تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 201)
……….
مخيط على غير هذه الأنحاء الخمسة فيجوز للمحرم أن يلبسه على الأظهر.
و بعد ذلك نذكر فيما يلي عددا من روايات المسألة.
منها: صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: لا تلبس ثوبا له أزرار و انت محرم الاّ أن تنكسه – الحديث»1 فانها تنص على حرمة لبس ثوب له أزرار.
و منها: صحيحته الأخرى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: اذا لبست قميصا و أنت محرم فشقه و أخرجه من تحت قدميك»2 فانها تنص على حرمة لبس القميص.
و منها: صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: إذا اضطر المحرم الى القباء و لم يجد ثوبا غيره فليلبسه مقلوبا، و لا يدخل يديه في يدي القباء»3.
و منها: معتبرة مثنى الخياط عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: من اضطر الى ثوب و هو محرم و ليس معه الا قباء فلينكسه و ليجعل اعلاه أسفله و يلبسه»4 فانهما تدلان على أنه لا يجوز للمحرم أن يلبس القباء الاّ في حال الاضطرار منكوسا، كما أن الصحيحة الأولى تدل على أنها لا يجوز للمحرم ان يدخل يديه في يدي القباء.
و منها: صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث: «لا تلبس سراويل الاّ أن لا يكون لك ازار»5 فانها تدل على أنه لا يجوز للمحرم لبس السراويل الاّ في حال الاضطرار و عدم الازار له.
و منها: صحيحة زرارة عن أحدهما عليه السّلام قال: «سألته عما يكره للمحرم أن
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 202)
……….
يلبسه، فقال: يلبس كل ثوب الاّ ثوبا يتدرعه»1 و منها غيرها.
و المستفاد من هذه الروايات أن ما يحرم على المحرم في حال الاحرام لبس الأنحاء الخمسة من الأثواب المذكورة: القميص و الثوب المزرور و السراويل و العباءة و الدرع، و هذا بدون فرق بين كون هذه الأثواب مصنوعة من طريق الخياطة أو لا. و على هذا الأساس فاذا كان هناك ثوب مخيط لا يصدق عليه شيء من الأثواب المذكورة فلا مانع للرجل المحرم من ان يلبسه، و يدل على الجواز مضافا إلى انه لا دليل على المنع، قوله عليه السّلام في صحيحة زرارة:
«يلبس كل ثوب الاّ ثوبا يتدرعه» فانه بعد تقييد عمومه بغير تلك الأثواب الاعتيادية، يدل على جواز لبس غيرها و إن كان مخيطا.
و دعوى: أن هذه الأثواب المأخوذة في لسان الروايات انما أخذت بنحو المعرفية الصرفة الى الأثواب المصنوعة من طريق الخياطة.
مدفوعة: بأن الظاهر منها الموضوعية، و حملها على المعرفية الصرفة بحاجة الى قرينة، و لا قرينة على ذلك لا في نفس هذه الروايات، و لا من الخارج. و من هنا يجوز للمحرم أن يلبس الطيلسان، فانه لو لم تكن روايات خاصة تدل على جواز لبسه كفى فيه عدم الدليل على الحرمة، و الروايات كما يلي:
منها: صحيحة يعقوب بن شعيب قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يلبس الطيلسان المزرور، فقال: نعم، و في كتاب علي عليه السّلام: لا تلبس طيلسانا حتى ينزع ازراره، فحدثني أبي أنه انما كره ذلك مخافة أن يزرّه الجاهل عليه»2.
و منها: صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام مثل ذلك: «و قال: انما كره
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 203)
بل الأحوط الاجتناب عن كل ثوب يكون مشابها للمخيط (1)، كالملبد الذي تستعمله الرعاة، و يستثنى من ذلك (الهميان) و هو ما يوضع فيه النقود للاحتفاظ بها و يشدّ على الظهر أو البطن، فإن لبسه جائز و ان كان من المخيط، و كذلك لا بأس بالتحزم بالحزام المخيط الذي يستعمله المبتلى بالفتق لمنع نزول الامعاء في الأنثيين و يجوز للمحرم أن يغطي بدنه ما عدا الرأس باللحاف و نحوه من المخيط حالة الاضطجاع للنوم و غيره.
[مسألة 243: الأحوط ان لا يعقد الإزار في عنقه]
(مسألة 243): الأحوط ان لا يعقد الإزار في عنقه (2)،
ذلك مخافة أن يزرّه الجاهل، و أما الفقيه فلا بأس أن يلبسه»1.
فانهما تنصان على جواز لبسه و الممنوع عليه انما هو شد أزراره.
ثم إنه لا فرق في حرمة لبس المحرم الثياب و هو محرم بين لبسها حال الاحرام، أو يكون لابسا لها و ظل عليها الى أن يحرم. و ورد في بعض الروايات أنه اذا كان لابسا للثوب قبل الاحرام فعليه أن ينزعه من رأسه و لا يشقه و إن لبسه بعد الإحرام فعليه أن يشقه و يخرجه مما يلي رجليه، فانه يدل على حرمة لبسه بقاء كحرمة لبسه حدوثا.
(1)بل الأظهر الجواز شريطة أن لا يصدق عليه شيء من الأثواب المذكورة.
(2)بل هو الأقوى للروايتين، احداهما صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام: «المحرم لا يصلح له أن يعقد ازاره على رقبته، و لكن يثنيه على عنقه و لا يعقده»2 فانها واضحة الدلالة على عدم جواز ذلك. و الأخرى صحيحة سعيد الأعرج: «انه سأل ابا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يعقد ازاره في
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 204)
بل لا يعقده مطلقا، و لو بعضه ببعض، و لا يغرزه بإبرة و نحوها (1)، و الأحوط ان لا يعقد الرداء أيضا (2)، و لا بأس بغرزه بالأبرة و أمثالها.
[مسألة 244: يجوز للنساء لبس المخيط مطلقا عدا القفازين]
(مسألة 244): يجوز للنساء لبس المخيط مطلقا عدا القفازين (3) و هو لباس خاص يلبس لليدين.
عنقه، قال: لا»1 و أما عقده في غير العنق فالظاهر أنه لا مانع منه.
(1)على الأحوط الأولى لعدم الدليل عليه، فان الرواية الناهية عنه ضعيفة من جهة السند.
(2)لكن الأظهر جوازه لفقد دليل على المنع و إن كان الاحتياط أولى.
(3)لمجموعة من الروايات:
منها: صحيحة يعقوب بن شعيب، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: المرأة تلبس القميص تزره عليها، و تلبس الحرير و الخز و الديباج، فقال: نعم، لا بأس به، و تلبس الخلخالين و المسك»2.
و منها: صحيحة عيص بن القاسم قال: «قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: «المرأة المحرمة تلبس ما شاءت من الثياب غير الحرير و القفازين – الحديث»3.
ثم إن هذه الصحيحة تنافي الصحيحة الأولى في الحرير، فان الأولى تنص على جواز لبسه، و الثانية على عدم جوازه، و لكن موثقة سماعة: «انه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرمة تلبس الحرير فقال: لا يصلح أن تلبس حريرا محضا لا خلط فيه، و أما الخز و العلم في الثوب فلا بأس أن تلبسه و هي محرمة، و إن مرّ بها رجل استترت منه بثوبها و لا تستتر بيدها من الشمس – الحديث»4 ، تصلح أن تكون قرينة على الجمع بينهما باعتبار أن نسبتها الى كل واحدة منهما نسبة المقيد الى المطلق فتقيد اطلاق الأولى بالحرير غير الخالص، و اطلاق الثانية
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 205)
[مسألة 245: إذا لبس المحرم متعمدا شيئا مما حرم لبسه عليه فكفارته شاة]
(مسألة 245): إذا لبس المحرم متعمدا شيئا مما حرم لبسه عليه فكفارته شاة (1)،
بالحرير الخالص، فالنتيجة أنه لا يجوز للمرأة المحرمة أن تلبس الحرير الخالص، و لا القفازين و هي محرمة. و أما لبس الذهب للمرأة في حال الإحرام كالحلي و الخلخال و المسكة و القرطان و غير ذلك، فالظاهر أنه لا مانع منه شريطة أن لا يكون بقصد الزينة، و تدل على ذلك مجموعة من الروايات:
منها: صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: المحرمة تلبس الحلي كله الاّ حليا مشهورا للزينة»1 فانها تدل بوضوح على انه يجوز لها أن تلبس الذهب الاّ للزينة.
و منها: صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج، قال: «سألت أبا الحسن عليه السّلام عن المرأة يكون عليها الحلي و الخلخال و المسكة و القرطان من الذهب و الورق تحرم فيه و هو عليها و قد كانت تلبسه في بيتها قبل حجها أ تنزعه اذا أحرمت، أو تتركه على حاله؟ قال: تحرم فيه، و تلبسه من غير أن تظهره للرجال في مركبها و مسيرها»2 فانها تدل على أن لبسها بقصد الزينة و الإظهار للرجال محرم، لا في نفسه.
(1)تنص عليه مجموعة من الروايات:
منها: صحيحة زرارة بن أعين قال: «سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: من نتف ابطه أو قلم ظفره أو حلق رأسه أو لبس ثوبا لا ينبغي له لبسه أو أكل طعاما لا ينبغي له أكله و هو محرم ففعل ذلك ناسيا أو جاهلا فليس عليه شيء، و من فعله متعمدا فعليه دم شاة»3 فانها واضحة الدلالة على أن من لبس ما لا يجوز لبسه عامدا و ملتفتا فعليه دم شاة. و منها غيرها4.
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 206)
و الأحوط لزوم الكفارة عليه، و لو كان لبسه للاضطرار (1).
(1)في الاحتياط اشكال بل منع، و الأظهر عدم لزوم الكفارة عليه، كما هو الحال في موارد الجهل و النسيان، و ذلك لعدم الدليل، لأن الاجماع المدعى في المسألة على الكفارة فلا يمكن اثباته لا صغرى و لا كبرى، كما ذكرناه غير مرة.
و أما صحيحة محمد بن مسلم قال: «سألت أبا جعفر عليه السّلام عن المحرم اذا احتاج الى ضروب من الثياب يلبسها، قال: عليه لكل صنف منها فداء»1 فلأن موردها الحاجة الى لبس ضروب من الثياب لا الاضطرار اليه و الحاجة عرفا و عقلا غير الاضطرار، و لا سيّما في مورد الصحيحة بقرينة فرضها الحاجة الى ضروب من الثياب و اصنافها، اذ فرض أنه مضطر الى ضروب متعددة منها بعيد جدا. و مع الاغماض عن ذلك و تسليم أنها مطلقة و تشمل باطلاقها الحاجة التي تبلغ حد الاضطرار، الاّ أنه لا بد من رفع اليد عن اطلاقها بحديث الرفع، فان مفاده رفع أثر العمل المضطر اليه.
فالنتيجة: انه لا دليل على ثبوت الكفارة في حالة الاضطرار، و إن كان الاحتياط أولى و أجدر.
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 207)
[10 – الاكتحال]
10 – الاكتحال
[مسألة 246: الاكتحال على صور]
(مسألة 246): الاكتحال على صور (1):
1 – أن يكون بكحل أسود، مع قصد الزينة و هذا حرام على المحرم قطعا، و تلزمه كفارة شاة على الأحوط الأولى.
2 – أن يكون بكحل أسود، مع عدم قصد الزينة.
3 – أن يكون بكحل غير أسود مع قصد الزينة، و الأحوط الاجتناب في هاتين الصورتين، كما ان الاحوط الأولى التكفير فيهما.
4 – الاكتحال بكحل غير أسود، و لا يقصد به الزينة و لا بأس به، و لا كفارة عليه بلا اشكال.
(1)اعلم أن الاكتحال على صور:
الصورة الأولى: يحرم على المحرم رجلا كان أم امرأة أن يكتحل بالكحل الأسود، و تدل على ذلك مجموعة من الروايات:
منها: صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: لا يكتحل الرجل و المرأة المحرمان بالكحل الأسود الاّ من علة»1 فان مقتضى اطلاقها ان اكتحال المحرم بالأسود محرم و إن لم يقصد به الزينة، الاّ اذا كانت هناك علة تتطلب الاكتحال به كالمرض أو نحوه.
و منها: صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن الكحل للمحرم، فقال: أما بالسواد فلا، و لكن بالصبر و الحضض»2 ، فان مقتضى اطلاقها انه محرم عليه، قصد به الزينة أم لا.
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 208)
……….
و منها: صحيحة حريز عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «لا تكتحل المرأة المحرمة بالسواد، ان السواد زينة»1 فانها في مقام بيان ان الاكتحال بالسواد زينة، على أساس أن استعماله بين الناس بما انه كان غالبا للزينة، فيعد زينة في العرف العام و ان لم يكن مقصودا، فاذا كان زينة عرفا فالزينة محرم على المحرم.
و منها: صحيحة الحلبي قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المرأة تكتحل و هي محرمة، قال: لا تكتحل، قلت: بسواد ليس فيه طيب، قال: فكرهه من أجل أنه زينة، و قال: اذا اضطرّت اليه فلتكتحل»2 بتقريب أن المراد من الكراهة فيها الحرمة بقرينة أنها مسبوقة بالنهي عن الاكتحال، و ملحوقة باستثناء حالة الاضطرار.
الصورة الثانية: يجوز للمحرم رجلا كان أم امرأة أن يكتحل بالكحل غير الأسود، الاّ اذا كان بقصد الزينة، أو عد زينة في العرف العام، و تدل على ذلك صحيحة معاوية بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: لا بأس أن يكتحل و هو محرم بما لم يكن فيه طيب يوجد ريحه فاما للزينة فلا»3 ، بتقريب أن مقتضى اطلاقها أنه يجوز للمحرم أن يكتحل بالكحل مطلقا، أي سواء أ كان بالأسود أم كان بغيره، شريطة أن لا يقصد به الزينة، و لكن لا بد من تقييد اطلاقها بغير الكحل الأسود بمقتضى الروايات المتقدمة، و نتيجة ذلك أنه يجوز للمحرم أن يكتحل بالكحل غير الأسود الاّ للزينة.
و أما صحيحة زرارة عنه عليه السّلام: «قال: تكتحل المرأة بالكحل كله الاّ الكحل الأسود للزينة»4 ، فلا يمكن الأخذ باطلاقها.
أما بالنسبة إلى الكحل الأسود، فلأن الظاهر من تقييد عدم جواز استعماله
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 209)
……….
للمحرم بالزينة أنه من باب الغالب، حيث ان المتعارف و لا سيّما بين النساء كان استعماله للزينة، فاذن لا يدل تقييده بها على جواز استعماله اذا لم يكن للزينة، او لا أقل من الاجمال و عدم المفهوم له، و مع الاغماض عن ذلك و تسليم أن له مفهوما الاّ أنا ذكرنا في علم الأصول أن مفهومه قضية مهملة، فلا يصلح أن يعارض صحيحتي الحلبي و حريز اللتين تنصان على أنه محرم عليه معللا بأنه زينة، و الزينة محرمة على المحرم، و اما بالنسبة الى الكحل غير الأسود فالصحيحة معارضة بصحيحة معاوية بن عمار المتقدمة بالعموم من وجه، فان صحيحة معاوية تدل على حرمة اكتحال المحرم إذا كان للزينة، و مقتضى اطلاقها عدم الفرق بين أن يكون بالكحل الأسود أو غيره، و هذه الصحيحة تدل على جواز الاكتحال بالكحل غير الأسود مطلقا، أي بلا فرق بين أن يكون بقصد الزينة أو لا، و مورد الالتقاء بينهما ما إذا كان الاكتحال بالكحل غير الأسود بقصد الزينة، فان الصحيحة الأولى تنص على عدم جوازه، و الثانية تنص على جوازه، فاذن مقتضى القاعدة سقوط اطلاق كلتيهما في مورد المعارضة و الرجوع الى الأصل العملي. نعم بناء على القول بانقلاب النسبة تصبح صحيحة معاوية أخص من الصحيحة المذكورة من جهة أن اطلاقها مقيد بالروايات التي تنص على أن الاكتحال بالكحل الأسود محرم و إن لم يكن بقصد الزينة، و عليه فتنقلب النسبة من عموم من وجه الى عموم مطلق، و لكن ذكرنا في علم الأصول أن القول بانقلاب النسبة غير تام، و عليه فالنسبة بين الصحيحتين تبقى على حالها، و هي العموم من وجه هذا. و لكنا نعلم من روايات هذه المسألة بضميمة روايات مسألة حرمة نظر المحرم الى المرآة للزينة، و مسألة حرمة لبس المرأة الذهب و الخلخال و المسكة بقصد الزينة، أن حرمة الزينة على المحرم رجلا
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 210)
……….
كان أم امرأة أمر مفروغ عنه، سواء أ كانت الزينة باللباس أم كانت بالنظر الى المرآة أم بالاكتحال أم بغير ذلك، فمن أجل هذا لا بد من رفع اليد عن عموم الصحيحة و حملها على ما اذا لم يكن بقصد الزينة.
و اما معتبرة الكاهلي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سأله رجل ضرير و أنا حاضر، فقال: اكتحل اذا احرمت، قال: لا، و لم تكتحل؟ قال: اني ضرير البصر، و اذا أنا اكتحلت نفعني و إن لم اكتحل ضرّني، قال: فاكتحل – الحديث»1 فيرفع اليد عن اطلاقها بتقييده بالكحل الأسود أو للزينة.
الصورة الثالثة: يجوز للمحرم رجلا كان أو امرأة أن يكتحل بالكحل و إن كان أسود من أجل علة كالتداوي به أو غيره، و تدل عليه مجموعة من الروايات:
منها: معتبرة الكاهلي الآنفة الذكر.
و منها: قوله عليه السّلام في صحيحة معاوية المتقدمة «لا يكتحل الرجل و المرأة المحرمان بالكحل الأسود الاّ من علة»2.
و منها: صحيحة عبد اللّه بن سنان قال: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:
يكتحل المحرم إن هو رمد بكحل ليس فيه زعفران»3.
الصورة الرابعة: لا يجوز للمحرم رجلا كان أم امرأة أن يكتحل بكحل فيه طيب، و تنص على ذلك أيضا عدة من الروايات.
منها: صحيحتا معاوية بن عمار و عبد اللّه بن سنان المتقدمتان، و منها غيرهما4.
و الحاصل أنه نتجت من مجموع هذه الروايات أمور:
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 211)
……….
الأول: لا يجوز للمحرم أن يكتحل بالكحل الأسود و هو محرم و إن لم يقصد به الزينة، بدون فرق فيه بين الرجل المحرم و المرأة المحرمة.
الثاني: يجوز له أن يكتحل بالكحل غير الأسود الا اذا كان للزينة أو كان في العرف العام زينة.
الثالث: لا يجوز أن يكتحل بكحل فيه طيب.
الرابع: يجوز أن يكتحل لعلة و إن كان بالأسود، كالتداوي به أو غيره.
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 212)
[11 – النظر في المرآة]
11 – النظر في المرآة
[مسألة 247: يحرم على المحرم النظر في المرآة للزينة]
(مسألة 247): يحرم على المحرم النظر في المرآة للزينة (1)، و كفارته شاة على الأحوط الأولى.
و أما إذا كان النظر فيها لغرض آخر غير الزينة كنظر السائق فيها لرؤية ما خلفه من السيارات، فلا بأس به، و يستحب لمن نظر فيها للزينة تجديد التلبية، أما لبس النظارة فلا بأس به للرجل أو المرأة اذا لم يكن للزينة، و الأولى الاجتناب عنه، و هذا الحكم لا يجري في سائر الاجسام الشفافة فلا بأس بالنظر إلى الماء الصافي أو الاجسام الصيقلية الأخرى.
(1)لا يبعد عدم جواز نظر المحرم رجلا كان أم امرأة في المرآة اذا عد في العرف العام زينة و إن لم يقصد به الزينة، كما إذا كان نظره فيها بدافع اصلاح هندامه و وضعه الطبيعي بدون أن يكون قاصدا به التزين، و يستفاد ذلك من مجموعة من الروايات:
منها: صحيحة حماد بن عثمان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: لا تنظر في المرآة و أنت محرم، فانه من الزينة»1 بتقريب أن المتبادر من النظر فيها بمناسبة الحكم و الموضوع الارتكازية هو النظر فيها لإصلاح هندامه و وضعه الطبيعي سواء أ كان قاصدا به الزينة أم لا، فان ذلك يعد في العرف العام زينة، و الزينة محرمة على المحرم.
و منها: صحيحة حريز عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: لا تنظر في المرآة و أنت
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 213)
……….
محرم لأنه من الزينة»1 ، بتقريب أن المتبادر من النهي عن النظر هو النهي عن النظر المتعارف بين الناس في المرآة، و من الواضح ان استعمالها إما أن يكون بدافع التزيين، أو بدافع اصلاح وضعه الطبيعي من ناحية اللباس و غيره، بدون أن يكون قاصدا به الزينة، و لا يحرم اذا كان بدافع آخر كنظر السائق في المرآة الى المسافرين بداعي التأكد من عدم تخلف بعضهم عن السيارة أو وضعهم فيها، أو بداعي تعرفه على ما خلفه من السيارات، أو التأكد من عدم وجود حاجب على البشرة المانع من الوضوء أو الغسل.
فالنتيجة: ان المستفاد عرفا من الروايتين أن نظر المحرم في المرآة حرام إذا كان بقصد الزينة و إن لم يكن بقصده فهو حرام اذا عدّ في العرف العام زينة، و الاّ فلا.
بقي هنا أمور:
الأوّل: قد ورد في صحيحة معاوية بن عمار قال: «قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: لا ينظر المحرم في المرآة لزينة، فان نظر فليلب»2 ، ان المحرم اذا نظر في المرآة فعليه أن يعيد التلبية، و ظاهر الأمر بالاعادة ارشاد الى فساد الاحرام، هذا و لكن لا بد من رفع اليد عن ظهوره في ذلك، و حمله على الاستحباب بقرينة أن عدم نظر المحرم في المرآة ليس قيدا للإحرام حتى يكون وجوده مانعا عنه، على أساس أن محرمات الاحرام محرمات مستقلة، و لا يكون عدمها قيدا للحج أو العمرة، و لعل حكمة أمر المحرم بالتلبية اذا نظر في المرآة أنه نوع تنبيه له لكي ينصرف عن محرمات الاحرام و يلبي ما هو واجب عليه.
الثاني: لا يحرم على المحرم رجلا كان أم امرأة لبس النظارات اذا لم يكن
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 214)
……….
بقصد الزينة و لا يعد في العرف العام زينة، فاذن لا مانع من لبسها بغرض الوقاية من الشمس أو الهواء الترابية أو غير ذلك، أو بدافع طبي.
الثالث: يجوز للمحرم أن ينظر في الأجسام الشفافة التي ينطبع فيها وجه الناظر كالماء الصافي أو غيره.
الرابع: قد تسأل أن على المحرم اذا نظر في المرآة كفارة؟
و الجواب: انه لا كفارة عليه لعدم الدليل.
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 215)
[12 – لبس الخف و الجورب]
12 – لبس الخف و الجورب
[مسألة 248: يحرم على الرجل المحرم لبس الخف و الجورب]
(مسألة 248): يحرم على الرجل المحرم لبس الخف و الجورب (1)، و كفارة ذلك شاة على الأحوط (2) و لا بأس بلبسهما للنساء، و الأحوط الاجتناب عن لبس كل ما يستر تمام ظهر القدم و اذا لم يتيسر للمحرم نعل أو شبهه ودعت الضرورة الى لبس الخف فالأحوط الأولى خرقه من المقدم،
(1)تدل عليه جملة من النصوص.
منها: صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: و اي محرم هلكت نعلاه فلم يكن له نعلان فله أن يلبس الخفين اذا اضطر الى ذلك، و الجوربين يلبسهما اذا اضطر الى لبسهما»1 فانها واضحة الدلالة على انه لا يجوز للمحرم لبس الجورب و الخف في حال الاختيار، و منها غيرها.
ثم إن هذا الحكم يختص بالرجل المحرم، و لا يعم المرأة المحرمة، لما مر من أنه يجوز لها أن تلبس ما شاءت من الثياب ما عدا الحرير الخالص و القفازين و الذهب للزينة.
(2)لكن الأظهر عدم وجوبها.
و دعوى: ان قوله عليه السّلام في صحيحة زرارة: «أو لبس ثوبا لا ينبغي له لبسه – الى أن قال: و من فعله متعمدا فعليه دم شاة»2 يدل على وجوب الكفارة عليه.
مدفوعة: بعدم صدق الثوب عليهما حتى يصدق على لبسهما لبس
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 216)
و لا بأس بستر تمام ظهر القدم (1) من دون لبس.
الثوب، و لكن مع هذا إذا لبس الجورب أو الخف عامدا و ملتفتا فالأولى و الأجدر به أن يكفر بدم شاة.
(1)فيه أن الأظهر عدم وجوب الاجتناب عنه لعدم الدليل، و اختصاص النص بالجورب و الخف، و التعدي بحاجة الى قرينة، و لا قرينة عليه، لا فيه و لا من الخارج، و لا نعلم أن ملاك المنع عن لبس الجورب و الخف انما هو سترهما تمام ظهر القدم حتى يمكن التعدي الى كل ما يكون ساترا له و إن لم يكن جوربا و لا خفا، و مع هذا فالأحوط و الأجدر به الاجتناب عنه.
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 217)
[13 – الكذب و السب]
13 – الكذب و السب
[مسألة 249: الكذب و السب محرّمان في جميع الأحوال]
(مسألة 249): الكذب و السب محرّمان في جميع الأحوال، لكن حرمتهما مؤكدة حال الاحرام و المراد من الفسوق في قوله تعالى: (فلا رفث و لا فسوق و لا جدال في الحج) هو الكذب و السب (1)، اما التفاخر و هو اظهار الفخر من حيث الحسب أو النسب، فهو على قسمين:
الاول: أن يكون ذلك لإثبات فضيلة لنفسه مع استلزام الحطّ من شأن الآخرين و هذا محرم في نفسه.
الثاني: أن يكون ذلك لإثبات فضيلة لنفسه من دون أن يستلزم اهانة الغير، و حطا من كرامته، و هذا لا بأس به، و لا يحرم لا على المحرم و لا على غيره.
(1)تدل على ذلك صحيحة معاوية بن عمار قال: «قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: إذا أحرمت فعليك بتقوى اللّه، و ذكر اللّه، و قلة الكلام الاّ بخير، فان تمام الحج و العمرة أن يحفظ المرء لسانه الاّ من خير، كما قال اللّه عزّ و جل، فان اللّه تعالى يقول: فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاٰ رَفَثَ وَ لاٰ فُسُوقَ وَ لاٰ جِدٰالَ فِي الْحَجِّ
فالرفث الجماع، و الفسوق الكذب و السباب، و الجدال قول الرجل لا و اللّه و بلى و اللّه»1 بتقريب أنها فسرت الفسوق بالكذب و السباب، و في مقابلها صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام قال: «سألته عن الرفث و الفسوق و الجدال ما هو؟ و ما على من فعله؟ فقال: الرفث: جماع النساء، و الفسوق
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 218)
……….
الكذب و المفاخرة، و الجدال قول الرجل لا و اللّه و بلى و اللّه – الحديث»1 فانها فسرت الفسوق بالكذب و المفاخرة، و حينئذ فان قلنا أن المفاخرة لون من ألوان السباب فلا تنافي بين الروايتين، و إن قلنا أن المفاخرة أعم من السباب فانها قد تشمل على الحط من الطرف المقابل و انتقاص قدره، كما اذا كان الشخص في مقام اثبات الفضائل لنفسه و سلبها عن الطرف المقابل المؤدي الى انتقاص قدره، و النيل من كرامته، أو في مقابل سلب الصفات الرذيلة عن نفسه و اثباتها للطرف المقابل، و قد لا تشتمل على الحط من كرامة الطرف المقابل، كما إذا كان في مقام اثبات الفضائل لنفسه من دون سلبها عن الطرف الآخر، أو سلب الرذائل عن نفسه بدون الإشارة الى ثبوتها في خصمه، و الظاهر بمناسبة الحكم و الموضوع الارتكازية أن المراد من المفاخرة المعنى الأول، فانه فسق، و يناسب تفسير الفسوق في الآية الشريفة به دون المعنى الثاني، اذ المفاخرة بهذا المعنى اذا لم تكن مشتملة على الكذب لم تكن محرمة، و عليه فلا يناسب تفسير الفسوق به، لأنه ليس بفسق بذلك المعنى.
و دعوى: أن المراد من الفسوق في الآية الكريمة الفسوق بلحاظ حال الاحرام لا مطلقا.
مدفوعة: بأن الظاهر منها الفسوق في نفسها و بقطع النظر عن احرام المحرم، غاية الأمر أن الادانة و العقوبة عليها في حال الاحرام أشد، فالنتيجة ان هذه الدعوى ساقطة و غير محتملة عرفا.
ثم إن من مارس الفسوق في الحج عامدا و ملتفتا الى الحكم الشرعي، فهل عليه كفارة؟
و الجواب: انه لا كفارة عليه، و ذلك لأن صحيحة سليمان بن خالد قال:
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 219)
……….
«سمعت ابا عبد اللّه عليه السّلام يقول في حديث: في السباب و الفسوق بقرة، و الرفث فساد الحج»1 و إن دلت على ثبوت الكفارة، الاّ أنها معارضة عدم ثبوتها بصحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث قال: «قلت: أ رأيت من ابتلى بالفسوق ما عليه؟ قال: لم يجعل اللّه له حدا، يستغفر اللّه و يلبي»2 ، فانها دلت على عدم جعل الكفارة عليه. فاذن تسقطان معا من جهة المعارضة، فالمرجع هو أصالة البراءة عن وجوبها.
و دعوى: أن من المحتمل أن يكون المراد من الحد هو الحد الشرعي كحد الزنا و السرقة و ما شاكل ذلك لا الكفارة.
مدفوعة: بأن هذا الاحتمال غير محتمل في المقام، لأن السؤال فيها عن ثبوت الكفارة عليه، و جواب الإمام عليه السّلام بعدم جعل حد له ظاهر في نفيها، لأن المراد من الحد في المقام هو الكفارة، و يشهد عليه قوله عليه السّلام في صحيحة معاوية ابن عمار: «حد الجدال دم يهريقه»3 و كيف كان، فلا شبهة في ذلك.
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 220)
[14 – الجدال]
14 – الجدال
[مسألة 250: لا يجوز للمحرم الجدال]
(مسألة 250): لا يجوز للمحرم الجدال، و هو قول «لا و اللّه، و بلى و اللّه (1)
(1)هذا، لا يجوز للمحرم رجلا كان أم امرأة ان يستعمل الحلف بهاتين الصيغتين في مقام الخصومة و المخالفة، و هل تختص حرمة الحلف بهما على المحرم بموارد المخاصمة، أو تعم كل مورد و إن لم تكن فيه مخاصمة و لا مخالفة ما عدا المقابلة بالكلام، كما لو سأله احد: هل طفت بالبيت؟ فقال: لا و اللّه، فان كان كاذبا في حلفه فهو جدال في المرتبة الأولى، و عليه كفارته، و إن كان صادقا فيه فانه جدال شريطة أن يكرره ثلاث مرات ولاء و الظاهر هو الثاني و ذلك لأمرين:
أحدهما: أنه قد فسر الجدال في الروايات بهاتين الصيغتين، لا بالمخاصمة المشتملة عليها.
منها: صحيحتي معاوية بن عمار و علي بن جعفر المتقدمتين، فاذن ليس المراد من الجدال في الآية الشريفة معناه اللغوي و العرفي، بل المراد منه ما فسّر في الروايات.
و الآخر انه قد رتب في عدة من الروايات الجدال على الحلف، دون الحلف الواقع في المخاصمة.
منها: صحيحة معاوية بن عمار قال: «قال أبو عبد اللّه عليه السّلام في حديث:
و الجدال قول الرجل: لا و اللّه و بلى و اللّه، و اعلم ان الرجل اذا حلف بثلاثة ايمان ولاء في مقام واحد و هو محرم فقد جادل، فعليه دم يهريقه، و يتصدق به، و اذا
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 221)
و الأحوط ترك الحلف حتى بغير هذه الالفاظ (1).
[مسألة 251: يستثنى من حرمة الجدال أمران]
(مسألة 251): يستثنى من حرمة الجدال أمران:
حلف يمينا واحدة كاذبة فقد جادل، و عليه دم يهريقه و يتصدق به. و سألته عن الرجل يقول: لا لعمري، و بلى لعمري، قال: ليس هذا من الجدال، و انما الجدال قول الرجل: لا و اللّه و بلى و اللّه»1.
و منها: صحيحته الأخرى قال: «قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: ان الرجل اذا حلف بثلاثة ايمان في مقام ولاء و هو محرم فقد جادل، و عليه حد الجدال دم يهريقه و يتصدق به»2.
و منها: صحيحة محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه السّلام قال: «سألته عن الجدال في الحج، فقال: من زاد على مرتين فقد وقع عليه الدم، فقيل له: الذي يجادل و هو صادق، قال: عليه شاة، و الكاذب عليه بقرة»3 و منها غيرها4.
فالنتيجة: ان المستفاد من هذه الروايات أن الجدال في الآية الشريفة عبارة عن قول الرجل: لا و اللّه، و بلى و اللّه، و بما أن هذا القول يستعمل في مقام الاخبار و التصديق بثبوت شيء، أو عدم ثبوته، فلا محالة يكون في مقام المقابلة مع آخر بالكلام، سواء أ كانت بنحو المخاصمة أم لا.
و بكلمة: ان الظاهر منها كون المحرم اذا حلف بثلاثة أيمان ولاء في مقام واحد، أو بيمين واحدة كاذبة، فانه مجادل كان في مقام المخاصمة أم لا.
(1)الأولى ذلك، اذ لا دليل على أن الحلف بغير تلك الألفاظ من محرمات الإحرام، لأن الظاهر من الروايات الواردة في تفسير الجدال في الآية الشريفة بقول الرجل: لا و اللّه، و بلى و اللّه هو الموضوعية لهذا القول، و حمله على أنه مأخوذ بنحو الطريقية و المعرفية الصرفة بحاجة الى قرينة.
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 222)
الاول: أن يكون ذلك لضرورة تقتضيه من احقاق حق أو ابطال باطل (1).
(1)لأن الضرورة اذا تطلبت الحلف لإثبات حق أو ابطال باطل جاز، بل ان صحيحة ابي بصير قال: «سألته عن المحرم يريد أن يعمل العمل فيقول له صاحبه و اللّه لا تعمله، فيقول: و اللّه لأعملنه، فيخالفه مرارا، يلزمه ما يلزم الجدال؟ قال: لا، انما اراد بهذا اكرام أخيه، انما كان ذلك ما كان فيه معصية»1 ، تدل على جواز الحلف لإكرام اخيه و احترامه، فضلا عما اذا كان لإحقاق حق أو ابطال باطل.
فالنتيجة: ان المستثنى من حرمة الحلف على المحرم في حال الإحرام موردان:
أحدهما: أن يكون لإثبات حق أو ابطال باطل، او بدافع حفظ نفس مؤمن.
و الآخر: ان يكون لإكرام مؤمن و احترامه، و أما في غير هذين الموردين فهو محرم و معصية للّه تعالى، و فيه كفارة عليه، و بذلك يظهر حال ما بعده.
قد تسأل عن أن الجدال في الآية الشريفة التي فسر في الروايات بصيغة خاصة من القسم، فهل يعتبر أن تكون تلك الصيغة بجملة خبرية، أو لا؟
و الجواب: يعتبر أن تكون بجملة خبرية بقرينة تقسيم القسم بالصيغة المذكورة في الروايات تارة بالقسم الصادق، و اخرى بالكاذب، هذا اضافة الى أنه إن اريد بالقسم الانشائي إنشاء مفهوم القسم بالحمل الأولي، فلا أثر له، اذ لا يحتمل أن يكون تلفظ المحرم بصيغة لا و اللّه بقصد إنشاء مفهوم القسم في عالم الاعتبار و الذهن حراما، و إن اريد به الالتزام بالمقسوم عليه في الخارج تركا أو فعلا، فهو قسم بالحمل الشائع، و اخبار و ليس بانشاء.
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 223)
الثاني: أن لا يقصد بذلك الحلف بل يقصد به أمرا آخر كإظهار المحبة و التعظيم كقول القائل: لا و اللّه لا تفعل ذلك.
[مسألة 252: لا كفارة على المجادل فيما اذا كان صادقا في قوله و لكنه يستغفر ربّه]
(مسألة 252): لا كفارة على المجادل فيما اذا كان صادقا في قوله و لكنه يستغفر ربّه، هذا فيما اذا لم يتجاوز حلفه المرة الثانية، و إلا كان عليه كفارة شاة. و أما إذا كان الجدال عن كذب فعليه كفارة شاة للمرة الاولى، و شاة اخرى للمرة الثانية و بقرة للمرة الثالثة (1).
و قد تسأل: عن أن المعتبر في تحقق الجدال شرعا هل هو تحقق الصيغتين معا، أو كفاية تحقق واحدة منها؟
و الجواب: كفاية تحقق واحدة منها، لأن ذلك هو الظاهر من الروايات الواردة في تفسيره بدون الإشارة في شيء منها أنه لا يتحقق الاّ بتحقق كلتا الصيغتين معا، هذا اضافة الى أن اجتماعهما في مورد واحد غير ممكن، باعتبار أن مدلول احداهما تصديق بثبوت شيء، و مدلول الأخرى تصديق بنفي شيء آخر.
و قد تسأل: أن كلمة (لا) في إحدى الصيغتين، و كلمة (بلى) في الأخرى هل هما معتبرتان في ترتيب الأثر عليهما و كونهما مصداقا للجدال في الآية الشريفة؟
و الجواب: أنهما معتبرتان فيه، لظهور الروايات المفسرة له في ذلك.
(1)هذا هو المستفاد من روايات الباب، لأن المحرم رجلا كان أم امرأة إذا جادل و هو محرم فان كان صادقا في جداله بقوله لا و اللّه أو بلى و اللّه، فلا شيء عليه في المرة الأولى، و لا في الثانية، و أما في الثالثة فعليه دم شاة، و تدل عليه جملة من الروايات.
منها: صحيحة معاوية بن عمار قال: «قال أبو عبد اللّه عليه السّلام في حديث:
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 224)
……….
و الجدال قول الرجل: لا و اللّه و بلى و اللّه. و اعلم ان الرجل اذا حلف بثلاثة أيمان ولاء في مقام واحد و هو محرم فقد جادل و عليه دم يهريقه، و يتصدق به، و اذا حلف يمينا واحدة كاذبة فقد جادل فعليه دم يهريقه و يتصدق به – الحديث»1 ، فانها تدل بمقتضى مفهوم الشرط أنه اذا جادل أقل من ثلاث مرات فان كان صادقا في جداله فلا شيء عليه، و نقيد به اطلاق صحيحة سليمان بن خالد، قال:
«سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول: في الجدال شاة – الحديث»2 و إن كان كاذبا في جداله فعليه دم شاة في المرة الأولى و الثانية، أما في المرة الأولى فقد نصت عليه صحيحة معاوية المتقدمة.
و أما في المرة الثانية فمن أجل أن العرف لا يفهم خصوصية للمرة الأولى، هذا اضافة إلى أن تعدد الكفارة بتعدد سببها يكون على القاعدة، و مع الاغماض عن ذلك انه يكفي لإثبات تعددها اطلاق صحيحة سليمان بن خالد المتقدمة، لأن اطلاقها بالنسبة إلى اليمين الكاذبة يظل ثابتا، و في المرة الثالثة بقرة، و تنص عليه صحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «سألته عن الجدال في الحج، فقال: من زاد على مرتين قد وقع عليه الدم، فقيل له: الذي يجادل و هو صادق، قال: عليه شاة، و الكاذب عليه بقرة»3 و صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث قال: «قلت: فمن ابتلي بالجدال ما عليه؟ قال: إذا جادل فوق مرتين فعلى المصيب دم يهريقه، و على المخطئ بقرة»4 و المراد من المخطئ و المصيب بمناسبة الحكم و الموضوع الارتكازية الكاذب و الصادق، و بهما نقيد اطلاق صحيحة سليمان بن خالد التي تدل على أن كفارته شاة بما دون ثلاث مرات، اذا كان كاذبا في جداله.
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 225)
[15 – قتل هوامّ الجسد]
15 – قتل هوامّ الجسد
[مسألة 253: لا يجوز للمحرم قتل القمل و لا القاؤه من جسده]
(مسألة 253): لا يجوز للمحرم قتل القمل (1) و لا القاؤه من جسده (2) و لا بأس بنقله من مكان الى مكان آخر و إذا قتله فالأحوط التكفير عنه بكف من الطعام (3) للفقير،
(1)للنصوص، منها: موثقة زرارة قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام: هل يحك المحرم رأسه و يغتسل بالماء؟ قال: يحك رأسه ما لم يتعمد قتل دابة – الحديث»1 فانها ظاهرة في عدم جواز قتل دابة الرأس و هي القمل.
و منها: معتبرة ابي الجارود قال: «سأل رجل ابا جعفر عليه السّلام عن رجل قتل قملة و هو محرم، قال: بئس ما صنع، قال: فما فداؤها؟ قال: لا فداء لها»2 فانها ظاهرة في حرمة قتلها.
(2)تدل عليه صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «قال:
المحرم يلقي عنه الدواب كلها الاّ القملة فانها من جسده، و إن اراد أن يحول قملة من مكان الى مكان فلا يضره»3.
(3)لكن الأظهر أنه لا كفارة فيه، و تنص عليه مجموعة من الروايات:
منها: صحيحة معاوية بن عمار، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: ما تقول في محرم قتل قملة، قال: لا شيء عليه في القمل، و لا ينبغي أن يتعمد قتلها»4
و مثلها صحيحته الأخرى5.
و منها: معتبرة أبي الجارود المتقدمة.
نعم، ورد في عدة من الروايات الأمر باعطاء كف من الطعام اذا القى
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 226)
اما البق و البرغوث و امثالهما فالأحوط عدم قتلهما (1) إذا لم يكن هناك ضرر يتوجه منهما على المحرم، و اما دفعهما فالأظهر جوازه و ان كان الترك أحوط.
المحرم القملة عن جسده، و موردها القاء القملة من الجسد دون قتلها، و التعدي عن موردها الى مورد القتل بحاجة الى دليل و لا دليل عليه، و على تقدير وجود الدليل، فالروايات المتقدمة تصلح أن تكون قرينة على حمل الأمر بالكفارة بالنسبة إلى قتلها على الاستحباب، تطبيقا لحمل الظاهر على النص.
(1)فيه ان الأظهر جوازه، لعدم دليل على عدم الجواز، و قوله عليه السّلام في صحيحة معاوية بن عمار: «اتق قتل الدواب كلها»1 ، منصرف عرفا عنهما، و يؤيد ذلك ما ورد في بعض الروايات الضعيفة من جواز قتلهما.
فالنتيجة أن حرمة القتل بحاجة إلى دليل، و لا دليل عليه، و إن كان الاحتياط أولى و أجدر، و أما القاؤهما من الجسد فلا اشكال في جوازه، و تنص عليه صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة.
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 227)
[16 – التزين]
16 – التزين
[مسألة 254: يحرم على المحرم التختم بقصد الزينة]
(مسألة 254): يحرم على المحرم التختم بقصد الزينة (1)، و لا بأس بذلك بقصد الاستحباب، بل يحرم عليه التزين مطلقا، و كفارته شاة على الأحوط الأولى.
[مسألة 255: يحرم على المحرم استعمال الحناء فيما إذا عد زينة خارجا]
(مسألة 255): يحرم على المحرم استعمال الحناء فيما إذا عد زينة خارجا (2)، و ان لم يقصد به التزين. نعم، لا بأس به إذا لم يكن زينة، كما إذا كان لعلاج و نحوه.
(1)فيه انه لا دليل على حرمته اذا لم يعد في العرف العام زينة، لأن الدليل عليه منحصر برواية مسمع عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث قال: «و سألته أ يلبس المحرم الخاتم؟ قال: لا يلبسه للزينة»1 و هذه الرواية و إن كانت واضحة الدلالة، الاّ أنها ضعيفة من ناحية السند، لأن في سندها صالح بن السندي، و هو لم يثبت توثيقه، و على هذا فان كان زينة في العرف العام لم يجز للمحرم رجلا كان أم امرأة أن يلبسه، و الاّ فلا بأس به، و لا أثر لقصده الزينة اذا لم يكن زينة عرفا.
(2)مر أن المستفاد من الروايات أن ما عدّ من الزينة في العرف العام فهو محرم على المحرم رجلا كان أم امرأة و إن لم يقصد به التزين، كما اذا استعمل الحناء بطريقة خاصة في أنامل أرجله و ايديه بنحو يعد في العرف العام زينة، و أما إذا لم يعد كذلك، أو لم يستعمل بشكل يجلب نظر الناس اليه بعنوان أنه زينة، فلا مانع منه. و قد نصت على ذلك صحيحة عبد اللّه بن سنان عن
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 228)
[مسألة 256: يحرم على المرأة المحرمة لبس الحلي للزينة]
(مسألة 256): يحرم على المرأة المحرمة لبس الحلي للزينة (1)، و يستثنى من ذلك ما كانت تعتاد لبسه قبل احرامها و لكنها لا تظهره لزوجها، و لا لغيره من الرجال.
أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن الحناء، فقال: ان المحرم ليمسه و يداوي به بعيره و ما هو بطيب، و ما به بأس»1 فالنتيجة ان المعيار في حرمة استعماله على المحرم انما هي بكونه زينة في العرف العام، و الاّ فلا بأس باستعماله، و لا قيمة للقصد المجرد.
(1)فيه أن المحرم على المرأة المحرمة لبس الحلي و اظهاره للرجال في مركبها و مسيرها مطلقا حتّى لمحارمها كزوجها و غيره لا مطلق لبسه.
و بكلمة: ان لبسه و إن كان زينة في نفسها، الاّ أنه لا يكون محرما على المرأة المحرمة إلاّ اذا كان بفرض اظهاره للرجال. نعم إذا كان الحلي حليا مشهورا للزينة، حرم عليها أن تلبسه، و تدل على ذلك صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال: «سألت أبا الحسن عليه السّلام عن المرأة يكون عليها الحلي و الخلخال و المسكة و القرطاس من الذهب و الورق تحرم فيه و هو عليها و قد كانت تلبسه في بيتها قبل حجها، أ تنزعه اذا أحرمت أو تتركه على حاله، قال: تحرم فيه و تلبسه من غير أن تظهره للرجال في مركبها و مسيرها»2 و تؤكد ذلك صحيحة محمد بن مسلم عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: المحرمة تلبس الحلي كله الاّ حليا مشهورا للزينة»3.
و أما صحيحة الكاهلي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنه قال: «تلبس المرأة المحرمة الحلي كله إلاّ القرط المشهور و القلادة المشهورة»4 ، فلا بد من رفع اليد عن اطلاقها في عقد المستثنى منه، و حملها على ما اذا لم يكن لبسها الحلي أو غيره
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 229)
……….
بغرض الاشهار و اظهاره للرجال، كما أنه لا بد من تقييد اطلاقها فيه بغير الحلي المشهور للزينة بنص صحيحة محمد بن مسلم.
فالنتيجة ان لبس الحلي أو ما شاكله محرم عليها اذا كان بغرض الاشهار و الاظهار للرجال، سواء أ كانت معتادة في لبسها قبل الاحرام أم لا، و الاّ فلا يكون محرما شريطة أن لا يكون مشهورا للزينة، كما أنه لا فرق في ذلك بين أقسام الحلي و أنواعه.
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 230)
[17 – الادّهان]
17 – الادّهان
[مسألة 257: لا يجوز للمحرم الادهان، و لو كان بما ليست فيه رائحة طيبة]
(مسألة 257): لا يجوز للمحرم الادهان، و لو كان بما ليست فيه رائحة طيبة (1)، و يستثنى من ذلك ما كان لضرورة أو علاج.
(1)للنصوص، منها: صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: لا تدهن حين تريد أن تحرم بدهن فيه مسك و لا عنبر، من أجل أن رائحته تبقى في رأسك بعد ما تحرم، و ادهن بما شئت من الدهن حين تريد أن تحرم، فاذا أحرمت فقد حرم عليك الدهن حتّى تحل»1 فانها ناصة في عدم جواز التدهين للمحرم بعد الإحرام رجلا كان أم امرأة.
و أما صحيحة محمد بن مسلم قال: «قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: لا بأس بأن يدهن الرجل قبل أن يغتسل للإحرام و بعده، و كان يكره الدهن الخاثر الذي يبقى»2 فهي على تقدير تسليم اطلاقها لما بعد الإحرام فلا بد من تقييده بصحيحة الحلبي المتقدمة.
نعم، يجوز التدهين للتداوي، و تنص عليه جملة من الروايات.
منها: صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: اذا خرج بالمحرم الخراج او الدمّل فليبطّه و ليداوه بسمن أو زيت»3.
قد تسأل عن أنه هل يجوز التدهين قبل الإحرام بنحو يبقى أثره بعد الإحرام؟
و الجواب: أن مقتضى صحيحة الحلبي الجواز، فان قوله عليه السّلام في
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 231)
[مسألة 258: كفارة الادهان شاة إذا كان عن علم و عمد]
(مسألة 258): كفارة الادهان شاة إذا كان عن علم و عمد، و إذا كان عن جهل فاطعام فقير على الأحوط في كليهما (1).
الصحيحة: «و ادهن بما شئت حين تريد أن تحرم»، يدل بوضوح على أن بقاء أثره بعد الإحرام لا قيمة له، على أساس أن أثر التدهين لا يزول بمرور فترة زمنية قليلة، و لا سيما اذا كان في الشعر، و لا يكون مثل بقاء أثر الطيب، فانه يجب على المحرم ازالته كما تقدم.
و أما قوله عليه السّلام في صحيحة محمد بن مسلم «و كان يكره الدهن الخاثر الذي يبقى» فلا بد من حمله على الكراهة المصطلحة، إما من باب أنها المتيقنة منه اذا لم تكن قرينة على الحرمة، أو أن صحيحة الحلبي قرينة على ذلك، فالنتيجة أن بقاء أثر التدهين في بدن المحرم مكروه، لا أنه حرام.
(1)لكن الأظهر العدم، اذ لا دليل عليها، و ما ذكر من الوجوه ضعيفة و لا قيمة لها، و أما رواية معاوية بن عمار: «في محرم كانت به قرحة فداواها بدهن بنفسج، قال: إن كان فعله بجهالة فعليه طعام مسكين، و إن كان تعمّد فعليه دم شاة يهريقه»1 ، فهي و إن كانت تامة دلالة، الاّ أنه لم ينسب الرواية إلى الإمام عليه السّلام، فمن أجل ذلك لا تكون حجة لاحتمال أنها اجتهاد منه.
فالنتيجة: ان الأظهر عدم وجوب الكفارة في كلتا الحالتين، و إن كان الاحتياط أولى و أجدر.
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 232)
[18 – ازالة الشعر عن البدن]
18 – ازالة الشعر عن البدن
[مسألة 259: لا يجوز للمحرم أن يزيل الشعر عن بدنه أو بدن غيره، المحرم أو المحل]
(مسألة 259): لا يجوز للمحرم أن يزيل الشعر عن بدنه أو بدن غيره، المحرم أو المحل (1)، و تستثنى من ذلك حالات أربع (2):
1 – أن يتكاثر القمل على جسد المحرم و يتأذى بذلك.
2 – أن تدعو ضرورة الى ازالته. كما إذا اوجبت كثرة الشعر صداعا أو نحو ذلك.
3 – أن يكون الشعر نابتا في أجفان العين و يتألم المحرم بذلك.
4 – أن ينفصل الشعر من الجسد من غير قصد حين الوضوء أو الاغتسال.
(1)تدل على الأول مجموعة من النصوص:
منها: صحيحة الحلبي قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يحتجم؟ قال: لا، الاّ أن لا يجد بدا فليحتجم، و لا يحلق مكان المحاجم»1.
و منها: صحيحة حريز عن ابي عبد اللّه عليه السّلام «قال: «لا بأس أن يحتجم المحرم ما لم يحلق أو يقطع الشعر»2.
و تدل على حرمة الثاني صحيحة معاوية بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام:
«قال: لا يأخذ المحرم من شعر الحلال»3.
(2)أما في الحالة الأولى و الثانية و الثالثة، فلقوله تعالى: فَمَنْ كٰانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيٰامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ4 ، فان
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 233)
[مسألة 260: اذا حلق المحرم رأسه من دون ضرورة فكفارته شاة]
(مسألة 260): اذا حلق المحرم رأسه من دون ضرورة فكفارته شاة (1)،
مورده و إن كان المحصور في الحج او العمرة، الاّ أن الحكم لا يختص به، بل هو حكم للمضطر الى ازالة الشعر، و تشهد على عموم الحكم لمطلق المضطر صحيحتا زرارة و حريز الواردتان في تفسير الآية الشريفة، و تدلان على أن كفارة المضطر هو الجامع بين الصيام و الصدقة و النسك، و مقتضى اطلاقهما عدم الفرق بين كون المضطر محصورا أو غير محصور. و مع الاغماض عن ذلك و تسليم أن الآية الشريفة مختصة بالمحصور، الاّ أنه يكفي في رفع حرمة ازالة الشعر عن المحرم في الحالات الثلاث قاعدة لا حرج.
و أما في الحالة الرابعة فتدل على جواز الازالة معتبرة هيثم بن عروة التميمي قال: «سأل رجل ابا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يريد اسباغ الوضوء فتسقط من لحيته الشعرة أو الشعرتان، فقال: ليس بشيء، مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ»1.
(1)لصحيحة زرارة قال: «سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: من نتف ابطه أو قلم ظفره أو حلق رأسه ناسيا أو جاهلا فليس عليه شيء، و من فعله متعمدا فعليه دم شاة»2 فان الظاهر من التعبير عن الكفارة بالدم في الروايات انه دم شاة، و مقتضى اطلاقها عدم الفرق بين أن يكون مضطرا أو مختارا، و لكن مقتضى صحيحتي حريز و زرارة الواردتين في تفسير الآية الشريفة و هي قوله تعالى: فَمَنْ كٰانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيٰامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ3 ان كفارة المضطر الجامع بين دم شاة و صوم ثلاثة أيام و الصدقة على ستة مساكين لكل مسكين مدان، فيكون مخيرا بين أحد هذه
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 234)
و اذا حلقه لضرورة فكفارته شاة، أو صوم ثلاثة أيام، أو اطعام ستة مساكين، لكل واحد مدّان من الطعام. و اذا نتف المحرم شعره النابت تحت ابطيه فكفارته شاة، و كذا اذا نتف احد ابطيه على الأحوط (1)
الخصال الثلاث، فاذن نقيد اطلاق الصحيحة الأولى بهما.
فالنتيجة: أن من حلق رأسه و هو محرم، فان كان عامدا و عالما فكفارته دم شاة، و إن كان مضطرا فكفارته الجامع بين دم شاة أو صيام ثلاثة أيام أو صدقة على ستة مساكين لكل مسكين مدّان على نحو التخيير.
(1)بل على الأظهر، و تنص عليه صحيحة زرارة، قال: «سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: «من نتف ابطه أو قلم ظفره، أو حلق رأسه ناسيا او جاهلا فليس عليه شيء، و من فعله متعمدا فعليه دم شاة»1. و مثلها صحيحته الأخرى2 ، فان مقتضاهما أن المحرم رجلا كان أم امرأة، اذا نتف أحد إبطيه أو كليهما معا عامدا و ملتفتا الى الحكم الشرعي فعليه دم شاة، على أساس أن الابط اسم جنس يصدق على القليل و الكثير و الواحد و الاثنين.
و في مقابلها صحيحة حريز عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: اذا نتف الرجل ابطيه بعد الإحرام فعليه دم»3 ، فانها تنص بمنطوقها على وجوب الكفارة بدم شاة اذا نتف المحرم ابطيه معا، و بمفهومها على نفي وجوبها اذا لم ينتف ابطيه كذلك و إن نتف أحدهما، و على هذا فيقع التعارض بين اطلاق مفهومها و اطلاق الصحيحتين المتقدمتين بالعموم من وجه، فان مورد الافتراق من جانب اطلاق المفهوم، صورة عدم نتف المحرم شيئا من ابطيه، و مورد الافتراق من جانب اطلاق الصحيحتين صورة نتفه لكلا ابطيه معا، و مورد الاجتماع و الالتقاء بينهما صورة ما اذا نتف أحد ابطيه دون الآخر، فان مقتضى اطلاق المفهوم عدم ثبوت
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 235)
……….
الكفارة فيه، و مقتضى اطلاق الصحيحتين ثبوتها، و حيث أنه لا ترجيح لأحدهما على الآخر فيسقطان معا من جهة المعارضة، و يكون المرجع حينئذ الأصل العملي، و هو أصالة البراءة عن وجوب الكفارة في نتف ابط واحد، هذا و لكن الذي يسهل الخطب أن ذكر الإبط بالتثنية في صحيحة حريز انما هو في رواية الشيخ رحمه اللّه، و أما الصدوق رحمه اللّه فقد رواها بنفس السند عن حريز الابط بالافراد، فاذن لا نعلم أن حريز سمع من الإمام عليه السّلام الابط بالتثنية أو بالافراد، فالنتيجة ان كلمة الابط بالتثنية لم يثبت كونها من الإمام عليه السّلام و على هذا فلا معارض للصحيحتين المتقدمتين.
ثم إن هنا رواية أخرى، و هي رواية عبد اللّه بن جبلة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:
«في محرم نتف ابطه، قال: يطعم ثلاثة مساكين»1 تدل على أن في نتف ابط واحد إطعام ثلاثة مساكين، فاذن تكون هذه الرواية معارضة للصحيحتين المذكورتين، لأن مقتضى اطلاقها أن كفارته وجوب اطعام ثلاثة مساكين تعيينا، و مقتضى اطلاق الصحيحتين أن كفارته دم شاة كذلك، فاذن يسقطان معا من جهة المعارضة، و يكون مقتضى الأصل العملي عدم وجوب شيء منهما.
و اما ما ذكره السيد الاستاذ قدّس سرّه من أن كلا منهما لما كانت ناصة في الوجوب بنحو القضية المهملة، و ظاهرة في الوجوب التعييني بالاطلاق، كان نص كل منهما قرينة على رفع اليد عن اطلاق الأخرى، فالنتيجة هي التخيير بين وجوب دم شاة، و بين اطعام ثلاثة مساكين، و بما أن الأمر دائر بين التعيين و التخيير، فالأحوط التعيين، فلا يمكن المساعدة عليه، لما ذكرناه في علم الأصول من أن أحد الدليلين المنفصلين المتنافيين، انما يتقدم على الآخر
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 236)
……….
بالجمع الدلالي العرفي اذا كان مدلوله متعينا للقرينية بلحاظ الإرادة الجدية في العرف العام بملاك الأخصية أو الأظهرية أو النصوصية، و في المقام ليست دلالة الصحيحتين على أصل وجوب الشاة بنحو القضية المهملة. و دلالة رواية عبد اللّه ابن جبلة على أصل وجوب اطعام ثلاثة مساكين كذلك بدلالة مستقلة ناصة بالنسبة الى دلالة الدليل المعارض حتى تكون قرينة عليه، و موردا للجمع العرفي تطبيقا لقاعدة حمل الظاهر على النص، بل هي دلالة ضمنية مندكة في الدلالة المستقلة لكل منهما بلحاظ الارادة الجدية، و في المقام بما أن ظهور كل من الدليلين منعقد في المدلول الذي لا يصلح للقرينية فبطبيعة الحال يقع التعارض بينهما، فيسقطان معا، و يرجع الى الأصل العملي، و لا مجال لما ذكره قدّس سرّه من الجمع العرفي.
و بكلمة: ان ما ذكره السيد الاستاذ قدّس سرّه من امكان الجمع الدلالي العرفي بين الروايتين هما صحيحتا زرارة و رواية ابن جبلة في المقام، مبني على عدم سراية التعارض بينهما الى دليل الحجية، و حينئذ فلا مانع من شموله لكلتا الروايتين معا، و نتيجة ذلك أن يجعل نص كل منهما قرينة على رفع اليد عن اطلاق الأخرى تطبيقا لقاعدة حمل الظاهر على النص. و لكن هذا المبنى غير صحيح، و ذلك لان كلا من الروايتين باطلاقهما و نصهما معا و بنحو مستقل غير مشمول لإطلاق دليل الحجية حتى يكون نص كل منهما قرينة على هدم اطلاق الأخرى، على أساس ان نص كل منهما ليس دلالة تصديقية مستقلة بلحاظ الارادة الجدية في دليل كذلك لكي يكون مشمولا له، بل هي في ضمن الدلالة الاطلاقية لكل منهما. و من الواضح أن الجمع العرفي بين الدليلين المنفصلين المتنافيين انما هو بملاك القرينية المتمثلة في أخصية أحدهما أو الأظهرية، أو
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 237)
……….
النصوصية، و القرينية متفرعة على تعيين مفاد الدليل الصالح لها في المرتبة السابقة لكي يكون مفسرا للمراد الجدي من الدليل الآخر، و المفروض في المقام أن مفاد كل من الروايتين متعين عرفا في الاطلاق لا فيه و في النص معا، ضرورة أنه ليس لكل منهما مفادين مستقلين بلحاظ الارادة الجدية، أحدهما الاطلاق، و الآخر النص، فان لازم ذلك أن يكون كل منهما دليلين مستقلين، و هو خلف فرض كونه دليلا واحدا، بل حتى اذا كانت احداهما مجملة، بأن يكون مفادها مرددا بين المطلق و المقيد، و القدر المتيقن هو المقيد و الأخرى مطلقة، لأن الرواية المجملة لا تصلح أن تكون قرينة على الرواية المطلقة و موجبة لتقييدها بالقدر المتيقن، لم عرفت من أن قرينية أحد الدليلين المنفصلين على الدليل الآخر متمثلة في اظهريته، او نصوصيته، أو أخصيته بالنسبة الى الآخر مستقلا لا مطلقا، و على هذا فلا يمكن أن تكون نصوصيّة كل من الروايتين مشمولة لدليل الحجية الاّ في ضمن شموله للمدلول الاطلاقي لكل منهما لا مستقلا، و من المعلوم أنه لا أثر لهذا الشمول، لأنه يسقط بسقوطه عن المدلول الاطلاقي لهما بسبب التعارض.
فالنتيجة: أنه لا يمكن شمول اطلاق دليل الحجية لكلتا الروايتين المتعارضتين معا، فاذن لا محالة يسقط و يرجع حينئذ الى أصالة البراءة.
و دعوى: ان مفاد دليل حجية الرواية سندا هو التعبد بأصل الصدور من دون أن يكون ناظرا الى مفادها و مدلولها، فيكون دوره تحقيق الصغرى لدليل حجية الظهور تعبدا، من دون أن تكون حجية السند مرتبطة بحجية الظهور، بل تكون مستقلة و غير مشروطة بها، و على هذا الأساس فلا مانع من شمول دليل الحجية لكلتا الروايتين معا، و بذلك تثبت قضيتان:
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 238)
……….
إحداهما: أن كفارة نتف شعر الابط الواحد شاة.
و الأخرى: أن كفارته اطعام ثلاثة مساكين، و حيث انه لا يمكن الأخذ باطلاق كلتا القضيتين معا، كما أنه لا يمكن طرحهما كذلك نهائيا لفرض العلم بصدورهما تعبدا، و هو كالعلم بصدورهما وجدانا، فلا مناص حينئذ من الالتزام بتقييد وجوب كل منهما بعدم الاتيان بالآخر.
فالنتيجة: هي التخيير، لا بمعنى وجوب الجامع بينهما، بل بمعنى وجوبين مشروطين، فان ذلك هو المتيقن منهما.
مدفوعة: اما أولا، فلما ذكرناه في علم الأصول من أن حجية السند و الدلالة مجعولة بجعل واحد بنحو الارتباط، لأن جعل الحجية للسند مستقلة بدون النظر الى دلالته و مفاده لغو و جزاف، فاذا ورد في دليل: لا بأس ببيع العذرة، و ورد في دليل آخر: ثمن العذرة سحت، ففي مثل ذلك لا يمكن شمول دليل الحجية لسند كل من الدليلين المنفصلين، فانه انما يشمل اذا كان الجمع الدلالي العرفي بينهما ممكنا بملاك القرينية من الأظهرية أو الأخصية، أو النصوصية، و أما إذا لم يمكن ذلك بملاك القرينية، باعتبار أن مفاد أحدهما عرفا لا يصلح لها كما في هذين الدليلين، فلا يمكن شموله للسند وحده، لما مر من المحذور المذكور.
و دعوى: أنه لا يلزم محذور اللغوية من شموله للسند وحده على أساس أنه قرينة على الجمع بينهما، و التأويل برفع اليد عن ظهور كل منهما و حمله على خلاف الظاهر.
مدفوعة: بأن شموله للسند يتوقف على ان الجمع العرفي بينهما ممكن بملاك القرينية في المرتبة السابقة، و هو حجة في العرف العام، فمن أجل ذلك يشمله السند أيضا، و لا يسري التعارض اليه، هذا اضافة الى أن هذا الجمع ليس
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 239)
……….
بجمع عرفي، بل هو عقلي من أجل دفع اللغوية عن كلام المولى، و من الواضح أن حكم العقل بهذا الجمع متفرع على الشمول، فلا يمكن أن يكون مصححا له، و مانعا عن سراية التعارض اليه، هذا أولا.
و ثانيا: مع الاغماض عن ذلك و تسليم أن حجية السند مستقلة و غير مربوطة بحجية الدلالة و الظهور، الاّ أن هذا الجمع بين الدليلين المتعارضين ليس بملاك القرينية و الجمع الدلالي العرفي، بل بملاك العلم بصدورهما تعبدا، فانه منشأ لحكم العقل بذلك الجمع من أجل دفع اللغوية، بأن يرفع اليد عن الاطلاق في كلتا الروايتين المذكورتين في المقام، و يؤخذ بالقدر المتيقن منهما، و نتيجة ذلك هي التخيير، كما هو الحال فيما إذا كان كلا الدليلين قطعي الصدور و الجهة، فانه لا بد من التصرف و التأويل فيهما بعد ما لا يمكن الأخذ بظهورهما معا عرفا، فان القطع بالصدور و الجهة قرينة عقلا على هذا التصرف من أجل دفع اللغوية، و الأخذ بالمتيقن منهما اذا كان لهما متيقن، و كذلك الأمر اذا كان أحدهما معلوم الصدور وجدانا أو تعبدا، فانه لا بد من الأخذ به، و نتيجة ذلك هي التخيير، و إن كان أحدهما المعين معلوم الصدور وجدانا دون الآخر، فان كانت نسبته الى الدليل الآخر نسبة العام و الخاص، أو الظاهر و الأظهر، أو العكس، أمكن الجمع العرفي بينهما، و لا تصل النوبة الى المعارضة و سرايتها الى دليل الحجية، و إن كانت نسبته اليه نسبة المعارضة، سقط الدليل الآخر عن الحجية من جهة أنه مخالف للسنة.
الى هنا قد تبين أن ما افاده السيد الاستاذ قدّس سرّه من الحكم بالتخيير في المقام و غيره بجعل نص كل من الدليلين قرينة على رفع اليد عن اطلاق الدليل الآخر حتى تكون النتيجة التخيير، فلا يمكن المساعدة عليه أصلا، هذه نبذة مما ذكرناه في علم الأصول، و التفصيل هناك.
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 240)
……….
و ثالثا: أن ما افاده قدّس سرّه لا يتم في المقام و إن سلمنا تماميّته في غير المقام، و ذلك لأن رواية ابن جبلة ضعيفة سندا، فانه لم يوثق، و مجرد وروده في رجال التفسير و كامل الزيارات لا يكفي.
فالنتيجة: في نهاية المطاف أن في نتف الشعر النابت في الابط الواحد دم شاة، و كذلك في الابطين، فان ذلك هو مقتضى اطلاق الصحيحتين لزرارة المتقدمتين، على أساس أن الإبط المذكور فيهما اسم جنس يصدق على القليل و الكثير.
نذكر فيما يلي أمرين:
الأول: قد تسأل أن الكفارة هل هي على نتف المحرم رجلا كان أم امرأة تمام الشعر النابت في الابط، و حلق تمام الشعر النابت في الرأس، أو يكفي في ثبوتها نتف البعض، أو حلق البعض؟
و الجواب: أنه لا يكفى نتف البعض او حلقه، لأن المتبادر عرفا من صحيحتي زرارة المتقدمتين هو نتف تمام الشعر النابت في الإبط، أو حلق تمام شعر الرأس، باعتبار أن الموضوع للكفارة هو نتف الإبط و حلق الرأس، و هو لا يصدق الاّ على نتف تمام الشعر النابت فيه، كما انه لا يصدق الاّ على حلق تمام شعر الرأس.
فالنتيجة: أنه لا كفارة على نتف بعض الشعر النابت فيه، أو حلق بعض شعر الرأس.
الثاني: قد تسأل هل أن للنتف و الحلق خصوصية بحيث لو حلق الشعر النابت في الابط فلا كفارة فيه، كما أنه لو نتف شعر رأسه بدل الحلق فلا كفارة عليه، أو أنه لا خصوصية لهما؟
و الجواب: انه لا خصوصية لهما، فان المتفاهم العرفي من الصحيحتين
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 241)
و إذا نتف شيئا من شعر لحيته و غيرها فعليه ان يطعم مسكينا بكف من الطعام (1) و لا كفارة في حلق المحرم رأس غيره محرما كان أم محلا.
[مسألة 261: لا بأس بحك المحرم رأسه ما لم يسقط الشعر عن رأسه و ما لم يدمه]
(مسألة 261): لا بأس بحك المحرم رأسه ما لم يسقط الشعر عن رأسه و ما لم يدمه. و كذلك البدن و اذا امرّ المحرم يده على رأسه أو لحيته عبثا فسقطت شعرة أو شعرتان فليتصدق بكف من طعام (2)
المذكورتين أن المحرّم على المحرم انما هو ازالة الشعر سواء أ كانت بالنتف، أم كانت بالحلق، غاية الأمر أن ازالة الشعر النابت في الابط قد يكون بالنتف، و قد يكون بالحلق، و اما ازالة شعر الرأس فهي إنما تكون بالحلق، فالنتيجة انه لا خصوصية لهما عرفا.
(1)لصحيحة الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: «ان نتف المحرم من شعر لحيته و غيرها شيئا فعليه أن يطعم مسكينا في يده»1.
(2)لعدة من الروايات:
منها: صحيحة منصور عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «في المحرم اذا مس لحيته فوقع منها شعرة، قال: يطعم كفا من طعام، أو كفين»2.
و منها: صحيحة معاوية بن عمار قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: المحرم يعبث بلحيته فيسقط منها الشعرة و الثنتان، قال: يطعم شيئا»3.
و في مقابلها رواية مفضل بن عمر، قال: «دخل النباجي على أبي عبد اللّه عليه السّلام فقال: ما تقول في محرم مس لحيته فسقط منها شعرتان، فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: لو مسست لحيتي فسقط منها عشر شعرات ما كان علي شيء»4 ، فانها ناصة في عدم وجوب الكفارة، و تصلح أن تكون قرينة على رفع اليد عن ظهور تلك الروايات في وجوبها و حملها على الاستحباب تطبيقا لقاعدة حمل
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 242)
و اما اذا كان في الوضوء و نحوه فلا شيء عليه (1).
الظاهر على النص، و لكن الاشكال انما هو في سند هذه الرواية من جهة وجود مفضل بن عمر فيه، و هو لم يثبت توثيقه.
(1)لمعتبرة هيثم بن عروة التميمي1 المتقدمة.
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 243)
[19 – ستر الرأس للرجال]
19 – ستر الرأس للرجال
[مسألة 262: لا يجوز للرجل المحرم ستر رأسه، و لو جزء منه]
(مسألة 262): لا يجوز للرجل المحرم ستر رأسه، و لو جزء منه (1)
(1)في اطلاقه اشكال بل منع، لأن الظاهر من روايات الباب هو أن المنهي عنه تغطية تمام الرأس، و هي لا تصدق على تغطية بعضه، و هي كما يلي:
منها: صحيحة حريز قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن محرم غطى رأسه ناسيا، قال: يلقي القناع عن رأسه و يلبي و لا شيء عليه»1.
و منها: صحيحة زرارة قال: «قلت لأبي جعفر عليه السّلام: الرجل المحرم يريد أن ينام يغطي وجهه من الذباب، قال: نعم، و لا يخمّر رأسه، و المرأة لا بأس أن تغطي وجهها كله»2.
نعم، قد يستدل على عدم جواز ستر بعض الرأس بصحيحة عبد اللّه بن سنان، قال: «سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول لأبي و شكى اليه حر الشمس و هو محرم و هو يتأذى به فقال: ترى أن استتر بطرف ثوبي؟ فقال: لا بأس بذلك ما لم يصب رأسك»3 بتقريب أن اصابة طرف من الثوب الرأس تشمل ما اذا أصاب بعضه.
و الجواب: ان المراد من الاستتار بطرف من الثوب هو الاستظلال به، بقرينة أنه يتأذى من حرارة الشمس، و لذا سأل الإمام عليه السّلام عن الاستظلال بطرف منه، و أجاب عليه السّلام بالجواز شريطة أن لا يصيب الثوب رأسه، فاذن تدل الصحيحة على أنه يجوز للمحرم أن يستظل به من الشمس شريطة أن لا يصيب رأسه، أي لا يستره، لأن المقصود من النهي عن الاصابة هو النهي عن الستر، و حينئذ فلو لم
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 244)
بأي ساتر كان، حتى مثل الطين بل و بحمل شيء على الرأس على الأحوط (1). نعم، لا بأس بستره بحبل القربة، و كذلك تعصيبه بمنديل و نحوه من جهة الصداع و كذلك لا يجوز ستر الأذنين (2).
يكن ظاهرا في أن النهي انما هو عن ستر تمام الرأس، فلا يكون ظاهرا في الأعم، هذا اضافة الى أن الرواية ليست في مقام البيان من هذه الناحية، فالمرجع هو سائر الروايات.
فالنتيجة: أن الظاهر من الروايات أن المحرّم على الرجل المحرم ستر تمام الرأس، و لا يستفاد منها حرمة ستر بعض اجزائه لا بساتر خارجي و لا باليد أو نحوها.
(1)لكن الأظهر الجواز، لأن حمل شيء على رأسه، كحمل الطبق أو الكتاب أو ما شاكل ذلك لا يوجب ستر تمام الرأس، بل و لا معظمه، و من هذا القبيل ستر بعض الرأس بحبل القربة، فانه لا مانع منه. و تؤيد ذلك رواية محمد ابن مسلم: «انه سأل ابا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يضع عصام القربة على رأسه اذا استسقى، فقال: نعم»1.
و يستثنى من حرمة ستر الرأس ستره من جهة الصداع فيه، لصحيحة معاوية بن وهب عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: لا بأس بأن يعصب المحرم رأسه من الصداع»2.
(2)لصحيحة عبد الرحمن، قال: «سألت أبا الحسن عليه السّلام عن المحرم يجد البرد في أذنيه، يغطيهما، قال: لا»3.
بقي هنا شيء و هو أن الرجل المحرم اذا نام فهل يجوز له أن يغطي رأسه في هذه الحالة و هو محرم؟ فيه وجهان: المعروف و المشهور عدم جوازه، و لكن
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 245)
[مسألة 263: يجوز ستر الرأس بشيء من البدن كاليد، و الاولى تركه]
(مسألة 263): يجوز ستر الرأس بشيء من البدن كاليد، و الاولى تركه.
[مسألة 264: لا يجوز للمحرم الارتماس في الماء]
(مسألة 264): لا يجوز للمحرم الارتماس في الماء (1)،
الأظهر الجواز، لصحيحة زرارة عن أحدهما عليه السّلام في المحرم: «قال: له أن يغطي رأسه و وجهه اذا أراد أن ينام»1 ، و في مقابلها صحيحته الأخرى عن ابي جعفر عليه السّلام قال: «قلت: المحرم يؤذيه الذباب حين يريد النوم يغطي وجهه، قال:
نعم، و لا يخمر رأسه – الحديث»2.
قد يقال – كما قيل -: بأنها معارضة للأولى فتسقطان من جهة المعارضة، فالمرجع هو العام الفوقي، و مقتضاه حرمة الستر.
و الجواب: ان الصحيحة الثانية لا تصلح أن تعارض الأولى، و ذلك لأن الأولى ناصة في الجواز، و هي ظاهرة في الحرمة، فمقتضى القاعدة هو حمل الظاهر على النص، فالنتيجة أن ستر الرأس مكروه في حال النوم، لا أنه محرم.
(1). للروايات التي تنص على حرمة الارتماس في الماء على المحرم رجلا كان أم امرأة.
منها: صحيحة عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سمعته يقول: لا تمس الريحان و انت محرم – الى أن قال: و لا ترتمس في ماء تدخل فيه رأسك»3.
و منها: صحيحة حريز عن ابي عبد اللّه عليه السّلام في حديث: «قال: و لا يرتمس المحرم في الماء، و لا الصائم»4 ، و مثلها صحيحة يعقوب بن شعيب5.
ثم إن الظاهر من هذه الروايات أن الارتماس بعنوانه محرّم على المحرم،
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 246)
و كذلك في غير الماء على الأحوط (1) و الظاهر أنه لا فرق في ذلك بين الرجل و المرأة.
[مسألة 265: اذا ستر المحرم رأسه فكفارته شاة على الأحوط]
(مسألة 265): اذا ستر المحرم رأسه فكفارته شاة على الأحوط (2) و الظاهر عدم وجوب الكفارة في موارد جواز الستر و الاضطرار.
لا بعنوان أنه مصداق لستر الرأس، باعتبار أن الوارد في روايات ستر الرأس حرمة تغطيته بغطاء، و تخميره بخمار، و من الواضح ان هذا العنوان لا يصدق على غمس الرأس في الماء، فلذلك لا تختص حرمة الارتماس في الماء بالرجل المحرم، بل تعم المرأة المحرمة أيضا، لأن الظاهر من الروايات أنها من أحكام الاحرام كمس الريحان و الطيب، كما أن حرمته في نهار شهر رمضان من احكام الصوم، بدون فرق بين الرجل الصائم و المرأة الصائمة.
(1)لكن الأظهر الجواز، لعدم الدليل على المنع، و إن كان الأولى و الأجدر تركه.
(2)لكن لا يبعد عدم وجوبها، اذ لا دليل عليها الاّ دعوى الاجماع و هي غير ثابتة.
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 247)
[20 – ستر الوجه النساء]
20 – ستر الوجه النساء
[مسألة 266: لا يجوز للمرأة المحرمة أن تستر وجهها بالبرقع أو النقاب أو ما شابه ذلك]
(مسألة 266): لا يجوز للمرأة المحرمة أن تستر وجهها بالبرقع أو النقاب أو ما شابه ذلك. و الأحوط أن لا تستر وجهها بأي ساتر كان (1).
(1)بل على الأظهر، و تدل على ذلك مجموعة من الروايات:
منها: صحيحة أبي نصر عن أبي الحسن عليه السّلام قال: «مر أبو جعفر عليه السّلام بامرأة محرمة قد استترت بمروحة، فأماط المروحة بنفسه عن وجهها»1 بتقريب أن المروحة بما أنها ليست من نوع الساتر الاعتيادي كالبرقع و النقاب و غيرهما من الأثواب العادية، فتدل الصحيحة على انه لا يجوز للمرأة المحرمة ستر وجهها بأي ساتر و إن كان غير اعتيادي كالمروحة و الطين و ما شاكلهما.
و منها: صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «مرّ أبو جعفر عليه السّلام بامرأة متنقبة و هي محرمة فقال: أحرمي و اسفري و أرخي ثوبك من فوق رأسك، فإنك إن تنقبت لم يتغير لونك – الحديث»2 بتقريب أن تعليل حرمة النقاب عليها بأنه مانع عن تغير لونها، يدل على أنه لا خصوصية للنقاب الاّ باعتبار كونه مانعا عن ذلك، فاذن تدل الصحيحة على أن كل ساتر يكون حافظا على لونها و مانعا عن تغيره فهو محرم على المحرمة و إن كان غير اعتيادي.
و منها: صحيحة عبد اللّه بن ميمون عن جعفر عن أبيه عليه السّلام: «قال: المحرمة لا تتنقب، لأن احرام المرأة في وجهها، و احرام الرجل في رأسه»3 ، بتقريب أن تعليل حرمة النقاب عليها بأن احرامها في وجهها يدل على أنه لا خصوصية للنقاب الاّ كونه من أظهر افراد الساتر، فاذن يكون المحرم عليها ستر وجهها بأيّ
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 248)
كما ان الأحوط أن لا تستر بعض وجهها أيضا (1).
ساتر و إن كان غير اعتيادي.
فالنتيجة: ان المستفاد من هذه الروايات أنه لا موضوعية للنقاب أو ما يشبهه.
(1)لكن الأظهر الجواز، لأن المتفاهم العرفي من الروايات الناهية عن ستر المرأة المحرمة وجهها بالنقاب أو البرقع أو ساتر آخر هو ستر تمام وجهها، لا الأعم منه و من البعض، و من هنا اذا نهى المولى عبده عن ستر وجهه في الوقت الفلاني بالنقاب أو غيره، كان المتفاهم منه عرفا هو النهي عن ستر تمام وجهه دون الأعم، و لكن مع هذا فالاحتياط في محله. ثم إن هنا طائفة أخرى من الروايات التي تنص على أنه يجوز للمرأة المحرمة أن تسدل ثوبها على وجهها الى الذقن، و اذا كانت راكبة فإلى النحر.
منها: صحيحة عيص بن القاسم قال: «قال أبو عبد اللّه عليه السّلام في حديث كره النقاب يعني للمرأة المحرمة، و قال: تستدل الثوب على وجهها، قلت: حد ذلك الى أين؟ قال: الى طرف الأنف قدر ما تبصر»1 فانها تنص على جواز ستر بعض الوجه.
و منها: صحيحة الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: «مرّ أبو جعفر عليه السّلام بامرأة متنقبة و هي محرمه، فقال: أحرمي و اسفري و ارخى ثوبك من فوق رأسك، فانك إن تنقبت لم يتغير لونك، فقال رجل: الى أين ترخيه، قال: تغطي عينها، قال: قلت: تبلغ فمها، قال: نعم»2 ، فانها تدل على أنه يسوغ لها أن تغطي وجهها بثوبها الى فمها.
و منها: صحيحة حريز قال: «قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: المحرمة تسدل الثوب على وجهها الى الذّقن»3..
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 249)
……….
و منها: صحيحة زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «إن المحرمة تسدل ثوبها الى نحرها»1.
و منها: صحيحة معاوية بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «أنه قال: تسدل المرأة الثوب على وجهها من أعلاها الى النحر اذا كانت راكبة»2 ، فإنها تقيد اطلاق بعض الروايات المتقدمة بمنطوقها، و بعضها الآخر بمفهومها.
أما الأول: فلأنها تقيد اطلاق صحيحة حريز الدالة على عدم جواز اسدال الثوب الى ما دون الذقن بالاطلاق الناشئ من السكوت في مقام البيان، بما اذا لم تكن المرأة المحرمة راكبة، و اما اذا كانت راكبة فيجوز لها اسدال ثوبها الى النحر، كما أن صحيحة حريز من جهة أنها ناصة في جواز اسدال ثوبها الى الذقن قرينة على رفع اليد عن اطلاق صحيحتي عيص و الحلبي تطبيقا لقاعدة حمل الظاهر على النص.
و اما الثاني: فلأنها تقيد اطلاق صحيحة زرارة بما اذا كانت المرأة المحرمة راكبة، و إلاّ لم يجز لها اسدال ثوبها الى نحرها.
ثم إن المراد من هذه الطائفة بمناسبة الحكم و الموضوع الارتكازية، و بقرينة التفصيل بين كون المرأة المحرمة راكبة أو غير راكبة أنها في مقام بيان أنه يجوز للمرأة أن تتحجب من الأجنبي بأن تسدل ما على رأسها من الخمار أو غيره من ثيابها و ملابسها الى ما يحاذي ذقنها اذا لم تكن راكبة، و الى نحرها اذا كانت راكبة و إن مس وجهها مباشرة، و لا يمكن ان يستفاد منها جواز ذلك لها مطلقا حتى فيما اذا لم يكن هناك أجنبي.
فالنتيجة أنه لا تنافي بين هذه الطائفة و الطائفة المتقدمة التي تدل على أنه لا يجوز للمرأة المحرمه أن تستر وجهها بأي ساتر و إن كان غير اعتيادي.
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 250)
نعم، يجوز لها أن تغطي وجهها حال النوم و لا بأس بستر بعض وجهها (1) مقدمة لستر الرأس في الصلاة و الأحوط رفعه عند الفراغ منها (2).
[مسألة 267: للمرأة المحرمة أن تتحجب من الاجنبي]
(مسألة 267): للمرأة المحرمة أن تتحجب من الاجنبي (3) بأن تنزل ما على رأسها من الخمار أو نحوه إلى ما يحاذي أنفها أو ذقنها. و الأحوط أن تجعل القسم النازل بعيدا عن الوجه (4) بواسطة اليد أو غيرها.
[مسألة 268: كفارة ستر الوجه شاة على الأحوط]
(مسألة 268): كفارة ستر الوجه شاة على الأحوط (5).
(1)بل الى الذقن إذا لم تكن المرأة راكبة، و الى النحر اذا كانت راكبة، شريطة أن يكون باسدال ثوبها من فوق رأسها، و تدل على ذلك مجموعة من الروايات.
(2)لا بأس بتركه، لما مر من أنه لا دليل على حرمة ستر بعض الوجه عليها.
(3)اذ لا فرق في وجوب الحجاب عليها من الأجنبي بين حال الاحرام و غيرها.
(4)لا بأس بتركه، فان الروايات مطلقة من هذه الناحية، و مقتضى اطلاقها أنه يجوز لها أن تنزل ما على رأسها من الخمار أو الثياب الى ما يحاذي الذقن أو النحر اذا كانت راكبة و إن مس وجهها مباشرة.
(5)فيه ان الأظهر عدم وجوب الكفارة في ستر الوجه لعدم الدليل.
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 251)
[21 – التظليل للرجال]
21 – التظليل للرجال
[مسألة 269: لا يجوز للرجل المحرم التظليل حال مسيره بمظلة أو غيرها]
(مسألة 269): لا يجوز للرجل المحرم التظليل حال مسيره بمظلة أو غيرها و لو كان بسقف المحمل أو السيارة أو الطائرة و نحوها (1)
(1)لا شبهة في حرمة التظليل على الرجل المحرم، و انما الكلام في أن المحرّم عليه هل هو التظليل من الشمس فقط بظل يتحرك بحركة المحرم كسقف الطائرة أو السيارة أو الباخرة في حال حركتها، فان السقف و الراكب يتحركان معا، أو يحمل مظلة و يستظل بها حال سيره، أو الأعم منها و من المطر و البرد القارص، أو مطلق التظليل و التستر بظل، و إن لم يكن هناك شمس، كما إذا كان في الليل، و لا مطر و لا برد، كما إذا كان الجو صافيا و معتدلا؟ وجوه: الأقوى هو الوجه الثالث.
بيان ذلك: ان الروايات الواردة في المسألة تكون على ثلاث طوائف:
الطائفة الأولى: الروايات التي تنص على حرمة التظليل من الشمس:
منها: صحيحة عبد اللّه بن المغيرة، قال: «قلت لأبي الحسن الأول عليه السّلام:
أظلّل و انا محرم، قال: لا، قلت: أ فأظلّل و اكفر، قال: لا، قلت: فان مرضت، قال:
ظلّل و كفر، ثم قال: أما علمت أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال: ما من حاج يضحى ملبيا حتى تغيب الشمس الاّ غابت ذنوبه معها»1 فانها واضحة الدلالة على ان المحرّم على الرجل المحرم هو التظليل من الشمس، و الاستشهاد بقول الرسول صلّى اللّه عليه و آله انما هو لبيان حكمة حرمة التظليل منها.
و منها: صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال: «سألت ابا الحسن عليه السّلام عن
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 252)
……….
الرجل المحرم و كان اذا اصابته الشمس شق عليه و صدع فيستتر منها، فقال: هو أعلم بنفسه، اذا علم أنه لا يستطيع أن تصيبه الشمس فليستظل منها»1.
و منها: صحيحة اسماعيل ابن عبد الخالق قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام هل يستتر المحرم من الشمس؟ فقال: لا الاّ أن يكون شيخا كبيرا، أو قال: ذا علة»2.
و منها: صحيحة عبد اللّه بن المغيرة قال: «سألت ابا الحسن عليه السّلام عن الظلال للمحرم، فقال: اضح لمن احرمت له، قلت: اني محرور و إن الحر يشتد علي، فقال: أما علمت أن الشمس تغرب بذنوب المحرمين»3.
الطائفة الثانية: الروايات التي تنص على عدم جواز ركوب المحرم القبة و الكنيسة.
منها: صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليه السّلام قال: «سألته عن المحرم يركب القبة، فقال: لا، قلت: فالمرأة المحرمة، قال: نعم»4.
و منها: صحيحة الحلبي قال: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يركب في القبة، قال: ما يعجبني الاّ أن يكون مريضا، قلت: فالنساء، قال: نعم»5.
و منها: صحيحة هشام بن سالم قال: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يركب في الكنيسة، فقال: لا و هو للنساء جائز»6.
و هذه الطائفة تدل على حرمة التظليل و التستر بظل و ان لم تكن هناك شمس و لا مطر و لا برد، كما اذا كان السفر في الليل و في الجو الصافي و الهواء الساكن، و أما البرد الناشئ من حركة الطائرة أو السيارة فالظاهر أنه غير مشمول للروايات التي تنص على التظليل و التستر منه بظل، فان الظاهر منها حرمة التستر
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 253)
……….
من البرد القارص في نفسه و بقطع النظر عن حركة المركبة.
الطائفة الثالثة: الروايات التي تنص على حرمة التظليل و التستر بظل من البرد القارص و المطر:
منها: معتبرة عثمان بن عيسى الكلابي قال: «قلت لأبي الحسن الأول عليه السّلام:
ان علي بن شهاب يشكو رأسه و البرد شديد، و يريد أن يحرم، فقال: ان كان كما زعم فليظلل، و أما انت فاضح لمن أحرمت له»1.
و منها: صحيحة سعد بن سعد الأشعري عن ابي الحسن الرضا عليه السّلام: قال:
«سألته عن المحرم يظلل على نفسه، فقال: أمن علة؟ فقلت: يؤذيه حرّ الشمس و هو محرم، فقال: هي علة يظلّل و يفدي»2 بتقريب أنها تدل على عدم جواز التظليل و التستر للمحرم بظل و ساتر الاّ من علة، فاذا كانت هناك علة جاز التظليل به من أجلها مع الفداء، و عليه فالمستفاد من الصحيحة ضابط كلي و هو عدم جواز التظليل الاّ من علة، و الايذاء من حر الشمس بما أنه علة فيجوز التظليل من أجلها بدون خصوصية لها الاّ كونها من احدى صغرياتها، و حينئذ فتعم الصحيحة الايذاء من المطر أو البرد على أساس أنه علة.
و منها: صحيحة ابراهيم بن ابي محمود قال: «قلت للرضا عليه السّلام: المحرم يظلل على محمله و يفدي اذا كانت الشمس و المطر يضران به، قال: نعم، قلت:
كم الفداء؟ قال: شاة»3.
و منها: صحيحة محمد بن اسماعيل بن بزيع عن الرضا عليه السّلام قال: «سأله رجل عن الظلال للمحرم من اذى مطر أو شمس و أنا اسمع، فأمره أن يفدي
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 254)
……….
شاة، و يذبحها بمنى»1 ، و مثلها صحيحته الأخرى2.
هذا و لا يبعد أن يقال أن ذكر المطر و الشمس في هذه الروايات في كلام السائل يكون من باب المثال، و بلحاظ أن ايذاء المسافر بهما في السفر اكثر من ايذائه بغيرهما، و الاّ فلا خصوصية لهما، فان المعيار انما هو بالايذاء سواء أ كان بهما أم بغيرهما، كالبرد الشديد أو نحوه.
ثم إن مقتضى اطلاق هذه الطائفة عدم جواز التظليل للمحرم اذا لم تكن هناك أذية من ناحية المطر أو الشمس و لو من باب السالبة بانتفاء الموضوع.
و على هذا فالطائفة الثانية تنص على أنه لا يجوز للرجل المحرم أن يركب القبة أو الكنيسة و هو محرم، و مقتضى اطلاقها أنه لا فرق بين أن يكون في الليل أو النهار.
و احتمال أن عدم جواز ركوبها انما هو من جهة الاستظلال بها من الشمس.
مدفوع باطلاقها، فانها على الرغم من كونها في مقام البيان، و مع ذلك يكون سكوتها عن هذا القيد قرينة على الاطلاق، على أساس ضابط عرفي عام، و هو أن كل ما لم يقله المتكلم لم يرده.
فالنتيجة: أنه لا شبهة في اطلاق هذه الروايات، و يؤكد هذا الاطلاق أن حركة قوافل الحجاج في الأزمنة السابقة في موسم الحج من جميع الأقطار الاسلامية لم تكن متقيدة بأن تكون في النهار، يعني بين طلوع الشمس و غروبه، ضرورة أنها كانت تختلف باختلاف الظروف و الموسم و المناخ، ففي بعض الأحوال كانت الحركة غالبا في النهار كما في الشتاء و البرد، و في بعض الظروف
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 255)
……….
و المواسم كانت الحركة غالبا في الليل كما في الصيف الحار و لا سيما اذا كانت الحرارة في النهار شديدة و في بعض المواسم، كانت الحركة في مقدار من الليل و مقدار من النهار كما في الربيع و الجو المعتدل و عليه فلا يمكن انكار وقوع سيرهم في الليل نهائيا، و مع هذا نهى الشارع الرجل المحرم عن ركوب القبة أو الكنيسة بدون الاشارة في طول التاريخ الزمني للحج في شيء من رواياته الى أن نهيه عن ركوبها انما هو في النهار لا مطلقا، قرينة على أنه لا يجوز له أن يستظل بظل و يتستر بساتر متحرك مع حركته و إن لم يكن هناك شمس و لا مطر و لا برد، لأنه مقتضى اطلاقها، هذا من ناحية.
و من ناحية اخرى أنه لا يحتمل عرفا أن يكون لعنوان القبة أو الكنيسة خصوصية ما عدا كونها ساترة، اذ مضافا الى أن العرف لا يرى موضوعية لعنوانها، أن التفصيل في رواياتها بين الرجل المحرم و المرأة المحرمة، و بين الرجل السالم و المريض قرينة على أن حرمة ركوب الرجل المحرم السالم فيها انما هي من جهة أنه محرم، اذ ليس هناك جهة أخرى يحتمل أن تكون مانعة عن ركوبه فيها غير هذه الجهة.
و دعوى: أن قوله عليه السّلام في صحيحة عبد اللّه بن المغيرة من الطائفة الأولى للروايات: «ما من حاج يضحى ملبيا حتى تغيب الشمس الاّ غابت ذنوبه معها»1 بمثابة العلة للحكم، فيصلح أن يكون قرينة على تقييد اطلاق الطائفة الثانية.
مدفوعة: بأنه ليس علة له، بل هو بيان لما يترتب على ذلك من الآثار و الفوائد و الحكم، فلا يصلح أن يكون قرينة على تقييد اطلاقها، و لا على نفي تلك الفوائد عن غير موردها.
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 256)
……….
لحد الآن قد تبين أن ما نتج من هذه الطوائف الثلاث من الروايات أنه لا يجوز للرجل المحرم أن يستظل بظل فوق رأسه، و يتحرك بحركته مطلقا، اي سواء أ كانت هناك شمس أم مطر أم ريح أم لا، كما اذا كان الجو صافيا و معتدلا و الهواء ساكنا، هذا بدون فرق بين أن تكون الحركة أفقية، كما في راكب السيارة و الطائرة و هي تتحرك، أو عمودية كالواقف في المصعد الكهربائي و هو يصعد أو ينزل.
و من هنا يظهر أن المراد من الضحى في الطائفة الأولى مطلق البروز في مقابل المستور بساتر، و ليس المراد منه خصوص البروز للشمس و إن كان موردها ذلك، الا أنه من باب التطبيق بملاك أنه من اظهر افراده، لا أنه معناه، لأن معناه لغة و عرفا هو البروز و الظهور، سواء أ كان للشمس أم كان لغيره.
و لمزيد من التعرف لحكم المسألة و احتمالاتها نظريا و تطبيقيا نذكر فيما يلي أمورا:
الأول: لا يجوز للرجل المحرم أن يتظلل بظل، و يتستر بساتر متحرك بحركته في حالة سيره مطلقا، أي سواء أ كان هناك شمس أم مطر أم برد شديد أم لم يكن شيء منها.
الثاني: لا فرق في حرمة ذلك على الرجل المحرم بين أن يكون في الليل أو النهار.
الثالث: أن المراد من التظليل مطلق التستر بساتر متحرك بحركته فوق رأسه، اذ مضافا الى أنه معناه لغة و عرفا، و أنه مقتضى اطلاق الطائفة الثانية و الثالثة، تشهد عليه جملة من الروايات الأخر أيضا:
منها: صحيحة معاوية بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: لا بأس بأن
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 257)
……….
يضع المحرم ذراعه على وجهه من حر الشمس، و لا بأس أن يستر بعض جسده ببعض»1 فانها تدل على أن ما لا يجوز للمحرم أن يفعله هو ما يتستر بساتر و يستظل بظل متحرك بحركته.
و منها: صحيحة عبد اللّه بن سنان: «قال: سمعت ابا عبد اللّه عليه السّلام يقول لأبي و شكى اليه حر الشمس و هو محرم و هو يتأذى به، فقال: ترى أن استتر بطرف ثوبي، قال: لا بأس بذلك ما لم يصب رأسك»2 ، فانها تنص على أن المرتكز في الذهن من التظليل في الروايات هو التستر بساتر، في مقابل البروز و الظهور، و تؤيد ذلك رواية المعلى بن خنيس عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: لا يستتر المحرم من الشمس بثوب، و لا بأس أن يستر بعضه ببعض»3.
فالنتيجة: ان المستفاد من هذه الروايات أيضا هو حرمة التظليل بظل ساتر و إن لم تكن هناك شمس و لا علة أخرى.
الرابع: قد يقال كما قيل: ان ما ورد في الروايات من الأمر بالاضحاء يدل على جواز التظليل في الليل بركوب السيارة أو الطيارة أو غيرها، على أساس أن الاضحاء معناه البروز و الظهور للشمس، و لا موضوع له في الليل.
و الجواب، أولا: ما مر من أن الاضحاء معناه لغة و عرفا مطلق البروز و الظهور، غاية الأمر أن البروز للشمس من أظهر مصاديقه و افراده، و من المعلوم أن ذلك لا يوجب انصرافه اليه.
و ثانيا: مع الاغماض عن ذلك و تسليم ان الاضحاء معناه البروز للشمس فقط، الاّ أن روايات المسألة لا تنحصر بروايات الاضحاء، بل هناك طائفتان أخريان من الروايات تدلان على أنه لا يجوز للرجل المحرم ان يستر نفسه بساتر و إن لم يكن هناك شمس.
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 258)
……….
احداهما: الروايات الناهية عن ركوب المحرم للقبة و الكنيسة، و قد تقدم أن مقتضى اطلاقها عدم الفرق بين أن يكون ركوبه فيها في النهار أو الليل، و لا قرينة على تقييد اطلاقها بالأول، لا من الداخل و لا من الخارج، و روايات الاضحاء لا تصلح أن تكون قرينة على ذلك، اذ ليس فيها ما يدل على نفي حرمة التظليل بظل اذا لم يكن هناك شمس، فان موردها حرمة التظليل بظل منها، و لا نظر لها الى أنه جائز اذا لم يكن هناك شمس، لأنها ساكتة من هذه الناحية نفيا و اثباتا.
و الأخرى: الروايات الناهية عن التظليل بظل و التستر بساتر متحرك بحركة المحرم من المطر أو البرد الشديد أو نحوه، و مقتضى هذه الروايات عدم جواز ركوب السيارة أو الطائرة للتظليل و التستر بساتر من المطر أو البرد غير الاعتيادي، ما لم يسبّب الاضرار و الايذاء له سواء أ كانت هناك شمس أم لا؟.
و دعوى: أن السيارة أو الطيارة كما أنها مظلة مانعة عن البرد الطبيعي غير الاعتيادي كذلك أنها مظلة مانعة عن البرد الشديد الناشئ من سرعة حركتها، فلا فرق بين الصورتين.
مدفوعة: بما مر من أن الظاهر من الروايات الناهية عن التظليل بظل من البرد الشديد هو البرد الطبيعي غير الاعتيادي، و لا نظر لها الى البرد الناشئ من سرعة حركتها في الأرض أو الجو أو البحر، و منصرفة عنه عرفا.
الخامس: قد تسأل ان السفينة في البحر هل تلحق بالمنزل لكي يجوز التظليل فيها بظل، أو أنها ملحقة بالسيارة و الطائرة؟
و الجواب: أنها ملحقة بالسيارة و الطيارة، فلا يجوز الركوب فيها، و قد مر أن المستفاد من الروايات حرمة التظليل على المحرم بظل يتحرك بحركته
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 259)
……….
كسقف السيارة و الطائرة و الباخرة، فاذن لا وجه لإلحاقها بالمنزل.
السادس: قد تسأل هل يجوز للمحرم أن يتحرك تحت ظل ثابت كظل الجسور و الانفاق و الجبال و الجدران و الاشجار و السحاب؟
و الجواب: يجوز له ذلك، لأن الظاهر من الروايات التي تدل على حرمة التظليل بظل أنه لا يجوز للمحرم أن يحدث ظلا و ساترا على نفسه باختياره و يتحرك بحركته كسقف السيارة أو الطائرة أو الباخرة أو يحمل بيده مظلة يستظل بها، و أما الظل الثابت في الطريق كظل الجسور و الأودية و القرى و الجبال و غيرها، فهو بما أنه غير مرتبط بالمحرم و لا يكون بصنعه، فلا مانع من أن يتحرك فيه مارا و عابرا، حيث لا يصدق عليه أنه ظلّل.
هذا اضافة الى أن التظليل بالظل الثابت لو كان ممنوعا لشاع و أصبح من الواضحات لكثرة الابتلاء به، فان من أحرم من مسجد الشجرة – مثلا – يمر من بين الجبال و الأودية و الاشجار و القرى.
و قد تسأل عن أن الظل الثابت اذا لم يكن في الطريق الاعتيادي، بل كان في جانب يمينه أو يساره، كما اذا كانت هناك جبال أو أشجار و أراد المحرم أن يستظل بظلها من الشمس، بأن ينحرف من الطريق اليه بهذا الدافع، و يتحرك تحته، فهل يجوز له ذلك أم لا؟
و الجواب: أنه لا يبعد جوازه، و ذلك لأن المتفاهم العرفي من الروايات الناهية عن التظليل بمناسبة الحكم و الموضوع الارتكازية هو تظليل المحرم بظل يتحرك بحركته، كسقف السيارة أو الطائرة أو نحوه، و اما تظليله بظل ثابت فلا يكون مشمولا لها، و لكن مع هذا فالاحتياط في محله، و تؤكد ذلك صحيحة البزنطي عن الرضا عليه السّلام قال: «قال أبو حنيفة: ايش فرق ما بين
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 260)
……….
ظلال المحرم و الخباء، فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: ان السنة لا تقاس»1 بتقريب أنها تدل على الفرق بين التظليل بظل يتحرك بحركة المحرم و التظليل بظل ثابت كالخباء، فالأول غير جائز، و الثاني جائز.
السابع: قد تسأل عن أن حرمة التظليل و التستر على المحرم بساتر هل تختص بما يكون فوق رأسه كالمظلة و سقف القبة و السيارة و الطائرة و نحوها، أو تعم ما اذا كان جانبيا أيضا، كما اذا ركب سيارة يكون المكشوف هو الجزء الواقع فوق رأسه فقط، دون غيره من الاجزاء.
و الجواب: انها تختص بما يكون فوق رأس المحرم و لا تعم ما اذا كان جانبيا، و ذلك لأن المتفاهم العرفي من الروايات الناهية عن التظليل بظل، و الآمرة بالاضحاء بمناسبة الحكم و الموضوع الارتكازية هو منع المحرم عن التظليل بظل فوق رأسه، بأن يكون رأسه مكشوفا و بارزا تحت السماء، و أما التظليل بالظل الجانبي مع كون رأسه مكشوفا فلا يكون مشمولا لتلك الروايات.
و بكلمة: ان روايات الباب لا تشمل تظليل المحرم الجانبي، و لا يوجد دليل آخر يدل على المنع عنه، فالنتيجة أن الأظهر جوازه.
الثامن: قد تسأل أن حرمة التظليل هل هي مختصة بالرجل المحرم اذا كان راكبا، أو أنها تعم غيره أيضا؟
و الجواب: أنها غير مختصة بالمحرم الراكب، لأنها من آثار احرامه، فاذا أحرم حرم التظليل عليه، بدون فرق بين حالاته ككونه راكبا أو ماشيا، و لذلك يكون الماخوذ في لسان الروايات عنوان المحرم، لا عنوان الراكب.
التاسع: أنه لا مانع من الاستظلال بظل في حال الوقوف كحالة القعود و النوم، لانصراف الروايات عن ذلك.
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 261)
و لا بأس بالسير في ظل جبل أو جدار أو شجر و نحو ذلك من الاجسام الثابتة، كما لا بأس بالسير تحت السحاب المانعة من شروق الشمس، و لا فرق في حرمة التظليل بين الراكب و الراجل على الأحوط، و الأحوط بل الاظهر حرمة التظليل بما لا يكون فوق رأس المحرم بان يكون ما يتظلل به على أحد جوانبه. نعم، يجوز للمحرم ان يتستر من الشمس بيديه (1) و لا بأس بالاستظلال بظل المحمل حال المسير (2)، و كذلك لا بأس بالاحرام في القسم المسقوف من مسجد الشجرة (3).
[مسألة 270: المراد من الاستظلال التستر من الشمس او البرد أو الحر أو المطر أو الريح و نحو ذلك]
(مسألة 270): المراد من الاستظلال التستر من الشمس او البرد أو الحر أو المطر أو الريح و نحو ذلك، فاذا لم يكن شيء من ذلك بحيث كان وجود المظلة كعدمها فلا بأس بها و لا فرق فيما ذكر بين الليل و النهار.
(1)لصحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: لا بأس أن يضع المحرم ذراعه على وجهه من حر الشمس، و لا بأس أن يستر بعض جسده ببعض»1 فانها تنص على جواز الستر من حرّ الشمس باليد، و أما صحيحة سعيد الاعرج: «أنه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يستتر من الشمس بعود و بيده، قال: لا الاّ من علة»2 ، فهي و ان كانت ظاهرة في المنع عن التستر باليد، الاّ أنه لا بد من رفع اليد عن ظهورها في عدم الجواز، و حملها على الكراهة بقرينة صحيحة معاوية، تطبيقا لحمل الظاهر على النص.
(2)لنص صحيحة محمد بن اسماعيل بن بزيع: قال: «كتبت الى الرضا عليه السّلام: هل يجوز للمحرم أن يمشي تحت ظل المحمل؟ فكتب عليه السّلام: نعم – الحديث»3.
(3)هذا لا من أجل نص خاص فيه، بل من جهة أنه من الظل الثابت، و قد
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 262)
[مسألة 271: لا بأس بالتظليل تحت السقوف للمحرم بعد وصوله إلى مكة]
(مسألة 271): لا بأس بالتظليل تحت السقوف للمحرم بعد وصوله إلى مكة (1) و ان كان بعد لم يتخذ بيتا كما لا بأس به حال الذهاب و الاياب في المكان الذي ينزل فيه المحرم و كذلك فيما إذا نزل في الطريق للجلوس أو لملاقاة الاصدقاء أو لغير ذلك (2) و الأظهر جواز الاستظلال في هذه الموارد بمظلة و نحوه أيضا و ان كان الأحوط الاجتناب عنه.
[مسألة 272: لا بأس بالتظليل للنساء]
(مسألة 272): لا بأس بالتظليل للنساء (3)،
مر أنه لا مانع من المشي تحته، و الجلوس فيه، و الاحرام منه.
(1)مر أنه لا بأس من أن يتحرك المحرم و يمشي تحت الظل الثابت، كظل الجدران و السقوف و الجسور و الأشجار و نحوها، و على هذا فاذا وصل الحاج الى مكة فلا مانع من أن يمشي في اسواقها تحت ظل جدرانها و سقوفها و جسورها و أشجارها، بدون فرق بين أن يكون ذلك قبل اتخاذه بيتا أو بعده.
(2)لنفس ما تقدم من أنه لا مانع من التظليل بظل ثابت، هذا اضافة الى أن صحيحة البزنطي عن الرضا عليه السّلام، قال: «قال أبو حنيفة: أيش فرق ما بين ظلال المحرم و الخباء؟ فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام: ان السنة لا تقاس»1 ، تدل على جواز الاستظلال تحت الخباء، بل يظهر منها ان ما لا يجوز على المحرم هو الاستظلال بظل في حال السير لا مطلقا، و لذا سأل ابو حنيفة عن الفرق بينهما.
(3)لعدة روايات تنص على ذلك:
منها: صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليه السّلام قال: «سألته عن المحرم يركب القبة، فقال: لا، فقلت: فالمرأة المحرمة؟ قال: نعم»2.
و منها: صحيحة هشام بن سالم قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 263)
و الاطفال (1) و كذلك للرجال عند الضرورة (2) و الخوف من الحر أو البرد.
يركب في الكنيسة، قال: لا، و هو للنساء جائز»1.
و منها: صحيحة جميل بن دراج عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: لا بأس بالظلال للنساء – الحديث»2.
(1)لصحيحة حريز عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: «لا بأس بالقبة على النساء و الصبيان و هم محرمون – الحديث»3 ، فانها تنص على أن الصبيان كالنساء، فيجوز لهم التظليل، هذا اضافة الى أن عدم حرمة محرمات الاحرام على الصبيان يكون على القاعدة، على أساس أن تلك الحرمات بما أنها محرمات مستقلة و لا تكون وجودها من موانع الحج و عدمها من واجباته، فيكون مقتضى حديث رفع القلم عن الصبي ان حرمتها مرفوعة عنه، فلا تكون ممارسة شيء منها محرمة عليه الا ما كانت حرمته وضعية كعقد النكاح.
(2)لعدة من النصوص:
منها: صحيحة ابراهيم بن ابي محمود قال: «قلت للرضا عليه السّلام: المحرم يظلل على محمله و يفدي اذا كانت الشمس و المطر يضران به، قال: نعم، قلت:
كم الفداء؟ قال: شاة»4 فان موردها و إن كان الشمس و المطر، الاّ أن التظليل منهما باعتبار أنهما يضران، فاذن المعيار انما هو بالضرر سواء أ كان من ناحية الشمس، أم كان من ناحية المطر أو البرد.
و منها: صحيحة سعد بن سعد الأشعري عن ابي الحسن الرضا عليه السّلام قال:
«سألته عن المحرم يظلل على نفسه، فقال: أمن علة؟ فقلت: يؤذيه حر الشمس و هو محرم، فقال: هي علة يظلل و يفدى»5 فانها تدل على جواز التظليل بظل من علة سواء أ كانت العلة حر الشمس أم كانت غيره، و عليه فالمعيار في جواز
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 264)
[مسألة 273: كفارة التظليل شاة]
(مسألة 273): كفارة التظليل شاة (1)
التظليل إنما هو بوجود العلة التي تتطلب ذلك. و منها غيرهما.
(1)تنص عليه صحيحة ابي محمود المتقدمة، و صحيحة محمد بن اسماعيل بن بزيع عن الرضا عليه السّلام قال: «سأله رجل عن الظلال للمحرم من أذى مطر أو شمس و أنا أسمع، فأمره أن يفدي شاة و يذبحها بمنى»1 ، و صحيحته الأخرى قال: «سألت ابا الحسن عليه السّلام عن الظل للمحرم من أذى مطر أو شمس، فقال: أرى أن يفديه بشاة و يذبحها بمنى»2 ، و على هذا فالروايات التي تدل على اهراق الدم تارة و الكفارة أخرى محمولة عليها تطبيقا لحمل المجمل على المبين.
فالنتيجة: أنه لا شبهة في ان كفارة التظليل شاة.
بقى هنا شيء و هو أن الظاهر من صحيحتي ابن بزيع وجوب ذبحها بمنى، و لكن في مقابلهما موثقة اسحاق بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «قلت له: الرجل يخرج من حجه و عليه شيء يلزمه فيه دم، يجزيه أن يذبح اذا رجع الى اهله، فقال: نعم، و قال فيما اعلم يتصدق به»3 فان مقتضى هذه الموثقة جواز الذبح في أي موضع شاء في احرام الحج، فاذن تكون النسبة بينهما عموما من وجه، فان الصحيحتين أعم من جهة أن يكون التظليل في احرام الحج أو العمرة، و الموثقة أعم من جهة أن يكون سبب الكفارة التظليل أو كان غيره، و مورد الالتقاء بينهما كفارة التظليل في احرام الحج، فمقتضى اطلاق الموثقة جواز ذبحها في بلدته بعد الرجوع اليها، و مقتضى اطلاق الصحيحتين وجوب ذبحها في منى، فيسقط كلا الاطلاقين من جهة المعارضة، فالمرجع حينئذ أصالة البراءة عن الوجوب، فالنتيجة جواز ذبحها في بلده اذا رجع.
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 265)
و لا فرق في ذلك بين حالتي الاختيار و الاضطرار (1) و إذا تكرر التظليل فالأحوط التكفير عن كل يوم و ان كان الأظهر كفاية كفارة واحدة في كل إحرام (2).
(1)لجملة من النصوص:
منها: معتبرة عبد اللّه بن المغيرة، قال: «قلت لأبي الحسن الأول عليه السّلام: أظلل و أنا محرم، قال: لا، قلت: أ فأظلل و اكفر؟ قال: لا، قلت: فان مرضت، قال: ظلل و كفر – الحديث»1.
و منها: صحيحتا اسماعيل بن بزيع المتقدمتان2.
و منها: صحيحة أبي محمود المتقدمة3.
(2)ذلك لا من جهة ما ادعي من الاجماع و التسالم في المسألة، لما مرّ منا غير مرة من أن الاجماع انما يكون حجة و كاشفا عن ثبوت حكم المسألة في زمن المعصومين عليهم السّلام اذا توفر فيه أمران رئيسيان:
أحدهما: ثبوته بين القدماء من الأصحاب الذين يكون عصرهم متصلا بعصر أصحاب الأئمة عليهم السّلام في نهاية الشوط.
و الآخر: أن لا يكون في المسألة ما يصلح أن يكون مدركا لها، و كلا الأمرين غير متوفر في المقام كما هو الظاهر، بل من جهة أن موثقة ابي علي بن راشد قال: «قلت له عليه السّلام: جعلت فداك أنه يشتد عليّ كشف الظلال في الإحرام، لأني محرور يشتد علي حر الشمس، فقال: ظلل و أرق دما، فقلت له: دما أو دمين، قال: للعمرة، قلت: إنا نحرم بالعمرة و ندخل مكة فنحل و نحرم بالحج، قال: فأرق دمين»4 فانها ناصة في أن للتظليل في احرام العمرة كفارة، و للتظليل
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 266)
……….
في احرام الحج كفارة، و لا تتعدد الكفارة بتعدد التظليل في احرام واحد، بل ان ذلك مقتضى اطلاقات الروايات التي تنص على أن المحرم اذا اضطر الى التظليل فله أن يظلل و يكفر، بتقريب ان مقتضاها أنه مرخص في التظليل بظل في طول فترة احرامه، و عليه تكفير واحد باعتبار أن الأمر المتعلق بالتكفير ظاهر في أن متعلقه صرف وجوده المنطبق على وجود واحد في الخارج.
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 267)
[22 – اخراج الدم من البدن]
22 – اخراج الدم من البدن لا يجوز للمحرم اخراج الدم من جسده (1)
(1)لا بالحجامة و لا بالحك، أما بالحجامة فقد تدل عليه مجموعة من الروايات:
منها: صحيحة الحلبي قال: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يحتجم، قال: لا، الاّ أن لا يجد بدا فليحتجم و لا يحلق مكان المحاجم»1.
و منها: معتبرة زرارة عن ابي جعفر عليه السّلام: «قال: لا يحتجم المحرم الاّ أن يخاف على نفسه أن لا يستطيع الصلاة»2 ، و منها غيرهما.
و في مقابلها صحيحة حريز عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: لا بأس أن يحتجم المحرم ما لم يحلق أو يقطع الشعر»3 ، فانها ناصة في جواز الاحتجام، و لا تعارضها الروايات المتقدمة من هذه الناحية، و لكن بما أنها مطلقة و باطلاقها تشمل المضطر و المختار معا، فمن أجل ذلك تتقدم تلك الروايات عليها تطبيقا لقاعدة حمل المطلق على المقيد.
و أما الحك فقد تدل عليه مجموعة من الروايات:
منها: صحيحة معاوية بن عمار، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم كيف يحك رأسه؟ قال: باظافيره ما لم يدم أو يقطع الشعر»4 فانها تدل على جواز حك المحرم رأسه شريطة عدم الإدماء و عدم قطع الشعر.
و منها: صحيحة عمر بن يزيد عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: لا بأس بحك الرأس و اللحية ما لم يلق الشعر و بحك الجسد ما لم يدمه»5 ، و منها غيرهما.
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 268)
و ان كان ذلك بحك بل بالسواك على الأحوط، و لا بأس به مع الضرورة أو دفع الأذى، و كفارته شاة على الأحوط الأولى (1).
ثم إن مورد هذه الروايات و إن كان حك الرأس و البدن، الاّ أن المتفاهم العرفي منها بمناسبة الحكم و الموضوع أنه لا موضوعية لحك الرأس و الجسد، و المعيار انما هو بالادماء، فإنه غير جائز و إن كان بغير الحك. نعم اذا اضطر الى الإدماء فلا بأس به، و تدل عليه موثقة عمار بن موسى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:
«سألته عن المحرم يكون به الجرب فيؤذيه، قال: يحكه فان سال الدم فلا بأس»1 بتقريب ان الظاهر منها انه اذا اضطر الى الحك جاز و إن أدى الى الإدماء.
و أما الإدماء بالاستياك، فالظاهر جوازه، و تدل عليه صحيحة معاوية بن عمار قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام في المحرم يستاك، قال: نعم، قلت: فإن أدمى يستاك؟ قال: نعم، هو من السنة»2 فانها ظاهرة في جواز الاستياك للمحرم عامدا و ملتفتا و ان أدمى معللة بأنه من السنة، و في مقابلها صحيحة الحلبي، قال:
«سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن المحرم يستاك، قال: نعم، و لا يدمى»3 فانها تدل على عدم جواز الاستياك الموجب للإدماء، و لكنها لا تصلح أن تعارض صحيحة معاوية، فانها ناصة في الجواز مع الإدماء، و هي ظاهرة في المنع، و حينئذ فيرفع اليد عن ظهورها بنص تلك الصحيحة تطبيقا لقاعدة حمل الظاهر على النص.
(1)لعدم الدليل، حيث لم يرد في شيء من روايات الباب وجوب الكفارة عليه فضلا عن كونها شاة.
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 269)
[23 – التقليم]
23 – التقليم لا يجوز للمحرم تقليم ظفره و لو بعضه إلا أن يتضرر المحرم ببقائه (1)، كما إذا انفصل بعض ظفره و تألم من بقاء الباقي فيجوز له حينئذ قطعه، و يكفر عن كل ظفر بقبضة من الطعام (2).
[مسألة 274: كفارة تقليم كل ظفر مدّ من الطعام]
(مسألة 274): كفارة تقليم كل ظفر مدّ من الطعام (3)،
(1)فيه ان المعيار في جواز التقليم انما هو بتأذي المحرم ببقائه، سواء أ تضرر به أم لا، و تنص عليه صحيحة معاوية بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام، قال:
«سألته عن الرجل المحرم تطول اظفاره، قال: لا يقص شيئا منها إن استطاع، فان كانت تؤذيه فليقصها (فليقلعها) و ليطعم مكان كل ظفر قبضة من طعام»1
بتقريب أن الايذاء لا يكون مساوقا للضرر، و قد يؤدي اليه.
(2)تنص عليه صحيحة معاوية، المتقدمة آنفا.
(3)لصحيحة ابي بصير، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل قص ظفرا من أظافيره و هو محرم، قال: عليه في كل ظفر قيمة مد من طعام حتى يبلغ عشرة، فان قلم اصابع يديه كلها فعليه دم شاة، فان قلم اظافير يديه و رجليه جميعا، فقال: إن كان فعل ذلك في مجلس واحد فعليه دم، و إن كان فعله متفرقا في مجلسين فعليه دمان»2 و لا تنافي بينها و بين صحيحة معاوية المتقدمة التي تنص على أن لتقليم كل ظفر قبضة من طعام، و ذلك لأن قص الأظافير في مورد صحيحة معاوية انما هو للاضطرار، فاذن تكون قرينة على أن تقليم الأظافير إن كان للاضطرار و دفع الأذى فلكل ظفر قبضة من طعام، و الاّ فمد بمقتضى
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 270)
و كفارة تقليم أظافير اليد جميعها في مجلس واحد شاة، و كذلك الرجل، و إذا كان تقليم أظافير اليد و أظافير الرجل في مجلس واحد فالكفارة أيضا شاة (1)، و إذا كان تقليم أظافير اليد في مجلس و تقليم أظافير الرجل في مجلس آخر فالكفارة شاتان.
صحيحة أبي بصير، و على هذا فتكون صحيحة معاوية مقيدة لإطلاقها بما اذا قلم اظافره متعمدا و بدون ضرورة، هذا من ناحية.
و من ناحية أخرى ان صحيحة زرارة بن أعين قال: «سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: من نتف إبطه، أو قلم ظفره، أو حلق رأسه ناسيا أو جاهلا فليس عليه شيء، و من فعله متعمدا فعليه دم شاة»1 تدل على أن في تقليم ظفر واحد شاة، باعتبار أن الجنس يصدق على الواحد و الكثير، و عليه فتكون منافية لصحيحة ابي بصير التي تنص على أن في تقليم كل ظفر مد من طعام، و في تقليم الجميع شاة، و حينئذ فلا بد من رفع اليد عن اطلاق صحيحة زرارة و حمله على تقليم كل اظافير يديه تطبيقا لحمل الظاهر على النص، و المطلق على المقيد.
(1)تدل على ذلك كله صحيحة ابي بصير المتقدمة، و صحيحته الأخرى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: اذا قلم المحرم اظفار يديه و رجليه في مكان واحد فعليه دم واحد، و إن كانتا متفرقتين فعليه دمان»2 ، و به يظهر حال ما بعده.
و قد تسأل أن من قلم اظفاره جاهلا أو ناسيا فهل عليه شيء؟
و الجواب: انه لا شيء عليه، و تدل عليه جملة من الروايات:
منها: صحيحة زرارة عن ابي جعفر عليه السّلام: «ان من فعل ذلك – يعني تقليم الاظفار – ناسيا أو ساهيا، أو جاهلا فلا شيء عليه»3.
و منها: صحيحته الأخرى عن ابي جعفر عليه السّلام: «قال: من قلم اظافيره ناسيا
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 271)
[مسألة 275: إذا قلم المحرم اظافيره فأدمى اعتمادا على فتوى من جوّزه وجبت الكفارة على المفتي على الأحوط]
(مسألة 275): إذا قلم المحرم اظافيره فأدمى اعتمادا على فتوى من جوّزه وجبت الكفارة على المفتي على الأحوط (1).
أو ساهيا أو جاهلا فلا شيء عليه – الحديث»1.
و منها: صحيحته الثالثة2 المتقدمة آنفا.
و في مقابلها صحيحة حريز عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في المحرم ينسى فيقلم ظفرا من اظافيره، قال: يتصدق بكف من الطعام، قلت: فاثنين، قال: كفّين، قلت: فثلاثة، قال: ثلاث اكف، كل ظفر كف حتى يصير خمسة، فاذا قلم خمسة فعليه دم واحد، خمسة كان أو عشرة أو ما كان»3. و لكنها لا تصلح أن تعارض الصحاح المتقدمة، لأنها ظاهرة في وجوب الكفارة على الناسي، و تلك الصحاح ناصة في عدم وجوبها عليه، و حينئذ فلا بد من حملها عليها تطبيقا لقاعدة حمل الظاهر على النص.
فالنتيجة: هي استحباب التصدق بكف من الطعام لكل ظفر، هذا اضافة الى أن الكليني روى هذه الرواية عن حريز مرسلة، و الظاهر أن الرواية واحدة، فاذن لم يثبت كونها مرسلة أو مسندة، فمن أجل ذلك أيضا لا يمكن الاعتماد عليها.
(1)لكن الأظهر عدم الوجوب، اذ لا دليل عليه ما عدا روايتين:
الأولى: رواية اسحاق الصيرفي، قال: «قلت لأبي ابراهيم عليه السّلام: إن رجلا أحرم فقلّم اظفاره، فكانت له اصبع عليلة، فترك ظفرها لم يقصه، فافتاه رجل بعد ما أحرم فقصّه فادماه، فقال: على الذي افتى شاة»4.
و هذه الرواية و إن كانت تامة دلالة و لكنها ضعيفة سندا، فان في سندها
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 272)
……….
محمد بن البزاز أو الخزاز، و هو ممن لم يثبت توثيقه، و كذلك زكريا المؤمن، و لا يجدي كونه من رجال كامل الزيارات.
الثانية: موثقة اسحاق بن عمار، قال: «سألت ابا الحسن عليه السّلام عن رجل نسى أن يقلم اظفاره عند احرامه، قال: يدعها، قلت: فان رجلا من اصحابنا افتاه بأن يقلم اظفاره و يعيد احرامه، ففعل، قال عليه السّلام: عليه دم يهريقه»1 ، فانها و إن كانت تامة سندا، الاّ أنها ضعيفة دلالة، لأن دلالتها مبنية على أن الضمير في قوله عليه السّلام: «عليه دم يهريقه» يرجع الى المفتي، و هو غير ظاهر فيه، بل لا يبعد ظهوره في رجوعه الى من يقلم اظفاره، أو لا أقل من الاجمال.
فالنتيجة: ان كلتا الروايتين ساقطة، فلا يمكن الاستدلال بشيء منهما.
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 273)
[24 – قلع الضرس]
24 – قلع الضرس
[مسألة 276: ذهب جمع من الفقهاء الى حرمة قلع الضرس على المحرم و ان لم يخرج به الدم]
(مسألة 276): ذهب جمع من الفقهاء الى حرمة قلع الضرس على المحرم و ان لم يخرج به الدم و أوجبوا له كفارة شاة، و لكن في دليله تأملا بل لا يبعد جوازه (1).
(1)بل هو الأظهر، لعدم الدليل على المنع غير رواية مرسلة عن رجل من أهل خراسان، «أن مسألة وقعت في الموسم لم يكن عند مواليه فيها شيء محرم قلع ضرسه، فكتب عليه السّلام: يهريق دما»1 و لكن بما أنها مرسلة فلا يمكن الاعتماد عليها، هذا اضافة إلى أن قلع الضرس بما أنه لا ينفك عادة عن الإدماء، فلا يسوغ للمحرم بملاك الإدماء، لا بملاك قلع الضرس، و لكن قد مر أنه لا كفارة على الإدماء أيضا.
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 274)
[25 – حمل السلاح]
25 – حمل السلاح
[مسألة 277: لا يجوز للمحرم حمل السلاح كالسيف و الرمح و غيرهما مما يصدق عليه السلاح عرفا]
(مسألة 277): لا يجوز للمحرم حمل السلاح كالسيف و الرمح و غيرهما مما يصدق عليه السلاح عرفا. و ذهب بعض الفقهاء إلى عموم الحكم لآلات التحفظ أيضا كالدرع و المغفر و هذا القول أحوط (1).
(1)لكن الأظهر اختصاص الحكم بالسلاح، كالسيف و البندقية و نحوهما، و أما آلات القتال الوقائية كالدرع و المغفر و نحوهما، فلا مانع من حملها، بل لبسها على أساس ما تقدم من أن ما لا يجوز للرجل المحرم هو لبس الثياب الاعتيادية، كالقميص و السراويل و العباءة و الدرع و هو الثوب الذي له يدان أو فتحتان على نحو يتيح للابس أن يدخل يديه فيهما، و أما لبس غيرها فلا يكون محرما عليه، و حيث أنه لا يصدق على الدرع و المغفر و نحوهما من الآلات الوقائية للقتال شيء من هذه الثياب، فلا مانع من لبسها.
و اما الروايات التي تدل على عدم جواز لبس السلاح، فهي لا تشمل تلك الآلات، لعدم صدق السلاح عليها، و هذه الروايات كما يلي:
منها: صحيحة الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «ان المحرم اذا خاف العدو يلبس السلاح فلا كفارة عليه»1.
و منها: صحيحة عبد اللّه بن سنان قال: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام: أ يحمل السلاح المحرم؟ فقال: اذا خاف المحرم عدوا أو سرقا فليلبس السلاح»2.
و منها: صحيحته الأخرى عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: المحرم اذا خاف لبس السلاح»3.
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 275)
[مسألة 278: لا بأس بوجود السلاح عند المحرم اذا لم يكن حاملا له]
(مسألة 278): لا بأس بوجود السلاح عند المحرم اذا لم يكن حاملا له و مع ذلك فالترك أحوط.
[مسألة 279: تختص حرمة حمل السلاح بحال الاختيار و لا بأس به عند الاضطرار]
(مسألة 279): تختص حرمة حمل السلاح بحال الاختيار و لا بأس به عند الاضطرار.
[مسألة 280: كفارة حمل السلاح شاة على الأحوط]
(مسألة 280): كفارة حمل السلاح شاة على الأحوط (1).
إلى هنا انتهت الامور التي تحرم على المحرم.
و هذه الروايات جميعا تنص بمنطوقها على أنه يجوز للمحرم أن يلبس السلاح اذا خاف عدوا أو سرقا، و بمفهومها تدل على عدم جوازه اذا لم يخف، كما اذا لبس لإظهار التشخص، أو بدافع آخر، فانه غير جائز للمحرم.
ثم إن من غير المحتمل عرفا أن تكون للبس خصوصية، بل المراد منه مطلق أخذ السلاح من أجل دفع العدو عن نفسه أو عرضه أو ماله، سواء أ كان بنحو اللبس أم كان بنحو الحمل بأخذه بيده، أو وضعه في جيبه أو نحو ذلك، و بذلك يظهر حال المسألتين الآتيتين.
(1)هذا اذا كان لبسه عامدا و ملتفتا و بدون ضرورة، و أما اذا كان لضرورة كالخوف من العدو، فلا كفارة، لنص قوله عليه السّلام في صحيحة الحلبي المتقدمة: «اذا خاف العدو يلبس السلاح فلا كفارة عليه»1.
و دعوى: أنه يدل بمقتضى مفهومه على ثبوت الكفارة اذا لبس السلاح بدون خوف عامدا عالما.
مدفوعة: بأن مفهومه حرمة لبس السلاح اذا لم يخف العدو، و أما اذا لبس في هذه الحالة و ارتكب محرما عالما عامدا فهل عليه كفارة أو لا؟ فهو لا يدل
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 276)
……….
على ثبوتها بالمفهوم، فان مفهومه حرمة اللبس عند انتفاء الخوف، لا ثبوت الكفارة عند اللبس في هذه الحالة.
و دعوى: أن الصحيحة و إن لم تدل على ثبوت الكفارة بالمفهوم، الاّ أنها تدل على ثبوتها بنكتة اخرى، و هي أن تفريع عدم الكفارة على اللبس في حالة الخوف من العدو، يدل على ثبوتها في حالة عدم الخوف، بملاك دفع اللغوية، و الاّ لكان هذا التفريع لغوا و بلا فائدة، لفرض أنها غير ثابتة في كلتا الحالتين، بدون فرق بينهما، فاذن يكون تفريع عدم ثبوتها على احداهما بلا مبرر، فمن أجل ذلك يشكّل هذا التفريع دلالة التزامية لها على ثبوتها في حالة عدم الخوف و الاضطرار اذا لبس متعمدا أو ملتفتا، غير بعيدة عرفا، و من هنا لو لم يكن ثبوت الكفارة في هذه الحالة أقوى، فلا أقل أنه احوط.
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 277)
[الصيد في الحرم و قلع شجره و نبته]
الصيد في الحرم و قلع شجره و نبته و هناك ما تعم حرمته المحرم و المحل و هو امران:
أحدهما: الصيد في الحرم فانه يحرم على المحل و المحرم كما تقدم.
ثانيهما: قلع كل شيء نبت في الحرم أو قطعه (1) من شجر و غيره و لا بأس بما يقطع عند المشي على النحو المتعارف (2)
(1)تدل عليه عدة من الروايات:
منها: صحيحة حريز عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: كل شيء ينبت في الحرم فهو حرام على الناس اجمعين»1 فانها تدل على الحرمة في الجملة، باعتبار أنها ليست في مقام البيان من جهة ان الحرام عليه كل فعل تعلق به حتى لمسه و مسحه و شمه، أو أن الحرام قلعه أو قطعه، فاذن يكون القدر المتيقن الثاني.
و منها: صحيحة زرارة، قال: «سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: «حرم اللّه حرمه بريدا في بريد أن يختلا خلاه أو يعضد شجره الاّ الإذخر، أو يصاد طيره، و حرم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله المدينة ما بين لابتيها صيدها و حرم ما حولها بريدا في بريد أن يختلى خلاها و يعضد شجرها الاّ عودي الناضح»2.
(2)لانصراف الروايات عن ذلك، فان الظاهر منها ما اذا كان قطع اشجار الحرم و حشيشه عن قصد و اختيار، و أما اذا كان اتفاقيا عند المشي بنحو المعتاد فهو غير مشمول لها، هذا اضافة إلى أن ذلك لو كان حراما لشاع و اشتهر بين الأصحاب، لكثرة الابتلاء به في الأزمنة السابقة في الطرقات و الممشاة في
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 278)
كما لا بأس بأن تترك الدواب في الحرم لتأكل من حشيشه (1) و يستثنى من حرمة القلع أو القطع موارد:
1 – الإذخر و هو نبت معروف (2).
2 – النخل و شجر الفاكهة (3).
3 – الاعشاب التي تجعل علوفة للإبل (4).
اطراف مكة المكرمة و المدينة المنورة.
(1)لأن ذلك غير مشمول للروايات الدالة على حرمة القطع أو النزع، حيث انه لا يصدق على تعليف الحيوان.
(2)لجملة من الروايات:
منها: صحيحة حريز عن ابي عبد اللّه عليه السّلام في حديث: «فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله: الاّ الإذخر»1.
و منها: صحيحة زرارة المتقدمة قال: «سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول: حرم اللّه حرمه بريدا في بريد أن يختلا خلاه أو يعضد شجره الاّ الإذخر – الحديث»2.
(3)لصحيحة سليمان بن خالد عن ابي عبد اللّه عليه السّلام في حديث: «قال: لا ينزع من شجر مكة شيء الا النخل و شجر الفاكهة»3.
(4)تنص عليه صحيحة محمد بن حمران، قال: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام:
عن النبت الذي في أرض الحرم، أ ينزع؟ فقال: أما شيء تأكله الابل فليس به بأس أن تنزعه»4.
قد يقال – كما قيل -: بانها معارضة برواية عبد اللّه بن سنان، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: المحرم ينحر بعيره، أو يذبح شاته، قال: نعم، قلت له: أن
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 279)
4 – الاشجار أو الاعشاب التي تنمو في دار نفس الشخص أو في ملكه أو يكون الشخص هو الذي غرس ذلك الشجر أو زرع العشب (1).
و أما الشجرة التي كانت موجودة في الدار قبل تمكلها فحكمها حكم سائر الاشجار.
يحتش لدابته و بعيره، قال: نعم، و يقطع ما شاء من الشجر حتى يدخل الحرم، فاذا دخل الحرم فلا»1 لأنها تدل على المنع من ذلك اذا دخل الحرم.
و الجواب – أولا: ان رواية عبد اللّه بن سنان ضعيفة سندا.
و ثانيا: انها لا تصلح أن تعارض صحيحة حمران، باعتبار أنها ناصة في الجواز، و هي ظاهرة في الحرمة، فتصلح أن تكون قرينة على رفع اليد عن ظهورها في الحرمة، و حملها على الكراهة تطبيقا لقاعدة حمل الظاهر على النص.
(1)تدل على ذلك مجموعة من النصوص:
منها: صحيحة حريز عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: كل شيء ينبت في الحرم فهو حرام على الناس أجمعين الاّ ما انبتّه انت و غرسته»2 فانها تنص على جواز قطع ما غرسه من الاشجار و ما زرعه، و أما الشجرة التي في دار الانسان، فان كانت موجودة قبل تملكه الدار، فلا يجوز له قطعها أو قلعها، و إن كانت نبتت في داره و هي له جاز له قلعها، و تدل عليه صحيحة حماد بن عثمان قال:
«سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يقلع الشجرة من مضربه أو داره في الحرم، فقال: إن كانت الشجرة لم تزل قبل أن يبني الدار، أو يتخذ المضرب، فليس له أن يقلعها و إن كانت طريّة عليه فله قلعها»3.
و تؤيد ذلك روايته الأخرى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في الشجرة يقلعها
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 280)
[مسألة 281: الشجرة التي يكون أصلها في الحرم و فرعها في خارجه أو بالعكس حكمها حكم الشجرة التي يكون جميعها في الحرم]
(مسألة 281): الشجرة التي يكون أصلها في الحرم و فرعها في خارجه أو بالعكس حكمها حكم الشجرة التي يكون جميعها في الحرم (1).
[مسألة 282: كفارة قلع الشجرة قيمة تلك الشجرة، و في القطع منها قيمة المقطوع]
(مسألة 282): كفارة قلع الشجرة قيمة تلك الشجرة، و في القطع منها قيمة المقطوع (2)، و لا كفارة في قلع الاعشاب و قطعها.
الرجل من منزله في الحرم، فقال: إن بنى المنزل و الشجرة فيه، فليس له أن يقلعها، و إن كانت نبتت في منزله و هو له فليقلعها»1.
(1)تنص عليه صحيحة معاوية بن عمار، قال: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن شجرة أصلها في الحرم و فرعها في الحلّ، فقال حرم فرعها لمكان أصلها، قال:
قلت: فان اصلها في الحل و فرعها في الحرم، فقال: حرم أصلها لمكان فرعها»2.
(2)لصحيحة سليمان بن خالد عن ابي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «سألته عن الرجل يقطع من الأراك الذي بمكة، قال: عليه ثمنه يتصدق به، و لا ينزع من شجر مكة شيئا إلاّ النخل و شجر الفواكه»3 و مورد السؤال فيها و إن كان الأراك، الاّ أنه يظهر من قوله عليه السّلام: «و لا ينزع من شجر مكة شيئا» عدم اختصاص الحكم به، حيث انه ناص بعموم الحكم لكل اشجار مكة إلاّ ما استثنى، و لا خصوصية للأراك، فاذن تدل الصحيحة على ان كفارته ثمنه.
و قد تسأل عن أن الصحيحة هل تشمل قطع أغصان الشجر؟
و الجواب: ان شمولها لذلك لا يخلو عن اشكال، باعتبار أن الأراك اسم جنس و هو لا ينطبق الا على افراده الحقيقية في الخارج دون اغصانه و اجزائه، فمن أجل ذلك لا يبعد حسب الصناعة عدم وجوب الكفارة على قطع اغصان الشجر، و إن كان الأحوط و الأجدر به وجوبا أن يتصدق بثمنه.
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 281)
[اين تذبح الكفارة؟ و ما مصرفها]
اين تذبح الكفارة؟ و ما مصرفها
[مسألة 283: إذا وجبت على المحرم كفارة لأجل الصيد في العمرة فمحل ذبحها مكة المكرمة]
(مسألة 283): إذا وجبت على المحرم كفارة لأجل الصيد في العمرة فمحل ذبحها مكة المكرمة، و إذا كان الصيد في احرام الحج فمحل ذبح الكفارة منى (1).
(1)تدل عليه جملة من الروايات:
منها: صحيحة عبد اللّه بن سنان قال: «قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: من وجب عليه فداء صيد أصابه و هو محرم، فان كان حاجا نحر هديه الذي يجب عليه بمنى، و إن كان معتمرا نحره بمكة قبال الكعبة»1.
و منها: صحيحة زرارة عن ابي جعفر عليه السّلام: «قال: في المحرم اذا أصاب صيدا فوجب عليه الفداء، فعليه أن ينحره إن كان في الحج بمنى حيث ينحر الناس، فان كان في عمرة نحره بمكة – الحديث»2 و منها غيرهما، هذا اضافة الى الآية الشريفة، و هي قوله تعالى: لاٰ تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ، وَ مَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزٰاءٌ مِثْلُ مٰا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ، يَحْكُمُ بِهِ ذَوٰا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بٰالِغَ الْكَعْبَةِ3.
و في مقابلها روايات عمدتها صحيحة ابي عبيدة عن ابي عبد اللّه عليه السّلام:
«قال: اذا أصاب المحرم الصيد و لم يجد ما يكفر من موضعه الذي أصاب فيه الصيد، قوم جزاؤه من النعم دراهم، ثم قومت الدراهم طعاما، ثم جعل لكل مسكين نصف صاع، فان لم يقدر على الطعام صام لكل نصف صاع يوما-
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 282)
[مسألة 284: إذا وجبت الكفارة على المحرم بسبب غير الصيد]
(مسألة 284): إذا وجبت الكفارة على المحرم بسبب غير الصيد فالأظهر جواز تأخيرها إلى عودته من الحج (1)
الحديث»1 بتقريب أنها تدل على أن موضع الذبح و مكانه موضع الاصباة، هذا و لكن الظاهر أنها لا تدل على أن موضع الإصابة هو مكان الذبح، بل تدل على أن وظيفته اذا لم يجد البدنة في موضع الاصابة قوّمها، ثم صرف القيمة في الطعام، و أما اذا كان واجدا للبدنة فلا تدل على أن مكان ذبحها موضع الاصابة، أو فقل ان الرواية انما هي في مقام بيان وظيفة العاجز عن الفداء و هو البدنة، و ليست في مقام بيان مكان الذبح، و لا أقل من الاجمال.
(1)تدل عليه موثقة اسحاق بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: «قلت له:
الرجل يخرج من حجته شيئا يلزمه منه دم، يجزيه ان يذبحه اذا رجع الى أهله، فقال: نعم، و قال – فيما اعلم – يتصدق به»2 فان مقتضى اطلاقها و إن كان جواز تأخير الذبح الى أن يرجع الى بلدته حتى اذا كان كفارة الصيد، و لكن لا بد من تقييد اطلاقها بغير كفارة الصيد بالنصوص المتقدمة.
نعم، في خصوص كفارة التظليل ورد الأمر بالذبح بمنى في روايتين.
الأولى: صحيحة محمد بن اسماعيل بن بزيع عن الرضا عليه السّلام، قال: «سأله رجل عن الظلال للمحرم من أذى مطر أو شمس، و أنا اسمع، فأمره ان يفدي شاة، و يذبحها بمنى»3.
الثانية: صحيحته الأخرى، قال: «سألت ابا الحسن عليه السّلام عن الظل للمحرم من أذى مطر أو شمس، فقال: أرى أن يفديه بشاة، و يذبحها بمنى»4 ، فانهما ظاهرتان في وجوب الذبح بمنى، فاذن يقع التعارض بين اطلاقهما و اطلاق الموثقة المتقدمة بالعموم من وجه، فانهما أعم من ناحية كون الفداء في احرام
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 283)
……….
العمرة المفردة أو الحج، و الموثقة أعم من ناحية كون الفداء للتظليل أو غيره، فيكون مورد الالتقاء بينهما عندئذ ما اذا كان الفداء للتظليل في احرام الحج، فان مقتضى اطلاق الموثقة أنه يجزي أن يذبحه في بلده اذا رجع، و مقتضى اطلاقهما وجوب ذبحه في منى، و بما أنه لا ترجيح في البين، فيسقطان معا في مورد الالتقاء، و يرجع فيه الى أصالة البراءة عن وجوب الذبح في منى، هذا من ناحية.
و من ناحية أخرى ان صحيحة منصور بن حازم، قال: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن كفارة العمرة المفردة أين تكون؟ فقال: بمكة، الاّ أن يشاء صاحبها أن يؤخرها الى منى، و يجعلها بمكة أحب إليّ و أفضل»1 تدل على أنه مخير في كفارة العمرة المفردة بين أن يجعلها بمكة و أن يجعلها في منى، و لكن لا بد من تقييد اطلاقها بغير كفارة الصيد بمقتضى الروايات المتقدمة.
و من ناحية ثالثة إن صحيحة معاوية بن عمار، قال: «قال ابو عبد اللّه عليه السّلام:
من ساق هديا في عمرة فلينحره قبل أن يحلق، و من ساق هديا و هو معتمر نحر هديه في المنحر و هو بين الصفا و المروة، و هي بالحزورة، قال: و سألته عن كفارة المعتمر أين تكون؟ قال: بمكة الاّ أن يؤخرها الى الحج فتكون بمنى، و تعجيلها افضل و أحب إليّ»2 تدل بمقتضى صدرها على حكم من ساق الهدي في العمرة المفردة، و هو خارج عن محل الكلام، و بمقتضى ذيلها على حكم الكفارة في عمرة التمتع، و هو التخيير بين مكة و منى، و لكنها معارضة بموثقة اسحاق بن عمار المتقدمة، فان المراد من الحج في موردها أعم من العمرة، على أنه لا يحتمل عرفا جواز تأخير كفارة احرام الحج الى ان يرجع إلى بلده، دون عمرته، فاذن لا بد من تقديم الموثقة عليها باعتبار أن الصحيحة تدل على جواز
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 284)
فيذبحها أين شاء، و الافضل انجاز ذلك في حجه، و مصرفها الفقراء (1)،
التأخير الى الحج، و أما دلالتها على عدم جواز تأخيرها الى أن يرجع الى أهله فانما هي بالاطلاق الناشئ من السكوت في مقام البيان، و هي لا تصلح أن تعارض دلالة الموثقة على جواز التأخير الى أن يرجع الى أهله، فانها دلالة مستندة الى اللفظ، و هي أقوى منها، و تتقدم عليها تطبيقا لحمل الظاهر على الأظهر.
فالنتيجة: ان الأظهر جواز تأخير الكفارة الى أن يرجع الحاج الى بلدته، بدون فرق بين كفارة احرام الحج، او عمرة التمتع، أو المفردة غير كفارة الصيد.
(1)تدل على ذلك مجموعة كبيرة من الروايات:
منها: صحيحة علي بن جعفر في كتابه عن اخيه موسى بن جعفر عليه السّلام، قال: «سألته عن رجل محرم أصاب نعامة ما عليه؟ قال: عليه بدنة، فان لم يجد فليتصدق على ستين مسكينا، فان لم يجد فليصم ثمانية عشر يوما، قال: و سألته عن محرم أصاب بقرة، ما عليه؟ قال: عليه بقرة، فان لم يجد فليتصدق على ثلاثين مسكينا، فان لم يجد فليصم تسعة أيام، قال: «و سألته عن محرم أصاب ظبيا، ما عليه؟ قال: عليه شاة، فان لم يجد فليتصدق على عشرة مساكين، فان لم يجد فليصم ثلاثة أيام»1.
و منها: صحيحة زرارة و محمد بن مسلم عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «في محرم قتل نعامة، قال: عليه بدنة، فان لم يجد فاطعام ستين مسكينا، فان كانت قيمة البدنة اكثر من اطعام ستين مسكينا لم يزد على اطعام ستين مسكينا، و إن كانت أقل من اطعام ستين مسكينا لم يكن عليه الا قيمة البدنة»2 فانها تدل على أن مصرف البدنة الفقراء، و لذلك لا يجب عليه في صورة عدم وجدانها اطعام اكثر من قيمتها.
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 285)
و لا بأس بالأكل منها قليلا (1)
و منها: صحيحة أبي عبيدة عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: اذا أصاب المحرم الصيد و لم يجد ما يكفر من موضعه الذي أصاب فيه الصيد قوم جزاؤه من النعم دراهم، ثم قومت الدراهم طعاما، ثم جعل لكل مسكين نصف صاع، فان لم يقدر على الطعام صام لكل نصف صاع يوما»1 ، و منها غير ذلك.
ثم إن المتفاهم العرفي منها بمناسبة الحكم و الموضوع الارتكازية عدم خصوصية لموردها، و أن هذا الحكم حكم طبيعي الكفارة. و مثل هذه الروايات، الروايات الواردة في كفارة غير الصيد، حيث قد ورد في لسان جملة منها الأمر بالتصدق بالكفارة، و في بعضها التصريح بالتصدق بها على المساكين، و من الواضح أن الأمر بالتصدق ظاهر عرفا في أنه للفقراء.
(1)و تدل عليه جملة من الروايات:
منها: موثقة اسحاق بن عمار، قال: «قلت لأبي ابراهيم عليه السّلام: الرجل يخرج من حجته ما يجب عليه الدم و لا يهريقه حتى يرجع الى أهله، قال: يهريقه في أهله و يأكل منه الشيء»2.
و منها: معتبرة عبد اللّه بن يحيى الكاهلي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: يؤكل من الهدي كله مضمونا كان أو غير مضمون»3.
و منها: صحيحة جعفر بن بشير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «سألته عن البدن التي تكون جزاء الايمان و النساء و لغيره يؤكل منها، قال: نعم يؤكل من كل البدن»4.
و في مقابلها روايات تدل على عدم جواز الأكل:
منها: صحيحة الحلبي، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن فداء الصيد يأكل
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 286)
……….
من لحمه، فقال: يأكل من اضحيته و يتصدق بالفداء»1.
و منها: صحيحة ابي بصير، قال: «سألته عن رجل اهدى هديا فانكسر، فقال: إن كان مضمونا – و المضمون ما كان في يمين يعني نذرا أو جزاء – فعليه فداؤه، قلت: أ يأكل منه؟ فقال: لا، انما هو للمساكين، فان لم يكن مضمونا فليس عليه شيء، قلت: أ يأكل منه؟ قال: يأكل منه»2.
و حيث إن الطائفة الأولى ناصة في جواز الأكل، و الطائفة الثانية ظاهرة في عدم الجواز، فلا بد من رفع اليد عن ظهورها في الحرمة، و حملها على الكراهة تطبيقا لقاعدة حمل الظاهر على النص.
و دعوى: أن تعليل النهي عن الأكل في صحيحة ابي بصير بأنه للمساكين، ناص في عدم جواز الأكل منه، و حينئذ فتصلح أن تعارض الطائفة الأولى، و بما أنه لا ترجيح في البين و حينئذ فيرجع الى صحيحة الحلبي الظاهرة في عدم جواز الأكل.
و بكلمة: أن هاهنا ثلاث طوائف من الروايات:
الطائفة الأولى: ناصة في جواز الأكل.
الطائفة الثانية: ناصة في عدم جوازه.
و الطائفة الثالثة: ظاهرة في عدم الجواز، فالأوليان تسقطان من جهة المعارضة، فيصل الدور الى الثالثة…
مدفوعة: فان قوله عليه السّلام: «إنما هو للمساكين» بيان لعلة النهي، و هي ان مصرفه الفقراء دون غيرهم، و هذا لا ينافي جواز أكل صاحب الفداء منه اذا قام دليل عليه، و المفروض أن الطائفة الأولى ناصة في جواز الأكل.
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 287)
مع الضمان (1) و دفع قيمته.
فالنتيجة: ان الأظهر جواز أكل صاحب الفداء منه و إن كان الأولى و الأجدر به تركه.
(1)في الضمان اشكال بل منع، و ذلك لعدم الدليل عليه غير رواية السكوني عن جعفر عن أبيه، «قال: اذا أكل الرجل من الهدي تطوعا فلا شيء عليه، و إن كان واجبا فعليه قيمة ما أكل»1 و هي ضعيفة سندا لأن في سندها بنان ابن محمد، و هو لم يثبت توثيقه غير وروده في اسناد كامل الزيارات، و قد ذكرنا غير مرة ان مجرد وروده في اسناده لا يكفي في توثيقه.
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 288)
[الثاني من واجبات عمرة التمتع الطواف ]
[شرائط الطواف]
شرائط الطواف الطواف هو الواجب الثاني في عمرة التمتع و يفسد الحج بتركه عمدا سواء أ كان عالما بالحكم أم كان جاهلا به أو بالموضوع (1) و يتحقق الترك بالتأخير الى زمان لا يمكنه ادراك الركن من الوقوف بعرفات (2) ثم انه إذا بطلت العمرة بطل احرامه أيضا على الأظهر (3)،
(1)الأمر كما أفاده قدّس سرّه لأن الطواف من أهم واجبات الحج و العمرة، فاذا تركه في العمرة فمقتضى القاعدة بطلانها و إن كان عن جهل، باعتبار أن العمرة المأمور بها لا تنطبق على الفرد الفاقد له، و كذلك الحال اذا تركه في الحج.
و أما الحكم بالصحة في باب الصلاة اذا كان المصلي تاركا للجزء او الشرط غير الركني عن جهل، فهو انما يكون من جهة الدليل الخاص، و هو حديث لا تعاد، و لا دليل في المقام، و تؤكّد ذلك صحيحة علي بن يقطين، قال:
«سألت ابا الحسن عليه السّلام عن رجل جهل أن يطوف بالبيت طواف الفريضة، قال: إن كان على وجه الجهالة أعاد الحج، و عليه بدنة»1 فانها واضحة الدلالة على بطلان الحج بترك الطواف جهلا، و وجوب الكفارة، و مقتضى اطلاقها عدم الفرق بين طواف الحج و طواف العمرة.
(2)تقدم الكلام فيه موسعا في المسألة (3) من (فصل: صورة حج التمتع و شرائطه) في الجزء التاسع من كتابنا تعاليق مبسوطة.
(3)بل لا شبهة في بطلانه على أساس ان الاحرام جزء من الحج أو العمرة، فاذا بطل الحج أو العمرة لم يعقل بقاء الاحرام صحيحا، و الاّ لزم كونه واجبا مستقلا، و هذا خلف.
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 289)
و الأحوط الأولى حينئذ العدول إلى حج الافراد و على التقديرين تجب اعادة الحج في العام القابل و يعتبر في الطواف أمور:
[الأول: النية ]
الأول: النية (1)، فيبطل الطواف إذا لم يقترن بقصد القربة (2).
[الثاني: الطهارة من الحدثين الاكبر و الاصغر ]
الثاني: الطهارة من الحدثين الاكبر و الاصغر (3) فلو طاف المحدث عمدا أو جهلا أو نسيانا لم يصح طوافه.
(1)قد اشرنا في ضمن البحوث السالفة أن النية شرط لكل عبادة، و حيث إن الطواف عبادة فالنية شرط فيه، و نقصد بها ان تتوفر فيها العناصر التالية:
الأول: قصد القربة، لأنه عبادة، و كل عبادة لا تصح بدون قصد القربة.
الثاني: قصد الاخلاص، يعني الاخلاص في النية بمعنى عدم الرياء، لأن الرياء في العبادة محرم و مبطل لها.
الثالث: قصد اسمه الخاص المميز له شرعا، بأن يأتي به باسم طواف عمرة التمتع من حجة الإسلام، و اذا كان حجا مستحبا اسقط كلمة حجة الإسلام، و اذا كانت العمرة مفردة اسقط كلمة عمرة التمتع، و اذا كان الحج حج قران أو افراد أسقط كلمة حجة التمتع، و اذا كان نائبا ذكر اسم المنوب عنه، و أما اذا طاف حول البيت بدون أن ينوي كونه لعمرة أو حجة، فلا يقع لشيء منها، و يكون لاغيا.
(2)نقصد بالاقتران أن لا تتأخر النية عن أول جزء من أجزاء الطواف، لا أن لا تتقدم عليه.
(3)تنص عليه مجموعة كثيرة من الروايات:
منها: صحيحة معاوية بن عمار، قال: «قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: لا بأس أن يقضي المناسك كلها على غير وضوء الاّ الطواف بالبيت، و الوضوء أفضل»1.
و منها: صحيحة محمد بن مسلم، قال: «سألت أحدهما عليهما السّلام عن رجل
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 290)
……….
طاف طواف الفريضة و هو على غير طهور، قال: يتوضأ و يعيد طوافه، و إن كان تطوعا توضأ و صلى ركعتين»1.
و منها: صحيحة علي بن جعفر عن أخيه ابي الحسن عليه السّلام، قال: «سألته عن رجل طاف بالبيت و هو جنب، فذكر و هو في الطواف، قال: يقطع الطواف و لا يعتد بشيء مما طاف، و سألته عن رجل طاف ثم ذكر أنه على غير وضوء، قال:
يقطع طوافه و لا يعتد به»2 و منها غيرها، و مقتضى هذه الروايات أن الطهارة من الحدث شرط في صحة الطواف مطلقا حتى اذا كان الطائف جاهلا أو ناسيا، أما الأول فلإطلاق جملة منها، و أما الثاني فمضافا الى الاطلاق فقد نص بذلك في بعض تلك الروايات، هذا كله في الطواف الواجب.
و أما الطواف المندوب فلا تكون الطهارة شرطا في صحته، لعدة من الروايات:
منها: صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة3.
و منها: صحيحة حريز عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في رجل طاف تطوعا و صلى ركعتين و هو على غير وضوء، فقال: يعيد الركعتين، و لا يعيد الطواف»4.
و منها: صحيحة عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «قلت له: رجل طاف على غير وضوء، فقال: إن كان تطوعا فليتوضأ و ليصل»5.
و منها: صحيحته الأخرى عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: «قلت له: اني اطوف طواف النافلة و أنا على غير وضوء، قال: توضأ و صلّ و إن كنت متعمدا»6.
و نذكر فيما يلى مسألتين:
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 291)
……….
الأولى: قد تسأل أن هذه الروايات التي تنص على عدم اشتراط صحة الطواف المندوب بالطهارة من الحدث، هل تختص بالطواف المستقل، أو تعم ما اذا كان جزء الحج المندوب، أو العمرة المندوبة؟
و الجواب: انها تعم ما اذا كان جزء الحج او العمرة أيضا، اذ مضافا الى أن ذلك مقتضى اطلاق تلك الروايات، أن ذلك هو مورد الصحيحة الثانية لعبيد بن زرارة المتقدمة.
الثانية: قد تسأل أن الطواف المندوب اذا صار واجبا بالعرض كالنذر أو العهد أو اليمين أو الاجارة أو غير ذلك، فهل يخرج عن موضوع هذه الروايات و يدخل في موضوع الروايات التي تنص على أن الطواف الواجب مشروط بالطهارة؟
و الجواب: انه لا يبعد أن يقال بعدم خروجه عن موضوع تلك الروايات، اذ مضافا الى امكان دعوى ان المتبادر من الطواف المتطوع هو المتطوع في اصل الشرع، فان النذر أو غيره لا يوجب خروجه عن التطوع فيه و جعله فريضة، و من هنا إذا نذر صلاة الليل، فانه لا يوجب خروجها عن النافلة الى الفريضة، لأن صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة بقرينة جعلها التطوع في مقابل الفريضة تشهد على ان المراد من الطواف الواجب هو الطواف المفروض، في أصل الشرع، و لا يعم ما اذا كان مفروضا بالعرض كالنذر أو نحوه و كان في الأصل نافلة، هذا اضافة الى أن صحيحة عبيد المتقدمة التي تدل على أن طواف النافلة غير مشروط بالطهارة تشمل ما اذا كان منذورا أيضا، لأن النذر لا يوجب خروج المنذور عن عنوان النافلة.
فالنتيجة: ان الطواف إن كان فريضة في أصل الشرع كانت صحته
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 292)
[مسألة 285: إذا أحدث المحرم اثناء طوافه فللمسألة صور]
(مسألة 285): إذا أحدث المحرم اثناء طوافه فللمسألة صور.
الاولى: أن يكون ذلك قبل بلوغه النصف، ففي هذه الصورة يبطل طوافه و تلزمه اعادته بعد الطهارة (1).
الثانية: أن يكون الحدث بعد اتمامه الشوط الرابع و من دون اختياره، ففي هذه الصورة يقطع طوافه، و يتطهر، و يتمه من حيث قطعه.
مشروطة بالطهارة، و إن كان نافلة لم تكن مشروطة بها و إن كان مفروضا بالعرض، و لكن مع هذا فالأحوط و الأجدر أن يأتي به مع الطهارة من الحدثين الأكبر و الأصغر.
(1)في لزوم الاعادة اشكال بل منع، لعدم الدليل غير مرسلة جميل عن بعض اصحابنا عن أحدهما عليه السّلام: «في الرجل يحدث في طواف الفريضة و قد طاف بعضه، قال: يخرج و يتوضأ، فان كان جاز النصف بنى على طوافه، و إن كان أقل من النصف أعاد الطواف»1 و لكنها لا تصلح أن تكون دليلا، فاذن ليس في المسألة إلا الشهرة و دعوى عدم الخلاف، و من الواضح انه لا أثر لها. نعم قد يستدل على البطلان و وجوب الاعادة بأمرين:
أحدهما: ان مقتضى اعتبار الطهارة في الطواف بطلانه بصدور الحدث اثناءه، كما هو الحال في الصلاة.
و الجواب: أولا: ان ذلك لو تم لكان مقتضاه بطلان الطواف به، و إن كان صادرا في الشوط الأخير، مع أن بناء المشهور على الصحة و عدم البطلان اذا كان صدوره بعد تجاوز النصف.
و ثانيا: ان مقتضى ادلة اعتبار الطهارة فيه أنها معتبرة في اجزائه و واجباته الخاصة، و هي سبعة اشواط، دون الأكوان المتخللة بينها، على أساس أن حقيقة الطواف عبارة عن تلك الأشواط السبعة فحسب، و أما الأكوان المتخللة فهي
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 293)
الثالثة: أن يكون الحدث بعد النصف و قبل تمام الشوط الرابع، أو يكون بعد تمامه مع صدور الحدث عنه بالاختيار. و الأحوط في هذين الفرضين أن يتم طوافه بعد الطهارة من حيث قطع ثم يعيده، و يجزئ عن الاحتياط المذكور أن يأتي بعد الطهارة بطواف كامل يقصد به الاعم من التمام و الاتمام. و معنى ذلك: أن يقصد الاتيان بما تعلق بذمته، سواء أ كان هو مجموع الطواف، أم هو الجزء المتمم للطواف الاول، و يكون الزائد لغوا.
خارجة عنها، و على هذا فما دل من الدليل على اعتبار الطهارة فيه لا يشمل تلك الأكوان.
فالنتيجة: ان الاتيان بالأشواط السبعة لا بد أن يكون مع الطهارة سواء أ كان بوضوء واحد، أم كان باكثر منه، و أما اعتبار الطهارة في الأكوان المتخللة بين اجزاء الصلاة و واجباتها فانما هو بدليل خاص، و الاّ فمقتضى القاعدة عدم اعتبارها فيها أيضا، على أساس أنها خارجة عن حقيقة الصلاة، و لو لا دليل خاص في المسألة لكان مقتضى أدلة شرطية الطهارة للصلاة أنها شرط لها بما لها من اجزائها و واجباتها فحسب.
و الآخر: صحيحة حمران بن أعين عن ابي جعفر عليه السّلام قال: «سألته عن رجل كان عليه طواف النساء وحده، فطاف منه خمسة اشواط، ثم غمزه بطنه فخاف أن يبدره، فخرج الى منزله فنقض، ثم غشي جاريته، قال: يغتسل ثم يرجع فيطوف بالبيت طوافين تمام ما كان قد بقي عليه من طوافه، و يستغفر اللّه و لا يعود، و ان كان طاف طواف النساء فطاف منه ثلاثة اشواط، ثم خرج فغشي فقد أفسد حجه، و عليه بدنة و يغتسل ثم يعود فيطوف اسبوعا»1 فانها تنص على بطلان الطواف لصدور الحدث اثناءه اذا كان قبل تجاوز النصف، و موردها
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 294)
……….
و إن كان طواف النساء، إلا أنه لا خصوصية له، لأن المتفاهم العرفي من الصحيحة أن ثبوت هذا الحكم انما هو باعتبار أنه محرم، بدون خصوصية أن ما صدر منه من الاستمتاع الجنسي بالمرأة جماعا، كان في طواف النساء، أم في طواف الحج.
و الجواب: ان مورد الصحيحة بما أنه الجماع مع المرأة اثناء الطواف، فالتعدي عنه الى مطلق الحدث بحاجة الى دليل، باعتبار أن للجماع في باب الحج أحكاما خاصة، و لا تترتب تلك الأحكام على مطلق الحدث.
فالنتيجة: أنه لا دليل على المشهور، بل صحيحة محمد بن مسلم، قال:
«سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن امرأة طافت ثلاثة اشواط أو أقلّ من ذلك، ثم رأت دما، قال: تحفظ مكانها فاذا طهرت طافت و اعتدت بما مضى»1 تدل على خلاف ما هو المشهور بين الأصحاب، بتقريب أن مفادها أمران:
أحدهما: عدم بطلان الطواف بحدوث الحيض اثناءه و إن كان قبل تجاوز النصف.
و الآخر: أن الفصل الزمني الطويل بين مبدأ الحيض و منتهاه لا يضر بصحته.
فالنتيجة: ان الأظهر عدم بطلان الطواف بصدور الحدث أثناءه و إن كان قبل تجاوز النصف، فاذا صدر فعليه أن يتوضأ و يكمل ما بقي من طوافه و إن كان الاستئناف من جديد أحوط و أجدر، بل الأحوط و الأولى أن يقصد به الأعم من التكميل و الاستئناف حسب ما هو المطلوب واقعا. هذا اذا لم تفت الموالاة، و الاّ وجب الاستئناف على القاعدة بدون فرق بين أن يكون الحدث قبل الشوط الرابع أو بعده، حتى اذا كان صدور الحدث منه عامدا و اختيارا، لعدم الدليل على
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 295)
[مسألة 286: إذا شك في الطهارة قبل الشروع في الطواف أو في اثنائه]
(مسألة 286): إذا شك في الطهارة قبل الشروع في الطواف أو في اثنائه، فان علم ان الحالة السابقة كانت هي الطهارة، و كان الشك في صدور الحدث بعدها لم يعتن بالشك (1) و إلا وجبت عليه الطهارة و الطواف أو استينافه بعدها.
أن صدوره كذلك اثناء الطواف قاطع له، لما مر من أن ظاهر الأدلة شرطية الطهارة للطواف بما له من الأجزاء دون الأكوان المتخللة بينها، و أما خروجه من المطاف من أجل الوضوء أو الغسل، فلا يضر ما دام لم تطل مدة الخروج الى المقدار الذي تختل به الموالاة، لعدم الدليل على أنه مانع عن صحته.
(1)لاستصحاب بقاء الطهارة، و حينئذ فان كان الشك في بقاء الطهارة بعد الفراغ من الطواف و قبل صلاته لم يجر استصحاب بقائها بالنسبة الى الطواف، لأن المرجع فيه قاعدة الفراغ شريطة احتمال الالتفات حين العمل، دون الاستصحاب.
و أما بالنسبة الى صلاته فالمرجع هو الاستصحاب، و إن كان الشك في بقائها قبل الطواف أو اثنائه جرى استصحاب بقائها، و يترتب عليه جواز الاتيان به أو اتمامه بدون حاجة الى الوضوء أو الغسل من جديد. و إن كانت الحالة السابقة الحدث، و حينئذ فان كان الشك في بقائه بعد الفراغ من الطواف و قبل صلاته لم يجر استصحاب بقائه بالنسبة الى الطواف، لنفس ما تقدم من الملاك.
و أما بالنسبة الى صلاته، فلا مانع منه، و إن كان الشك فيه قبل الطواف أو اثنائه وجب عليه الوضوء أو الغسل، و استيناف الطواف في الفرض الثاني من جديد، و الغاء ما أتى به من الأشواط.
و أما إذا كانت الحالة السابقة متبادلة، بأن تكون في زمن الطهارة، و في زمن آخر الحدث، و يشك في المتقدم و المتأخر منهما، ففي هذه الصورة لا مانع من جريان استصحاب بقاء كل منهما في نفسه للشك فيه، و لكن يسقط من جهة
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 296)
[مسألة 287: إذا شك في الطهارة بعد الفراغ من الطواف لم يعتن بالشك]
(مسألة 287): إذا شك في الطهارة بعد الفراغ من الطواف لم يعتن بالشك (1)، و إن كانت الاعادة أحوط و لكن تجب الطهارة لصلاة الطواف (2).
المعارضة بدون فرق في ذلك بين أن يكون تاريخ كليهما مجهولا، أو تاريخ أحدهما مجهولا و الآخر معلوما، غاية الأمر ان المستصحب على الأول كلي في كليهما معا، و على الثاني كلي في المجهول و شخصي في المعلوم، و على كلا التقديرين فالاستصحابان متعارضان، فيسقطان معا، و حينئذ فان كان الشك قبل الشروع في الطواف وجب عليه الوضوء أو الغسل على أساس قاعدة الاشتغال، و إن كان الشك في الاثناء وجب عليه الوضوء أيضا و استيناف الطواف من جديد.
و دعوى: أنه لا مانع من الرجوع الى قاعدة الفراغ بالنسبة الى الأشواط السابقة، و أما بالنسبة الى الأشواط اللاحقة فالمرجع فيها قاعدة الاشتغال بعد سقوط الاستصحابين بالتعارض، فالنتيجة أنه يتوضأ و يتم الطواف، و لا حاجة الى استينافه من جديد.
مدفوعة: بأنه لا مجال للقاعدة في المقام، لأن المكلف فيه يعلم بأنه كان غافلا حين الاتيان بالأشواط المذكورة، ثم تذكر قبل اكمالها و علم بأنه كان متطهرا في زمان و محدثا في آخر، و لا يدري المتقدم و المتأخر منهما، و قد ذكرنا غير مرة أن المعتبر في جريانها احتمال الالتفات حين العمل، و الاّ فلا موضوع لها.
(1)لقاعدة الفراغ شريطة احتمال أنه كان ملتفتا حين العمل الى ما يعتبر فيه من الشروط.
(2)لاستصحاب بقاء الحدث، لأن مقتضى قاعدة الفراغ التي هي قاعدة عقلائية، و تكون حجيتها على أساس نكتة أماريتها نوعا، و إن كان صحة
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 297)
[مسألة 288: اذا لم يتمكن المكلف من الوضوء يتيمم و يأتي بالطواف]
(مسألة 288): اذا لم يتمكن المكلف من الوضوء يتيمم و يأتي بالطواف، و إذا لم يتمكن من التيمم أيضا جرى عليه حكم من لم يتمكن من أصل الطواف، فاذا حصل له اليأس من التمكن لزمته الاستنابة للطواف (1) و الأحوط الأولى أن يأتي هو أيضا بالطواف من غير طهارة.
الطواف، الاّ أنها لا تثبت لازمها و هو الغسل، لأنها و إن كانت قاعدة عقلائية و تكون حجيتها على أساس نكتة أماريتها نوعا، و لكن بما أن لسانها ليس لسان الحكاية عن الواقع بما هو، بل لسان البناء العملي على صحة ما أتى به في ظرف الشك و التحير، فمن أجل ذلك لا تكون مثبتاتها حجة.
و بكلمة: ان نكتة جعل هذه القاعدة و البناء العملي عليها هي أمارية حال المكلف في ظرف الامتثال و الاطاعة، و لكن حيث أن هذه الأمارية أمارية حالية فلا تكشف اكثر من مدلولها المطابقي، و لا فرق في ذلك بين أن تكون الحالة السابقة الطهارة أو الحدث.
فالنتيجة: ان الطواف محكوم بالصحة بقاعدة الفراغ، و لكن عليه أن يغتسل لصلاته بمقتضى استصحاب بقاء الحدث. نعم اذا أحدث بالأصغر بعد الطواف و قبل صلاته فقد علم اجمالا إما ببطلان الطواف، أو وجوب الوضوء لصلاته، اذ لا يمكن الرجوع الى قاعدة الفراغ بالنسبة الى الطواف و استصحاب بقاء الجنابة بالنسبة الى صلاته، لاستلزام ذلك المخالفة القطعية العملية، للقطع حينئذ إما ببطلان طوافه إذا كان في الواقع جنبا، او بطلان صلاته اذا لم يكن في الواقع جنبا، حيث انه صلى بدون وضوء، و عليه فتسقط قاعدة الفراغ من جهة معارضتها مع الاستصحاب، فالمرجع هو قاعدة الاشتغال بالنسبة الى الطواف، و الوضوء بالنسبة إلى صلاته، و هذا يعني أن وظيفته في هذه الحالة الجمع بين اعادة الطواف مع الغسل، و الوضوء بعد ذلك لصلاته.
(1)لأن المكلف اذا لم يتمكن من الطهارة المائية فوظيفته الطهارة
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 298)
[مسألة 289: يجب على الحائض و النفساء بعد انقضاء أيامهما و على المجنب الاغتسال للطواف]
(مسألة 289): يجب على الحائض و النفساء بعد انقضاء أيامهما و على المجنب الاغتسال للطواف، و مع تعذر الاغتسال و اليأس من التمكن منه يجب الطواف مع التيمم، و الأحوط الأولى حينئذ الاستنابة أيضا، و مع تعذر التيمم تتعين الاستنابة.
[مسألة 290: إذا حاضت المرأة في عمرة التمتع حال الاحرام أو بعده]
(مسألة 290): إذا حاضت المرأة في عمرة التمتع (1) حال الاحرام أو بعده و قد وسع الوقت لأداء أعمالها صبرت الى أن تطهر فتغتسل و تأتي بأعمالها، و إن لم يسع الوقت فللمسألة صورتان:
الأولى: أن يكون حيضها عند إحرامها أو قبل أن تحرم، ففي هذه الصورة ينقلب حجها إلى الافراد و بعد الفراغ من الحج تجب عليها العمرة المفردة إذا تمكنت منها.
الثانية: ان يكون حيضها بعد الاحرام، ففي هذه الصورة تتخير بين الاتيان بحج الافراد كما في الصورة الأولى و بين أن تأتي بأعمال عمرة التمتع من دون طواف، فتسعى و تقصر ثم تحرم للحج و بعد ما ترجع إلى مكة بعد الفراغ من أعمال منى تقضي طواف العمرة قبل طواف الحج،
الترابية، و اذا لم يتمكن منها أيضا فهو عاجز عن الطواف، و وظيفة العاجز الاستنابة فيه، أما أنه عاجز عنه فلإطلاق دليل شرطية الطهارة، فان مقتضاه أنها شرط له مطلقا حتى في حال العجز، فاذا عجز سقط الأمر عنه، و يصل الدور الى الاستنابة فيه دون الإطافة به، لأنها وظيفة العاجز عن الطواف، و المفروض أنه غير عاجز عنه، و انما هو عاجز عن تحصيل شرطه، و بذلك يظهر حكم المسألة الآتية.
(1)تقدم حكمها بتمام صورها موسعا في المسألة (4) من (فصل صورة حج التمتع على الاجمال).
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 299)
و فيما إذا تيقنت ببقاء حيضها و عدم تمكنها من الطواف حتى بعد رجوعها من منى استنابت لطوافها، ثم أتت بالسعي بنفسها. ثم ان اليوم الذي يجب عليها الاستظهار فيه بحكم أيام الحيض فيجري عليه حكمها.
[مسألة 291: إذا حاضت المحرمة اثناء طوافها]
(مسألة 291): إذا حاضت المحرمة اثناء طوافها (1) فالمشهور على أن طروء الحيض إذا كان قبل تمام اربعة اشواط بطل طوافها، و إذا كان بعده صح ما أتت به و وجب عليها اتمامه بعد الطهر و الاغتسال، و الأحوط في كلتا الصورتين أن تأتي بطواف كامل تنوي به الأعم من التمام و الاتمام. هذا فيما إذا وسع الوقت، و إلا سعت و قصرت و احرمت للحج و لزمها الاتيان بقضاء طوافها بعد الرجوع من منى و قبل طواف الحج على النحو الذي ذكرناه.
[مسألة 292: إذا حاضت المرأة بعد الفراغ من الطواف و قبل الاتيان بصلاة الطواف صح طوافها]
(مسألة 292): إذا حاضت المرأة بعد الفراغ من الطواف و قبل الاتيان بصلاة الطواف صح طوافها (2) و أتت بالصلاة بعد طهرها و اغتسالها،
(1)تقدم حكمها موسعا في المسألة (5) من الفصل المذكور فلا نعيد.
(2)هذا من جهة الروايات الخاصة و الا فمقتضى القاعدة البطلان اذ لا يجوز الفصل بين الطواف و صلاته بفترة طويلة عرفا و الروايات كما يلي:
منها: صحيحة زرارة، قال: «سألته عن امرأة طافت بالبيت فحاضت قبل أن تصلي الركعتين، فقال: ليس عليها اذا طهرت الا الركعتين، و قد قضت الطواف»1.
و منها: صحيحة ابي الصباح الكناني، قال: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن امرأة طافت بالبيت في حج أو عمرة ثم حاضت قبل أن تصلي الركعتين، قال: اذا طهرت فلتصل ركعتين عند مقام ابراهيم و قد قضت طوافها»2 ، فانهما باطلاقهما تشملان طواف عمرة التمتع أيضا.
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 300)
و إن ضاق الوقت سعت و قصرت و قضت الصلاة قبل طواف الحج (1).
[مسألة 293: إذا طافت المرأة وصلت ثم شعرت بالحيض و لم تدر انه كان قبل الطواف أو قبل الصلاة]
(مسألة 293): إذا طافت المرأة وصلت ثم شعرت بالحيض و لم تدر انه كان قبل الطواف أو قبل الصلاة أو في أثنائها أو أنه حدث بعد الصلاة بنت على صحة الطواف و الصلاة (2) و إذا علمت أن حدوثه كان قبل الصلاة و ضاق الوقت سعت و قصرت و أخرت الصلاة إلى أن تطهر و قد تمت عمرتها.
(1)على الأحوط، اذ لا دليل على وجوب الاتيان بالصلاة قبل طواف الحج، فان مورد الروايات انما هو تقديم طواف العمرة على طواف الحج، و لا يعم تقديم صلاة طواف العمرة على طواف الحج، و من تلك الروايات صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج و علي بن رئاب عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: المرأة المتمتعة اذا قدمت مكة، ثم حاضت، تقيم ما بينها و بين التروية، فان طهرت طافت بالبيت، وسعت بين الصفا و المروة، و إن لم تطهر الى يوم التروية اغتسلت و احتشت، ثم سعت بين الصفا و المروة، ثم خرجت الى منى، فاذا قضت المناسك وزارت بالبيت طافت بالبيت طوافا لعمرتها، ثم طافت طوافا للحج، ثم خرجت فسعت، فاذا فعلت ذلك فقد أحلت من كل شيء يحل منه المحرم الاّ فراش زوجها، فاذا طافت طوافا آخر حل لها فراش زوجها»1 ، و منها غيرها2.
و على هذا فاذا فرض أن المرأة حاضت بعد طواف العمرة و قبل صلاته و ضاق الوقت و احرمت للحج و أخرت الصلاة الى ما بعد أعمال منى، فان هذه الروايات لا تدل على تقديمها على طواف الحج، لأن هذه الصورة خارجة عن موردها، و لا يوجد دليل آخر غيرها، و لكن مع هذا فالأحوط و الأجدر به وجوبا التقديم.
(2)هذا لا من جهة قاعدة الفراغ، لما ذكرناه من أن جريانها مرتبط بما اذا