فهرست

پرش به محتوا

آثار حضرت آیة الله العظمی شیخ محمد اسحاق فیاض

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – ج ۱۰

جلد

10

فهرست

فهرست

صفحه اصلی کتابخانه تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – ج ۱۰ صفحه 5

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – ج ۱۰

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 401)


[الشك في السعي]

الشك في السعي لا اعتبار بالشك في عدد اشواط‍‌ السعي بعد التقصير (1) و ذهب جمع من الفقهاء الى عدم الاعتناء بالشك بعد انصرافه من السعي و ان كان الشك قبل التقصير، و لكن الأظهر لزوم الاعتناء به حينئذ.

(1)هذا شريطة احتمال أنه كان حين العمل أذكر بشروط‍‌ الواجب و واجباته من حين الشك، و الاّ فلا تجري، لما ذكرناه في علم الأصول من أن قاعدتي التجاوز و الفراغ من القواعد العقلائية التي تكون حجيتها مبنية على نكتة أماريتها و كاشفيتها عن الواقع، و على هذا فاذا علم المكلف انه كان غافلا حين العمل لم تتوفر فيها هذه النكتة فلا تجري.

و دعوى: أن مقتضى صحيحة سعيد بن يسار بطلان السعي في هذه الصورة، على أساس أن صحته فيها منوطة بكون الساعي حافظا للعدد، بأن لا يكون شاكا فيه، و الاّ لكان السعي باطلا من جهة الشك، و بما أن الساعي في المقام شاك فيه فمقتضى الصحيحة بطلانه.

مدفوعة: بأن مورد الصحيحة ما اذا تذكر الساعي بالنقص في السعي و علم به، و في هذه الحالة اذا كان حافظا للعدد صح سعيه و وجب عليه الاتيان بالمنسي من السقوط‍‌ و ان لم يكن حافظا له بطل سعيه، فاذن لا يكون المقام مشمولا لصحيحة سعيد، باعتبار أن الشك في المقام لا يكون مقرونا بالعلم بالنقص من ناحية، و يكون بعد التجاوز عن محل السعي من ناحية أخرى، و أما الشك في مورد الصحيحة فيكون مقرونا بالعلم بالنقص من جهة، و قبل اتمام السعي من جهة أخرى، اذ بعد التذكر يكشف عن أن اعتقاده بالفراغ كان خياليا

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 402)


[مسألة 348: اذا شك و هو على المروة في أن شوطه الأخير كان هو السابع أو التاسع]

(مسألة 348): اذا شك و هو على المروة في أن شوطه الأخير كان هو السابع أو التاسع فلا اعتبار بشكه و يصح سعيه (1)،

و غير مطابق للواقع، و على هذا فلا مانع من التمسك بقاعدة التجاوز في المقام.

هذا من ناحية.

و من ناحية أخرى: اذا شك في عدد الأشواط‍‌ بعد الانصراف من السعي و الخروج من المسعى، و كان قبل التقصير، فهل يمكن الحكم بعدم الاعتناء به، تطبيقا للقاعدة‌؟

و الجواب: انه لا يمكن الحكم بعدم الاعتناء به، و ذلك لما ذكرناه في محله من أن موضوع القاعدة التجاوز عن محل الشيء المشكوك وجوده، و المفروض أنه لم يتجاوز عن محل السعي بعد، لأن محله قبل التقصير، فاذا شك فيه قبله كان الشك في محله و وظيفته الاعتناء به.

(1)الأمر كما افاده قدّس سرّه، و تدل عليه صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن ابي ابراهيم عليه السّلام: «في رجل سعى بين الصفا و المروة ثمانية أشواط‍‌ ما عليه‌؟ فقال: ان كان خطأ اطرح واحدا و اعتد بسبعة»1 بتقريب أنها تنص على أن الزيادة اذا كانت خطأ لم تضر، كما أن المتفاهم العرفي منها عدم الفرق بين كون الزيادة شوطا واحدا أو أكثر، اذ لا يرى العرف خصوصية لكونها شوطا واحدا، فاذا كان اليقين بالزيادة سهوا أو خطأ لا يضر، كان الشك في الزيادة كذلك بالأولوية القطعية، و على هذا فاذا شك في أنه سعى سبعة أو ثمانية خطأ، فالسبعة متيقنة، و الشك انما هو في الثمانية، و لا يعتد به، و يمكن الاستدلال على عدم اعتباره أيضا بصحيحة الحلبي، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل طاف بالبيت طواف الفريضة فلم يدر أسبعة طاف أم ثمانية، فقال: اما السبعة فقد


 

(1)) <page number=”402″ />الوسائل: الباب 13 من أبواب السعي، الحديث: 3.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 403)


و إذا كان هذا الشك اثناء الشوط‍‌ بطل سعيه و وجب عليه الاستئناف (1).

[مسألة 349: حكم الشك في عدد الأشواط‍‌ من السعي حكم الشك في عدد الأشواط‍‌ من الطواف]

(مسألة 349): حكم الشك في عدد الأشواط‍‌ من السعي حكم الشك في عدد الأشواط‍‌ من الطواف فاذا شك في عددها بطل سعيه (2).

استيقن، و انما وقع وهمه على الثامن، فليصل ركعتين»1 بدعوى أن موردها و إن كان طواف البيت، الاّ أن التعليل الوارد فيها يقتضي عموم الحكم للسعي أيضا، لأن المستفاد منها عرفا أن ملاك عدم جواز الاعتناء بالشك في الزائد انما هو تيقن الاتيان بالشوط‍‌ السابع، اي بالمأمور به بكامل واجباته، و هذا الملاك متوفر في المقام.

و بكلمة: ان المتفاهم العرفي من الصحيحة بمناسبة الحكم و الموضوع الارتكازية أنه لا خصوصية لموردها، فالمعيار في عدم الاعتناء بالشك في الشوط‍‌ الثامن انما هو بتيقن الاتيان بالشوط‍‌ السابع بدون فرق بين أن يكون ذلك في الطواف حول البيت، أو الطواف بين الصفا و المروة.

(1)لصحيحة سعيد بن يسار المتقدمة، فانها تدل على أن الساعي اذا لم يكن حافظا عدد الأشواط‍‌ فسعيه باطل، و مقتضى اطلاقها عدم الفرق بين أن يكون الشك في الزيادة و النقيصة، أو في النقيصة فقط‍‌.

(2)مر أن السعي يبطل بالشك في عدد اشواطه بين الصفا و المروة، كالشك في عدد أشواط‍‌ الطواف حول البيت.

بقى هنا شيء و هو انه قد يتوهم أن صحة السعي مشروطة باباحة لباس الساعي، و مركبه اذا سعى راكبا، بدعوى أن السعي في اللباس المغصوب أو المركب المغصوب مبغوض، فلا يمكن التقرب به.

و الجواب: ان الواجب – و هو السعي بين الصفا و المروة – لا يكون متحدا مع الحرام، لأن الواجب عبارة عن السعي بينهما، و طي المسافة مبتدئا من أول


 

(1)) <page number=”403″ />الوسائل: الباب 35 من أبواب الطواف، الحديث: 1.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 404)


……….

جزء من الصفا متجها نحو المروة، فاذا وصل الى المروة اعتبر ذلك شوطا. ثم يبدأ من المروة متجها نحو الصفا و هكذا الى أن يصنع سبعة أشواط‍‌، يكون ختام سعيه بالمروة. و الحرام عبارة عن لبس الثوب المغصوب، أو ركوب الدابة المغصوبة، و هما فعلان موجودان في الخارج و لا يرتبط‍‌ أحدهما بالآخر، و لا تسري حرمة الحرام الى الواجب، فاذن كما لا يكون الحرام جزءا من الواجب، كذلك لا يكون الواجب مشروطا بعدمه.

فالنتيجة: ان السعي او الطواف، بما أنه من مقولة الأين، و الحرام و هو اللبس أو الركوب من مقولة الوضع فلا يمكن اتحاد أحدهما مع الآخر، فاذن لا أساس لهذا التوهم. و من هنا يظهر حال الستر أيضا، فان غصبيته لا تضر بصحة السعي، حيث إنه غير معتبر فيها، بل لو قلنا باعتباره كما هو معتبر في الطواف فأيضا لا يمنع من صحة السعي، لما تقدم في باب الطواف من أن الواجب لا ينطبق على الحرام و هو ذات القيد، فانه خارج عنه و التقيد بعدمه داخل فيه، و هو أمر معنوي لا وجود له في الخارج على تفصيل تقدم هناك.

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 405)


[الخامس من واجبات عمرة التمتع التقصير]

التقصير و هو الواجب الخامس في عمرة التمتع، و معناه أخذ شيء من ظفر يده أو رجله أو شعر رأسه أو لحيته أو شاربه و يعتبر فيه قصد القربة و لا يكفي النتف عن التقصير (1).

(1)الأمر كما أفاده قدّس سرّه لأن الوارد في لسان الروايات كلمة الأخذ و التقصير و التقليم دون النتف.

منها: صحيحة معاوية بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: إذا فرغت من سعيك و انت متمتع فقصر من شعرك من جوانبه و لحيتك و خذ من شاربك و قلم من اظفارك و ابق منها لحجك، فاذا فعلت ذلك فقد أحللت من كل شيء يحل منه المحرم – الحديث»1.

و منها: صحيحته الأخرى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث السعي: «قال ثم قصر من رأسك من جوانبه و لحيتك و خذ من شاربك و قلم اظفارك و ابق منها لحجك، فاذا فعلت ذلك فقد أحللت من كل شيء يحل منه المحرم و أحرمت منه»2.

و منها: صحيحة عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «سمعته يقول:

طواف المتمتع أن يطوف بالكعبة و يسعى بين الصفا و المروة، و يقصر من شعره، فاذا فعل ذلك فقد أحل»3.

و منها: صحيحة عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: «ثمّ‌ ائت منزلك فقصر من شعرك و حل لك كل شيء»4.


 

(1)) <page number=”405″ />الوسائل: الباب 1 من أبواب التقصير، الحديث: 4.
(2)) الوسائل: الباب 1 من أبواب التقصير، الحديث: 1.
(3)) الوسائل: الباب 1 من أبواب التقصير، الحديث: 2.
(4)) الوسائل: الباب 1 من أبواب التقصير، الحديث: 3.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 406)


[مسألة 350: يتعين التقصير في إحلال عمرة التمتع]

(مسألة 350): يتعين التقصير في إحلال عمرة التمتع، و لا يجزئ عنه حلق الرأس (1)،

و هذه الروايات تدل على أن الواجب أحد تلك الأمور من الأخذ أو التقصير أو التقليم، و من الواضح أن النتف لا يكون مصداقا لشيء منها.

و دعوى: أن الغرض من التقصير و الأخذ هو إزالة الشعر، و لا خصوصية لهما، فاذن يجزي النتف أيضا.

مدفوعة: بأن هذه الدعوى بحاجة الى قرينة تدل على ذلك، و لا قرينة لا في نفس تلك الروايات و لا من الخارج، فاذن لا يمكن رفع اليد عن ظهور الروايات في الموضوعية و حملها على الطريقية الصرفة.

فالنتيجة: ان هذه الروايات تدل باطلاقها الناشئ من السكوت في مقام البيان على أن ما يحل به المحرم منحصر بفعل أحد هذه الأمور الثلاثة.

(1)لجملة من النصوص:

منها: صحيحة معاوية بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: «اذا أحرمت فعقصت شعر رأسك أو لبدّته فقد وجب عليك الحلق، و ليس لك التقصير، و إن انت لم تفعل فمخير لك التقصير، و الحلق في الحج أفضل و ليس في المتعة الاّ التقصير»1 ، فانها ناصة في أن وظيفة المتمتع التقصير و إن كان ملبدا أو معقوصا، على أساس أن قوله عليه السّلام: «في الحج» ظاهر في أنه قيد للجميع لا لخصوص الجملة الأخيرة، كما هو واضح.

و منها: صحيحة جميل بن دراج: ا «انه سأل ابا عبد اللّه عليه السّلام عن متمتع حلق رأسه بمكة، قال: ان كان جاهلا فليس عليه شيء، و ان تعمد ذلك في أول شهور الحج بثلاثين يوما فليس عليه شيء، و إن تعمد بعد الثلاثين يوما التي يوفر فيها


 

(1)) <page number=”406″ />الوسائل: الباب 7 من أبواب الحلق و التقصير، الحديث: 8.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 407)


……….

الشعر للحج فان عليه دما يهريقه»1 فانها تدل على عدم جواز الحلق للمتمتع بعد ثلاثين يوما من أول شهور الحج عامدا و ملتفتا الى الحكم الشرعي، و مقتضى اطلاقها عدم جواز ذلك له حتى بعد اعمال العمرة و الفراغ منها، و حتى اذا لبدّ شعره أو عقصه، و اذا فعل ذلك و الحال هذه عامدا و عالما فعليه دم.

فالنتيجة: ان وظيفة المتمتع التقصير دون الحلق.

قد يقال – كما قيل – ان هذه الروايات معارضة بروايات أخرى تدل باطلاقها على أن وظيفة المتمتع معقوصا أو ملبدا الحلق دون التقصير.

منها: صحيحة هشام بن سالم قال: «قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: اذا عقص الرجل رأسه أو لبده في الحج أو العمرة فقد وجب عليه الحلق»2 فانها تدل على وجوب الحلق على المعتمر اذا كان ملبدا أو معقوصا، و باطلاقها تشمل المتمتع أيضا.

و منها: صحيحة سالم بن الفضيل، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: دخلنا بعمرة نقصر أو نحلق، فقال: احلق، فان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ترحم على المحلقين ثلاث مرات، و على المقصرين مرة واحدة»3 ، فانها باطلاقها تشمل عمرة التمتع أيضا.

و منها: صحيحة عيص، قال: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل عقص شعر رأسه و هو متمتع، ثم قدم مكة فقضى نسكه و حل عقاص رأسه فقصر و ادهن و احل‌؟ قال: عليه دم شاة»4.

و الجواب: ان هذه الروايات لا تصلح أن تعارض الروايات المتقدمة، أما صحيحة هشام فلا يبعد أن يكون المراد من العمرة فيها العمرة المفردة فقط‍‌،


 

(1)) <page number=”407″ />الوسائل: الباب 4 من أبواب التقصير، الحديث: 5.
(2)) الوسائل: الباب 7 من أبواب الحلق و التقصير، الحديث: 2.
(3)) الوسائل: الباب 7 من أبواب الحلق و التقصير، الحديث: 13.
(4)) الوسائل: الباب 7 من أبواب الحلق و التقصير، الحديث: 9.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 408)


……….

دون الأعم منها و من عمرة التمتع، و ذلك بقرينة جعلها في مقابل الحج، و على تقدير تسليم أنها مطلقة، فمن الواضح ان اطلاقها لا يصلح أن يعارض دلالة صحيحة معاوية المتقدمة، و هي قوله عليه السّلام: «ليس في المتعة الاّ التقصير» فانه باعتبار كونه مسبوقا فيها ببيان أن وظيفة المعقوص أو الملبد في الحج تعين الحلق، و وظيفة غيره فيه التخيير بينه و بين التقصير، فتكون هذه المسبوقية قرينة على أن وظيفة المتمتع في كلتا الحالتين التقصير، و بذلك تصبح دلالة صحيحة معاوية أقوى و أظهر من الدلالة الاطلاقية لصحيحة هشام، و حينئذ فلا بد من تقديمها عليها تطبيقا لقاعدة حمل الظاهر على الأظهر، و أما صحيحة سالم فالظاهر أن موردها العمرة المفردة دون الأعم منها و من عمرة التمتع بقرينة تخيير المعتمر فيها بين الحلق و التقصير و ان كان الحلق أفضل، مع أن وظيفة المتمتع في عمرة التمتع هي التقصير فقط‍‌ لا غيره، كما أنه لا بد من حملها على غير المعقوص و الملبد، بقرينة ان المعتمر بالعمرة المفردة اذا كان شعره معقوصا أو ملبدا كانت وظيفته الحلق فحسب، لا التخيير بينه و بين التقصير.

و أما صحيحة عيص فهي مجملة، باعتبار أن قوله عليه السّلام: «فقضى نسكه» لا يكون ظاهرا في أن المراد من النسك فيه خصوص نسك العمرة، اذ كما يحتمل ذلك يحتمل أن يكون المراد منه جميع النسك الواجبة عليه من الوقوفين و اعمال منى، و على هذا الاحتمال فالصحيحة خارجة عن محل الكلام.

فالنتيجة: في نهاية المطاف أن وظيفة المتمتع التقصير و إن كان شعره معقوصا أو ملبدا، و لا يجزي الحلق، بل عليه كفارة اذا كان عامدا و ملتفتا.

و هناك صحيحة اخرى لمعاوية عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: ينبغي للصرورة أن يحلق و إن كان قد حج فإن شاء قصر و إن شاء حلق، فاذا لبدّ شعره

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 409)


بل يحرم الحلق عليه و إذا حلق لزمه التكفير عنه بشاة إذا كان عالما عامدا بل مطلقا على الأحوط‍‌ (1).

أو عقصه، فان عليه الحلق و ليس له التقصير»1.

و ذكر السيد الاستاذ قدّس سرّه على ما في تقرير بحثه ان هذه الصحيحة صريحة في أن الحلق على الملبد و المعقوص انما هو في الحج، و بها نرفع اليد عن اطلاق صحيحة هشام و تقييده بالعمرة المفردة.

و فيه ان الصحيحة لا تدل على أن وجوب الحلق منحصر بالملبد و المعقوص في الحج فقط‍‌ دون غيره، لا بالنص و لا بالاطلاق الناشئ من السكوت في مقام البيان، اما بالنص فظاهر حيث لم تكن فيها أداة حصر لكي تنص بسببها على حصر الحلق بالملبد و المعقوص في الحج فقط‍‌، و أما بالاطلاق فلأن الصحيحة انما هي في مقام بيان وظيفة الحاج فقط‍‌، و تدل على تعيّن الحلق عليه اذا كان ملبدا أو معقوصا، و لا نظر لها الى وظيفة المعتمر بعمرة التمتع اذا كان ملبدا أو معقوصا و أنها الحلق أو التقصير، و ساكتة عنها، و عليه فكيف تكون مقيدة لإطلاق صحيحة هشام. و مع الاغماض عن ذلك و تسليم أنها مطلقة، و لكن بما أن اطلاقها ناشئ عن السكوت في مقام البيان فلا تصلح أن تعارض صحيحة هشام، باعتبار أن اطلاقها لفظي و اطلاق هذه الصحيحة سكوتي، و قد ذكرنا في غير مورد ان الاطلاق السكوتي لا يمكن أن يعارض الاطلاق اللفظي.

(1)في الاحتياط‍‌ اشكال بل منع، و الأقوى أنه لا كفارة على من حلق رأسه جاهلا بالحكم و لا شيء عليه، و انما الكفارة على من حلق رأسه عامدا و ملتفتا.

و تنص على هذا التفصيل صحيحة جميل بن دراج2 المتقدمة. و أما رواية ابي


 

(1)) <page number=”409″ />الوسائل: الباب 7 من أبواب الحلق و التقصير، الحديث: 1.
(2)) الوسائل: الباب 4 من أبواب التقصير، الحديث: 5.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 410)


[مسألة 351: إذا جامع بعد السعي و قبل التقصير جاهلا بالحكم فعليه كفارة بدنة على الأحوط‍‌]

(مسألة 351): إذا جامع بعد السعي و قبل التقصير جاهلا بالحكم فعليه كفارة بدنة على الأحوط‍‌ (1).

بصير، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المتمتع أراد أن يقصر فحلق رأسه، قال:

عليه دم يهريقه – الحديث»1 فهي و إن كانت تدل على وجوب الكفارة في صورة الخطأ، إلاّ أنها ضعيفة سندا، فلا يمكن الاعتماد عليها.

(1)بل على الأظهر، و تدل عليه صحيحة الحلبي، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام جعلت فداك إني لما قضيت نسكي للعمرة أتيت أهلي و لم أقصر، قال: عليك بدنة، قال: قلت: إني لمّا أردت ذلك منها و لم تكن قصرت امتنعت فلمّا غلبتها قرضت بعض شعرها باسنانها. فقال: رحمها اللّه كانت أفقه منك، عليك بدنة و ليس عليها شيء»2 بتقريب أنها ظاهرة في أن الحلبي كان جاهلا بالمسألة، و قوله عليه السّلام في ذيلها: «رحمها اللّه كانت أفقه منك» صريح في ذلك، و على هذا فلا مانع من الالتزام بالكفارة على الجاهل في مورد الصحيحة.

نعم، قد يقال: ان صحيحة معاوية بن عمار، قال: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن متمتع وقع على أهله و لم يزر، قال: ينحر جزورا، و قد خشيت أن يكون قد ثلم حجه ان كان عالما، و ان كان جاهلا فلا شيء عليه، و سألته عن رجل وقع على امرأته قبل أن يطوف طواف النساء، قال: عليه جزور سمينة، و إن كان جاهلا فليس عليه شيء – الحديث»3 تنص على نفي الكفارة عن الجاهل، و حيث إنها ناصة في ذلك، و صحيحة الحلبي ظاهرة في ثبوتها عليه، فلا بد من تقديمها عليها تطبيقا لقاعدة حمل الظاهر على النص، هذا.

و لكن ذلك مبني على كون الصحيحة مشتملة على جملة «لم يقصر» و اشتمالها عليها غير معلوم، باعتبار أن الكليني روى هذه الرواية بنفس السند


 

(1)) <page number=”410″ />الوسائل: الباب 4 من ابواب التقصير، الحديث: 3.
(2)) الوسائل: الباب 3 من أبواب التقصير، الحديث: 2.
(3)) الوسائل: الباب 9 من أبواب كفارات الاستمتاع، الحديث: 1.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 411)


[مسألة 352: يحرم التقصير قبل الفراغ من السعي، فلو فعله عالما عامدا لزمته الكفارة]

(مسألة 352): يحرم التقصير قبل الفراغ من السعي، فلو فعله عالما عامدا لزمته الكفارة (1).

[مسألة 353: لا تجب المبادرة الى التقصير بعد السعي فيجوز فعله في أيّ‌ محل شاء]

(مسألة 353): لا تجب المبادرة الى التقصير بعد السعي فيجوز فعله في أيّ‌ محل شاء (2) سواء كان في المسعى أو في منزله أو غيرهما.

و المتن في موردين، رواها في أحدهما مشتملة على جملة «لم يقصر» و في الآخر مشتملة على جملة «لم يزر» و كذلك الشيخ رحمه اللّه.

و بما أن الظاهر كون الرواية رواية واحدة بقرينة اتحاد السند و المتن، فاذن لا نعلم أن الصادر من الامام عليه السّلام هل هو نسخة «لم يقصر» أو نسخة «لم يزر» فلو كان الثابت النسخة الأولى لكانت الصحيحة حاكمة على صحيحة الحلبي، و لو كان الثابت النسخة الثانية فالرواية أجنبية عن محل الكلام، فان موردها حينئذ طواف الحج، و حيث إن شيئا من النسختين غير ثابت، فلا يمكن الاستدلال بها لا هنا و لا هناك.

فالنتيجة: انه لا مانع من الالتزام بصحيحة الحلبي في موردها.

و دعوى: أن المشهور قد أعرضوا عنها، فيكون اعراضهم قرينة على سقوطها عن الحجية.

مدفوعة: بما ذكرناه غير مرة من أنه لا أثر لاعراض المشهور عن الرواية المعتبرة، و إنه لا يوجب سقوطها عن الاعتبار و خروجها عن دليل الحجية، على تفصيل قدمناه في علم الأصول.

(1)هذا لا لدليل خاص في المسألة، بل من جهة الروايات العامة التي تدل على أن من قلم ظفره و نتف ابطه، و حلق رأسه، فان كان ناسيا أو جاهلا فلا شيء عليه، و إن كان عامدا و ملتفتا فعليه دم شاة، و قد تقدم الكلام فيها في باب الكفارات.

(2)لعدم دليل يدل على وجوب المبادرة اليه، لأن ما يجب على المعتمر

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 412)


[مسألة 354: إذا ترك التقصير عمدا فأحرم للحج بطلت عمرته]

(مسألة 354): إذا ترك التقصير عمدا فأحرم للحج بطلت عمرته و الظاهر أن حجه ينقلب الى الافراد (1)

بعمرة التمتع هو أن يفرغ من أعمالها و واجباتها في وقت يتمكن من احرام الحج، و ادراك الموقف، و لا يكون لها وقت محدد زمنا.

(1)هذا لموثقة ابي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: المتمتع اذا طاف و سعى ثم لبّى بالحج قبل أن يقصر، فليس له أن يقصر و ليس له متعة»1 فانها تدل على بطلان عمرته بذلك، و لا يكون حجّه حينئذ حج متعة، و حيث إن ظاهر الموثقة انه ظل على احرامه بقرينة منعه عن التقصير فبطبيعة الحال ينقلب الى الافراد.

و بكلمة: ان ظاهر الموثقة انه اذا لبّى للحج قبل التقصير انعقد احرامه، و بما أن حجه ليس بمتعة فلا محالة يكون افرادا، و هذا يكشف عن أن احرامه انقلب عن احرام حج التمتع الى احرام حج الافراد، ثم ان مقتضى اطلاقها عدم الفرق بين أن يكون ذلك صادرا منه عامدا و ملتفتا الى الحكم الشرعي أو جاهلا به.

فالنتيجة: ان قوله عليه السّلام: «و ليس له متعة» ناص في بطلان عمرته، و أن حجه هذا ليس بحج تمتع، كما أن قوله عليه السّلام: «فليس له أن يقصر» ناص في صحة احرامه و أنه منعقد، فاذن لا مناص من القول بانقلابه الى احرام حج الافراد و ان نوى احرام حج التمتع، و تؤيد ذلك رواية العلاء بن الفضيل، قال: «سألته عن رجل متمتع طاف ثم أهل بالحج قبل أن يقصر، قال: بطلت متعته هي حجة مبتولة»2 هذا من ناحية.

و من ناحية أخرى أن مقتضى اطلاق الموثقة انه اذا لبى بالحج انعقد احرامه و انقلبت وظيفته من التمتع الى الإفراد، و ليس له التقصير حينئذ مطلقا،


 

(1)) <page number=”412″ />الوسائل: الباب 54 من أبواب الاحرام، الحديث: 5.
(2)) الوسائل: الباب 54 من أبواب الاحرام، الحديث: 4.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 413)


فيأتي بعمرة مفردة بعده و الأحوط‍‌ اعادة الحج في السنة القادمة (1).

[مسألة 355: إذا ترك التقصير نسيانا فأحرم للحج صحت عمرته]

(مسألة 355): إذا ترك التقصير نسيانا فأحرم للحج صحت عمرته (2)

و إن كان الوقت واسعا لوضوح أنه لا فرق في ذلك بين سعة الوقت و ضيقه، لأن الاحرام اذا بطل قبل التقصير قصر فورا، و احرم من جديد، و من المعلوم أن ذلك لا يتوقف على وقت، اذ يمكن أن يصنع ذلك اثناء السير في الطريق الى عرفات، فاذن يكون اطلاق الموثقة من هذه الناحية محكما.

و من ناحية ثالثة هل يكفي حج الافراد عن التمتع، أو أنه يجب عليه الاتيان به في العام القادم‌؟

و الجواب: انه يكفي عن التمتع باعتبار أن ذمته انقلبت حينئذ من التمتع الى الإفراد و تشتغل به، فاذا أتاه و بعد بالعمرة المفردة برئت منه أيضا، و عندئذ فلا مقتضى للإتيان بالتمتع في السنة القادمة.

(1)في الاحتياط‍‌ اشكال بل منع، لما مر من أن مقتضى موثقة ابي بصير المتقدمة انقلاب وظيفته من التمتع الى الإفراد، و بعد الانقلاب و الاتيان به و بعمرة مفردة بعده فلا مقتضى للاحتياط‍‌ و لا شيء عليه.

(2)الأمر كما افاده قدّس سرّه و تنص عليه صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «سألته عن رجل أهل بالعمرة و نسي أن يقصر حتى دخل في الحج، قال: يستغفر اللّه و لا شيء عليه و قد تمت عمرته»1 ، و مقتضى هذه الصحيحة ان عمرته تامة و لا شيء عليه غير الاستغفار.

و منها: صحيحة عبد اللّه بن سنان عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «في رجل متمتع نسي أن يقصر حتى أحرم بالحج، قال: يستغفر اللّه عز و جل»2 ، فان ظاهرها أيضا صحة العمرة و لا شيء عليه غير الاستغفار.

و منها: صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج، قال: «سألت ابا ابراهيم عليه السّلام


 

(1)) <page number=”413″ />الوسائل: الباب 54 من أبواب الاحرام، الحديث: 3.
(2)) الوسائل: الباب 54 من أبواب الاحرام، الحديث: 1.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 414)


……….

عن رجل تمتع بالعمرة الى الحج، فدخل مكة فطاف و سعى و لبس ثيابه و أحل، و نسي أن يقصر حتى خرج الى عرفات، قال: لا بأس به، يبني على العمرة و طوافها و طواف الحج على أثره»1 ، فانها ظاهرة في صحة العمرة أيضا، و مقتضى اطلاقها الناشئ من السكوت في مقام البيان عدم وجوب شيء عليه كالتقصير أو غيره.

فالنتيجة: ان الصحيحتين الأخيرتين ظاهرتان في صحة عمرته و تماميتها و عدم وجوب شيء عليه، و صحيحة معاوية المتقدمة ناصة في ذلك، و في مقابلها موثقة اسحاق بن عمار قال: «قلت لأبي ابراهيم عليه السّلام الرجل يتمتع فينسى أن يقصر حتى يهل بالحج، فقال: عليه دم يهريقه»2 ، فانها تدل بالاطلاق الناشئ من السكوت في مقام البيان على تمامية العمرة، و تدل بالنص على وجوب الكفارة عليه، و هي دم شاة، و على هذا فان لوحظ‍‌ نسبة هذه الموثقة الى صحيحة عبد اللّه بن سنان و صحيحة الحجاج المتقدمتين فهي تتقدم عليهما، لأن دلالتها على وجوب الكفارة دلالة لفظية، و دلالتهما على عدم وجوبها بالاطلاق الناشئ من السكوت في مقام البيان، و قد ذكرنا غير مرة أن هذه الدلالة من أضعف مراتب الدلالات، و تتقدم عليها سائر أصنافها تطبيقا لقاعدة حمل الظاهر على الأظهر، و إن لوحظ‍‌ نسبتها الى صحيحة معاوية المتقدمة، و حينئذ فان كان المراد من الشيء في قوله عليه السّلام في ذيل الصحيحة: «و لا شيء عليه» أعم من التقصير و الكفارة، فتصلح الموثقة أن تكون مقيدة لإطلاقه بخصوص التقصير، تطبيقا لقاعدة حمل المطلق على المقيّد، و إن كان المراد منه خصوص الكفارة فالامر بالعكس، فان الصحيحة ناصة في نفي الكفارة، و الموثقة ظاهرة في ثبوتها، فلا بد من رفع اليد عن ظهورها بنص الصحيحة من باب تطبيق حمل


 

(1)) <page number=”414″ />الوسائل: الباب 54 من أبواب الاحرام، الحديث: 2.
(2)) الوسائل: الباب 54 من أبواب الاحرام، الحديث: 6.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 415)


و الأحوط‍‌ التكفير عن ذلك بشاة (1).

[مسألة 356: إذا قصر المحرم في عمرة التمتع حلّ‌ له جميع ما كان يحرم عليه من جهة احرامه ما عدا الحلق]

(مسألة 356): إذا قصر المحرم في عمرة التمتع حلّ‌ له جميع ما كان يحرم عليه من جهة احرامه ما عدا الحلق، أما الحلق ففيه تفصيل و هو أن المكلف إذا أتى بعمرة التمتع في شهر شوال جاز له الحلق الى مضي ثلاثين يوما من يوم عيد الفطر و أما بعده فالأحوط‍‌ أن لا يحلق (2)،

الظاهر على النص. ثم ان الصحيحة هل هي ظاهرة في أن المراد من الشيء خصوص الكفارة، أو الأعم منها و من التقصير؟

و الجواب: انه لا يبعد أن يكون المراد منه الأعم من التقصير، و عليه فثبوت الكفارة في المقام لو لم يكن أقوى فلا شبهة في أنه أحوط‍‌.

(1)بل لا يبعد ذلك، و يظهر وجهه مما تقدم.

(2)بل على الأظهر، و ذلك لظهور جملة من الروايات في عدم الجواز:

منها: صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث السعي:

«قال: ثم قصر من رأسك من جوانبه، و لحيتك، و خذ من شاربك، و قلم اظفارك، و ابق منها لحجك، فاذا فعلت ذلك فقد أحللت من كل شيء يحل منه المحرم و أحرمت منه»1 بتقريب أن الأمر بالبقاء للحج يدل على عدم جواز الحلق الى أن يجيء وقته، و الاّ فلا مبرر له.

و منها: صحيحته الأخرى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: اذا فرغت من سعيك و أنت متمتع فقصر من شعرك من جوانبه و لحيتك، و خذ من شاربك، و قلم من اظفارك، و ابق منها لحجك، فاذا فعلت ذلك فقد أحللت من كل شيء يحل منه المحرم – الحديث»2.

و منها: صحيحة جميل بن دراج قال: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن متمتع حلق رأسه بمكة، قال: إن كان جاهلا فليس عليه شيء، و إن تعمد ذلك في أول


 

(1)) <page number=”415″ />الوسائل: الباب 1 من أبواب التقصير، الحديث: 1.
(2)) الوسائل: الباب 1 من أبواب التقصير، الحديث: 4.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 416)


و إذا حلق فالأحوط‍‌ التكفير عنه بشاة إذا كان عن علم و عمد (1).

شهور الحج بثلاثين يوما فليس عليه شيء، و إن تعمد ذلك بعد الثلاثين التي يوفر فيها الشعر للحج فان عليه دما يهريقه»1 ، فانها تدل باطلاقها على عدم جواز الحلق حتى بعد أعمال العمرة و قبل موعد الحج و إن أصبح محلا من احرام العمرة، حيث ان عدم جواز الحلق ليس من آثار احرامها، بل هو من آثار الحج، فان من أراده فعليه أن يوفر شعره بعد مضي ثلاثين يوما من أول شهور الحج الى بعد اعمال منى سواء أ كان محرما أم لا.

فالنتيجة: ان من يقوم باعمال العمرة و أتى بها و قصر خرج عن الإحرام، و أحل له كل شيء يحل منه المحرم الا الحلق، حيث لم يجز ذلك له الى اليوم العاشر من ذي الحجة.

و دعوى: ان هذه الروايات ساقطة عن الحجية باعراض الأصحاب عنها.

مدفوعة: بما ذكرناه غير مرة من أنه لا قيمة لاعراضهم عن الرواية، و لا يوجب سقوطها عن الحجية و خروجها عن دليل الاعتبار، فانه انما يوجب ذلك عند توفر أمرين فيه:

أحدهما: أن يكون ذلك من قدماء الأصحاب الذين يكون عصرهم متصلا بعصر اصحاب الأئمة عليه السّلام في نهاية المطاف.

و الآخر: أن لا يكون في المسألة ما يحتمل كونه مدركا لهم أو لمعظمهم، فاذا توفر هذان الأمران فيه كان ذلك كاشفا عن وجود خلل فيها من زمان الأئمة عليهم السّلام و وصوله إلينا يدا بيد. و قد ذكرنا في محله انه لا طريق لنا الى احراز توفر كلا الأمرين معا.

(1)بل هو الأقوى لدلالة صحيحة جميل بن دراج المتقدمة عليه، و عدم


 

(1)) <page number=”416″ />الوسائل: الباب 5 من أبواب الاحرام، الحديث: 1.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 417)


[مسألة 357: لا يجب طواف النساء في عمرة التمتع]

(مسألة 357): لا يجب طواف النساء في عمرة التمتع (1) و لا بأس بالاتيان به رجاء، و قد نقل شيخنا الشهيد قدّس سرّه وجوبه عن بعض العلماء.

وجود معارض لها، أو حاكم عليها، فاذن لا مبرر لرفع اليد عن ظهورها في وجوب الكفارة.

(1)هذا مما لا اشكال فيه، و تنص عليه صحيحة صفوان بن يحيى، قال:

«سأله ابو حرث عن رجل تمتع بالعمرة الى الحج فطاف و سعى و قصر، هل عليه طواف النساء؟ قال: لا، انما طواف النساء بعد الرجوع من منى»1.

و في مقابلها رواية سليمان بن حفص المروزي عن الفقيه عليه السّلام: «قال: اذا حج الرجل فدخل مكة متمتعا فطاف بالبيت، و صلى ركعتين خلف مقام ابراهيم عليه السّلام و سعى بين الصفا و المروة و قصر، فقد حل له كل شيء ما خلا النساء، لأن عليه لتحلّة النساء طوافا و صلاة»2 بدعوى أنها تدل على وجوب طواف النساء في عمرة التمتع.

و الجواب: إن الرواية ضعيفة سندا، لأن في سندها سليمان بن حفص المروزي، و هو ممن لم يثبت توثيقه، و مجرد انه وارد في اسناد كامل الزيارات لا يكفي و مع الاغماض عن ذلك و تسليم أنها تامة سندا، فاذن يقع التعارض بينها و بين صحيحة صفوان بن يحيى، فتسقطان معا من جهة المعارضة، فالمرجع يكون حينئذ أصالة البراءة عن وجوبه، هذا اضافة الى أن طواف النساء لو كان واجبا في عمرة التمتع لشاع بين أصحاب الأئمة عليهم السّلام لمكان الابتلاء به في كل سنة، مع أنه لا قائل به منهم عدا ما نسب الشهيد قدّس سرّه الوجوب الى فرد مجهول.

فالنتيجة: انه لا شبهة في عدم وجوب طواف النساء في عمرة التمتع.

نتيجة ما ذكرناه حول التقصير في عمرة التمتع أمور:

الأول: ان التقصير في عمرة التمتع متمثل في أحد أمور:


 

(1)) <page number=”417″ />الوسائل: الباب 82 من أبواب الطواف، الحديث: 6.
(2)) الوسائل: الباب 82 من أبواب الطواف، الحديث: 7.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 418)


……….

1-الأخذ من الشارب.

2 – تقليم الاظفار.

3 – التقصير من شعر الرأس أو اللحية، و لا يكفى النتف، و لا يجوز له الحلق حتى اذا كان ملبدا أو معقوصا، فلو فعل ذلك متعمدا فعليه كفارة دم.

الثاني: ان المتمتع بعمرة التمتع، اذا أتى أهله قبل التقصير فعليه كفارة بدنة حتى إذا كان جاهلا بالحكم على الأظهر، و أما اذا قلم ظفره، أو نتف ابطه، أو حلق رأسه، فان كان ناسيا، أو جاهلا، فلا شيء عليه، و إن كان متعمدا فعليه دم شاة.

الثالث: ان المتمتع اذا لبى بالحج قبل التقصير بطلت عمرته، و انقلب حجه من التمتع الى الافراد من دون فرق فيه بين أن يكون جاهلا بالحكم أو عالما به.

و قد تسأل: أنه اذا أتى بحج الافراد، فهل هو يجزى عن حج التمتع‌؟

و الجواب: انه يجزئ على الأظهر شريطة أن يأتي بعده بعمرة مفردة، و أما إذا نسى أن يقصر و أهل بالحج فالظاهر أن عمرته تامة، و لكن لا يبعد ثبوت كفارة دم عليه. و هل يلحق الجاهل المركب بالناسي‌؟ لا يبعد الالحاق.

الرابع: ان على المتمتع بالعمرة الى الحج أن يوفر شعره بعد مضي ثلاثين يوما من أول شهور الحج، و لا يجوز له أن يحلق الى اليوم العاشر من ذي الحجة.

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 419)


[واجبات الحج ثلاثة عشر]

[1 – احرام الحجّ‌]

احرام الحجّ‌ تقدم في الصفحة (المسألة 149) أن واجبات الحج ثلاثة عشر ذكرناها مجملة، و إليك تفصيلها:

الاول: الاحرام، و أفضل اوقاته يوم التروية، و يجوز التقديم عليه بثلاثة أيام (1)، و لا سيما بالنسبة الى الشيخ الكبير و المريض إذا خافا من الزحام، فيحرمان و يخرجان قبل خروج الناس، و تقدم جواز الخروج من مكة محرما بالحج لضرورة بعد الفراغ من العمرة في أيّ‌ وقت كان.

(1)لموثقة اسحاق بن عمار عن أبي الحسن عليه السّلام قال: «سألته عن الرجل يكون شيخا كبيرا او مريضا يخاف ضغاط‍‌ الناس و زحامهم، يحرم بالحج و يخرج إلى منى قبل يوم التروية، قال: نعم، قلت: يخرج الرجل الصحيح يلتمس مكانا أو يتروح بذلك المكان، قال: لا، قلت: يعجل بيوم، قال: نعم، قلت:

بيومين، قال: نعم، قلت: ثلاثة، قال: نعم، قلت: اكثر من ذلك، قال: لا»1 فانها تنص على جواز تقديم احرام الحج ثلاثة أيام مطلقا للصحيح و المريض و الشيخ الكبير و غيره، و لا يجوز اكثر من ذلك، هذا من ناحية.

و من ناحية أخرى قد ذكرنا مفصلا في المسألة (3) من (فصل صورة حج التمتع) أنه ليس للعمرة وقت محدد زمني من ناحية المنتهى، و المعيار فيه انما هو بخوف فوت الركن من الوقوف بعرفات، فاذا خاف فوته من القيام بالاتيان بالعمرة لم يجز، و حينئذ فتنتقل وظيفته من التمتع الى الافراد، و قد ذكرنا هناك ان ذلك هو مقتضى الجمع بين روايات المسألة بمختلف السنتها، فلاحظ‍‌.


 

(1)) <page number=”419″ />الوسائل: الباب 3 من أبواب احرام الحج و الوقوف بعرفة، الحديث: 1.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 420)


[مسألة 358: كما لا يجوز للمعتمر إحرام الحج قبل التقصير لا يجوز للحاج أن يحرم للعمرة المفردة قبل إتمام اعمال الحج]

(مسألة 358): كما لا يجوز للمعتمر إحرام الحج قبل التقصير لا يجوز للحاج أن يحرم للعمرة المفردة قبل إتمام اعمال الحج (1)، نعم، لا مانع منه بعد إتمام النسك قبل طواف النساء.

(1)هذا هو المعروف و المشهور بين الأصحاب، و قد استدل على ذلك بوجوه:

الأول: الاجماع. و فيه ما تقدم منا غير مرة من أنه لا يمكن الاعتماد عليه.

الثاني: ان الروايات الواردة في باب الإحرام ظاهرة في احرام المحل، و منصرفة اليه، سواء أ كان للحج أم للعمرة، متعة كانت أم منفردة، باعتبار أن الأمر بالاحرام ظاهر عرفا في احداثه، و أما اذا كان الشخص محرما فلا يصدق عليه انه أحرم، يعنى أحدث الإحرام.

و الجواب: ان الروايات و إن كانت ظاهرة في احداث الإحرام، الاّ أن المحرم للحج إذا احرم للعمرة المفردة صدق أنه أحدث الإحرام لها، على أساس أن الإحرام أول جزء من كل من الحج و العمرة مستقلا، و على هذا فاذا احرم للحج، ثم احرم للعمرة صدق أنه أحدث احرام العمرة كإحرام الحج.

و بكلمة: ان الاحرام لو لم يكن جزء من الحج و العمرة، بأن يكون مقدمة لهما، فعندئذ لا معنى للإحرام ثانيا من أجل العمرة، لفرض أن ما هو مقدمة لهما قد تحقق، و تحصيله مرة ثانية لا معنى له، لأنه تحصيل للحاصل.

و إن شئت قلت: إن جزء الحج حصة خاصة من الإحرام، و هي الإحرام بقصد حج التمتع، و من المعلوم أنه مباين للإحرام بقصد العمرة المفردة أو عمرة التمتع، على أساس أن قصد اسم العبادة المميز لها شرعا من مقدماتها، فاذا أحرم قاصدا به احرام حج التمتع، ثم أحرم قاصدا به احرام العمرة المفردة – مثلا – كان الثاني مباينا للأول، فاذن كيف لا يصدق عليه احداث الإحرام من جديد.

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 421)


……….

و عليه فلا مانع لمن كان محرما باحرام الحج أن يحرم للعمرة المفردة أيضا، لأنهما حصتان متباينتان، و لا مانع من ايجاد احداهما بعد الأخرى، هذا نظير ما لو قلنا بجواز ادخال صلاة في صلاة أخرى، فان تكبيرة الاحرام في الصلاة الأولى لا تمنع عن تكبيرة الاحرام في الصلاة الثانية.

و دعوى: ان اثر الاحرام حرمة اشياء معينة محدودة، و المفروض أنها قد حرمت بالاحرام الأول، فاذن لا أثر للإحرام الثاني.

مدفوعة: بأن حقيقة الاحرام عبارة عن التلبية، فاذا لبّى لعمرة مفردة تحقق احرامها، و إن لم تترتب عليه آثاره لسبب أو آخر، هذا اضافة الى أنه لا مانع من حرمتها عليه من جهتين.

الثالث: ان ذلك لو كان مشروعا و سائغا لوقع في الخارج مرة أو اكثر، مع أنه لا عين له و لا أثر.

و الجواب: ان عدم وقوعه في الخارج لا يكون دليلا على عدم مشروعيته، لأن عدم وقوعه فيه إنما هو باعتبار أنه على خلاف المتعارف و المرتكز في الأذهان، مع أنه لا مبرر له، لأن المكلف بدل ما يأتي بالعمرة أثناء الحج يأتي بها بعد الفراغ منه.

الرابع: ان الروايات الناهية عن الخروج من مكة بعد عمرة التمتع تدل على عدم مشروعية العمرة المفردة له، باعتبار أنها تتوقف على الخروج من مكة و لو الى أدنى الحل، و هو غير جائز.

و الجواب، أولا: ما ذكرناه في المسألة (2) من (فصل في صورة حج التمتع على الاجمال) من أن المستفاد من الروايات الناهية عن الخروج عن مكة بعد اعمال عمرة التمتع هو عدم جواز الخروج منها اذا خاف فوت الحج لا مطلقا، على تفصيل تقدم هناك.

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 422)


[مسألة 359: يتضيق وقت الاحرام فيما إذا استلزم تأخيره فوات الوقوف بعرفات يوم عرفة]

(مسألة 359): يتضيق وقت الاحرام فيما إذا استلزم تأخيره فوات الوقوف بعرفات يوم عرفة (1).

[مسألة 360: يتحد احرام الحج و احرام العمرة في كيفيته و واجباته و محرماته]

(مسألة 360): يتحد احرام الحج و احرام العمرة في كيفيته و واجباته و محرماته، و الاختلاف بينهما إنما هو في النية فقط‍‌ (2).

و ثانيا: ان مورد الروايات عدم جواز الخروج بعد اعمال العمرة، و محل الكلام هنا الخروج من أجل الاتيان بالعمرة المفردة اثناء أعمال الحج، و هو غير مشمول لها، و من هنا لا دليل على انقلابها متعة، بل انها إما أن تكون باطلة أو صحيحة مفردة. نعم لا يجوز الفصل بين عمرة التمتع و بين الحج بعمرة مفردة، لما مر من أن عمرة التمتع لا بد أن تكون موصولة بالحج، و لا يجوز الفصل بينهما بعمرة مفردة. و ينص عليه قوله عليه السّلام في صحيحة حماد بن عيسى: «و إن دخل في غير الشهر دخل محرما، قلت: فأي الاحرامين و المتعتين، متعته الأولى أو الأخيرة‌؟ قال: الأخيرة هي عمرته، و هي المحتبس بها التي وصلت بحجته – الحديث»1 بتقريب أن قوله عليه السّلام: «و هي المحتبس بها التي وصلت بحجته» بمثابة التعليل و الاشارة الى أن عمرة التمتع لا بد أن تكون متصلة بالحج، و الحاصل ان العمرة المفردة لا تكون مشروعة بعد عمرة التمتع و قبل الحج، و لكن لا دليل على أنها غير مشروعة اثناء واجبات الحج.

فالنتيجة: انه لا يتم شيء من هذه الوجوه، و عليه فصحة العمرة المفردة خلال اعمال الحج غير بعيدة.

(1)فيه ان المعيار في ضيق الوقت إنما هو بخوف فوت الركن من الوقوف، كما تقدم ذلك موسعا ضمن المسألة (3) من (فصل صورة حج التمتع على الاجمال).

(2)فان الاحرام بما أنه جزء من العمرة و الحج، فلا بد حين الاتيان به أن


 

(1)) <page number=”422″ />الوسائل: الباب 22 من أبواب اقسام الحج، الحديث: 6.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 423)


[مسألة 361: للمكلف أن يحرم للحج من مكة من أي موضع شاء]

(مسألة 361): للمكلف أن يحرم للحج من مكة من أي موضع شاء و لكن الاحوط‍‌ (1) وجوبا أن يحرم من مكة القديمة،

ينوي أنه من واجبات الحج أو العمرة، فاذا كان للعمرة فينوي الإحرام لعمرة التمتع من حجة الإسلام قربة الى اللّه تعالى، و إذا كان للحج فينوي الإحرام لحجة الإسلام كذلك، و أما صورته نفس صورة الإحرام لعمرة التمتع.

(1)في الاحتياط‍‌ اشكال بل منع، و إن كان الأولى و الأجدر، و ذلك لأن صحيحة حريث الصيرفي، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: من أين اهل بالحج، فقال: إن شئت من رحلك و إن شئت من الكعبة، و إن شئت من الطريق»1 تنص على أنه ليس لإحرام الحج موضع معين، بل الحاج مخير بين أن يحرم من منزله، أو من المسجد، أو من الطريق.

و دعوى: أن رحله في ذلك الزمان لما كان في مكة القديمة، فلا محالة يكون المتيقن هو الإحرام منها.

مدفوعة أولا: بأن المراد من مكة القديمة و هو مكة في زمن الرسول الاكرم صلّى اللّه عليه و آله، و أما في زمن الأئمة الأطهار عليهم السّلام فقد توسعت و أحدث فيها ما لم يكن في زمن الرسول صلّى اللّه عليه و آله، و على هذا فمقتضى اطلاق قوله عليه السّلام: «من رحلك» يعم ما اذا كان رحله في احياء جديدة بعد زمن الرسول صلّى اللّه عليه و آله هذا اضافه الى أنها تنص على جواز الإحرام من الطريق، و هو يعم الطريق في خارج مكة، و على ذلك فلا خصوصية لمكة القديمة.

و دعوى: ان صحيحة معاوية بن عمار، قال: «قال ابو عبد اللّه عليه السّلام: اذا دخلت مكة و انت متمتع، فنظرت الى بيوت مكة، فاقطع التلبية، و حد بيوت مكة التي كانت قبل اليوم عقبة المدنيين، فان الناس قد أحدثوا بمكة ما لم يكن، فاقطع التلبية، و عليك بالتكبير و التهليل و التحميد و الثناء على اللّه بما


 

(1)) <page number=”423″ />الوسائل: الباب 21 من أبواب المواقيت، الحديث: 2.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 424)


و يستحب له الاحرام من المسجد الحرام (1) في مقام ابراهيم أو حجر اسماعيل (2).

[مسألة 362: من ترك الاحرام نسيانا، أو جهلا منه بالحكم الى أن خرج من مكة، ثم تذكر أو علم بالحكم وجب عليه الرجوع الى مكة]

(مسألة 362): من ترك الاحرام نسيانا، أو جهلا منه بالحكم الى أن خرج من مكة، ثم تذكر أو علم بالحكم وجب عليه الرجوع الى مكة، و لو من عرفات و الاحرام منها (3)،

استطعت»1 تدل على أن الأحكام مترتبة على مكة القديمة.

مدفوعة: بأن الصحيحة في مقام بيان وجوب قطع التلبية في احرام عمرة التمتع، و تدل على أن وظيفة المحرم في احرامه أن يقطع التلبية عند مشاهدة بيوت مكة القديمة، في مقابل المحرم باحرام العمرة المفردة، فانه إن كان جائيا من الخارج يقطعها عند دخول الحرم، و إن خرج من مكة الى أدنى الحل يحرم منه ثم يرجع الى مكة فعليه أن يقطع التلبية عند مشاهدة الكعبة، و أما المحرم باحرام الحج فهو يقطعها عند زوال الشمس من يوم عرفة.

فالنتيجة: ان الصحيحة اجنبية عن الدلالة على أن احرام الحج لا بد أن يكون من مكة القديمة، اذ لا يكون فيها ما يشعر على ذلك، فما ظنك بالدلالة، لأنها مسوقة لتحديد حدود مكة القديمة بلحاظ‍‌ أن وجوب قطع التلبية في احرام عمرة التمتع مرتبط‍‌ بذلك فحسب لإتمام أحكام مكة، اذ لا شاهد فيها على ذلك. لحد الآن قد تبين ان الأظهر جواز الاحرام من أيّ‌ موضع من مواضع مكة شاء، بدون فرق بين المحلات القديمة و الحديثة و احيائها الجديدة.

(1)هذا على المشهور، و قد تقدم في الأمر الرابع من (فصل صورة حج التمتع على الاجمال) انه لا دليل على أن الاحرام منه أفضل من الاحرام من سائر المواضع.

(2)تقدم في نفس الفصل ان افضلية الاحرام فيه أيضا غير ثابتة.

(3)هذا هو مقتضى القاعدة، لأن المكلف اذا كان متمكنا من الاحرام عن


 

(1)) <page number=”424″ />الوسائل باب: 43 من أبواب الاحرام، الحديث: 1.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 425)


فان لم يتمكن من الرجوع لضيق الوقت أو لعذر آخر يحرم من الموضع الذي هو فيه و كذلك لو تذكر أو علم بالحكم بعد الوقوف بعرفات و ان تمكن من العود الى مكة و الاحرام منها (1)

الميقات، و هو في مكة المكرمة، وجب عليه ذلك و إن كان بالرجوع من عرفات، و لا يحتاج هذا الى دليل خاص، فان اطلاقات أدلة وجوب الاحرام من الميقات كافية لمن يتمكن منه.

(1)هذا هو الصحيح و ان تذكر و هو بعرفات، و ذلك لصحيحة علي بن جعفر عن أخيه عليه السّلام، قال: «سألته عن رجل نسي الاحرام في الحج، فذكر و هو بعرفات، ما حاله‌؟ قال: يقول: اللهم على كتابك و سنة نبيك صلّى اللّه عليه و آله فقد تم احرامه – الحديث»1 ، فانها تدل باطلاقها على عدم وجوب العود الى مكة، و الاحرام منها، ثم الرجوع الى عرفات و ادراك الموقف فيها و إن كان متمكنا من ذلك، و الاّ لكان على الإمام عليه السّلام تقييد حكمه بتمامية الاحرام بما اذا لم يتمكن من العود.

و دعوى: أن الرواية ناظرة الى زمان صدورها، و في ذلك الزمان اذا كان الحاج في عرفات و تذكر أنه نسى الإحرام لم يتمكن من العود الى مكة و الاحرام منها ثم الرجوع الى عرفات و ادراك الموقف فيها.

مدفوعة: (أما أولا) فلأن الامام عليه السّلام في مقام بيان الحكم الكلي العام بدون خصوصية لزمن صدوره، فلو كان هذا الحكم مختصا بغير المتمكن لكان على الامام عليه السّلام أن ينصب قرينة على ذلك، و مجرد أنه غير متمكن من الرجوع الى مكة و الإحرام منها و ادراك الموقف في زمن صدورها لا يصلح أن يكون قرينة على اختصاص الحكم بغير المتمكن مطلقا حتى في زماننا هذا، فان اطلاق الحكم فيها و عدم تقييده بغير المتمكن، مع أنه في مقام البيان يدل على اطلاقه، و أنه اذا تذكر و هو بعرفات لم يجب عليه الرجوع و إن تمكن منه.

و ثانيا: انه قد يتمكن في ذلك الزمن أيضا من العود الى مكة و الاحرام و لو


 

(1)) <page number=”425″ />الوسائل: الباب 14 من أبواب المواقيت، الحديث: 8.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 426)


و لو لم يتذكر و لم يعلم بالحكم الى أن فرغ من الحج صح حجه (1).

منها، ثم الرجوع الى عرفات لإدراك الموقف، كما اذا كانت عنده دابة سريعة السير، أو ناقة أو فرس كذلك، و لا سيّما بناء على ما قويناه من جواز الاحرام من مكة مطلقا، فانه حينئذ اذا عاد من عرفات أحرم من أول نقطة منها الى عرفات و هي أقرب اليها من المسجد بثلث المسافة أو أكثر. و من هنا يظهر حكم ما اذا تذكر بعد الموقف، كما اذا تذكر في المشعر أنه نسى الاحرام لم يجب عليه الرجوع و إن تمكن منه و ادراك الموقف في المشعر، و ذلك لعدم احتمال أن يكون للتذكر في عرفات خصوصية.

(1)تدل على ذلك صحيحة علي بن جعفر عليه السّلام عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام، قال: «سألته عن رجل نسي الاحرام بالحج فذكر و هو بعرفات ما حاله‌؟ قال: يقول: اللهم على كتابك و سنة نبيك صلّى اللّه عليه و آله، فقد تم احرامه، فان جهل أن يحرم يوم التروية بالحج حتى رجع الى بلده ان كان قضى مناسكه كلها فقد تم حجه»1.

بقي هنا أمران: أحدهما: ان مورد السؤال الأول في الصحيحة نسيان الإحرام و تذكره و هو بعرفات.

و الآخر: أن مورد السؤال الثاني فيها الجهل بالإحرام و العلم به بعد الفراغ من المناسك كلها، و الرجوع الى بلده.

و قد تسأل: هل يمكن التعدي عن مورد السؤال الأول الى الجهل بالاحرام‌؟

و الجواب: انه لا مانع منه أما أولا: فلأن الجهل المركب كالنسيان، فلا فرق بينهما الاّ في المنشأ و السبب.

و ثانيا: ان قوله عليه السّلام: «اللهم على كتابك و سنة نبيك صلّى اللّه عليه و آله» ظاهر عرفا في


 

(1)) <page number=”426″ />الوسائل: الباب 14 من أبواب المواقيت، الحديث: 8.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 427)


[مسألة 363: من ترك الاحرام عالما عامدا لزمه التدارك]

(مسألة 363): من ترك الاحرام عالما عامدا لزمه التدارك فان لم يتمكن منه قبل الوقوف بعرفات فسد حجه و لزمته الاعادة من قابل (1).

كفايته عن الاحرام للمعذور، بلا خصوصية للنسيان، و على هذا فلا فرق بين الناسي و الجاهل، سواء أ كان جهله مركبا أم كان بسيطا، شريطة أن يكون معذورا فيه، و أما اذ لم يكن معذورا فيه، فهو تارك للإحرام متعمدا و بدون عذر، و عندئذ فلا يمكن الحكم بصحة حجّه.

و قد تسأل: هل يمكن التعدي عن مورد السؤال الثاني الى نسيان الاحرام و تذكره بعد أداء المناسك و الرجوع الى بلده‌؟

و الجواب: نعم، أما أولا، فلأن الظاهر من الجهل في الصحيحة الجهل المركب، و هو كالنسيان فلا فرق بينهما الاّ في المنشأ.

و ثانيا: على تقدير تسليم أن يكون المراد منه الأعم من الجهل البسيط‍‌، الاّ أنه لا شبهة في أن المراد منه الجهل العذري، دون الأعم منه و من غير العذري، و على هذا فالمتفاهم العرفي منها أن تارك الإحرام اذا كان معذورا سواء أ كان من جهة الجهل بالحكم أم النسيان، و التفت اليه بعد قضاء المناسك كلها فلا شيء عليه.

(1)الأمر كما افاده قدّس سرّه حيث ان الفساد حينئذ يكون على القاعدة، على أساس أن المأمور به لا ينطبق على الفرد المأتي به في الخارج الفاقد للجزء أو الشرط‍‌، فان الحاج اذا ترك الاحرام عامدا و ملتفتا الى الحكم الشرعي، و وقف في عرفات بطل وقوفه، لأن صحته مشروطة بكونه مسبوقا بالاحرام، و ملحوقا بسائر الاجزاء و المناسك. نعم هنا مسألة أخرى و هي أن من يكون معذورا من الوقوف بعرفات لسبب من الأسباب، فهل يجوز له أن يؤخر الاحرام عامدا و ملتفتا الى ليلة العيد و يحرم من هذه الليلة للوقوف بالمشعر، أو لا؟

و الجواب: يجوز له ذلك باعتبار أن الإحرام ليس موقتا بوقت معين، و أما

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 428)


[مسألة 364: الأحوط‍‌ أن لا يطوف المتمتع بعد احرام الحج قبل الخروج الى عرفات طوافا مندوبا]

(مسألة 364): الأحوط‍‌ أن لا يطوف المتمتع بعد احرام الحج قبل الخروج الى عرفات طوافا مندوبا (1) فلو طاف جدّد التلبية بعد الطواف على الأحوط‍‌.

الاتيان به قبل الوقوف في عرفات فهو من جهة أن صحته مشروطة بكونه مسبوقا به، و أما من لم يتمكن من ذلك فلا دليل على وجوب الاتيان به قبل زوال يوم عرفة و لا موجب له، و انما يجب عليه الاتيان به في وقت يتمكن من ادراك الوقوف الاختياري في المشعر، حيث إن صحته كصحة الوقوف في عرفات مشروطة بأن يكون مسبوقا بالاحرام، و الاّ لم يصح. فالنتيجة ان الاحرام انما يجب فورا اذا خاف أن تأخيره يؤدي الى فوت الموقف عنه و الاّ فلا.

(1)في الاحتياط‍‌ اشكال، و لا بأس بتركه و إن كان أولى و أجدر، و ذلك لأن في المسألة طائفتين من الروايات:

الطائفة الأولى: الروايات التي تنص على أنه لا يجوز للمتمتع أن يطوف طوافا مندوبا بعد إحرام الحج.

منها: صحيحة الحلبي، قال: «سألته عن رجل أتى المسجد الحرام و قد أزمع بالحج، أ يطوف بالبيت‌؟ قال: نعم، ما لم يحرم»1 فانها ظاهرة في عدم الجواز اذا أحرم.

و منها: صحيحة حماد بن عيسى عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: من دخل مكة متمتعا في أشهر الحج الى أن قال: فلا يزال على احرامه، فان رجع الى مكة رجع محرما و لم يقرب البيت حتى يخرج مع الناس الى منى على احرامه – الحديث»2 فان قوله عليه السّلام: «و لم يقرب البيت» كناية عن المنع من الطواف حوله.


 

(1)) <page number=”428″ />الوسائل: الباب 83 من أبواب الطواف الحديث: 4.
(2)) الوسائل: الباب 22 من أبواب اقسام الحج، الحديث: 6.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 429)


……….

فالنتيجة: أن مفاد هاتين الروايتين ارشاد الى مانعية الطواف المندوب عن صحة الحج.

الطائفة الثانية: الروايات التي تنص على الجواز.

منها: موثقة اسحاق بن عمار، قال: «سألت ابا الحسن عليه السّلام عن المتمتع اذا كان شيخا كبيرا أو امرأة تخاف الحيض يعجل طواف الحج قبل أن يأتى منى، فقال: نعم، من كان هكذا يعجّل، قال: و سألته عن الرجل يحرم بالحج من مكة، ثم يرى البيت خاليا فيطوف به قبل أن يخرج، عليه شيء؟ فقال: لا – الحديث»1 ، فانها ظاهرة في الجواز و عدم المانعية.

و منها: رواية عبد الحميد بن سعيد عن أبي الحسن الأول عليه السّلام قال: «سألته عن رجل أحرم يوم التروية من عند المقام بالحج، ثم طاف بالبيت بعد احرامه، و هو لا يرى أن ذلك لا ينبغي، أ ينقض طوافه بالبيت احرامه‌؟ فقال: لا، و لكن يمضى على احرامه»2 فانها و إن دلت على صحة احرامه الاّ أنها ضعيفة سندا، فان في سندها عبد الحميد بن سعيد، و هو ممن لم يثبت توثيقه، فاذن العمدة في هذه الطائفة الرواية الأولى، و حيث إنها ظاهرة في الإرشاد الى عدم مانعية الطواف عن الإحرام، و الطائفة الأولى ظاهرة في الإرشاد الى المانعية، فيقع التعارض بينهما، و بما أنه لا ترجيح في البين، فتسقطان معا، فيكون المرجع أصالة البراءة عن المانعية.

فالنتيجة: ان الأظهر جواز الطواف المندوب بعد احرام الحج، و ان كان الأولى و الأجدر به تركه.


 

(1)) <page number=”429″ />الوسائل: الباب 13 من أبواب اقسام الحج، الحديث: 7.
(2)) الوسائل: الباب 83 من أبواب الطواف، الحديث: 6.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 430)


……….

نتيجة البحث حول احرام الحج أمور:

الأول: ان المعروف و المشهور بين الأصحاب بطلان العمرة المفردة أثناء مناسك الحج، و لكنه لا يخلو عن اشكال، و لا يبعد الصحة لعدم دليل صالح في المسألة قابل للاعتماد عليه.

الثاني: ان موضع احرام الحج مكة، بدون فرق بين المحلات القديمة و الأحياء الجديدة ما دامت داخلة في حدود مكة، و لا خصوصية لمكة القديمة، و ما في صحيحة معاوية من تحديد مكة القديمة بمكة في زمن الرسول صلّى اللّه عليه و آله، انما هو بالنسبة الى موضع وجوب قطع التلبية، فانه في عمرة التمتع عند مشاهدة بيوت مكة القديمة، و في العمرة المفردة للنائي عند دخول الحرم، و لمن كان في مكة عند مشاهدة الكعبة، كما أن في الحج عند زوال الشمس من يوم عرفة، و لا نظر لها الى أن هذا التحديد بلحاظ‍‌ أحكام مكة القديمة.

و قد تسأل: عن ان الاحرام من المسجد هل هو أفضل من الاحرام عن سائر مواضع مكة‌؟

و الجواب: ان ذلك و إن كان مشهورا، و لكن لا دليل عليه. نعم الاتيان بركعتي الصلاة للإحرام في المسجد أفضل من الاتيان بهما في سائر المواضع.

الثالث: ان من نسي احرام الحج و ذهب الى عرفات و تذكر و هو فيها لم يجب عليه العود الى مكة و الإحرام منها، ثم الرجوع إليها ثانيا، و إن كان متمكنا من ذلك، و وظيفته حينئذ أن يقول: اللهم على كتابك و سنة نبيك، بدل الإحرام.

و قد تسأل: أن هذا الحكم هل يختص بالناسي، أو يشمل الجاهل المركب أيضا؟

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 431)


……….

و الجواب: يشمل الجاهل المركب أيضا، بل لا يبعد شموله للجاهل البسيط‍‌ اذا كان معذورا، و أما اذا جهل الإحرام و مضى الى عرفات و مارس اعمال الحج و واجباته الى أن فرغ منها و رجع الى بلده، ثم علم بالحكم، فلا شيء عليه، و قد تم حجه، و يلحق به الناسي، بل الجاهل البسيط‍‌ أيضا اذا كان معذورا.

الرابع: ان من لم يتمكن من ادراك الموقف بعرفات لسبب من الأسباب، فهل يجوز له أن يؤخر الإحرام الى ليلة يوم العيد؟

و الجواب: يجوز له ذلك، لأن وجوبه قبل الموقف بعرفات انما هو من أجل ادراك الموقف فيها، لا من جهة أنه موقت بوقت خاص، و مع انتفائه فلا مبرر لوجوبه فورا.

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 432)


[2 – الوقوف بعرفات]

الوقوف بعرفات الثاني من واجبات حج التمتع الوقوف بعرفات بقصد القربة و المراد بالوقوف هو الحضور بعرفات من دون فرق بين أن يكون راكبا أو راجلا ساكنا أو متحركا (1).

(1)لا شبهة في أصل وجوب الوقوف بعرفات، حيث إنه من أهم أركان الحج و واجباته، و الروايات الدالة على وجوبه من الروايات البيانية و غيرها تبلغ من الكثرة حد التواتر اجمالا، فمن أجل ذلك لا حاجة للبحث عن أصل وجوبه.

نعم يقع البحث هنا في جهتين:

الأولى: ان الوقوف باسمه الخاص عبادة متقومة بالنية بتمام عناصرها الثلاثة:

(1)قصد القربة.

(2)قصد الاخلاص.

(3)قصد اسمه الخاص المميز له شرعا.

و أما اعتبار قصد القربة فيه فمضافا الى الارتكاز القطعي الكاشف عن ثبوته في زمن المعصومين عليهم السّلام الواصل إلينا طبقة بعد طبقة، يدل عليه قوله تعالى: وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ‌ وَ الْعُمْرَةَ‌ لِلّٰهِ‌…1 بتقريب أن الأمر بالاتمام للّه ارشاد الى أنهما عبادة، فلا بد من الاتيان بهما بما لهما من الواجبات للّه تعالى، و بقصد التقرب اليه، و الاخلاص.

الثانية: ان المراد من الوقوف بعرفات التواجد فيها بدون فرق بين أن يكون قائما أو جالسا أو نائما أو راكبا، حيث لا يعتبر فيه خصوصية خاصة.


 

(1)) <page number=”432″ />سورة البقرة، الآية: 196.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 433)


[مسألة 365: حدّ عرفات من بطن عرنة و ثوية و نمرة الى ذي المجاز]

(مسألة 365): حدّ عرفات من بطن عرنة و ثوية و نمرة الى ذي المجاز، و من المأزمين الى اقصى الموقف (1)، و هذه حدود عرفات و خارجة عن الموقف.

[مسألة 366: الظاهر أن الجبل موقف و لكن يكره الوقوف عليه]

(مسألة 366): الظاهر أن الجبل موقف (2) و لكن يكره الوقوف عليه و يستحب الوقوف في السفح من مسيرة الجبل.

(1)تدل على ذلك مجموعة من الروايات:

منها: صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث: «قال:

و حد عرفة من بطن عرنة و ثوية و نمرة الى ذي المجاز و خلف الجبل موقف»1.

و منها: صحيحة أبي بصير، قال: «قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: حد عرفات من المأزمين الى أقصى الموقف»2 ، و مثلها صحيحة معاوية و أبي بصير معا3 ، و أما تطبيق تلك الحدود على الخارج و تعيينها فيه يكون بيد أهل الخبرة من البلد.

فالنتيجة: ان حدود عرفات من عرنة و ثوية و نمرة الى ذي المجاز، و من المأزمين الى أقصى الموقف، و هذه الحدود خارجة عن عرفة، و تدل على خروجها موثقة سماعة بن مهران عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث: «قال: و اتق الاراك و نمرة و هي بطن عرنة و ثوية و ذا المجاز، فانه ليس من عرفة، فلا تقف فيه»4.

و بكلمة: ان عرفات مساحة كبيرة من الأرض، و هي خارجة عن الحرم، و تتصل حدودها به، و يكون المأزمين منطقة فصل بينها و بين المشعر الحرام و حدودها خارجة عنها، فلا يجوز الوقوف فيها.

(2)بل لا اشكال فيه، لأن الموقف يمتد الى ما وراء الجبل و إن كان


 

(1)) <page number=”433″ />الوسائل: الباب 10 من أبواب احرام الحج و الوقوف بعرفة، الحديث: 1.
(2)) الوسائل: الباب 10 من أبواب احرام الحج و الوقوف بعرفة، الحديث: 2.
(3)) الوسائل: الباب 10 من أبواب احرام الحج و الوقوف بعرفة، الحديث: 8.
(4)) الوسائل: الباب 10 من أبواب احرام الحج و الوقوف بعرفة، الحديث: 6.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 434)


[مسألة 367: يعتبر في الوقوف أن يكون عن اختيار]

(مسألة 367): يعتبر في الوقوف أن يكون عن اختيار (1) فلو نام أو غشي عليه هناك في جميع الوقت لم يتحقق منه الوقوف.

[مسألة 368: الأحوط‍‌ للمختار أن يقف في عرفات من أول ظهر التاسع من ذي الحجة الى الغروب]

(مسألة 368): الأحوط‍‌ للمختار أن يقف في عرفات من أول ظهر التاسع من ذي الحجة الى الغروب، و الأظهر جواز تأخيره الى بعد الظهر بساعة تقريبا (2)، و الوقوف في تمام هذا الوقت و إن كان واجبا يأثم المكلف بتركه إلا أنه ليس من الأركان، بمعنى أن من ترك الوقوف في مقدار من هذا الوقت لا يفسد حجه. نعم، لو ترك الوقوف رأسا باختياره فسد حجه، فما هو الركن من الوقوف هو الوقوف في الجملة.

الوقوف في سفح الجبل و على الأرض أفضل من الوقوف عليه، و تدل على ذلك موثقة اسحاق بن عمار، قال: «سألت ابا ابراهيم عليه السّلام عن الوقوف بعرفات فوق الجبل أحب إليك أم على الأرض، فقال: على الأرض»1 ، و حيث أنها ناصة في جواز الوقوف فوق الجبل اختيارا، غاية الأمر ان الوقوف على الأرض أفضل منه، فتصلح أن تكون قرينة على رفع اليد عن ظهور موثقة سماعة بن مهران في ان فوق الجبل موقف اضطراري فلا يجوز الوقوف فيه اختيارا.

(1)هذا واضح على أساس أنه عبادة، و العبادة متقومة بالقصد، كقصد القربة و الاخلاص و اسمها الخاص، فاذن لا محالة يكون الواجب حصة خاصة من الوقوف، و هي الحصة الاختيارية.

(2)تدل على ذلك مجموعة من الروايات:

منها: صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أقام بالمدينة عشر سنين لم يحج، ثم انزل اللّه عليه: وَ أَذِّنْ‌ فِي النّٰاسِ‌ بِالْحَجِّ‌ يَأْتُوكَ‌ رِجٰالاً وَ عَلىٰ‌ كُلِّ‌ ضٰامِرٍ… الى أن قال: حتى انتهوا الى نمرة و هي بطن


 

(1)) <page number=”434″ />الوسائل: الباب 10 من أبواب احرام الحج و الوقوف بعرفة، الحديث: 5.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 435)


……….

عرنة بحيال الأراك فضربت قبته و ضرب الناس اخبيتهم عندها، فلما زالت الشمس خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و معه قريش و قد اغتسل و قطع التلبية حتى وقف بالمسجد فوعظ‍‌ الناس و أمرهم و نهاهم، ثم صلّى الظهر و العصر باذان واحد و اقامتين، ثم مضى الى الموقف فوقف به – الحديث»1 بتقريب أن الفراغ من صلاتي الظهرين و مقدماتهما و الوعظ‍‌ و الارشاد لا يقل عن ساعة.

و منها: صحيحته الأخرى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث: «قال: فاذا انتهيت الى عرفات فاضرب خباءك بنمرة، و نمرة هي بطن عرنة دون الموقف و دون عرفة، فاذا زالت الشمس فاغتسل و صل الظهر و العصر بأذان واحد و اقامتين، فانما تعجل العصر و تجمع بينهما لتفرغ نفسك للدعاء، فانه يوم دعاء و مسألة»2.

فالنتيجة: أن تأخير الوقوف بعرفات عن الزوال بمقدار ساعة جائز بالاشتغال بصلاتي الظهرين و استماع الوعظ‍‌ و الارشاد و نحو ذلك.

و أما التأخير عامدا و ملتفتا و بدون الاشتغال بالعبادات فهل هو جائز أو لا؟

و الجواب: انه لا يبعد جوازه، اذ لا دليل على وجوب الوقوف بعرفات من أول زوال يوم عرفة و هو اليوم التاسع من ذي الحجة، حيث إن الدليل في المسألة متمثل في الروايات المذكورة، و هي ساكتة عن حكم هذه الصورة.

و بكلمة: ان الواجب على الحاج من أول زوال يوم عرفة، هو قطع التلبية للروايات التي تنص عليه، و أما الوقوف و التواجد فيه فلا دليل عليه، و لو شك فيه فالمرجع أصالة البراءة.


 

(1)) <page number=”435″ />الوسائل: الباب 2 من أبواب اقسام الحج، الحديث: 4.
(2)) الوسائل: الباب 9 من ابواب احرام الحج و الوقوف بعرفة، الحديث: 1.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 436)


……….

و أما صحيحة جميل بن دراج عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: المتمتع له المتعة الى زوال الشمس من يوم عرفة، و له الحج الى زوال الشمس من يوم النحر»1

فهي في مقام بيان أن حد عمرة التمتع الى زوال الشمس من يوم عرفة، و أما من الزوال فهو للحج، و لا نظر لها الى أن الوقوف واجب فيها من أول الزوال، بل تدل على العكس، لان من فرغ من العمرة عند الزوال ثم احرم للحج و مضى الى عرفات فلا محالة يصل فيها بعد زوال الشمس بفترة كساعة أو أقل أو أكثر، كما في العصور المتقدمة.

فالنتيجة: ان الأظهر عدم وجوب الوقوف عند الزوال من يوم عرفة، بل يجوز التأخير اختيارا الى ساعة بعده بدون الاشتغال بعبادة، هذا من ناحية المبدأ.

و أما من ناحية المنتهى فهو محدد بغروب الشمس و استتارها واقعا، و تدل عليه جملة من الروايات.

منها: صحيحة معاوية بن عمار، قال: «قال أبو عبد اللّه عليه السّلام: ان المشركين كانوا يفيضون قبل أن تغيب الشمس فخالفهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و أفاض بعد غروب الشمس»2.

و منها: موثقة يونس بن يعقوب قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام متى الافاضة من عرفات‌؟ قال: اذا ذهبت الحمرة يعني من الجانب الشرقي»3 فانها و إن دلت على أن الملاك في جواز الافاضة انما هو بذهاب الحمرة من الجانب الشرقي، و لكن الظاهر أن جعل ذلك حدا من جهة أنه أمارة قطعية على استتار القرص، هذا من ناحية.


 

(1)) <page number=”436″ />الوسائل: الباب 20 من ابواب اقسام الحج، الحديث: 15.
(2)) الوسائل: الباب 22 من ابواب احرام الحج و الوقوف بعرفة، الحديث: 1.
(3)) الوسائل: الباب 22 من ابواب احرام الحج و الوقوف بعرفة، الحديث: 3.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 437)


……….

و من ناحية أخرى ان الركن انما هو مسمى الوقوف فيها عرفا، فاذا تركه عامدا و ملتفتا فسد حجه، و أما الزائد عليه فهو واجب مستقل، و لا يكون ركنا، و تركه عامدا و عالما لا يضر بالحج.

و تدل عليه مجموعة من الروايات:

منها: صحيحة مسمع بن عبد الملك عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «في رجل أفاض من عرفات قبل غروب الشمس، قال: إن كان جاهلا فلا شيء عليه، و إن كان متعمدا فعليه بدنة1.

و منها: صحيحة ضريس الكناسي عن أبي جعفر عليه السّلام قال: «سألته عن رجل أفاض من عرفات قبل أن تغيب الشمس، قال: عليه بدنة ينحرها يوم النحر، فان لم يقدر صام ثمانية عشر يوما بمكة أو في الطريق أو في أهله»2

و منها غيرها.

و مقتضى اطلاق هذه الروايات كفاية مسمى الوقوف فيها، و ترك الزائد لا يضر، نعم اذا كان متعمدا فعليه كفارة بدنة. لحد الآن قد تبين أمور:

الأول: ان زمان الوقوف و التواجد بعرفات من الناحية المبدئية ساعة بعد الزوال تقريبا.

الثاني: ان زمان الوقوف من ناحية المنتهى غروب الشمس و استتارها حقيقة.

الثالث: ان الركن هو الوقوف في فترة قصيرة خلال هذا الوقت.

الرابع: ان ترك الوقوف الزائد لا يضر بالحج و إن كان متعمدا. نعم اعتبر آثما على ذلك.


 

(1)) <page number=”437″ />الوسائل: الباب 23 من ابواب احرام الحج و الوقوف بعرفة، الحديث: 1.
(2)) الوسائل: الباب 23 من ابواب احرام الحج و الوقوف بعرفة، الحديث: 3.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 438)


[مسألة 369: من لم يدرك الوقوف الاختياري (الوقوف في النهار) لنسيان أو لجهل يعذر فيه أو لغيرهما من الاعذار]

(مسألة 369): من لم يدرك الوقوف الاختياري (الوقوف في النهار) لنسيان أو لجهل يعذر فيه أو لغيرهما من الاعذار، لزمه الوقوف الاضطراري (الوقوف برهة من ليلة العيد) (1)

(1)الأمر كما افاده قدّس سرّه، و ذلك لمجموعة من الروايات:

منها: صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «قال في رجل ادرك الإمام و هو بجمع، فقال: إن ظن انه يأتي عرفات فيقف بها قليلا، ثم يدرك جمعا قبل طلوع الشمس فليأتها و إن ظن انه لا يأتيها حتى يفيضوا فلا يأتها و ليقم بجمع فقد تم حجه»1 فانها تدل بوضوح على أن من لم يدرك الوقوف الاختياري بعرفات، و تمكن من الوقوف الاضطراري فيها، وجب عليه ذلك، ثم يفيض منها الى المشعر و يقف فيه قبل طلوع الشمس، و إن لم يدرك ذلك أيضا فليقف بجمع و قد تم حجه.

و منها: صحيحته الأخرى عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في سفر فاذا شيخ كبير، فقال: يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ما تقول في رجل ادرك الإمام بجمع‌؟ فقال له: إن ظن أنه يأتي عرفات فيقف قليلا ثم يدرك جمعا قبل طلوع الشمس فليأتها، و إن ظن أنه لا يأتيها حتى يفيض الناس من جمع فلا يأتها و قد تم حجه»2 فانها تنص على أمرين:

أحدهما: ان من لم يدرك الوقوف الاختياري بعرفات و تمكن من الوقوف الاضطراري بها وجب عليه ذلك، و لا يجوز له تركه عامدا و ملتفتا، فلو صنع ذلك فسد حجه.

و الآخر: ان من لم يدرك الوقوف بعرفات مطلقا حتى الاضطراري منه، و تمكن من الوقوف الاختياري بالمشعر وجب عليه ذلك و قد تم حجه و لا شيء عليه.


 

(1)) <page number=”438″ />الوسائل: الباب 22 من ابواب الوقوف بالمشعر، الحديث: 1.
(2)) الوسائل: الباب 22 من ابواب الوقوف بالمشعر، الحديث: 4.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 439)


و صح حجه، فان تركه متعمدا فسد حجه (1).

[مسألة 370: تحرم الافاضة من عرفات قبل غروب الشمس عالما عامدا]

(مسألة 370): تحرم الافاضة من عرفات قبل غروب الشمس عالما عامدا، لكنها لا تفسد الحج (2)،

و منها: صحيحة الحلبي، قال: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يأتي بعد ما يفيض الناس من عرفات، فقال: إن كان في مهل حتى يأتي عرفات من ليلته فيقف بها، ثم يفيض فيدرك الناس في المشعر قبل أن يفيضوا، فلا يتم حجه حتى يأتي عرفات، و إن قدم رجل و قد فاتته عرفات فليقف بالمشعر الحرام فان اللّه تعالى أعذر لعبده، فقد تم حجه اذا ادرك المشعر الحرام قبل طلوع الشمس، و قبل أن يفيض الناس، فان لم يدرك المشعر الحرام فقد فاته الحج، فليجعلها عمرة مفردة، و عليه الحج من قابل»1 فانها تدل على أمور:

الأول: ان من لم يتمكن إلاّ من ادراك الوقوف الاضطراري بعرفات وجب عليه ذلك، و لا يجوز تركه عامدا و ملتفتا، و إلاّ بطل حجه.

الثاني: ان من لم يتمكن من الوقوف الاضطراري بعرفة أيضا و لكنه متمكن من الوقوف الاختياري بالمشعر كفى ذلك و صح حجه و لا شيء عليه.

الثالث: ان من لم يتمكن من الوقوف الاختياري في المشعر فقد فاته الحج و إن تمكن من الوقوف الاضطراري فيه، و حينئذ فتنقلب وظيفته الى عمرة مفردة، و عليه الحج من قابل.

(1)مر أن الأمر كما افاده قدّس سرّه.

(2)الأمر كما افاده قدّس سرّه، و تدل على ذلك مجموعة من الروايات.

منها: صحيحتا مسمع و ضريس المتقدمتان، و نتيجة هذا أن حرمة الافاضة تكليفية صرفة لا وضعية، بمعنى أن النهي عنها لا يكون ارشادا إلى


 

(1)) <page number=”439″ />الوسائل: الباب 22 من أبواب الوقوف بالمشعر، الحديث: 2.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 440)


……….

مانعيتها عن الوقوف، و بالتالي عن الحج. و اما وجوب الوقوف بعرفات بعد الزوال بساعة الى الغروب فهو واجب مستقل على أساس أن الوقوف في هذه الفترة ليس من اجزاء الحج و واجباته، بل هو واجب في هذه الحالة بوجوب مستقل ما عدا المسمى منه. و هاهنا مسألتان:

الأولى: قد تسأل عن أن الخروج من عرفات قبل الغروب لا بقصد الإفاضة هل هو جائز أو لا؟

و الجواب: انه جائز، لأن المحرم انما هو الخروج من عرفات قبل الغروب بقصد الافاضة لا مطلقا، فانه لا دليل على حرمته كذلك. و أما اذا خرج بقصد الإفاضة ثم ندم و رجع قبل الغروب فهل عليه شيء؟

و الجواب: انه لا شيء عليه، و ذلك لأن الروايات الناهية عن الافاضة قبل الغروب عامدا و ملتفتا منصرفة عن ذلك، لأن الظاهر منها بمناسبة الحكم و الموضوع الارتكازية النهي عن الافاضة الحقيقية لا عن الافاضة الخيالية.

و بكلمة: أن ظاهر روايات الباب التي تدل على حرمة الافاضة من عرفات قبل الغروب الافاضة واقعا، و هي التي لا رجعة فيها، و أما من أفاض منها ثم رجع اليها قبل الغروب فلا إفاضة حتى تكون مشمولة لها.

الثانية: قد تسأل عن أن حكم الناسي لحرمة الافاضة منها قبل الغروب، هل هو حكم الجاهل بها؟

و الجواب: ان حكمه حكم الجاهل، فان المذكور في الروايات و إن كان الجاهل دون الناسي إلاّ أنه لا فرق بينهما في المقام لأمور:

الأول: أن موضوع الكفارة في صحيحة مسمع المتقدمة1 حيث ان


 

(1)) <page number=”440″ />الوسائل: الباب 23 من ابواب احرام الحج و الوقوف بعرفه، الحديث: 1.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 441)


فاذا ندم و رجع إلى عرفات فلا شيء عليه، و إلا كانت عليه كفارة بدنة ينحرها في منى (1)، فان لم يتمكن منها صام ثمانية عشر يوما و الاحوط‍‌ ان تكون متواليات (2). و يجري هذا الحكم في من أفاض من عرفات نسيانا أو جهلا منه بالحكم فيجب عليه الرجوع بعد العلم أو التذكر فان لم يرجع حينئذ فعليه الكفارة على الأحوط‍‌.

الافاضة منه عامدا و ملتفتا الى الحكم الشرعي، فلا ينطبق على الافاضة نسيانا، و لا يوجد دليل آخر عليها.

الثاني: ان المتفاهم العرفي من الصحيحة أنه لا موضوعية للجاهل إلاّ باعتبار كونه معذورا في ذلك، و عليه فيكون مفادها عرفا أن من أفاض من عرفات قبل الغروب و كان معذورا فيها فلا كفارة عليه، سواء أ كان عذره جهلا أم نسيانا.

الثالث: ان مقتضى حديث الرفع نفي الكفارة عن الفعل المنسي.

(1)أما كون الكفارة بدنة فقد صرح بها في صحيحتي مسمع1

و ضريس2 المتقدمتين، و أما نحرها في منى فهو و إن لم يرد في شيء من الروايات، و انما الوارد في صحيحة ضريس هو نحرها يوم النحر، و لكن مناسبة الحكم و الموضوع الارتكازية تقتضي أن المراد هو نحرها في منى، بقرينة أن المراد من يوم النحر هو يوم العيد، و حيث إن الناس ينحرون الإبل و يذبحون الشياه في منى يوم العيد، فيكون المتفاهم العرفي من نحرها يوم النحر هو نحرها يوم العيد في منى أو لا أقلّ‌ أنه المتيقن منها.

(2)و لا بأس بتركه و إن كان أولى و أجدر، و ذلك لأن الدليل عليه منحصر


 

(1)) <page number=”441″ />الوسائل: الباب 23 من أبواب احرام الحج و الوقوف بعرفة، الحديث: 1.
(2)) الوسائل: الباب 23 من أبواب احرام الحج و الوقوف بعرفة، الحديث: 3.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 442)


……….

بصحيحة ضريس1 المتقدمة، و هي لا تدل على التوالي، لأنها في مقام بيان أن من أفاض من عرفات قبل غروب الشمس عامدا و ملتفتا فعليه كفارة بدنة، فإن لم يقدر فصيام ثمانية عشر يوما مخيرا بين أن يصوم بمكة أو في الطريق أو في أهله، و لا دلالة فيها على أنه يصوم بمكة أو في الطريق أو في الأهل متتابعا، بل لا اشعار فيها بذلك فضلا عن الدلالة.

و إن شئت قلت: ان الصحيحة انما هي في مقام بيان أمرين: (أحدهما) بدلية الصيام عن الجمل الذي أكمل السنة الخامسة. (و الآخر) الترخيص فيه في الطريق، و هذا يعني أنه مخير بين أن يصوم في مكة أو في الطريق أو في بلدته، و لا نظر لها الى اعتبار أنه لا بد أن يكون ذلك بنحو التتابع و التوالي.

و دعوى: أن المولى اذا أمر بشيء في أيام معينة كعشرة أو نحوها فهو ظاهر عرفا في اعتبار التوالي و التتابع فيه بين تلك الأيام، و ما نحن فيه من هذا القبيل.

مدفوعة: بأنه لا ظهور لها في ذلك ما لم تكن هناك قرينة حالية أو سياقية و إن كانت تلك القرينة مناسبة الحكم و الموضوع الارتكازية، هذا. اضافة الى ما مر من أن الصحيحة ليست في مقام البيان من هذه الناحية. فالنتيجة أن الأظهر عدم اعتبار التتابع و التوالي في صيام تلك الأيام. و أما اذا افاض قبل الغروب من عرفات نسيانا أو جهلا بالحكم، فان تذكر أو علم بالحال في وقت كان لا يتمكن من الرجوع اليها قبل الغروب فلا شيء عليه و إن كان يتمكن منه وجب، و حينئذ فإن لم يرجع اليها فهل تجب عليه كفارة أو لا؟

الظاهر عدم وجوبها، و ذلك لأن الكفارة منوطة بكون الافاضة قبل


 

(1)) <page number=”442″ />الوسائل: الباب 23 من أبواب احرام الحج و الوقوف بعرفة، الحديث: 3.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 443)


[مسألة 371: إذا ثبت الهلال عند قاضي أهل السنة، و حكم على طبقه، و لم يثبت عند الشيعة]

(مسألة 371): إذا ثبت الهلال عند قاضي أهل السنة، و حكم على طبقه، و لم يثبت عند الشيعة ففيه صورتان:

الاولى: ما إذا احتملت مطابقة الحكم للواقع فعندئذ وجبت متابعتهم و الوقوف معهم و ترتيب جميع آثار ثبوت الهلال الراجعة إلى مناسك حجه من الوقوفين و اعمال منى يوم النحر و غيرها و يجزئ هذا في الحج على الأظهر. و من خالف ما تقتضيه التقية بتسويل نفسه أن الاحتياط‍‌ في مخالفتهم ارتكب محرما و فسد وقوفه.

و الحاصل أنه تجب متابعة الحاكم السني تقية، و يصح معها الحج و الاحتياط‍‌ حينئذ غير مشروع، و لا سيما إذا كان فيه خوف تلف النفس و نحوه، كما قد يتفق ذلك في زماننا هذا.

الثانية: ما إذا فرض العلم بالخلاف، و ان اليوم الذي حكم القاضي بأنه يوم عرفة هو يوم التروية واقعا، ففي هذه الصورة لا يجزئ الوقوف معهم (1)، فان تمكن المكلف من العمل بالوظيفة و الحال هذه، و لو بان يأتي بالوقوف الاضطراري في المزدلفة دون أن يترتب عليه أي محذور (و لو كان المحذور مخالفته للتقية) عمل بوظيفته، و إلا بدّل حجه بالعمرة المفردة، و لا حجّ‌ له، فان كانت استطاعته من السنة الحاضرة و لم تبق بعدها، سقط‍‌ عنه الوجوب إلا اذا طرأت عليه الاستطاعة من جديد.

الغروب من عرفات متعمدا و بما أن الافاضة منها في مفروض الكلام ليست كذلك، فلا تكون مشمولة لها، و مجرد عدم الرجوع اليها قبل الغروب مع تمكنه من الرجوع لا يجعل تلك الافاضة افاضة عمدية.

(1)في عدم الاجزاء اشكال، و لا يبعد الاجزاء، تفصيل ذلك يقتضي التكلم في مرحلتين:

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 444)


……….

الأولى: في الروايات العامة للتقية و مدلولاتها.

الثانية: في صحة الوقوف معهم بعرفات مطلقا حتى في صورة العلم بالخلاف.

أمّا الكلام في المرحلة الأولى: فهل الروايات التي جاءت بهذا النص:

«التقية ديني و دين آبائي»1 ، و «من لا تقية له لا دين له»2 و غيرهما3 تدل على صحة العمل المتقى به أو لا؟

قد يقال – كما قيل – انها تدل على الصحة، بدعوى ان مفادها محبوبية العمل المتقى به بعنوان ثانوي و هو عنوان التقية، فاذا كان محبوبا كان الاتيان به صحيحا، هذا.

و التحقيق أنها لا تدل على الاجزاء، و ذلك لأن الظاهر منها أن منشأ وجوب التقية انما هو المصلحة المترتبة على نفسها و هي حفظ‍‌ النفس المحترمة، أو العرض، أو المال، أو غير ذلك، لا المصلحة المترتبة على العمل المتقى به.

و بكلمة: ان روايات التقية تدل على وجوب الصلاة مع التكتف، أو الوقوف معهم في عرفات و إن كان في يوم التروية، و لكن لا من أجل وجود مصلحة ملزمة في الصلاة مع التكتف، أو الوقوف معهم، بل من أجل الحفاظ‍‌ على النفس أو العرض أو المال، بدون الدلالة على أن في العمل المتقى به كالصلاة أو الوقوف معهم مصلحة ملزمة في هذه الحالة. فالنتيجة أن هذه الروايات بما أنها لا تكشف عن محبوبية العمل المتقى به، و وجود مصلحة ملزمة فيه، فلا تدل على الاجزاء، اي صحة ذلك العمل، فاذن مقتضى القاعدة


 

(1)) <page number=”444″ />راجع الوسائل: الباب 24 من ابواب الامر و النهي.
(2)) راجع الوسائل: الباب 24 من ابواب الامر و النهي.
(3)) راجع الوسائل: الباب 24 من ابواب الامر و النهي.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 445)


……….

عدم الاجزاء، و على هذا فلا يكون الوقوف معهم تقية مجزيا، لأنه من أجل مصلحة أخرى، و هي حفظ‍‌ النفس المحترمة أو العرض أو المال، لا من أجل مصلحة فيه. فاذن الاجزاء بحاجة الى دليل خاص، كما في باب الصلاة و الوضوء، فان الأمر بالصلاة تقية أو مداراة مع التكتف يكشف عن محبوبيتها في هذه الحالة، و وجود ملاك فيها، فلذلك يجزي الاتيان بها، و كذلك الوضوء منكوسا، فان الأمر به يكشف عن أنه محبوب في حال التقية و مشتمل على الملاك، فمن أجل ذلك يجزي. أو فقل: ان في كل مورد تعلق الأمر بالعمل المتقى به باسمه الخاص من أجل التقية يكون كاشفا عن محبوبيته و وجود الملاك فيه، فالتقية حينئذ جهة تعليلية للأمر المتعلق بالعمل المتقى به لا تقييدية، و عندئذ فلا مناص من القول بالاجزاء، و في كل مورد يتعلق الأمر بالتقية بعنوانها تكون التقية جهة تقييدية.

و دعوى: ان العمل المتقى به و إن لم يكن محبوبا في نفسه و بعنوان أوّلي، إلاّ أنه محبوب بعنوان ثانوي كالتقية، و حينئذ فلا مانع من الحكم بالاجزاء.

مدفوعة: بأن التقية لا تدل على أن العمل المتقى به محبوب بعنوان ثانوي، بل تدل على أن ما هو محبوب وداع إلى الأمر بها حفظ‍‌ النفس المحترمة أو العرض أو المال أو نحوه، و حيث إن ذلك يتوقف على العمل المتقى به فيكون العمل محبوبا بالعرض، بملاك كونه مقدمة للواجب، فاذا دعت التقية – مثلا – الى الصلاة بدون البسملة أو مع التكتف لم تدل على أن الصلاة الفاقدة للبسملة أو الواجدة للتكتف مشتملة على ملاك. و أدلة التقية العامة ظاهرة في أن المصلحة انما هي مترتبة على الاتقاء أو فقل ان المصلحة التي تدعو المولى الى الأمر بالتقية انما هي في حفظ‍‌ النفس المحترمة أو العرض أو المال لا في العمل

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 446)


……….

المتقى به لأنه الواجب بالاصالة و العمل المتقى به مقدمة له و واجب بالعرض، و تنص على ذلك مجموعة من الروايات:

منها: قوله عليه السّلام في صحيحتي محمد بن مسلم و ابي حمزة الثمالي: «انما جعلت التقية ليحقن بها الدم»1 فانه واضح الدلالة على أن التقية انما هي واجبة بملاك حقن الدماء، لا بملاك في العمل الخارجي، و هذا بخلاف ما اذا تعلق الأمر بالعمل بعنوانه الخاص من أجل التقية، فانه ظاهر في كشفه عن وجود ملاك فيه و محبوبيته.

و دعوى: أن ظهوره في ذلك ممنوع، اذ كما يحتمل ذلك يحتمل أن يكون تأكيدا للأمر بالتقية، لا أنه ناشئ من وجود الملاك فيه.

مدفوعة: بأن الظاهر من الأمر المتعلق بالعمل المتقى به بعنوانه الخاص الأمر النفسي، و حمله على الأمر الغيري، أو على التأكيد خلاف الظاهر و بحاجة الى قرينة، و على هذا فيكون هنا ملاكان أحدهما مترتب على نفس التقية، و الآخر على العمل المتقى به.

و بعد ذلك نقول: ان الدليل على صحة الوقوف معهم تقية ليس هو الأدلة العامة لها، لما مرّ من أنها لا تدل على صحة العمل المتقى به، بل سيرة الأئمة الأطهار عليهم السّلام و تابعيهم الجارية على الوقوف معهم في تمام الحالات و الاوقات بدون استثناء في طول التاريخ الزمني لحياتهم، و من المعلوم أنه من غير المحتمل جزما أن لا يتفق شك في ثبوت الهلال، بل القطع بعدم الثبوت في طول هذا التاريخ الزمني الذي لا يقل عن ثلاثمائة سنة، على أساس أن مسألة ثبوت الهلال في طول تاريخ زمن الائمة الأطهار عليهم السّلام كانت بأيدي هؤلاء، من


 

(1)) <page number=”446″ />الوسائل: الباب 31 من ابواب الامر و النهي، الحديث: 1 و 2.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 447)


……….

قضاتهم و حكامهم، و من الواضح أن حكمهم بثبوت الهلال لم يكن مبنيا على الدقة، و تحقيق حال الشهود و مدى صدقهم و عدم خطأهم و اتفاقهم في موضع رؤية الهلال و صفاته كما و كيفا، و عدم توفر قرائن على كذبهم أو خطأهم، و من هذه القرائن انفراد اثنين بالشهادة على رؤية الهلال من بين جماعة كبيرة من المستهلين الذين لم يستطيعوا أن يروه مع صفاء الجو و نقاء الأفق و اتجاه الجميع الى نفس النقطة التي اتجه الشاهدان إليها في الأفق، و تقاربهم في القدرة البصرية، و هذا معنى قوله عليه السّلام: «اذا رآه واحد رآه مائة»1.

و منها: التنبوء العلمي المسبق بوقت خروج القمر من المحاق، فانه اذا حدد له وقت معين و شهد الشاهدان بالرؤية قبل ذلك الوقت كان التحديد العلمي المسبق عاملا سلبيا يضعف من قوة شهادتهما و هكذا، فالنتيجة ان حكمهم بذلك لما كان مبنيا على التساهل و التسامح و عدم الدقة و مراعاة ما يكون دخيلا في الموضوع، فمن أجل ذلك يقع الشك في صحة حكمهم، بل ربما يقطع بعدم الصحة. و مع هذا و ذاك لم يصدر من الأئمة الاطهار عليهم السّلام في طول هذا التاريخ الزمني الممتد ما يشير الى عدم كفاية الوقوف معهم في حالة الشك في ثبوت الهلال، أو القطع بعدم ثبوته، و من الطبيعي أن الوقوف معهم لو لم يكن مجزيا في هذه الحالة لأشار اليه في الروايات بمناسبة أو أخرى، قولا أو عملا، فعدم صدور شيء منهم عليهم السّلام في طول هذا التاريخ لا ابتداء و لا جوابا، لا تصريحا و لا كناية، دليل على الاجزاء و الحكم بالصحة، كما أنه يظهر من عدم السؤال عن ذلك منهم عليهم السّلام في طول تاريخ حياتهم ان الاجزاء كان أمرا مرتكزا في الاذهان حتى في صورة القطع بالخلاف، و إلاّ فبطبيعة الحال يقع السؤال عن


 

(1)) <page number=”447″ />الوسائل: الباب 11 من ابواب احكام شهر رمضان، الحديث: 10.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 448)


……….

ذلك لدى الابتلاء بالمسألة لشدة الاهتمام بها، و لو ورد منهم عليهم السّلام شيء حول المسألة في مورد واحد طول هذا التاريخ لاشتهر بين الأصحاب و شاع، على أساس انهم مهتمون بهذه الفريضة الكبرى التي هي فريضة إلهية اجتماعية ذات المغزى العظيم، و يمارس كل فرق المسلمين هذه الفريضة الإلهية بتمام شعائرها بنقلة جماعية موحدة زمانا و مكانا.

و بكلمة: أنه كان بمقدور الأئمة عليهم السّلام في طول هذه المدة التنبيه و الإشارة بمناسبة أو أخرى الى عدم الاجزاء في حالة القطع بالخلاف على أساس اهتمامهم عليهم السّلام بعدم تفويت هذه الفريضة الإلهية الكبرى، و مع ذلك فعدم صدور التنبيه و الاشارة منهم عليهم السّلام الى ذلك مطلقا كاشف عن الاجزاء كذلك.

و النكتة فيه ان الحج فريضة اجتماعية في الإسلام، و يمتاز بذلك عن سائر الفرائض الإلهية و ذات المغزى الكبير روحيا و مدنيا، و اعتكاف جماعي، يعني نقلة جماعية الى بيوت اللّه، و يتجه اليها من كل اصناف المسلمين المكلفين بأداء هذه الفريضة، أو المتطوعين للتواجد في مكان واحد و زمان واحد و لممارسة شعائر موحدة. و من الواضح أن في ذلك مصلحة نوعية عامة، و هي توحيد صفوف المسلمين من كافة فرقهم، و نقلهم الجماعي من مكان الى مكان آخر في وقت واحد تحت شعار التوحيد، و من هنا قد اهتم الشارع بتوحيد صفوف المسلمين الذي تتبلور فيه أصالتهم و مكانتهم رغم اختلافهم في معتقداتهم، و قد حث في مجموعة من الروايات المعتبرة على التواجد في مساجدهم و الحضور في جماعاتهم و جنائزهم، و في بعضها أن الصلاة خلفهم كالصلاة خلف النبي الاكرم صلّى اللّه عليه و آله. و من الطبيعي أن ذلك ليس إلاّ من جهة ما يترتب عليه من المصالح العامة، كوحدة صفوفهم و أصالتهم و مكانتهم في مجتمعات العالم.

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 449)


……….

و لو كنا نحن و هذه الروايات لقلنا بصحة الاقتداء بهم مطلقا، و لكن قد نبّه الامام عليه السّلام على شروطها في مورد آخر. و في المقام لو كان لصحة الوقوف معهم بعرفات في حالة الشك أو القطع بالخلاف شرط‍‌ لنبّه عليه في طول هذه الظروف التاريخية لمكان الابتلاء بها، فعدم التنبيه عليه دليل على أنه لا شرط‍‌ لها. أو فقل انه لما تترتب على الوقوف معهم بموقف موحد مصلحة عامة، و هي وحدة المسلمين بمختلف فرقهم في ممارسة شعائر اللّه الموحدة زمانا و مكانا، و تتبلور من خلال ذلك اصالتهم و مكانتهم و شخصيتهم الاسلامية المستقلة المستمدة من الكتاب و السنة في طول التاريخ، و اهتمام الإسلام بها، رجح الشارع جانب المصلحة العامة على المصالح الخاصة، و تقديمها عليها في مقام المزاحمة، و حكم بالاجزاء من أجل هذه المصلحة العامة و إن أدى ذلك الى تفويت المصالح الخاصة.

الى هنا قد استطعنا أن نخرج بهذه النتيجة، و هي ان اهتمام الشارع بالحج كفريضة اجتماعية موحدة في شعائره من ناحية، و الأمر بالوقوف معهم قولا و عملا بدون استثناء حالة من ناحية أخرى، دليل على الاجزاء مطلقا.

و لمزيد من التعرف على ما ذكرناه نظريا و تطبيقيا نذكر فيما يلي أمورا:

الأول: ان عرفات رقعة كبيرة من الأرض، و تكون خارج الحرم، و تبعد عن المسجد الحرام حوالي اثنين و عشرين كيلومترا، و حدودها متصلة بالحرم، و يفصل بينها و بين المشعر الحرام منطقة تسمى ب‍‌ (المأزمين) و لها حدود، و قد جاء في الروايات المناطق الخاصة باسماء معروفة كحدود موقف عرفات، و هي (الثوية) و (بطن عرنة) و (النمرة) و (ذو المجاز) و جملة من هذه الأسماء لا تزال ثابتة و منعكسة في الخرائط‍‌، كمسجد نمرة، و جملة منها غير واضحة،

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 450)


……….

و لكن الموقف واضح في حدوده و علاماته المنصوبة في اطرافه، و لا يجوز الوقوف في تلك الأماكن، و كذلك الأماكن المنصوبة عليها العلامات، بل لا بد أن يكون الوقوف في داخلها.

الثاني: ان الوقوف بعرفات واجب بعد الزوال بساعة الى الغروب، و لكن الركن منه الذي يبطل الحج بتركه متعمدا هو الوقوف في فترة قصيرة خلال هذا الوقت، و أما الزائد عليه فهو واجب، و لكن لا يبطل الحج بتركه كذلك.

و بكلمة: ان جزء الحج هو مسمى الوقوف عرفا خلال فترة ما بعد الزوال بساعة الى الغروب، و أما الزائد فهو و إن كان واجبا، إلاّ أنه ليس جزء الحج، و لذا لا يبطل الحج بتركه عامدا و ملتفتا، و إن اعتبر آثما.

الثالث: اذا لم يتمكن الحاج من الوقوف بعرفات خلال هذا الوقت، وجب عليه الوقوف بها برهة من ليلة العيد المسمّى بالوقوف الاضطراري، و لا يسوغ له تركه عامدا و ملتفتا، و إلاّ بطل حجه و إن ادرك الوقوف الاختياري في المشعر الحرام.

الرابع: ان من افاض من عرفات قبل الغروب، فان كان جاهلا بالحكم، أو ناسيا، فلا شيء عليه، و إن كان متعمدا لم يضر بحجه، و لكنه اعتبر آثما، و عليه كفارة جمل قد اكمل الخامسة، و يلحق الجاهل البسيط‍‌ بالعامد اذا كان مقصرا و غير معذور، و يلحق بالجاهل المركب اذا كان معذورا و غير مقصر.

و قد تسأل: عن أن موضع نحره، هل هو منى، أو يجوز نحره في أي مكان كان‌؟

و الجواب: انه منى على الأظهر.

الخامس: اذا لم يتيسر له الجمل، فتكون وظيفته أن يصوم بديلا عنه ثمانية عشر يوما.

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 451)


……….

و قد تسأل: عن أن التتابع هل هو معتبر في صوم هذه الايام‌؟

و الجواب: أنه غير معتبر.

السادس: اذا افاض الحاج من عرفات قبل الغروب جاهلا بالحكم، أو ناسيا، ثم تذكر، أو علم بالحكم، فان تمكن من الرجوع اليها قبل الغروب وجب، و لكنه اذا لم يرجع عامدا و ملتفتا، فهل عليه كفارة بدنة‌؟ و الجواب انه اعتبر آثما، و لكن لا كفارة عليه.

السابع: ان صحة العمل المتقى به العبادي منوطة بوجود مصلحة ملزمة فيه حتى يكون محبوبا في نفسه، و مقربا، و لا يكفي في صحته ترتب مصلحة على نفس الاتقاء.

و بكلمة: ان التقية اذا كانت جهة تعليلية، و كان الأمر متعلقا بنفس العمل المتقى به بعنوانه الخاص و اسمه المخصوص، فلا مناص من الالتزام بالصحة، و اذا كانت جهة تقييدية و كان الأمر متعلقا بها من أجل ما يترتب عليها من المصلحة، فلا يمكن الحكم بالصحة.

الثامن: لا شبهة في أن مخالفة التقية مبغوضة، لأنها مخالفة للدين، فلا يمكن التقرب بالعمل الذي تتحقق به المخالفة، و عليه فالوقوف في يوم عرفة اذا كان مخالفا للتقية كان مبغوضا، فلا يمكن التقرب به.

التاسع: اذا افترض أنه لا تقية في البين، و كان بمقدور المكلف أن يقف بعرفات في اليوم التاسع من شهر ذي الحجة، فهل يجب عليه ذلك و ترك المتابعة لهم‌؟ و الجواب لا يجب نظريا، و لا يبعد وجوب المتابعة حتى في هذه الحالة، حيث يظهر من طريقة الأئمة عليهم السّلام أنهم لا يرضون بشق وحدة المسلمين و تفريق صفوفهم، فان ضرر ذلك اكثر من نفعه.

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 452)


……….

و بكلمة: ان الموقفين من أعظم شعائر اللّه و مظاهره الموحدة، حيث أنه قد اجتمع فيها مئات الألوف من المسلمين من كافة فرقهم، بل الملايين بشكل موحد، بدون تمييز بين الغني و الفقير، و الداني و العالي، و العبد و المولى، و من الطبيعي أن الشارع لا يرضى بتفريق صفوف المسلمين في هذه العبادة الاجتماعية في الإسلام التي هي ذات مغزى كبير روحيا و مدنيا، و لكن مع ذلك فالأحوط‍‌ و الأجدر به وجوبا أن يجمع بين الوقوف معهم و الوقوف في يوم عرفة في صورة العلم بالخلاف، و إلاّ فالأحوط‍‌ الاعادة في السنة القادمة.

العاشر: قد يقال – كما قيل – ان معتبرة ابي الجارود، قال: «سألت ابا جعفر عليه السّلام انا شككنا سنة في عام من تلك الاعوام في الأضحى، فلما دخلت على ابي جعفر عليه السّلام و كان بعض اصحابنا يضحّى، فقال: الفطر يوم يفطر الناس، و الأضحى يوم يضحّى الناس، و الصوم يوم يصوم الناس»1 تدل على ما عرفت.

و الجواب: ان مورد الرواية التقية، و قد تقدم أنه لا شبهة في صحة الوقوف معهم حال التقية، بل الأظهر صحته حتى في صورة العلم بالخلاف، و انما الكلام في صحة الوقوف معهم مطلقا و إن لم تكن هناك تقية، و قد مر أنها غير بعيدة نظريا.

الحادي عشر: ان الأدلة العامة للتقية لا تدل على صحة العمل المتقى به كما تقدم، فاذن لا يمكن التمسك بها على صحة الوقوف معهم في حالتي الشك و العلم بالخلاف، بل الدليل على الصحة في هاتين الحالتين هو سيرة الأئمة الأطهار عليهم السّلام على تفصيل قد سبق.


 

(1)) <page number=”452″ />الوسائل: الباب 57 من ابواب ما يمسك عنه الصائم، الحديث: 7.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 453)


……….

الثاني عشر: قد يقال – كما قيل -: ان العامة لا يرون نفوذ حكم الحاكم في صورة القطع بالخلاف فاذا كان الشيعي قاطعا بالخلاف لم يكن حكمه بنظرهم نافذا في حقه، فلا يكون حينئذ عمله موضوعا للتقية.

و الجواب: أولا: ان العامة مختلفون في ذلك فمنهم من يرى نفوذ حكمه حتى في هذه الصورة بل بعضهم يقولون بموضوعية حكم الحاكم.

و ثانيا: ان محل الكلام انما هو في ثبوت الهلال بحكم الحاكم، فاذا ثبت لهم بحكمه، فهل يجب على الشيعي متابعتهم في ذلك‌؟ و الجواب نعم يجب على تفصيل تقدم فإن دعواه القطع بالخطإ غير مسموعة.

الثالث عشر: ان الوقوف معهم صحيح في حالة الشك في الموقف، و ثبوت الهلال، و لا يجب عليه حينئذ الاحتياط‍‌ و إن كان متمكنا منه، و أما في حالة العلم بالخلاف فقد ذكرنا أنه لا يبعد صحته أيضا. اذا كانت هناك تقية، و أما اذا لم تكن فالأحوط‍‌ و الأجدر به وجوبا الجمع كما مر.

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 454)


[3 – الوقوف في المزدلفة]

الوقوف في المزدلفة و هو الثالث من واجبات حج التمتع (1) و المزدلفة اسم لمكان يقال له المشعر الحرام و حد الموقف من المأزمين الى الحياض الى وادي محسّر (2)

(1)للتسالم على ذلك بين جميع فرق المسلمين، و يدل عليه الكتاب و السنة:

اما الكتاب فقوله تعالى: فَإِذٰا أَفَضْتُمْ‌ مِنْ‌ عَرَفٰاتٍ‌ فَاذْكُرُوا اللّٰهَ‌ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرٰامِ‌1.

و اما السنة فهي روايات كثيرة تبلغ من الكثرة حد التواتر اجمالا، و تنص على وجوب الوقوف بالمشعر بمختلف الألسنة و البيان.

منها: الروايات البيانية، و منها غيرها، و سنشير إليها في ضمن المسائل القادمة.

(2)تدل على ذلك مجموعة من الروايات:

منها: صحيحة معاوية بن عمار: «قال: حد المشعر الحرام من المأزمين الى الحياض الى وادي محسر، و انما سميت المزدلفة لأنهم ازدلفوا اليها من عرفات»2.

و منها: صحيحة الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام في حديث قال: «لا تجاوز الحياض ليلة المزدلفة»3.

و منها: صحيحة ابي بصير عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: حد المزدلفة من


 

(1)) <page number=”454″ />سورة البقرة، الآية: 198.
(2)) الوسائل: الباب 8 من ابواب الوقوف بالمشعر، الحديث: 1.
(3)) الوسائل: الباب 8 من ابواب الوقوف بالمشعر، الحديث: 3.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 455)


و هذه كلها حدود المشعر و ليست بموقف الا عند الزحام و ضيق الوقت فيرتفعون الى المأزمين و يعتبر فيه قصد القربة (1).

وادي محسر الى المأزمين»1 و منها غيرها2. و هذه الروايات تحدد مكان الوقوف بالمشعر طولا من المأزمين الى وادي محسر، و أما عرضا فهي ساكتة عنه، و المرجع في تحديده الخبرة من أهل البلد هناك، ثم أن حدود المزدلفة خارجة عن الموقف إلاّ عند الزحام و ضيق الوقت، و تنص عليه موثقة سماعة، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: اذا كثر الناس بجمع، و ضاقت عليهم، كيف يصنعون‌؟ قال: يرتفعون الى المأزمين»3 و موثقته الأخرى، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: اذا كثر الناس بمنى، و ضاقت عليهم كيف يصنعون‌؟ فقال: يرتفعون الى وادي محسر، قلت: فاذا كثروا بجمع و ضاقت عليهم كيف يصنعون‌؟ فقال:

يرتفعون الى المأزمين، قلت: فاذا كانوا بالموقف و كثروا و ضاق عليهم كيف يصنعون‌؟ فقال: يرتفعون الى الجبل، وقف في مسيرة الجبل، فان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله وقف بعرفات فجعل الناس يبتدرون اخفاف ناقته يقفون الى جانبها فنحّاها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، ففعلوا مثل ذلك، فقال: أيها الناس انه ليس موضع اخفاف ناقتي بالموقف، و لكن هذا كله موقف، و أشار بيده الى الموقف، و قال:

هذا كله موقف، فتفرّق الناس و فعل مثل ذلك بالمزدلفة – الحديث»4 فالنتيجة ان وادي محسّر موقف عند الاضطرار و ضيق الموقف بسبب الزحام أو غيره، كما أن الصعود على الجبل في عرفات موقف عند الضيق و الاضطرار.

(1)تقدم أن المعتبر في صحة كل عبادة المسماة باسم خاص المميز لها


 

(1)) <page number=”455″ />الوسائل: الباب 8 من ابواب الوقوف بالمشعر، الحديث: 4.
(2)) راجع الوسائل: الباب 8 من أبواب الوقوف بالمشعر.
(3)) الوسائل: الباب 9 من أبواب الوقوف بالمشعر، الحديث: 1.
(4)) الوسائل: الباب 11 من ابواب احرام الحج و الوقوف بعرفة، الحديث: 4.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 456)


[مسائل ]
[مسألة 372: إذا أفاض الحاج من عرفات فالأحوط‍‌ أن يبيت ليلة العيد في المزدلفة]

(مسألة 372): إذا أفاض الحاج من عرفات فالأحوط‍‌ أن يبيت ليلة العيد في المزدلفة و ان كان لم يثبت وجوبها (1).

شرعا أمور:

الأول: نية القربة. الثاني: قصد الاخلاص في مقابل الرياء. الثالث: قصد اسمها الخاص.

و هذه الأمور الثلاثة لا بد أن تكون مقارنة لكل أجزاء العبادة، لا بمعنى أن لا تتقدم عليها، بل بمعنى أن لا تتأخر عن أول جزء من اجزائها، على تفصيل تقدم. و في المقام لا بد أن يكون الوقوف في المزدلفة بنية القربة و الاخلاص و قصد اسمه الخاص، بأن يقول: اقف بالمشعر الحرام من طلوع الفجر الى طلوع الشمس لحج التمتع من حجة الإسلام قربة الى اللّه تعالى خالصا لوجهه الكريم، و اذا كان نائبا ذكر اسم المنوب عنه، و اذا كان الحج مستحبا اسقط‍‌ كلمة حجة الإسلام.

(1)الأمر كما افاده قدّس سرّه. نعم ذهب جماعة الى وجوب البيتوتة في المزدلفة، و استدلوا عليه بمجموعة من الروايات.

منها: الروايات البيانية الحاكية لفعل النبي الأكرم صلّى اللّه عليه و آله كقوله عليه السّلام: «و أتى به المشعر الحرام فصلى به المغرب و العشاء الآخرة باذان واحد و اقامتين، ثم بات بها حتى اذا صلّى الصبح»1.

و الجواب أن فعله صلّى اللّه عليه و آله لا يدل على اكثر من محبوبية ذلك شرعا و استحبابه، و لا يدل على الوجوب.

و منها: صحيحة الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام في حديث: «قال: و لا تجاوز الحياض ليلة المزدلفة»2 بتقريب أنها تنهى عن تجاوز الحياض ليلة العيد


 

(1)) <page number=”456″ />الوسائل: الباب 2 من ابواب اقسام الحج، الحديث: 35.
(2)) الوسائل: الباب 8 من ابواب الوقوف بالمشعر، الحديث: 3.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 457)


[مسألة 373: يجب الوقوف في المزدلفة من طلوع فجر يوم العيد الى طلوع الشمس]

(مسألة 373): يجب الوقوف في المزدلفة من طلوع فجر يوم العيد الى طلوع الشمس (1)، لكن الركن منه هو الوقوف في الجملة، فاذا وقف مقدارا ما بين الطلوعين و لم يقف الباقي و لو متعمدا صح حجّه و ان ارتكب محرما.

و معنى ذلك وجوب المبيت فيها.

و الجواب انها لا تدل على أن النهي عن التجاوز عن الحياض انما هو لوجوب المبيت في المشعر، اذ كما يحتمل ذلك، يحتمل قويا أن يكون النهي عنه من أجل أن لا يفوت عنه الموقف، حيث إن خروجه عن المشعر و دخوله في منى قد يؤدي الى تفويت الموقف عنه، هذا. اضافة الى أنه لا يدل على وجوب كون الحاج متواجدا في الليل بالمزدلفة، و انما يدل على أن الخروج منه غير جائز إذا دخل فيه، و لا ملازمة بين الأمرين، اذا يمكن حينئذ أن يبيت الحاج في الطريق بين عرفة و المزدلفة.

و منها: صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: اصبح على طهر بعد ما تصلّى الفجر فقف إن شئت قريبا من الجبل، و إن شئت حيث شئت – الحديث»1 بدعوى أن وجوب الإصباح على طهر في المزدلفة يدل على أنه بات فيها.

و الجواب انه لم يفرض في الرواية كونه أصبح في المزدلفة و هو على طهر، فان المفروض فيها أنه أصبح على طهر، و هو يصدق على من دخل فيها وقت طلوع الفجر و هو على طهر.

فالنتيجة ان الصحيحة لا تدل على وجوب المبيت فيها، و انما تدل على كونه متواجدا فيها من الصبح، اي من طلوع الفجر، و حينئذ يجوز له أن يؤخر وصوله الى المزدلفة عامدا و ملتفتا الى طلوع الفجر، و لا شيء عليه.

(1)لا شبهة في أصل وجوب الوقوف بين الطلوعين في المزدلفة و لا كلام


 

(1)) <page number=”457″ />الوسائل: الباب 11 من ابواب الوقوف بالمشعر، الحديث: 1.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 458)


……….

فيه، و انما الكلام في تحديد ذلك سعة و ضيقا، و مبدءا و منتهى.

اما بحسب المبدأ، فالظاهر من الروايات وجوب الوقوف و التواجد فيها من طلوع الفجر بعد صلاته الى طلوع الشمس. و تدل عليه صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: أصبح على طهر بعد ما تصلّي الفجر، فقف إن شئت قريبا من الجبل، و إن شئت حيث شئت – الحديث»1.

بتقريب أن مفادها وجوب الوقوف بعد صلاة الفجر. ثم ان ظاهرها اعتبار الطهارة في الوقوف، و لكن لا بد من حملها على الأفضلية بقرينة الروايات الدالة على عدم اعتبارها في مناسك الحج غير الطواف و صلاته. فالنتيجة ان الصحيحة تدل على وجوب كون الحاج متواجدا في المشعر حين طلوع الفجر، و يكفي في ذلك وصوله اليه في هذا الحين، و لا يلزم أن يكون من الليل.

و أما بحسب المنتهى فالمعروف و المشهور بين الأصحاب وجوب الوقوف فيه الى طلوع الشمس، و عدم جواز الافاضة منه قبل طلوعها، و قد استدلوا عليه بصحيحة معاوية بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام «قال: اصبح على طهر بعد ما تصلي الفجر، فقف… الى أن قال: افض حيث يشرق لك ثبير و ترى الإبل مواضع اخفافها»2 بتقريب أن اشراق ثبير الذي هو جبل بمكة كناية عن طلوع الشمس. و لكن بازائها روايات أخرى تنص على جواز الافاضة قبل طلوع الشمس بقليل.

منها: موثقة اسحاق بن عمار، قال: «سألت ابا إبراهيم عليه السّلام أي ساعة احب إليك أن أفيض من جمع، قال: قبل أن تطلع الشمس بقليل، فهو أحب الساعات إلي، قلت: فان مكثنا حتى تطلع الشمس، قال: لا بأس»3.


 

(1)) <page number=”458″ />الوسائل: الباب 11 من ابواب الوقوف بالمشعر، الحديث: 1.
(2)) الوسائل: الباب 11 من ابواب الوقوف بالمشعر، الحديث: 1.
(3)) الوسائل: الباب 15 من ابواب الوقوف بالمشعر، الحديث: 1.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 459)


……….

و منها: صحيحة معاوية بن حكيم، قال: «سألت ابا إبراهيم عليه السّلام أي ساعة احب إليك أن نفيض من جمع، فقال: قبل أن تطلع الشمس بقليل فهو أحب الساعات إليّ‌، قلت: فان مكثت حتى تطلع الشمس، قال: لا بأس»1 فانهما تنصان على جواز الإفاضة من المشعر قبل طلوع الشمس بقليل، و عدم وجوب الوقوف و البقاء فيه الى أن تطلع الشمس.

و دعوى: أن الافاضة هي الشروع في التحرك نحو منى عن المشعر، و هو لا يلازم جواز الخروج منه قبل طلوع الشمس، باعتبار أن الشروع فيه إلى أن يصل منتهى المشعر يستلزم فترة من الوقت، و لا سيما اذا كان في الطريق زحام.

مدفوعة: أما اولا: فلأن معنى الافاضة عن شيء هو الخروج منه، و ليس معناها الشروع فيه، و من هنا يكون معنى الافاضة من عرفات هو الخروج منها، فان كانت قبل الغروب لم تجز، و إلاّ فلا مانع منها.

و ثانيا: على تقدير تسليم أن معناها الشروع في الخروج، فحينئذ إن كان الحاج في بداية خطوط‍‌ المشعر، أو أواسط‍‌ خطوطه فيمكن أن يقال ان فترة خروجه منه وقتئذ تطول وقتا ما الى طلوع الشمس، و أما اذا كان في نهاية خطوطه بنحو لا يتوقف خروجه منه إلاّ على بضع خطوات فقط‍‌ فلا تتم هذه الدعوى، فالنتيجة أنه لا وجه لهذه المناقشة، و حينئذ فلا تصلح صحيحة معاوية أن تعارض هاتين الصحيحتين، فانه مضافا الى امكان المناقشة في دلالة الصحيحة، بأن يكون المراد من اشراق الجبل اسفارها لا شعاع الشمس، بقرينة أن رؤية الإبل مواضع اخفافها لا تتوقف على طلوع الشمس، ان دلالتهما على جواز الخروج من المشعر قبل طلوع الشمس بقليل ناصة، و دلالة صحيحة


 

(1)) <page number=”459″ />الوسائل: الباب 15 من ابواب الوقوف بالمشعر، الحديث: 3.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 460)


……….

معاوية على عدم جواز الخروج إلاّ بعد الطلوع إنما هي بالاطلاق الناشئ من السكوت في مقام البيان، و عندئذ فلا بد من تقديمهما عليها تطبيقا لحمل الظاهر على النص.

لحد الآن قد تبين ان الأظهر جواز الخروج من المشعر قبل طلوع الشمس بقليل، و تؤكد ذلك صحيحة هشام بن الحكم عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: لا تجاوز وادي محسر حتى تطلع الشمس»1 فانها تدل على المنع عن التجاوز عن وادي محسّر قبل طلوع الشمس، لا عن الدخول فيه، و معنى هذا أنه لا مانع من أن يخرج الحاج من المشعر قبل طلوع الشمس، و انما لا يجوز له أن يخرج من وادي محسّر قبل طلوعها.

الى هنا قد استطعنا أن نخرج بهذه النتيجة، و هي أن الواجب على الأظهر الوقوف في المشعر من طلوع الفجر يوم العيد – العاشر من ذي الحجة – الى قبيل طلوع الشمس بقليل، و لا يجب عليه البقاء فيه الى طلوعها، فاذا خرج منه قبل طلوعها، و دخل في وادي محسّر و طلعت الشمس عليه في الوادي و قبل خروجه منه كفى، و لا شيء عليه.

بقي الكلام هنا في الوقوف الركني، و فيه قولان:

أحدهما: ان الركن هو الوقوف بين الطلوعين في الجملة.

و الآخر: ان الركن هو مسمى الوقوف من أول الليل الى طلوع الشمس.

و هذا القول هو المعروف و المشهور بين الأصحاب، و قد استدل على ذلك بصحيحة مسمع عن ابي إبراهيم عليه السّلام: «في رجل وقف مع الناس بجمع، ثم أفاض قبل أن يفيض الناس، قال: إن كان جاهلا فلا شيء عليه، و إن كان افاض


 

(1)) <page number=”460″ />الوسائل: الباب 15 من ابواب الوقوف بالمشعر، الحديث: 2.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 461)


……….

قبل طلوع الفجر فعليه دم شاة»1 بتقريب أنها تدل على عدم بطلان الحج بالافاضة من المشعر قبل طلوع الفجر، و إن كان عامدا و ملتفتا، و هذا ليس إلاّ من جهة أنه أتى بالركن و هو مسمى الوقوف فيه من أول الليل الى طلوع الشمس.

و قد اجيب عن ذلك بأن الموضوع في القضيتين الشرطيتين في الصحيحة واحد، و هو الجاهل بالحكم، فانه إن افاض من المشعر بعد الفجر فلا شيء عليه، و إن أفاض قبله فعليه كفارة، و لا نظر للشرطية الثانية الى حكم العالم به لا منطوقا و لا مفهوما.

و لكن للمناقشة في هذا الجواب مجال، فان الصحيحة ظاهرة في أن الموضوع في الشرطية الأولى الرجل الجاهل، باعتبار ظهور الضمير في قوله عليه السّلام: «إن كان جاهلا» في الرجوع اليه، و الموضوع في الشرطية الثانية الرجل المفيض بعين الملاك، و هو ظهور الضمير في قوله عليه السّلام: «و إن كان أفاض» في الرجوع اليه. و من الواضح ان الرجل المفيض يعم الجاهل و العالم معا، و لا وجه لتخصيصه بالأول، و على هذا فالصحيحة بما أنها ظاهرة في أن مورد الشرطية الأولى هو الافاضة بعد طلوع الفجر و قبل أن يفيض الناس، فهي تدل بمنطوقها على عدم ثبوت الكفارة على الجاهل بالحكم، و بمفهومها على ثبوتها على العالم به. و اما الشرطية الثانية فتدل بمنطوقها على أن من أفاض من المشعر قبل الفجر، فعليه كفارة، و مقتضى اطلاقها عدم الفرق بين أن يكون جاهلا بالحكم أو عالما به، و بمفهومها على أن من أفاض منه بعد طلوع الفجر و قبل طلوع الشمس فلا كفارة عليه، و مقتضى اطلاقها عدم الفرق بين كونه جاهلا أو عالما. و بما أن الشرطية الأولى تدل بمقتضى مفهومها على ثبوت الكفارة على العالم بالحكم


 

(1)) <page number=”461″ />الوسائل: الباب 16 من ابواب الوقوف بالمشعر، الحديث: 1.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 462)


……….

فتصلح أن تكون مقيدة لإطلاق مفهوم الشرطية الثانية تطبيقا لقاعدة حمل المطلق على المقيد.

فالنتيجة أن من أفاض من المشعر قبل طلوع الفجر فعليه كفارة دم شاة، بدون فرق بين كونه عالما بالحكم أو جاهلا، و من أفاض بعد طلوع الفجر و قبل أن يفيض الناس، فان كان عالما فعليه الكفارة، و إلاّ فلا شيء عليه، هذا من ناحية.

و من ناحية أخرى ان الصحيحة تدل على أن ترك الوقوف بين الطلوعين عامدا و ملتفتا الى الحكم الشرعي لا يكون مبطلا للحج، و معنى هذا ان الركن هو مسمى الوقوف و التواجد في ليلة العيد. و تؤكد ذلك صحيحة علي بن رئاب أن الصادق عليه السّلام «قال: من أفاض مع الناس من عرفات فلم يلبث معهم بجمع و مضى الى منى متعمدا أو مستخفا فعليه بدنة»1 بتقريب أنها لا تدل على بطلان الحج بترك الوقوف بين الطلوعين، و انما تدل على أن من لم يقف مع الناس بجمع و أفاض قبل طلوع الفجر الى منى عامدا و ملتفتا فعليه كفارة بدنة، و تكون حينئذ منافية من هذه الناحية مع صحيحة مسمع المتقدمة، فانها تدل على أن من أفاض قبل طلوع الفجر فعليه دم شاة، و بما أن صحيحة مسمع مطلقة من جهة كونه عالما بالحكم أو جاهلا به، و صحيحة ابن رئاب مقيدة بالعالم به، بقرينة الاستخفاف، فتصلح أن تكون مقيدة لإطلاقها، و نتيجة ذلك أن من أفاض قبل طلوع الفجر، فان كان جاهلا بالحكم فعليه دم شاة، و إن كان عالما به فعليه بدنة.

لحد الآن قد تبين ان الأظهر عدم بطلان الحج بترك الوقوف بين


 

(1)) <page number=”462″ />الوسائل: الباب 26 من ابواب الوقوف بالمشعر، الحديث: 1.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 463)


[مسألة 374: من ترك الوقوف فيما بين الفجر و طلوع الشمس رأسا فسد حجه]

(مسألة 374): من ترك الوقوف فيما بين الفجر و طلوع الشمس رأسا فسد حجه (1) و يستثنى من ذلك النساء و الصبيان و الخائف و الضعفاء كالشيوخ و المرضى فيجوز لهم حينئذ الوقوف في المزدلفة ليلة العيد و الافاضة منها قبل طلوع الفجر الى منى (2).

الطلوعين في المشعر عامدا و ملتفتا، شريطة أن يكون متواجدا فيه بالليل و لو قليلا، كما هو مقتضى صحيحة مسمع المتقدمة. و على ذلك تحمل صحيحة علي بن رئاب.

(1)في فساد حجه اشكال، و الأظهر عدمه اذا مرّ بالمشعر ليلة العيد، و وقف فيه قليلا كما عرفتم.

و اما الروايات التي تنص على بطلان الحج بترك الوقوف بين الطلوعين، فبما أن موردها ترك الوقوف بالمشعر من أول ليلة العيد الى طلوع الشمس، فهي خارجة عن محل الكلام، فان محل الكلام انما هو فيمن وقف في المشعر مع الناس بالليل، ثم أفاض منه قبل طلوع الفجر عامدا و ملتفتا، فان الأظهر فيه صحة الحج و عدم بطلانه كما عرفتم.

(2)لجملة من النصوص.

منها: صحيحة سعيد الأعرج، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: جعلت فداك، معنا نساء فافيض بهن بليل، فقال: نعم، تريد أن تصنع كما صنع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، قلت: نعم، قال: أفض بهن بليل، و لا تفض بهن حتى تقف بهن بجمع، ثم افض بهن حتى تأتي الجمرة العظمى، فيرمين الجمرة، فان لم يكن عليهن ذبح، فليأخذن من شعورهنّ‌ و يقصّرن من اظفارهنّ‌، و يمضين الى مكة في وجوههنّ‌، و يطفن بالبيت، و يسعين بين الصفا و المروة، ثم يرجعن الى البيت، و يطفن اسبوعا، ثم يرجعن الى منى، و قد فرغن من حجّهن، و قال: إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 464)


[مسألة 375: من وقف في المزدلفة ليلة العيد و أفاض منها قبل طلوع الفجر جهلا منه بالحكم]

(مسألة 375): من وقف في المزدلفة ليلة العيد و أفاض منها قبل طلوع الفجر جهلا منه بالحكم صح حجه على الأظهر (1)،

أرسل معهن أسامة»1.

و منها: صحيحة أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: رخص رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله للنساء و الصبيان أن يفيضوا بليل، و أن يرموا الجمار بليل، و أن يصلوا الغداة في منازلهم، فان خفن الحيض مضين الى مكة و وكلن من يضحي عنهن»2.

و منها: صحيحته الأخرى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: رخص رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله للنساء و الضعفاء أن يفيضوا من جمع بليل، و أن يرموا الجمرة بليل، فاذا ارادوا أن يزوروا البيت و كلوا من يذبح عنهن»3. و هذه النصوص تدل على أنه يجوز للنساء و الصبيان و الضعفاء منهم الشيوخ و المرضى ترك الوقوف فيما بين الطلوعين اختيارا.

و اما الخائف، فقد ورد في مجموعة من الروايات أنه يفيض بالليل، و يرمي بالليل، و يضحى بالليل.

منها: صحيحة عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: لا بأس بأن يرمي الخائف بالليل، و يضحي و يفيض بالليل»4.

و منها: صحيحة زرارة و محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «إنه قال في الخائف: لا بأس بأن يرمي الجمار بالليل، و يضحي بالليل، و يفيض بالليل»5

و منها غيرهما6.

(1)بل مر أن الأظهر صحته حتى اذا أفاض من المشعر قبل طلوع الفجر


 

(1)) <page number=”464″ />الوسائل: الباب 17 من ابواب الوقوف بالمشعر، الحديث: 2.
(2)) الوسائل: الباب 17 من ابواب الوقوف بالمشعر، الحديث: 3.
(3)) الوسائل: الباب 17 من ابواب الوقوف بالمشعر، الحديث: 6.
(4)) الوسائل: الباب 14 من ابواب رمي جمرة العقبة، الحديث: 1.
(5)) الوسائل: الباب 14 من ابواب رمي جمرة العقبة، الحديث: 4.
(6)) راجع الوسائل: الباب 14 من ابواب رمي جمرة العقبة.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 465)


و عليه كفارة شاة (1).

[مسألة 376: من لم يتمكن من الوقوف الاختياري – الوقوف فيما بين الطلوعين – في المزدلفة لنسيان أو لعذر آخر]

(مسألة 376): من لم يتمكن من الوقوف الاختياري – الوقوف فيما بين الطلوعين – في المزدلفة لنسيان أو لعذر آخر أجزأه الوقوف الاضطراري – الوقوف وقتا ما – بعد طلوع الشمس الى زوال يوم العيد، و لو تركه عمدا فسد حجه (2).

عامدا و ملتفتا الى الحكم الشرعي.

(1)هذا في الجاهل بالحكم، و أما العالم به اذا أفاض قبل طلوع الفجر فالأظهر أن كفارته بدنة، كما مر في المسألة (373).

(2)هذا مقتضى مجموعة من النصوص المصرحة بأن الوقت الاضطراري للوقوف بالمشعر من أول طلوع الشمس الى الزوال، و تدل على أن من لم يتمكن من الوقوف الاختياري، و هو الوقوف بين الطلوعين وجب عليه الوقوف بين طلوع الشمس و زوالها.

منها: معتبرة يونس بن يعقوب، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل أفاض من عرفات، فمر بالمشعر، فلم يقف حتى انتهى الى منى فرمى الجمرة، و لم يعلم حتى ارتفع النهار، قال: يرجع الى المشعر فيقف به ثم يرجع و يرمي الجمرة»1 و منها غيرها.


 

(1)) <page number=”465″ />الوسائل: الباب 21 من ابواب الوقوف بالمشعر، الحديث: 3.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 466)


[ادراك الوقوفين أو احدهما]

ادراك الوقوفين أو احدهما تقدم أن كلا من الوقوفين – الوقوف في عرفات و الوقوف في المزدلفة – ينقسم إلى قسمين: اختياري و اضطراري.

فاذا أدرك المكلف الاختياري من الوقوفين كليهما فلا إشكال، و إلا فله حالات:

الاولى: أن لا يدرك شيئا من الوقوفين، الاختياري منهما و الاضطراري أصلا، ففي هذه الصورة يبطل حجه و يجب عليه الاتيان بعمرة مفردة بنفس احرام الحج، و يجب عليه الحج في السنة القادمة (1) فيما إذا كانت استطاعته باقية أو كان الحج مستقرا في ذمته.

الثانية: ان يدرك الوقوف الاختياري في عرفات و الاضطراري في المزدلفة.

(1)تنص على ذلك مجموعة من الروايات:

منها: صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: من أدرك جمعا فقد ادرك الحج، قال: و قال ابو عبد اللّه عليه السّلام: أيّما حاج سائق للهدي، أو مفرد للحج، أو متمتع بالعمرة الى الحج قدم و قد فاته الحج، فليجعلها عمرة، و عليه الحج من قابل»1.

و منها: صحيحته الأخرى، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل جاء حاجا ففاته الحج، و لم يكن طاف، قال: يقيم مع الناس حراما أيام التشريق، و لا عمرة


 

(1)) <page number=”466″ />الوسائل: الباب 27 من ابواب الوقوف بالمشعر، الحديث: 1.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 467)


……….

فيها، فاذا انقضت طاف بالبيت و سعى بين الصفا و المروة و أحل، و عليه الحج من قابل يحرم من حيث أحرم»1.

و منها: صحيحة حريز، قال: «سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن مفرد الحج فاته الموقفان جميعا فقال له الى طلوع الشمس من يوم النحر، فان طلعت الشمس يوم النحر فليس له حج، و يجعلها عمرة و عليه الحج من قابل، قلت: كيف يصنع‌؟ قال: يطوف بالبيت و بالصفا و المروة، فان شاء أقام بمكة، و إن شاء أقام بمنى مع الناس، و إن شاء ذهب حيث شاء، ليس هو من الناس في شيء»2.

و منها: صحيحة ضريس بن أعين، قال: «سألت أبا جعفر عليه السّلام عن رجل خرج متمتعا بالعمرة الى الحج فلم يبلغ مكة إلاّ يوم النحر، قال: يقيم على احرامه، و يقطع التلبية حتى يدخل مكة، فيطوف و يسعى بين الصفا و المروة، و يحلق رأسه و ينصرف الى أهله إن شاء، و قال: هذا لمن اشترط‍‌ على ربه عند احرامه، فان لم يكن اشترط‍‌، فان عليه الحج من قابل»3. ثم ان مقتضى اطلاق هذه الروايات وجوب الحج عليه من قابل، بدون فرق بين بقاء استطاعته اذا كان حجه في سنة الاستطاعة و عدم بقائها، و على الثاني لا فرق بين استقرار الحج عليه و عدم استقراره، و لكن لا بد من رفع اليد عن اطلاقها، و تقييده ببقاء الاستطاعة الى السنة القادمة اذا كان الحج في سنتها، و إلاّ فلا موضوع لوجوب الحج عليه من قابل، هذا من ناحية.

و من ناحية أخرى ان مقتضى تلك الروايات انقلاب احرامه من احرام الحج الى احرام العمرة، باعتبار أن إحرام الحج كإحرام العمرة جزء منه، و مرتبط‍‌ بسائر اجزائه، و على هذا فمقتضى القاعدة اذا بطل الحج بطل احرامه، فاذن


 

(1)) <page number=”467″ />الوسائل: الباب 27 من ابواب الوقوف بالمشعر، الحديث: 3.
(2)) الوسائل: الباب 27 من ابواب الوقوف بالمشعر، الحديث: 4.
(3)) الوسائل: الباب 27 من ابواب الوقوف بالمشعر، الحديث: 2.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 468)


الثالثة: أن يدرك الوقوف الاضطراري في عرفات و الاختياري في المزدلفة ففي هاتين الصورتين يصح حجه بلا إشكال (1).

الحكم بصحة الإحرام الذي أتى به بقصد كونه احرام الحج و جزئه لا يمكن إلاّ بالانقلاب.

(1)للنصوص الخاصة، (أما في الصورة الأولى) ففيها روايات:

منها: صحيحة معاوية بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: من أفاض من عرفات الى منى فليرجع و ليأت جمعا و ليقف بها و إن كان قد وجد الناس قد افاضوا من جمع»1 فانها واضحة الدلالة على أنه اذا أدرك الوقوف الاختياري بعرفة، و الاضطراري بالمشعر كفى. و مثلها صحيحته الأخرى2.

و منها: معتبرة يونس بن يعقوب قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل أفاض من عرفات فمرّ بالمشعر فلم يقف حتى انتهى الى منى، فرمى الجمرة، و لم يعلم حتى ارتفع النهار، قال: يرجع الى المشعر فيقف به، ثم يرجع و يرمي الجمرة»3 فانها ناصة في أنه اذا أدرك الوقوف الاختياري بعرفة، و الوقوف الاضطراري بالمشعر كفى في صحة الحج.

و أما في الصورة الثانية، ففيها روايات:

منها: صحيحة معاوية بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: «قال في رجل أدرك الامام و هو بجمع، فقال إن ظن انه يأتي عرفات فيقف بها قليلا، ثم يدرك جمعا قبل طلوع الشمس فليأتها، و إن ظن أنه لا يأتيها حتى يفيضوا فلا يأتها، و ليقم بجمع، فقد تم حجه»4 و مثلها صحيحته الأخرى5.

و منها: صحيحة الحلبي، قال: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يأتي بعد ما يفيض الناس من عرفات، فقال: إن كان في مهل حتى يأتي عرفات من


 

(1)) <page number=”468″ />الوسائل: الباب 21 من ابواب الوقوف بالمشعر، الحديث: 1.
(2)) الوسائل: الباب 21 من ابواب الوقوف بالمشعر، الحديث: 2.
(3)) الوسائل: الباب 21 من ابواب الوقوف بالمشعر، الحديث: 3.
(4)) الوسائل: الباب 22 من ابواب الوقوف بالمشعر، الحديث: 1.
(5)) الوسائل: الباب 22 من ابواب الوقوف بالمشعر، الحديث: 4.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 469)


الرابعة: أن يدرك الوقوف الاضطراري في كل من عرفات و المزدلفة، و الأظهر في هذه الصورة صحة حجه (1)، و إن كان الأحوط‍‌ إعادته في السنة القادمة إذا بقيت شرائط‍‌ الوجوب أو كان الحج مستقرا في ذمته.

الخامسة: أن يدرك الوقوف الاختياري في المزدلفة فقط‍‌، ففي هذه الصورة يصح حجه أيضا (2).

ليلته، فيقف بها، ثم يفيض فيدرك الناس في المشعر قبل أن يفيضوا فلا يتم حجه حتى يأتي عرفات، و إن قدم رجل و قد فاتته عرفات فليقف بالمشعر الحرام فإنّ‌ اللّه تعالى أعذر لعبده فقد تمّ‌ حجّه اذا ادرك المشعر الحرام قبل طلوع الشمس، و قبل أن يفيض الناس، فان لم يدرك المشعر الحرام، فقد فاته الحج، فليجعلها عمرة مفردة، و عليه الحج من قابل»1.

فالنتيجة ان هذه الروايات واضحة الدلالة على صحة الحج في كلتا الصورتين المفروضتين.

(1)هذا هو الصحيح، و تنص على ذلك صحيحة الحسن العطار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: اذا أدرك الحاج عرفات قبل طلوع الفجر، فأقبل من عرفات و لم يدرك الناس بجمع و وجدهم قد افاضوا، فليقف قليلا بالمشعر الحرام، و ليلحق الناس بمنى، و لا شيء عليه»2 و من هنا يظهر أنه لا وجه للقول بالفساد أصلا، فانه اجتهاد في مقابل النص، كما أنه لا منشأ للاحتياط‍‌ باعادة الحج في السنة القادمة.

(2)تنص على ذلك الروايات المتقدمة كصحيحتي معاوية بن عمار و صحيحة الحلبي.


 

(1)) <page number=”469″ />الوسائل: الباب 22 من ابواب الوقوف بالمشعر، الحديث: 2.
(2)) الوسائل: الباب 24 من ابواب الوقوف بالمشعر، الحديث: 1.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 470)


السادسة: أن يدرك الوقوف الاضطراري في المزدلفة فقط‍‌ ففي هذه الصورة لا تبعد صحة الحج (1)، إلا أن الأحوط‍‌ أن يأتي ببقية الأعمال قاصدا فراغ ذمته عما تعلق بها من العمرة المفردة، أو اتمام الحج، و أن يعيد الحج في السنة القادمة.

(1)في الصحة اشكال بل منع، و الأظهر فساده، و تدل عليه مجموعة من الروايات:

منها: صحيحة الحلبي، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يأتي بعد ما يفيض الناس من عرفات، فقال: ان كان في مهل حتى يأتي عرفات من ليلته، فيقف بها، ثم يفيض فيدرك الناس في المشعر قبل أن يفيضوا، فلا يتم حجه حتى يأتي عرفات، و إن قدم رجل و قد فاتته عرفات فليقف بالمشعر الحرام فإنّ‌ اللّه تعالى أعذر لعبده فقد تمّ‌ حجه اذا ادرك المشعر الحرام قبل طلوع الشمس، و قبل أن يفيض الناس، فان لم يدرك المشعر الحرام، فقد فاته الحج، فليجعلها عمرة مفردة، و عليه الحج من قابل»1.

و منها: صحيحة حريز، قال: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل مفرد للحج فاته الموقفان جميعا، فقال له الى طلوع الشمس يوم النحر، فان طلعت الشمس من يوم النحر فليس له حج، و يجعلها عمرة، و عليه الحج من قابل»2.

و منها: صحيحة محمد بن فضيل، قال: «سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الحد الذي اذا أدركه الرجل أدرك الحج، فقال: اذا أتى جمعا و الناس في المشعر قبل طلوع الشمس فقد أدرك الحج، و لا عمرة له، و إن لم يأت جمعا حتى تطلع الشمس فهي عمرة مفردة، و لا حج له، فان شاء أقام بمكة، و إن شاء رجع، و عليه


 

(1)) <page number=”470″ />الوسائل: الباب 22 من ابواب الوقوف بالمشعر، الحديث: 2.
(2)) الوسائل: الباب 23 من ابواب الوقوف بالمشعر، الحديث: 1.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 471)


……….

الحج من قابل»1 و منها غيرها. و المتحصل من هذه الروايات أمران:

أحدهما: ان من أدرك الموقف الاختياري بالمشعر صح حجّه و إن لم يدرك الموقف بعرفات أصلا حتّى الاضطراري منه.

و الآخر: انه اذا لم يدرك الموقف الاختياري بالمشعر أيضا، تنقلب وظيفته الى عمرة مفردة و الحج من قابل، و لا يكفي في صحته ادراك الوقوف الاضطراري فيه، و هو الوقوف بعد طلوع الشمس الى الزوال من يوم العيد.

و في مقابلها روايات أخرى تنص على امتداد وقت الحج الى زوال يوم النحر.

منها: صحيحة جميل بن دراج عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: من أدرك المشعر يوم النحر قبل زوال الشمس فقد أدرك الحج – الحديث»2.

و منها: صحيحته الأخرى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: من أدرك المشعر الحرام يوم النحر من قبل زوال الشمس فقد أدرك الحج»3.

و منها: صحيحة هشام بن الحكم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: من أدرك المشعر الحرام و عليه خمسة من الناس فقد أدرك الحج»4 و منها غيرها5.

و هذه الروايات تدل على أمرين:

الأول: صحة حج من أدرك الوقوف الاضطراري بالمشعر، و هو الوقوف من طلوع الشمس إلى الزوال من يوم العيد بالنص، بنحو القضية المهملة المتيقنة.

الثاني: صحة حجه مطلقا و إن لم يكن مدركا الوقوف بعرفات حتى الاضطراري منه بالاطلاق، هذا.


 

(1)) <page number=”471″ />الوسائل: الباب 23 من ابواب الوقوف بالمشعر، الحديث: 3.
(2)) الوسائل: الباب 23 من ابواب الوقوف بالمشعر، الحديث: 8.
(3)) الوسائل: الباب 23 من ابواب الوقوف بالمشعر، الحديث: 9.
(4)) الوسائل: الباب 23 من ابواب الوقوف بالمشعر، الحديث: 10.
(5)) الوسائل: الباب 23 من ابواب الوقوف بالمشعر، الحديث: 11.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 472)


……….

و ذكر السيد الاستاذ قدّس سرّه إن بين الطائفتين و إن كانت معارضة بالاطلاق، فان مقتضى اطلاق الطائفة الأولى أن وقت الوقوف بالمشعر ممتد الى طلوع الشمس من يوم العيد حتى للمعذور، و مقتضى اطلاق الطائفة الثانية أن وقته ممتد الى زوال الشمس من يوم العيد للمعذور و غيره، و لكن هناك طائفة ثالثة تنص على امتداد وقته الى الزوال من يوم النحر للمعذور فحسب.

منها: معتبرة عبد اللّه بن المغيرة: «قال: جاءنا رجل بمنى، فقال: إني لم ادرك الناس بالموقفين جميعا – إلى أن قال: فدخل إسحاق بن عمار على ابي الحسن عليه السّلام، فسأله عن ذلك، فقال: اذا أدرك مزدلفة فوقف بها قبل أن تزول الشمس يوم النحر فقد أدرك الحج»1.

و منها: صحيحة الفضل بن يونس عن أبي الحسن عليه السّلام قال: «سألته عن رجل عرض له سلطان فأخذه ظالما له يوم عرفة قبل أن يعرف، فبعث به الى مكة فحبسه، فلما كان يوم النحر خلّى سبيله، كيف يصنع‌؟ فقال: يلحق فيقف بجمع، ثم ينصرف الى منى، فيرمي و يذبح و يحلق، و لا شيء عليه – الحديث»2. و هذه الطائفة تكون شاهدة جمع بينهما، بحمل الطائفة الأولى على أن وقت الحج ممتد الى طلوع الشمس من يوم النحر للمختار، و الطائفة الثانية على أن وقته ممتد الى الزوال للمعذور و غير المتمكن. و بذلك يرتفع التنافي بينهما، فالنتيجة ان من لم يتمكن من ادراك الموقف الاختياري بالمشعر، و تمكن من ادراك الموقف الاضطراري به، فاذا ادركه صح حجه.


 

(1)) <page number=”472″ />الوسائل: الباب 23 من أبواب الوقوف بالمشعر، الحديث: 6.
(2)) الوسائل: الباب 3 من أبواب الاحصار و الصد، الحديث: 2.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 473)


……….

و لنا تعليق على هذا الجمع و حاصله:

ان مفاد الطائفة الأولى ناص في أن من فاته الموقف بعرفات حتى الاضطراري منه، و لم يدرك إلاّ الوقوف في المشعر فحسب، فان كان متواجدا فيه الى طلوع الشمس صح حجه، و إلاّ فلا حج له، و عليه عمرة مفردة و الحج من قابل، و مفاد الطائفة الثانية أن من أدرك الموقف بالمشعر الحرام الى الزوال من يوم العيد فقد أدرك الحج، و لكنه مطلق من ناحية أنه أدرك الوقوف بعرفات أو لم يدركه، فاذن يكون مفادها من هذه الناحية مطلقا.

و بكلمة: ان التنافي بينهما ليس في دلالة الطائفة الأولى على امتداد وقت الوقوف الى طلوع الشمس حتى للمعذور، و دلالة الطائفة الثانية على امتداد وقته الى الزوال من يوم العيد للمعذور فحسب، لأن هذه الدلالة من تبعات الدلالة المطابقية لهما، و التنافي و التعارض بينهما انما هو في تلك الدلالة فان الأولى تنص على أن من فاته الموقف بعرفات حتى الاضطراري منه، و لم يدرك الوقوف في المشعر الحرام الى طلوع الشمس من يوم العيد، فلا حج له، و عليه العمرة المفردة، و الحج من قابل. و الثانية تنص على أن من أدرك الوقوف في المشعر الى الزوال من يوم العيد صح حجه، و لا شيء عليه، فيكون مورد الالتقاء و الاجتماع بينهما من أدرك الوقوف في المشعر من طلوع الشمس من يوم العيد الى زوالها.

فان الطائفة الأولى تنص على أنه لا حج له، و تجب عليه العمرة و الحج من قابل، و الطائفة الثانية تنص على أن من أدرك ذلك فقد أدرك الحج، و لا شيء عليه، و حيث إنها مطلقة من جهة أنه أدرك الموقف بعرفات أو لم يدرك، فلا تصلح أن تعارض الطائفة الأولى، على أساس ما ذكرناه في غير مورد من أن

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 474)


……….

الدلالة الاطلاقية الناشئة من السكوت في مقام البيان من أضعف مراتب الدلالات، فاذن لا بد من تقديم الطائفة الأولى عليها، تطبيقا لقاعدة حمل المطلق على المقيد، و الظاهر على الأظهر، و نتيجة ذلك تقييد اطلاق الطائفة الثانية بما اذا كان مدركا الموقف بعرفات في الجملة و لو الوقوف الاضطراري فيها، و عليه فما ذكره السيد الاستاذ قدّس سرّه من المعارضة بين الطائفتين في غير محله.

و من هنا يظهر أن ما ذكره قدّس سرّه من الروايتين الأخيرتين بعنوان شاهدي جمع بينهما، و هما معتبرة عبد اللّه بن المغيرة، و صحيحة الفضل بن يونس، فهو طرف للمعارضة مع الطائفة الأولى، و يكون التعارض بينهما بالتناقض، فان الطائفة الأولى ناصة في عدم كفاية الوقوف بالمشعر الحرام بعد طلوع الشمس الى الزوال من يوم العيد، و هاتان الروايتان ناصتان في كفاية ذلك.

و على هذا فبما أن الطائفة الأولى موافقة لإطلاق الكتاب، و هو قوله تعالى: فَإِذٰا أَفَضْتُمْ‌ مِنْ‌ عَرَفٰاتٍ‌ فَاذْكُرُوا اللّٰهَ‌ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرٰامِ‌… الى قوله تعالى: ثُمَّ‌ أَفِيضُوا مِنْ‌ حَيْثُ‌ أَفٰاضَ‌ النّٰاسُ‌1 فتتقدم عليها، فالنتيجة أن من لم يدرك الوقوف بعرفات اصلا حتى الاضطراري منه، و إنما ادرك الوقوف الاضطراري في المشعر الحرام فحسب، و هو الوقوف فيه بين طلوع الشمس الى الزوال من يوم العيد فلا حج له، و تنقلب وظيفته الى العمرة المفردة و الحج من قابل. نعم لو لم يكن للطائفة الأولى مرجح سقطت من جهة المعارضة، و المرجع حينئذ اطلاق الطائفة الثانية، حيث لا مقيد له عندئذ، و تؤكد ذلك صحيحة ضريس، قال: «سألت أبا جعفر عليه السّلام عن رجل خرج متمتعا بالعمرة الى الحج فلم يبلغ مكة إلاّ يوم النحر، فقال: يقيم على احرامه، و يقطع التلبية حتى


 

(1)) <page number=”474″ />سورة البقرة، الآية: 198.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 475)


السابعة: أن يدرك الوقوف الاختياري في عرفات فقط‍‌، و الأظهر في هذه الصورة بطلان الحج (1) فينقلب حجه إلى العمرة المفردة، و يستثنى من ذلك ما إذا وقف في المزدلفة ليلة العيد و افاض منها قبل الفجر جهلا منه بالحكم كما تقدم، و لكنه إن أمكنه الرجوع و لو إلى زوال الشمس من يوم العيد وجب ذلك، و إن لم يمكنه صحّ‌ حجّه و عليه كفارة شاة.

يدخل مكة، فيطوف و يسعى بين الصفا و المروة، و يحلق رأسه و ينصرف الى أهله إن شاء – الحديث»1 بتقريب أنه اذا فرض وصوله الى مكة في الساعة الأولى من نهار يوم العيد، فهو متمكن من أن يقوم فورا بانجاز عمرة التمتع، ثم الإحرام للحج، و الذهاب الى المشعر الحرام، فانه بطبيعة الحال اذا صنع ذلك وصل اليه قبل الزوال، لأن انجاز مجموع ذلك ممكن للشخص العادي خلال فترة زمنية لا تزيد عن ثلاث ساعات، بل لو طالت اربع ساعات لكفى أيضا، كما اذا فرض أنه وصل الى مكة في الساعة السادسة صباحا، أو في أول السابعة، و مع هذا فسكوت الصحيحة عن ذلك، و الأمر بتبديل عمرة التمتع بالعمرة المفردة مطلقا، و بدون تفصيل دليل على أن إدراك الموقف الاضطراري في المشعر وحده لا يكفي في صحة الحج.

لحد الآن قد تبيّن أن من فاته الموقف بعرفات مطلقا، و لم يدرك في المشعر الحرام إلاّ الوقوف الاضطراري فحسب، و هو من طلوع الشمس الى الزوال من يوم النحر، فالأظهر أن حجه باطل، و تنقلب وظيفته الى العمرة المفردة، و عليه الحج من قابل شريطة بقاء استطاعته، أو كان الحج مستقرا في ذمته.

(1)في البطلان اشكال، و لا يبعد الصحة، لصحيحة معاوية بن عمار، قال:


 

(1)) <page number=”475″ />الوسائل: الباب 27 من ابواب الوقوف بالمشعر، الحديث: 2.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 476)


……….

«قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: مملوك اعتق يوم عرفة‌؟ قال: اذا أدرك أحد الموقفين فقد أدرك الحج»1 فانها تنص على أن من أدرك أحد الموقفين إما بعرفات، أو بالمشعر الحرام، كفى في صحة حجه، و موردها و إن كان العبد المعتق، إلاّ أن قوله عليه السّلام: «اذا أدرك أحد الموقفين فقد أدرك الحج» بمثابة ضابط‍‌ كلي، حيث ان العرف يفهم منه بمناسبة الحكم و الموضوع الارتكازية أن المناط‍‌ في ادراك الحج انما هو بادراك احد الموقفين من دون خصوصية لمورده، كان العبد المعتق أم غيره.

و بكلمة: ان تطبيق قوله عليه السّلام: «اذا أدرك أحد الموقفين فقد أدرك الحج» على مورد الصحيحة من باب تطبيق الكبرى على الصغرى، هذا.

و قد يستدل على أنه لا يكفي في صحة الحج ادراك الموقف بعرفات فحسب بصحيحة محمد بن فضيل، قال: «سألت أبا الحسن عليه السّلام عن الحد الذي اذا أدركه الرجل أدرك الحج، فقال: اذا أتى جمعا و الناس في المشعر قبل طلوع الشمس فقد أدرك الحج و لا عمرة له، و إن لم يأت جمعا حتى تطلع الشمس فهي عمرة مفردة و لا حج له، فان شاء أقام بمكة و إن شاء رجع، و عليه الحج من قابل»2 بتقريب أن لها دلالتين: دلالة ايجابية، و دلالة سلبية.

أما الأولى: فهي دلالتها على أن من أدرك الموقف في المشعر قبل طلوع الشمس من يوم العيد فقد أدرك الحج، و مقتضى اطلاقها أنه مدرك للحج سواء أ كان مدركا الموقف بعرفات أيضا أم لا، و لا مانع في البين من الأخذ باطلاقها من هذه الناحية.


 

(1)) <page number=”476″ />الوسائل: الباب 17 من ابواب وجوب الحج و شرائطه، الحديث: 2.
(2)) الوسائل: الباب 23 من ابواب الوقوف بالمشعر، الحديث: 3.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 477)


……….

و أما الثانية: فهي دلالتها على أن من لم يأت المشعر الحرام حتى تطلع الشمس من يوم العيد فلا حج له، و عليه عمرة مفردة و الحج من قابل، و مقتضى اطلاقها بطلان حجه في هذه الحالة سواء أ كان مدركا الموقف بعرفات أم لا.

و الجواب أن الصحيحة و ان دلت بدلالتها السلبية على عدم كفاية ادراك الموقف بعرفات وحده إلاّ أن هذه الدلالة لما كانت بالاطلاق الناشئ من سكوت المولى في مقام البيان، و اقتصاره الحكم على من لم يدرك المشعر قبل طلوع الشمس، فلا تصلح أن تعارض اطلاق صحيحة معاوية المشار اليها آنفا، على أساس أن اطلاقها يكون لفظيا، و منشأه عدم تقييد الطبيعي الجامع بحصة خاصة، و من الواضح أن دلالة المطلق بهذا الاطلاق على سراية الحكم الى جميع أفراده أقوى من دلالة الاطلاق السكوتي، فانه في الحقيقة من التعارض بين الناطق و الساكت، و عليه فتتقدم صحيحة معاوية على صحيحة محمد بن فضيل تطبيقا لقاعدة حمل الظاهر على الأظهر.

فالنتيجة ان مقتضى الصناعة أن من لم يدرك إلاّ الموقف بعرفات فحسب صح حجه على الأظهر، و إن كان الأحوط‍‌ و الأجدر به أن يأتي بعمرة مفردة بعد الفراغ من واجبات الحج، و بالحج في العام القادم إن أمكن.

و قد يستدل على ذلك برواية عبيد اللّه و عمران ابني الحلبيين عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: اذا فاتتك المزدلفة فقد فاتك الحج»1 على بطلان الحج بفوت المشعر الحرام، و إن ادرك الموقف الاختياري بعرفات.

و الجواب أولا: ان الرواية ضعيفة سندا، فان في سندها القاسم بن عروة، و هو لم يثبت توثيقه.


 

(1)) <page number=”477″ />الوسائل: الباب 23 من ابواب الوقوف بالمشعر، الحديث: 2.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 478)


……….

و ثانيا: مع الاغماض عن ذلك، و تسليم أنها تامة سندا، إلاّ أن دلالتها على بطلان الحج بفوت المشعر الحرام و عدم كفاية الوقوف بعرفات وحده انما هي بالاطلاق الناشئ من السكوت في مقام البيان، فلا يصلح أن يعارض اطلاق صحيحة معاوية – كما مر -. أو فقل ان حال المتكلم العرفي ارتكازا اذا كان في مقام البيان يقتضي أن كل ما قاله أراده، و كل ما لم يقله لم يرده، و بما أن الدلالة في الأول مستندة الى اللفظ‍‌ و إن كانت بالاطلاق و مقدمات الحكمة، و في الثاني الى السكوت و عدم البيان، فتتقدم الأولى على الثانية بملاك تقديم البيان على عدم البيان، و المقام من هذا القبيل.

بقي هنا شيء: و هو ان من افاض من عرفات مع الناس الى المشعر الحرام، ثم مضى الى منى قبل طلوع الفجر، فان كان جاهلا بالمسألة صح حجه، و عليه كفارة شاة. نعم إذا علم بالحال و تمكن من الرجوع الى المشعر و ادراك الموقف الاضطراري فيه وجب، و تدل على الوجوب مضافا الى أنه مقتضى القاعدة صحيحة محمد بن يحيى الخثعمي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «انه قال في رجل لم يقف بالمزدلفة، و لم يبت بها حتى أتى منى، قال: أ لم ير الناس‌؟ أ لم يذكر منى حين دخلها؟ قلت: فانه جهل ذلك، قال: يرجع، قلت: ان ذلك قد فاته، قال: لا بأس»1. و إن كان عالما بالمسألة فعليه كفارة بدنة، و أما حجه فلا يبعد صحته، و تنص على ذلك روايتان:

احداهما: صحيحة مسمع عن ابي ابراهيم عليه السّلام المتقدمة، و قد مر الكلام في هذه الصحيحة موسعا في المسألة (373).

و الأخرى: صحيحة علي بن رئاب: «ان الصادق عليه السّلام قال: من أفاض مع


 

(1)) <page number=”478″ />الوسائل: الباب 25 من ابواب الوقوف بالمشعر، الحديث: 6.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 479)


الثامنة: أن يدرك الوقوف الاضطراري في عرفات فقط‍‌، ففي هذه الصورة يبطل حجه (1) فيقلبه الى العمرة المفردة.

النّاس من عرفات، فلم يلبث معهم بجمع، و مضى الى منى متعمدا أو مستخفا فعليه بدنة»1 فانها ظاهرة في أنه أفاض من عرفات مع الناس الى جمع، و مضى الى منى، و لم يتوقف معهم فيه مطلقا، و حملها على عدم التوقف و المكث معهم في فترة ما بين الطلوعين فحسب خلاف الظاهر، و على هذا فاذا أفاض الحاج من عرفات مع الناس، و مضى الى منى مارا بالمشعر، و بدون أي توقف فيه صح حجّه على الأظهر، و إن كان ذلك عن عمد و التفات بمقتضى هذه الصحيحة التي هي ظاهرة في أنه فعل ذلك عامدا و ملتفتا. و على هذا الأساس من أفاض من عرفات و مضى الى منى ليلا مارا بالمشعر الحرام، فان كان جاهلا بالحكم صح حجّه و عليه كفارة شاة، و إن كان عالما به فقد تقدم أنه لا يبعد صحة حجه، و لكن عليه كفارة بدنة، و أما اذا أفاض من عرفات مع الناس و مضى الى منى من طريق آخر لا يكون مارا بالمشعر، فان كان جاهلا بالحكم، فالأظهر صحة حجه لإطلاق قوله عليه السّلام في صحيحة معاوية المتقدمة «من أدرك أحد الموقفين فقد أدرك الحج» و أما الكفارة فالظاهر عدم وجوبها، لأن دليلها قاصر عن شمول هذه الصورة، و إن كان عالما بالحكم، أو جاهلا غير معذور بطل حجه، لأنه تارك للوقوف في المشعر متعمدا.

الى هنا قد استطعنا أن نخرج بهذه النتيجة، و هي ان الركن مسمى الكون و التواجد في المشعر من أول ليلة يوم العيد الى طلوع الشمس و إن كان بنحو المرور به، بدون أي توقف و مكث فيه.

(1)الأمر كما أفاده قدّس سرّه لعدم الدليل على الصحة في هذه الصورة،


 

(1)) <page number=”479″ />الوسائل: الباب 26 من ابواب الوقوف بالمشعر، الحديث: 1.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 480)


……….

و قوله عليه السّلام في صحيحة معاوية: «اذا أدرك أحد الموقفين، فقد أدرك الحج»1

منصرف الى خصوص الموقف الاختياري، دون الأعم منه و من الاضطراري.

نتيجة ما ذكرناه حول الموقف في المزدلفة أمور:

الأول: لا يجب على الحاج المبيت في المزدلفة، لأن الواجب عليه أن يكون متواجدا فيها من طلوع الفجر الى طلوع الشمس، و اما قبله فلا يجب، و حينئذ فيجوز له التأخير في الطريق الى حين طلوع الفجر. نعم اذا دخل فيها فلا يجوز له الخروج منها إلاّ اذا كان واثقا بالرجوع اليها حين الفجر.

الثاني: ان حد الموقف في المزدلفة طولا من المأزمين الى وادي محسّر، و هما حدّان و ليسا من الموقف، إلاّ عند الزحام و ضيق الوقت، و حينئذ فتمتد رقعة الموقف و تشمل المأزمين، و هي النقطة الواقعة بين المزدلفة و عرفات، و أما حده عرضا فلا يكون معلوما، و المرجع فيه الخبرة من أهل البلد هناك.

الثالث: أن الأظهر جواز الخروج من المشعر قبل طلوع الشمس بقليل، بحيث لا يتجاوز من وادي محسّر و إلاّ و قد طلعت الشمس عليه، و إن كان الأحوط‍‌ و الأجدر أن لا يخرج قبل طلوع الشمس.

الرابع: ان الركن هو مسمّى الوقوف بالمشعر، يعني الوقوف بفترة قصيرة فيه بين ليلة العيد الى طلوع الشمس، لا خصوص الوقوف بين الطلوعين، فلو وقف في المشعر ليلا، ثم خرج منه عامدا و ملتفتا قبل الفجر الى منى صح حجه على الأظهر، و لكن عليه كفارة بدنة، و إن فعل ذلك جاهلا فعليه دم شاة، بل لا يبعد كفاية المرور بالمشعر ليلا بدون أي توقف فيه.


 

(1)) <page number=”480″ />الوسائل: الباب 17 من ابواب وجوب الحج و شرائطه، الحديث: 2.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 481)


……….

الخامس: يجوز للصبيان و النساء و الضعفاء أن يفيضوا بليل، و يرموا بليل، و يحلقوا أو يقصروا بليل، و لا يجوز لهم أن يضحوا بليل، و اما الخائف فيجوز له أن يمارس جميع أعمال منى بالليل.

السادس: ان من لم يدرك من الموقفين إلاّ الموقف الاضطراري في المشعر الحرام، و هو من طلوع الشمس من يوم العيد الى الزوال، فالأظهر بطلان حجه، و وظيفته تنقلب حينئذ من حج التمتع لحجة الإسلام الى العمرة المفردة، و عليه الحج في السنة القادمة شريطة بقاء استطاعته، أو كان الحج مستقرا في ذمته.

السابع: ان من لم يدرك إلاّ الموقف الاختياري بعرفات فحسب، من دون أن يدرك الموقف بالمشعر، لا الاختياري منه و لا الاضطراري صح حجه، و إن كان الأحوط‍‌ و الأجدر به أن يأتي بعمرة مفردة بعد الفراغ من واجبات الحج، و بالحج في العام القادم.

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 482)


[4 – رمي جمرة العقبة]

منى و واجباتها إذا أفاض المكلف من المزدلفة وجب عليه الرجوع الى منى، لأداء الأعمال الواجبة هناك، و هي – كما نذكرها تفصيلا – ثلاثة:

1 – رمي جمرة العقبة الرابع من واجبات الحج: رمي جمرة العقبة (1)

(1)تدل على وجوبها مجموعة من الروايات، و يمكن تصنيفها الى طوائف:

الطائفة الأولى: متمثلة في صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

«قال: خذ حصى الجمار، ثم ائت الجمرة القصوى التي عند العقبة، فارمها من قبل وجهها، و لا ترمها من اعلاها – الحديث»1 فانها ظاهرة في وجوب رمي جمرة العقبة من طرف وجهها.

الطائفة الثانية: متمثلة في مجموعة من الروايات:

منها: صحيحة سعيد الأعرج، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: جعلت فداك معنا نساء، فأفيض بهن بليل، الى أن قال عليه السّلام: و لا تفض بهن حتى تقف بهن بجمع، ثم افض بهن حتى تأتي الجمرة العظمى فيرمين الجمرة، فإن لم يكن عليهن ذبح فليأخذن من شعورهن و يقصّرن من اظفارهن – الحديث»2 فانها تدل على أمرين:


 

(1)) <page number=”482″ />الوسائل: الباب 3 من ابواب رمي جمرة العقبة، الحديث: 1.
(2)) الوسائل: الباب 17 من ابواب الوقوف بالمشعر، الحديث: 2.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 483)


……….

أحدهما: أن من يجوز له أن يفيض من المشعر بليل، يجوز له أن يرمي جمرة العقبة بليل.

و الآخر: أن من لا يجوز له أن يفيض من المشعر بليل، فوظيفته أن يرمي الجمرة في يوم العيد.

و منها: صحيحة ابي بصير عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: رخص رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله للنساء و الصبيان أن يفيضوا بليل، و أن يرموا الجمار بليل، و أن يصلوا الغداة في منازلهم، فإن خفن الحيض مضين الى مكة، و وكلن من يضحي عنهن»1 فانها تدل على أن اصل وجوب الرمي أمر مفروغ عنه، و الرواية انما هي في مقام بيان مسألة أخرى، و هي أن من يجوز له الافاضة من المشعر ليلا، فاذا افاض جاز له رمي الجمرة في الليل، و من لا يجوز له ذلك فوظيفته أن يرميها في نهار يوم العيد، و منها غيرها2.

الطائفة الثالثة: الروايات البيانية، فانها تدل على أنه من اجزاء الحج و واجباته، منها قوله عليه السّلام في صحيحة معاوية بن عمار الطويلة: «و أمرهم أن لا يرموا الجمرة – جمرة العقبة – حتى تطلع الشمس، فلما اضاء له النهار أفاض حتى انتهى الى منى فرمى جمرة العقبة – الحديث»3.

الطائفة الرابعة: الروايات التي تنص على وجوب الاستنابة في الرمي عن المريض و الكسير و المبطون.

منها: صحيحة معاوية بن عمار و عبد الرحمن بن الحجاج جميعا عن أبي


 

(1)) <page number=”483″ />الوسائل: الباب 17 من ابواب الوقوف بالمشعر، الحديث: 3.
(2)) راجع الوسائل: الباب 17 من أبواب الوقوف بالمشعر.
(3)) الوسائل: الباب 2 من ابواب اقسام الحج، الحديث: 4.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 484)


يوم النحر (1) و يعتبر فيه أمور:

1 – نية القربة (2).

2 – أن يكون الرمي بسبع حصيات و لا يجزئ الاقل من ذلك (3)

عبد اللّه عليه السّلام: «قال: الكسير و المبطون يرمى عنهما، قال: و الصبيان يرمى عنهم»1.

و منها: موثقة اسحاق بن عمار: «انه سأل ابا الحسن موسى عليه السّلام عن المريض ترمى عنه الجمار، قال: نعم يحمل الى الجمرة و يرمى عنه، قلت لا يطيق ذلك، قال: يترك في منزله و يرمى عنه»2 و منها غيرهما3. فانها تدل بوضوح على وجوب رمي جمرة العقبة، و إلاّ فلا مقتضي لوجوب الاستنابة عنه عند العذر.

(1)تنص عليه الطائفة الثانية و الثالثة و غيرهما من الروايات.

(2)و قد تقدم ان المعتبر في صحة كل عبادة أمور: الأول: قصد القربة.

الثاني: قصد الاخلاص، و نعني به عدم الرياء. الثالث: أن يقصد الاسم الخاص لها، و اذا أراد أن يأتي برمي الجمرة يقول: أرمي جمرة العقبة في حج التمتع من حجة الإسلام قربة الى اللّه تعالى. و اذا كان نائبا ذكر اسم المنوب عنه، و اذا كان حجا مستحبا اسقط‍‌ كلمة حجة الإسلام، و اذا كان منذورا ابدلها بكلمة الحجة المنذورة و هكذا.

(3)تدل عليه مجموعة من الروايات:

منها: صحيحة معاوية بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام في حديث، قال:

«و قال في رجل رمى الجمار فرمى الأولى بأربع و الأخيرتين بسبع سبع. قال:

يعود فيرمي الاولى بثلاث و قد فرغ، و إن كان رمى الاولى بثلاث و رمى


 

(1)) <page number=”484″ />الوسائل: الباب 17 من أبواب رمي جمرة العقبة، الحديث: 1.
(2)) الوسائل: الباب 17 من أبواب رمي جمرة العقبة، الحديث: 2.
(3)) راجع الوسائل: الباب 17 من ابواب رمي جمرة العقبة.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 485)


كما لا يجزئ رمي غيرها من الاجسام (1).

الاخيرتين بسبع سبع فليعد و ليرمهنّ‌ جميعا بسبع سبع، و إن كان رمى الوسطى بثلاث ثم رمى الأخرى فليرم الوسطى بسبع، و إن كان رمى الوسطى بأربع رجع فرمى بثلاث»1 فانها ناصة في عدم كفاية الأقل، و احتمال الفرق بين أن يكون رمي الجمرة العقبى في يوم النحر و أن يكون رميها مع الأولى و الوسطى في اليوم الحادي عشر و الثاني عشر، بأن يجزي الأقل في الأول دون الثاني، غير محتمل عرفا، و تدل على ذلك أيضا صحيحته الأخرى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «انه قال في رجل أخذ احدى و عشرون حصاة، فرمى بها فزادت واحدة، فلم يدر أيّهن نقص، قال: فليرجع و ليرم كل واحدة بحصاة، فان سقطت عن رجل حصاة فلم يدر أيّهن هي، فليأخذ من تحت قدميه حصاة و يرمي بها – الحديث»2 و مثلها صحيحته الثالثة عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «في رجل رمى الجمرة الأولى بثلاث، و الثانية بسبع، و الثالثة بسبع، قال: يعيد يرميهن جميعا بسبع سبع، قلت: فان رمى الأولى بأربع و الثانية بثلاث و الثالثة بسبع قال: يرمي الجمرة الأولى بثلاث، و الثانية بسبع، و يرمي جمرة العقبة بسبع، قلت: فانه رمى الجمرة الأولى بأربع و الثانية بأربع و الثالثة بسبع، قال: يعيد فيرمي الأولى بثلاث، و الثانية بثلاث، و لا يعيد على الثالثة»3 و غيرها من الروايات.

(1)هذا هو المستفاد من الروايات الكثيرة في مختلف الموارد.

منها: صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام: «قال حصى الجمار إن أخذته من الحرم أجزأك، و إن أخذته من غير الحرم لم يجزئك، قال: و قال: لا ترم الجمار إلاّ بالحصى»4.


 

(1)) <page number=”485″ />الوسائل: الباب 6 من ابواب العود الى منى، الحديث: 1.
(2)) الوسائل: الباب 7 من أبواب العود الى منى، الحديث: 1.
(3)) الوسائل: الباب 6 من ابواب العود الى منى، الحديث: 2.
(4)) الوسائل: الباب 4 من أبواب رمي جمرة العقبة، الحديث: 1.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 486)


3 – أن يكون رمي الحصيات واحدة بعد واحدة فلا يجزئ رمي اثنتين أو أكثر مرة واحدة (1).

4 – أن تصل الحصيات الى الجمرة (2).

5 – أن يكون وصولها الى الجمرة بسبب الرمي فلا يجزئ وضعها عليها (3). و الظاهر جواز الاجتزاء بما إذا رمى فلاقت الحصاة في طريقها شيئا ثم اصابت الجمرة، نعم، إذا كان ما لاقته الحصاة صلبا فطفرت منه فأصابت الجمرة لم يجزئ ذلك (4).

(1)هذا هو المتفاهم العرفي من الصحاح المتقدمة لمعاوية بن عمار، فان الظاهر عرفا من رمي الجمار فيها بسبع هو سبع مرات، و يؤكد ذلك قوله عليه السّلام في صحيحة معاوية الثانية: «فزادت واحدة فلم يدر أيهن نقص» فانه يدل على أن الواجب هو رمي كل حصاة برمي مستقل، هذا. اضافة الى أن سيرة المسلمين أيضا قد جرت على ذلك، بل يمكن استفادته من الروايات التي تدل على استحباب التكبيرة عند كل رمي.

(2)لأن الغرض من وجوب رمي الجمرة بحصاة، هو وصول الحصاة اليها، لا مجرد الرمي و إن لم تصل هذا. اضافة الى أن قوله عليه السّلام في صحيحة معاوية بن عمار: «فان رميت بحصاة فوقعت في محمل فأعد مكانها – الحديث»1 يدل على ذلك.

(3)لأن مقتضى النصوص أن المأمور به وصول الحصاة الى الجمرة بالرمي، فلا تشمل وضعها عليها، لعدم كونه مصداقا له.

(4)لأن الظاهر من الروايات عرفا أن الواجب هو ايصال الحصاة الى الجمرة بالرمي لا مطلقا، و أما اذا وصلت الى جسم آخر صلب و هو المرمى ثم


 

(1)) <page number=”486″ />الوسائل: الباب 6 من ابواب رمي جمرة العقبة، الحديث: 1.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 487)


6 – أن يكون الرمي بين طلوع الشمس و غروبها (1)

طفرت منه الى الجمرة فلا يكون مشمولا لها، كما اذا كان في مقابل الجمرة جسم صلب و هو يرمي ذلك الجسم بقصد أن الحصاة تطفر منه الى الجمرة، لأن الروايات منصرفة عن ذلك جزما. نعم اذا كان المرمى الجمرة، و هو قاصد الوصول اليها و لكن لاقت الحصاة في الطريق جسما آخر ثم وصلت اليها، فهي لا تضر و لا تمنع عن شمول الروايات له. و ينص عليه أيضا قوله عليه السّلام في صحيحة معاوية بن عمار: «و ان اصابت انسانا أو جملا، ثم وقعت على الجمار أجزاك»1.

و دعوى: ان اطلاقه يشمل ما اذا اصابت انسانا أو جملا ثم طفرت منه و وقعت على الجمار.

مدفوعة: بأن الظاهر منه عرفا ان اصابتها للإنسان او الجمل في طريق وصولها الى الجمار لا تكون مانعة عن صدق وصولها اليها بالرمي.

(1)تنص عليه عدة من الروايات:

منها: صحيحة جميل بن دراج عن ابي عبد اللّه عليه السّلام في حديث: «قلت له:

الى متى يكون رمي الجمار؟ فقال: من ارتفاع النهار الى غروب الشمس»2.

و منها: صحيحة صفوان بن مهران، قال: «سمعت ابا عبد اللّه عليه السّلام يقول: ارم الجمار ما بين طلوع الشمس الى غروبها»3.

و منها: صحيحة منصور بن حازم عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: رمي الجمار ما بين طلوع الشمس الى غروبها»4 و منها غيرها5.


 

(1)) <page number=”487″ />الوسائل: الباب 6 من ابواب رمي جمرة العقبة، الحديث: 1.
(2)) الوسائل: الباب 13 من ابواب رمي جمرة العقبة، الحديث: 1.
(3)) الوسائل: الباب 13 من ابواب رمي جمرة العقبة، الحديث: 2.
(4)) الوسائل: الباب 13 من ابواب رمي جمرة العقبة، الحديث: 4.
(5)) راجع الوسائل: الباب 13 من ابواب رمي جمرة العقبة.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 488)


و يجزئ للنساء و سائر من رخص لهم الافاضة من المشعر في الليل أن يرموا بالليل (ليلة العيد) لكن يجب عليهم تأخير الذبح و النحر (1)

(1)الأمر كما أفاده قدّس سرّه و ذلك لأن الروايات التي تنص على ترخيص الضعفاء بالافاضة ليلا من المشعر الحرام، انما تنص على أنه يجوز لهم أن يرموا جمرة العقبة بالليل، و لا تنص على أنه يجوز لهم أن يذبحوا أو ينحروا بالليل، فاذن جواز ذلك بحاجة الى دليل، على اساس أن موضعه من الناحية الزمانية النهار، و الأحوط‍‌ أن يكون في يوم العيد، و هو اليوم العاشر من ذي الحجة، و إن كان الأقوى جواز تأخيره.

قد يقال – كما قيل – ان صحيحة ابي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال:

رخص رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله للنساء و الضعفاء أن يفيضوا من جمع بليل، و أن يرموا الجمرة بليل، فاذا أرادوا أن يزوروا البيت وكّلوا من يذبح عنهن»1 تدل على أنه يجوز لهم الذبح بالليل، كما تجوز لهم الافاضة و الرمي، بدعوى أنها باطلاقها تشمل ما اذا أرادوا زيارة البيت في الليل فانهم حينئذ يوكلوا من يذبح عنهم، بنكتة أن موضع الطواف من الناحية التسلسلية يكون بعد الذبح أو النحر.

و الجواب: انها لا تدل على ذلك، لوضوح أن الذبح لو كان جائزا لهم في الليل لم تكن هناك حاجة الى توكيل من يذبح عنهم، فانهم اذا ارادوا أن يزوروا البيت ليلا فيقومون بانفسهم بالذبح أو النحر في الليل، كما يقومون كذلك برمي الجمرة فيه، ثم يزورون البيت. فالنتيجة أن أمر الإمام عليه السّلام بالتوكيل اذا أرادوا زيارة البيت ليلا، يدل على أنه لا يجوز لهم الذبح أو النحر في الليل.

و بكلمة: ان المستفاد من رواية التوكيل عرفا هو أن الضعفاء اذا افاضوا من المشعر ليلا و رموا الجمرة ليلا و أرادوا زيارة البيت، فمعنى هذا أنهم لا يريدون البقاء في منى حتى يقوموا في يوم العيد باعمال ذلك اليوم، منها الذبح


 

(1)) <page number=”488″ />الوسائل: الباب 17 من ابواب الوقوف بالمشعر، الحديث: 6.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 489)


الى يومه و الأحوط‍‌ تأخير التقصير أيضا (1) و يأتون بعد ذلك اعمال الحج الا الخائف على نفسه من العدو فانه يذبح و يقصر ليلا (2) كما سيأتي.

أو النحر، فلذلك أمروا بتوكيل من يذبح عنهم في نهار العيد هذا. اضافة الى أن سكوت هذه الروايات عن الذبح لهم بالليل، و تصريح روايات الخائف بجوازه له بالليل شاهد على عدم جوازه لهم ليلا، هذا من ناحية، و من ناحية اخرى ان مقتضاها جواز التقصير أو الحلق لهم بالليل على اساس أن موضعه من الناحية التسلسلية قبل زيارة البيت.

(1)بل الأظهر جوازه بالليل، لصحيحة سعيد الأعرج المتقدمة1.

و دعوى: أن قوله عليه السّلام فيها: «فان لم يكن عليهن ذبح فليأخذن من شعورهن، و يقصرن من أظفارهن، و يمضين الى مكة» يدل بمقتضى مفهوم الشرط‍‌ أنه اذا كان عليهن ذبح لم يجز لهن ذلك.

مدفوعة: بأن الظاهر منه عرفا انه اذا كان عليهن ذبح فليوكلن فيه أولا، ثم يقمن الى زيارة البيت، كما ورد نظير هذا في صحيحة ابي بصير المتقدمة، فان مفادها كما مر أنه لا يجوز لهن الذبح في الليل، فاذا كان عليهن ذبح و أردن زيارة البيت فعليهن أن يوكلن فيه حتى يقوم بالذبح عنهن في يوم العيد، ثم يقصرن و يمضين الى مكة ليلا لزيارة البيت، و من هنا قلنا أن هذه الصحيحة تدل على عدم جواز الذبح لهن في الليل، كما أن مقتضاها جواز التقصير لهن فيه او لا أقلّ‌ من الاجمال فالمرجع صحيحة ابي بصير.

(2)تنص عليه مجموعة من الروايات:

منها: صحيحة عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: لا بأس بأن يرمي الخائف بالليل، و يضحي و يفيض بالليل»2.


 

(1)) <page number=”489″ />الوسائل: الباب 17 من ابواب الوقوف بالمشعر، الحديث: 2.
(2)) الوسائل: الباب 14 من ابواب رمي جمرة العقبة، الحديث: 1.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 490)


[مسألة 377: إذا شك في الاصابة و عدمها بنى على العدم]

(مسألة 377): إذا شك في الاصابة و عدمها بنى على العدم إلا أن يدخل في واجب آخر مترتب عليه أو كان الشك بعد دخول الليل (1).

[مسألة 378: يعتبر في الحصيات أمران]

(مسألة 378): يعتبر في الحصيات أمران:

1 – أن تكون من الحرم (2) و الأفضل أخذها من المشعر.

و منها: صحيحة زرارة و محمد بن مسلم عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «أنّه قال في الخائف: لا بأس بأن يرمي الجمار بالليل، و يضحي بالليل، و يفيض بالليل»1.

و منها غيرهما2.

(1)لقاعدة التجاوز، و قد ذكرنا في علم الأصول أن هذه القاعدة بما أنها قاعدة عقلائية، و تكون حجيتها من باب الأمارية و الكاشفية، لا من باب التعبد الصرف، فلا تختص بباب دون باب. نعم اذا كان الشك في الإصابة قبل الدخول في واجب آخر مترتب عليه أو قبل الدخول في الليل، فلا بد من الاعتناء به و الاتيان بالمشكوك.

(2)تدل عليه مجموعة من الروايات:

منها: صحيحة زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: حصى الجمار إن أخذته من الحرم أجزأك، و إن أخذته من غير الحرم لم يجزئك، قال: و قال لا ترم الجمار إلاّ بالحصى»3.

و منها: صحيحة حنان بن سدير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: يجزيك أن تأخذ حصى الجمار من الحرم كله، إلاّ من المسجد الحرام و مسجد الخيف»4.

و منها: صحيحة معاوية بن عمار: «قال: خذ حصى الجمار من جمع، و إن


 

(1)) <page number=”490″ />الوسائل: الباب 14 من ابواب رمي جمرة العقبة، الحديث: 4.
(2)) راجع الوسائل: الباب 14 من أبواب رمي جمرة العقبة.
(3)) الوسائل: الباب 4 من ابواب رمي جمرة العقبة، الحديث: 1.
(4)) الوسائل: الباب 19 من ابواب الوقوف بالمشعر، الحديث: 4.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 491)


2 – أن تكون أبكارا على الأحوط‍‌ (1) بمعنى أنها لم تكن مستعملة في الرمي قبل ذلك، و يستحب فيها أن تكون ملوّنة و منقطة و رخوة، و ان يكون حجمها بمقدار أنملة، و ان يكون الرامي راجلا و على طهارة.

[مسألة 379: إذا زيد على الجمرة في ارتفاعها ففي الاجتزاء برمي المقدار الزائد اشكال]

(مسألة 379): إذا زيد على الجمرة في ارتفاعها ففي الاجتزاء برمي المقدار الزائد اشكال (2)، فالأحوط‍‌ أن يرمي المقدار الذي كان سابقا فان لم يتمكن من ذلك رمى المقدار الزائد بنفسه و استناب شخصا آخر لرمي المقدار المزيد عليه، و لا فرق في ذلك بين العالم و الجاهل و الناسي.

أخذته من رحلك بمنى اجزأك»1 و لا يبعد دلالة هذه الصحيحة على أفضلية أخذها من المشعر.

(1)لا بأس بتركه و إن كان أولى و أجدر، على أساس أن الروايات الدالة على ذلك جميعا ضعيفة السند، فلا يمكن الاعتماد على شيء منها.

(2)الظاهر أنه لا اشكال فيه، و ذلك لأن الجمرة الموجودة في زمن المعصومين عليهم السّلام لم تبق جزما، بل الجمرة الموجودة قبل سنين غير باقية، لأنها دفنت تحت الأرض، و بنيت عليها بناية حديثة بارتفاع عدة امتار باسم الجمرة، و على هذا فوظيفة الحجاج رميها تنفيذا لهذا الشعار الاسلامي الذي هو رمز للابتعاد من أخطر عدوه، و حيث إن الجمرة الموجودة في زمن المعصومين عليهم السّلام لم تحدد في الروايات لا طولا و لا عرضا لكي يقال بعدم كفاية رمي المقدار الزائد عليها، هذا. اضافة الى أنه لا موضوعية للجمرة السابقة و لا لموضعها الطبيعي من الناحية المكانية الذي كانت الجمرة فيه، لأنه مدفون تحت الأرض، و إلاّ فلازمه سقوط‍‌ هذا الحكم عن المسلمين، و هو كما ترى، فاذن وجوب رمي الجمرة الجديدة المبنية فوق ذلك الموضع عموديا ليس إلاّ أنه رمز


 

(1)) <page number=”491″ />الوسائل: الباب 4 من ابواب رمي جمرة العقبة، الحديث: 2.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 492)


[مسألة 380: إذا لم يرم يوم العيد نسيانا أو جهلا منه بالحكم لزمه التدارك إلى اليوم الثالث عشر]

(مسألة 380): إذا لم يرم يوم العيد نسيانا أو جهلا منه بالحكم لزمه التدارك إلى اليوم الثالث عشر (1)

و شعار للإسلام، و من هنا اذا فرض عدم بناء جمرة جديدة فيه، أو فرض نصب شاخص مكانه من خشب أو حديد، فهل يحتمل أن لا يجب على الحجاج رمي ذلك الموضع او الشاخص‌؟ و الجواب: كلا، و يجب عليهم ذلك، و لا يحتمل سقوط‍‌ هذا الحكم الاسلامي عنهم.

و تؤكد ذلك صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: ان أوّل من رمى الجمار آدم عليه السّلام، و قال: أتى جبرئيل إبراهيم عليه السّلام فقال: إرم يا إبراهيم، فرمى جمرة العقبة، و ذلك أن الشيطان تمثل له عندها»1 بتقريب أن الظاهر منها أن تشريع رمي الجمرة في الحقيقة انما هو من أجل رجم الشيطان عندها بالحصى رمزيا، و أظهر منها رواية علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام قال: «سألته عن رمي الجمار لم جعلت‌؟ قال: لأن ابليس اللعين كان يتراءى لإبراهيم عليه السّلام في موضع الجمار فرجمه إبراهيم عليه السّلام فجرت السنة بذلك»2 و مثلها روايته الأخرى3 ، و على هذا فالأظهر كفاية رمي الجمرة الحالية من اسفلها الى أعلاها، و إن كان الأولى و الأجدر رمي وسطها.

(1)قد استدل على ذلك بصحيحة عبد اللّه بن سنان، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل أفاض من جمع حتى انتهى الى منى فعرض له عارض فلم يرم حتى غابت الشمس، قال: يرمي اذا اصبح مرتين مرة لما فاته، و الأخرى ليومه الذي يصبح فيه، و ليفرّق بينهما يكون أحدهما بكرة و هي للأمس، و الأخرى عند زوال الشمس»4 بدعوى أنها تشمل الناسي و الجاهل معا، بل تعم ما اذا كان تركه عن تساهل و تسامح، هذا. و لكن شمولها للجاهل لا يخلو


 

(1)) <page number=”492″ />الوسائل: الباب 4 من ابواب العود الى منى، الحديث: 4.
(2)) الوسائل: الباب 4 من ابواب العود الى منى، الحديث: 3.
(3)) الوسائل: الباب 4 من ابواب العود الى منى، الحديث: 7.
(4)) الوسائل: الباب 15 من ابواب رمي جمرة العقبة، الحديث: 1.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 493)


……….

عن اشكال، بل منع، فان قوله: «فعرض له عارض فلم يرم – الحديث» ظاهر في عروض مانع عن الرمي كالنسيان أو نحوه، و لا يعم الجهل، لأنه اذا كان جاهلا بالحكم من الأول لم يصدق عليه أنه بعد وصوله الى منى عرض له عارض فلم يرم، كما أن شمولها للترك تسامحا و تساهلا لا يخلو عن اشكال، بل منع.

و لمزيد التوضيح للمسألة و تكميلها نظريا و تطبيقيا نذكر فيما يلي صورا:

الأولى: قد تسأل عن أن حكم الجاهل بوجوب الرمي يوم العيد هل هو حكم الناسي في وجوب القضاء؟

الجواب: الظاهر أن حكم الجاهل حكم الناسي فيه، فان الصحيحة و إن لم تشمل الجاهل، إلاّ أنه لا يحتمل عرفا بمناسبة الحكم و الموضوع الارتكازية أن تركه اذا كان مستندا الى النسيان، أو الى مانع آخر موجب للقضاء، دون ما اذا كان مستندا الى الجهل، إذ احتمال ان القضاء واجب على الناسي دون الجاهل، و لا سيما اذا كان جهله بسيطا و كان مكلفا بالواقع غير محتمل. و تؤكد ذلك صحيحة معاوية بن عمار، قال: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام: ما تقول في امرأة جهلت أن ترمي الجمار حتى نفرت الى مكة، قال: فلترجع فلترم الجمار كما كانت ترمي، و الرجل كذلك»1 بتقريب ان احتمال اختصاص هذا الحكم بالجمار و عدم شموله للجمرة العقبة بعيد جدا عن الارتكاز العرفي. و مثلها صحيحته الأخرى2.

الثانية: قد تسأل عن حكم من ذبح يوم العيد، و حلق أو قصر و زار البيت،


 

(1)) <page number=”493″ />الوسائل: الباب 3 من ابواب العود الى منى، الحديث: 1.
(2)) الوسائل: الباب 3 من ابواب العود الى منى، الحديث: 3.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 494)


……….

و ترك رمي جمرة العقبة نسيانا أو جهلا بالحكم، فهل تجب عليه الاعادة‌؟

و الجواب: لا تجب عليه الاعادة، و تدل على ذلك جملة من الروايات.

منها: صحيحة محمد بن حمران، قال: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل زار البيت قبل أن يحلق، قال: لا ينبغي إلاّ أن يكون ناسيا، ثم قال: إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أتاه أناس يوم النحر فقال بعضهم: يا رسول اللّه ذبحت قبل أن أرمي، و قال بعضهم: ذبحت قبل أن احلق، فلم يتركوا شيئا أخروه، و كان ينبغي أن يقدّموه، و لا شيئا قدّموه كان ينبغي لهم أن يؤخّروه إلا قال: لا حرج»1.

و منها: صحيحة جميل بن دراج2 ، و منها غيرها3 ، بتقريب أن هذه الروايات ظاهره في أن تقديم ما ينبغي تأخيره، و تأخير ما ينبغي تقديمه في اعمال و مناسك منى لا يضر و إن كان عن جهل، بل عن علم و عمد، و ذلك لمكان وجود قرائن داخلية و خارجية:

الأولى: أن مجيئهم الى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سؤالهم عن صحة ما صنعوا به يدل على أنهم لم يكونوا واثقين بصحة ما صنعوا به، و مترددين فيها، اذ لو كانوا واثقين بها لم يقوموا بعملية السؤال.

الثانية: ان في نفس صيغة السؤال في تلك الروايات اشارة الى أنهم كانوا ملتفتين الى مواضع هذه الأعمال من الناحية التسلسلية زمانا و مكانا و موضعا.

الثالثة: موثقة عمار الساباطي في حديث قال: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل حلق قبل أن يذبح، قال: يذبح و يعيد الموسى، لأن اللّه تعالى يقول: لا


 

(1)) <page number=”494″ />الوسائل: الباب 2 من ابواب الحلق و التقصير، الحديث: 2.
(2)) الوسائل: الباب 39 من ابواب الذبح، الحديث: 4.
(3)) الوسائل: الباب 39 من أبواب الذبح، الحديث: 6 و 8 و 9.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 495)


……….

تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله»1 بتقريب أن الأمر باعادة الموسى مع أنها ليست حلقا يدل على أن الحلق قد سقط‍‌ عنه، و إلاّ لأمر بالتقصير بديلا عنه، بناء على ما استظهرناه من التخيير بينه و بين الحلق، و على تقدير تعين الحلق عليه فيؤخر الى أن ينبت الشعر على رأسه، ثم يحلق، حيث ان وقت الحلق يمتد الى آخر ذي الحجة، فإذا صبر الى اسبوعين أو أقل يتمكن بعد ذلك من الحلق، فعدم أمر الإمام عليه السّلام بالتأخير، و أمره باعادة الموسى رغم أنها ليست حلقا، فلا محالة يكون للمشاكلة و المشابهة، و لا فرق في ذلك بين أن يكون الأمر بها وجوبيا أو استحبابيا، هذا من ناحية.

و من ناحية أخرى ان اطلاق الجواب فيها، و عدم التفصيل فيه، يشمل ما اذا كان الحلق قبل الذبح عامدا و ملتفتا.

و أما الآية الشريفة فانما هي في مقام بيان أن موضع الحلق بعد الذبح، و مقتضى ذلك و إن كان وجوب الترتيب بينهما تكليفا و وضعا، و لكن لا بد من رفع اليد عن هذا الاطلاق و تقييده بوجوب الترتيب بينهما تكليفا للقرائن المتقدمة، و ما يأتي.

الرابعة: صحيحة عبد اللّه بن سنان عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن رجل حلق رأسه قبل أن يضحي، قال: لا بأس، و ليس عليه شيء، و لا يعودن»2

فانها تدل بوضوح على عدم البأس بالحلق قبل الذبح، و لكن لا بد من حمله على عدم البأس الوضعي، لا الأعم منه و من التكليفي، و أما أن اطلاقها يشمل العالم بالحكم أيضا، فانه مضافا الى كونها في مقام البيان و لم تقيد الرجل الذي حلق رأسه قبل أن يضحي بالناسي أو الجاهل، فيكفي قوله عليه السّلام في ذيلها: «و لا يعودن»


 

(1)) <page number=”495″ />الوسائل: الباب 39 من ابواب الذبح، الحديث: 8.
(2)) الوسائل: الباب 39 من ابواب الذبح، الحديث: 10.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 496)


……….

لأنه ظاهر عرفا في أن ما فعله أولا كان عن عمد و التفات، اذ لو كان عن نسيان أو جهل مركب فلا معنى لنهيه عن العود، فيكون النهي عنه حينئذ قرينة على أن تقديم الحلق على الذبح كان عن عمد.

فالنتيجة لحد الآن قد تبين أن وجوب التسلسل بين أعمال منى إنّما يكون تكليفيا، دون الأعم منه و من الوضعي.

قد يقال – كما قيل – أن قوله عليه السّلام في صحيحة سعيد الأعرج: «فان لم يكن عليهن ذبح فليأخذن من شعورهن، و يقصرن من اظفارهن، و يمضين الى مكة»1 يدل على أن الترتيب بينها معتبر.

و الجواب: ان الصحيحة لا تدل على ذلك كما تقدم، و على تقدير دلالتها فلا بد من تقييد اطلاقها بوجوب الترتيب و التسلسل بينها تكليفا فحسب، لا وضعا أيضا، و على هذا فاذا ترك المكلف رمي جمرة العقبة عامدا و ملتفتا الى موضعها من الناحية التسلسلية، فان استمر على تركه بطل حجه، و أما اذا تداركه قبل أن يفوت وقته، فالأظهر عدم وجوب اعادة ما أتى به من الأعمال المترتبة على الرمي، و إن كانت الاعادة أحوط‍‌ و أجدر.

نعم اذا طاف قبل رمي الجمرة عامدا، فالأظهر اعادته و إن كان جاهلا بالحكم، لأن المستثنى في صدر صحيحتي حمران و جميل هو الناسي، و يلحق به الجاهل المركب أيضا، اذ لا يحتمل أن تكون للناسي خصوصية إلاّ من جهة أنه غير مكلف بالواقع، و المفروض أن الجاهل المركب يشترك معه من هذه الجهة، فاذن يكون الجاهل بالحكم الملتفت و إن كان معذورا و كذلك العالم به بما أنه غير مشمول لهما لا بحسب الصدر و لا الذيل، لاختصاص ذيلهما


 

(1)) <page number=”496″ />الوسائل: الباب 17 من ابواب الوقوف بالمشعر، الحديث: 2.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 497)


……….

بأعمال و مناسك منى، فمقتضى القاعدة الإعادة.

الثالثة: ان يتذكر أو يعلم بالحكم بعد يوم العيد، و في ليلة الحادي عشر، أو في نهاره و حينئذ فوظيفته أن يقضيه في اليوم الحادي عشر، و يفرق بين القضاء و الأداء في ذلك اليوم جاعلا القضاء صباحا و الأداء عند الزوال على الأحوط‍‌، و الأقوى كفاية الفصل بينهما بساعة و ذلك لأن صحيحة عبد اللّه بن سنان المتقدمة تدل على أن يفرق بين القضاء و الأداء جاعلا القضاء بكرة، و الأداء عند زوال الشمس بالنص، و على عدم كفاية الأقل من ذلك بالاطلاق الناشئ من السكوت في مقام البيان، و لكن صحيحة معاوية بن عمار تدل على كفاية التفريق بينهما بساعة نصا، فاذن لا بد من تقديمها عليها تطبيقا لقاعدة تقديم النصّ‌ على الظاهر، و هل تجب حينئذ اعادة ما أتى به من اعمال الحج كالذبح و الحلق أو التقصير؟ و الجواب: لا تجب اعادتها. و أما الطواف فهل تجب اعادته‌؟

و الجواب: لا تجب اعادته شريطة أن يكون الجهل بالحكم مركبا، و إلاّ وجبت كما مر.

الرابعة: أن يتذكر أو يعلم بالحكم بعد اليوم الحادي عشر، و قبل خروجه من مكة، و حينئذ فان كان في مكة وجب عليه الرجوع الى منى، و قضاء الرمي اذا كان في أيام التشريق، و أما اذا تذكر أو علم بعد أيام التشريق، و كان في مكة، فهل يجب عليه الرجوع الى منى من أجل رمي الجمار؟ المعروف و المشهور بين الأصحاب عدم وجوب الرجوع، و عليه القضاء في السنة القادمة بنفسه أو بنائبه، لأن وقته يمتد الى أيام التشريق، و بانتهائها ينتهي. و استدلوا على ذلك برواية عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: من اغفل رمي الجمار أو بعضها حتى

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 498)


……….

تمضي أيام التشريق، فعليه أن يرميها من قابل، فان لم يحج رمى عنه وليه، فإن لم يكن له ولي استعان برجل من المسلمين يرمي عنه، فانه لا يكون رمي الجمار إلاّ أيام التشريق»1 و هذه الرواية و إن كانت تامة دلالة إلاّ أنها ضعيفة سندا، فان في سندها محمد بن عمر بن يزيد، و هو ممن لم يثبت توثيقه في كتب الرجال، بل مقتضى اطلاق صحيحة معاوية بن عمار، قال: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام: ما تقول في امرأة جهلت أن ترمي الجمار حتى نفرت الى مكة‌؟ قال: فلترجع و لترم الجمار، كما كانت ترمي، و الرجل كذلك»2 وجوب الرجوع الى منى من أجل الرمي ما دام في مكة و إن كان بعد أيام التشريق.

فالنتيجة أن الأظهر عدم تحديد وقت رمي الجمار بأيام التشريق، لأن المعيار فيه انما هو بتواجد الحاج في مكة، فان كان فيها و تذكر أو علم بالحكم وجب عليه أن يرجع الى منى، و يرمي و إن كان بعد أيام التشريق. نعم الأحوط‍‌ و الأجدر به أن يبادر الى الرجوع و الرمي على نحو يحصل الرمي في أيام التشريق التي تمتد من اليوم الحادي عشر الى نهاية اليوم الثالث عشر من ذي الحجة.

الخامسة: ان يتذكر بالحال، أو علم بالحكم بعد خروجه من مكة و التوجه نحو بلده، فهل يجب عليه في هذه الحالة أن يرجع الى منى و يرمي‌؟

الجواب: لا يجب، و الأحوط‍‌ و الأجدر به وجوبا أن يقضي في السنة القادمة مخيرا بين أن يذهب بنفسه أو يستنيب. و تدل على عدم وجوب الرجوع صحيحة معاوية بن عمار، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل نسي رمي الجمار، قال: يرجع فيرميها، قلت: فانه نسيها حتى أتى مكة، قال: يرجع فيرمي متفرقا،


 

(1)) <page number=”498″ />الوسائل: الباب 3 من ابواب العود الى منى، الحديث: 4.
(2)) الوسائل: الباب 3 من ابواب العود الى منى، الحديث: 1.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 499)


……….

يفصل بين كل رميتين بساعة، قلت: فانه نسى أو جهل حتى فاته و خرج، قال:

ليس عليه أن يعيد»1.

السادسة: ان المكلف اذا ترك رمي جمرة العقبة عامدا و ملتفتا الى الأحكام و تسلسل المناسك و وجوبه، فان استمر على تركه بطل حجه، و اذا تداركه قبل مضي وقته صح، و هل يجب عليه حينئذ أن يعيد ما أتى به من اعمال منى المترتبة على الرمي‌؟ لا يبعد عدم وجوب اعادتها و إن كانت الاعادة أحوط‍‌ و أجدر كما مر.

السابعة: اذا طاف طواف الحج قبل رمي الجمرة عامدا و ملتفتا الى الحكم و موضع الطواف من الناحية التسلسلية، فحينئذ ان استمر على تركه بطل حجه، و اذا تداركه قبل مضي وقته صح، و حينئذ فهل يجب عليه أن يعيد الطواف‌؟

و الجواب: نعم تجب اعادته، لأن الصحة بحاجة الى دليل، و لا دليل عليها في المقام، و مقتضى القاعدة بطلانه، باعتبار أنه أتى به في غير موضعه، فلا ينطبق عليه الطواف المأمور به، كما هو مقتضى صدر صحيحتي جميل و حمران المتقدمتين.

الثامنة: اذا أتى المكلف برمي جمرة العقبة، ثم زار البيت قبل أن يحلق، و حينئذ فان استمر على تركه بطل الحج، و اذا تداركه قبل مضي وقته صح. و لكن هل يجب عليه أن يعيد الطواف‌؟

و الجواب: نعم، لأن صحته بحاجة الى دليل، و لا دليل عليها، و أما صحيحتا محمد بن حمران و جميل المتقدمتان فلا تدلان على الصحة إلاّ في صورة النسيان و الجهل المركب، لا مطلقا، كما مر. بل صحيحة محمد بن مسلم


 

(1)) <page number=”499″ />الوسائل: الباب 3 من ابواب العود الى منى، الحديث: 3.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 500)


حسبما تذكر أو علم، فان علم أو تذكر في الليل لزمه الرمي في نهاره إذا لم يكن ممن قد رخص له الرمي في الليل – و سيجيء ذلك في رمي الجمار – و لو علم أو تذكر بعد اليوم الثالث عشر فالأحوط‍‌ أن يرجع إلى منى و يرمي (1) و يعيد الرمي في السنة القادمة بنفسه أو بنائبه، و إذا علم أو تذكر بعد الخروج من مكة لم يجب عليه الرجوع بل يرمي في السنة القادمة بنفسه أو بنائبه على الأحوط‍‌.

عن ابي جعفر عليه السّلام: «في رجل زار البيت قبل أن يحلق، فقال: ان كان زار البيت قبل أن يحلق و هو عالم أن ذلك لا ينبغي له، فان عليه دم شاة»1 تدل على بطلان ما أتى به من الطواف قبل الحلق عامدا و عالما بالحكم، و وجوب الكفارة عليه.

أما وجوب الكفارة فقد نصت عليه الصحيحة، و أما بطلان الطواف، فلأن قوله عليه السّلام في الصحيحة: «و هو عالم أن ذلك لا ينبغي له» يدل على أن الطواف بما أنه في غير موضعه فلا يكون مأمورا به و مطلوبا للمولى، و حينئذ فلا يمكن الحكم بصحته.

و تدل على البطلان أيضا صحيحة علي بن يقطين، قال: «سألت ابا الحسن عليه السّلام عن المرأة رمت و ذبحت و لم تقصر حتى زارت و طافت وسعت من الليل، ما حالها، و ما حال الرجل اذا فعل ذلك‌؟ قال: لا بأس به يقصّر، و يطوف بالحج، ثم يطوف للزيارة، ثم قد أحل من كل شيء»2 و لكن حينئذ لا بد من تقييد اطلاقها بغير الناسي و الجاهل المركب.

(1)بل هو الأظهر شريطة أن يكون المكلف في مكة كما مر. و عليه فلا مبرر للاحتياط‍‌ باعادة الرمي في السنة القادمة.


 

(1)) <page number=”500″ />الوسائل: الباب 2 من أبواب الحلق و التقصير، الحديث: 1.
(2)) الوسائل: الباب 4 من ابواب الحلق و التقصير، الحديث: 1.

 

Pages: 1 2 3 4 5 6 7
Pages ( 5 of 7 ): «1 ... 4 5 67»