنّه كما أنّ لتلك المرتبة تعيناً في الواقع كذلك للمرتبة الاُولى وهي أقل مرتبة الجمع.
فاذن لا دليل على تعيين تلك دون هذه،هذا.
ولكنّ الظاهر أنّ ما ذكره هذا البعض هو الصحيح،والسبب فيه ما ذكرناه في ضمن البحوث السالفة من أنّ هذه المرتبة أي أقل مرتبة الجمع أيضاً لا تعيّن لها في الخارج وإن كان لها تعيين بحسب مقام الارادة،فانّ الثلاثة التي هي أقل مرتبة الجمع تصدق في الخارج على الأفراد الكثيرة ولها مصاديق متعددة فيه كهذه الثلاثة وتلك وهكذا.
وبكلمة اخرى:أنّ كل مرتبة من مراتب الأعداد كالثلاثة والأربعة والخمسة والستة وهكذا،كان قابلاً للانطباق على الأفراد الكثيرة في الخارج فلا تعيّن لها فيه،حيث إنّا لا نعلم أنّ المراد منها فيه هذه الثلاثة أو تلك وهكذا.
نعم،لها تعيّن في افق النفس وفي إطار الارادة دون افق الخارج وإطاره،هذا
من ناحية.
ومن ناحية اخرى:أنّ كلمة اللام تدل على التعين الخارجي.ومن ناحية ثالثة:أنّ التعين الخارجي منحصر في المرتبة الأخيرة من الجمع وهي إرادة جميع أفراد مدخوله،حيث إنّ له مطابقاً واحداً في الخارج فلا ينطبق إلّاعليه، فاذن يتعين إرادة هذه المرتبة من الجمع يعني المرتبة الأخيرة دون غيرها بمقتضى دلالة كلمة اللام على التعريف والتعيين.
وأمّا احتمال وضع المجموع من حيث المجموع للدلالة على ذلك زائداً على وضع كلمة اللام ومدخولها فهو بعيد جداً،ضرورة أنّ الدال على إرادة هذه المرتبة إنّما هو دلالة كلمة اللام على التعريف والتعيين،نظراً إلى أ نّه لا تعيّن في الخارج إلّالخصوص هذه المرتبة،وكذا احتمال وضع كلمة اللام للدلالة على العموم والاستغراق ابتداءً بعيد جداً،لما عرفت من أ نّها لم توضع إلّاللدلالة على التعريف والتعيين.
فالنتيجة:أنّ الجمع المعرف باللام يدل على إرادة جميع أفراد مدخوله على نحو العموم الاستغراقي.
ومنها: النكرة،ذكر المحقق صاحب الكفاية (قدس سره) 1أ نّها تستعمل مرّة في المعيّن المعلوم خارجاً عند المتكلم وغير معلوم عند المخاطب كقوله تعالى: «وَ جٰاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ» 2ومرةً اخرى في الطبيعي المقيد بالوحدة كقولنا:جئني برجل،ومن هنا يصح أن يقال:جئني برجل أو رجلين ولا يصح أن يقال:جئني بالرجل أو رجلين،والنكتة فيه:أنّ التثنية لا تقابل
باسم الجنس،حيث إنّه يصدق على الواحد والكثير على السواء،وما هو المعروف في الألسنة من أنّ النكرة وضعت للدلالة على الفرد المردد في الخارج خاطئ جداً ولا واقع موضوعي له أصلاً،ضرورة أ نّه لا وجود للفرد المردد في الخارج،حيث إنّ كل ما هو موجود فيه متعيّن لا مردد بين نفسه وغيره فانّه غير معقول.
وبكلمة اخرى:أنّ مرادهم من ذلك هو ما ذكرناه من أ نّها استعملت في الطبيعة المقيدة بالوحدة القابلة للانطباق على كثيرين في الخارج،حيث إنّها بهذا القيد أيضاً كلّي.
وعليه فما ذكره (قدس سره) في ذيل كلامه متين جداً،وذلك لا لأجل أنّ النكرة موضوعة للطبيعة المقيدة بالوحدة تارةً وللطبيعة المهملة التي هي الموضوع له لاسم الجنس مرةً اخرى كما يظهر من عبارته (قدس سره) في بدو الأمر،ضرورة عدم تعدد الوضع فيها،بل هي موضوعة للطبيعة الجامعة بين جميع الخصوصيات فحسب وقد استعملت فيها دائماً،والوحدة إنّما تستفاد من دال آخر-وهو التنوين للتنكير-فيكون من تعدد الدال والمدلول في مقابل التعريف والتنوين للتمكن،فانّ الاسم المعرب لا يستعمل في لغة العرب إلّامع إحدى هذه الخصوصيات:الاضافة أو التنوين أو الألف واللام،فلا يستقر إلّا باحداها حيث إنّ تمكنه بها.
وعليه فما ذكره (قدس سره) من أنّ رجلاً في قولنا:جئني برجل يدل على الطبيعي المقيد بالوحدة ليس المراد استعماله فيه،بل المراد أنّ الرجل استعمل في الطبيعي الجامع والوحدة مستفادة من دال آخر.
وأمّا ما ذكره (قدس سره) في صدر كلامه من أنّ النكرة قد تستعمل في
الواحد المعيّن عند المتكلم والمجهول عند المخاطب كما في قوله تعالى: «وَ جٰاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعىٰ» 1فلا يمكن الأخذ به،ضرورة أنّ لفظ «رَجُلٌ» في الآية لم يستعمل في المعيّن الخارجي المجهول عند المخاطب،بل استعمل في الطبيعي المقيد بالوحدة من باب تعدد الدال والمدلول،غاية الأمر أنّ مصداقه في الخارج معلوم عند المتكلم ومجهول عند المخاطب.
ومن الطبيعي أنّ هذا لا يوجب استعمال اللفظ فيه.وكذا الحال في الفعل الماضي أو المضارع أو الأمر كقولنا:جئني برجل أو جاء رجل أو ما شاكل ذلك،فانّ لفظ الرجل في جميع هذه الأمثلة استعمل في الطبيعي المقيد بالوحدة بنحو تعدد الدال والمدلول،وإن افترض أنّ مصداقه في الخارج معلوم للمتكلم وغير معلوم للمخاطب إلّاأ نّه لم يستعمل فيه جزماً،كما إذا أمره باتيان كتاب وكان الكتاب معلوماً لديه في الخارج ولكنّه غير معلوم لدى المخاطب،لم يستعمل في هذا المعلوم المعيّن خارجاً وإنّما استعمل في الطبيعي المقيد بالوحدة.
فالنتيجة:أنّ النكرة لم تستعمل في المعيّن الخارجي ولا المعيّن عند اللّٰه تعالى، باعتبار أ نّه (سبحانه وتعالى) يعلم بأ نّه يأتي بالفرد الفلاني المعيّن في الواقع،بل هي تستعمل دائماً في الطبيعي الجامع،والوحدة مستفادة من دال آخر.فاذن لا فرق بين النكرة واسم الجنس أصلاً،فالنكرة هي اسم الجنس غاية الأمر يدخل عليها التنوين ليدل على الوحدة.
ثمّ إنّك قد عرفت في ضمن البحوث السالفة أنّ اللفظ موضوع للماهية الجامعة بين تمام الخصوصيات التي يمكن أن تعرض عليها،وقد يعبّر عنها بالماهية المهملة التي هي فوق جميع الماهيات كما تقدم بشكل موسّع.
ومن الواضح أنّ الاطلاق والتقييد من الخصوصيات الطارئة على الماهية التي وضع اللفظ بازائها،فهما خارجان عن حريم المعنى الموضوع له،وهذا هو المعروف بين المتأخرين وهو الصحيح،وعليه فالتقييد لا يستلزم المجاز،فانّ اللفظ استعمل في معناه الموضوع له،والتقييد مستفاد من دال آخر،بل لو كان موضوعاً للمطلق بمعنى اللا بشرط القسمي كما هو المعروف بين القدماء فأيضاً لا يستلزم التقييد المجاز،فانّ المراد الاستعمالي منه هو المطلق واللفظ قد استعمل فيه،والتقييد إنّما يدل على أنّ المراد الجدي هو المقيد دون المطلق،ولا يدل على أنّ اللفظ قد استعمل في المقيد،هذا من ناحية.
ومن ناحية اخرى:أنّ المحمول تارةً يكون من المعقولات الثانوية كقولنا:
الانسان نوع والحيوان جنس والضاحك عرض خاص وهكذا،ففي مثل ذلك فالموضوع هو الماهية ولا ينطبق على الموجود الخارجي،لوضوح أنّ زيداً مثلاً ليس بنوع،والبقر ليس بجنس،وضحك زيد ليس بعرض خاص وهكذا، فلا يسري المحمول إلى حصصه وأفراده في الخارج،فهذا القسم خارج عن محل الكلام هنا-وهو البحث عن إطلاق الموضوع وتقييده-وتارة اخرى يكون المحمول من غيرها مما هو قابل السراية إلى حصص الموضوع وأفراده في الخارج،وهذا القسم هو محل الكلام في المقام.
وعلى ذلك فالموضوع أو المتعلق لا يخلو من أن يكون مطلقاً بمعنى الارسال أو مقيداً بأمر وجودي أو عدمي،فإن كانت هناك قرينة شخصية على أحدهما فهو،وإن لم تكن قرينة كذلك فهل هنا قرينة عامة على تعيين أحدهما أو لا، فقد ذكروا لتعيين الاطلاق قرينةً عامةً تسمى بمقدمات الحكمة،فان تمّت تلك المقدمات ثبت الاطلاق وإلّا فلا.ويعتبر في تمامية هذه المقدمات امور:
الأوّل: أن يكون المتكلم متمكناً من البيان والاتيان بالقيد وإلّا فلا يكون
لكلامه إطلاق في مقام الاثبات حتى يكون كاشفاً عن الاطلاق في مقام الثبوت،بيان ذلك:أنّ الاطلاق أو التقييد تارةً يلحظ بالاضافة إلى الواقع ومقام الثبوت.واُخرى بالاضافة إلى مقام الاثبات والدلالة.
أمّا على الأوّل: فقد ذكرنا غير مرّة أ نّه لا واسطة بينهما في الواقع ونفس الأمر،وذلك لأنّ المتكلم الملتفت إلى الواقع وما له من الخصوصيات حكيماً كان أو غيره فلا يخلو من أن يأخذ في متعلق حكمه أو موضوعه خصوصية من تلك الخصوصيات أو لا يأخذ فيه شيئاً منها ولا ثالث لهما.فعلى الأوّل يكون مقيّداً،وعلى الثاني يكون مطلقاً،ولا يعقل شق ثالث بينهما يعني لا يكون مطلقاً ولا مقيداً،ومن هنا قلنا إنّ استحالة التقييد تستلزم ضرورة الاطلاق وبالعكس.
وأمّا ما ذكره شيخنا الاُستاذ (قدس سره) 1من أنّ التقابل بينهما من تقابل العدم والملكة كالعمى والبصر،وأ نّه لا بدّ من طروئهما على موضوع قابل للاتصاف بالملكة [ وإلّا ] لم يكن قابلاً للاتصاف بالعدم أيضاً وكذا العكس، ولأجل ذلك لا يصح إطلاق الأعمى على الجدار مثلاً،وما نحن فيه من هذا القبيل،ولذا قال (قدس سره) إنّ استحالة الاطلاق في موردٍ تستلزم استحالة التقييد فيه وبالعكس.
فلا يمكن المساعدة عليه بوجه،وذلك لما ذكرناه مرراً من أنّ التقابل بينهما من تقابل التضاد لا العدم والملكة،وأنّ استحالة أحدهما تستلزم ضرورة الآخر لا استحالته،بداهة أنّ الاهمال في الواقع مستحيل فالحكم فيه إمّا مطلق أو مقيد ولا ثالث لهما.
ولو تنزّلنا عن ذلك وسلّمنا أنّ التقابل بينهما من تقابل العدم والملكة إلّاأ نّه لا يعتبر كون الموضوع لها أمراً شخصياً،بل قد يكون الموضوع فيها نوعياً ولا يعتبر في مثله أن يكون كل فرد من أفراد الموضوع قابلاً للاتصاف بها،بل يستحيل ذلك بالاضافة إلى بعض أفراده،كما هو الحال في العلم والجهل بالاضافة إلى ذاته (سبحانه وتعالى) فانّ العلم بكنه ذاته تعالى مستحيل،ومن الواضح أنّ استحالته لا تستلزم استحالة الجهل به،بل تستلزم ضرورته رغم أنّ التقابل بينهما من تقابل العدم والملكة.وكذا الحال في غنى الممكن وفقره بالاضافة إليه (تعالى وتقدس) فانّ استحالة غنائه عن ذاته سبحانه لا تستلزم استحالة فقره، بل تستلزم ضرورته ووجوبه رغم أنّ التقابل بينهما من تقابل العدم والملكة، فليكن المقام من هذا القبيل،يعني أنّ التقابل بين الاطلاق والتقييد يكون من تقابل العدم والملكة فمع ذلك تستلزم استحالة أحدهما في مقام الثبوت والواقع ضرورة الآخر لا استحالته.
وعلى الثاني: وهو ما إذا كان الاطلاق والتقييد ملحوظين بحسب مقام الاثبات،فحينئذ إن تمكن المتكلم من البيان وكان في مقامه ومع ذلك لم يأت بقيد في كلامه كان إطلاقه في هذا المقام كاشفاً عن الاطلاق في مقام الثبوت وأنّ مراده في هذا المقام مطلق وإلّا لكان عليه البيان.وأمّا إذا لم يتمكن من الاتيان بقيد في مقام الاثبات فلا يكشف إطلاق كلامه في هذا المقام عن الاطلاق في ذاك المقام والحكم بأنّ مراده الجدي في الواقع هو الاطلاق، لوضوح أنّ مراده لو كان في الواقع هو المقيد لم يتمكن من بيانه والاتيان بقيد، ومعه كيف يكون إطلاق كلامه في مقام الاثبات كاشفاً عن الاطلاق في مقام الثبوت.
الأمر الثاني: أن يكون المتكلم في مقام البيان ولا يكون في مقام الاهمال
والاجمال كما في قوله تعالى: «وَ أَقِيمُوا الصَّلاٰةَ وَ آتُوا الزَّكٰاةَ» 1وقوله تعالى:
«وَ قُرْآنَ الْفَجْرِ»
2
وما شاكل ذلك،فانّ المتكلم في هذه الموارد لا يكون في مقام البيان،نظير قول الطبيب للمريض:اشرب الدواء فانّه ليس في مقام البيان،بل هو في مقام أنّ في شرب الدواء نفعاً له في الجملة ولا يمكن الأخذ باطلاق كلامه،مع أنّ بعضه مضر بحاله جزماً.
فالنتيجة: أنّ المتكلم إذا لم يكن في مقام البيان لم يكن لكلامه ظهور في الاطلاق حتى يتمسك به.
نعم،إذا كان المتكلم في مقام البيان من جهةٍ ولم يكن في مقام البيان من جهة اخرى لا مانع من التمسك باطلاق كلامه من الجهة التي كان في مقام البيان من تلك الجهة دون الجهة الاُخرى،وهذا في الآيات والروايات كثير.
أمّا في الآيات:فكقوله تعالى: «فَكُلُوا مِمّٰا أَمْسَكْنَ» 3فانّه إذا شك في اعتبار الامساك من الحلقوم في تذكيته وعدم اعتباره لا مانع من التمسك باطلاق الآية الكريمة من هذه الناحية والحكم بعدم اعتبار الامساك من الحلقوم.وأمّا إذا شك في طهارة محل الامساك وعدمها فلا يمكن التمسك باطلاق الآية من هذه الناحية،لأنّ إطلاقها غير ناظر إليها أصلاً،فلا تكون الآية في مقام البيان من هذه الجهة،فلا محالة عندئذ يحكم بنجاسته.
وأمّا في الروايات:فمنها قوله (عليه السلام):«لا بأس بالصلاة في دم إذا كان
أقل من درهم» 1فانّه في مقام البيان من جهة أنّ هذا المقدار من الدم غير مانع من ناحية النجاسة،حيث إنّ المتفاهم العرفي كون هذا استثناءً من مانعية الدم من هذه الناحية،ولا يكون في مقام البيان من جهة اخرى وهي كونه من دم المأكول أو غير المأكول،وعليه فاذا شك في صحة الصلاة فيه وعدم صحتها لم يجز التمسك باطلاق الرواية،لعدم كون إطلاقها ناظراً إلى هذه الناحية.
فالنتيجة: أ نّه لا إشكال في ذلك وأنّ المتكلم من أيّ جهة كان في مقام البيان جاز التمسك باطلاق كلامه من هذه الجهة وإن لم يكن في مقام البيان من الجهات الاُخرى.
ثمّ إنّه لا بدّ من بيان أمرين:الأوّل:ما هو المراد من كون المتكلم في مقام البيان.الثاني:فيما إذا شك في أ نّه في مقام البيان أم لا.
أمّا الأوّل: فليس المراد من كونه في مقام البيان [ كونه كذلك ] من جميع الجهات والنواحي،ضرورة أنّ مثل ذلك لعله لم يتفق في شيء [ من ] الآيات والروايات،ولو اتفق في مورد فهو نادر جداً.كما أ نّه ليس المراد من عدم كونه في مقام البيان أن لا يكون في مقام التفهيم أصلاً مثل ما إذا تكلم بلغة لا يفهم المخاطب منها شيئاً كما إذا تكلم العرب بلغةٍ الفرس مثلاً،بل المراد منه أن لا ينعقد لكلامه ظهور في الاطلاق كقول الطبيب للمريض:اشرب الدواء،فانّ المريض يفهم منه أ نّه لا بدّ له من شرب الدواء،ولكنّه ليس في مقام البيان بل في مقام الاهمال والاجمال،ولذا لا إطلاق لكلامه بحيث يكون كاشفاً عن مراده الجدي وكان حجةً على المخاطب فيحتج به عليه وبالعكس.
والحاصل:أنّ المراد من كونه في مقام البيان هو أ نّه يلقي كلامه على نحو
ينعقد له ظهور في الاطلاق ويكون حجةً على المخاطب على سبيل القاعدة.
ومن ذلك يظهر: أنّ التقييد بدليلٍ منفصل لا يضر بكونه في مقام البيان ولا يكشف عن عدمه،وإنّما يكشف عن أنّ المراد الجدي لا يكون مطابقاً للمراد الاستعمالي،وقد تقدم أ نّه قد يكون مطابقاً له وقد لا يكون مطابقاً له، ولا فرق في ذلك بين العموم الوضعي والعموم الاطلاقي،ولذا ذكرنا سابقاً 1أنّ التخصيص بدليل منفصل لا يكشف عن أنّ المتكلم ليس في مقام البيان،مثلاً قوله تعالى: «وَ أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ» 2في مقام البيان مع ورود التقييد عليه بدليل منفصل في غير مورد،وكذا الحال فيما إذا افترضنا أنّ للآية عموماً تدل عليه بالوضع.
وعلى الجملة:فلا فرق من هذه الناحية بين العموم والمطلق،فكما أنّ التخصيص بدليل منفصل لا يوجب سقوط العام عن قابلية التمسك به،فكذلك التقييد بدليل منفصل،ويترتب على ذلك:أنّ تقييد المطلق من جهةٍ لا يوجب سقوط إطلاقه من جهات اخرى إذا كان في مقام البيان من هذه الجهات أيضاً، فلا مانع من التمسك به من تلك الجهات إذا شك فيها،كما إذا افترضنا أنّ الآية في مقام البيان من جميع الجهات وقد ورد عليها التقييد بعدم كون البائع صبياً أو مجنوناً أو سفيهاً،وشك في ورود التقييد عليها من جهات اخرى،كما إذا شك في اعتبار الماضوية في الصيغة أو الموالاة بين الايجاب والقبول،فلا مانع من التسمك باطلاقها من هذه الجهات والحكم بعدم اعتبارها.
وأمّا الأمر الثاني: فالمعروف والمشهور بين الأصحاب هو استقرار بناء
العقلاء على حمل كلام المتكلم على كونه في مقام البيان إذا شك في ذلك،ومن هنا قالوا إنّ الأصل في كل كلام صادر عن متكلم هو كونه في مقام البيان، فعدم كونه في هذا المقام يحتاج إلى دليل.
ولكنّ الظاهر أ نّه غير تام مطلقاً،وذلك لأنّ الشك تارةً من جهة أنّ المتكلم كان في مقام اصل التشريع أو كان في مقام بيان تمام مراده،كما إذا شك في أنّ قوله تعالى: «وَ أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ» في مقام بيان أصل التشريع فحسب كما هو الحال في قوله تعالى: «وَ أَقِيمُوا الصَّلاٰةَ» 1أو في مقام بيان تمام المراد،ففي مثل ذلك لا مانع من التمسك بالاطلاق لقيام السيرة من العقلاء على ذلك الممضاة شرعاً.واُخرى يكون الشك من جهة سعة الارادة وضيقها،يعني أ نّا نعلم بأنّ لكلامه إطلاقاً من جهة ولكن نشك في إطلاقه من جهة اخرى،كما في قوله تعالى: «فَكُلُوا مِمّٰا أَمْسَكْنَ» 2حيث نعلم باطلاقه من جهة أنّ حلية أكله لا تحتاج إلى الذبح-سواء أكان إمساكه من محل الذبح أو من موضع آخر،كان إلى القبلة أو إلى غيرها-ولكن لا نعلم أ نّه في مقام البيان من جهة اخرى،وهي جهة طهارة محل الامساك ونجاسته،ففي مثل ذلك لا يمكن التمسك بالاطلاق كما عرفت،لعدم قيام السيرة على حمل كلامه في مقام البيان من هذه الجهة.
الثالث: أن لا يأتي المتكلم بقرينة لا متصلة ولا منفصلة وإلّا فلا يمكن التمسك باطلاق كلامه،لوضوح أنّ إطلاقه في مقام الاثبات إنّما يكشف عن الاطلاق في مقام الثبوت إذا لم ينصب قرينةً على الخلاف،وأمّا مع وجودها،
فان كانت متصلةً فهي مانعة عن أصل انعقاد الظهور،وإن كانت منفصلةً فالظهور وإن انعقد إلّاأ نّها تكشف عن أنّ الارادة الاستعمالية لا تطابق الارادة الجدية،وأمّا إذا لم يأت بقرينة كذلك فيثبت لكلامه إطلاق كاشف عن الاطلاق في مقام الثبوت،لتبعية مقام الاثبات لمقام الثبوت،ضرورة أنّ إطلاق الكلام أو تقييده في مقام الاثبات معلول لاطلاق الارادة أو تقييدها في مقام الواقع والثبوت.
وعلى الجملة:فالارادة التفهيمية هي العلة لابراز الكلام وإظهاره في مقام الاثبات،فانّ المتكلم إذا أراد تفهيم شيء يبرزه في الخارج بلفظ،فعندئذ إن لم ينصب قرينةً منفصلةً على الخلاف كشف ذلك عن أنّ الارادة التفهيمية مطابقة للارادة الجدية وإلّا لم تكن مطابقةً لها.
إلى هنا قد استطعنا أن نخرج بهذه النتيجة:وهي أنّ المتكلم إذا كان متمكناً من الاتيان بقيد وكان في مقام البيان ومع ذلك لم يأت بقرينة على الخلاف لا متصلةً ولا منفصلةً كشف ذلك عن الاطلاق في مقام الثبوت،وهذا مما قد قامت السيرة القطعية من العقلاء على ذلك الممضاة شرعاً،ولا نحتاج في التمسك بالاطلاق إلى أزيد من هذه المقدمات الثلاث،فهي قرينة عامة على إثبات الاطلاق،وأمّا القرائن الخاصة فهي تختلف باختلاف الموارد فلا ضابط لها.
الأوّل أنّ القدر المتيقن بحسب التخاطب هل يمنع عن التمسك بالاطلاق ؟ فيه وجهان.
ذكر المحقق صاحب الكفاية (قدس سره) 1أ نّه يمنع عنه.
وتفصيل الكلام في المقام:أ نّه يريد تارةً بالقدر المتيقن القدر المتيقن الخارجي،يعني أ نّه متيقن بحسب الارادة خارجاً من جهة القرائن،منها:
مناسبة الحكم والموضوع.
ومن الواضح أنّ مثل هذا المتيقن لا يمنع عن التمسك بالاطلاق،ضرورة أ نّه لا يخلو مطلق في الخارج عن ذلك إلّانادراً،فلو قال المولى:أكرم عالماً فانّ المتيقن منه هو العالم الهاشمي الورع التقي،إذ لا يحتمل أن يكون المراد منه غيره دونه،وأمّا احتمال أن يكون المراد منه ذلك دون غيره فهو موجود.ومن هذا القبيل قوله تعالى: «وَ أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ» 1فانّ القدر المتيقن منه هو البيع الموجود بالصيغة العربية الماضوية،إذ لا يحتمل أن يكون المراد منه غيره دونه.
واُخرى يريد به القدر المتيقن بحسب التخاطب،وهذا هو مراد صاحب الكفاية (قدس سره) دون الأوّل،وقد ادعى (قدس سره) منعه عن التمسك بالاطلاق.
ولكنّ الظاهر أ نّه لا يمكن المساعدة على هذه الدعوى،والسبب فيه:أنّ المراد بالقدر المتيقن بحسب التخاطب هو أن يفهم المخاطب من الكلام الملقى إليه أ نّه مراده جزماً،ومنشأ ذلك امور:عمدتها كونه واقعاً في مورد السؤال،مثلاً في موثقة ابن بكير«سأل زرارة أبا عبداللّٰه (عليه السلام) عن الصلاة في الثعالب والفنك والسنجاب وغيره من الوبر،فأخرج كتاباً زعم أ نّه إملاء رسول اللّٰه (صلّى اللّٰه عليه وآله) إنّ الصلاة في وبر كل شيء حرام أكله فالصلاة
في وبره وشعره وجلده وبوله وروثه وكل شيء منه فاسد،لا تقبل تلك الصلاة حتى يصلي في غيره مما أحلّ اللّٰه أكله» 1أنّ المتيقن بحسب التخاطب هو مورد السؤال،ضرورة احتمال أنّ الإمام (عليه السلام) أراد غير مورد السؤال دونه غير محتمل جزماً،وأمّا العكس فهو محتمل.ولكنّ الكلام إنّما هو في منعه عن التمسك بالاطلاق،والظاهر أ نّه غير مانع عنه،والسبب فيه:أنّ ظهور الكلام في الاطلاق قد انعقد ولا أثر له من هذه الناحية.
ومن الطبيعي أ نّه لا يجوز رفع اليد عن الاطلاق ما لم تقم قرينة على الخلاف،ولا قرينة في البين.أمّا القرينة المنفصلة فهي مفروضة العدم.وأمّا القرينة المتصلة فأيضاً كذلك بعد فرض أنّ القدر المتيقن المزبور لا يصلح أن يكون مانعاً عن انعقاد الظهور في الاطلاق.وعليه فلا مناص من التمسك به، وبما أنّ مقام الاثبات تابع لمقام الثبوت فالاطلاق في الأوّل كاشف عن الاطلاق في الثاني،ولذا لو سئل عن مجالسة شخص معيّن في الخارج واُجيب بعدم جواز مجالسة الفاسق،لم يحتمل بحسب الفهم العرفي اختصاصه بذاك الشخص المعيّن في الخارج،فلا محالة يعمّ غيره أيضاً.
فالنتيجة: أنّ حال هذا القدر المتيقن حال القدر المتيقن الخارجي،فكما أ نّه لا يمنع عن التمسك بالاطلاق فكذلك هذا،فلو كان هذا مانعاً عنه لكان ذاك أيضاً مانعاً فلا فرق بينهما من هذه الناحية أصلاً.
ثمّ إنّ الماهية تارةً تلحظ بالاضافة إلى أفراد يكون صدقها عليها بالتواطؤ والتساوي.واُخرى تلحظ بالاضافة إلى أفراد يكون صدقها عليها بالتشكيك، حيث قد برهن في محلّه استحالة التشكيك في الماهيات،ونقصد بالتشكيك والتواطؤ هنا التشكيك والتواطؤ بحسب المتفاهم العرفي وارتكازاتهم،وله
عوامل عديدة:
منها: علوّ مرتبة بعض أفراد الماهية على نحو يوجب انصرافها عنه عرفاً، ومن ذلك لفظ الحيوان فانّه موضوع لغةً لمطلق ما له الحياة فيكون معناه اللغوي جامعاً بين الانسان وغيره،إلّاأ نّه في الاطلاق العرفي ينصرف عن الانسان.
ومن هنا ذكرنا 1أنّ المتفاهم العرفي من مثل قوله (عليه السلام):«لا تصلّ فيما لا يؤكل لحمه»هو خصوص الحيوان في مقابل الانسان،فلا مانع من الصلاة في شعر الانسان ونحوه.وكيف كان فلا شبهة في هذا الانصراف بنظر العرف،ولايمكن التمسك بالاطلاق في مثل ذلك،لفرض أنّ الخصوصية المزبورة مانعة عن ظهور المطلق في الاطلاق وتكون بمنزلة القرينة المتصلة التي تمنع عن انعقاد ظهوره فيه.
ومنها: دنوّ مرتبة بعض أفرادها على نحو يكون صدقها عليه مورداً للشك كصدق الماء على ماء الكبريت أو ما شاكله،ففي مثل ذلك لا يمكن التمسك بالاطلاق أيضاً،وذلك لأنّ المعتبر في التمسك به هو أن يكون صدق المطلق على الفرد المشكوك فيه محرزاً،والشك إنّما كان من ناحية اخرى.وأمّا فيما إذا لم يكن أصل الصدق محرزاً فلا يمكن التمسك به،وما نحن فيه من هذا القبيل حيث إنّ أصل الصدق مشكوك فيه فلايمكن التمسك باطلاق لفظ الماء بالاضافة إلى ماء الكبريت أو نحوه،غاية الأمر أنّ الأوّل من قبيل احتفاف الكلام بالقرينة المتصلة،والثاني من قبيل احتفافه بما يصلح للقرينية،ولكنّهما يشتركان في نقطة واحدة،وهي المنع عن انعقاد ظهور المطلق في الاطلاق.
وأمّا الانصراف في غير هذين الموردين وما شاكلهما فلا يمنع عن التمسك بالاطلاق،فانّه لو كان فانّما هو بدوي فيزول بالتأمل،ومن ذلك الانصراف المستند إلى غلبة الوجود فانّه بدوي ولا أثر له،ولا يمنع عن التمسك بالاطلاق حيث إنّه يزول بالتأمل والتدبر.
[ الثاني:] التقييد هل يستلزم المجاز ؟ فيه وجهان.بناءً على ما اخترناه من أنّ الألفاظ وضعت بازاء الماهيات المهملة الجامعة بين جميع الخصوصيات الطارئة فهو لا يستلزم المجاز أصلاً،إذ على أساس هذه النظرية فالاطلاق والتقييد كلاهما خارجان عن حريم المعنى الموضوع له،فكل منهما مستفاد من القرينة،فالاطلاق مستفاد غالباً من قرينة الحكمة والتقييد من القرينة الخاصة، فاللفظ في كلتا الحالتين مستعمل في معناه الموضوع له.
نعم،استعماله في خصوص المقيد يكون مجازاً كما أنّ استعماله في خصوص المطلق يكون كذلك،فلا فرق بينهما من هذه الناحية.ولكن هذا الفرض خارج عن محل الكلام فانّ محل الكلام إنّما هو في أنّ تقييد المطلق بقيد هل يوجب المجاز فيه أم لا،وقد عرفت أ نّه لا يوجب ذلك،وأنّ التقييد مستفاد من دال آخر كما أنّ الاطلاق كذلك.
وأمّا بناءً على نظرية القدماء من أنّ الألفاظ موضوعة للماهية اللا بشرط القسمي،يعني أنّ الاطلاق والسريان مأخوذ في المعنى الموضوع له فلا بدّ من التفصيل بين القرينة المتصلة والقرينة المنفصلة،فانّ الاُولى تستلزم المجاز لا محالة،حيث إنّ الاطلاق والسريان لا يجتمع مع التقييد والتضييق.وأمّا الثانية فلا تستلزم ذلك لما ذكرناه في بحث العام والخاص 1من أ نّه لا مانع من أن
يكون المراد الاستعمالي من الكلام غير المراد الجدي،والمفروض أنّ الحقيقة والمجاز تدوران مدار الأوّل دون الثاني.
وعليه فلا مانع من أن يكون المراد الاستعمالي في المقام هو الاطلاق والسريان ضرباً للقاعدة،كما هو الحال في استعمال العام في العموم في موارد التخصيص بالمنفصل،والمراد الجدي هو التقييد والتضييق.فاذن يكون اللفظ مستعملاً في معناه الموضوع له،غاية الأمر أ نّه غير مراد جداً.
وعلى الجملة:فالتقييد بالمنفصل لا يكشف عن أنّ المطلق استعمل في المقيد، وإنّما يكشف عن أنّ الارادة الاستعمالية لا تطابق الارادة الجدية.
إذا ورد مطلق ومقيد فهل يحمل المطلق على المقيد أم لا ؟ فالكلام فيه يقع في موضعين:
الأوّل:أن يكون الحكم متعلقاً بالمطلق على نحو صرف الوجود كقول المولى:أعتق رقبةً.
الثاني:أن يكون الحكم متعلقاً به على [ نحو ] مطلق الوجود كقوله تعالى:
«وَ أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ»
1
حيث إنّ الحكم فيه ينحل بانحلال أفراد متعلقه دون الأوّل.
أمّا الموضع الأوّل: فالكلام فيه تارةً يقع في المقيد الذي يكون مخالفاً للمطلق في الحكم كقوله:أعتق رقبةً ولا تعتق رقبة كافرة،أو قوله:صلّ
ولا تصلّ فيما لا يؤكل لحمه أو في النجس أو نحو ذلك.واُخرى يقع في المقيد الذي يكون موافقاً له فيه كقوله:أعتق رقبةً وأعتق رقبةً مؤمنةً.وعلى الأوّل فقد تسالم الأصحاب فيه على حمل المطلق على المقيد،فيقيّد الرقبة في المثال الأوّل بغير الكافرة،والصلاة في المثال الثاني بغير الصلاة الواقعة فيما لا يؤكل أو في النجس.وعلى الثاني فقد اختلفوا فيه على قولين:أحدهما أ نّه يحمل المطلق على المقيد.وثانيهما:أ نّه يحمل المقيد على أفضل الأفراد.
ولكنّ الظاهر أ نّه لا وجه للفرق بين هذا القسم والقسم الأوّل فهما من وادٍ واحد،فلا وجه للاتفاق في الأوّل والاختلاف في الثاني أصلاً،فانّه إن حمل المطلق على المقيد في الأوّل ففي الثاني أيضاً كذلك،وإن حمل المقيد في الثاني على أفضل الأفراد برفع اليد عن ظهوره في الوجوب حمل المقيد في الأوّل على المرجوحية،حيث إنّ ظهور الأمر في جانب المقيد في الوجوب ليس بأقل من ظهور النهي في الحرمة،فما يقتضي رفع اليد عن ظهور الأمر في الوجوب وحمله على الرجحان يقتضي رفع اليد عن ظهور النهي في الحرمة وحمله على المرجوحية، وكيف كان فالملاك في القسمين واحد فلا وجه للتفرقة بينهما.
ثمّ إنّنا تارة نعلم من الخارج أنّ الحكم في موردي المطلق والمقيد واحد كما إذا قال المولى:إن ظاهرت فأعتق رقبةً،وإن ظاهرت فأعتق رقبةً مؤمنة، فنعلم أنّ الحكم واحد،حيث إنّ الظهار ليس إلّاسبباً لكفارة واحدة وليس موجباً لكفارتين،ففي مثل ذلك هل يحمل المطلق على المقيد أو يحمل المقيد على أفضل الأفراد ؟ ذهب جماعة إلى الأوّل بدعوى أنّ فيه جمعاً بين الدليلين وعملاً بهما دون العكس.
وفيه: أ نّه إن اريد به حصول الامتثال بالاتيان بالمقيد فهو مما لا إشكال فيه،فانّ الامتثال يحصل به على كل تقدير،أي سواء أكان واجباً أو كان من
أفضل الأفراد.وإن اريد أنّ الجمع بين الدليلين منحصر به،ففيه:أنّ الأمر ليس كذلك،فانّ الجمع بينهما كما يمكن بذلك يمكن بحمل المقيد على أفضل الأفراد،فلا وجه لترجيح الأوّل على الثاني.
ومن هنا ذكر المحقق صاحب الكفاية (قدس سره) 1وجهاً آخر لذلك:
وهو أنّ ظهور الأمر في طرف المقيد في الوجوب التعييني بما أ نّه أقوى من ظهور المطلق في الاطلاق فيقدّم عليه.
وفيه: أ نّه لا يتم على مسلكه (قدس سره) حيث إنّه قد صرّح في بحث الأوامر 2أنّ صيغة الأمر لم توضع للدلالة على الوجوب التعييني،بل هو مستفاد من الاطلاق ومقدمات الحكمة،وعليه فلا فرق بين الظهورين،فلا يكون ظهور الأمر في الوجوب التعييني أقوى من ظهور المطلق في الاطلاق.
فالصحيح في المقام أن يقال:إنّ الأمر بالمقيّد بما أ نّه ظاهر في الوجوب على ما حققناه في محلّه من ظهور صيغة الأمر في الوجوب ما لم تقم قرينة على الترخيص،فيقدّم على ظهور المطلق في الاطلاق،حيث إنّ ظهوره فيه يتوقف على البيان وهو يصلح أن يكون بياناً له عرفاً.
ومن الواضح أنّ في كل مورد يدور الأمر بين رفع اليد عن ظهور القرينة ورفع اليد عن ظهور ذيها،يتعين الثاني بنظر العرف،وعليه فيكون ظهور الأمر بالمقيد في الوجوب مانعاً عن ظهور المطلق في الاطلاق.ونقصد بظهوره الظهور الكاشف عن المراد الجدي،فانّه يتوقف على عدم البيان المنفصل،دون أصل ظهوره حيث إنّه لا يتوقف عليه وإنّما يتوقف على عدم البيان المتصل.
وعلى الجملة:فلا يشك بحسب المتفاهم العرفي وارتكازاتهم في تقديم ظهور المقيد على ظهور المطلق،سواء أكان في كلام منفصل أو متصل،غاية الأمر أ نّه على الأوّل يمنع عن حجية الظهور وكاشفيته عن المراد الجدي،وعلى الثاني يمنع عن أصل انعقاد الظهور له فلا تكون بينهما معارضة أبداً.هذا فيما إذا علم وحدة التكليف من الخارج.
وأمّا إذا احتمل تعدد التكليف حسب تعددهما فالمحتملات فيه أربعة:
الأوّل: أن يحمل المطلق على المقيد.
الثاني: أن يحمل المقيد على أفضل الأفراد.
الثالث: لا هذا ولا ذاك،فيبنى على تعدد التكليف لكن من قبيل واجب في واجب آخر،وهذا يعني أنّ عتق الرقبة واجب على نحو الاطلاق وخصوصية كونها مؤمنةً أيضاً واجبة،نظير ما لو نذر المكلف الاتيان بالصلاة في المسجد أو في الجماعة أو في الحرم الشريف أو ما شاكل ذلك،فانّ طبيعي الصلاة واجب على نحو الاطلاق وأينما سرى،وخصوصية كونها في المسجد أو في الجماعة واجبة أيضاً،فيكون من قبيل الواجب في الواجب.وقد اختار بعض الفقهاء هذا الوجه في الأغسال الثلاثة للميت حيث قال:إنّ طبيعي الغسل بالماء واجب أينما سرى،وخصوصية كونه بالكافور واجب آخر،وكذا خصوصية كونه بماء السدر،ويترتب على ذلك أنّ المكلف إذا أتى بالصلاة في غير المسجد مثلاً سقط الأمر الثاني أيضاً بسقوط موضوعه ولا مجال له بعد ذلك،غاية الأمر أ نّه قد خالف نذره،ويترتب على مخالفته استحقاق العقاب من ناحية، ولزوم الكفارة من ناحية اخرى.
الرابع: أن يكون كل من المطلق والمقيد واجباً مستقلاً،نظير ما إذا أمر
المولى بالاتيان بالماء على نحو الاطلاق وكان غرضه منه غسل الثوب به،ومن المعلوم أ نّه لا فرق في كونه ماءً حاراً أو بارداً أو ما شاكل ذلك،ثمّ أمر بالاتيان بالماء البارد لأجل الشرب،فلا شبهة في أ نّهما واجبان مستقلان.هذا بحسب مقام الثبوت.
وأمّا بحسب مقام الاثبات فالاحتمال الثاني من هذه المحتملات خلاف الظاهر جداً فلا يمكن الأخذ به،لما عرفت من ظهور الأمر في الوجوب وحمله على الندب خلاف هذا الظهور فيحتاج إلى دليل،ولا دليل في المقام عليه وبدونه فلا يمكن.
وأمّا الاحتمال الثالث:فالظاهر أنّ المقام ليس من هذا القبيل،أي من قبيل الواجب في الواجب كما هو الحال في مورد النذر أو العهد أو الشرط في ضمن العقد المتعلق بحصة خاصة من الواجب،والوجه في ذلك:هو أنّ الأوامر المتعلقة بالقيودات والخصوصيات في باب العبادات والمعاملات ظاهرة في الارشاد إلى الجزئية أو الشرطية،وليست ظاهرةً في المولوية وإن كانت بأنفسها كذلك،إلّاأنّ لخصوصية في المقام تنقلب ظهورها من المولوية إلى الارشاد،كما أنّ النواهي المتعلقة بها ظاهرة في الارشاد إلى المانعية من جهة تلك الخصوصية.
ومن هنا يكون المتفاهم العرفي من مثل قوله (عليه السلام):«لا تصلّ فيما لا يؤكل لحمه» 1هو الارشاد إلى مانعية لبسه في الصلاة،وكذا الحال في المعاملات مثل قوله«نهى النبي (صلّى اللّٰه عليه وآله وسلّم) عن بيع الغرر» 2
فانّه ظاهر في الارشاد إلى مانعية الغرر عن البيع.هذا مضافاً إلى أنّ الأمر في أمثال هذه الموارد قد تعلق بالتقييد لا بالقيد،فصَرف الأمر عنه إليه خلاف الظاهر جداً.
وأمّا الاحتمال الرابع:فهو يتصور على نحوين:أحدهما أن يسقط كلا التكليفين معاً بالاتيان بالمقيد.وثانيهما:عدم سقوط التكليف بالمطلق بالاتيان بالمقيد بل لا بدّ من الاتيان به أيضاً.
أمّا الأوّل: فيكون المقام نظير ما ذكرناه سابقاً من أ نّه لو كان بين متعلقي التكليفين عموم من وجه كعنوان العالم وعنوان الهاشمي سقط كلا التكليفين بامتثال المجمع-وهو إكرام العالم الهاشمي-حيث إنّ هذا مقتضى إطلاق دليل كل منهما،وما نحن فيه من هذا القبيل،يعني أنّ المقيّد مجمع لكلا العنوانين فيسقط كلا التكليفين باتيانه.
وغير خفي أنّ هذا بحسب مقام الثبوت وإن كان أمراً ممكناً،إلّاأ نّه لا يمكن الأخذ به في مقام الاثبات،وذلك لأنّ الاتيان بالمقيد إذا كان موجباً لسقوط الأمر عن المطلق أيضاً فلا محالة يكون الأمر به لغواً محضاً،حيث إنّ الاتيان بالمقيد مما لا بدّ منه،ومعه يكون الأمر بالمطلق لغواً وعبثاً.ولا يقاس هذا بما ذكرناه من المثال،فانّ إطلاق الأمر فيه بكل من الدليلين لا يكون لغواً أبداً، لفرض أنّ لكل منهما مادة الافتراق بالاضافة إلى الآخر.
وعلى الجملة:فلا بدّ حينئذ من تقييد الأمر بالمطلق بالاتيان به في ضمن غير المقيد مع الترخيص في تركه بالاتيان بالمقيد ابتداءً،ومردّ ذلك إلى أنّ المكلف مخيّر بين الاتيان بالمقيد ابتداءً ليسقط كلا التكليفين معاً،وبين الاتيان بالمطلق في ضمن حصة اخرى أوّلاً ثمّ بالمقيد،وهذا يعني أنّ المكلف لو أتى
بالمطلق فلا بدّ من الاتيان به في ضمن حصة اخرى.
ولكن من الواضح أنّ ذلك يستلزم خلاف الظاهر من جهتين:الاُولى:أنّ التقييد المذكور خلاف الظاهر جداً فيحتاج إلى قرينة.الثانية:أنّ حمل الأمر في طرف المطلق على التخيير خلاف الظاهر فلا يمكن الأخذ به بدون قرينة.
وإن شئت قلت:إنّ هذا التخيير نتيجة التقييد المزبور،فانّه مضافاً إلى أ نّه بنفسه خلاف الظاهر يستلزم خلاف الظاهر من هذه الناحية أيضاً،ولأجل ذلك لا يمكن الأخذ به.
وأمّا الثاني: وهو ما إذا لم يسقط التكليف بالمطلق بالاتيان بالمقيد،فأيضاً لا يمكن المساعدة عليه،وذلك لأنّه لا بدّ حينئذ من تقييد الأمر بالمطلق بغير هذه الحصة،وإلّا فلا موجب لعدم سقوطه بالاتيان بالمقيد بعد فرض انطباقه عليه انطباق الطبيعي على حصته.ومن المعلوم أنّ التقييد خلاف الظاهر فيحتاج إلى قرينة،ولا قرينة في المقام على ذلك وبدونها فلا يمكن.
فالنتيجة:أ نّه لا يمكن الأخذ بشيء من هذه الوجوه الثلاثة فيتعين حينئذ الوجه الأوّل،وهو حمل المطلق على المقيد.
إلى هنا قد استطعنا أن نخرج بهذه النتيجة:وهي أ نّه إذا علم من الخارج تعدد التكليف فالمتعيّن هو الوجه الرابع،وأمّا إذا لم يعلم تعدده وإن احتمل فالمتعيّن هو الوجه الأوّل،لما عرفت من عدم مساعدة الدليل على بقية الوجوه، هذا تمام الكلام في الموضع الأوّل.
وأمّا الموضع الثاني: وهو ما إذا كان الحكم متعلقاً بمطلق الوجود يعني أنّ الحكم يكون انحلالياً كما في قوله تعالى: «وَ أَحَلَّ اللّٰهُ الْبَيْعَ» 1و «تِجٰارَةً عَنْ
تَرٰاضٍ»
1
وما شاكل ذلك،فيقع الكلام فيه تارةً فيما إذا كان دليل المقيد مخالفاً له في الايجاب والسلب،واُخرى يكون موافقاً له في ذلك.
أمّا على الأوّل:فلا شبهة في تقييد المطلق به،ومن هنا قد قيّد إطلاق الآية بغير موارد البيع الغرري وبيع الخمر وبيع الخنزير والبيع الربوي وما شاكل ذلك،وأمثلة هذا في الآيات والروايات كثيرة ولا كلام ولا خلاف في ذلك.
وأمّا على الثاني:فالمعروف والمشهور بينهم أ نّه لا موجب لحمل المطلق على المقيد،لعدم التنافي بينهما،فالمقيد فيه يحمل على أفضل الأفراد.ولكن هذا إنّما يتم فيما إذا لم نقل بدلالة الوصف على المفهوم بالمعنى الذي تقدم في محلّه،وأمّا إذا قلنا بها كما هو الظاهر فلا يتم،بيان ذلك:أنّ القيد تارةً يقع في كلام السائل من جهة توهمه أنّ فيه خصوصية تمنع عن شمول الحكم له،كما إذا افترض أ نّه توهم أنّ الاطلاقات الدالة على طهورية الماء لا تشمل ماء البحر من جهة أنّ فيه خصوصية-وهي ملاحته-يمتاز بها عن غيره من المياه،فلأجل ذلك سأل الإمام (عليه السلام) عن طهوريته فأجاب (عليه السلام) بأ نّه طاهر، ففي مثل ذلك لا شبهة في عدم دلالته على المفهوم.وكذا إذا أتى الإمام (عليه السلام) بقيد في كلامه لرفع توهم السائل أنّ فيه خصوصية يمتاز بها عن غيره، بأن قال (عليه السلام):ماء البحر طاهر.
وأمّا إذا لم تكن قرينة على أنّ الاتيان بالقيد لأجل رفع التوهم،ففي مثل ذلك لا مانع من الالتزام بالمفهوم،وقد ذكرنا في بحث مفهوم الوصف أ نّه ظاهر فيه وإلّا لكان الاتيان به لغواً محضاً،كما أ نّا ذكرنا هناك أنّ المراد بالمفهوم هو
دلالته على أنّ الحكم في القضية غير ثابت للطبيعي على نحو الاطلاق وإلّا لكان وجود القيد وعدمه سيّان،وليس المراد منه دلالته على نفي الحكم عن غير مورده كما هو الحال في مفهوم الشرط،وقد تقدم تمام هذه البحوث بشكل موسّع هناك 1فلاحظ،وعلى أساس ذلك فلا مناص من حمل المطلق على المقيد هنا أيضاً.
فالنتيجة: أ نّه لا فرق في لزوم حمل المطلق على المقيد بين ما إذا كان التكليف في طرف المطلق متعلقاً بصِرف وجوده أو بمطلق وجوده،فلا وجه لما عن المشهور من التفصيل بينهما،وعلى ذلك تترتب ثمرة فقهية في بعض الفروع.
بقي الكلام في الفرق بين المستحبات والواجبات حيث إنّ المشهور بين الأصحاب تخصيص حمل المطلق على المقيد بالواجبات دون المستحبات،فالكلام إنّما هو في الفارق بينهما،فانّ دليل المقيد إذا كان قرينة عرفية على التقييد فلماذا لا يكون كذلك في المستحبات،وإن لم يكن كذلك فلماذا يحمل المطلق على المقيد في الواجبات،ومن هنا ذكر في وجه ذلك وجوه:
أحدها: ما عن المحقق صاحب الكفاية (قدس سره) 2من أنّ الفارق بين الواجبات والمستحبات في ذلك هو تفاوت المستحبات غالباً من حيث المراتب، بمعنى أنّ غالب المستحبات تتعدد بتعدد مراتبها من القوّة والضعف على عرضهما العريض،وهذه الغلبة قرينة على حمل المقيد على الأفضل والقوي من الأفراد.
ويرد عليه: أنّ مجرد الغلبة لا يوجب ذلك بعد ما افترض أنّ دليل المقيد قرينة عرفية على تعيين المراد من المطلق،ضرورة أنّ الغلبة ليست على نحو تمنع عن ظهور دليل المقيد في ذلك.
ومن هنا ذكر (قدس سره) 1وغيره أنّ غلبة استعمال الأمر في الندب لا تمنع عن ظهوره في الوجوب عند الاطلاق ورفع اليد عنه.والحاصل:أنّ الظهور متبع ما لم تقم قرينة على خلافه،ولا قرينة في المقام على خلاف ظهور دليل المقيد في تعيين المراد من المطلق،والغلبة لا تصلح أن تكون قرينةً على ذلك.
ثانيها: أيضاً ما ذكره (قدس سره) وحاصله:هو أنّ ثبوت استحباب المطلق إنّما هو من ناحية قاعدة التسامح في أدلة السنن،فانّ عدم رفع اليد عن دليل استحباب المطلق بعد مجيء المقيد وحمله على تأكد استحبابه من التسامح فيها.
ويرد عليه وجوه:الأوّل:أنّ دليل المقيد إذا كان قرينة عرفاً للتصرف في المطلق وحمله على المقيد لم يصدق عنوان البلوغ على المطلق حتى يكون مشمولاً لتلك القاعدة،فان دليل المقيد إذا كان متصلاً به منع عن أصل انعقاد الظهور له في الاطلاق،وإن كان منفصلاً عنه منع عن كشف ظهوره في الاطلاق عن المراد الجدي،وعلى كلا التقديرين لا يصدق عليه عنوان البلوغ.
الثاني:أ نّا قد ذكرنا في محلّه 2أنّ مفاد تلك القاعدة ليس هو استحباب العمل البالغ عليه الثواب،بل مفادها هو الارشاد إلى ما استقل به العقل من حسن الاتيان به برجاء إدراك الواقع.
الثالث:أ نّا لو سلّمنا أنّ مفادها هو استحباب العمل شرعاً إلّاأ نّه حينئذ لا موجب لكون المقيد من أفضل الأفراد،حيث إنّ استحبابه ثبت بدليل واستحباب المطلق ثبت بدليل آخر أجنبي عنه،فاذن ما هو الموجب لصيرورة
المقيد أفضل من المطلق.
ثالثها وهو الصحيح:أنّ الدليل الدال على التقييد يتصور على وجوه أربعة لا خامس لها:
الأوّل: أن يكون ذا مفهوم،بمعنى أن يكون لسانه لسان القضية الشرطية، كما إذا افترض أ نّه ورد في دليل أنّ صلاة الليل مستحبة وهي إحدى عشرة ركعة،وورد في دليل آخر أنّ استحبابها فيما إذا كان المكلف آتياً بها بعد نصف الليل،ففي مثل ذلك لا مناص من حمل المطلق على المقيد عرفاً،نظراً إلى أنّ دليل المقيد ينفي الاستحباب في غير هذا الوقت من جهة دلالته على المفهوم.
الثاني: أن يكون دليل المقيد مخالفاً لدليل المطلق في الحكم،فاذا دلّ دليل على استحباب الاقامة مثلاً في الصلاة ثمّ ورد في دليل آخر النهي عنها في مواضع كالاقامة في حال الحدث أو حال الجلوس أو ما شاكل ذلك،ففي مثل ذلك لا مناص من حمل المطلق على المقيد،والوجه فيه:ما ذكرناه غير مرّة من أنّ النواهي الواردة في باب العبادات والمعاملات ظاهرة في الارشاد إلى المانعية،وأنّ الحدث أو الجلوس مانع عن الاقامة المأمور بها،ومرجع ذلك إلى أنّ عدمه مأخوذ فيها فلا تكون الاقامة في حال الحدث أو الجلوس مأموراً بها.
الثالث: أن يكون الأمر في دليل المقيد متعلقاً بنفس التقييد لا بالقيد كما إذا افترض أ نّه ورد في دليل أنّ الاقامة في الصلاة مستحبة،وورد في دليل آخر فلتكن في حال القيام أو في حال الطهارة،فالكلام فيه هو الكلام في القسم الثاني حيث إنّ الأمر في قوله:فلتكن،ظاهر في الارشاد إلى شرطية الطهارة أو القيام لها،ولا فرق من هذه الناحية بين كون الاقامة مستحبة أو واجبة،فما هو المشهور من أ نّه لا يحمل المطلق على المقيد في باب المستحبات لا أصل له في
الأقسام المتقدمة.
الرابع: أن يتعلق الأمر في دليل المقيد بالقيد بما هو كما هو الغالب في باب المستحبات،مثلاً ورد في استحباب زيارة الحسين (عليه السلام) مطلقات وورد في دليل آخر استحباب زيارته (عليه السلام) في أوقات خاصة كليالي الجمعة وأوّل ونصف رجب،ونصف شعبان،وليالي القدر وهكذا،ففي مثل ذلك هل يحمل المطلق على المقيد ؟
الظاهر أ نّه لا يحمل عليه،والسبب فيه:أنّ الموجب لحمل المطلق على المقيد في الواجبات هو التنافي بين دليل المطلق والمقيد،حيث إنّ مقتضى إطلاق المطلق ترخيص المكلف في تطبيقه على أيّ فرد من أفراده شاء في مقام الامتثال،وهو لا يجتمع مع كونه ملزماً بالاتيان بالمقيد،وهذا بخلاف ما إذا كان دليل التقييد استحبابياً فانّه لا ينافي إطلاق المطلق أصلاً،لفرض عدم إلزام المكلف بالاتيان به،بل هو مرخّص في تركه،فاذا لم يكن تنافٍ بينهما فلا موجب لحمل المطلق على المقيد،بل لا بدّ من حمله على تأكد الاستحباب وكونه الأفضل،وهذا هو الفارق بين الواجبات والمستحبات.
ومن هنا يظهر أنّ دليل المطلق إذا كان متكفلاً لحكم إلزامي دون دليل المقيد فلا بدّ من حمله على أفضل الأفراد أيضاً بعين الملاك المزبور.فالنتيجة:أنّ دليل المقيد إذا كان متكفلاً لحكم غير إلزامي فلا بدّ من حمله على الأفضل،سواء أكان دليل المطلق أيضاً كذلك أو كان متكفلاً لحكم إلزامي،والسر فيه ما عرفت من عدم التنافي بينهما أبداً.
بقي هنا شيئان:
أحدهما: أنّ الاطلاق في مقام الاثبات يكشف عن الاطلاق في مقام الثبوت،
والتقييد فيه يكشف عن التقييد في ذلك،لتبعية مقام الاثبات لمقام الثبوت،فلو أمر المولى باكرام العالم ولم يقيده بالعدالة أو الهاشمية أو ما شاكل ذلك من القيود وكان في مقام البيان فالاطلاق في هذا المقام يكشف عن الاطلاق في مقام الثبوت والواقع،وأمّا إذا قيّده بالعدالة فهو يكشف عن التقييد في مقام الثبوت.
ولكن ربّما ينعكس الأمر فالاطلاق في مقام الاثبات يكشف عن الضيق في مقام الثبوت دون الاطلاق والسعة،وذلك كما في إطلاق صيغة الأمر حيث إنّه في مقام الاثبات يكشف عن أنّ الواجب في مقام الثبوت والواقع نفسي لا غيري،وتعييني لا تخييري،وعيني لا كفائي،كل ذلك ضيق على المكلف،فلو أمر المولى بغسل الجنابة فإن كان مطلقاً في مقام الاثبات ولم يكن الأمر به مقيداً بايجاب شيء آخر على المكلف،كشف ذلك عن كونه واجباً نفسياً في مقام الثبوت وهو ضيق على المكلف.وإن كان الأمر به مقيداً بهذا كشف ذلك عن كونه واجباً غيرياً وهو سعة بالاضافة إليه.وكذا الحال بالنسبة إلى الواجب التعييني والتخييري والعيني والكفائي،فانّ الاطلاق في مقام الاثبات يكشف عن الضيق في مقام الثبوت والتقييد فيه يكشف عن الاطلاق والسعة فيه.
وثانيهما: أ نّا قد ذكرنا غير مرّة أنّ الاطلاق عبارة عن رفض القيود وعدم دخل شيء منها فيه،ونتيجته تختلف باختلاف خصوصيات الموارد والمقامات، فقد تكون نتيجته في مورد تعلق الحكم بصرف الوجود،وقد يكون تعلق الحكم بمطلق الوجود،وقد يكون غير ذلك،وقد تقدم تفصيل ذلك بصورة موسعة في مبحث النواهي 1فلاحظ.
لا يخفى أنّ المجمل والمبيّن هنا كالمطلق والمقيّد والعام والخاص مستعملان في معناهما اللغوي،وليس للاُصوليين فيهما اصطلاح خاص،فالمجمل اسم لما يكون معناه مشتبهاً وغير ظاهر فيه،والمبيّن اسم لما يكون معناه واضحاً وغير مشتبه.
ثمّ إنّ المجمل تارةً يكون حقيقياً واُخرى يكون حكمياً.ونقصد بالأوّل ما كان اللفظ غير ظاهر في المراد الاستعمالي،ونقصد بالثاني ما يكون إجماله حكمياً لا حقيقياً،بمعنى أ نّه ظاهر في المراد الاستعمالي ولكنّ المراد الجدي منه غير معلوم.
والأوّل لا يخلو من أن يكون إجماله بالذات كاللفظ المشترك،أو بالعرض كالكلام المحفوف بما يصلح للقرينية فانّه يوجب إجماله وعدم انعقاد الظهور له.
والثاني كالعام المخصص بدليل منفصل يدور أمره بين متباينين كما إذا ورد أكرم كل عالم ثمّ ورد في دليل آخر لا تكرم زيداً العالم وفرضنا أنّ زيداً العالم في الخارج مردد بين شخصين:زيد بن خالد،وزيد بن عمرو مثلاً،فيكون المخصص من هذه الناحية مجملاً فيسري إجماله إلى العام حكماً لا حقيقةً، لفرض أنّ ظهوره في العموم قد انعقد فلا إجمال ولا اشتباه فيه،وإنّما الاجمال والاشتباه في المراد الجدي منه،ولأجل ذلك يعامل معه معاملة المجمل،هذا من ناحية.
ومن ناحية اخرى:أنّ الاجمال والبيان من الاُمور الواقعية فالعبرة بهما إنّما
هي بنظر العرف،فكل لفظ كان ظاهراً في معناه وكاشفاً عنه عندهم فهو مبيّن، وكل لفظ لا يكون كذلك-سواء أكان بالذات أو بالعرض-فهو مجمل فلا واسطة بينهما.
ومن هنا يظهر أنّ ما أفاده المحقق صاحب الكفاية (قدس سره) 1من أ نّهما من الاُمور الاضافية وليسا من الاُمور الواقعية بدعوى أنّ لفظاً واحداً مجمل عند شخص لجهله بمعناه ومبيّن عند آخر لعلمه به خاطئ جداً، وذلك لأنّ الجهل بالوضع والعلم به لا يوجبان الاختلاف في معنى الاجمال والبيان،فجهل شخص بمعنى لفظٍ وعدم علمه بوضعه له لا يوجب كونه من المجمل وإلّا لزم أن تكون اللغات العربية مجملةً عند الفرس وبالعكس،مع أنّ الأمر ليس كذلك.
نعم،قد يقع الاختلاف في إجمال لفظٍ فيدعي أحد أ نّه مجمل ويدعي الآخر أ نّه مبيّن،ولكن هذا الاختلاف إنّما هو في مقام الاثبات،وهو بنفسه شاهد على أ نّهما من الاُمور الواقعية وإلّا فلا معنى لوقوع النزاع والخلاف بينهما لو كانا من الاُمور الاضافية التي تختلف باختلاف أنظار الأشخاص،نظير الاختلاف في بقية الاُمور الواقعية فيدعي أحد أنّ زيداً مثلاً عالم ويدعي الآخر أ نّه جاهل،مع أنّ العلم والجهل من الاُمور الواقعية النفس الأمرية.
ومن ناحية ثالثة:أ نّه يقع الكلام في عدّة من الألفاظ المفردة والمركبة في أبواب الفقه أ نّها مجملة أو مبيّنة.والاُولى كلفظ الصعيد ولفظ الكعب ولفظ الغناء وما شاكل ذلك.والثانية مثل«لا صلاة إلّابطهور» 2أو«لا صلاة لمن لم
يقم صلبه» 1وما شابه ذلك.ومنها:الأحكام التكليفية المتعلقة بالأعيان الخارجية كقوله تعالى: «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهٰاتُكُمْ» 2ونحوه،وبما أ نّه لا ضابط كلّي لتمييز المجمل عن المبيّن في هذه الموارد،فلا بدّ من الرجوع في كل مورد إلى فهم العرف فيه،فإن كان هناك ظهور عرفي فهو وإلّا فيرجع إلى القواعد والاُصول وهي تختلف باختلاف الموارد.
هذا آخر ما أوردناه في هذا الجزء وهو الجزء الخامس 3من مباحث الألفاظ،وقد تمّ بعون اللّٰه تعالى وتوفيقه.
فهرس الموضوعات
الموضوع الصفحة
أدلة جواز اجتماع الأمر و النهي 1
1-الاستدلال على الجواز بالعبادات المكروهة 1
الجواب الاجمالي لصاحب الكفاية عن ذلك 2
الجواب التفصيلي لصاحب الكفاية عن ذلك 4
انقسام العبادات المكروهة إلى أقسام ثلاثة 4
القسم الأوّل:ما تعلق به النهي بعنوانه و لا بدل له 5
القسم الثاني:ما إذا كان للعبادة المنهي عنها بدل 21
القسم الثالث:ما تعلق النهي به لا بذاته بل بما هو مجامع معه وجودا 25
2-الاستدلال بمثال الخياطة في المكان المنهي عنه 26
3-الدليل الذي ذكره المحقق القمي 27
الاضطرار إلى ارتكاب الحرام 32
أقسام الاضطرار إلى ترك الحرام 32
1-الاضطرار إلى الحرام بغير اختيار المكلف 33
حكم الفعل المضطر إليه 33
بيان ما هو المستفاد من تعلق النهي بعبادة أو معاملة 38
العبادة مع الاضطرار إلى الحرام غير المتحد معها 38
العبادة مع الاضطرار إلى الحرام المتحد معها 41
تبعية الدلالة الالتزامية للدلالة المطابقية في الحجية 43
أقسام النهي المتعلق بالعبادة في كلام النائيني(قدس سره)45
تفرع دلالة النهي على التقييد على الدلالة على الحرمة 52
الاشكال في صحة العبادة بوجود ملاك الحرام في مورد الاضطرار 53
حكم الصلاة في الأرض المغصوبة عند الاضطرار مع عدم مندوحة 55
هل الركوع و السجود تصرف زائد في المكان المغصوب؟55
تفصيل النائيني بين حكم العقل و العرف 55
اختيار صاحب الجواهر صحة الصلاة في المغصوب في فرض المسألة 59
حكم الصلاة في الغصب عند الاضطرار مع المندوحة 60
وجوب التخلص عن الغصب عند ارتفاع الاضطرار 60
الصلاة حال الخروج من الغصب 63
2-الاضطرار إلى الحرام بسوء الاختيار 68
الأقوال في حكم الخروج من الغصب 69
حكم الصلاة حال الخروج من الغصب 103
بقي هنا امور 109
مرجحات الحرمة على القول بالامتناع 109
تقدم الاطلاق الشمولي على البدلي 110
قاعدة أولوية دفع المفسدة من جلب المصحلة 115
الكلام في صحة الصلاة في مورد الاجتماع على الامتناع و عدم ثبوت ترجيح 121
لحوق تعدد الاضافات بتعدد العناوين في الدخول في النزاع 126
النهي في العبادات 134
1-الفرق بين هذه المسألة و مسألة اجتماع الأمر و النهي 134
2-كون هذه المسألة من المسائل الاصولية العقلية 134
3-اختصاص محل النزاع بالنواهي المولوية لا الارشادية 135
4-الكلام في دخول النهي التنزيهي و الغيري في محل النزاع 136
5-المراد بالعبادة في عنوان النزاع 138
6-في أنّ الصحة و الفساد واقعيان أم مجعولان 139
7-أقسام تعلق النهي بالعبادة 146
دلالة النهي عن ذات العبادة على فسادها 147
كلام صاحب الكفاية في النهي المتعلق بجزء العبادة 148
إيراد المحقق النائيني على صاحب الكفاية 149
كلام الآخوند و النائيني في النهي عن شرط العبادة 154
حكم النهي المتعلق بوصف العبادة 159
8-مقتضى الأصل في المقام 160
إجراء الأصل في المسألة الاصولية 160
إجراء الأصل في المسألة الفرعية 161
أصالة الفساد في العبادات و المعاملات 161
الكلام حول الروايات الواردة في عدم نفوذ نكاح العبد بدون إذن سيّده 182
مبحث المفاهيم
معنى المفهوم و المنطوق 192
الفرق بين الملازمة هنا و الملازمة في الاستلزامات العقلية 193
اصولية بحث المفاهيم 196
في أنّ النزاع في المفاهيم صغروي لا كبروي 197
مفهوم الشرط 198
توقف ثبوت المفهوم للشرط على إثبات امور أربعة 198
دلالة الجملة الشرطية على المفهوم إطلاقا 204
التمسك باطلاق الشرط لاثبات المفهوم 205
ثبوت المفهوم للشرط على مختار المصنف في بابي الاخبار و الانشاء 211
تنبيهات في المقام 224
1-كون المفهوم عبارة عن انتفاء سنخ الحكم 224
ليس انتفاء الحكم عن غير مورد الوصية و الاقرار و الوقف من المفهوم 224
تفصيل الأنصاري بين استفادة حكم الجزاء من المادة أو الهيئة 226
2-عموم النزاع لما كان الشرط واحدا أو متعددا 227
3-ثبوت المفهوم جزئيا مع كون الحكم في الجزاء انحلاليا 228
4-إذا تعدد الشرط و اتحد الجزاء 239
الأقوال في كيفية الجمع في مثل مسألة خفاء الأذان و الجدران 239
الاشارة إلى قاعدة الواحد لا يصدر إلاّ من واحد 242
5-تداخل الأسباب و المسببات 252
اختصاص محل النزاع بعدم وجود دليل على التداخل 253
الأصل العملي عند الشك في التداخل 254
اختصاص محل النزاع بما إذا كان الجزاء قابلا للتكرار 255
القول بابتناء التداخل على القول بمعرفية العلل الشرعية 256
اختصاص محل النزاع بما إذا كان الشرط قابلا للتكرار 259
مفهوم الوصف 272
اختصاص محل النزاع بالوصف المعتمد على موصوفه 272
خروج اللقب عن محل النزاع 272
انقسام الوصف إلى المساوي و الأعم و الأخص من موصوفه 273
ما استدل به على ثبوت المفهوم للوصف 275
الصحيح هو التفصيل في مفهوم الوصف 278
مفهوم الغاية 281
الاختلاف في دخول الغاية في حكم المغيى و عدمه 281
انقسام الغاية إلى غاية الموضوع و المتعلق و الحكم 283
ثبوت المفهوم للغاية 283
هل الغاية في مقام الاثبات ترجع للموضوع أو المتعلق أو الحكم؟284
مفهوم الحصر 286
دلالة«إلاّ»على الحصر 286
دلالة«إنّما»على الحصر 287
استعمال«إنّّما»لقصر الصفة على الموصوف و بالعكس 287
إنكار الرازي دلالة«إنّما»على الحصر 288
دلالة كلمة التوحيد على الحصر 294
مفهوم العدد 298
العام و الخاص
معنى العموم لغة و عرفا 299
الفرق بين العام و المطلق الشمولي 299
انقسام العموم إلى الاستغرافي و المجموعي و البدلي 299
منشأ انقسام العموم إلى الأقسام الثلاثة 300
عدم كون العشرة و أمثالها من العدد من ألفاظ العموم 301
صيغ العموم 303
كيفية دلالة النكرة في سياق النفي أو النهي على العموم 305
كيفية دلالة«كل»و الجمع المحلى باللام على العموم 305
التمسك بالعام بعد ورود التخصيص 311
التمسك بالعام في الشبهات الحكمية 312
نسبة عدم جواز التمسك بالعام بعد التخصيص إلى العامة 312
ما قيل في دفع شبهة إجمال العام بعد التخصيص بالمنفصل 314
جواب المحقق النائيني عن الشبهة 314
جواب آخر عن الشبهة 324
جواب ثالث عن الشبهة 325
جواب الشيخ الأنصاري عن الشبهة 326
التمسك بالعام في الشبهة المفهومية 330
إجمال المخصص من جهة دورانه بين الأقل و الأكثر 331
إجمال المخصص من جهة دورانه بين المتباينين 333
التمسك بالعام في الشبهات المصداقية مع اتصال المخصص 334
التمسك بالعام في الشبهات المصداقية مع انفصال المخصص 336
نسبة جواز التمسك بالعام في الشبهات المصداقية إلى مشهور القدماء 336
نسبة هذا القول إلى صاحب العروة 336
حكم المشهور بالضمان فيما إذا دار أمر اليد بين كونها عادية أو غير عادية 341
ما يمكن أن يستدل به لجواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية 343
التفصيل بين المخصص اللفظي و المخصص اللبي 349
إشكال المحقق النائيني على هذا التفصيل 351
تفصيل المحقق النائيني في المخصص اللبي 356
جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية في القضايا الخارجية مع كون الدليل لبيا 358
استصحاب العدم الأزلي 360
الخلاف في اجراء الأصل في العدم الأزلي لاحراز دخول المشتبه في العام 360
اختصاص النزاع بعدم تعنون العام بعنوان وجودي 360
إنكار النائيني استصحاب العدم الأزلي نتيجة مقدمات 362
هل التخصيص يوجب تقيّد العام بالعدم النعتي أو المحمولي؟373
الشك في شمول العام لفرد من غير جهة التخصيص 387
تصحيح الوضوء بمائع مضاف بعموم وجوب الوفاء بالنذر 388
دوران الأمر بين التخصيص و التخصيص 391
هل أنّ طهارة ملاقي ماء الاستنجاء للتخصيص أو للتخصص 394
التمسك بالعام لاثبات التخصص 397
الفحص عن المخصص 403
الفرق بين الفحص عن المخصص هنا و الفحص في موارد الاصول 403
نقد الوجوه التي استدل بها على وجوب الفحص عن المخصص 408
الاستدلال بحكم العقل و بالآيات و الروايات على وجوب الفحص 426
الخطابات الشفاهية 430
تحرير محل النزاع 430
تفصيل النائيني بين القضايا الخارجية و بين القضايا الحقيقية 434
ثمرة هذا البحث 435
إيراد صاحب الكفاية على الثمرة 435
تعقب العام بضمير يرجع إلى بعض أفراده 443
تعارض المفهوم مع العموم 451
تعقب الاستثناء لجمل متعددة 463
تخصيص الكتاب بخبر الواحد 469
دوران الأمر بين التخصيص و النسخ 476
الكلام في النسخ 491
الكلام في البداء 496
المطلق و المقيّد
معنى المطلق و المقيّد لغة و اصطلاحا 510
أنحاء لحاظ الماهية 510
وضع اسم الجنس للماهية المهملة 512
في أنّ الكلي الطبيعي هي الماهية المهملة 514
كلام المحقق النائيني في المقام 514
الفرق بين علم الجنس و اسم الجنس 519
وضع المفرد المعرّف باللام 522
وضع الجمع المحلى باللام 526
وضع النكرة 527
عدم استلزام التقييد للتجوز 529
مقدمات الحكمة 530
معنى كون المتكلم في مقام البيان 534
إذا شك في كون المتكلم في مقام البيان 535
هل المتيقن في مقام التخاطب مانع عن الاطلاق؟537
هل التقييد يستلزم المجاز؟541
مورد حمل المطلق على المقيد 542
حمل المطلق على المقيد في المستحبات 550
التنبيه على أمرين 553
المجمل و المبين
معنى المجمل و المبيّن 555
المجمل و المبيّن من الامور الواقعيّة 555
فهرس الموضوعات 559-570