آثار حضرت آیة الله العظمی شیخ محمد اسحاق فیاض
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – ج ۱۰
جلد
10
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – ج ۱۰
جلد
10
عنوان کتاب : تعالیق مبسوطة علی مناسك الحج لسيدنا و استاذنا السيد الخوئي
نام ناشر : محلاتی
جلد : 10
تعداد صفحات: 692
……….
وجوب الحج يجب الحج على كل مكلف جامع للشرائط الآتية و وجوبه ثابت بالكتاب، و السنة القطعية.
و الحج ركن من أركان الدين، و وجوبه من الضروريات و تركه – مع الاعتراف بثبوته – معصية كبيرة، كما أن انكار أصل الفريضة – اذا لم يكن مستندا الى شبهة – كفر.
قال اللّه تعالى في كتابه المجيد:«وَ لِلّٰهِ عَلَى النّٰاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطٰاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً، وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللّٰهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعٰالَمِينَ».
و روى الشيخ الكليني – بطريق معتبر – عن أبي عبد اللّه «ع»، قال: «من مات و لم يحج حجة الإسلام، و لم يمنعه من ذلك حاجة تجحف به، أو مرض لا يطيق معه الحج، أو سلطان يمنعه فليمت يهوديا أو نصرانيا».
و هناك روايات كثيرة تدل على وجوب الحج و الاهتمام به لم نتعرض لها طلبا للاختصار. و في ما ذكرناه من الآية الكريمة و الرواية كفاية للمراد.
و اعلم ان الحج الواجب على المكلف – في أصل الشرع – انما هو لمرة واحدة، و يسمى ذلك ب (حجة الإسلام).
(مسألة 1): وجوب الحج بعد تحقق شرائطه فوري (1) فتجب المبادرة اليه في سنة الاستطاعة و ان تركه فيها عصيانا، أو لعذر وجب في السنة الثانية و هكذا. و لا يبعد أن يكون التأخير من دون عذر من الكبائر.
(مسألة 2): اذا حصلت الاستطاعة و توقف الاتيان بالحج على مقدمات و تهيئة الوسائل، وجبت المبادرة الى تحصيلها، و لو تعددت الرفقة، فان وثق بالادراك مع التأخير جاز له ذلك، و الا وجب الخروج من دون تأخير (2).
(مسألة 3): اذا امكنه الخروج مع الرفقة الأولى و لم يخرج معهم لوثوقه بالادراك مع التأخير و لكن اتفق انه لم يتمكن من المسير، أو أنه لم يدرك الحج بسبب التأخير استقر عليه الحج (3)، و ان كان معذورا في تأخيره.
(1)هذا شريطة أن لا يكون المستطيع واثقا و مطمئنا من نفسه صحيا و ماليا، بالتمكن من الاتيان به في السنة القادمة، و الاّ فهو مبني على الاحتياط، على تفصيل ذكرناه في المسألة (1) من (فصل في وجوب الحج) الجزء الثامن من كتابنا (تعاليق مبسوطة) فراجع.
(2)على الأحوط وجوبا، اذا كان مطمئنا و متأكدا من نفسه بالتمكن منه في العام القادم اذا أخر، و الاّ وجب عليه الخروج فورا.
(3)في الاستقرار اشكال بل منع، لأن المعيار في استقرار الحج على ذمة
شرائط وجوب حجة الإسلام
الشرط الأول: البلوغ.
فلا يجب على غير البالغ، و ان كان مراهقا، و لو حج الصبي لم يجزئه عن حجة الإسلام، و ان كان حجه صحيحا على الأظهر.
(مسألة 4): اذا خرج الصبي الى الحج فبلغ قبل ان يحرم من الميقات، و كان مستطيعا، فلا اشكال في ان حجه حجة الإسلام، و اذا احرم فبلغ بعد احرامه لم يجز له إتمام حجه ندبا، و لا عدوله إلى حجة الإسلام، بل يجب عليه الرجوع الى احد المواقيت، و الاحرام منه لحجة الإسلام، فان لم يتمكن من الرجوع اليه ففي محل احرامه تفصيل (1) يأتي إن شاء اللّه تعالى في حكم من تجاوز الميقات جهلا أو نسيانا و لم يتمكن من الرجوع اليه في المسألة 169.
(1)الظاهر ان التفصيل الذي سوف نتكلم فيه ينطبق على الصبي أيضا، لأن مورد ذلك التفصيل و إن كان الانسان البالغ المكلف بالاحرام من الميقات، فانه اذا ترك الاحرام منه ناسيا أو جاهلا الى أن دخل الحرم ثم انتبه بالحال، فحينئذ ان تمكن من الرجوع الى الميقات و الاحرام منه وجب عليه ذلك، و إن لم يرجع عامدا و ملتفتا بطل عمله و إن لم يتمكن من الرجوع اليه، فوقتئذ ان تمكن من الخروج عن الحرم وجب عليه الخروج و الابتعاد منه الى المقدار الذي يمكنه و الاحرام من هناك، و الاّ فأحرم من مكانه، الاّ أن الروايات التي تنص على
(مسألة 5): اذا حج ندبا معتقدا بانه غير بالغ فبان بعد اداء الحج انه كان بالغا اجزأه عن حجة الإسلام (1).
(مسألة 6): يستحب للصبي المميز ان يحج، و لا يشترط في صحته اذن الولي (2).
(مسألة 7): يستحب للولي ان يحرم بالصبي غير المميز، ذكرا كان أم انثى. و ذلك بان يلبسه ثوبي الاحرام و يأمره بالتلبية و يلقنه اياها، ان كان قابلا للتلقين، و الا لبّي عنه، و يجنّبه عما يجب على المحرم الاجتناب عنه (3)، و يجوز أن يؤخر تجريده عن الثياب إلى فخ، إذا كان سائرا من ذلك الطريق، و يأمره بالاتيان بكل ما يتمكن منه من افعال الحج، و ينوب عنه فيما لا يتمكن، و يطوف به و يسعى به بين الصفا و المروة، و يقف به في عرفات و المشعر، و يأمره بالرمي ان قدر عليه، و الا رمى عنه، و كذلك صلاة الطواف و يحلق رأسه، و كذلك بقية الأعمال.
(1)في الاجزاء اشكال، بل منع، و الأقوى عدم الاجزاء، و قد ذكرنا وجهه في الجزء الثامن من كتابنا (تعاليق مبسوطة) في المسألة (9) من (فصل في شرائط وجوب حجة الإسلام).
(2)اذ لا دليل على أن صحته مشروطة باذن الولي بعد ما كانت الروايات الدالة على مشروعية الحج من الصبي و استحبابه مطلقة، و مقتضى اطلاقها أن حجه صحيح و إن لم يكن مأذونا من قبل الولي.
(3)في وجوب ذلك اشكال، بل منع، لما سيأتي في باب محرمات الاحرام، من أن ما يكون حرمته تكليفية محضة لا يكون محرما على الصبي
(مسألة 8): نفقة حج الصبي في ما يزيد على نفقة الحضر على الولي لا على الصبي (1). نعم إذا كان حفظ الصبي متوقفا على السفر به، أو كان السفر مصلحة له، جاز الانفاق عليه من ماله.
(مسألة 9): ثمن هدي الصبي على الولي (2)، و كذلك كفارة صيده، و أما الكفارات التي تجب عند الاتيان بموجبها عمدا فالظاهر انها لا تجب بفعل الصبي لا على الولي و لا في مال الصبي.
الشرط الثاني: العقل.
فلا يجب الحج على المجنون (3) و ان كان ادواريا. نعم، إذا أفاق المجنون في اشهر الحج و كان مستطيعا و متمكنا من الاتيان بأعمال الحج وجب عليه، و إن كان مجنونا في بقية الأوقات.
الشرط الثالث: الحرية.
(1)في اطلاقه اشكال بل منع، فان السفر اذا كان مصلحة للصبي جاز للولي أن ينفق تمام نفقات حجه من ماله و إن كان زائدا على نفقة الحضر، و إن لم يكن مصلحة له لم يجز.
(2)في اطلاقه اشكال، لأنه ان كانت في السفر مصلحة للصبي، فللولي حسب ولايته أن يأخذ ثمن هديه من ماله، بل و إن لم تكن فيه مصلحة له شريطة ان لا تكون فيه مفسدة، اذ يكفى في ولايته عليه عدم وجود مفسدة فيه.
(3)هذا لا لحديث رفع القلم، فانه ضعيف سندا، و لا للإجماع المدعى على اعتبار العقل، لما ذكرناه غير مرة من أنه لا طريق لنا الى احراز الاجماع في
فلا يجب الحج على المملوك و ان كان مستطيعا و مأذونا من قبل المولى، و لو حج باذن مولاه صح و لكن لا يجزيه عن حجة الإسلام، فتجب عليه الاعادة (1) اذا كان واجدا للشرائط بعد العتق.
(مسألة 10): اذا أتى المملوك المأذون من قبل مولاه في الحج بما يوجب الكفارة فكفارته على مولاه في غير الصيد، و على نفسه فيه.
(مسألة 11): اذا حج المملوك باذن مولاه و انعتق قبل ادراك المشعر اجزأه عن حجة الإسلام، بل الظاهر كفاية اداركه الوقوف بعرفات (2) معتقا، و ان لم يدرك المشعر، و يعتبر في الاجزاء الاستطاعة حين الانعتاق، فان لم يكن مستطيعا لم يجزئ حجه عن حجة الإسلام. و لا فرق في الحكم بالاجزاء بين اقسام الحج من الافراد و القران و التمتع اذا كان المأتي به مطابقا لوظيفته الواجبة.
(مسألة 12): اذا انعتق العبد قبل المشعر في حج التمتع فهديه عليه، و ان لم يتمكن فعليه ان يصوم بدل الهدي على ما يأتي، و ان لم ينعتق فمولاه بالخيار، فان شاء ذبح عنه، و ان شاء امره بالصوم.
(1)للروايات التي تنص على ذلك، و قد تكلمنا حول هذه الروايات مفصلا في الجزء الثامن من كتابنا (تعاليق مبسوطة) في (فصل شرائط وجوب حجة الإسلام).
(2)الأمر كما افاده قدّس سرّه و ينص عليه قوله عليه السّلام في صحيحة معاوية بن عمار:
«اذا أدرك أحد الموقفين فقد أدرك الحج»1. و تمام الكلام في المسألة(9)
الشرط الرابع: الاستطاعة.
و يعتبر فيها امور:
الاول: السعة في الوقت، و معنى ذلك وجود القدر الكافي من الوقت للذهاب الى مكة و القيام بالأعمال الواجبة هناك، و عليه فلا يجب الحج إذا كان حصول المال في وقت لا يسع للذهاب و القيام بالأعمال الواجبة فيها، أو أنه يسع ذلك و لكن بمشقة شديدة لا تتحمل عادة، و في مثل ذلك يجب عليه التحفظ على المال إلى السنة القادمة، فان بقيت الاستطاعة اليها وجب الحج فيها، و إلا لم يجب.
الثاني: الأمن و السلامة (1)، و ذلك بان لا يكون خطرا على النفس أو المال أو العرض ذهابا و ايابا و عند القيام بالأعمال، كما ان الحج لا يجب مباشرة على مستطيع لا يتمكن من قطع المسافة لهرم أو مرض أو لعذر اخر و لكن تجب عليه الاستنابة على ما سيجيء تفصيله.
(مسألة 13): اذا كان للحج طريقان احدهما مأمون و الآخر غير مأمون لم يسقط وجوب الحج، بل وجب الذهاب من الطريق المأمون، و ان كان أبعد.
(1)المستفاد من الآية الشريفة و الروايات الواردة في تفسيرها أن الاستطاعة تتكون من العناصر التالية:
الأول: الامكانية المالية.
الثاني: الأمن و السلامة في الطريق على نفسه و عرضه و ماله ذهابا و ايابا، و عند ممارسة اعمال الحج.
(مسألة 14): اذا كان له في بلده مال معتد به و كان ذهابه إلى الحج مستلزما لتلفه لم يجب عليه الحج (1)، و كذلك إذا كان هناك ما يمنعه عن الذهاب شرعا (2)، كما إذا استلزم حجه ترك واجب اهم من الحج، كانقاذ غريق أو حريق، أو توقف حجه على ارتكاب محرم كان الاجتناب عنه اهم من الحج.
(1)لما عرفت من أن من عناصر الاستطاعة الأمن و السلامة على ماله اذا سافر الى الحج، و أما إذا اختل من سفره الى الحج الأمن على ماله، فلا يكون مستطيعا، هذا.
اضافة الى أنه لا مانع من تطبيق قاعدة لا ضرر في المقام، لأن طبيعة عملية الحج و إن كانت ضررية، و لا يمكن تطبيق هذه القاعدة عليها إذا كانت تستلزم في وقت أو آخر انفاق المال في طريق انجاز هذه العملية اكثر من الأجرة الاعتيادية، الا أنها اذا كانت تستلزم في مورد اتفاقا تلف مال معتد به الذي لا صلة له بما ينفق عليها، فلا مانع من تطبيق قاعدة لا ضرر عليه.
(2)فيه ان قياس عدم وجوب الحج في هذه الأمثلة بعدم وجوبه في المثال الأول قياس مع الفارق، فان عدم وجوبه في المثال الأول انما هو من جهة
(مسألة 15): اذا حج مع استلزام حجه ترك واجب اهم أو ارتكاب محرم كذلك فهو و ان كان عاصيا من جهة ترك الواجب أو فعل الحرام إلا أن الظاهر أنه يجزي عن حجة الإسلام (1) إذا كان واجدا لسائر الشرائط و لا فرق في ذلك بين من كان الحج مستقرا عليه و من كان اول سنة استطاعته.
( (مسألة 16): إذا كان في الطريق عدو لا يمكن دفعه إلا ببذل مال معتد به، لم يجب بذله و يسقط وجوب الحج (2).
(1)هذا مبنى على القول بامكان الترتب كما هو الصحيح.
(2)مر ان من عناصر الاستطاعة الأمن و السلامة على ماله، و مع وجود عدو له في الطريق بحيث لا يمكن دفعه الا ببذل مال معتد به، فلا أمن له فيه على ماله، فاذا لم يكن له أمن لم يكن مستطيعا حتى يجب عليه الحج، أو فقل ان العدو الذي يفرض عليه من المال فهو من اللصوص و قطاع الطريق، فلا أمن، و مع قطع النظر عن هذا فلا يكون بذل المال له لفتح الطريق الى الحج مانعا عن
(مسألة 17): لو انحصر الطريق بالبحر لم يسقط وجوب الحج، إلا مع خوف الغرق أو المرض، و لو حج مع الخوف صح حجه على الأظهر (1).
(1)في الصحة اشكال، و لا يبعد بطلانه، لما مر من أن الأمن و السلامة (العنصر الثاني) من عناصر الاستطاعة، و بدون توفره لشخص فلا استطاعة له لكي يجب عليه الحج، و إذا أصرّ في هذه الحالة على أن يحج فحج لم يكن حجه حجة الإسلام.
و النكتة في ذلك هو أن من يسافر بحرا الى الحج فبطبيعة الحال كان يحرم في البحر، لفرض أن جدة ليست ميقاتا، و أما كونها محاذية للميقات فهو غير معلوم، فاذن يكون احرامه في حالة لا أمن فيها، فلا يكون احراما لحج
الثالث: الزاد و الراحلة (1)، و معنى الزاد هو وجود ما يتقوت به في الطريق من المأكول و المشروب و سائر ما يحتاج إليه في سفره، أو وجود مقدار من المال (النقود و غيرها) يصرفه في سبيل ذلك ذهابا و ايابا، و معنى الراحلة هو وجود وسيلة يتمكن بها من قطع المسافة ذهابا و ايابا، و يلزم في الزاد و الراحلة ان يكونا مما يليق بحال المكلف.
(1)فيه ان وجود الراحلة ليس دخيلا في الاستطاعة مطلقا بل عند الحاجة اليه، و قد ذكرنا في الجزء الثامن من كتابنا (تعاليق مبسوطة) أن المتفاهم العرفي من الروايات المشتملة على الراحلة هو عدم موضوعيتها، و أخذها في الروايات
(مسألة 18): لا يختص اشتراط وجود الراحلة بصورة الحاجة اليها (1). بل يشترط مطلقا و لو مع عدم الحاجة اليها، كما إذا كان قادرا على المشي من دون مشقة و لم يكن منافيا لشرفه.
(مسألة 19): العبرة في الزاد و الراحلة بوجودهما فعلا، فلا يجب على من كان قادرا على تحصيلهما بالاكتساب و نحوه، و لا فرق في اشتراط وجود الراحلة بين القريب و البعيد.
(مسألة 20): الاستطاعة المعتبرة في وجوب الحج انما هي الاستطاعة من مكانه (2) لا من بلده، فاذا ذهب المكلف إلى المدينة مثلا للتجارة أو لغيرها و كان له هناك ما يمكن ان يحج به من الزاد و الراحلة أو ثمنهما وجب عليه الحج، و ان لم يكن مستطيعا من بلده.
(مسألة 21): اذا كان للمكلف ملك و لم يوجد من يشتريه بثمن المثل و توقف الحج على بيعه باقل منه بمقدار معتد به لم يجب البيع (3)، و اما اذا ارتفعت الاسعار فكانت أجرة المركوب مثلا في سنة الاستطاعة أكثر منها في السنة الآتية لم يجز التأخير.
(1)بل يختص بها على الأظهر كما مر.
(2)الأمر كما افاده قدّس سرّه لأن وجوب الحج مرتبط بالاستطاعة، فاذا كان الانسان مستطيعا ذهابا و ايابا و عند ممارسة اعمال الحج وجب، سواء أ كانت هذه الاستطاعة من بلده أو بلد اقامته، لأن الآية الشريفة و الروايات جميعا تنص على وجوب الحج على من استطاع اليه سبيلا و إن كانت من بلد اقامته.
(3)في اطلاقه اشكال، بل منع، لأن الخسارة في البيع اذا كانت بدرجة كان
(مسألة 22): انما يعتبر وجود نفقة الاياب في وجوب الحج فيما اذا اراد المكلف العود إلى وطنه. و اما اذا لم يرد العود و اراد السكنى في بلد آخر غير وطنه، فلا بد من وجود النفقة إلى ذلك البلد، و لا يعتبر وجود مقدار العود إلى وطنه.
نعم، إذا كان البلد الذي يريد السكنى فيه أبعد من وطنه لم يعتبر وجود النفقة إلى ذلك المكان، بل يكفي في الوجوب وجود مقدار العود إلى وطنه.
الرابع: الرجوع إلى الكفاية، و هو التمكن بالفعل أو بالقوة من اعاشة نفسه و عائلته بعد الرجوع.
و بعبارة واضحة: يلزم ان يكون المكلف على حالة لا يخشى معها في نفسه و عائلته من العوز و الفقر بسبب صرف ما عنده من المال في سبيل الحج (1)، و عليه فلا يجب على من يملك مقدارا من المال يفي بمصارف الحج و كان ذلك وسيلة لإعاشته و اعاشة عائلته، مع العلم بانه لا يتمكن من الاعاشة عن طريق آخر يناسب شأنه، فبذلك يظهر أنه لا يجب بيع ما يحتاج اليه في ضروريات معاشه من امواله فلا يجب بيع دار سكناه اللائقة بحاله و ثياب تجمله و اثاث بيته، و لا آلات الصنائع التي يحتاج اليها في معاشه، و نحو ذلك مثل الكتب بالنسبة إلى
(1)سبق ان المعيار في وجود ما به الكفاية انما هو بتمكن الحاج بعد
أهل العلم مما لا بد منه في سبيل تحصيله، و على الجملة كل ما يحتاج اليه الانسان في حياته و كان صرفه في سبيل الحج موجبا للعسر و الحرج لم يجب بيعه.
نعم، لو زادت الأموال المذكورة عن مقدار الحاجة وجب بيع الزائد في نفقة الحج، بل من كان عنده دار قيمتها الف دينار – مثلا – و يمكنه بيعها و شراء دار اخرى باقل منها من دون عسر و حرج لزمه ذلك إذا كان الزائد وافيا بمصارف الحج ذهابا و ايابا و بنفقة عياله.
(مسألة 23): اذا كان عنده مال لا يجب بيعه في سبيل الحج لحاجته اليه، ثم استغنى عنه وجب عليه بيعه لأداء فريضة الحج – مثلا – إذا كان للمرأة حلي تحتاج اليه و لا بد لها منه ثم استغنت عنه لكبرها او لأمر آخر، وجب عليها بيعه لأداء فريضة الحج.
(مسألة 24): اذا كانت له دار مملوكة و كانت هناك دار اخرى يمكنه السكنى فيها من دون حرج عليه كما اذا كانت موقوفة تنطبق عليه، وجب عليه بيع الدار المملوكة إذا كانت وافية بمصارف الحج، و لو بضميمة ما عنده من المال، و يجري ذلك في الكتب العلمية و غيرها مما يحتاج اليه في حياته.
(مسألة 25): اذا كان عنده مقدار من المال يفي بمصارف الحج و كان بحاجة الى الزواج او شراء دار لسكناه او غير ذلك مما يحتاج اليه فان كان صرف ذلك المال في الحج موجبا لوقوعه في الحرج لم يجب عليه الحج، و إلا وجب عليه.
(مسألة 26): اذا كان ما يملكه دينا على ذمة شخص و كان الدين حالا وجبت عليه المطالبة فان كان المدين مماطلا وجب اجباره على
الأداء، و ان توقف تحصيله على الرجوع الى المحاكم العرفية لزم ذلك (1)، كما تجب المطالبة فيما إذا كان الدين مؤجلا و لكن المدين يؤديه لو طالبه، و أما إذا كان المدين معسرا او مماطلا و لا يمكن اجباره أو كان الاجبار مستلزما للحرج، أو كان الدين مؤجلا و المدين لا يسمح باداء ذلك قبل الأجل ففي جميع ذلك ان امكنه بيع الدين بما يفي بمصارف الحج و لو بضميمة ما عنده من المال و لم يكن في ذلك ضرر و لا حرج وجب البيع و إلا لم يجب.
(مسألة 27): كل ذي حرفة كالحدّاد و البنّاء و النجّار و غيرهم ممن يفي كسبهم بنفقتهم و نفقة عوائلهم يجب عليهم الحج إذا حصل لهم مقدار من المال بارث أو غيره و كان وافيا بالزاد و الراحلة و نفقة العيال مدة الذهاب و الاياب.
(1)فانه اذا كان قادرا على تحصيل الدين من المدين الوافي بتمام نفقات سفر الحج اللائقة بحاله كان مستطيعا، حيث ان الإمكانية المالية للإنفاق على سفر الحج متحققة عنده، اذ لا يقصد بها وجود نقود عنده فعلا، بل يقصد بها وجود مال تفي قيمته بنفقات الحج، و لا فرق بين أن يكون ذلك المال من الأعيان الخارجية كالدار أو البستان أو غيرهما، أو من الديون الثابتة في ذمة غيره، فاذا كان ذلك المال تحت تصرفه و سلطانه و لو بالواسطة، كفى ذلك في وجوب الحج عليه، و هذا يفترق عما اذا كان الانسان قادرا على اقتراض مال تفي قيمته بنفقات سفر الحج، لأنه قبل الاقتراض لم تكن لديه الامكانية المالية و انما
(مسألة 28): من كان يرتزق من الوجوه الشرعية كالخمس و الزكاة و غيرهما و كانت نفقاته بحسب العادة مضمونة من دون مشقة لا يبعد وجوب الحج عليه فيما اذا ملك مقدارا من المال يفي بذهابه و إيابه و نفقة عائلته. و كذلك من قام احد بالانفاق عليه طيلة حياته، و كذلك كل من لا يتفاوت حاله قبل الحج و بعده (1) من جهة المعيشه ان صرف ما عنده في سبيل الحج.
(1)هذا لا بمعنى أن وجود ما به الكفاية غير معتبر في وجوب الحج، بل بمعنى انه يختلف باختلاف حالات افراد المستطيع في الخارج، فان المراد من وجود ما به الكفاية – كما عرفت – هو تمكن الحاج بعد الانفاق على سفر الحج من استيناف وضعه المعاشي الاعتيادي بدون الوقوع في حرج و ضيق، فمن يعيش على الوجوه الشرعية يتمكن بعد انفاق ما لديه من المال على سفر الحج من استعادة وضعه المعاشي الطبيعي بدون الوقوع في محذور، و لا يتوقف ذلك على وجود مال معتد به عنده بعد الرجوع من الحج، و كذلك الحال فيمن كانت نفقته طيلة حياته مضمونة كالزوجة – مثلا – أو ممن لا يتفاوت حاله قبل الحج و بعده كالسائل بالكف، فانه تكفى في وجوب الحج عليه الامكانية المالية عنده لنفقات الحج ذهابا و ايابا و عند ممارسة الأعمال فحسب، باعتبار أن وجود ما به الكفاية عنده مضمون.
(مسألة 29): لا يعتبر في الاستطاعة الملكية اللازمة بل تكفي الملكية المتزلزلة أيضا (1). فلو صالحه شخص ما يفي بمصارف الحج و جعل لنفسه الخيار الى مدة معينة وجب عليه الحج، و كذلك الحال في موارد الهبة الجائزة.
(مسألة 30): لا يجب على المستطيع ان يحج من ماله، فلو حج متسكعا أو من مال شخص آخر اجزأه. نعم، إذا كان ثوب طوافه أو ثمن هديه مغصوبا لم يجزئه ذلك (2).
(مسألة 31): لا يجب على المكلف تحصيل الاستطاعة بالاكتساب أو غيره، فلو وهبه احد مالا يستطيع به لو قبله، لم يلزمه القبول (3)،
(1)الأمر كما أفاده قدّس سرّه لما مر من أن العنصر الأول من الاستطاعة الامكانية المالية، و من الواضح أنه لا يؤخذ في مفهومها الملك فضلا عن كون الملك لازما، و من هنا كما ان الامكانية الماليه لنفقات الحج تحصل بالملكية اللازمة، كذلك تحصل بالملكية الجائزة، بل بالاباحة أيضا.
(2)فيه ان هذا انما يتم في الهدي فحسب، فانه اذا كان بعينه مغصوبا، أو اشتراه بثمن شخصي مغصوب كان في الحقيقة تاركا للهدي عن عمد و اختيار، و يترتب على ذلك بطلان طوافه و حجه، و لا يتم ذلك في الطواف، فان غصبية الساتر فيه لا تضر بصحته، حيث إن الحرام لا يكون مصداقا للواجب، لأن الحرام ذات القيد يعنى الساتر، و هو خارج عن الواجب، فلا ينطبق عليه، و التقيد به و إن كان داخلا فيه، و لكن بما أنه أمر معنوي لا وجود له في الخارج، فلا يتصف بالحرمة، فلذلك لا مانع من الحكم بصحة الطواف و إن اعتبر الطائف آثما.
(3)هذا باعتبار أن حصول الامكانية المالية عنده يتوقف على قبوله الهبة، و هو غير واجب عليه، لأنه من تحصيل الاستطاعة.
و كذلك لو طلب منه ان يؤجر نفسه للخدمة بما يصير به مستطيعا و لو كانت الخدمة لائقة بشأنه. نعم، لو آجر نفسه للخدمة في طريق الحج و استطاع بذلك، وجب عليه الحج.
(مسألة 32): اذا آجر نفسه للنيابة عن الغير في الحج و استطاع بمال الاجارة، قدم الحج النيابي اذا كان مقيدا بالسنة الحالية فان بقيت الاستطاعة الى السنة القادمة وجب عليه الحج و الا فلا (1) و إن لم يكن الحج النيابي مقيدا بالنسبة الفعلية قدم الحج عن نفسه.
(مسألة 33): اذا اقترض مقدارا من المال يفي بمصارف الحج و كان قادرا على وفائه بعد ذلك وجب عليه الحج.
(مسألة 34): اذا كان عنده ما يفي بنفقات الحج و كان عليه دين و لم يكن صرف ذلك في الحج منافيا لأداء ذلك الدين وجب عليه الحج، و إلا فلا، و لا فرق في الدين بين أن يكون حالا أو مؤجلا و بين ان يكون سابقا على حصول ذلك المال أو بعد حصوله.
(مسألة 35): اذا كان عليه خمس او زكاة و كان عنده مقدار من المال و لكن لا يفي بمصارف الحج لو ادّاهما وجب عليه اداؤهما، و لم يجب عليه الحج، و لا فرق في ذلك بين أن يكون الخمس و الزكاة في عين المال او يكونا في ذمته (2).
(1)هذا باعتبار ان وجوب أداء الدين أهم من وجوب الحج فيقدم عليه في مقام التزاحم، و لا فرق في ذلك بين أن يكون الدين حالا أو مؤجلا، كان قبل حصول هذا المال عنده أم بعده، لأن المعيار انما هو بالتنافي و التزاحم بينهما في مقام الامتثال و العمل.
(2)هذا و لكن فرق بين الأمرين من ناحية أخرى، و هي أن الخمس او
(مسألة 36): اذا وجب عليه الحج و كان عليه خمس أو زكاة او غيرهما من الحقوق الواجبة لزمه اداؤها و لم يجز له تأخيره لأجل السفر إلى الحج، و لو كان ثياب طوافه و ثمن هديه من المال الذي قد تعلق به الحق لم يصح حجه (1).
(مسألة 37): اذا كان عنده مقدار من المال و لكنه لا يعلم بوفائه بنفقات الحج، لم يجب عليه الحج و لا يجب عليه الفحص، و ان كان الفحص أحوط.
(مسألة 38): اذا كان له مال غائب يفي بنفقات الحج منفردا أو منضما الى المال الموجود عنده، فان لم يكن متمكنا من التصرف في ذلك المال و لو بتوكيل من يبيعه هناك، لم يجب عليه الحج و إلا وجب.
(مسألة 39): اذا كان عنده ما يفي بمصارف الحج وجب عليه الحج و لم يجز له التصرف فيه بما يخرجه عن الاستطاعة و لا يمكنه التدارك، و لا فرق في ذلك بين تصرفه بعد التمكن من المسير و تصرفه فيه قبله، بل الظاهر عدم جواز التصرف فيه قبل اشهر الحج أيضا.
(1)في اطلاقه اشكال، بل منع، لأن الهدي إذا كان بعينه متعلقا للحق الشرعي من الخمس أو الزكاة كان المكلف حينئذ تاركا له متعمدا، و عليه فيبطل طوافه، فبالنتيجة حجّه، و إن اشترى الهدي بثمن كان متعلقا للحق الشرعي، فان
نعم، اذا تصرف فيه ببيع أو هبة أو عتق أو غير ذلك حكم بصحة التصرف و ان كان آثما بتفويته الاستطاعة (1).
(1)السبب فيه ان المستفاد من الآية الشريفة و الروايات المفسرة لها أن وجوب الحج يتحقق بتحقق الاستطاعة مشروطا بشرط متأخر زمانا، و هو مجيء يوم عرفة، فان يوم عرفة و إن كان من شروط الواجب و هو الحج و قيوده، الاّ أنا ذكرنا في علم الأصول أن قيد الواجب اذا كان غير اختياري فلا بد أن يكون قيدا للوجوب أيضا، اذ لو كان الوجوب مطلقا لزم كونه محركا للمكلف فعلا نحو الاتيان بالواجب المقيد بقيد غير اختياري، و هو تكليف بالمحال، و على هذا الأساس فيوم عرفة كما أنه قيد للواجب في المقام و هو الحج، كذلك قيد للوجوب بنحو الشرط المتأخر في مرحلة الاعتبار و الجعل، و لاتصاف الفعل بالملاك في مرحلة المبادي و الملاكات، و حينئذ فتحقق الاستطاعة كما يكون كاشفا عن تحقق وجوب الحج مشروطا بشرط متأخر، كذلك يكون كاشفا عن اتصافه بالملاك التام في ظرفه، فمن أجل ذلك لا يجوز تفويت الاستطاعة و إن كانت قبل أشهر الحج، لأن تفويتها تفويت للملاك التام الملزم في وقته، و هو غير جائز، و عندئذ فيجب على المكلف التحفظ على ذلك الملاك التام في ظرفه بالتحفظ على استطاعته و عدم تفويتها.
و بكلمة: ان كل ما أخذه الشارع في لسان الدليل في مرحلة الاعتبار قيدا للحكم فهو قيد لاتصاف الفعل بالملاك في مرحلة المبادي أيضا، على أساس أن الملاك هو حقيقة الحكم و روحه، و هو الداعي للاعتبار و الجعل بغرض الحفاظ عليه لاستيفائه و عدم تفويته، و لو لا الملاك فلا قيمة للاعتبار بما هو
(مسألة 40): الظاهر انه لا يعتبر في الزاد و الراحلة ملكيتهما (1)، فلو كان عنده مال يجوز له التصرف فيه وجب عليه الحج إذا كان وافيا بنفقات الحج مع وجدان سائر الشروط.
(مسألة 41): كما يعتبر في وجوب الحج وجود الزاد و الراحلة حدوثا كذلك يعتبر بقاء إلى إتمام الأعمال، بل الى العود الى وطنه، فان تلف المال في بلده أو في اثناء الطريق لم يجب عليه الحج و كشف ذلك عن عدم الاستطاعة من اول الأمر، و مثل ذلك ما إذا حدث عليه دين قهري (2)، كما اذا أتلف مال غيره خطأ و لم يمكنه اداء بدله اذا صرف ما عنده في سبيل الحج.
(1)مر أن الامكانية المالية التي هي العنصر الأول من الاستطاعة كما تحصل بالملك، كذلك تحصل بالاباحة، فالملكية غير دخيلة في تكوين هذه الامكانية.
(2)فيه ان قياس ذلك بتلف المال في بلده، أو في أثناء الطريق قياس مع الفارق، لأن تلف المال كاشف عن عدم استطاعته من الأول، و هذا بخلاف اتلافه مال غيره، و اشتغال ذمته ببدله، فانه لا يكون مانعا عن استطاعته، غاية الأمر يقع التزاحم بين وجوب أداء بدل التالف و وجوب الحج، و حيث ان الأول اهم من وجوب الحج فيقدم عليه.
نعم، الاتلاف العمدي لا يسقط وجوب الحج بل يبقى الحج في ذمته مستقرا فيجب عليه اداؤه و لو متسكعا، هذا كله في تلف الزاد و الراحلة، و اما تلف ما به الكفاية من ماله في بلده، فهو لا يكشف عن عدم الاستطاعة (1) من اول الأمر بل يجتزئ حينئذ بحجه، و لا يجب عليه الحج بعد ذلك.
(مسألة 42): اذا كان عنده ما يفي بمصارف الحج لكنه معتقد بعدمه، او كان غافلا عنه، أو كان غافلا عن وجوب الحج عليه غفلة عذر لم يجب عليه الحج، و اما إذا كان شاكا فيه (2)، أو كان غافلا عن وجوب الحج عليه غفلة ناشئة عن التقصير ثم علم أو تذكر بعد ان تلف المال فلم يتمكن من الحج فالظاهر استقرار وجوب الحج عليه إذا كان واجدا لسائر الشرائط حين وجوده.
(مسألة 43): كما تتحقق الاستطاعة بوجدان الزاد و الراحلة تتحقق بالبذل، و لا يفرق في ذلك بين ان يكون الباذل واحدا أو متعددا، و إذا عرض عليه الحج و التزم بزاده و راحلته و نفقة عياله (3) وجب عليه الحج،
(1)في عدم الكشف اشكال، بل منع، لأن المكلف اذا لم يتمكن من استيناف وضعه المعاشي الطبيعي بدون الوقوع في حرج و ضيق اذا انفق ما لديه من المال في نفقات سفر الحج لم يكن مكلفا بحجة الإسلام في الواقع، و عليه فما أتى به من الحج لا يكون مصداقا لحجة الإسلام لكي يحكم بصحته، و تفصيل ذلك في المسألة (29) من (فصل شرائط وجوب حجة الإسلام) في الجزء الثامن من كتابنا (تعاليق مبسوطة على العروة الوثقى).
(2)هذا شريطة أن لا يكون معذورا فيه، و أما اذا كان معذورا فلا موجب لاستقرار الحج عليه.
(3)فيه ان نفقة العيال ليست دخيلة في الاستطاعة، لما قد عرفت من أن
و كذلك لو اعطي مالا ليصرفه في الحج و كان وافيا بمصارف ذهابه و ايابه و عياله. و لا فرق في ذلك بين الاباحة و التمليك، و لا بين بذل العين و ثمنها.
(مسألة 44): لو اوصي له بمال ليحج به وجب الحج عليه بعد موت الموصي إذا كان المال وافيا بمصارف الحج و نفقة عياله، و كذلك لو وقف شخص لمن يحج او نذر، أو اوصى بذلك و بذل له المتولي أو الناذر أو الوصي وجب عليه الحج.
(مسألة 45): لا يجب الرجوع إلى الكفاية في الاستطاعة البذلية (1).
نعم، لو كان له مال لا يفي بمصارف الحج و بذل له ما يتم ذلك وجب عليه القبول و لكن يعتبر حينئذ الرجوع إلى الكفاية.
(مسألة 46): إذا اعطي ما لا هبة على ان يحج وجب عليه القبول، و اما لو خيّره الواهب بين الحج و عدمه (2)، او انه وهبه مالا من دون ذكر الحج لا تعيينا و لا تخييرا لم يجب عليه القبول.
(مسألة 47): لا يمنع الدين من الاستطاعة البذلية. نعم إذا كان الدين حالا و كان الدائن مطالبا و المدين متمكنا من أدائه إن لم يحج لم يجب عليه الحج.
(1)هذا شريطة أن لا يكون سفر الحج مؤثرا في وضعه المعاشي بعد الرجوع من الحج، و في هذه الحالة اذا بذل له ما يحج به وجب عليه استجابته، و أما إذا أثر سفره في وضعه المعاشي، كما اذا كان موظفا عند الحكومة و له راتب يمكنه من السفر الى الحج بالاستطاعة البذلية، و لكن اذا لم يحصل على اجازة لو سافر و الحال هذه يفقد عمله و راتبه كموظف، و بعد ذلك يقع في ضيق و حرج باعتبار أنه لا يتمكن بعد الرجوع من الحج و فصله عن الوظيفة من استيناف وضعه المعاشي الطبيعي بدون الوقوع في حرج و ضيق، و في هذه الحالة اذا بذل اليه ما يحج به لم تجب عليه استجابته.
(2)لأن الروايات التي تنص على وجوب قبول ما يعرض عليه من الحج، أو ما يحج به لا تشمل هذه الصورة، على أساس أنها ظاهرة في عرض الحج
(مسألة 48): اذا بذل مال لجماعة ليحج احدهم فان سبق احدهم بقبض المال المبذول سقط التكليف عن الآخرين و لو ترك الجميع مع تمكن كل واحد منهم من القبض استقر الحج على جميعهم (1).
(مسألة 49): لا يجب بالبذل إلا الحج الذي هو وظيفة المبذول له على تقدير استطاعته (2)، فلو كانت وظيفته حج التمتع فبذل له حج القران أو الافراد لم يجب عليه القبول و بالعكس و كذلك الحال لو بذل لمن حج حجة الإسلام و اما من استقرت عليه حجة الإسلام و صار معسرا فبذل له وجب عليه ذلك (3) و كذلك من وجب عليه الحج لنذر او شبهه و لم يتمكن منه.
(1)في الاستقرار اشكال، و لا يبعد عدمه، لأن روايات البذل ظاهرة في عرض الحج، أو ما يحج به على شخص معين، و لا تشمل ما اذا عرض الحج على الجامع بين شخصين أو اشخاص على تفصيل ذكرناه في المسألة (43) من (فصل في شرائط وجوب حجة الإسلام) في الجزء الثامن من كتابنا (تعاليق مبسوطة).
(2)هذا ظاهر، فان كل من تكون وظيفته حج التمتع اذا استطاع مالا، فهو وظيفته اذا استطاع بذلا، و كل من تكون وظيفته حج الافراد اذا استطاع مالا، فهو وظيفته اذا استطاع بذلا.
(3)هذا لا من جهة أن روايات البذل تشمل المقام، لأنها لا تشمل ذلك، لاختصاص موردها بما اذا وجب الحج عليه بالاستطاعة البذلية، بأن يكون حدوث الوجوب عليه مستندا اليها، و أما إذا كان الحج واجبا على شخص بالاستطاعة المالية في فترة زمنية سابقة، و لكن من جهة الاهمال و التسامح فيه
(مسألة 50): لو بذل له مال ليحج به فتلف المال اثناء الطريق سقط الوجوب. نعم لو كان متمكنا من الاستمرار في السفر من ماله وجب عليه الحج و اجزأه عن حجة الإسلام، إلا ان الوجوب حينئذ مشروط بالرجوع إلى الكفاية (1).
(مسألة 51): لا يعتبر في وجوب الحج البذل نقدا فلو وكله على ان يقترض عنه و يحج به و اقترض وجب (2) عليه.
(مسألة 52): الظاهر أن ثمن الهدي على الباذل فلو لم يبذله و بذل بقية المصارف لم يجب الحج على المبذول له الا اذا كان متمكنا من شرائه من ماله.
(1)تقدم ان وجوب قبول البذل أيضا مشروط بوجود ما به الكفاية، بمعنى تمكنه بعد الرجوع من الحج من استعادة وضعه المعاشي الطبيعي بدون الوقوع في حرج و ضيق، و أما إذا لم يكن لديه ما به الكفاية بهذا المعنى فلا يجب عليه القبول.
(2)هذا واضح، و انما الكلام في أن الاقتراض الموجب للاستطاعة و الامكانية المالية، فهل هو واجب عليه أو لا؟ و الجواب: انه غير واجب لأنه من تحصيل الاستطاعة.
نعم، إذا كان صرف ثمن الهدي فيه موجبا لوقوعه في الحرج لم يجب عليه القبول، و أما الكفارات فالظاهر انها واجبة على المبذول له (1) دون الباذل.
(مسألة 53): الحج البذلي يجزئ عن حجة الإسلام و لا يجب عليه الحج ثانيا اذا استطاع بعد ذلك.
(مسألة 54): يجوز للباذل الرجوع عن بذله قبل الدخول في الاحرام أو بعده، لكن إذا رجع بعد الدخول في الاحرام وجب على المبذول له إتمام الحج إذا كان مستطيعا فعلا و على الباذل ضمان ما صرفه للإتمام (2)، و اذا رجع الباذل في اثناء الطريق وجبت عليه نفقة العود.
(1)لأن الكفارة من آثار ما يمارسه المحرم من محرمات الاحرام، و حيث ان تلك المحرمات خارجة عن الحج، و ليست من واجباته لا جزءا و لا قيدا، فلا يكون الباذل متعهدا بالانفاق على الكفارات المترتبة على ارتكابها، لأنه إنما اذن له بالحج، و لم يأذن بارتكاب محرمات الإحرام لكي يقال: إن الاذن بشيء إذن بلوازمه.
(2)في الضمان اشكال بل منع، لأن ما صرفه المبذول له من المال الى حين عدول الباذل عن بذله يحسب على الباذل، باعتبار أن ذلك الصرف كان باذنه و أمره، و أما ضمان الباذل لما صرفه المبذول له في اتمام الحج فهو بلا مبرر، و لا يمكن تطبيق قاعدة أن الإذن بشيء اذن بلوازمه على المقام، لأن الإذن بالاحرام انما يكون اذنا بالاتمام اذا لم يعدل عن اذنه بعد الإحرام، أو قلنا بعدم جواز عدوله عن اذنه بعده، و كلا الأمرين خلف الفرض، و على هذا فاذا عدل عن اذنه بعد الاحرام فمعناه انه لم يأذن بالاتمام بما بذله من المال، و عليه فلا يسوغ للمبذول له أن يتم الحج بمال الباذل، كما انه اذا اتم بمال نفسه لم يحق له
(مسألة 55): اذا اعطي من الزكاة من سهم سبيل اللّه على ان يصرفها في الحج و كان فيه مصلحة عامة (1) وجب عليه ذلك و ان اعطي من سهم السادة أو من الزكاة من سهم الفقراء و اشترط عليه ان يصرفه في سبيل الحج لم يصح الشرط (2) فلا يجب عليه الحج.
(مسألة 56): اذا بذل له مال فحج به ثم انكشف انه كان مغصوبا لم يجزئه عن حجة الإسلام (3)
(1)هذا مبني على أنه يعتبر في صرف سهم سبيل اللّه في مورد أن تكون فيه مصلحة عامة، و لكن ذكرنا أن عنوان سبيل اللّه يصدق على كل عمل قربي و إن لم تكن فيه مصلحة عامة، و على هذا فلا مانع من صرف هذا السهم في الحج باعتبار أنه عمل قربي و إن لم يكن فيه مصلحة عامّة.
(2)هذا من جهة أن ولاية المالك على الخمس و الزكاة لم تثبت الاّ من زاوية خاصة، و هي ولايته على التقسيم، و تعيين الخمس او الزكاة في حصة خاصة و دفعها الى الحاكم الشرعي او إلى المستحق باذن منه أو بدون اذن على الخلاف في المسألة، و لا ولاية له على تعيين المصرف له و إلزام المستحق بالصرف فيه، و قد فصلنا الحديث من هذه الناحية في بابي الخمس و الزكاة.
(3)في اطلاقه اشكال، و لا يبعد الإجزاء اذا كان المبذول له غافلا عن كون
و للمالك ان يرجع الى الباذل أو الى المبذول له، لكنه اذا رجع الى المبذول له رجع هو الى الباذل ان كان جاهلا بالحال و إلا فليس له الرجوع.
(مسألة 57): إذا حج لنفسه او عن غيره تبرعا او باجارة لم يكفه عن حجة الإسلام (1) فيجب عليه الحج اذا استطاع بعد ذلك.
(مسألة 58): إذا اعتقد انه غير مستطيع فحج ندبا قاصدا امتثال الأمر الفعلي ثم بان أنه كان مستطيعا أجزأه ذلك (2)، و لا يجب عليه الحج ثانيا.
(1)اما الأول فبما أن حجه لنفسه كان متسكعا، فهو لا يجزي عن حجة الإسلام التي هي عبارة عن الحجة الأولى للمستطيع، و لا يكون مصداقا لها، و أما الثاني، و هو حجّه عن غيره تبرعا أو باجارة، فالمعروف و المشهور بين الأصحاب عدم اجزائه عن حجة الإسلام، و لكنه لا يخلو عن اشكال، و مع هذا فالاحتياط بالاتيان بحجة الإسلام اذا استطاع لا يترك. و قد تعرضنا لتفصيل ذلك في المسألة (56) من (فصل في شرائط وجوب حجة الإسلام) في الجزء الثامن من كتابنا (تعاليق مبسوطة) فراجع.
(2)في الاجزاء اشكال، بل منع، لما مر من أن المعتبر في صحة حجة
(مسألة 59): لا يشترط اذن الرجوع للزوجة في الحج اذا كانت مستطيعة، كما لا يجوز للزوج منع زوجته عن الحج الواجب عليها. نعم، يجوز له منعها من الخروج في اول الوقت مع سعة الوقت، و المطلقة الرجعية كالزوجة ما دامت في العدة.
(مسألة 60): لا يشترط في وجوب الحج على المرأة وجود المحرم لها إذا كانت مأمونة على نفسها و مع عدم الأمن لزمها استصحاب محرم لها و لو بأجرة إذا تمكنت من ذلك، و إلا لم يجب الحج عليها.
(مسألة 61): إذا نذر ان يزور الحسين عليه السّلام في كل يوم عرفة – مثلا – و استطاع بعد ذلك وجب عليه الحج و انحلّ نذره (1)، و كذلك كل نذر يزاحم الحج.
(1)فيه اشكال، بل منع، لأن ملاك تقديم وجوب الحج على وجوب الوفاء بالنذر ليس من جهة أن وجوب الحج يؤدي الى مرجوحية متعلق النذر، فاذا صار مرجوحا انحل بانحلال موضوعه، و ذلك لأن وجوبه لا يوجب انقلاب متعلقه و جعله مرجوحا بعد ما كان راجحا، لأن متعلقه انما يصير مرجوحا اذا كان مصداقا لترك الحج، و المفروض أنه ليس مصداقا له، بل هو ملازم لتركه، و من الواضح أن قبح أحد المتلازمين لا يسري الى الملازم الآخر، فاذن يبقى متعلق النذر راجحا في نفسه و إن كان ملازما لترك واجب، هذا. اضافة الى أن ترك الواجب كترك الحج ليس بقبيح ذاتا، و انما يكون قبيحا بالعرض و المجاز، مثلا زيارة الحسين عليه السّلام يوم عرفة راجحة في نفسها، فاذا نذرها
(مسألة 62): يجب على المستطيع الحج بنفسه إذا كان متمكنا من ذلك، و لا يجزئ عنه حج غيره تبرعا او باجارة.
(مسألة 63): اذا استقر عليه الحج و لم يتمكن من الحج بنفسه لمرض أو حصر أو هرم، أو كان ذلك حرجا عليه و لم يرج تمكنه من الحج بعد ذلك من دون حرج وجبت عليه الاستنابة، و كذلك من كان موسرا و لم يتمكن من المباشرة، أو كانت حرجية و وجوب الاستنابة كوجوب الحج فوري.
(مسألة 64): اذا حج النائب عمن لم يتمكن من المباشرة فمات المنوب عنه مع بقاء العذر اجزأه حج النائب و ان كان الحج مستقرا عليه، و اما إذا اتفق ارتفاع العذر قبل الموت فالأحوط ان يحج هو بنفسه عند التمكن (1) و اذا كان قد ارتفع العذر بعد ان احرم النائب وجب على المنوب عنه الحج مباشرة و لا يجب على النائب اتمام عمله.
(مسألة 65): إذا لم يتمكن المعذور من الاستنابة سقط الوجوب، و لكن يجب القضاء عنه بعد موته ان كان الحج مستقرا عليه، و إلا لم يجب، و لو امكنه الاستنابة و لم يستنب حتى مات وجب القضاء عنه.
(مسألة 66): اذا وجبت الاستنابة و لم يستنب و لكن تبرع متبرع عنه لم يجزئه ذلك (2)، و وجبت عليه الاستنابة.
(مسألة 67): يكفي في الاستنابة: الاستنابة من الميقات، و لا تجب الاستنابة من البلد (3).
(1)بل الأقوى ذلك، لأن ارتفاع العذر عنه و استعادة قوته و نشاطه بالتمكن من القيام المباشر بالحج كاشف عن أن النيابة غير مشروعة في حقه.
(2)في عدم الاجزاء اشكال، و لا يبعد الاجزاء و قد فصلنا الحديث عن ذلك في المسألة (6) من (فصل: في النيابة) في الجزء الثامن من كتابنا (تعاليق مبسوطة).
(3)هذا اذا لم يكن الميت قد اوصى بالحج عنه، و أما إذا كان قد أوصى بذلك بدون التقييد بكونه من الميقات، فيجب على الوصي أو الوارث أن يحج عنه من البلد مباشرة أو استنابة، و إن شئت تفصيل ذلك فراجع الجزء الثامن من
(مسألة 68): من استقر عليه الحج اذا مات بعد الاحرام في الحرم اجزأه عن حجة الإسلام، سواء في ذلك حج التمتع و القران و الافراد، و اذا كان موته في اثناء عمرة التمتع اجزأ عن حجه أيضا و لا يجب القضاء عنه، و ان مات قبل ذلك وجب القضاء حتى اذا كان موته بعد الاحرام و قبل دخول الحرم أو بعد الدخول في الحرم بدون احرام و الظاهر اختصاص الحكم بحجة الإسلام فلا يجري في الحج الواجب بالنذر أو الافساد، بل لا يجري في العمرة المفردة أيضا، فلا يحكم بالاجزاء في شيء من ذلك، و من مات بعد الاحرام مع عدم استقرار الحج عليه فان كان موته بعد دخوله الحرم فلا اشكال في اجزائه عن حجة الإسلام و أما إذا كان قبل ذلك فالظاهر وجوب القضاء عنه (1) أيضا.
(1)في الوجوب اشكال بل منع، لأن موته في سنة الاستطاعة كاشف عن عدم وجوب الحج عليه من الأول، حيث إن مقتضى القاعدة عدم الوجوب حتى اذا كان موته في اثناء العمرة، بل اثناء الحج. و أما الروايات الواردة في المسألة التي تنص على أن من خرج حاجا و مات في الطريق، فان كان بعد الاحرام و دخول الحرم اجزأ عنه حجة الإسلام، و إن كان قبل الإحرام فليقض عنه وليه حجة الإسلام، فلا إطلاق لها، لأنها في مقام بيان حكم من مات في الطريق الى الحج، أما كونه في سنة الاستطاعة أو بعد استقرار الحج عليه فلا نظر لها من هذه الناحية، فاذن يكون القدر المتيقن منها من استقر عليه الحج، بل في نفس هذه الروايات قرائن على أن موردها من استقر عليه الحج.
(منها) قوله عليه السّلام: «أجزأ عنه حجة الإسلام»1 ، فانه يدل على أن ذمته
(مسألة 69): إذا اسلم الكافر المستطيع وجب عليه الحج (1)، و أما لو زالت استطاعته ثم اسلم لم يجب عليه.
(مسألة 70): المرتد يجب عليه الحج لكن لا يصح منه حال ارتداده (2)، فان تاب صح منه و ان كان مرتدا فطريا على الأقوى.
(1)بل وجب عليه مطلقا بناء على ما قويناه من أن الكفار مكلفون بالفروع.
(2)لكن لا يبعد الصحة، بناء على ما ذكرناه من المناقشة في شرطية الإسلام في صحة العبادة، و قد حققنا ذلك بصورة موسعة في (فصل: في شرائط صحة الصوم) في الجزء الخامس من كتابنا (تعاليق مبسوطة).
(مسألة 71): اذا حج المخالف ثم استبصر لا تجب عليه اعادة الحج اذا كان ما أتى به صحيحا في مذهبه (1) و ان لم يكن صحيحا في مذهبنا.
(مسألة 72): اذا وجب الحج، و اهمل المكلف في ادائه حتى زالت الاستطاعة وجب الاتيان به باي وجه تمكن و لو متسكعا، ما لم يبلغ حد العسر و الحرج و إذا مات وجب القضاء من تركته، و يصح التبرع عنه بعد موته من دون اجرة.
(1)بل الأمر كذلك اذا كان صحيحا في مذهبنا أيضا، و إن كان باطلا في مذهبه على تفصيل ذكرناه في المسألة (5) من (فصل: في صلاة القضاء) في الجزء الرابع من كتابنا (تعاليق مبسوطة).
الوصية بالحج
(مسألة 73): تجب الوصية (1) على من كانت عليه حجة الإسلام و قرب منه الموت، فان مات تقضى من اصل تركته، و ان لم يوص بذلك (2)، و كذلك ان اوصى بها و لم يقيدها بالثلث، و ان قيدها بالثلث فان و في الثلث بها وجب اخراجها منه، و تقدم على سائر الوصايا، و ان لم يف الثلث بها لزم تتميمه من الاصل.
(1)عقلا شريطة أن يعلم الموصي أو يحتمل أنه لو لم يوص بحجة الإسلام لفاتت منه و لم يقم أحد بالقضاء عنه نيابة أو تبرعا، و أما إذا كان عالما أو واثقا بأن وارثه يقوم بالاستنابة للحج عنه فلا تكون واجبة.
(2)للروايات التي تنص على أن حجة الإسلام تخرج من صلب التركة، سواء أ كان الميت قد أوصى بها أم لا، و قد ورد في بعض الروايات أنها بمنزلة الدين الواجب، بل انها تتقدم عليه في مقام المزاحمة و عدم وفاء التركة للجميع، و نتيجة ذلك ان التركة ان اتسعت لنفقات حجة الإسلام أخرجت منها جميعا و إن لم يوص بها، و إن لم تتسع لها و لو للحد الأدنى من نفقاتها كانت التركة للورثة، و إن أوصى بها، و لا يجب صرفها في مصلحة الميت من وجوه البر و الاحسان، لأن المانع من انتقالها الى الورثة هو الحج بها عن الميت نيابة، فاذا لم يمكن ذلك لقلتها و عدم كفايتها حتى للحد الأدنى من نفقاته، فلا مانع من انتقالها اليهم. نعم اذا كان الميت قد أوصى باخراج حجة الإسلام من ثلثه، و تبرع متبرع بالحج عنه نيابة لم يجز للورثة اهمال الوصية رأسا، بل وجب صرف مقدار نفقة الحج من الثلث في وجوه البر و الإحسان. و السبب فيه ان المستفاد
(مسألة 74): من مات و عليه حجة الإسلام و كان له عند شخص وديعة، و احتمل ان الورثة لا يؤدونها (1) ان ردّ المال اليهم وجب عليه ان يحجّ بها عنه.
(1)الأصل فيه صحيحة بريد العجلي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن رجل استودعني مالا و هلك، و ليس لولده شيء، و لم يحج حجة الإسلام، قال :
فاذا زاد المال من أجرة الحج ردّ الزائد إلى الورثة، و لا فرق بين ان يحج الودعي بنفسه، أو يستأجر شخصا آخر. و يلحق بالوديعة كل مال للميت عند شخص بعارية أو اجارة أو غصب او دين او غير ذلك.
(مسألة 75): من مات و عليه حجة الإسلام و كان عليه دين و خمس و زكاة و قصرت التركة، فان كان المال المتعلق به الخمس أو الزكاة موجودا بعينه لزم تقديمهما (1)
(1)في التعبير بالتقديم نوع من التسامح، حيث إن الموهم منه ان وجوب اخراج الخمس أو الزكاة من اعيان التركة مزاحم مع وجوب الحج منها، و بما أن الأول أهم من الثاني فيقدم عليه، مع أن الأمر ليس كذلك، لأن الخمس أو الزكاة اذا كان متعلقا بنفس أعيان التركة، فبما أن هذا المقدار من الأعيان كان ملكا للغير فحينئذ لا يبقى موضوع لوجوب الحج، لأن التركة بعد اخراج مال الغير منها لا تفي بنفقات سفر الحج، و المفروض ان الحج انما يخرج من تركة الميت، و مال
و ان كانا في الذمة يتقدم الحج عليهما، كما يتقدم على الدين (1).
(مسألة 76): من مات و عليه حجة الإسلام لم يجز لورثته التصرف في تركته قبل استئجار الحج سواء كان مصرف الحج مستغرقا للتركة أم لم يكن مستغرقا على الأحوط (2). نعم اذا كانت التركة واسعة جدا، و التزم الوارث بادائه جاز له التصرف في التركة، كما هو الحال في الدين.
(1)الأصل فيه صحيحة معاوية، قال: «قلت له رجل يموت و عليه خمسمائة درهم من الزكاة، و عليه حجة الإسلام، و ترك ثلاثمائة درهم، فأوصى بحجة الإسلام، و أن يقضى عنه دين الزكاة، قال: يحج عنه من أقرب ما يكون، و تخرج البقية من الزكاة»1 ، و مثلها صحيحته الأخرى، و موردها و إن كان تقديم الحج على الزكاة إلاّ ان العرف بمناسبة الحكم و الموضوع الارتكازية لا يرى خصوصية للزكاة الاّ باعتبار أنها دين في الذمة، و لهذا عبر عنها في السؤال بالدين، و نتيجة ذلك ان ذمة الميت اذا كانت مشغولة بحجة الإسلام و بالدين معا، و لم تكن تركته وافية بكليهما كذلك وجب تقديم حجة الإسلام على الدين مقتصرا على حجة الإسلام بأقل أجور، و لا فرق في الدين بين أن يكون شرعيا أو عرفيا.
(2)لكن الأظهر جواز التصرف في التركة اذا كانت زائدة على نفقات الحج أو الدين شريطة التزام الوارث بتهيئة الحجة النيابية المطلوبة، و عدم خوف فوتها، و تدل عليه موثقة عبد الرحمن بن الحجاج عن ابى الحسن عليه السّلام، قال:
«سألته عن رجل يموت و يترك عيالا، و عليه دين، أ ينفق عليهم من ماله؟ قال: إن
(مسألة 77): من مات و عليه حجة الإسلام و لم تكن تركته وافية بمصارفها وجب صرفها في الدين أو الخمس أو الزكاة ان كان عليه شيء من ذلك و إلا فهي للورثة (1)، و لا يجب عليهم تتميمها من مالهم لاستيجار الحج.
(1)باعتبار أن وجوب الحج عن الميت نيابة، بما أنه مرتبط بوفاء التركة بنفقاته، فاذا لم تتسع للحد الأدنى من نفقاته فبطبيعة الحال سقط وجوب الحج و كانت التركة حينئذ للورثة، فان المانع عن انتقالها اليهم انما هو وجوب الحج عن الميت، فاذا سقط فلا مانع من الانتقال ما لم يوجد دين أو وصية، و لا يجب على الورثة تكميل النفقة من مالهم الخاص و إن كان الأولى و الأجدر لهم التكميل، كما لا يجب عليهم بذل تمام النفقة للحج عن الميت اذا لم تكن له
(مسألة 78): من مات و عليه حجة الإسلام لا يجب الاستيجار عنه من البلد، بل يكفي الاستيجار عنه من الميقات (1)، بل من أقرب المواقيت الى مكة ان امكن و الا فمن الأقرب فالأقرب، و الأحوط الأولى الاستيجار من البلد إذا وسع المال، لكن الزائد عن اجرة الميقات لا يحسب على الصغار من الورثة.
(مسألة 79): من مات و عليه حجة الإسلام تجب المبادرة إلى الاستيجار عنه في سنة موته، فلو لم يمكن الاستيجار في تلك السنة من الميقات لزم الاستيجار من البلد، و يخرج بدل الايجار من الأصل (2)، و لا يجوز التأخير إلى السنة القادمة، و لو مع العلم بامكان الاستيجار فيها من الميقات.
(1)هذا اذا لم يكن الميت قد اوصى بأن يحج عنه من تركته، فانه في هذه الحالة لا يستحق الاّ حجة ميقاتية التي تكون أقل كلفة و نفقة من الحجة البلدية، باعتبار أنها لا تكلف النائب السفر الاّ من الميقات، و أما الحجة البلدية فهي تكلف النائب السفر من البلد الذي كان المنوب عنه يعيش فيه، و أما إذا كان الميت قد أوصى بأن يحج عنه من تركته فيكون الموصى به الحجة البلدية، و تخرج من نفقاتها من التركة جميعا، و تفصيل ذلك ذكرناه في المسألة (88) من (فصل: في شرائط وجوب حجة الإسلام) في الجزء الثامن من كتابنا (تعاليق مبسوطة).
(2)أما في صورة الوصية فقد مر أن الموصى به الحجة البلدية، و تخرج نفقاتها جميعا من الأصل، و أما في صورة عدم الوصية فيكون الواجب الحجة الميقاتية، و لكن اذا تعذر الاستيجار للحج عن الميت من الميقات وجب على
(مسألة 80): من مات و عليه حجة الإسلام إذا لم يوجد من يستأجر عنه إلا باكثر من اجرة المثل يجب الاستيجار عنه، و يخرج من الأصل، و لا يجوز التأخير إلى السنة القادمة توفيرا على الورثة و ان كان فيهم الصغار.
(مسألة 81): من مات و اقرّ بعض ورثته بان عليه حجة الإسلام، و أنكره الآخرون فالظاهر انه يجب على المقرّ الاستيجار للحج و لو بدفع تمام مصرف الحج من حصته (1)، غاية الأمر أن له اقامة الدعوى على المنكرين و مطالبتهم بحصته من بقية التركة و يجرى هذا الحكم في الاقرار بالدين أيضا. نعم، اذا لم يف تمام حصته بمصرف الحج لم يجب عليه الاستيجار بتتميمه من ماله الشخصى.
(مسألة 82): من مات و عليه حجة الإسلام و تبرع متبرع عنه بالحج لم يجب على الورثة الاستيجار عنه بل يرجع بدل الاستيجار إلى الورثة (2). نعم، إذا اوصى الميت باخراج حجة الإسلام من ثلثه لم يرجع بدله الى الورثة، بل يصرف في وجوه الخير أو يتصدق به عنه.
(1)في وجوب ذلك اشكال، بل منع، اذ ليس على المقر أن يسدّد كل نفقات الحج من حصته الخاصة به لان الواجب عليه أن يسدّد ما يخصّ حصته، فاذا كانت نفقة الحج بقدر ربع التركة، فليس عليه الاّ أن يدفع ربع ما عنده من التركة، و حينئذ فان اتفق وجود متبرع بسائر النفقة أدى المقر ربع ما عنده و الاّ تصرف في كامل حصته، و لا شيء عليه، و تفصيل ذلك بيّناه في المسألة (85) من (فصل: في شرائط وجوب حجة الإسلام) في الجزء الثامن من كتابنا (تعاليق مبسوطة).
(2)هذا من جهة أن المانع عن انتقال مقدار نفقة الحج الى الورثة، و بقاؤه
(مسألة 83): من مات و عليه حجة الإسلام و اوصى بالاستيجار من البلد وجب ذلك، و لكن الزائد على اجرة الميقات يخرج من الثلث (1)، و لو اوصى بالحج و لم يعين شيئا اكتفى بالاستيجار من الميقات، إلا اذا كانت هناك قرينة على ارادة الاستيجار من البلد، كما إذا عين مقدارا يناسب الحج البلدي.
(مسألة 84): اذا اوصى بالحج البلدي، و لكن الوصي او الوارث استأجر من الميقات بطلت الاجارة (2)، ان كانت الاجارة من مال الميت، و لكن ذمة الميت تفرغ من الحج بعمل الأجير.
(1)بل من الأصل، لما مر من أن الميت اذا كان قد أوصى بالحج بدون تقييده من الميقات كان الظاهر من ذلك أن الموصى به الحجة البلدية، و تخرج نفقاتها جميعا من التركة، و تفصيل ذلك في المسألة (88) من (فصل: في شرائط وجوب حجة الإسلام) في الجزء الثامن من كتابنا (تعاليق مبسوطة).
(2)هذا مبني على أن معنى الوصية بالحجة البلدية الوصية بالاجارة على المقدمات و الأعمال معا، فعندئذ إذا أوقع الوارث او الوصي الاجارة على
(مسألة 85): اذا اوصى بالحج البلدي من غير بلده، كما إذا اوصى ان يستأجر من النجف – مثلا – وجب العمل بها و يخرج الزائد عن اجرة الميقاتية من الثلث (1).
(مسألة 86): إذا اوصى بالاستيجار عنه لحجة الإسلام و عيّن الاجرة لزم العمل بها، و تخرج من الأصل ان لم تزد على اجرة المثل، و إلا كان الزائد من الثلث (2).
(1)بل من الأصل، لما مر من أن للميت في زمن حياته حقا في أن يعين أجرة حجه بعد موته في مال معين و استيجار شخص خاص للحج عنه، و كذلك له تعيين بلد الايجار، و اذا عين وجب على الوصي تنفيذه من الأصل شريطة أن يكون له في ذلك غرض عقلائي، كما اذا كان الحج من تلك البلدة أو من ذلك الشخص أكثر ثوابا و أدق تطبيقا، لا أنه مجرد اضرار بالورثة. نعم اذا عين الأجرة في مال معين، فان لم يف بنفقات الحج، وجب تكميله من التركة، و إن زاد عن الأجرة الاعتيادية يحسب الزائد من الثلث على أساس أن الأجرة الاعتيادية تكفي لنفقات الحج.
نعم، إذا اتفق في مورد لم يوجد من يقبل بها، و طالب باجرة اكبر وجب دفع الكل من الأصل، و لا مبرر للتأجيل كما مر.
(2)ظهر وجه ذلك مما مر، من ان الميت اذا كان قد عين مالا معينا لأجور
(مسألة 87): اذا اوصى بالحج بمال معين و علم الوصي ان المال الموصى به فيه الخمس أو الزكاة وجب عليه اخراجه اولا، و صرف الباقي في سبيل الحج، فان لم يف الباقي بمصارفه لزم تتميمه من اصل التركة، ان كان الموصى به حجة الإسلام، و إلا صرف الباقي في وجوه البر (1).
(مسألة 88): اذا وجب الاستيجار للحج عن الميت بوصية أو بغير وصية، و اهمل من يجب عليه الاستيجار فتلف المال ضمنه (2)، و يجب عليه الاستيجار من ماله.
(1)ظهر حكم هذه المسألة مما ذكرناه في المسألة (82) من أنه اذا تعذر صرف الثلث في الجهة التي عينها الموصي، وجب صرفه في الجهة الأخرى من وجوه البر و الاحسان.
(2)هذا من جهة أن تلف المال بما أنه مستند الى إهماله و تقصيره فيكون ضامنا، فاذن يجب عليه أن يستأجر شخصا للحج عن الميت من ماله عوضا عن المال التالف.
(مسألة 89): إذا علم استقرار الحج على الميت، و شك في ادائه وجب القضاء عنه (1)، و يخرج من اصل المال.
(مسألة 90): لا تبرأ ذمة الميت بمجرد الاستيجار (2) فلو علم ان الأجير لم يحج لعذر أو بدونه وجب الاستيجار ثانيا، و يخرج من الأصل و ان امكن استرداد الاجرة من الأجير تعين ذلك، اذا كانت الاجرة مال الميت.
(مسألة 91): اذا تعدد الأجراء فالأحوط استيجار اقلهم اجرة، إذا كانت الاجارة بمال الميت، و إن كان الأظهر جواز استيجار المناسب لحال الميت من حيث الفضل و الشرف، فيجوز استيجاره بالأزيد (3).
(1)هذا من جهة ان موضوع وجوب القضاء مركب من أمرين:
أحدهما: استقرار الحج في ذمة الميت.
و الآخر: عدم الاتيان به.
و الاول محرز بالوجدان، و الثاني بالاستصحاب، و بضم الوجدان الى الاستصحاب يتم الموضوع، و يترتب عليه حكمه، و هو وجوب القضاء.
(2)الأمر كما أفاده قدّس سرّه لأن مقتضى عقد الايجار ان المستأجر يملك العمل في ذمة الأجير، و الأجير يملك الأجرة في ذمة المستأجر، و أما فراغ ذمة الميت فهو مترتب على قيام الأجير بالعمل في الخارج و اتيانه فيه.
(3)بل يجوز مطلقا حتى اذا كان الأجير أفضل من الميت شأنا و مقاما و علما، و مع ذلك يجوز استيجاره للحج عنه باجرة مناسبة لحال الأجير و مقامه، و إن كانت تلك الأجرة اكبر مما يتطلب شأن الميت و مقامه، و لا يجب استيجار شخص مناسب لشأن الميت و مقامه بأجرة مناسبة.
و النكتة في ذلك أن الأجرة الاعتيادية على درجات تبعا لنوعية الأجير، و هي تخرج من تركة الميت من أعلاها الى أدناها، و حينئذ فيجوز الأخذ بأعلى
(مسألة 92): العبرة في وجوب الاستيجار من البلد او الميقات بتقليد الوارث أو اجتهاده، لا بتقليد الميت او اجتهاده (1) فلو كان الميت يعتقد وجوب الحج البلدي و الوارث يعتقد جواز الاستيجار من الميقات لم يلزم على الوارث الاستيجار من البلد.
(مسألة 93): إذا كانت على الميت حجة الإسلام و لم تكن له تركة لم يجب الاستيجار عنه على الوارث. نعم، يستحب ذلك على الولي.
(1)الأمر كما افاده قدّس سرّه الاّ في مورد واحد و هو ما اذا كان نظر الميت موافقا للاحتياط و نظر الوارث مخالفا له، و كان مبنيا على الأصل العملي المؤمّن كأصالة البراءة، دون الدليل الاجتهادي، فان في مثل ذلك بما أن الوارث يحتمل مطابقة نظر الميت للواقع، و لم يقم عنده ما يكشف عن بطلانه، فمن أجل ذلك فالأحوط و الأجدر به وجوبا أن يعمل على طبق نظر الميت، هذا بالنسبة إلى الوارث. و أما الوصي فان كان نظره مطابقا لنظر الموصي اجتهادا أو تقليدا فهو
(مسألة 94): اذا اوصى بالحج فان علم ان الموصى به هو حجة الإسلام اخرج من اصل التركة إلا فيما اذا عين اخراجه من الثلث، و أما إذا علم ان الموصى به غير حجة الإسلام، او شك في ذلك فهو يخرج من الثلث (1).
(مسألة 95): اذا اوصى بالحج، و عين شخصا معينا لزم العمل بالوصية، فان لم يقبل إلا بازيد من اجرة المثل اخرج الزائد من الثلث (2)، فان لم يمكن ذلك أيضا استؤجر غيره باجرة المثل.
(1)الأمر كما أفاده قدّس سرّه و ذلك لأن الوارث أو الوصي اذا شك في أن الموصى به هل هو حجة الإسلام أو غيرها كان مرد هذا الشك الى الشك في أن الوصية قد تعلقت بها أو بغيرها، و في مثل ذلك لا مانع من الرجوع الى أصالة عدم تعلقها بها، و بذلك ينفى موضوع وجوب الخروج من الأصل و هو تعلق الوصية بها، فلذلك يخرج من الثلث لا من أصل المال.
(2)هذا لما مر من أن حق الميت شرعا في التركة إنما يمثل مقدار نفقات سفر الحج الاعتيادية من أعلى درجاتها الى أدناها، الاّ في حالات استثنائية كما عرفت، و على هذا فاذا لم يقبل الأجير الاّ بأجرة اكبر من الأجرة الاعتيادية بأعلى تلك الدرجات، فالزائد يخرج من ثلث الباقي شريطة أن يوجد هناك من يقبل بالاجرة الاعتيادية، و أما إذا لم يوجد و طالب الأجير بأجور أكبر من الاعتيادية
(مسألة 96): اذا اوصى بالحج، و عين اجرة لا يرغب فيها احد، فان كان الموصى به حجة الإسلام لزم تتميمها من اصل التركة، و ان كان الموصى به غيرها بطلت الوصية، و تصرف الأجرة في وجوه البر (1).
(مسألة 97): اذا باع داره بمبلغ – مثلا – و اشترط على المشتري ان يصرفه في الحج عنه بعد موته كان الثمن من التركة (2)، فان كان الحج حجة الإسلام لزم الشرط و وجب صرفه في اجرة الحج، ان لم يزد على أجرة المثل و إلا فالزائد يخرج من الثلث، و ان كان الحج غير حجة الإسلام لزم الشرط أيضا، و يخرج تمامه من الثلث و ان لم يف الثلث لم يلزم الشرط في المقدار الزائد.
(1)الأمر كما أفاده قدّس سرّه و ذلك، لما عرفت من أن الوصية بالثلث تدل على أن غرض الميت منها بقاؤه في ملكه و صرفه في الأهم فالأهم مما يصل نفعه اليه، و على هذا فالأجرة التي عينها الموصي للحج بما أنه لا يرغب فيها أحد، و لا يقبل الحج بها فالوصية بالنسبة إليه باطلة، و حينئذ فلا بد من صرفها في الجهة الأخرى مع مراعاة الأقرب فالأقرب، على أساس ما ذكرناه من دلالة الوصية على تعدد المطلوب، يعنى الأهم فالأهم، و الأقرب فالأقرب.
(2)في اطلاقه اشكال، بل منع، لأن الشرط في المسألة بما انه يتضمن الوصية بصرف ثمن الدار في الحج عنه بعد موته، فيكون المشروط بهذا الشرط الوصية بالحج، و عليه فان كان الحج الموصى به حجة الإسلام أخرج الثمن من التركة، فان و في بنفقات الحج فهو المطلوب، و إن لم يف بها فان كانت له تركة اخرى وجب تكميله منها، و الاّ كان الثمن للورثة، باعتبار أن هذه الوصية وصية بحجة الإسلام مباشرة، و لا ترجع الى الوصية بالثلث.
(مسألة 98): اذا صالحه داره – مثلا – على أن يحج عنه – بعد موته – صح و لزم، و خرجت الدار عن ملك المصالح الشارط، و لا تحسب من التركة، و ان كان الحج ندبيا، و لا يشملها حكم الوصية، و كذلك الحال اذا ملكه داره بشرط أن يبيعها و يصرف ثمنها في الحج عنه بعد موته، فجميع ذلك صحيح لازم، و ان كان العمل المشروط عليه ندبيا، و لا يكون للوارث حينئذ حق في الدار، و لو تخلف المشروط عليه عن العمل بالشرط لم ينتقل الخيار الى الوارث، و ليس له اسقاط هذا الخيار الذي هو حق للميت و انما يثبت الخيار للحاكم الشرعي (1) و بعد فسخه يصرف المال فيما شرط على المفسوخ عليه فان زاد شيء صرف في وجوه الخير.
(1)هذا مبني على أن مفاد شرط الفعل ليس هو إنشاء تمليكه للمشروط له، بل مفاده الزام المشروط عليه بالعمل بالشرط تكليفا، و على هذا فليس الشرط ملكا و لا حقا حتى يكون من التركة و ينتقل الى الورثة، و حينئذ فاذا امتنع المشروط عليه عن العمل بالشرط ثبت للميت خيار تخلف الشرط، و ينتقل هذا الخيار الى الحاكم الشرعي بمعنى أنه يقوم مقامه في اعماله ولاية، لا الى الورثة لأنهم لا ينتفعون به كالأجنبي، و قد مر أن الخيار انما ينتقل اليهم تبعا لانتقال الملك او الحق لا مطلقا، و أما بناء على أن مفاده إنشاء تمليك الفعل المشروط للمشروط له، كما هو غير بعيد فينتقل الخيار حينئذ الى الورثة تبعا لانتقال الشرط اليهم.
بيان ذلك: انه يمكن ان يقال ان المنشأ في شرط الفعل في الحقيقة هو المعنى الحرفي، يعني النسبة المدلول عليه بكلمة (اللام) في قولك عند الاشتراط في عقد «ان تخيط لي ثوبي» أو «لك عليّ خياطة الثوب» و حيث ان النسبة الخارجية بين الشرط و المشروط له في الخارج غير قابلة للإنشاء، فلا
(مسألة 99): لو مات الوصي و لم يعلم انه استأجر للحج – قبل موته – وجب الاستيجار من التركة (1)، فيما اذا كان الموصى به حجة الإسلام، و من الثلث اذا كان غيرها. و اذا كان المال قد قبضه الوصي – و كان موجودا – اخذ، و ان احتمل ان الوصي قد استأجر من مال نفسه و تملك ذلك بدلا عما اعطاه، و ان لم يكن المال موجودا فلا ضمان على الوصي، لاحتمال تلفه عنده بلا تفريط.
(مسألة 100): اذا تلف المال في يد الوصي بلا تفريط لم يضمنه و وجب الاستيجار من بقية التركة، اذا كان الموصى به حجة الإسلام، و من بقية الثلث ان كان غيرها فان كانت البقية موزعة على الورثة استرجع منهم بدل الايجار بالنسبة، و كذلك الحال ان استؤجر احد للحج و مات قبل الاتيان بالعمل، و لم يكن له تركة، أو لم يمكن الأخذ من تركته.
(مسألة 101): اذا تلف المال في يد الوصي قبل الاستيجار، و لم يعلم ان التلف كان عن تفريط لم يجز تغريم الوصي (2).
(مسألة 102): اذا اوصى بمقدار من المال لغير حجة الإسلام، و احتمل انه زائد على ثلثه لم يجز صرف جميعه (3).
(1)هذا اذا لم يؤد ظهور حاله الى الوثوق و الاطمينان بأنه عمل بالوصية و استأجر للحج عن الميت، و الاّ لم يجب الاستيجار عنه، و به يظهر حال ما بعده.
(2)لأن موضوع التغريم تلف المال عن تقصير و اهمال منه، و هو غير محرز.
(3)لأن موضوع جواز التصرف فيه حيث إنه صحة الوصية، و هي غير محرزة بالنسبة الى الجميع، فانه إن كان زائدا على الثلث لم تصح الوصية بالزائد عليه، و الاّ صحت، و بما أنا لا ندري انه زائد على الثلث أو لا، فبطبيعة الحال لا
فصل في النيابة
(مسألة 103): يعتبر في النائب امور:
الاول: البلوغ، فلا يجزي حج الصبي من غيره في حجة الإسلام و غيرها من الحج الواجب، و ان كان الصبي مميزا (1).
نعم، لا يبعد صحة نيابته في الحج المندوب باذن الولي.
الثاني: العقل، فلا تجزي استنابة المجنون، سواء في ذلك ما إذا كان جنونه مطبقا، أم كان ادواريا إذا كان العمل في دور جنونه، و اما السفيه فلا بأس باستنابته.
الثالث: الايمان فلا عبرة بنيابة غير المؤمن، و ان اتى بالعمل على طبق مذهبنا.
الرابع: ان لا يكون النائب مشغول الذمة بحج واجب عليه في عام النيابة. اذا تنجز الوجوب عليه و لا بأس باستنابته فيما إذا كان جاهلا بالوجوب أو غافلا عنه و هذا الشرط شرط في صحة الاجارة (2) لا في صحة حج النائب، فلو حج – و الحالة هذه – برئت ذمة المنوب عنه، و لكنه لا يستحق الاجرة المسماة، بل يستحق أجرة المثل.
(1)لأن سقوط الواجب عن ذمة شخص بفعل غيره عنه نيابة بحاجة الى دليل و لا دليل الاّ فيما اذا كان النائب بالغا، و اما اذا لم يكن بالغا فلا دليل على الكفاية، و إن كانت عبادته في نفسها مشروعة.
(2)هذا لا من جهة أن الاجارة لو صحت لزم وجوب حجين متضادين:
(مسألة 104): يعتبر في فراغ ذمة المنوب عنه احراز عمل النائب، و الاتيان به صحيحا، فلا بد من معرفته باعمال الحج و احكامه، و ان كان ذلك بارشاد غيره عند كل عمل، كما لا بد من الوثوق به، و ان لم يكن عادلا.
(مسألة 105): لا بأس بنيابة المملوك عن الحر. إذا كان باذن مولاه (1).
(1)اذ لا دليل على اعتبار الحرية في النائب.
نعم، اذا كان النائب عبدا فلا بد من أن تكون استنابته باذن مولاه، و الاّ لم تصح.
(مسألة 106): لا بأس بالنيابة عن الصبي المميز (1)، كما لا بأس بالنيابة عن المجنون، بل يجب الاستيجار عنه اذا استقر عليه الحج في حال افاقته و مات مجنونا.
(مسألة 107): لا تشترط المماثلة بين النائب و المنوب عنه، فتصح نيابة الرجل عن المرأة، و بالعكس.
(مسألة 108): لا بأس باستنابة الصرورة عن الصرورة و غير الصرورة، سواء كان النائب أو المنوب عنه رجلا أو امرأة. نعم، يكره استنابة الصرورة، و لا سيما إذا كان النائب امرأة و المنوب عنه رجلا، و يستثنى من ذلك ما إذا كان المنوب عنه رجلا حيا، و لم يتمكن من حجة الإسلام، فان الأحوط فيه لزوما استنابة الرجل الصرورة (2).
(1)لأن الروايات التي تنص على استحباب النيابة عن غيره في الحج أو غيره من العبادات تشمل باطلاقها الصبي المميز، و المجنون أيضا.
(2)لكن الأقوى عدم اعتبار الصرورة فيه، لأن عمدة الدليل على اعتبارها صحيحة الحلبي: «إن كان موسرا و حال بينه و بين الحج مرض أو حصر أو أمر يعذره اللّه فيه، فان عليه أن يحج عنه من ماله صرورة لا مال له»1 ، بدعوى أنها تدل على أن النائب عن الرجل الحي العاجز عن القيام المباشر بالحج لا بد أن يكون صرورة بمقتضى ظهور القيد في الاحتراز.
و الجواب: ان الصحيحة لا تدل على اعتبار الصرورة في النائب عن الرجل الحي العاجز حتى على القول بأن القضية الوصفية تدل على المفهوم اما بملاك ظهور القيد في الاحتراز او من جهة أخرى، و ذلك لأن من يقول بدلالة هذه القضية على المفهوم انما يقول في الوصف الذي يذكر معه موصوفه، فانه
(مسألة 109): يشترط في المنوب عنه الإسلام فلا تصح النيابة عن الكافر، فلو مات الكافر مستطيعا، و كان الوارث مسلما لم يجب عليه استيجار الحج عنه (1). و الناصب كالكافر، إلا انه يجوز لولده المؤمن ان ينوب عنه في الحج.
(مسألة 110): لا بأس بالنيابة عن الحي في الحج المندوب تبرعا كان أو باجارة، و كذلك في الحج الواجب إذا كان معذورا عن الاتيان بالعمل مباشرة على ما تقدم و لا تجوز النيابة عن الحي في غير ذلك. و اما النيابة عن الميت فهي جائزة مطلقا، سواء كانت باجارة، أو تبرع و سواء كان الحج واجبا أو مندوبا.
(1)هذا بناء على القول بأن الكفار غير مكلفين بالفروع واضح، اذ حينئذ لا موضوع للنيابة عنهم، و أما بناء على القول بأنهم مكلفون بالفروع كما استظهرناه، فعندئذ و إن كانت ذمتهم مشغولة بالعبادات منها الحج، الاّ ان صحة النيابة عنهم بحاجة الى دليل، و لا دليل عليها، لأن أدلة النيابة لا اطلاق لها حتى
(مسألة 111): يعتبر في صحة النيابة تعيين المنوب عنه بوجه من وجوه التعيين (1)، و لا يشترط ذكر اسمه، كما يعتبر فيها قصد النيابة.
(مسألة 112): كما تصح النيابة بالتبرع و بالاجارة تصح بالجعالة و بالشرط في ضمن العقد و نحو ذلك.
(مسألة 113): من كان معذورا في ترك بعض الاعمال، أو في عدم الاتيان به على الوجه الكامل لا يجوز استيجاره (2)، بل لو تبرع المعذور و ناب عن غيره يشكل الاكتفاء بعمله. نعم، إذا كان معذورا في ارتكاب ما يحرم على المحرم كمن اضطر إلى التظليل فلا بأس باستيجاره و استنابته و لا بأس لمن دخل مكة بعمرة مفردة أن ينوب عن غيره لحج التمتع مع العلم أنه لا يستطيع الاحرام الا من ادنى الحل، كما لا بأس بنيابة النساء أو غيرهن ممن تجوز لهم الافاضة من المزدلفة قبل طلوع الفجر، و الرمي ليلا للحج عن الرجل أو المرأة.
(1)اذ لا شبهة في اعتبار قصد النيابة في صحة عمل النائب، فلو حج بدون أن يقصد النيابة عن غيره لم يصح، لا عن نفسه و لا عن غيره، كما أنه يعتبر في صحته أن يقصد النيابة عن غيره معينا في الخارج و لو بعنوان اجمالي كعنوان من قصده المستأجر، أو من اعطى الأجرة له على عمله، أو غير ذلك، فاذا حج النائب و قصد النيابة عن غيره بدون تعيينه لم يقع منه.
(2)هذا هو الصحيح و ذلك لأن ذمة الميت اذا كانت مشغولة بالواجب بكامل اجزائه و شروطه لم يصح استيجار من لا يقدر على الواجب كذلك لمرض أو هرم أو غيره، لأن ما هو مورد للإجارة لا يكون مطابقا لما في ذمة
(مسألة 114): اذا مات النائب قبل أن يحرم لم تبرأ ذمة المنوب عنه، فتجب الاستنابة عنه ثانية في ما تجب الاستنابة فيه، و ان مات بعد الاحرام اجزأ عنه و ان كان موته قبل دخول الحرم على الأظهر (1)، و لا فرق في ذلك بين حجة الإسلام و غيرها، و لا بين أن تكون النيابة بأجرة أو بتبرع.
(مسألة 115): اذا مات الأجير بعد الاحرام استحق تمام الأجرة إذا كان اجيرا على تفريغ ذمة الميت، و اما إذا كان اجيرا على الاتيان بالاعمال استحق الاجرة بنسبة ما اتى به، و ان مات قبل الاحرام لم يستحق شيئا.
نعم، إذا كانت المقدمات داخلة في الاجارة استحق من الأجرة بقدر ما أتى به منها.
(1)للنص، و بذلك يفترق النائب عن الأصيل، فان النائب اذا مات في
(مسألة 116): اذا استأجر للحج البلدي، و لم يعين الطريق، كان الأجير مخيرا في ذلك، و إذا عين طريقا لم يجز العدول منه إلى غيره (1)، فان عدل و اتى بالأعمال، فان كان اعتبار الطريق في الاجارة على نحو الشرطية (2) دون الجزئية استحق الأجير تمام الاجرة، و كان للمستأجر خيار الفسخ، فان فسخ يرجع إلى اجرة المثل و ان كان اعتباره على نحو الجزئية كان للمستأجر الفسخ أيضا، فان لم يفسخ استحق من الأجرة المسماة بمقدار عمله، و يسقط بمقدار مخالفته.
(1)هذا إذا علم بأن تعيين الطريق منه انما يكون من باب الموضوعية اما بملاك أن الحج من هذا الطريق أكثر ثوابا و أجرا، كما اذا عين الحج من طريق النجف الاشرف – مثلا – او من طريق المدينة المنورة ذهابا و ايابا، أو بملاك انه يرى أن الحج من هذا الطريق أكثر أمنا و سلامة، أو غير ذلك، و أما إذا علم بأن تعيين الطريق منه انما يكون بملاك أنه الطريق المتعارف بدون أن تكون فيه خصوصية بنظره، فيجوز له العدول منه الى طريق آخر، و أما إذا شك في ذلك فأيضا لا مانع من العدول بمقتضى أصالة البراءة عن وجوب الذهاب الى الحج من هذا الطريق.
(2)هذا يتصور على نحوين:
أحدهما: ان يكون متعلق الاجارة حصة خاصة من الحج و هي الحج المقيد من طريق خاص معين، أو بلدة معينة.
و الآخر: أن يكون طبيعي الحج و تعيين الطريق انما هو بالشرط الخارجي.
(مسألة 117): اذا آجر نفسه للحج عن شخص مباشرة في سنة معينة لم تصح اجارته عن شخص آخر في تلك السنة مباشرة أيضا، و تصح الاجارتان مع اختلاف السنتين، أو مع عدم تقيد احدى الاجارتين او كلتيهما بالمباشرة.
(مسألة 118): اذا آجر نفسه للحج في سنة معينة لم يجز له التأخير و لا التقديم. و لكنه لو قدّم أو أخّر برئت ذمة المنوب عنه، و لا يستحق الأجرة إذا كان التقديم أو التأخير بغير رضى المستأجر (1).
(مسألة 119): اذا صدّ الأجير، أو احصر فلم يتمكن من الاتيان بالأعمال كان حكمه حكم الحاج عن نفسه، و يأتي بيان ذلك إن شاء اللّه تعالى، و انفسخت الاجارة إذا كانت مقيدة بتلك السنة، و يبقى الحج في ذمته إذا لم تكن مقيدة بها.
(1)الأمر كما افاده قدّس سرّه لأن متعلق الاجارة حصة خاصة من الحج و هي الحج في سنة معينة، و عليه فاذا حج الأجير في سنة أخرى فبما أنه لم يأت بما هو متعلق الاجارة فلا يستحق الاجرة المسماة، و كذلك أجرة المثل حيث ان ما أتى به لم يكن باذن المستأجر و أمره فلا يستحقها أيضا.
(مسألة 120): اذا اتى النائب بما يوجب الكفارة فهي من ماله، سواء كانت النيابة باجارة أو بتبرع.
(مسألة 121): اذا استأجره للحج باجرة معينة فقصرت الأجرة عن مصارفه لم يجب على المستأجر تتميمها كما انها إذا زادت عنها لم يكن له استرداد الزائد.
(مسألة 122): اذا استأجره للحج الواجب أو المندوب فافسد الأجير حجه بالجماع قبل المشعر وجب عليه اتمامه و أجزأ المنوب عنه (1)،
و عليه الحج من قابل و كفارة بدنة و الظاهر انه يستحق الأجرة، و ان لم يحج من قابل لعذر أو غير عذر، و تجري الأحكام المذكورة في المتبرع أيضا غير انه لا يستحق الأجرة.
(مسألة 123): الأجير و ان كان يملك الأجرة بالعقد، و لكن لا يجب تسليمها اليه إلا بعد العمل اذا لم يشترط التعجيل، و لكن الظاهر جواز مطالبة الأجير للحج الأجرة قبل العمل، و ذلك من جهة القرينة على اشتراط ذلك، فان الغالب ان الأجير لا يتمكن من الذهاب الى الحج، أو الاتيان بالاعمال قبل اخذ الأجرة.
(مسألة 124): إذا آجر نفسه للحج فليس له أن يستأجر غيره إلا مع اذن المستأجر (2).
(1)هذا من جهة أن الحجة الأولى هي الحجة الواجبة، و الثانية عقوبة، فلذلك يستحق تمام الأجرة المسماة و ان ترك الحجة في السنة الثانية و لم يأت بها.
(2)لأن الحج في ذمته في السنة الحالية بما أنه مملوك للمستأجر الأول بمقتضى عقد الاجارة الواقعة بينهما، فلا يجوز له التصرف فيه الاّ باذنه.
(مسألة 125): اذا استأجر شخصا لحج التمتع مع سعة الوقت، و اتفق ان الوقت قد ضاق فعدل الاجير عن عمرة التمتع الى حج الافراد و أتى بعمرة مفردة بعده برئت ذمة المنوب عنه (1)، لكن الأجير لا يستحق الأجرة إذا كانت الاجارة على نفس الأعمال.
نعم، إذا كانت الاجارة على تفريغ ذمة الميت استحقها.
(1)في البراءة اشكال، و لا يبعد عدمها، لأن الاجارة إن كانت في ضيق الوقت فهي باطلة، لأن صحتها مشروطة بقدرة الأجير على الوفاء بها، و لا قدرة له على الوفاء في ضيق الوقت، و أما إذا كانت في سعة الوقت ثم اتفق ضيقه، فحينئذ تارة يكون الضيق مستندا الى اهمال الأجير و تسامحه في الوفاء بالاجارة، و أخرى لا يكون مستندا الى اهماله و تسامحه.
أما على الأول: فلا موجب لبطلان الاجارة، لأن الأجير حيث كان متمكنا من الوفاء بها و لكنه أخره تسامحا و اهمالا الى أن ضاق الوقت و عجز عنه، فلا مبرر لبطلانها، و حينئذ فيثبت الخيار للمستأجر و له أن يفسخ الاجارة و يطالب الأجير باسترداد الأجرة، و له ان لا يفسخها و يطالبه بقيمة العمل المستأجر عليه.
و أما على الثاني: فمقتضى القاعدة بطلان الاجارة، لأن صحتها مشروطة بقدرة الأجير على الوفاء بها في ظرفها، و المفروض انه عاجز عن ذلك، و لا يكون عجزه مستندا الى اختياره حتى لا يكون مانعا عن صحتها، هذا.
و ذهب جماعة الى أن وظيفة العاجز في هذه الحالة تنقلب من التمتع الى الافراد. بيان ذلك يتطلب التكلم في عدة مقامات:
الأول: ان ما ذهب اليه جماعة من انقلاب الحج من التمتع الى الافراد في هذه الحالة، هل هو صحيح أو لا؟
الثاني: على تقدير القول بالانقلاب فيها، فهل تظل الاجارة صحيحة أو تبطل؟
(مسألة 126): لا بأس بنيابة شخص عن جماعة في الحج المندوب، و اما الواجب فلا يجوز فيه نيابة الواحد عن اثنين و ما زاد، إلا اذا كان وجوبه عليهما او عليهم على نحو الشركة (1)، كما إذا نذر شخصان أن يشترك كل منهما مع الآخر في الاستيجار في الحج، فحينئذ يجوز لهما أن يستأجر شخصا واحدا للنيابة عنهما.
(مسألة 127): لا بأس بنيابة جماعة في عام واحد عن شخص واحد ميت، أو حي، تبرعا أو بالاجارة، فيما إذا كان الحج مندوبا، و كذلك في الحج الواجب، فيما إذا كان متعددا، كما إذا كان على الميت أو الحي حجان واجبان بنذر – مثلا – او كان احدهما حجة الإسلام و كان الآخر واجبا بالنذر، فيجوز – حينئذ – استيجار شخصين أحدهما لواجب و الآخر لآخر و كذلك يجوز استيجار شخصين عن واحد احدهما للحج الواجب و الآخر للمندوب بل لا يبعد استيجار شخصين لواجب واحد، كحجة الإسلام من باب الاحتياط (2)، لاحتمال نقصان حج احدهما.
(مسألة 128): الطواف مستحب في نفسه، فتجوز النيابة فيه عن الميت، و كذا عن الحي اذا كان غائبا عن مكة أو حاضرا فيها و لم يتمكن من الطواف مباشرة.
(1)فيه ان ذلك ليس من استنابة واحد للاثنين بما هما اثنان في الحقيقة لأنها غير معقولة، بل هو من استنابة واحد للاثنين بما هما شخص واحد حكما، لوضوح أن الحج اذا كان واجبا على كل واحد من شخصين مستقلا احتاج كل منهما الى نائب مستقل، و لا تتصور كفاية نائب واحد عن الجميع.
(2)بأن ينوب جماعة لحجة الإسلام عن شخص واحد، فيحج كل واحد
(مسألة 129): لا بأس للنائب بعد فراغه من اعمال الحج النيابي أن يأتي بالعمرة المفردة عن نفسه، أو عن غيره، كما لا بأس ان يطوف عن نفسه او عن غيره.
الحج المندوب
(مسألة 130): يستحب لمن يمكنه الحج ان يحج و ان لم يكن مستطيعا، أو انه أتى بحجة الإسلام، و يستحب تكراره في كل سنة لمن يتمكن من ذلك.
(مسألة 131): يستحب نية العود على الحج حين الخروج من مكة.
(مسألة 132): يستحب احجاج من لا استطاعة له، كما يستحب الاستقراض للحج اذا كان واثقا بالوفاء بعد ذلك، و يستحب كثرة الانفاق في الحج.
(مسألة 133): يستحب اعطاء الزكاة، لمن لا يستطيع الحج ليحج بها.
(مسألة 134): يشترط في حج المرأة اذن الزوج، اذا كان الحج مندوبا، و كذلك المعتدة بالعدة الرجعية و لا يعتبر ذلك في البائنة و في عدة الوفاة.
اقسام العمرة
(مسألة 135): العمرة كالحج (1)، فقد تكون واجبة و قد تكون مندوبة، و قد تكون مفردة، و قد تكون متمتعا بها.
(1)العمرة تشبه الحج في الجهات التالية:
الأولى: كما أن الحج ينقسم الى الواجب و المستحب تارة، و الى التمتع و الافراد تارة أخرى، كذلك العمرة تنقسم تارة الى العمرة الواجبة و المستحبة، و أخرى الى المتعة و المفردة.
(مسألة 136): تجب العمرة كالحج على كل مستطيع واجد للشرائط، و وجوبها كوجوب الحج فوري (1)، فمن استطاع لها – و لو لم يستطع للحج – وجبت عليه.
نعم، الظاهر عدم وجوبها على من كانت وظيفته حج التمتع (2)، و لم يكن مستطيعا، و لكنه استطاع لها، و عليه فلا تجب على الأجير للحج بعد فراغه من عمل النيابة، و ان كان مستطيعا من الاتيان بالعمرة المفردة لكن الاتيان بها أحوط و أما من أتى بحج التمتع فلا يجب عليه الاتيان بالعمرة المفردة جزما.
(1)على الأحوط وجوبا، اذا كان المكلف واثقا و مطمئنا بعدم فوتها لو أخرها.
(2)هو من يبعد مسكنه و موطنه عن المسجد الحرام ستة عشر فرسخا، اى ما يقارب ثمانية و ثمانين كيلومترا، فان وظيفته المفروضة عليه في الإسلام أن يعتمر و يحج بادئا بالعمرة و خاتما بالحج و تسمى الحجة التي تبدأ بالعمرة
(مسألة 137): يستحب الاتيان بالعمرة المفردة مكررا، و الأولى الاتيان بها في كل شهر، و الأظهر جواز الاتيان بعمرة في شهر و ان كان في آخره و بعمرة اخرى في شهر آخر (1) و ان كان في أوله و لا يجوز الاتيان بعمرتين في شهر واحد فيما اذا كانت العمرتان عن نفس المعتمر أو عن شخص آخر و ان كان لا بأس بالاتيان بالثانية رجاء و لا يعتبر هذا فيما اذا كانت احدى العمرتين عن نفسه و الاخرى عن غيره، او كانت كلتاهما عن شخصين غيره، كما لا يعتبر هذا بين العمرة المفردة و عمرة التمتع فمن اعتمر عمرة مفردة جاز له الاتيان بعمرة التمتع بعدها و لو كانت في نفس الشهر. و كذلك الحال في الاتيان بالعمرة المفردة بعد الفراغ من اعمال الحج، و لا يجوز الاتيان بالعمرة المفردة بين عمرة التمتع و الحج.
(1)هذا هو الصحيح، لأن النتيجة المستفادة من الروايات بعد ضم بعضها الى بعضها الآخر هي ان العمرة المفردة مشروعة في كل شهر هلالي مرة واحدة، و لا تكون مشروعة اكثر من مرة، فيسوغ لكل شخص رجلا كان أم امرأة ان يعتمر بعمرة مفردة في الشهر الهلالي مرة واحدة بلا فرق بين أن يكون في العشرة الأولى أو الثانية، أو الثالثة، و من هنا اذا أتى بعمرة مفردة في آخر شهر جاز له الاتيان بعمرة أخرى في أول شهر آخر بحيث لا يكون الفصل بينهما باكثر من يوم أو أقلّ، و استثني من ذلك موردان:
أحدهما: الظاهر من روايات الباب ان اعتبار الفصل بين عمرتين بشهر إنما هو بين عمرتين مفردتين، و أما إذا كانت احداهما مفردة و الأخرى متعة فلا يعتبر هذا الفصل بينهما، و لا مانع من الاتيان بهما في شهر واحد، كما إذا اعتمر
(مسألة 138): كما تجب العمرة المفردة بالاستطاعة كذلك تجب بالنذر، أو الحلف، أو العهد أو غير ذلك.
(مسألة 139): تشترك العمرة المفردة مع عمرة التمتع في اعمالها، و سيأتي بيان ذلك، و تفترق عنها في أمور (1):
1 – ان العمرة المفردة يجب لها طواف النساء و لا يجب ذلك لعمرة التمتع.
2 – ان عمرة التمتع لا تقع إلا في أشهر الحج و هي شوال، و ذو القعدة، و ذو الحجة، و تصح العمرة المفردة في جميع الشهور، و أفضلها شهر رجب و بعده شهر رمضان.
3 – ينحصر الخروج عن الاحرام في عمرة التمتع بالتقصير فقط، و لكن الخروج عن الاحرام في العمرة المفردة قد يكون بالتقصير و قد يكون بالحلق.
(1)الفوارق بين العمرتين في الأمور التالية:
الأول: ان العمرة المفردة تشتمل على طواف آخر حول البيت يسمى بطواف النساء، و هذا الطواف و إن كان واجبا مستقلا، و ليس من واجبات العمرة
4 – يجب ان تقع عمرة التمتع و الحج في سنة واحدة على ما يأتي، و ليس كذلك في العمرة المفردة فمن وجب عليه حج الافراد و العمرة المفردة جاز له أن يأتي بالحج في سنة، و العمرة في سنة أخرى.
5 – ان من جامع في العمرة المفردة، عالما عامدا قبل الفراغ من السعي فسدت عمرته بلا اشكال (1) و وجبت عليه الاعادة بان يبقى في مكة إلى الشهر القادم فيعيدها فيه، و اما من جامع في عمرة التمتع ففي فساد عمرته اشكال، و الأظهر عدم الفساد كما يأتي.
(مسألة 140): يجوز الاحرام للعمرة المفردة من نفس المواقيت التي يحرم منها لعمرة التمتع – و يأتي بيانها – و إذا كان المكلف في مكة و اراد الاتيان بالعمرة المفردة جاز له ان يخرج من الحرم و يحرم، و لا يجب عليه الرجوع إلى المواقيت و الاحرام منها، و الأولى أن يكون احرامه من الحديبية أو الجعرانة، أو التنعيم.
(مسألة 141): تجب العمرة المفردة لمن اراد أن يدخل مكة، فانه لا يجوز الدخول فيها إلا محرما و يستثنى من ذلك من يتكرر منه الدخول و الخروج كالحطاب و الحشاش و نحوهما (2)، و كذلك من خرج من مكة بعد اتمامه اعمال الحج أو بعد العمرة المفردة فانه يجوز له العود اليها، من دون احرام قبل مضي الشهر الذي ادى نسكه فيه، و يأتي حكم الخارج من مكة بعد عمرة التمتع و قبل الحج.
(1)في الفساد اشكال، و لا تبعد الصحة، و ستعرف وجه ذلك في المسألة (223) الآتية.
(2)في التخصيص اشكال، و لا يبعد عموم الحكم لكل من يخرج من
(مسألة 142): من أتى بعمرة مفردة في اشهر الحج و بقي اتفاقا في مكة إلى اوان الحج جاز له أن يجعلها عمرة التمتع (1) و يأتي بالحج، و لا فرق في ذلك بين الحج الواجب و المندوب.
(1)انقلاب العمرة المفردة إلى عمرة التمتع مرتبط بتوفر أمور:
الأول: ان يكون المعتمر للعمرة المفردة بانيا على الرجوع الى بلدته بعد الفراغ من العمرة، و أما اذا كان بانيا على الحج بعدها فلا تنقلب، و لا بد له حينئذ من الاتيان بعمرة التمتع.
الثاني: ان يكون عدوله من الرجوع إلى بلدته بعد الاتيان بالعمرة و الانتهاء منها، و اما اذا كان في اثناء العمرة فلا يكفي في الانقلاب.
الثالث: ان يكون بناؤه على البقاء في مكة بنية الحج، و أما اذا كان بغرض آخر فلا ينقلب، و يجوز له الخروج من مكة حتى في يوم التروية. نعم لا فرق بين أن يكون بناؤه على البقاء في مكة بقصد الحج في موسمه من الأول، أو يكون لسبب آخر فيبقى فيها الى ذي الحجة، أو الى يوم التروية، ثم بنى على
اقسام الحج
(مسألة 143): أقسام الحج ثلاثة: تمتع، و افراد، و قران، و الأول فرض من كان البعد بين اهله و مكة أكثر من ستة عشر فرسخا، و الآخران فرض من كان اهله حاضري المسجد الحرام، بان يكون البعد بين أهله و مكة أقل من ستة عشر فرسخا.
(مسألة 144): لا بأس للبعيد ان يحج حج الافراد أو القران ندبا، كما لا بأس للحاضر أن يحج حج التمتع ندبا، و لا يجوز ذلك في الفريضة، فلا يجزي حج التمتع عمن وظيفته الافراد أو القران، و كذلك العكس.
نعم، قد تنقلب وظيفة المتمتع الى الافراد، كما يأتي.
(مسألة 145): اذا أقام البعيد في مكة، فان كانت إقامته بعد استطاعته و وجوب الحج عليه وجب عليه حج التمتع (1)، و اما إذا كانت استطاعته
(1)في الوجوب اشكال، بل منع، لأن الميزان في الانقلاب إنما هو ببقاء المقيم في مكة الى أن دخل في السنة الثالثة، فاذا دخل فيها انقلبت وظيفته من التمتع الى الافراد تبعا لانقلاب موضوعه، بمعنى ان الشارع جعل المقيم في مكة الى سنتين بمنزلة أهلها، و تترتب عليه آثاره، و لا فرق في ذلك بين أن يكون استطاعته بعد الدخول في الثالثة أو قبل الدخول فيها، بل الأمر كذلك و إن كانت استطاعته في بلدته، فان الموضوع اذا انقلب، انقلب الحكم لا محالة، و على هذا فبما ان الموضوع في المقام قد انقلب بحكم الشارع بعد سنتين، حيث ان المقيم
بعد اقامته في مكة وجب عليه حج الافراد او القران بعد الدخول في السنة الثالثة، و أما إذا استطاع – قبل ذلك – وجب عليه حج التمتع (1).
(1)بل وجب عليه حج الافراد و ذلك لأن موضوع وجوب حج التمتع من لم يكن من أهل مكة، و موضوع وجوب حج الافراد من كان من أهلها، هذا من ناحية.
و من ناحية أخرى ان وجوب الحج مشروط بالاستطاعة سواء أ كان حج التمتع أم كان حج الافراد، و على هذا فمن قصد الاقامة في مكة و ظل فيها الى أن دخل في السنة الثالثة انقلبت وظيفته من التمتع الى الإفراد تبعا لانقلاب الموضوع، و من الواضح ان الموضوع اذا انقلب، انقلب الحكم، و لا يعقل بقاء
……….
هذا إذا كانت اقامته بقصد المجاورة، و أما إذا كانت بقصد التوطن فوظيفته حج الافراد أو القران من اول الامر اذا كانت استطاعته بعد ذلك، و أما إذا كانت قبل قصد التوطن في مكة فوظيفته حج التمتع (1)، و كذلك الحال فيمن قصد التوطن في غير مكة من الاماكن التي يكون البعد بينها و بين المسجد الحرام أقلّ من ستة عشر فرسخ.
(مسألة 146): إذا اقام في مكة، و كانت استطاعته في بلده، أو استطاع في مكة قبل انقلاب فرضه الى حج الافراد أو القران فالاظهر جواز احرامه من ادنى الحل و ان كان الأحوط أن يخرج إلى أحد المواقيت و الاحرام منها لعمرة التمتع، بل الأحوط أن يخرج الى ميقات اهل بلده.
(1)بل حج الافراد كما مر، و به يظهر حال المسألة الآتية.
حج التمتع
(مسألة 147): يتألف هذا الحج من عبادتين تسمى اولاهما بالعمرة، و الثانية بالحج، و قد يطلق حج التمتع على الجزء الثاني منهما، و يجب الاتيان بالعمرة فيه قبل الحج (1).
(مسألة 148): تجب في عمرة التمتع خمسة امور:
الامر الاول: الاحرام من احد المواقيت، و ستعرف تفصيلها.
الامر الثاني: الطواف حول البيت.
الامر الثالث: صلاة الطواف.
الامر الرابع: السعي بين الصفا و المروة.
الامر الخامس: التقصير، و هو أخذ شيء من الشعر أو الاظفار، فاذا أتى المكلف بهذه الأعمال الخمسة خرج من إحرامه، و حلت له الامور التي كانت قد حرمت عليه بسبب الاحرام.
(1)حيث ان حج التمتع بكلا جزأيه عبادة، فلا يقع صحيحا ما لم يتوفر فيه أمور:
الأول: نية القربة بأمل أن يقبل اللّه تعالى منه.
الثاني: قصد الاخلاص و نعني به عدم الرياء.
الثالث: قصد الاسم الخاص المميز له شرعا، فاذا أحرم فلا بد أن يكون احرامه بقصد القربة و الاخلاص و قصد اسمه الخاص، بمعنى ان الاحرام ان كان للعمرة لحجة التمتع من حجة الإسلام نوى ذلك، و ان كان نائبا ذكر اسم المنوب
(مسألة 149): يجب على المكلف أن يتهيأ لأداء وظائف الحج فيما إذا قرب منه اليوم التاسع من ذي الحجة الحرام، و واجبات الحج ثلاثة عشر و هي كما يلى:
1 – الاحرام من مكة، على تفصيل يأتي.
2 – الوقوف في عرفات بعد مضي ساعة من ظهر اليوم التاسع، أو من نفس الظهر من ذي الحجة الحرام إلى المغرب، و تقع عرفات على بعد أربعة فراسخ من مكة.
3 – الوقوف في المزدلفة يوم العيد الأضحى من الفجر الى طلوع الشمس، و تقع المزدلفة بين عرفات و مكة…
4 – رمي جمرة العقبة في منى يوم العيد، و منى على بعد فرسخ واحد من مكة تقريبا.
5 – النحر أو الذبح في منى يوم العيد.
6 – الحلق أو أخذ شيء من الشعر أو الظفر في منى، و بذلك يحل له ما حرم عليه من جهة الاحرام ما عدا النساء و الطيب، بل الصيد على الأحوط.
7 – طواف الزيارة بعد الرجوع إلى مكة.
8 – صلاة الطواف.
9 – السعي بين الصفا و المروة، و بذلك يحل الطيب أيضا.
10 – طواف النساء.
11 – صلاة طواف النساء، و بذلك تحل النساء أيضا.
12 – المبيت في منى ليلة الحادي عشر، و ليلة الثاني عشر بل ليلة الثالث عشر في بعض الصور كما سيأتي.
13 – رمي الجمار الثلاث في اليوم الحادي عشر و الثاني عشر، بل في اليوم الثالث عشر أيضا، فيما اذا بات المكلف هناك على الأحوط.
(مسألة 150): يشترط في حج التمتع أمور:
1 – النية (1) بان يقصد الاتيان بحج التمتع بعنوانه، فلو نوى غيره أو تردد في نيته لم يصح حجه.
2 – ان يكون مجموع العمرة و الحج في اشهر الحج (2)، فلو اتى بجزء من العمرة قبل دخول شوال لم تصح العمرة.
3 – ان يكون الحج و العمرة في سنة واحدة (3)، فلو أتى العمرة و أخر الحج إلى السنة القادمة لم يصح التمتع و لا فرق في ذلك بين أن يقيم في مكة الى السنة القادمة و ان يرجع إلى أهله ثم يعود اليها، كما لا فرق بين ان يحلّ من احرامه بالتقصير و ان يبقى محرما إلى السنة القادمة.
(1)شروط حج التمتع بتمام عناصرها الثلاثة من نية القربة، و الاخلاص، و قصد اسمه الخاص المميز له شرعا، فاذا نوى حج التمتع من حجة الإسلام قربة الى اللّه تعالى كفى، و إن كان مستحبا اسقط كلمة حجة الإسلام، و إن كان منذورا بدّل كلمة حجة الإسلام بالحجة المنذورة و هكذا.
(2)و هي شوال و ذو القعدة و ذو الحجة، فان هذه الشهور الخاصة موضع عمرة التمتع من الناحية الزمانية، و أما موضع حج التمتع من الناحية الزمانية فهو يبدأ بعد دخول شهر ذي الحجة.
(3)للنصوص الدالة على ذلك، و مقتضى اطلاقها عدم الفرق بين جميع
4 – أن يكون احرام حجه من نفس مكة مع الاختيار و افضل مواضعه المقام أو الحجر (1)، و إذا لم يمكنه الاحرام من نفس مكة أحرم من أي موضع تمكن منه.
5 – ان يؤدي مجموع عمرته و حجه شخص واحد عن شخص واحد (2)، فلو استؤجر اثنان لحج التمتع عن ميت اوحي أحدهما لعمرته و الآخر لحجه لم يصح ذلك، و كذلك لو حج شخص و جعل عمرته عن واحد و حجه عن آخر لم يصح.
(1)في الأفضلية اشكال بل منع، و قد تعرضنا حكم المسألة بكامل جهاته في الامر الرابع من (فصل: في صورة حج التمتع و شرائطه) في الجزء التاسع من كتابنا (تعاليق مبسوطة).
(2)لأن عمرة التمتع و حج التمتع عمل واحد مركب من جزءين مترابطين ثبوتا و سقوطا، و على هذا فلا يمكن أن ينوي المكلف كلا منهما بنية مستقلة، بل لا بد أن تكون نية كل واحد منهما في ضمن نية المجموع، كما هو الحال في كل واجب مركب، و الاّ لزم كون كل واحد منهما واجبا مستقلا، و هذا خلف فرض كون المجموع واجبا واحدا، فمن اجل ذلك لا يمكن أن يستنيب شخصا لعمرة التمتع و آخر لحج التمتع، فان هذه الاستنابة لا يمكن أن تكون صحيحة، لأن العمرة بصورة مستقلة غير مشروعة، و كذلك حج التمتع، فاذن لا محالة تكون الاجارة عليهما باطلة، فان ما هو مشروع – و هو كون كل منهما جزء الواجب – لم تقع عليه الاجارة، و ما وقعت الاجارة عليه و هو كون كل منهما واجبا مستقلا لم يكن مشروعا، و تفصيل الكلام في ذلك في الأمر الخامس من (فصل: في صورة حج التمتع و شرائطه) في الجزء التاسع من كتابنا (تعاليق مبسوطة).
(مسألة 151): إذا فرغ المكلف من اعمال عمرة التمتع وجب عليه الاتيان باعمال الحج، و لا يجوز له الخروج من مكة لغير الحج (1)، الا ان يكون خروجه لحاجة و لم يخف فوات اعمال الحج، فيجب – و الحالة هذه – أن يحرم للحج من مكة، و يخرج لحاجته، ثم يلزمه ان يرجع الى مكة بذلك الاحرام و يذهب منها الى عرفات، و اذا لم يتمكن من الرجوع الى مكة ذهب الى عرفات من مكانه و كذلك لا يجوز لمن اتى بعمرة التمتع ان يترك الحج اختيارا و لو كان الحج استحبابيا.
نعم، إذا لم يتمكن من الحج فالأحوط ان يجعلها عمرة مفردة و يأتي بطواف النساء.
(1)في اطلاقه اشكال بل منع، و الأقوى جواز الخروج الى المناطق القريبة من مكة كجدة و الطائف و نحوهما مع الوثوق و الاطمئنان بالرجوع اليها و ادراك الحج، بل لا يبعد جواز الخروج منها الى الأماكن البعيدة شريطة أن يكون واثقا و متأكدا بالرجوع الى مكة و ادراك الحج، و لا فرق فيه بين أن يكون الخروج من أجل ضرورة أو لا، فان المعيار انما هو بالوثوق و الاطمئنان بالتمكن من الرجوع الى مكة و ادراك الحج، كما أنه لا فرق في ذلك بين أن يكون خروجه من مكة محرما أو محلا، و إن كان الأولى و الأجدر أن يكون محرما باحرام الحج، و تفصيل ذلك في المسألة (3) من (فصل: في صورة الحج و شرائطه) في الجزء التاسع من كتابنا (تعاليق مبسوطة).
(مسألة 152): كما لا يجوز للمتمتع الخروج من مكة بعد تمام عمرته كذلك لا يجوز له الخروج منها في اثناء العمرة (1)، فلو علم المكلف قبل دخوله مكة باحتياجه الى الخروج منها، كما هو شأن الحملدارية فله أن يحرم – أولا – بالعمرة المفردة لدخول مكة فيقضي اعمالها، ثم يخرج لقضاء حوائجه، و يحرم ثانيا لعمرة التمتع، و لا يعتبر في صحته مضي شهر من عمرته الاولى كما مرّ.
(مسألة 153): المحرّم من الخروج عن مكة بعد الفراغ من اعمال العمرة أو اثنائها انما هو الخروج عنها الى محل آخر، و لا بأس بالخروج الى اطرافها و توابعها، و عليه فلا بأس للحاج أن يكون منزله خارج البلد فيرجع الى منزله اثناء العمرة، أو بعد الفراغ منها.
(مسألة 154): إذا خرج من مكة بعد الفراغ من اعمال العمرة من دون احرام، و تجاوز المواقيت ففيه صورتان:
(1)في عدم الجواز اشكال بل منع، و الأظهر جواز الخروج من مكة اثناء عمرة التمتع اذا كان واثقا و مطمئنا بالتمكن من الرجوع الى مكة و اتمام العمرة و ادراك الحج، كما اذا احرم المكلف لعمرة التمتع و جاء الى مكة ثم خرج منها الى بلدة أخرى، فاذا رجع منها الى مكة أتم عمرته و أحرم للحج، أو اذا خرج منها بعد السعي بين الصفا و المروة، و قبل التقصير، فان كل ذلك لا مانع منه شريطة الوثوق و الاطمئنان بالرجوع اليها و اتمام العمرة و ادراك الحج، بل لا مانع من جواز ذلك و إن قلنا بعدم جواز الخروج بعد اتمام العمرة، باعتبار أن الروايات الناهية عن الخروج مختصة بالخروج بعد العمرة، و لا تشمل الخروج في اثنائها.
الاولى: ان يكون رجوعه قبل مضي شهر عمرته ففي هذه الصورة يلزمه الرجوع إلى مكة بدون احرام (1)، فيحرم منها للحج، و يخرج الى عرفات.
الثانية: ان يكون رجوعه بعد مضي شهر عمرته ففي هذه الصورة تلزمه اعادة العمرة.
(مسألة 155): من كانت وظيفته حج التمتع لم يجز له العدول الى غيره من افراد او قران، و يستثنى من ذلك من دخل في عمرة التمتع، ثم ضاق وقته فلم يتمكن من اتمامها و إدراك الحج، فانه ينقل نيته الى حج الافراد و يأتي بالعمرة المفردة بعد الحج، و حدّ الضيق المسوّغ لذلك خوف فوات الركن من الوقوف الاختياري في عرفات (2).
(مسألة 156): اذا علم من وظيفته التمتع ضيق الوقت عن إتمام العمرة، و ادراك الحج قبل أن يدخل في العمرة لم يجز له العدول من الاول (3)، بل وجب عليه تأخير الحج إلى السنة القادمة.
(1)هذا للنصوص الخاصة التي تنص على ذلك، و كذلك الحال في الصورة الثانية. و تمام الكلام في هاتين الصورتين في المسألة (2) من (فصل:
صورة حج التمتع و شرائطه) في الجزء التاسع من كتابنا (تعاليق مبسوطة).
(2)هذا القول هو الصحيح، و في مقابله اقوال اخرى، و قد فصلنا الحديث في هذه الاقوال و في الروايات الواردة فيها و علاج مشكلة التنافي و التعارض بينها في المسألة (3) من (فصل: في صورة حج التمتع و شرائطه) في الجزء التاسع من كتابنا (تعاليق مبسوطة).
(3)لأن روايات الباب جميعا متفقة على أن من احرم لعمرة التمتع و دخل مكة و ضاق وقتها و خاف فوت الموقف تنقلب وظيفته من التمتع الى
(مسألة 157): اذا احرم لعمرة التمتع في سعة الوقت، و أخّر الطواف و السعي متعمدا الى زمان لا يمكن الاتيان فيه بهما و إدراك الحج، بطلت عمرته (1)، و لا يجوز له العدول الى الافراد على الأظهر، لكن الأحوط ان يعدل اليه و يتمها بقصد الأعم من حج الافراد و العمرة المفردة.
(1)هذا لا من جهة أنها واقعة في خارج وقتها، بل من جهة أنه اذا أتى بها فقد فات عنه الموقف، و بما أن فوته كان مستندا الى اهماله و تقصيره، فلا محالة يوجب بطلان الحج، و مع بطلانه بطلت العمرة، لما مر من أن صحتها مرتبطة بصحة الحج بعدها. و أما ان المقام غير مشمول لروايات العدول و الانقلاب، فلأن مورد تلك الروايات ما اذا لم يكن ضيق الوقت مستندا الى اهمال المكلف و تقصيره، و بما أن ضيق الوقت في المقام مستند الى اختياره فلا تشمله الروايات، فاذن يكون المرجع فيه مقتضى القاعدة، و هو بطلان الاحرام و اعادة الحج من قابل.