فهرست

پرش به محتوا

آثار حضرت آیة الله العظمی شیخ محمد اسحاق فیاض

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – ج ۱۰

جلد

10

فهرست

فهرست

صفحه اصلی کتابخانه تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – ج ۱۰ صفحه 6

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – ج ۱۰

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 501)


[مسألة 381: إذا لم يرم يوم العيد نسيانا أو جهلا فعلم أو تذكر بعد الطواف فتداركه لم تجب عليه اعادة الطواف]

(مسألة 381): إذا لم يرم يوم العيد نسيانا أو جهلا فعلم أو تذكر بعد الطواف فتداركه لم تجب عليه اعادة الطواف، و إن كانت الاعادة أحوط‍‌، و أما إذا كان الترك مع العلم و العمد فالظاهر بطلان طوافه فيجب عليه أن يعيده بعد تدارك الرمي (1).

(1)هذا هو الأظهر كما مر مفصلا.

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 502)


[5 – الذبح أو النحر في منى]

2 – الذبح أو النحر في منى و هو الخامس من واجبات حج التمتع (1) و يعتبر فيه قصد القربة (2)

(1)للكتاب و السنة المتواترة اجمالا، و ينصان على وجوب الهدي على المتمتع بالعمرة الى الحج، و هو أحد الأمور التالية: (1) الناقة، (2) البقرة، (3) الشاة. و هل يجب الهدي على أهل مكة اذا أرادوا الإتيان بحج التمتع على أساس أنه مشروع في حقهم‌؟ المعروف و المشهور بين الأصحاب وجوبه على المكي اذا تمتع و هو الصحيح، على أساس أن المستفاد من الآية الشريفة و الروايات أن الهدي من أحد عناصر حج التمتع و مناسكه، بدون فرق بين أن يكون الحج واجبا على المكلف بنفسه، كحج التمتع من حجة الإسلام، أو بالاستنابة، أو النذر أو نحوه، أو مستحبا عليه في مقابل حج الافراد، فان الهدي ليس من أحد اجزائه و واجباته. نعم اذا صحب من يريد حج الافراد هديا معه وقت الاحرام، بأن أحضر شاة – مثلا – و ساقها معه، وجب عليه أن يضحي به يوم العيد، و يسمّى الحج حينئذ بحج القران.

و بكلمة: ان الآية الشريفة تنص على أن حج التمتع وظيفة النائي، و هو من يبعد بلده عن مكة اكثر من ستة عشر فرسخا، و الهدي جزؤه بدون فرق بين أن يكون واجبا أو مستحبا، و من هنا لو كنا نحن و الآية الشريفة لقلنا بعدم مشروعية حج التمتع لغير النائي، و لكن هناك روايات تدل على مشروعيته لغيره أيضا.

(2)قد تقدم أن كل عبادة يكون لها اسم خاص المميز لها شرعا يعتبر فيها أمور: (الأول) قصد القربة، (الثاني) الاخلاص، (الثالث) أن يقصد اسمها الخاص، بأن يقول: اذبح شاة – مثلا – لحج التمتع من حجة الإسلام، و اذا كان نائبا

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 503)


و الايقاع في النهار (1)

نوى اسم المنوب عنه، و اذا كان مستحبا اسقط‍‌ كلمة حجة الإسلام.

(1)لا اشكال في ذلك، و تدل عليه عدة طوائف من الروايات:

الأولى: صحيحة معاوية بن عمار، قال: «قال ابو عبد اللّه عليه السّلام: اذا رميت الجمرة فاشتر هديك إن كان من البدن أو البقر، و إلاّ فاجعله كبشا سمينا فحلا – الحديث»1 و قد مر أن رمي الجمرة لا بد أن يكون في النهار.

الثانية: الروايات التي تنص على أن يوم العيد هو يوم النحر و الذبح، و هي مجموعة من الروايات:

منها: صحيحة اسماعيل بن همام، قال: «سمعت ابا الحسن الرضا عليه السّلام يقول: لا ترم الجمرة يوم النحر حتى تطلع الشمس – الحديث»2.

الثالثة: الروايات التي تنص على أنه يجوز للخائف أن يفيض من الجمع بالليل، و يرمي بالليل، و يضحي بالليل، فان استثناء الخائف عن سائر الناس في تلك الأحكام معناه أنه لا يجوز لغيره ممارسة تلك الأعمال بالليل.

الرابعة: الروايات التي تنص على أن الأضحى بمنى أربعة أيام.

منها: صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام قال: «سألته عن الأضحى كم هو بمنى‌؟ فقال: أربعة أيام، و سألته عن الأضحى في غير منى، فقال: ثلاثة أيام – الحديث»3.

و منها: موثقة عمار الساباطي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن الأضحى بمنى، فقال: أربعة أيام، و عن الأضحى في سائر البلدان، فقال: ثلاثة أيام»4.


 

(1)) <page number=”503″ />الوسائل: الباب 8 من ابواب الذبح، الحديث: 4.
(2)) الوسائل: الباب 13 من ابواب رمي جمرة العقبة، الحديث: 7.
(3)) الوسائل: الباب 6 من أبواب الذبح، الحديث: 1.
(4)) الوسائل: الباب 6 من أبواب الذبح، الحديث: 2.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 504)


……….

و في مقابلها روايات أخرى تنص على أن الأضحى ثلاثة أيام بمنى، يوم النحر، و يومان بعده. و لكن تلك الروايات لا تصلح أن تعارض هذه الروايات، فانها تنص على أن اليوم الرابع من الأضحى، و تلك الروايات تنفي ذلك بالاطلاق الناشئ من السكوت في مقام البيان، و حينئذ فلا بد من تقديمها عليها تطبيقا لقاعدة حمل الظاهر على النص.

فالنتيجة أن كلتا المجموعتين تدلاّن على أن الذبح و النحر لا بد أن يكون في النهار من يوم العيد، بأن يأتي به فيه، و اذا لم يأت به عامدا و ملتفتا أو غير عامد و ملتفت، فالأحوط‍‌ وجوبا الاتيان به خلال أيام التشريق، و هي الحادي عشر و الثاني عشر و الثالث عشر، و اذا لم يأت به في هذه الفترة عامدا أو غير عامد أيضا وجب الاتيان به خلال شهر ذي الحجة، و اذا لم يأت به كذلك الى أن مضى ذو الحجة فعليه الاتيان به في العام القادم. و تدل عليه صحيحة حريز عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في متمتع يجد الثمن و لا يجد الغنم، قال: يخلف الثمن عند بعض أهل مكة، و يأمر من يشتري له و يذبح عنه، و هو يجزي عنه، فان مضى ذو الحجة أخّر ذلك الى قابل من ذي الحجة»1 فان الظاهر منها أن وقته يمتد الى آخر ذي الحجة، فإن مضى ففي السنة القادمة، هذا من ناحية.

و من ناحية أخرى أن الروايات المذكورة بكافة طوائفها و اصنافها، هل تدل على أن الواجب أولا هو ايقاع الذبح أو النحر في يوم العيد، فان لم يتمكن من ذلك لسبب من الأسباب وجب ايقاعه في أيام التشريق و إن لم يتمكن منه أيضا لمانع، وجب ايقاعه خلال شهر ذي الحجة، و إلاّ ففي العام القادم‌؟

و الجواب: انها لا تدل على وجوب الاتيان به بهذه الكيفية الخاصة، لأن


 

(1)) <page number=”504″ />الوسائل: الباب 44 من ابواب الذبح، الحديث: 1.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 505)


و لا يجزيه الذبح أو النحر في الليل و ان كان جاهلا. نعم، يجوز للخائف الذبح و النحر في الليل و يجب الاتيان به بعد الرمي (1) و لكن لو قدّمه على الرمي جهلا أو نسيانا صح و لم يحتج إلى الاعادة (2) و يجب أن يكون الذبح أو النحر بمنى (3)،

المستفاد منها أن الواجب على المكلف ايقاع الذبح أو النحر في الفترة من يوم العيد الى آخر ذي الحجة، و أما أن ذلك لا بد أن يكون بنحو التسلسل، فهي لا تدل على ذلك، فاذن يكون وجوب الاتيان به كذلك مبنيا على الاحتياط‍‌.

و من ناحية ثالثة ان مقتضى اطلاق هذه الروايات عدم كفاية الذبح أو النحر في الليل لغير الخائف و إن كان عن جهل أو نسيان، لأن الكفاية بحاجة الى دليل، و لا دليل عليها، بل ترخيص الخائف فيه بالليل دليل على أن غيره لا يكون مرخصا فيه.

(1)للنصوص منها الروايات البيانية، و منها صحيحة عبد اللّه بن سنان المتقدمة، و منها غيرها.

(2)تقدم ذلك مفصلا.

(3)و هو أقرب امكنة ثلاثة (عرفات، المشعر، منى) الى مكة. و حدّها طولا من ناحية مكة العقبة، و من ناحية المشعر وادي محسّر، و أما عرضا فلا يكون لها حدود واضحة في النصوص، و المرجع في تعيينها أهل الخبرة من ساكني البلد، هذا من ناحية.

و من ناحية أخرى أن الذبح أو النحر لا بد أن يكون بمنى، و تدل عليه عدة من الروايات، منها: الروايات البيانية.

و منها: موثقة زرعة قال: «سألته عن رجل احصر في الحج، قال: فليبعث بهديه اذا كان مع اصحابه، و محله أن يبلغ الهدي محله، و محله منى يوم النحر اذا

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 506)


و إن لم يمكن ذلك كما قيل انه كذلك في زماننا لأجل تغيير المذبح و جعله في وادي محسّر فان تمكن المكلف من التأخير و الذبح أو النحر في منى و لو كان ذلك إلى آخر ذي الحجة حلق أو قصر و احلّ‌ بذلك و أخّر ذبحه أو نحره و ما يترتب عليهما من الطواف و الصلاة و السعي و إلا جاز له الذبح في المذبح الفعلي و يجزيه ذلك (1).

كان في الحج – الحديث»1 فانها واضحة الدلالة على أن منى هو محل الهدي، و عليه فتكون قرينة على أن المراد من محل الهدي في قوله تعالى: لاٰ تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ‌ حَتّٰى يَبْلُغَ‌ الْهَدْيُ‌ مَحِلَّهُ‌2 هو منى.

و منها: صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في رجل يضل هديه فيجده رجل آخر فينحره، فقال: ان كان نحره بمنى فقد أجزأ عن صاحبه الذي ضل عنه، و إن كان نحره في غير منى لم يجز عن صاحبه»3.

و منها: صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام: «قال: لا تجوز البدنة و البقرة إلاّ عن واحد بمنى»4 و منها غيرها.

فالنتيجة ان الروايات تدل على ذلك بمختلف اللسان و البيان، بل يظهر منها ان ذلك أمر مفروغ عنه.

(1)يقع الكلام هنا في مسألتين:

الأولى: ان الحاج اذا لم يتمكن من الذبح أو النحر يوم العيد في منى، فهل يسوغ له أن يقوم بعملية الذبح أو النحر في خارج منى، أو يجب عليه تأخير الذبح الى آخر أيام التشريق، أو الى آخر شهر ذي الحجة اذا كان باقيا


 

(1)) <page number=”506″ />الوسائل: الباب 2 من ابواب الاحصار و الصد، الحديث: 2.
(2)) سورة البقرة، الآية: 196.
(3)) الوسائل: الباب 28 من ابواب الذبح، الحديث: 2.
(4)) الوسائل: الباب 18 من ابواب الذبح، الحديث: 1.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 507)


……….

في مكة في تلك الفترة‌؟

الثانية: أنه اذا أخر الهدي عن يوم العيد لسبب من الأسباب، فهل عليه أن يؤخر الحلق أو التقصير أيضا؟ أو أن له الحلق أو التقصير في يوم العيد؟

أما الكلام في المسألة الأولى: فقد يقال ان مقتضى اطلاقات الأدلة جواز القيام بعملية الذبح أو النحر يوم العيد في غير منى.

منها: صحيحة أبي عبيدة عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «في قول اللّه تعالى: فَمَنْ‌ تَمَتَّعَ‌ بِالْعُمْرَةِ‌ إِلَى الْحَجِّ‌ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ‌ الْهَدْيِ‌ قال: شاة»1 فانها تدل على وجوب الهدي في حج التمتع بدون تعيين مكان خاص له.

و منها: صحيحة زرارة بن أعين عن أبي جعفر عليه السّلام في المتمتع: «قال:

و عليه الهدي قلت: و ما الهدي، فقال: أفضله بدنة، و أوسطه بقرة. و آخره شاة»2.

و منها: قوله تعالى: وَ الْبُدْنَ‌ جَعَلْنٰاهٰا لَكُمْ‌ مِنْ‌ شَعٰائِرِ اللّٰهِ‌ لَكُمْ‌ فِيهٰا خَيْرٌ، فَاذْكُرُوا اسْمَ‌ اللّٰهِ‌ عَلَيْهٰا صَوٰافَّ‌ فَإِذٰا وَجَبَتْ‌ جُنُوبُهٰا فَكُلُوا مِنْهٰا وَ أَطْعِمُوا الْقٰانِعَ‌ وَ الْمُعْتَرَّ3.

و لكن في مقابلها روايات كثيرة تدل على تعين الذبح بمنى، منها الروايات البيانية، و منها موثقة زرعة و صحيحة منصور و محمد بن مسلم المتقدمة، فان هذه الروايات تدل على وجوب الهدي بمنى، و بما أن نسبتها الى تلك الأدلة نسبة الخاص الى العام، فتكون مقيدة لإطلاقها تطبيقا لقاعدة حمل المطلق على المقيد.

فالنتيجة أن صحة الهدي مشروطة بكونه في منى، و مقتضى اطلاق هذه الروايات عدم كفاية الذبح أو النحر في غير منى و إن كان عن جهل أو نسيان.


 

(1)) <page number=”507″ />الوسائل: الباب 10 من ابواب الذبح، الحديث: 1.
(2)) الوسائل: الباب 10 من ابواب الذبح، الحديث: 5.
(3)) سورة الحج، الآية: 36.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 508)


……….

نعم ورد في صحيحة معاوية بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «في رجل نسى أن يذبح بمنى حتى زار البيت، فاشترى بمكة، ثم ذبح، قال: لا بأس، قد أجزأ عنه»1 و مثلها صحيحته الأخرى2 ، فانهما ظاهرتان في أن الذبح في غير منى كمكة جهلا أو نسيانا مجزي.

و بكلمة: ان المتفاهم العرفي منهما بمناسبة الحكم و الموضوع الارتكازية أنه لا خصوصية لنسيان الذبح بمنى، فالمعيار انما هو بجهل المكلف بتعين الذبح فيها، و عدم كفايته في غيرها، بدون فرق بين أن يكون جهل المكلف به مسبوقا بالعلم بوجوبه في منى، أو لا يكون مسبوقا به أصلا. و كذلك الحال اذا ذبح خارج منى معتقدا و متخيلا أنه منى، فانه كالجاهل و الغافل. و أما اذا كان شاكا في وجوب الذبح في منى فان كان من جهة الشبهة الحكمية، كما اذا شك في أصل وجوب الذبح في منى، وجب عليه الفحص، و إن لم يتمكن فعليه الاحتياط‍‌. و إن كان من جهة الشبهة الموضوعية، بأن يكون عالما بحدود منى، و لكن كان يشك في أن هذا المكان الذي أراد أن يذبح الهدي فيه هل هو داخل في حدود منى بسبب أمر خارجي، كما اذا كانت هناك ظلمة أو عمى، فالمرجع فيه أصالة الاشتغال، فان الاشتغال اليقيني يقتضي البراءة اليقينية.

بقيت هنا حالة ثالثة: و هي ما أشرنا اليه آنفا من أن حدود منى طولا و إن كانت معلومة و محددة من ناحية مكة بعقبة، و من ناحية المشعر بوادي محسّر الاّ أن حدودها عرضا غير معينة، و على هذا فحيث ان الواجب هو المبيت او الحلق في واقع المكان المسمّى بمنى فاذا شك في نقطة أنها من منى اولا، كان مرجع هذا الشك الى الشك في سعة منى و ضيقه، و حينئذ فيكون الواجب المقيد


 

(1)) <page number=”508″ />الوسائل: الباب 39 من ابواب الذبح، الحديث: 5.
(2)) الوسائل: الباب 39 من ابواب الذبح، الحديث: 11.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 509)


……….

بايقاعه فيه مرددا بين السعة و الضيق، بمعنى انا لا ندري أن الواجب مثلا، و هو خصوص المبيت في نقطة كان يقطع بكونها من منى، أو أنه يجوز في النقاط‍‌ التي يشك في كونها منها، ففي مثل ذلك نعلم بعدم جواز المبيت في نقاط‍‌ يعلم بأنها خارجة من منى، و إنما الكلام في أنه يجوز في نقاط‍‌ يشك في كونها من منى أو لا بد من أن يكون في نقاط‍‌ يعلم بأنها منها. و حيث إن مفهوم منى مجمل مردد بين السعة و الضيق، فالقدر المتيقن من الأدلة الدالة على وجوب المبيت في منى انما هو عدم جوازه في نقاط‍‌ كان يعلم بأنها خارجة من منى، فتكون حينئذ مقيدة لإطلاق ما دل على جواز المبيت في كل نقطة و إن لم تكن من منى بغير هذه النقاط‍‌، و أما تقييده بالزائد عليها و هو النقاط‍‌ المشكوك كونها من منى فلا، لأنها مجملة، فلا تكون حجة، و المرجع فيها عموم العام، و مقتضاه جواز المبيت فيها لأن المقام حينئذ يكون من موارد اجمال المخصص مفهوما.

و بكلمة: أن مقتضى القاعدة جواز المبيت أو الحلق أو الذبح في خارج منى، و لكن الأدلة الخاصة تدل على اشتراط‍‌ وقوع هذه الاعمال و المناسك في واقع مكان مسمى بمنى، و إلاّ فلا تكون مجزية، و بما أن مفهوم كلمة (منى) مجمل مردد بين الأقل و الاكثر، فلا تكون تلك الأدلة حجة إلاّ في المقدار المتيقن، و هو عدم جواز ايقاع تلك الأعمال في نقاط‍‌ كان يعلم بأنها خارجة عن منى، و أما في الزائد عليه و هو النقاط‍‌ التي كان يشك في أنها من منى أولا، فلا تكون حجة فيه لإجمالها، فاذن يكون المرجع فيه عموم القاعدة. أو فقل ان الأدلة المذكورة تدل على عدم جواز ايقاع تلك الاعمال في خارج منى، و وجوب ايقاعها فيه، و حيث إن مفهوم منى مجمل مردد بين السعة و الضيق فلا تدل هذه الأدلة إلاّ على عدم جواز ايقاع الاعمال المذكورة في نقاط‍‌ كان يعلم

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 510)


……….

بأنها ليست من منى، لأن القدر المتيقن هو خروج تلك النقاط‍‌ عن عموم القاعدة و اطلاقها، و اما الزائد عليها و هو النقاط‍‌ المشكوكة فلا دليل على خروجها عنه، لإجمال الدليل المخصص مفهوما. فالنتيجة أنه لا مانع من ايقاع هذه الواجبات في النقاط‍‌ المشكوك كونها من منى.

و دعوى: ان المكلف اذا شك في نقطة أنها من منى أولا كانت الشبهة موضوعية و المرجع فيها قاعدة الاشتغال، لأنه كان يعلم باشتغال ذمته بايقاع تلك الواجبات في منى، و لا يمكن تحصيل اليقين بالفراغ إلاّ بايقاعها في مكان يحرز أنه من منى، و أما اذا لم يحرز ذلك فلا يحرز الفراغ.

مدفوعة: بأنها مبنية على أن تكون حدود منى متعينة و محددة شرعا طولا و عرضا و حينئذ فاذا شك في نقطة أنها من منى أو لا كانت الشبهة موضوعية و يكون الشك في الامتثال و لكن قد مرّ ان حدوده طولا و ان كانت متعينة شرعا الاّ انها عرضا غير متعينة و محددة و على هذا فاذا شك في نقطة في عرض منى انها منه اولا كانت الشبهة مفهومية من جهة اجمال مفهوم منى و تردده بين السعة و الضيق على اساس ما عرفت من انه اسم لواقع المكان المسمى بمنى و هو مردد بين الاقل و الاكثر، فاذن بطبيعة الحال يكون ما دل على اعتبار ايقاع الحلق او الذبح او المبيت او غيره في منى مجملا، و دار امره بين الاقل و الاكثر، و عليه فيكون المقام من موارد اجمال المخصص مفهوما و ليس من الشبهة الموضوعية، و حيث انه لا يكون حجة إلاّ في المقدار المتيقن و هو عدم جواز ايقاع تلك الواجبات في النقاط‍‌ التي يكون المكلف واثقا و متأكدا بخروجها عن منى دون النقاط‍‌ المشكوكة فيكون المرجع في النقاط‍‌ المشكوكة، العام الفوقي ان كان و مقتضاه جواز ايقاعها فيها و إلاّ فاصالة البراءة عن تعيّن ايقاع الواجبات

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 511)


……….

المذكورة في خصوص النقاط‍‌ التي يعلم بانها من منى، و نتيجة ذلك كفاية ايقاعها في النقاط‍‌ المشكوكة.

بقي هنا شيء: و هو أنه قد ورد في رواية معتبرة أنه اذا ضاقت منى بالناس اتسعت ارض منى شرعا، و شملت وادي محسر، و هي المنطقة التي تفصل منى عن المشعر الحرام، و عندئذ فهل يجوز الذبح في وادي محسّر كما يجوز المبيت فيها في هذه الحالة‌؟

و الجواب انه يجوز الذبح أو النحر فيها، فان معنى الرواية هو أن حكمها حكم منى في هذه الحالة فيجوز انجاز تمام واجبات منى فيها، لأن من يجوز له أن يبيت فيها يجوز له أن يحلق رأسه أو يقصر فيها، و كذلك يجوز له أن يقوم بعملية الذبح أو النحر فيها في تلك الحالة.

و أما الكلام في المسألة الثانية: و هي ما اذا أخر الذبح عن يوم العيد لسبب من الاسباب فهل يجب عليه أن يؤخر الحلق او التقصير أيضا حفاظا على الموضع التسلسلي بينهما؟

و الجواب: انه لا يجب عليه ذلك، لما تقدم من أن وجوب التسلسل و الترتيب بينهما وجوب تكليفي فحسب، لا الأعم منه و من الشرطي، و هذا انما هو في يوم العيد فقط‍‌ لا مطلقا، فاذا لم يتمكن من الذبح أو النحر في ذلك اليوم و أخره الى أيام التشريق، فلا دليل على وجوب تأخير الحلق او التقصير مراعاة للترتيب.

قد يقال – كما قيل -: ان رواية عمر بن يزيد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: اذا ذبحت أضحيتك فاحلق رأسك، و اغتسل، و قلم اظفارك، و خذ من شاربك»1


 

(1)) <page number=”511″ />الوسائل باب: 1 من ابواب الحلق و التقصير الحديث: 1.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 512)


[أحكام الذبح ]
[مسألة 382: الأحوط‍‌ أن يكون الذبح أو النحر يوم العيد]

(مسألة 382): الأحوط‍‌ أن يكون الذبح أو النحر يوم العيد (1) و لكن إذا تركهما يوم العيد لنسيان أو لغيره من الأعذار أو لجهل بالحكم لزمه التدارك إلى آخر أيام التشريق و إن استمر العذر جاز تأخيره إلى آخر ذي الحجة فاذا تذكر أو علم بعد الطواف و تداركه لم تجب عليه اعادة الطواف و إن كانت الاعادة أحوط‍‌.

تدل على اعتبار الترتيب بينهما مطلقا، بدون تقييده بيوم العيد.

و الجواب أولا: ان الرواية ضعيفة سندا، فلا يمكن الاعتماد عليها.

و ثانيا: إنها لا تدل على اعتبار الترتيب مطلقا حتى بالنسبة الى أيام التشريق، أو الى آخر شهر ذي الحجة، بل القدر المتيقن منها اعتباره في يوم العيد.

و ثالثا: انها معارضة بموثقة عمار و صحيحة عبد اللّه بن سنان المتقدمتين، فان مقتضى هذه الرواية اعتبار الترتيب بينهما مطلقا حتى في حال الجهل و النسيان، على أساس أن مدلولها الإرشاد الى شرطية ذلك، و مقتضى الروايتين المتقدمتين عدم اعتباره كذلك، اي حتى في حال الجهل و النسيان، فاذن تسقطان معا، و مقتضى الأصل عدم اعتباره. و من هنا يظهر حال رواية جميل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: تبدأ بمنى بالذبح قبل الحلق، و في العقيقة بالحلق قبل الذبح»1 فانها مضافا الى ضعفها سندا، يرد عليها ما أوردناه على الرواية الأولى.

فالنتيجة انه لا دليل على لزوم تأخير الحلق عن الذبح مطلقا حتى في أيام التشريق و ما بعدها، هذا. اضافة الى ان اثبات وجوب الحلق أو التقصير في يوم العيد، و عدم جواز تأخيره عنه بالدليل مشكل جدا، و لا يبعد جوازه عامدا و ملتفتا، و إن كان الأحوط‍‌ و الأجدر أن يكون في يوم العيد.

(1)مر انه لا يبعد جواز تأخيره عن يوم العيد اختيارا، و ان كان الأحوط‍‌


 

(1)) <page number=”512″ />الوسائل باب: 39 من ابواب الذبح الحديث: 3.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 513)


و أما إذا تركه عالما عامدا فطاف فالظاهر بطلان طوافه و يجب عليه أن يعيده بعد تدارك الذبح (1).

[مسألة 383: لا يجزئ هدي واحد إلا عن شخص واحد]

(مسألة 383): لا يجزئ هدي واحد إلا عن شخص واحد (2).

و الأجدر أن يكون في يوم العيد.

(1)على الأحوط‍‌ وجوبا – كما تقدم -.

(2)الأمر كما أفاده قدّس سرّه. و تدل عليه مجموعة من الروايات:

منها: صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام: «قال: لا تجوز البدنة و البقرة إلاّ عن واحد بمنى»1 فانها صريحة في عدم كفاية الهدي الواحد إلاّ عن شخص واحد.

و منها: صحيحة محمد الحلبي، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن النفر تجزيهم البقرة، قال: أما في الهدي فلا، و أما في الأضحى فنعم»2 فانها تدل على التفصيل بين الهدي الواجب و المندوب، فعلى الأول لا يكفي إلاّ عن واحد، و على الثاني يكفي عن اكثر من واحد.

و منها: صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: قال: تجزي البقرة أو البدنة في الأمصار عن سبعة، و لا تجزي بمنى إلاّ عن واحد»3 فانها صريحة في التفصيل بين الهدي الواجب و المستحب.

و في مقابلها روايات تدل على كفاية هدي واحد عن جماعة في حال الضرورة، أو اذا كانوا من أهل خوان واحد.

منها: صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج، قال: «سألت أبا ابراهيم عليه السّلام عن قوم غلت عليهم الأضاحي و هم متمتعون و هم مترافقون و ليسوا بأهل بيت واحد، و قد اجتمعوا في مسيرهم، و مضربهم واحد، ألهم أن يذبحوا بقرة‌؟ قال:


 

(1)) <page number=”513″ />الوسائل: الباب 18 من ابواب الذبح، الحديث: 1.
(2)) الوسائل: الباب 18 من ابواب الذبح، الحديث: 3.
(3)) الوسائل: الباب 18 من ابواب الذبح، الحديث: 4.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 514)


……….

لا أحب ذلك إلاّ من ضرورة»1 فانها تدل على كفاية هدي واحد عن جماعة في حال الضرورة.

و منها: صحيحة حمران: «قال: عزّت البدن سنة بمنى حتى بلغت البدنة بمائة دينار، فسئل أبو جعفر عليه السّلام عن ذلك، فقال: اشتركوا فيها، قال: قلت: كم‌؟ قال: ما خف فهو أفضل، قال: فقلت: عن كم تجزي، فقال: عن سبعين»2 فانها تدل على أنه لا يكفي هدي واحد عن جماعة إلاّ في حال الضرورة.

و منها: صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: تجزي البقرة عن خمسة بمنى اذا كانوا أهل خوان واحد»3 فانها تدل على الكفاية شريطة أن تكون الجماعة من أهل خوان واحد.

فإذن تكون النسبة بين هذه الروايات و الروايات الأولى عموما من وجه، فان مورد الروايتين الأوليين خاص بالضرورة، و عام من جهة أن الهدي واجب أو مستحب، و مورد الروايات الأولى خاص بالهدي الواجب، و عام من جهة أنه كان في حال الضرورة أو لا، و مورد الرواية الثالثة خاص بأهل خوان واحد، و عام من جهة ان الهدي واجب أو مستحب، و عليه فيقع التعارض بينهما في مورد الالتقاء و الاجتماع، و هو الهدي الواجب في حال الضرورة أو لأهل خوان واحد، فان مقتضى اطلاق الطائفة الأولى أن الهدي الواحد لا يكفي عن جماعة مطلقا حتى في حال الضرورة أو كانوا من أهل خوان واحد، و مقتضى اطلاق الطائفة الثانية أنه يكفي في هذه الحالة، و لكن لا بد من تقديم الطائفة الأولى على الثانية من جهة أنها موافقة للكتاب، و هو قوله عز و جل:


 

(1)) <page number=”514″ />الوسائل: الباب 18 من ابواب الذبح، الحديث: 10.
(2)) الوسائل: الباب 18 من ابواب الذبح، الحديث: 11.
(3)) الوسائل: الباب 18 من ابواب الذبح، الحديث: 5.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 515)


[مسألة 384: يجب أن يكون الهدي من الابل أو البقر أو الغنم]

(مسألة 384): يجب أن يكون الهدي من الابل أو البقر أو الغنم (1)،


فَمَنْ‌ تَمَتَّعَ‌ بِالْعُمْرَةِ‌ إِلَى الْحَجِّ‌ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ‌ الْهَدْيِ‌، فَمَنْ‌ لَمْ‌ يَجِدْ فَصِيٰامُ‌ ثَلاٰثَةِ‌ أَيّٰامٍ‌ فِي الْحَجِّ‌ وَ سَبْعَةٍ‌ إِذٰا رَجَعْتُمْ‌


1

بتقريب أنه يدل على أن الهدي وظيفة كل متمتع بالعمرة الى الحج، فاذا لم يجد فوظيفته الصيام، لا الاشتراك في الهدي. و مع الاغماض عن ذلك، فالطائفتان تسقطان معا من جهة المعارضة في مورد الالتقاء و الاجتماع، و المرجع فيه اطلاق الروايات، و هي كما يلي:

منها: صحيحة زرارة بن اعين عن أبي جعفر عليه السّلام: «في المتمتع قال:

و عليه الهدي، قلت: و ما الهدي، فقال: أفضله بدنة، و أوسطه بقرة، و آخره شاة»2.

و منها: صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: يجزئ في المتعة شاة»3 و منها غيرهما. بتقريب أنها تدل على وجوب طبيعي الهدي على كل متمتع بالعمرة الى الحج، و مقتضى اطلاقها اجزاء هدي واحد عن شخص واحد لا اكثر حتى في حال الضرورة، و لا يمكن أن تكون هذه الروايات طرفا للمعارضة. مع الطائفة الثانية، لأنها تنص على اجزاء هدي واحد عن جماعة في حال الضرورة، و هذه الروايات تنفي ذلك بالاطلاق، فلا تصلح أن تكون طرفا للمعارضة، و لكن بما أنها قد سقطت من جهة المعارضة مع الطائفة الأولى، فعندئذ لا مانع من الرجوع الى اطلاق هذه الروايات.

فالنتيجة: ان الهدي الواجب لا يكفي إلاّ عن واحد حتى في حال الضرورة، غاية الأمر اذا لم يتمكن من الهدي فعليه الصيام بديلا عنه.

(1)للكتاب و السنة. اما الكتاب: فقوله تعالى: وَ يَذْكُرُوا اسْمَ‌ اللّٰهِ‌ فِي أَيّٰامٍ‌ مَعْلُومٰاتٍ‌ عَلىٰ‌ مٰا رَزَقَهُمْ‌ مِنْ‌ بَهِيمَةِ‌ الْأَنْعٰامِ‌، فَكُلُوا مِنْهٰا وَ أَطْعِمُوا الْبٰائِسَ‌ الْفَقِيرَ4


 

(1)) <page number=”515″ />سورة البقرة، الآية: 196.
(2)) الوسائل: الباب 10 من ابواب الذبح، الحديث: 5، 2.
(3)) الوسائل: الباب 10 من ابواب الذبح، الحديث: 5، 2.
(4)) سورة الحج، الآية: 28.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 516)


و لا يجزئ من الابل إلا ما أكمل السنة الخامسة و دخل في السادسة، و لا من البقر و المعز إلا ما أكمل الثانية و دخل في الثالثة على الأحوط‍‌ (1)،

على أساس أن المراد من بهيمة الانعام هو الإبل و البقر و الغنم باتفاق أهل اللغة.

و اما السنة: فهي روايات كثيرة تدل على ذلك.

منها: صحيحة زرارة بن اعين عن أبي جعفر عليه السّلام: «في المتمتع، قال:

و عليه الهدي، قلت: و ما الهدي‌؟ قال: أفضله بدنة، و أوسطه بقرة، و أخفضه شاة»1.

و منها: صحيحة معاوية بن عمار، قال: «قال ابو عبد اللّه عليه السّلام: اذا رميت الجمرة فاشتر هديك ان كان من البدن أو من البقر، و إلاّ فاجعله كبشا سمينا فحلا، فان لم تجد فموجأ من الضأن – الحديث»2 و منها غيرهما.

(1)الأظهر كفاية ما دخل في الثانية شريطة صدق اسم البقر و المعز عليه، و ذلك لأن أهل اللغة مختلفون في تفسير الثنية، فعن جماعة تفسيرها بما اكمل سنة و دخل في الثانية، و عن جماعة تفسيرها بما اكمل سنتين و دخل في الثالثة، و على هذا فبما انا نثق بأن الثنية الواردة في لسان الروايات لا تخلو عن أحد التفسيرين، فيدور الأمر حينئذ بين الأقل و الأكثر، و المرجع فيه أصالة البراءة عن الاكثر و إن كان الاحتياط‍‌ أولى و أجدر. و من الروايات صحيحة عيص بن القاسم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام عن علي عليه السّلام: «انه كان يقول: الثنية من الإبل و الثنية من البقر، و الثنية من المعز، و الجذعة من الضأن»3 فانها تنص على أن الثنية من هذه


 

(1)) <page number=”516″ />الوسائل: الباب 10 من ابواب الذبح، الحديث: 5.
(2)) الوسائل: الباب 8 من ابواب الذبح، الحديث: 4.
(3)) الوسائل: الباب 11 من ابواب الذبح، الحديث: 1.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 517)


و لا يجزئ من الضأن إلا ما أكمل الشهر السابع و دخل في الثامن، و الأحوط‍‌ أن يكون قد أكمل السنة الواحدة و دخل في الثانية و إذا تبين له بعد الذبح في الهدي انه لم يبلغ السن المعتبر فيه لم يجزئه ذلك و لزمته الاعادة، و يعتبر في الهدي أن يكون تام الأعضاء فلا يجزئ الأعور، و الأعرج، و المقطوع اذنه، و المكسور قرنه الداخل و نحو ذلك (1)،

الانعام الثلاثة تكفي، ثم إنه لا خلاف لدى اللغويين في تفسيرها في الإبل، و الخلاف انما هو في تفسيرها في البقر و المعز كما مر. و كذلك في تفسير الجذعة، فعن جماعة تفسيرها بما أكمل سبعة أشهر و دخل في الثامن، و عن جماعة أخرى بما أكمل سنة و دخل في الثانية، فاذن يدخل ذلك أيضا في كبرى دوران الأمر بين الأقل و الاكثر، و المرجع فيها أصالة البراءة عن الاكثر، هذا هو ثمرة الخلاف.

(1)تدل على ذلك صحيحة علي بن جعفر: «انه سأل أخاه موسى بن جعفر عليه السّلام عن الرجل يشتري الأضحية عوراء، فلا يعلم إلاّ بعد شرائها، هل تجزي عنه‌؟ قال: نعم، إلاّ أن يكون هديا واجبا فانه لا يجوز أن يكون ناقصا»1

بتقريب أن مفادها اعتبار كون الهدي الواجب كاملا حتى من ناحية الصفات، و لا يجزي كونه ناقصا، و تطبيق ذلك في الرواية على النقص الصفتي كالعوراء قرينة على أنه يشمل المقام أيضا، و هو كون الهدي مكسور القرن من الداخل.

فالنتيجة ان المستفاد من الرواية اعتبار كون الهدي كاملا من ناحية الأجزاء و الصفات. و تدل على ذلك نصا صحيحة جميل عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

«في الأضحية يكسر قرنها، قال: ان كان القرن الداخل صحيحا فهو يجزي»2


 

(1)) <page number=”517″ />الوسائل: الباب 21 من ابواب الذبح، الحديث: 1.
(2)) الوسائل: الباب 22 من ابواب الذبح، الحديث: 1.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 518)


و الأظهر عدم كفاية الخصي أيضا (1).

فانها تنص بمقتضى مفهومها على أن القرن الداخل اذا لم يكن صحيحا لم يجزي. و مثلها صحيحته الأخرى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «انه قال في المقطوع القرن أو المكسور القرن، اذا كان القرن الداخل صحيحا فلا بأس، و إن كان القرن الظاهر الخارج مقطوعا»1.

(1)بل هو الظاهر لدلالة جملة من الروايات على ذلك.

منها: صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام: «إنه سئل عن الأضحية، فقال: أقرن فحل – الى أن قال -: و سألته أ يضحّى بالخصي‌؟ فقال:

لا»2.

و منها: صحيحته الأخرى عن أحدهما عليهما السّلام قال: «سألته عن الاضحية بالخصي، فقال: لا»3.

و منها: صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج، قال: «سألت أبا ابراهيم عليه السّلام عن الرجل يشتري الهدي، فلما ذبحه اذا هو خصي مجبوب، و لم يكن يعلم أن الخصي لا يجزي في الهدي هل يجزيه أم يعيده‌؟ قال: لا يجزيه الا أن يكون لا قوة به عليه»4.

و في مقابلها صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: النعجة من الضأن اذا كانت سمينة أفضل من الخصي من الضأن، و قال: الكبش السمين خير من الخصي و من الأنثى، و قال: سألته عن الخصي و الانثى فقال: الأنثى أحب إلي من الخصي»5 بدعوى أنها ظاهرة في كفاية الخصي غاية الأمر ان النعجة اذا كانت سمينة أفضل منه.


 

(1)) <page number=”518″ />الوسائل: الباب 22 من ابواب الذبح، الحديث: 3.
(2)) الوسائل: الباب 12 من ابواب الذبح، الحديث: 1.
(3)) الوسائل: الباب 12 من ابواب الذبح، الحديث: 2.
(4)) الوسائل: الباب 12 من ابواب الذبح، الحديث: 3.
(5)) الوسائل: الباب 12 من ابواب الذبح، الحديث: 5.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 519)


و يعتبر فيه أن لا يكون مهزولا عرفا (1)، و الأحوط‍‌ الأولى أن لا يكون مريضا و لا موجوءا و لا مرضوض الخصيتين و لا كبيرا لا مخّ‌ له، و لا بأس بأن يكون مشقوق الاذن أو مثقوبها و ان كان الأحوط‍‌ اعتبار سلامته منهما، و الأحوط‍‌ الأولى أن لا يكون الهدي فاقد القرن أو الذنب من أصل خلقته.

و الجواب انها و إن دلت على الكفاية، إلاّ أنها مطلقة تشمل الهدي الواجب و المستحب، فاذن لا بد من حملها على الهدي المستحب بقرينة الروايات المتقدمة، بملاك حمل المطلق على المقيد.

(1)تدل عليه صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام في حديث:

«قال: و ان اشترى اضحية و هو ينوي أنها سمينة فخرجت مهزولة أجزأت عنه، و إن نواها مهزولة فخرجت سمينة أجزأت عنه، و إن نواها مهزولة فخرجت مهزولة لم تجز عنه»1 بتقريب ان المتفاهم العرفي من هذه الرواية بمناسبة الحكم و الموضوع الارتكازية أن من علم بأن الهدي سمين و اشتراه كذلك ثم بان أنه مهزول كفى، و من علم بانه مهزول و اشتراه كذلك ثم بان أنه سمين كفى أيضا، و أما من علم بأنه مهزول و اشتراه كذلك ثم بان أنه مهزول لم يكف، فالمراد من نية السمن و الهزل فيها هو العلم بهما، لأن النية من آثاره و لوازمه.

فالنتيجة ان المستفاد منها أن الشرط‍‌ أعم من السمن الواقعي و العلمي.

و قريب منها صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: اذا اشترى الرجل البدنة مهزولة فوجدها سمينة فقد أجزأت عنه، و إن اشتراها مهزولة فوجدها مهزولة فانها لا تجزي عنه»2.

ثم انه اذا لم يتيسر الهدي الواجد لتمام الشروط‍‌ أجزأ ما تيّسر منه، و تدل عليه صحيحة معاوية بن عمار في حديث قال: «قال ابو عبد اللّه عليه السّلام: اشتر فحلا


 

(1)) <page number=”519″ />الوسائل: الباب 16 من ابواب الذبح، الحديث: 1.
(2)) الوسائل: الباب 16 من ابواب الذبح، الحديث: 5.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 520)


[مسألة 385: إذا اشترى هديا معتقدا سلامته فبان معيبا بعد نقد ثمنه]

(مسألة 385): إذا اشترى هديا معتقدا سلامته فبان معيبا بعد نقد ثمنه فالظاهر جواز الاكتفاء به (1).

سمينا للمتعة فان لم تجد فموجأ، فان لم تجد فمن فحولة المعز، فان لم تجد فنعجة، فان لم تجد فما استيسر من الهدي – الحديث»1 بتقريب أن المتفاهم العرفي منها أن اعتبار هذه الشروط‍‌ مختص بحال التمكن، و أما في حال العجز فيكفي الفاقد، لا أنه يسقط‍‌ عنه و تنتقل وظيفته الى بدله، و هو الصوم، و تؤكد ذلك أيضا قوله عليه السّلام في صحيحة عبد الرحمن المتقدمة: «لا يجزيه إلاّ أن يكون لا قوة به عليه»2 و مثلها صحيحته الأخرى، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يشتري الكبش فيجده خصيا مجبوبا، فقال: إن كان صاحبه موسرا فليشتر مكانه»3 فانها تدل على أن الهدي اذا كان خصيا لم يكف في حال التمكن لا مطلقا، و على هذا فأدلة الشروط‍‌ تكون مقيدة لإطلاق الآية الشريفة بحال التمكن منها لا مطلقا، و أما في حال العجز عنها فاطلاقها محكم.

(1)تدل عليه صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في رجل يشتري هديا فكان به عيب عور أو غيره، فقال: ان كان نقد ثمنه فقد أجزأ عنه، و إن لم يكن نقد ثمنه رده و اشترى غيره – الحديث»4 بتقريب ان المستفاد منها أن الهدي المعيوب لا يجزي إلاّ ما نقد ثمنه.

و في مقابلها صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام: «انه سأل عن الرجل يشتري الأضحية عوراء فلا يعلم إلاّ بعد شرائها، هل تجزي عنه‌؟ قال: نعم إلاّ أن يكون هديا واجبا، فانه لا يجوز ناقصا»5 بدعوى أنها معارضة لصحيحة معاوية و كان التعارض بينهما بالعموم من وجه، فان الرواية


 

(1)) <page number=”520″ />الوسائل: الباب 12 من ابواب الذبح الحديث: 7.
(2)) الوسائل: الباب 12 من ابواب الذبح الحديث: 3.
(3)) الوسائل: الباب 12 من ابواب الذبح الحديث: 4.
(4)) الوسائل: الباب 24 من ابواب الذبح، الحديث: 1.
(5)) الوسائل: الباب 21 من ابواب الذبح، الحديث: 1.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 521)


……….

الأولى خاصة من جهة نقد الثمن، و عامة من جهة أن المشتري كان يعلم بالعيب قبل نقد الثمن أو بعده، و الرواية الثانية خاصة من جهة أنه لا يعلم العيب إلاّ بعد الشراء، و عامة من جهة أن علمه به كان بعد نقد الثمن أو قبله، فاذن يكون مورد الالتقاء و الاجتماع بينهما ما اذا علم بالعيب بعد الشراء و نقد الثمن، فان مقتضي الأولى أنه يجزي، و مقتضي الثانية أنه لا يجزي. و لكن صحيحة عمران الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: من اشترى هديا و لم يعلم أن به عيبا حتى نقد ثمنه، ثم علم فقد تم»1 بما أنها أخص من كل واحدة منهما، فتقيد اطلاق الأولى بما إذا علم بالعيب بعد الشراء و نقد الثمن، و اطلاق الثانية بما اذا علم به بعد الشراء و قبل نقد الثمن، و بذلك يرتفع التعارض بينهما من جهة اختصاص كل منهما حينئذ بمورد الافتراق.

و لو اغمضنا عن ذلك، و افترضنا ان صحيحة الحلبي غير موجودة في المسألة، فهل تكون هناك معارضة بينهما، أي بين صحيحة معاوية و صحيحة علي بن جعفر أو لا؟

و الجواب انه لا معارضة بينهما في مورد الالتقاء و الاجتماع، و ذلك لأمرين:

أحدهما: ان لسان صحيحة معاوية في مورد الالتقاء بمقتضى المتفاهم العرفي لسان استثناء و تقييد اذ يفهم منها أن الهدي المعيوب المشترى لا يجزي إلاّ ما نقد ثمنه، فيكون هذا استثناء عن الحكم المطلق الذي هو مفاد صحيحة علي بن جعفر، و هو عدم اجزاء الهدي المعيوب المشترى، بقرينة أن نفي الحكم عن حصة خاصة و هي ما نقد ثمنه اذا لم يكن من المحتمل عادة


 

(1)) <page number=”521″ />الوسائل: الباب 24 من ابواب الذبح: 3.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 522)


[مسألة 386: ما ذكرناه من شروط‍‌ الهدي انما هو في فرض التمكن منه]

(مسألة 386): ما ذكرناه من شروط‍‌ الهدي انما هو في فرض التمكن منه، فان لم يتمكن من الواجد للشرائط‍‌ اجزأ الفاقد و ما تيسر له من الهدي (1).

[مسألة 387: إذا ذبح الهدي بزعم أنه سمين فبان مهزولا]

(مسألة 387): إذا ذبح الهدي بزعم أنه سمين فبان مهزولا أجزأه و لم يحتج إلى الاعادة (2).

اختصاص الحكم المنفي بها، يكون له ظهور عرفي في أن نفيه عنها نفي استثنائي، فاذن تكون صحيحة معاوية حاكمة على صحيحة علي بن جعفر.

و بكلمة: ان لسان صحيحة معاوية عرفا بما أنه لسان التقييد لمفاد صحيحة علي بن جعفر في مورد الالتقاء دون العكس، فلا بد من تقديمها عليها فيه.

و الآخر انه لو قدمت صحيحة معاوية على صحيحة علي بن جعفر في مورد الالتقاء و الاجتماع لزم منه تقييد اطلاق موضوع الحكم بعد الاجزاء بما اذا علم بالعيب بعد الشراء و لم ينقد الثمن.

و أما لو قدمت صحيحة علي بن جعفر على صحيحة معاوية لزم من ذلك الغاء عنوان نقد الثمن عن الموضوعية رأسا، و تكون النتيجة حينئذ عدم اجزاء الهدي المعيوب اذا علم بالعيب بعد الشراء مطلقا و إن نقد ثمنه، و من المعلوم أن تقييد الاطلاق أخف مؤنة بنظر العرف من رفع اليد عن العنوان المأخوذ في موضوع الحكم.

(1)الأمر كما أفاده قدّس سرّه و قد تقدم وجهه آنفا.

(2)في تقييد عدم وجوب الاعادة بما اذا ظهر كونه مهزولا بعد الذبح اشكال، بل منع، و الأقوى عدم وجوبها و إن ظهر كونه مهزولا قبل الذبح، و ذلك لإطلاق الروايات.

منها: صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام في حديث: «قال: و ان

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 523)


[مسألة 388: إذا ذبح ثم شك في انه كان واجدا للشرائط‍‌ حكم بصحته ان احتمل أنه كان محرزا للشرائط‍‌ حين الذبح]

(مسألة 388): إذا ذبح ثم شك في انه كان واجدا للشرائط‍‌ حكم بصحته ان احتمل أنه كان محرزا للشرائط‍‌ حين الذبح (1)، و منه ما إذا شك بعد الذبح انه كان بمنى أم كان في محل آخر (2).

اشترى أضحية و هو ينوي أنها سمينة فخرجت مهزولة أجزأت عنه – الحديث»1.

و منها: صحيحة الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: اذا اشترى الرجل البدنة مهزولة فوجدها سمينة فقد أجزأت عنه – الحديث»2 و منها غيرهما3.

و هذه الروايات باطلاقها تشمل ما اذا وجدها مهزولة بعد الشراء و قبل الذبح أو النحر، و لا وجه لتقييد اطلاقها بما اذا وجدها مهزولة بعد الذبح أو النحر، فانه بحاجة الى دليل، و لا تدل الروايات عليه.

(1)لقاعدة الفراغ، و هي قاعدة عقلائية عامة فلا تختص بباب دون باب، على تفصيل ذكرناه في علم الأصول.

(2)فان كانت الشبهة موضوعية بمعنى أنه يعلم حدود منى، و لكنه بعد الذبح شك في أن ما ذبحه كان فيه أو لا، ففي مثل ذلك اذا احتمل انه كان ملتفتا حين عملية الذبح الى عدم اجزائه خارج منى، جرت قاعدة الفراغ، و إلاّ فلا. و إن كانت الشبهة مفهومية بأن لا يعلم حدود منى و يشك في أن مكان الذبح هل هو من منى أو لا، فقد تقدم أنه لا يبعد الاجزاء على أساس أن منى اسم لواقع المكان المسمى بمنى، فاذا تردد بين الأقل و الاكثر كان من دوران التكليف بينهما، و حينئذ فبما أن المخصص في المقام مجمل مفهوما فيقتصر في خروجه عن عموم العام على القدر المتيقن، و في الزائد يرجع اليه، و إلاّ فإلى أصالة البراءة كما تقدم تفصيله.


 

(1)) <page number=”523″ />الوسائل: الباب 16 من ابواب الذبح، الحديث: 1.
(2)) الوسائل: الباب 16 من ابواب الذبح، الحديث: 5.
(3)) راجع الوسائل: الباب 16 من ابواب الذبح، الحديث: 2 و 6.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 524)


و أما إذا شك في أصل الذبح فان كان الشك بعد الحلق أو التقصير لم يعتن بشكه (1) و الا لزم الاتيان به اذا شك في هزال الهدي فذبحه امتثالا لأمر اللّه تبارك و تعالى و لو رجاء ثم ظهر سمنه بعد الذبح أجزأه ذلك.

[مسألة 389: إذا اشترى هديا سليما فمرض بعد ما اشتراه أو اصابه كسر أو عيب أجزأه أن يذبحه]

(مسألة 389): إذا اشترى هديا سليما فمرض بعد ما اشتراه أو اصابه كسر أو عيب أجزأه أن يذبحه و لا يلزمه ابداله (2).

(1)لقاعدة التجاوز شريطة احتمال انه كان ملتفتا في وقت العمل الى أن موضعه من ناحية تسلسل الواجبات قبل الحلق أو التقصير.

(2)تدل عليه صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن رجل أهدى هديا و هو سمين فأصابه مرض و انفقأت عينه فانكسر فبلغ المنحر و هو حي، قال: يذبحه و قد أجزأ عنه»1 بتقريب أن مفادها كفاية الهدي المعيوب و اجزائه، و عليه فالصحيحة من هذه الناحية تكون منافسة للروايات المتقدمة التي تنص على اعتبار السلامة في الهدي، و لكن لا بد من حمل هذه الصحيحة على موردها و هو ما اذا حدث فيه عيب لا مطلقا.

فالنتيجة حينئذ ان الهدي اذا كان معيوبا من الأول فهو مانع عن صحته سواء أ كان عالما به أم جاهلا، و اذا كان سالما ثم حدث فيه عيب فهو لا يضر.

ثم ان مورد الصحيحة هو ملك الهدي بالهبة.

و قد تسأل: عن أن الحكم بالاجزاء اذا حدث فيه عيب هل هو مختص بموردها، أو يعم الشراء أيضا؟

و الجواب: انه يعم الشراء أيضا، اذ لا يرى العرف خصوصية للملك بالهبة، و لا يحتمل أن يكون دخيلا في الحكم. هذا من ناحية.

و من ناحية أخرى قد تقدم ان شرطية السمن في الهدي انما هي شرطية


 

(1)) <page number=”524″ />الوسائل: الباب 26 من ابواب الذبح، الحديث: 1.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 525)


[مسألة 390: لو اشترى هديا فضلّ‌ اشترى مكانه هديا آخر]

(مسألة 390): لو اشترى هديا فضلّ‌ اشترى مكانه هديا آخر، فان وجد الأول قبل ذبح الثاني ذبح الأول و هو بالخيار في الثاني إن شاء ذبحه و إن شاء لم يذبحه و هو كسائر امواله و الأحوط‍‌ الأولى ذبحه أيضا، و ان وجده بعد ذبحه الثاني ذبح الأول أيضا على الأحوط‍‌ (1).

علمية لا واقعية فحسب، و هذا بخلاف شرطية السلامة عن سائر العيوب فانها واقعية، فلو اشترى حيوانا مكسور القرن من الداخل، أو مقطوع الأذن، ثم ظهر أنه كذلك لم يجزئ، و على هذا فلا يمكن التعدي عن مورد الصحيحة الى مطلق العيب، بل لا بد من الاقتصار على موردها، و هو العيب الحادث، و نتيجة ذلك ان العيب اذا حدث في الهدي بعد الشراء لم يكن مانعا من الاجزاء، و اذا كان من الأول فهو مانع، و مورد الروايات المتقدمة التي تنص على أن العيب مانع، هو العيب قبل الشراء، و لا تعم العيب الحادث بعد الشراء.

(1)بل على الأظهر، و ذلك لصحيحة أبي بصير قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل اشترى كبشا فهلك منه، قال: يشتري مكانه آخر، قلت: فان اشترى مكانه آخر ثم وجد الأول، قال: ان كانا جميعا قائمين فليذبح الأول و ليبع الأخير، و إن شاء ذبحه، و إن كان قد ذبح الأخير ذبح الأول معه»1 فانها تدل على أمرين: (أحدهما) انه اذا وجد الهدي الأول قبل ذبح الآخر وجب ذبح الأول، و في الثاني مخير بين أن يذبحه أيضا، و بين أن يبيعه من آخر، أو يبقيه عنده.

(و الآخر) انه اذا وجد الهدي الأول بعد ذبح الثاني ذبح الأول معه أيضا.

و أما صحيحة الحلبي، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يشتري البدنة، ثم تضل قبل أن يشعرها و يقلدها، فلا يجدها حتى يأتي منى فينحر، و يجد هديه، قال: إن لم يكن قد اشعرها فهي من ماله إن شاء نحرها، و إن شاء


 

(1)) <page number=”525″ />الوسائل: الباب 32 من ابواب الذبح، الحديث: 2.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 526)


……….

باعها، و إن كان اشعرها نحرها»1 فهي تؤكد صحيحة أبي بصير باعتبار أنها تدل على عدم كفاية ذبح البدل أو نحره اذا وجد المبدل بعد ذلك و قبل انتهاء وقته، غاية الأمر ان موردها حج الأفراد، فانه لا يجب فيه الهدي، نعم اذا ساق الهدي معه و قام بالاشعار أو التقليد وجب، و يكون الحج حينئذ حج قران، و اذا ظل بعد الاشعار أو التقليد لم يكف بدله اذا وجد المبدل حتى بعد نحر البدل، و مورد صحيحة أبي بصير حج التمتع.

و اما الروايات الدالة على الكفاية اذا ماتت الأضحية بعد الشراء او سرقت (فمنها) صحيحة معاوية بن عمار قال: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل اشترى اضحية فماتت أو سرقت قبل أن يذبحها، قال: لا بأس، و إن ابدلها فهو أفضل، و إن لم يشتر فليس عليه شيء»2 فلا بد من تقييد اطلاقها بالأضحية المندوبة، بقرينة الروايات الدالة على عدم الاجزاء.

منها: صحيحتا أبي بصير و الحلبي المتقدمتان.

و منها: صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج، قال: «سألت أبا ابراهيم عليه السّلام عن رجل اشترى هديا لمتعته، فأتى به منزله، فربطه، ثم انحل فهلك، فهل يجزئه أو يعيد؟ قال: لا يجزئه إلاّ أن يكون لا قوة به عليه»3 فان هذه الصحاح تنص على عدم الاجزاء، و القدر المتيقن منها الهدي الواجب، و على هذا فتصلح أن تكون قرينة على حمل الروايات المتقدمة على الهدي المندوب تطبيقا لقاعدة حمل الظاهر على الأظهر، و على تقدير وقوع المعارضة بينهما فتسقطان معا، فالمرجع يكون اطلاقات أدلة الهدي، و مقتضاها عدم سقوطه عن


 

(1)) <page number=”526″ />الوسائل: الباب 32 من ابواب الذبح، الحديث: 1.
(2)) الوسائل: الباب 30 من ابواب الذبح، الحديث: 1.
(3)) الوسائل: الباب 25 من ابواب الذبح، الحديث: 5.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 527)


……….

ذمته إلاّ بالذبح أو النحر. و أما صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: اذا عرّف بالهدي ثم ضل بعد ذلك فقد أجزأ»1 فلا بد من حملها على الهدي المندوب بقرينة صحيحة الحلبي المتقدمة التي تنص على أن نحر البدل لا يجزي اذا أشعر المبدل، على أساس ظهورها في الهدي الواجب.

و تؤكد ما ذكرناه صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام في حديث:

«قال: في الرجل يبعث بالهدي الواجب فهلك الهدي في الطريق قبل أن يبلغ، و ليس له سعة أن يهدي، فقال: اللّه سبحانه و تعالى أولى بالعذر، إلاّ أن يكون يعلم انه اذا سأل أعطى»2 فانها تدل على أنه لو كان متمكنا من الهدي ثانيا لم يكن معذورا.

فالنتيجة ان من عين الهدي في شاة أو ناقة ثم ضل، و بعد ذلك اشترى هديا آخر بدله، و قام بذبحه و نحره، ثم وجد المبدل، فالظاهر وجوب ذبح المبدل، فان البدل انما يكفي اذا تعذر المبدل في تمام وقته لا مطلقا.

بقي هنا شيء و هو ان الحاج اذا اشترى شاة أو ناقة أو بقرة، و نوى أنها هدي، تعيّنت للهدي، و حينئذ فلا يجوز له العدول الى غيرها، بل مقتضى صحيحة ابي بصير و صحيحة الحلبي المتقدمتين أن الهدي اذا ضل، و لم يجده الى اليوم العاشر، و اشترى هديا آخر مكانه و ذبحه أو نحره، ثم وجد المبدل خلال أيام التشريق أو تمام شهر ذي الحجة وجب ذبح المبدل أو نحره أيضا، فان وجوب ذبح المبدل او نحره لم يسقط‍‌ عن ذمته بذبح البدل أو نحره اذا تمكن بعده من المبدل خلال أيام التشريق، بل الى آخر شهر ذي الحجة، أو اذا وجد غيره خلال هذه الفترة، و علم بأنها هدي وجب عليه ذبحه أو نحره، و هذا


 

(1)) <page number=”527″ />الوسائل: الباب 25 من ابواب الذبح، الحديث: 9.
(2)) الوسائل: الباب 25 من ابواب الذبح، الحديث: 8.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 528)


[مسألة 391: لو وجد أحد هديا ضالا عرّفه إلى اليوم الثاني عشر]

(مسألة 391): لو وجد أحد هديا ضالا عرّفه إلى اليوم الثاني عشر، فان لم يوجد صاحبه ذبحه في عصر اليوم الثاني عشر عن صاحبه (1).

لا يحتاج الى دليل، بل يكون على القاعدة، لأن البدل انما يقوم مقام المبدل اذا تعذر في تمام الوقت لا في بعضه، كما هو الحال في سائر الموارد.

فالنتيجة ان الحاج اذا عين الهدي في أحد الأنعام الثلاثة تعيّن، و لم يجز له التصرف فيه بعد ذلك بما ينافي جعله هديا، نعم يجوز له التبديل بالأفضل لصحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث: «أنه قال له رجل اشترى شاة ثم أراد أن يشتري أسمن منها، قال: يشتريها فاذا اشتراها باع الأولى – الحديث»1 فانها تنص على جواز التبديل بالأفضل، و موردها و إن كان التبديل بالأسمن، إلاّ أن العرف لا يرى خصوصية له، بل يفهم منها جواز التبديل بمطلق الأفضل، كتبديل الشاة بأكبر منها أو بالناقة أو غيرها، و عليه فتكون الصحيحة قرينة على تقييد اطلاق الروايات المتقدمة التي تنص على أن من اشترى هديا تعيّن، و لا يجوز له التبديل.

فالنتيجة ان عدم جواز التبديل انما هو في فرض عدم كون البدل أفضل من المبدل لا مطلقا.

(1)لنص صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام في حديث قال:

«و قال: اذا وجد الرجل هديا ضالا فليعرفه يوم النحر و الثاني و الثالث، ثم ليذبحها عن صاحبها عشية الثالث»2.

ثم إن هذا الذبح لا بد أن يكون بمنى و إلاّ لم يجزي عن صاحبه، و تنص على ذلك صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في رجل يضل هديه، فيجده رجل آخر فينحره، فقال: إن كان نحره بمنى اجزأ عن صاحبه الذي


 

(1)) <page number=”528″ />الوسائل: الباب 20 من ابواب الذبح، الحديث: 1.
(2)) الوسائل: الباب 28 من ابواب الذبح، الحديث: 1.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 529)


……….

ضل عنه، و إن كان نحره في غير منى لم يجزئ عن صاحبه»1.

ثم إن مقتضى صحيحة محمد بن مسلم أنه يجب على الرجل الواجد للهدي الضال أمران:

أحدهما: تعريفه يوم العيد و اليوم الثاني و الثالث.

و الآخر: أن يذبحه من قبل صاحبه عشية اليوم الثالث من العيد.

أما الأمر الأول، فلا اشكال في وجوبه عليه.

و اما الأمر الثاني، فهل له موضوعية‌؟ بمعنى أنه يدل على أن الاجزاء مشروط‍‌ بأن يقوم بالذبح من قبل صاحبه، و إلاّ لم يكن مجزيا، رغم أنه لا يوجب صحة استناد الذبح اليه حقيقة، لأن استناده اليه مرتبط‍‌ إما بقيامه بنفسه و مباشرة بعملية الذبح، أو تسبيبا، و المفروض انتفاء كلا الأمرين في المقام، أو أنه لا موضوعية له من هذه الناحية، فان أمر المولى بذلك انما هو بمقتضى واقع الحال، لا أن له موضوعية و دخلا في الاجزاء، و على هذا فاذا ذبحه عن نفسه، أو لم ينو عن صاحبه اجزأ عنه، باعتبار أن الاجزاء تعبدي، و لا يكون على القاعدة.

فيه وجهان: و الظاهر هو الوجه الأول، لتعلق الأمر بالذبح المقيد، و هو يقتضي كونه المأمور به لا المطلق، هذا.

و أما وجوب التعريف فهل هو وجوب نفسي، أو شرطي أو مقدمي‌؟ الظاهر هو الأخير. أما الأول فلا موجب له أصلا، و لا يحتمل أن يكون وجوبه كوجوب الصلاة و الصيام و نحوهما وجوبا نفسيا ناشئا عن مصلحة ملزمة قائمة بنفسه، بل يكون وجوبه من أجل غاية أخرى، كإيصال المال الى صاحبه و ردّه اليه، فانه متوقف على التعريف. و من هنا يظهر أنه ليس بشرطي أيضا، اذ لا


 

(1)) <page number=”529″ />الوسائل: الباب 28 من ابواب الذبح، الحديث: 2.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 530)


[مسألة 392: من لم يجد الهدي و تمكن من ثمنه أودع ثمنه عند ثقة ليشتري به هديا و يذبحه عنه إلى آخر ذي الحجة]

(مسألة 392): من لم يجد الهدي و تمكن من ثمنه أودع ثمنه عند ثقة ليشتري به هديا و يذبحه عنه إلى آخر ذي الحجة، فان مضى الشهر لا يذبحه الا في السنة القادمة (1).

يحتمل أن تكون صحة الذبح او النحر مشروطة بالتعريف، لأن ذلك بحاجة الى دليل، و لا دليل عليه، لا في نفس الروايات، و لا من الخارج.

(1)تنص على ذلك صحيحة حريز عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في متمتع يجد الثمن، و لا يجد الغنم، قال: يخلف الثمن عند بعض أهل مكة، و يأمر من يشتري له و يذبح عنه، و هو يجزئ عنه، فان مضى ذو الحجة، أخر ذلك الى قابل من ذي الحجة»1 و هذه الصحيحة تقيد اطلاق الآية الكريمة، و هي قوله تعالى: فَمَنْ‌ لَمْ‌ يَجِدْ فَصِيٰامُ‌ ثَلاٰثَةِ‌ أَيّٰامٍ‌2 فان مقتضى اطلاقها ان من لم يجد الهدي فوظيفته الصيام، سواء أ كان واجدا لثمنه أم لا، فالنتيجة ان من لم يجد الهدي و لا ثمنه فعليه الصيام.

ثم إن من لم يجد الهدي و لا ثمنه فلا شبهة في أن وظيفته الصيام، للآية الشريفة و الروايات التي تنص على ذلك، و سوف نشير اليها في ضمن المسائل القادمة. و أما اذا فرضنا انه لم يصم ثلاثة أيام في مكة و وجد الهدي خلال أيام التشريق أو بعدها، فالظاهر أن وظيفته الهدي دون الصيام، لإطلاق الآية الشريفة، و هي قوله تعالى: فَمَنْ‌ لَمْ‌ يَجِدْ فَصِيٰامُ‌ ثَلاٰثَةِ‌ أَيّٰامٍ‌3 فانه ظاهر في أن من لم يجد الهدي في مجموع وقته، اي من يوم العيد الى آخر ذي الحجة، فوظيفته الصيام، و إلاّ فوظيفته ذبح الهدي دون الصيام. نعم ان معتبرة أبي بصير عن أحدهما عليهما السّلام، قال: «سألته عن رجل تمتع فلم يجد ما يهدي حتى اذا كان يوم النفر وجد ثمن شاة، أ يذبح أو يصوم‌؟ قال: بل يصوم، فان ايام الذبح قد


 

(1)) <page number=”530″ />الوسائل: الباب 44 من ابواب الذبح، الحديث: 1.
(2)) سورة البقرة، الآية: 196.
(3)) سورة البقرة، الآية: 196.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 531)


[مسألة 393: إذا لم يتمكن من الهدي و لا من ثمنه صام بدلا عنه عشرة أيام]

(مسألة 393): إذا لم يتمكن من الهدي و لا من ثمنه صام بدلا عنه عشرة أيام، ثلاثة في الحج (1)

مضت»1 تدل على أن وظيفته الصيام دون الهدي معللا بأن أيام الذبح قد مضت.

و لكن لا يمكن الأخذ بظاهر هذه الرواية لما عرفت من أن أيام الذبح قد امتدت الى آخر ذي الحجة لا الى أيام التشريق فقط‍‌، نعم لو كان المراد من مضي أيام الذبح فيها مضيها بالنسبة الى الحجاج انفسهم فلا بأس، على أساس أنهم غالبا يسافرون الى اوطانهم بعد أيام التشريق، فلا يبقون في مكة لكي يكونوا قادرين على الذبح في منى، و هل وظيفتهم حينئذ وضع ثمن الهدي عند شخص حتى يقوم بشراء الهدي به الى آخر ذي الحجة أو الصوم‌؟ و تمام الكلام في المقام يأتي في المسألة (395) إن شاء اللّه تعالى.

(1)للكتاب و السنة: اما الكتاب، فقوله تعالى: فَإِذٰا أَمِنْتُمْ‌ فَمَنْ‌ تَمَتَّعَ‌ بِالْعُمْرَةِ‌ إِلَى الْحَجِّ‌ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ‌ الْهَدْيِ‌ فَمَنْ‌ لَمْ‌ يَجِدْ فَصِيٰامُ‌ ثَلاٰثَةِ‌ أَيّٰامٍ‌ فِي الْحَجِّ‌ وَ سَبْعَةٍ‌ إِذٰا رَجَعْتُمْ‌ تِلْكَ‌ عَشَرَةٌ‌ كٰامِلَةٌ‌ ذٰلِكَ‌ لِمَنْ‌ لَمْ‌ يَكُنْ‌ أَهْلُهُ‌ حٰاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ‌2.

و أما السنة فهي روايات كثيرة.

منها: صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «سألته عن متمتع لم يجد هديا، قال: يصوم ثلاثة أيام في الحج، يوما قبل التروية و يوم التروية و يوم عرفة، قال: قلت: فان فاته ذلك، قال: يتسحر ليلة الحصبة و يصوم ذلك اليوم و يومين بعده، قلت: فان لم يقم عليه جمّاله أ يصومها في الطريق‌؟


 

(1)) <page number=”531″ />الوسائل: الباب 44 من ابواب الذبح، الحديث: 3.
(2)) سورة البقرة، الآية: 196.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 532)


……….

قال: إن شاء صامها في الطريق، و إن شاء اذا رجع الى أهله»1 و منها غيرها.

و ينبغي التنبيه على أمرين:

أحدهما: ان من أراد أن يصوم الأيام الثلاثة في الطريق الى أهله، أو في الأهل اذا رجع، فهل يجوز له أن يترك صيام هذه الأيام في مكة عامدا و ملتفتا؟

و الجواب: انه لا يجوز، لأن الآية الشريفة بضميمة تفسير الحج فيها بذي الحجة و إن لم تدل على وجوب صيام تلك الأيام إلاّ في ذي الحجة، و أما ان وجوبها في العشرة الأولى مقدم على وجوبها بعد أيام التشريق، فالآية ساكتة عن ذلك. إلاّ أن في روايات الباب كفاية، لأن قوله عليه السّلام في تلك الروايات:

«يصوم ثلاثة أيام في الحج، يوما قبل التروية و يوم التروية و يوم عرفة، و إن فاته ذلك يتسحر ليلة الحصبة و يصوم ذلك اليوم و يومين بعده» ظاهر في تعين وجوب صيام هذه الأيام الثلاثة عليه في العشرة الأولى، و إن فاته ذلك يصوم بعد أيام التشريق، و لا اشعار فيه فضلا عن الدلالة على أنه مخير بين صيام تلك الأيام الثلاثة في هذه العشرة، و صيامها بعد أيام التشريق.

فالنتيجة انه لا شبهة في ظهور الروايات المذكورة في أن وجوب صيام تلك الثلاثة بعد أيام التشريق في طول وجوب صيامها في العشرة الأولى لا في عرضها، و يؤكد ذلك ذيلها «فان لم يقم عليه جماله أ يصوم في الطريق‌؟ قال: إن شاء صامها في الطريق، و إن شاء اذا رجع الى أهله» بتقريب أنه نص في أن صيام الايام الثلاثة في البلد اذا رجع في عرض صيامها في الطريق، و أما صيامها في الطريق فهو في طول صيامها بعد أيام التشريق في مكة. و من هنا يظهر أن هذه الروايات لا تنافي الآية الشريفة، فان الروايات لا تدل على أن وقت الصوم


 

(1)) <page number=”532″ />الوسائل: الباب 46 من ابواب الذبح، الحديث: 4.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 533)


في اليوم السابع و الثامن و التاسع من ذي الحجة (1)

محدود بالعشرة الأولى لكي تكون منافية للآية الشريفة، بل تدل على أن وقته ممتد الى آخر ذي الحجة، غاية الأمر ان وجوبه بعد أيام التشريق يكون في طول وجوبه في العشرة الأولى، و كذلك وجوبه في الطريق أو البلد يكون في طول وجوبه بعد أيام التشريق في مكة شريطة أن يكون كل ذلك في ذي الحجة.

و الآخر: ان الروايات التي تدل على أنه اذا فات عن المكلف صوم الأيام الثلاثة في العشرة الأولى وجب عليه أن يصوم يوم الحصبة و يومين بعده ظاهرة في عدم جواز تأخيره الى نهاية ذي الحجة، و لكن لا بد من رفع اليد عن ظهورها في ذلك بقرينة صحيحة زرارة عن ابي عبد اللّه عليه السّلام «انه قال: من لم يجد ثمن الهدي فأحب أن يصوم الثلاثة الأيام في العشر الأواخر، فلا بأس بذلك»1 فانها ناصة في جواز التأخير، فاذن تحمل تلك الروايات على الاستحباب تطبيقا لقاعدة حمل الظاهر على النص.

(1)و هذا هو الظاهر، و تدل عليه صحيحتا حماد و معاوية المتقدمتان و غيرهما. و اما رواية زرارة عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «انه قال: من لم يجد الهدي و أحب أن يصوم الثلاثة الأيام في اول العشر فلا بأس بذلك»2 فهي ضعيفة سندا، فلا يمكن الاعتماد عليها، لأن في سندها أبان الأزرق، و هو ممن لم يثبت توثيقه، و مجرد وروده في اسناد كامل الزيارات لا يجدي، كما ذكرناه غير مرة.

ثم ان الظاهر من الروايات التي تنص على وجوب صيام ثلاثة أيام في الحج اعتبار التوالي بينها.

منها: صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام قال: «سألته عن صوم ثلاثة ايام في الحج و سبعة، أ يصومها متوالية، أو يفرق بينها؟ قال:


 

(1)) <page number=”533″ />الوسائل: الباب 46 من ابواب الذبح، الحديث: 13.
(2)) الوسائل: الباب 46 من ابواب الذبح، الحديث: 8.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 534)


و سبعة إذا رجع إلى بلده، و الأحوط‍‌ أن تكون السبعة متوالية (1)،

يصوم الثلاثة الأيام لا يفرق بينها، و السبعة لا يفرق بينها، و لا يجمع بين السبعة و الثلاثة جميعا»1 فانها ظاهرة في اعتبار التوالي بينها، و مقتضى اطلاقها عدم الفرق بين أن يكون صيامها في العشرة الأولى من ذي الحجة، أو بعد أيام التشريق في مكة، أو في الطريق الى بلدته، أو في البلدة.

و منها: صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي الحسن عليه السّلام قال: «سأله عبّاد البصري عن متمتع لم يكن معه هدي، قال: يصوم ثلاثة أيام، قبل التروية بيوم، و يوم التروية، و يوم عرفة، قال: فان فاته صوم هذه الأيام، فقال: لا يصوم يوم التروية و لا يوم عرفة، و لكن يصوم ثلاثة أيام متتابعات بعد أيام التشريق»2

فانها ناصة في اعتبار التوالي بينها.

(1)بل على الأظهر لصحيحة علي بن جعفر المتقدمة.

قد يقال – كما قيل – ان مقتضى رواية اسحاق بن عمار قال: «قلت لأبي الحسن موسى بن جعفر عليه السّلام: إني قدمت الكوفة و لم أصم السبعة الأيام حتى فزعت في حاجة الى بغداد، قال: صمها ببغداد، قلت: أفرقها، قال: نعم»3 عدم اعتبار التوالي فيها، و بما أنها ناصة في جواز التفريق، و الصحيحة ظاهرة في المنع عنه، فلا بد من تقديمها عليها تطبيقا لقاعدة حمل الظاهر على النص.

و الجواب: ان رواية اسحاق بن عمار و إن كانت تامة دلالة، إلاّ أنها ضعيفة سندا، لأن في سندها محمد بن أسلم، و هو ممن لم يثبت توثيقه غير وروده في اسناد كامل الزيارات، و قد ذكرنا غير مرة أن مجرد وروده في اسناده لا يكفي في التوثيق.


 

(1)) <page number=”534″ />الوسائل: الباب 55 من ابواب الذبح، الحديث: 2.
(2)) الوسائل: الباب 52 من ابواب الذبح، الحديث: 3.
(3)) الوسائل: الباب 55 من ابواب الذبح، الحديث: 1.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 535)


و يجوز أن تكون الثلاثة من أول ذي الحجة بعد التلبس بعمرة التمتع (1) و يعتبر فيها التوالي، فان لم يرجع إلى بلده و اقام بمكة فعليه أن يصبر حتى يرجع أصحابه إلى بلدهم أو يمضي شهر ثم يصوم بعد ذلك (2).

(1)لظهور قوله تعالى: فَإِذٰا أَمِنْتُمْ‌ فَمَنْ‌ تَمَتَّعَ‌ بِالْعُمْرَةِ‌ إِلَى الْحَجِّ‌ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ‌ الْهَدْيِ‌ فَمَنْ‌ لَمْ‌ يَجِدْ فَصِيٰامُ‌ ثَلاٰثَةِ‌ أَيّٰامٍ‌ فِي الْحَجِّ‌1 في أن الصيام وظيفة من تمتع بالعمرة الى الحج و على هذا فمن أراد صيام تلك الأيام الثلاثة من أول ذي الحجة، فلا بد أن تكون بعد تلبسه باحرام عمرة التمتع، كما لا يخفى.

(2)تنص على ذلك مجموعة من الروايات:

منها: صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث: «قال: إن كان له مقام بمكة، و أراد أن يصوم السبعة ترك الصيام بقدر مسيره الى أهله أو شهرا ثم صام بعده»2.

و منها: صحيحة أبي بصير قال: «سألته عن رجل تمتع فلم يجد ما يهدي فصام ثلاثة أيام، فلما قضى نسكه بدا له أن يقيم بمكة سنة، قال: فلينتظر منهل أهل بلده فاذا ظن أنهم قد دخلوا بلدهم فليصم السبعة الأيّام»3 فانها تدل بوضوح على أن من قصد أن يقيم بمكة و أراد أن يصوم سبعة أيام فيها، فعليه أن يصبر شهرا، أو بمقدار مسيره الى بلده اذا رجع ثم صام فان كان مقدار مسيره الى بلده أقل من شهر جاز له الصيام بعد مضى هذه الفترة، و لا يلزم عليه أن يصبر الى مقدار شهر، و إن كانت اكثر من شهر جاز له أن يصوم بعد مضي شهر، و لا يلزم عليه أن يصبر الى أن يمضي مقدار فترة مسيره الى بلده.


 

(1)) <page number=”535″ />سورة البقرة، الآية: 196.
(2)) الوسائل: الباب 50 من ابواب الذبح، الحديث: 2.
(3)) الوسائل: الباب 50 من ابواب الذبح، الحديث: 3.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 536)


[مسألة 394: المكلف الذي وجب عليه صوم ثلاثة أيام في الحج إذا لم يتمكن من الصوم في اليوم السابع]

(مسألة 394): المكلف الذي وجب عليه صوم ثلاثة أيام في الحج إذا لم يتمكن من الصوم في اليوم السابع صام الثامن و التاسع و يوما آخر بعد رجوعه من منى (1)،

(1)فيه اشكال، بل منع، و الأظهر عدم كفاية ذلك، و انتقال وظيفته الى صيام ثلاثة أيام متتابعات بعد أيام التشريق، و تفصيل ذلك ان الروايات الواردة في المقام تصنف الى ثلاثة طوائف:

الطائفة الأولى: تنص على جواز التفريق بين صيام الأيام الثلاثة في حالة خاصة، و هي ما اذا فات من المكلف صوم اليوم السابع، فانه حينئذ يجوز له أن يصوم اليوم الثامن و التاسع و يوما آخر بعد أيام التشريق، و لا تدل على أنه اذا فات منه صوم اليومين صام اليوم الثالث و يومين بعد أيام التشريق، أو اذا فات منه صوم الجميع صام تمام الأيام الثلاثة بعدها.

الطائفة الثانية: تنص على وجوب التتابع و التوالي في صيام الأيام الثلاثة مطلقا سواء أ كان قبل أيام التشريق أم كان بعدها.

الطائفة الثالثة: تدل على أن وظيفة المكلف صيام تمام الأيام الثلاثة بعد أيام التشريق اذا فاتت منه قبلها سواء أ كان فوتها بفوت صوم اليوم السابع فقط‍‌، أم بفوت صوم يومين منها، أم صوم الجميع، فانها مطلقة من هذه الناحية.

و من ناحية اخرى انها تدل على اعتبار التتابع في صيام هذه الأيام الثلاثة قبل أيام التشريق، و لا تدل على اعتباره بعدها، فمن هذه الجهة تمتاز عن الطائفة الثانية.

الطائفة الرابعة: تدل على اعتبار التتابع بين صيام هذه الأيام الثلاثة على أساس أن النهي عن صوم كل من اليوم الثامن و اليوم التاسع اذا فات منه صوم اليوم السابع، ظاهر في أنه لا فائدة في صوم كل منهما لا منفردا و لا مجتمعا.

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 537)


……….

اما الطائفة الأولى فهي متمثلة في روايتين:

احداهما: رواية عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «فيمن صام يوم التروية و يوم عرفة، قال: يجزيه أن يصوم يوما آخر»1 فانها واضحة الدلالة على جواز التفريق، و عدم وجوب التتابع في صيام الثلاثة الأيام.

و الجواب: أن الرواية و إن كانت تامة دلالة، إلاّ أنها ضعيفة سندا، فان في سندها مفضل بن صالح و هو لم يثبت توثيقه.

و الأخرى: رواية يحيى الأزرق عن ابي الحسن عليه السّلام قال: «سألته عن رجل قدم يوم التروية متمتعا و ليس له هدي، فصام يوم التروية و يوم عرفة، قال:

يصوم يوما آخر بعد أيام التشريق»2 فانها واضحة الدلالة على جواز التفريق و عدم وجوب التتابع، و انما الكلام في سندها، فان الواقع فيه يحيى الأزرق، و هو مردد بين يحيى بن حسان الأزرق، و يحيى بن عبد الرحمن الأرزق، و الأول ضعيف، و الثاني ثقة، أو أنه رجل آخر غيرهما. و على كلا التقديرين فهو مردد بين الثقة و الضعيف و التعيين بحاجة الى قرينة بعد ما كان الجميع في طبقة واحدة.

و دعوى: ان يحيى بن عبد الرحمن الأزرق بما أنه معروف و له كتاب و روايات دون يحيى بن حسّان الأزرق، فينصرف اطلاق يحيى الأزرق اليه دون الآخر.

مدفوعة: بأن هذا الانصراف على تقدير تسليمه انما يوجب الظن فقط‍‌ من باب الحاق الشيء المشكوك بالأعم الأغلب، و لا قيمة للظن و لا أثر له.

و رواية صفوان عن يحيى بن عبد الرحمن الأزرق في غير هذا المورد غالبا لا


 

(1)) <page number=”537″ />الوسائل: الباب 52 من ابواب الذبح، الحديث: 1.
(2)) الوسائل: الباب 52 من ابواب الذبح، الحديث: 2.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 538)


……….

تكون قرينة على أن المراد منه في المقام أيضا عبد الرحمن الأزرق إلاّ من باب أن الظن يلحق الشيء بالأعم الأغلب.

و دعوى: أنه ليس ليحيى بن حسان الأزرق رواية في الكتب الأربعة، و هذا قرينة على أن المراد منه عبد الرحمن الأزرق لا حسان الأزرق.

مدفوعة: بأن عدم وجود رواية عنه في الكتب الأربعة مبني على أن يكون المراد من يحيى الأزرق في الرواية عبد الرحمن الأزرق لا حسان الأزرق، و الاّ كانت هذه الرواية له في الكتب الأربعة، فيكون ذلك ظني و لا قيمة له. فاذن لا يمكن الوثوق بها من ناحية السند.

و أما مع الاغماض عن ذلك، و تسليم أنها تامة سندا فلا بد من تقديمها على الطائفة الثانية و الثالثة و الرابعة بملاك تقديم المقيد على المطلق كما لا يخفى.

و أما الطائفة الثانية: فهي متمثلة في روايتين أيضا:

الأولى: صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي الحسن عليه السّلام قال:

«سأله عباد البصري عن متمتع لم يكن معه هدي، قال: يصوم ثلاثة أيام، قبل يوم التروية بيوم، و يوم التروية، و يوم عرفة، قال: فان فاته صوم هذه الأيام فقال: لا يصوم يوم التروية و لا يوم عرفة، و لكن يصوم ثلاثة أيام متتابعات بعد أيام التشريق»1 فانها تنص على اعتبار التتابع و التوالي في صيام الايام الثلاثة سواء أ كانت قبل أيام التشريق أو بعدها.

الثانية: موثقة اسحاق بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: لا تصوم الثلاثة الأيام متفرقة»2 فانها تدل على أن التتابع شرط‍‌ في صحة صيام هذه الأيام


 

(1)) <page number=”538″ />الوسائل: الباب 52 من ابواب الذبح، الحديث: 3.
(2)) الوسائل: الباب 53 من ابواب الذبح، الحديث: 1.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 539)


……….

الثلاثة، و التفرقة مانعة عنها، على أساس ظهور النهي في الإرشاد اليها.

و أما الطائفة الثالثة التي تدل على اعتبار التتابع قبل أيام التشريق لا بعدها متمثلة في عدة روايات:

منها: صحيحة معاوية بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن متمتع لم يجد هديا، قال: يصوم ثلاثة أيام في الحج، يوما قبل التروية، و يوم التروية، و يوم عرفة، قال: قلت: فان فاته ذلك، قال: يتسحر ليلة الحصبة، و يصوم ذلك اليوم و يومين بعده، قلت: فان لم يقم عليه جماله أ يصومها في الطريق‌؟ قال: إن شاء صامها في الطريق، و إن شاء اذا رجع الى أهله»1 بتقريب أنها تدل على اعتبار التتابع بين صيام الأيام الثلاثة قبل أيام التشريق مطلقا، أي سواء أ كان فوت ذلك بفوت صوم اليوم السابع فقط‍‌ أم صوم اليومين أم الجميع، و لا تدل على اعتباره بعد أيام التشريق، لأن قوله عليه السّلام: «و يصوم ذلك اليوم و يومين بعده» يشمل باطلاقه ما اذا كان صوم اليومين بعده متصلا بصوم اليوم الأول أو منفصلا عنه.

و منها: صحيحة حماد بن عيسى، قال: «سمعت ابا عبد اللّه عليه السّلام يقول: قال علي عليه السّلام في قول اللّه عز و جل: فَصِيٰامُ‌ ثَلاٰثَةِ‌ أَيّٰامٍ‌ فِي الْحَجِّ‌ وَ سَبْعَةٍ‌ قال: قبل التروية و يوم التروية و يوم عرفة، فمن فاتته هذه الأيام فلينشئ يوم الحصبة و هي ليلة النفر»2.

و منها: صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج قال: «كنت قائما أصلي و أبو الحسن عليه السّلام قاعد قدامي و أنا لا أعلم فجاءه عباد البصري فسلّم ثم جلس فقال له: يا ابا الحسن، ما تقول في رجل تمتع و لم يكن له هدي، قال: يصوم الأيام


 

(1)) <page number=”539″ />الوسائل: الباب 46 من ابواب الذبح، الحديث: 4.
(2)) الوسائل: الباب 46 من ابواب الذبح، الحديث: 14.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 540)


……….

التي قال اللّه تعالى قال: فجعلت سمعي اليهما فقال له عباد و أيّ‌ أيام هي‌؟ فقال:

قبل التروية بيوم و يوم التروية و يوم عرفة، قال: فان فاته ذلك، قال: يصوم صبيحة الحصبة و يومين بعد ذلك – الحديث»1.

و منها: صحيحة صفوان بن يحيى عن ابي الحسن عليه السّلام قال: «قلت له: ذكر ابن السراج انه كتب إليك يسألك عن متمتع لم يكن له هدي فأجبته في كتابك يصوم ثلاثة أيام بمنى، فان فاته ذلك صام صبيحة الحصباء و يومين بعد ذلك، قال: و أما أيام منى فانها أيام أكل و شرب لا صيام فيها، و سبعة اذا رجع الى أهله»2 بتقريب انها تدل على اعتبار التتابع بين صوم اليوم السابع و الثامن و التاسع، و لا تدل على اعتباره فيه بعد أيام التشريق، لما مر من أن قوله عليه السّلام:

«يصوم صبيحة الحصبة و يومين بعده» لا يدل عليه.

ثم إن المراد من يوم الحصبة هل هو اليوم الثاني عشر أو الثالث عشر، أو هو اليوم الرابع عشر، باعتبار أنه يوم نفر الحجاج من مكة الى أوطانهم‌؟ فيه وجهان: الأظهر هو الأخير كما سيأتي تفصيله عن قريب.

و أما الطائفة الرابعة: فهي متمثلة في مجموعة من الروايات، و هي الروايات الناهية عن صوم يوم التروية و يوم عرفة اذا فاته صوم اليوم السابع.

منها: صحيحة العيص بن القاسم عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن متمتع يدخل يوم التروية و ليس معه هدي قال: فلا يصوم ذلك اليوم و لا يوم عرفة، و يتسحر ليلة الحصبة فيصبح صائما و هو يوم النفر و يصوم يومين بعده»3.

و منها: صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي الحسن عليه السّلام قال: «سأله


 

(1)) <page number=”540″ />الوسائل: الباب 51 من ابواب الذبح، الحديث: 4.
(2)) الوسائل: الباب 51 من ابواب الذبح، الحديث: 3.
(3)) الوسائل: الباب 52 من ابواب الذبح، الحديث: 5.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 541)


……….

عباد البصري عن متمتع لم يكن معه هدي‌؟ قال: يصوم ثلاثة أيام قبل التروية بيوم، و يوم التروية، و يوم عرفة، قال: فان فاته صوم هذه الأيام، فقال: لا يصوم يوم التروية و لا يوم عرفة – الحديث»1 فانها ظاهرة في أنه اذا فات عن المكلف صوم اليوم السابع سواء أ كان عن عمد أم عن غير عمد فلا يجدي صوم يوم التروية و لا يوم عرفة، لا منفردا و لا مجتمعا، فمن أجل ذلك تنص على اعتبار التتابع بين صيام الأيام الثلاثة الأولى، و لا تدل على اعتباره فيه بعد أيام التشريق.

و بعد ذلك نقول: انه لا معارض للطائفة الثانية التي تنص على اعتبار التتابع في صيام الثلاثة الأيام بدون فرق بين أن تكون قبل أيام التشريق أو بعدها. نعم لو تمت الطائفة الأولى لكانت مقيدة لا طلاق الطائفة الثانية في حالة واحدة، و هي ما اذا فات عن المكلف صوم اليوم السابع فقط‍‌، فانه يصوم اليوم الثامن و التاسع و يوما آخر بعد أيام التشريق و لكن قد تقدم ان في سندها اشكالا، فمن أجل ذلك لا يمكن الاعتماد عليها.

و أما الطائفة الثالثة: فمقتضى اطلاقها و إن كان عدم اعتبار التتابع في صيام الأيام الثلاثة بعد أيام التشريق لأنها لا تصلح أن تعارض الطائفة الثانية، لأنها ناصة في اعتبار التتابع في صيامها قبل أيام التشريق و بعدها، فاذن لا بد من تقديمها عليها تطبيقا لقاعدة حمل الظاهر على النص.

فالنتيجة في نهاية الشوط‍‌ انه لا مناص من الالتزام باعتبار التتابع و التوالي في صيام الأيام الثلاثة مطلقا، بدون فرق بين أن يكون قبل أيام التشريق كصوم اليوم السابع و الثامن و التاسع أو بعدها.


 

(1)) <page number=”541″ />الوسائل: الباب 52 من ابواب الذبح، الحديث: 3.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 542)


و لو لم يتمكن في اليوم الثامن أيضا أخّر جميعها إلى ما بعد رجوعه من منى (1)، و الأحوط‍‌ (2) أن يبادر إلى الصوم بعد رجوعه من منى، و لا يؤخّره من دون عذر،

(1)بل و إن تمكن من صوم اليوم الثامن لما مر من أنه اذا فات عن المكلف صوم اليوم السابع لم يجد صوم اليوم الثامن و لا اليوم التاسع لا منفردا و لا مجتمعا، لأن ما دل على كفايته من الرواية لا يخلو سنده عن اشكال، فمن أجل ذلك لا يمكن الاعتماد عليه، و حينئذ فوظيفته في هذه الحالة تأخير صيام الثلاثة الى ما بعد أيام التشريق على تفصيل تقدم.

(2)في الاحتياط‍‌ اشكال، و الأظهر جواز التأخير اذ لا دليل على وجوب المبادرة اليه، و أما الروايات التي تدل على أنه اذا فاته صوم هذه الأيام الثلاثة يصوم يوم الحصبة و يومين بعده و ان كانت ظاهرة في وجوب المبادرة و عدم جواز التأخير إلاّ أنه لا بد من رفع اليد عن ظهورها في ذلك بقرينة صحيحة زرارة عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «انه قال: من لم يجد ثمن الهدي فأحب أن يصوم الثلاثة الأيام في العشر الأواخر فلا بأس بذلك»1 فإنها ناصة في جواز التأخير الى العشرة الأخيرة من ذي الحجة، و عدم وجوب المبادرة اليه بعد أيام التشريق، ثم انه لا بد من حمل مورد الصحيحة على من له مقام بمكة، و أما من أراد الرجوع الى أهله فيجب عليه أن يسارع الى الصوم بعد أيام التشريق، شريطة أن يعلم بأنه اذا لم يسارع لم يقدر إلاّ في الطريق أو في الأهل لما مر من ان صيام الايام الثلاثة في الطريق أو في الاهل في طول صيامها في مكة.

بقيت هنا مسألة: و هي ما اذا فات عن المكلف صوم هذه الأيام الثلاثة، فهل يجوز له أن يصوم أيام التشريق أو لا؟ المعروف و المشهور بين الاصحاب


 

(1)) <page number=”542″ />الوسائل: الباب 46 من ابواب الذبح، الحديث: 13.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 543)


……….

عدم جواز ذلك، و لكن قد يقال بالجواز، و استدل على ذلك بمجموعة من الروايات.

منها: موثقة اسحاق بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام عن أبيه عن علي عليه السّلام:

«كان يقول: من فاته صيام الثلاثة الأيام التي في الحج فليصمها أيام التشريق فان ذلك جائز له»1 فانها واضحة الدلالة على جواز الصيام في أيام التشريق.

و منها: صحيحة حماد بن عيسى قال: «سمعت ابا عبد اللّه عليه السّلام يقول: قال علي عليه السّلام في قول اللّه عز و جل: فَصِيٰامُ‌ ثَلاٰثَةِ‌ أَيّٰامٍ‌ فِي الْحَجِّ‌ وَ سَبْعَةٍ‌ قال: قبل التروية و يوم التروية و يوم عرفة، فمن فاتته هذه الأيام فلينشئ يوم الحصبة و هي ليلة النفر»2 بتقريب ان المراد منها اما ليلة الثاني عشر أو ليلة الثالث عشر.

و منها: صحيحة عيص بن القاسم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن متمتع يدخل يوم التروية و ليس معه هدي، قال: فلا يصوم ذلك اليوم و لا يوم عرفة، و يتسحر ليلة الحصبة فيصبح صائما، و هو يوم النفر و يصوم يومين بعده»3 فانها تدل على جواز الصوم يوم النفر، و هو اليوم الثاني عشر أو الثالث عشر، و على كل التقديرين فهو من أيام التشريق، و كذلك المراد من ليلة الحصبة في صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة4.

و منها: صحيحة رفاعة بن موسى قال: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن المتمتع لا يجد الهدي، قال: يصوم قبل التروية و يوم التروية و يوم عرفة، قلت: فانه قدم يوم التروية، قال: يصوم ثلاثة أيام بعد التشريق، قلت: لم يقم عليه جمّاله، قال:

يصوم يوم الحصبة و بعده يومين، قال: قلت و ما الحصبة‌؟ قال: يوم نفره، قلت:


 

(1)) <page number=”543″ />الوسائل: الباب 51 من ابواب الذبح، الحديث: 5.
(2)) الوسائل: الباب 46 من ابواب الذبح، الحديث: 14.
(3)) الوسائل: الباب 46 من ابواب الذبح، الحديث: 3.
(4)) الوسائل: الباب 46 من ابواب الذبح، الحديث: 4.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 544)


……….

يصوم و هو مسافر، قال: نعم، أ ليس هو يوم عرفة مسافرا إنا أهل بيت نقول ذلك لقول اللّه عز و جل: – فصيام ثلاثة أيام في الحج – يقول في ذي الحجة»1.

فالنتيجة: ان هذه الروايات على صنفين:

أحدهما: متمثل في موثقة اسحاق بن عمار، و هو ناص في مشروعية صوم أيام التشريق.

و الآخر: متمثل في الروايات الظاهرة في مشروعية صوم اليوم الثاني عشر أو الثالث عشر باعتبار ظهور يوم النفر فيه.

و أما الصنف الأول: فهو معارض بصحيحة صفوان بن يحيى عن أبي الحسن عليه السّلام قال: «قلت له: ذكر ابن سراج انه كتب إليك يسألك عن متمتع لم يكن له هدي، فأجبته في كتابك: يصوم ثلاثة أيام بمنى، فان فاته ذلك صام صبيحة الحصباء و يومين بعد ذلك، قال: و أما أيام منى فانها أيام أكل و شرب و لا صيام فيها – الحديث»2 و قوله عليه السّلام في صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج المتقدمة: «يصوم صبيحة الحصبة و يومين بعد ذلك قال: فلا تقول كما قال عبد اللّه بن الحسن، قال: فأيش قال، قال: يصوم أيام التشريق، قال: ان جعفرا كان يقول: ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أمر بديلا ينادي أن هذه أيام أكل و شرب فلا يصومن أحد قال: يا ابا الحسن ان اللّه قال: فَصِيٰامُ‌ ثَلاٰثَةِ‌ أَيّٰامٍ‌ فِي الْحَجِّ‌ وَ سَبْعَةٍ‌ إِذٰا رَجَعْتُمْ‌، قال: كان جعفر يقول: ذو الحجة كله من أشهر الحج»3 فانهما ناصان في عدم مشروعية الصوم في أيام التشريق، و لا سيما صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج، فاذن يسقط‍‌ هذا الصنف من جهة المعارضة، و يرجع الى الروايات الآمرة بصوم هذه الأيام الثلاثة بعد أيام التشريق، باعتبار أن تلك الروايات ظاهرة


 

(1)) <page number=”544″ />الوسائل: الباب 46 من ابواب الذبح، الحديث: 1.
(2)) الوسائل: الباب 51 من أبواب الذبح، الحديث: 3.
(3)) الوسائل: الباب 51 من أبواب الذبح، الحديث: 4.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 545)


……….

في عدم مشروعيته في تلك الأيام، و غير ناصة فيه، فمن أجل ذلك لا تصلح أن تكون طرفا للمعارضة مع الموثقة المتقدمة و لكن بعد سقوط‍‌ الموثقة بالتعارض فهي تصلح أن تكون مرجعا. هذا من ناحية.

و من ناحية أخرى ان من الواضح كون المراد من الحصبة في هاتين الصحيحتين هو اليوم الرابع عشر من ذي الحجة بعد مضي أيام التشريق، و اطلاق يوم النفر عليه انما هو بلحاظ‍‌ انه يوم نفر الحجاج غالبا الى اوطانهم، و لا سيما في الأزمنة السابقة، فاذن يكون تفسير الحصبة فيهما قرينة على تعيين المراد منها في الروايات المتقدمة من باب الأظهرية أو الأنصية، و على تقدير المنع عن ذلك فيسقطان معا من جهة المعارضة، فلا يكون شيء من التفسيرين حجة، فاذن يكون المرجع في المسألة العام الفوقي، و هو الروايات المتقدمة.

و مع الاغماض عنها يكون المرجع فيه الأصل العملي، و هو أصالة عدم مشروعية الصيام في أيام التشريق. و من هنا يظهر حال الروايات التي تنص على أن وظيفته بعد فوت صوم الأيام الثلاثة صوم يوم الحصبة و يومين بعده، بدون أن تتعرض لبيان المراد من يوم الحصبة، فانها اما أن تكون محمولة على الصحيحتين المتقدمتين تطبيقا لحمل المجمل على المبين بناء على ما هو الصحيح من تقديمهما على الروايات المفسرة يوم الحصبة بيوم النفر، أو تكون مجملة، و لا تكون حجة في شيء من التفسيرين، بناء على سقوط‍‌ الصحيحتين بالتعارض. فالنتيجة أن الأظهر عدم مشروعية الصيام في أيام التشريق.

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 546)


……….

تكميل قد تسأل عن أنه هل يجوز أن يصوم اليوم الثالث عشر في مكة، كما اذا خرج من منى في اليوم الثاني عشر، و ذهب الى مكة‌؟

و الجواب: انه يجوز و لا مانع منه، و ذلك لأن الروايات التي تدل على أنه اذا فاتته صيام الأيام الثلاثة صام صبيحة يوم الحصبة و يومين بعده، المفسرة يوم الحصبة بيوم النفر، و إن كانت ظاهرة باطلاقها في جواز صوم يوم النفر في منى، إلاّ انك عرفت أن هذه الروايات ساقطة، اما من جهة حكومة صحيحتي عبد الرحمن بن الحجاج و صفوان عليها، أو من جهة المعارضة، فانهما واضحتا الدلالة على عدم مشروعية صيام أيام التشريق في منى، معللا بأن هذه الأيام أيام أكل و شرب لا صوم، و القدر المتيقن منها عدم مشروعية صيام هذه الأيام لمن يتواجد في منى لا مطلقا، و على تقدير الاطلاق فلا بد من تقييده بصحيحة معاوية ابن عمار، قال: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن صيام أيام التشريق، فقال: أما بالأمصار فلا بأس به، و أما بمنى فلا»1 و قريب منها صحيحته الأخرى، قال: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن صيام أيام التشريق، فقال: انما نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن صيامها بمنى، فأما بغيرها فلا بأس»2.

و اما الروايات الدالة على أنه يصوم ثلاثة أيام بعد أيام التشريق، أو بعد انقضائها، كما في صحيحة الحجاج و رفاعة و ابن مسكان و غيرها، فهي و إن كانت مطلقة و تدل باطلاقها على عدم جواز الصوم في أيام التشريق و إن كان في مكة، إلاّ أنه لا بد من رفع اليد عن اطلاقها بصحيحتي معاوية المتقدمتين،


 

(1)) <page number=”546″ />الوسائل: الباب 2 من ابواب الصوم المحرم و المكروه، الحديث: 1.
(2)) الوسائل: الباب 2 من ابواب الصوم المحرم و المكروه، الحديث: 2.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 547)


و إذا لم يتمكن بعد الرجوع من منى صام في الطريق أو صامها في بلده أيضا (1)

فالنتيجة في نهاية الشوط‍‌ أنه لا يجوز الصيام في أيام التشريق في منى، و أما في غيره كمكة و نحوها فلا مانع منه.

(1)هذا هو الصحيح، و تدل عليه عدة من الروايات.

منها: صحيحة رفاعة بن موسى، قال: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن المتمتع لا يجد الهدي، قال: يصوم قبل التروية، و يوم التروية، و يوم عرفة، قلت: فانّه قدم يوم التروية، قال: يصوم ثلاثة أيام بعد التشريق، قلت: لم يقم عليه جمّاله، قال:

يصوم يوم الحصبة و بعده يومين، قال: قلت: و ما الحصبة‌؟ قال: يوم نفره، قلت:

يصوم و هو مسافر، قال: نعم أ ليس هو يوم عرفة مسافرا، انا أهل بيت نقول ذلك لقول اللّه عز و جل: – فصيام ثلاثة أيام في الحج – يقول في ذي الحجة»1 فانها واضحة الدلالة على أنه يجوز أن يصوم هذه الأيام الثلاثة و هو مسافر.

و منها: صحيحة معاوية بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «سألته عن متمتع لم يجد هديا، قال: يصوم ثلاثة أيام في الحج، يوما قبل التروية، و يوم التروية، و يوم عرفة، قال: قلت: فان فاته ذلك، قال: يتسحر ليلة الحصبة و يصوم ذلك اليوم و يومين بعده، قلت: فان لم يقم عليه جمّاله أ يصومها في الطريق‌؟ قال: إن شاء صامها في الطريق، و إن شاء اذا رجع الى أهله»2.

و منها: صحيحته الأخرى، قال: «حدثني عبد صالح عليه السّلام، قال: سألته عن المتمتع ليس له اضحية، وفاته الصوم حتى يخرج، و ليس له مقام‌؟ قال: يصوم ثلاثة أيام في الطريق إن شاء، و إن شاء صام عشرة في أهله»3 و قريب منها صحيحته الثالثة4.

فان هذه الروايات واضحة الدلالة على أن من ليس بوسعه أن يقيم في


 

(1)) <page number=”547″ />الوسائل: الباب 46 من ابواب الذبح، الحديث: 1.
(2)) الوسائل: الباب 46 من ابواب الذبح، الحديث: 4.
(3)) الوسائل: الباب 47 من ابواب الذبح، الحديث: 2.
(4)) الوسائل: الباب 47 من ابواب الذبح، الحديث: 4.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 548)


و لكن لا يجمع بين الثلاثة و السبعة (1)،

مكة يصوم في الطريق أو في البلد.

و في مقابلها روايات تدل على عدم مشروعية صيام هذه الأيام في السفر.

منها: صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام: «قال: الصوم الثلاثة الأيام ان صامها فآخرها يوم عرفة، و إن لم يقدر على ذلك فليؤخرها حتى يصومها في أهله، و لا يصومها في السفر»1.

و منها: صحيحة سليمان بن خالد، قال: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل تمتع و لم يجد هديا، قال: يصوم ثلاثة أيام بمكة، و سبعة اذا رجع الى أهله، فإن لم يقم عليه اصحابه، و لم يستطع المقام بمكة فليصم عشرة أيام اذا رجع الى أهله»2 فان سكوتها عن صيام هذه الأيام الثلاثة في الطريق رغم كونها في مقام البيان كاشف عن عدم مشروعيتها فيه، و منها غيرهما.

و لكن هذه الروايات لا تصلح أن تعارض الروايات المتقدمة. أما صحيحة سليمان، فلأنها تدل على عدم مشروعية صيام هذه الأيام في السفر بالاطلاق الناشئ من السكوت في مقام البيان، فلا تصلح أن تعارض الروايات المتقدمة التي هي ناصة في مشروعية صيام تلك الأيام في السفر. و أما صحيحة محمد بن مسلم فهي و إن كانت ظاهرة في عدم المشروعية، إلاّ أنها أيضا لا تقاوم الروايات المتقدمة، باعتبار أنها ناصة في المشروعية، فاذن لا بد من تقديمها عليها بملاك الأنصية، فالنتيجة ان الصحيح مشروعية صيام هذه الأيام في السفر.

(1)هذا هو الظاهر، و تدل عليه صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام قال: «سألته عن صوم ثلاثة أيام في الحج و سبعة، أ يصومها متوالية أو يفرق بينها؟ قال: يصوم الثلاثة أيام لا يفرق بينها، و السبعة لا يفرق بينها و لا


 

(1)) <page number=”548″ />الوسائل: الباب 46 من ابواب الذبح، الحديث: 10.
(2)) الوسائل: الباب 46 من ابواب الذبح، الحديث: 7.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 549)


فان لم يصم الثلاثة حتى أهلّ‌ هلال محرم سقط‍‌ الصوم و تعين الهدي للسنة القادمة (1).

يجمع بين السبعة و الثلاثة جميعا»1 بتقريب أن المكلف اذا فاته صوم هذه الأيام الثلاثة قبل يوم العيد، و لم يصم بعد أيام التشريق لا في مكة، و لا في الطريق، و أراد أن يصوم في بلده، فعليه أن يصوم ثلاثة أيام متوالية، ثم بعد يوم أو يومين يصوم سبعة أيام كذلك، و لا يجوز الجمع بينهما، بأن يأتي بصوم عشرة أيام متتالية. نعم ورد في رواية علي بن الفضل الواسطي: «اذا قدم على أهله صام عشرة ايام متتابعات»2 و لكن الرواية ضعيفة سندا، فان علي بن الفضل الواسطي لم يثبت توثيقه، فلا يمكن الاعتماد عليها.

و أما قوله عليه السّلام في صحيحة سليمان بن خالد: «فليصم عشرة أيام اذا رجع الى أهله»3 فهو ناظر الى أصل وجوب صيام هذه الأيام العشرة في بلده إذا رجع، و أما أنه واجب متتابعا أو متفرقا، فلا نظر له من هذه الناحية أصلا. و مع الاغماض عن ذلك و تسليم انه مطلق فلا بد من تقييد اطلاقه بصحيحة علي بن جعفر.

(1)هذا هو الأظهر، و تدل عليه صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: من لم يصم في ذي الحجة حتى يهل هلال المحرم، فعليه دم شاة، و ليس له صوم، و يذبحه بمنى»4.

قد يقال – كما قيل -: انه يجوز صوم هذه الأيام الثلاثة بعد انقضاء شهر ذي الحجة، و استدل على ذلك باطلاق جملة من الروايات.


 

(1)) <page number=”549″ />الوسائل: الباب 55 من ابواب الذبح، الحديث: 2.
(2)) الوسائل: الباب 52 من أبواب الذبح، الحديث: 4.
(3)) الوسائل: الباب 46 من ابواب الذبح، الحديث: 7.
(4)) الوسائل: الباب 47 من ابواب الذبح، الحديث: 1.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 550)


……….

منها: صحاح معاوية بن عمار المتقدمة آنفا.

و منها: صحيحة رفاعة بن موسى، فان مقتضى اطلاقها امتداد وقت صيام هذه الأيام الى ما بعد هلال شهر محرم، و لا يختص بذي الحجة.

و الجواب أولا: انه لا اطلاق لها من هذه الناحية، فانها في مقام بيان أن وظيفة من لم يجد هديا أن يصوم قبل التروية و يوم التروية و يوم عرفة، و إن فاته يصوم ثلاثة أيام بعد أيام التشريق في مكة، و إن لم يتمكن من ذلك بسبب او آخر فان شاء صام في الطريق، و إن شاء اذا رجع الى أهله، و لا نظر لها الى أن وقتها يمتد الى ما بعد انقضاء ذي الحجة.

و ثانيا: على تقدير تسليم أنها مطلقة، إلاّ أن اطلاقها قد قيد بصحيحة منصور بن حازم التي تنص على عدم مشروعية الصوم بعد هلال محرم.

بقيت هنا صور:

الأولى: قد تسأل عن ان المكلف اذا نسي صوم هذه الأيام الثلاثة الى أن مضى شهر ذي الحجة، فهل تكون وظيفته الصيام في شهر محرم، أو الهدي في السنة القادمة‌؟

و الجواب: ان وظيفته الهدي في السنة القادمة، و ذلك لأن الواجب أولا على كل مكلف في حج التمتع من حجة الإسلام الهدي المتمثل في أحد الانعام الثلاثة، و موضع ذبحه منى، و وقته يمتد الى آخر ايام ذي الحجة، و حينئذ فاذا علم الحاج بعدم تيسر الهدي له في هذه الفترة الزمنية فوظيفته الصيام على الترتيب المتقدم بديلا عنه، و أما اذا لم يصم الى أن مضى ذي الحجة كاملا، و دخل هلال محرم انتهى وقت المبدل و البدل معا، و لا مقتضي حينئذ لوجوب الصيام عليه في شهر محرم، فانه اذا لم يأت بالمبدل أو البدل في شهر ذي

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 551)


……….

الحجة انتقلت وظيفته الى المبدل في السنة القادمة، حيث لا يحتمل أن يكون وقت البدل أوسع من وقت المبدل. بل صحيحة رفاعة و نحوها تنص على أن وقت صوم الأيام الثلاثة ذو الحجة، هذا.

اضافة الى أن روايات المسألة كصحاح معاوية و سليمان بن خالد و غيرها لا اطلاق لها في أن وقته يمتد الى الشهور الآتية، لأنها ليست في مقام البيان من هذه الناحية، بل هي في مقام بيان أن الحاج اذا لم يستطع المقام بمكة، فعليه إن شاء صامها في الطريق و إن شاء صامها في الأهل اذا رجع، و أما انه يصنع ذلك حتى بعد خروج الوقت فلا دلالة لها على ذلك.

و مع الاغماض عن هذا و تسليم أن لها اطلاقا، إلاّ أنها لا تشمل هذه الصورة و هي صورة النسيان، لاختصاصها بمن لا يستطيع المقام بمكة.

نعم على هذا تقع المعارضة بين تلك الروايات و صحيحة منصور المتقدمة باعتبار أن مورد الروايات المذكورة مختص بمن لا يتمكن من البقاء في مكة بسبب من الاسباب، و عام بالنسبة الى خروج شهر ذي الحجة و عدم خروجه، و مورد صحيحة منصور مختص بخروج شهر ذي الحجة و دخول شهر محرم و عام بالنسبة الى من يتمكن من البقاء في مكة و من لا يتمكن، فاذن يقع التعارض بينهما في مورد الالتقاء و الاجتماع، و هو خروج شهر ذي الحجة بالنسبة الى من لا يتمكن من البقاء في مكة، فان مقتضى اطلاق تلك الروايات وجوب الصوم عليه، و مقتضى اطلاق الصحيحة وجوب دم شاة عليه يذبحه في منى دون الصوم فيسقطان معا، و يكون المرجع الآية الشريفة و الروايات.

الثانية: قد تسأل عن أن الحاج اذا ترك صيام هذه الأيام الثلاثة في تمام ذي الحجة عامدا و ملتفتا فلا شبهة في انه آثم، و حينئذ فهل يجب عليه الهدي

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 552)


……….

في السنة القادمة، أو الصوم في الشهر الآتي‌؟

و الجواب: يجب عليه الهدي في السنة القادمة، لأن الصوم في الشهر الآتي بحاجة الى دليل، و ما دل على أن وقته ذو الحجة يدل على عدم وجوبه بعده، هذا. اضافة الى أن صحيحة منصور تشمل باطلاقها هذه الصورة.

الثالثة: قد تسأل عن ان المكلف اذا ترك صيام هذه الأيام الثلاثة الى نهاية ذي الحجة عن عذر كالمرض أو الحيض أو عدم صبر القافلة او غير ذلك، فهل يجب عليه أن يصوم تلك الأيام في شهر محرم، أو أن وظيفته الهدي في السنة القادمة‌؟

و الجواب: ان وظيفته الهدي في السنة القادمة، اما اولا: فلأن الروايات التي تنص على أن من لم يتمكن من صوم الأيام الثلاثة في مكة فعليه إن شاء صامها في الطريق، و إن شاء صامها في البلد اذا رجع، فلا اطلاق لها بالنسبة الى حكم صوم تلك الايام بعد شهر ذي الحجة، لأنها ليست في مقام البيان من هذه الناحية، و إنما هي في مقام بيان وظيفة من لم يتمكن من صيامها في مكة.

و أما ثانيا: فمع الاغماض عن ذلك و تسليم أنها مطلقة من هذه الناحية، و لكن لا بد من تقييد اطلاقها بصحيحة رفاعة و غيرها مما يدل على أن وقت صيام تلك الأيام الثلاثة ذو الحجة، هذا. اضافة الى أن اطلاقها معارض باطلاق صحيحة منصور المتقدمة كما عرفت.

الرابعة: قد تسأل عن ان المكلف اذا صام ثلاثة أيام في الحج، فهل يجوز له أن يصوم سبعة أيام بعد ذي الحجة في بلده‌؟

و الجواب: يجوز له ذلك، لأنه مقتضى اطلاق الآية الشريفة و الروايات، بل الغالب في الأزمنة القديمة وصول الحجاج الى أوطانهم التي تبعد عن مكة

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 553)


[مسألة 395: من لم يتمكن من الهدي و لا من ثمنه و صام ثلاثة أيام في الحج ثم تمكن منه]

(مسألة 395): من لم يتمكن من الهدي و لا من ثمنه و صام ثلاثة أيام في الحج ثم تمكن منه وجب عليه الهدي على الأحوط‍‌ (1).

مئات الفراسخ بعد ذي الحجة.

الخامسة: قد تسأل عن ان المكلف اذا نسي صيام الأيام الثلاثة في مكة، و رجع الى بلده و تذكر في وقت يتمكن من الهدي فيه، فهل وظيفته حينئذ صيام تلك الأيام أو الهدي‌؟

و الجواب: ان وظيفته الهدي، فانه اذا تمكن منه في ذي الحجة، فلا يصل الدور الى الصيام، و تؤكد ذلك صحيحة عمران الحلبي، قال: «سئل أبو عبد اللّه عليه السّلام عن رجل نسى أن يصوم الثلاثة الأيام التي على المتمتع اذا لم يجد الهدي حتى يقدم أهله، قال: يبعث بدم»1 بتقريب أنها تدل باطلاقها على أن وظيفته بعث الهدي و إن كان الحاج متمكنا من صوم الثلاثة في ذي الحجة.

السادسة: قد تسأل عن أن المكلف اذا صام الأيام الثلاثة في ذي الحجة، ثم مات في بلده اذا رجع و قبل أن يصوم السبعة، فهل يجب على وليه أن يقضي عنه بنفسه أو بالاستنابة‌؟

و الجواب: لا يجب على وليه أن يقضي عنه، لأنه بحاجة الى دليل، و صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «انه سأله عن رجل تمتع بالعمرة و لم يكن له هدي فصام ثلاثة أيام في ذي الحجة ثم مات بعد ما رجع الى أهله قبل أن يصوم السبعة الأيام، أعلى وليه أن يقضي عنه‌؟ قال: ما أرى عليه قضاء»2

تدل على عدم وجوبه عليه.

(1)بل على الأظهر، بيان ذلك: ان الكلام في هذه المسألة تارة يقع بحسب مقتضى القاعدة، و أخرى بحسب مقتضى النصوص.


 

(1)) <page number=”553″ />الوسائل: الباب 47 من ابواب الذبح، الحديث: 3.
(2)) الوسائل: الباب 48 من ابواب الذبح، الحديث: 2.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 554)


……….

أما بحسب مقتضى القاعدة، فحيث ان الصوم بدل عن الهدي، فمقتضاها أن وجوبه منوط‍‌ بعدم تمكنه من الهدي في تمام ذي الحجة على أساس أن وجوب البدل مشروط‍‌ بالعجز عن المبدل في مجموع وقته، فاذا تمكن من الهدي فيه كان كاشفا عن أنه مأمور به من الأول، لا بالصوم اذ لا يصل الدور الى البدل مع التمكن من المبدل، و على هذا فاذا تمكن المكلف من الهدي حتى في العشرة الأخيرة من ذي الحجة، فإن كان بمقدوره من أن يذبح أو ينحر في منى مباشرة أو استنابة وجب عليه ذلك و إن كان بعد صيام الأيام الثلاثة.

و دعوى: ان قوله عليه السّلام في رواية أحمد بن عبد اللّه الكرخي: «يصبر الى يوم النحر، فان لم يصب فهو ممن لم يجد»1 يدل على أن المعيار في وجوب الصوم و عدم وجوبه انما هو بوجدان الهدي و عدم وجدانه في يوم النحر، فان كان واجدا في ذلك اليوم فوظيفته الذبح أو النحر، و إن لم يكن واجدا فيه فوظيفته الصيام.

مدفوعة: اما أولا: فلأن الرواية ضعيفة بالارسال، فلا يمكن الاعتماد عليها.

و ثانيا: مع الاغماض عن ذلك، و تسليم أنها تامة سندا، إلاّ أنها معارضة بالروايات التي تنص على أن وقت الهدي يمتد الى آخر ذي الحجة، و بما أن تلك الروايات موافقة لإطلاق الكتاب فلا بد من تقديمها عليها.

فالنتيجة ان مقتضى القاعدة وجوب الهدي عليه اذا وجده خلال شهر ذي الحجة و إن كان وجدانه بعد صيام ثلاثة أيام في مكة.

و أما بحسب مقتضى النصوص: فقد استدل على سقوط‍‌ الهدي عن


 

(1)) <page number=”554″ />الوسائل: الباب 54 من ابواب الذبح، الحديث: 2.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 555)


……….

المكلف اذا وجده بعد صيام الأيام الثلاثة بصحيحة أبي بصير عن أحدهما عليهما السّلام، قال: «سألته عن رجل تمتع فلم يجد ما يهدي حتى اذا كان يوم النفر وجد ثمن شاة أ يذبح أو يصوم‌؟ قال: بل يصوم، فان أيام الذبح قد مضت»1 بدعوى أن المراد من يوم النفر فيها اليوم الرابع عشر بقرينة قوله عليه السّلام:

«فان أيام الذبح قد مضت» و المراد من أيام الذبح أيام التشريق و هي اليوم الحادي عشر و الثاني عشر و الثالث عشر، و اطلاق يوم النفر عليه مع أن المعهود منه هو اليوم الثاني عشر أو الثالث عشر انما هو باعتبار أن نفر الحجاج عن مكة الى أوطانهم غالبا يكون في ذلك اليوم، كما أن المراد من قوله عليه السّلام: «بل يصوم» هو استمرار الصوم في بلده بعد صيام ثلاثة أيام في مكة. و على هذا فالصحيحة تدل على أن المتمتع اذا لم يكن واجدا للهدي من الأول و صام ثلاثة أيام ثم وجد ثمن الهدي بعد أيام التشريق سقط‍‌ عنه الهدي، و أن وظيفته الاتيان بصيام سبعة أيام في بلده.

و الجواب: ان هذه الصحيحة لا تصلح أن تعارض الروايات التي تدل على امتداد وقت الذبح الى نهاية ذي الحجة، و ذلك لأن لها دلالتين: دلالة ايجابية، و هي دلالتها على أن أيام التشريق هي أيام الذبح، و دلالة سلبية، و هي دلالتها على نفي أيام الذبح عن سائر أيام ذي الحجة، و الأولى بالنص، و الثانية بالاطلاق الناشئ من السكوت في مقام البيان، و الصحيحة لا تعارض تلك الروايات في دلالتها الأولى لتوافقهما عليها، و أما في دلالتها الثانية فلا تصلح أن تعارضها على أساس أنها ناصة في امتداد وقت الذبح الى تمام شهر ذي الحجة، فاذن لا بد من رفع اليد عنها تطبيقا لقاعدة حمل الظاهر على النص.


 

(1)) <page number=”555″ />الوسائل باب: 44 من ابواب الذبح، الحديث: 3.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 556)


[مسألة 396: إذا لم يتمكن من الهدي باستقلاله و تمكن من الشركة فيه مع الغير]

(مسألة 396): إذا لم يتمكن من الهدي باستقلاله و تمكن من الشركة فيه مع الغير فالأحوط‍‌ الجمع بين الشركة في الهدي و الصوم على الترتيب المذكور (1).

و قد استدل على هذا القول برواية حماد بن عثمان، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن متمتع صام ثلاثة أيام في الحج، ثم أصاب هديا يوم خرج من منى، قال: أجزأه صيامه»1 و هذه الرواية و إن كانت تامة دلالة، و تصلح أن تكون قرينة على رفع اليد عن مقتضى القاعدة، إلاّ أنها ضعيفة سندا، فلا يمكن الاعتماد عليها، هذا. اضافة إلى أنها معارضة برواية عقبة بن خالد، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل تمتع و ليس معه ما يشتري به هديا، فلما أن صام ثلاثة أيام في الحج أيسر، أ يشتري هديا فينحره، أو يدع ذلك و يصوم سبعة أيام اذا رجع الى أهله‌؟ قال: يشتري هديا فينحره و يكون صيامه الذي صامه نافلة له»2 فانها ناصة في أنه اذا تيسر للمكلف هدي بعد صيام الأيام الثلاثة كان كاشفا عن كون صيام تلك الأيام نافلة، و وظيفته الهدي، فاذن تصلح أن تعارض الرواية المتقدمة، و لكن بما أن كلتا الروايتين ضعيفة سندا فلا يمكن الاعتماد على شيء منهما.

(1)بل الأظهر الصوم، للروايات التي تنص على أن من لم يجد هديا فوظيفته صيام ثلاثة أيام في الحج و سبعة اذا رجع الى أهله، فان مقتضى اطلاقها أن ذلك وظيفته و إن كان متمكنا من الشركة في الهدي مع غيره، و على ذلك فهذه الروايات تصلح أن تعارض صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج، قال: «سألت أبا ابراهيم عليه السّلام عن قوم غلت عليهم الأضاحي و هم متمتعون و هم مترافقون و ليسوا بأهل بيت واحد، و قد اجتمعوا في مسيرهم، و مضربهم واحد، ألهم أن يذبحوا


 

(1)) <page number=”556″ />الوسائل: الباب 45 من ابواب الذبح، الحديث: 1.
(2)) الوسائل: الباب 45 من ابواب الذبح، الحديث: 2.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 557)


[مسألة 397: إذا اعطى الهدي أو ثمنه أحدا فوكّله في الذبح عنه ثم شك في أنه ذبحه أم لا]

(مسألة 397): إذا اعطى الهدي أو ثمنه أحدا فوكّله في الذبح عنه ثم شك في أنه ذبحه أم لا بنى على عدمه (1).

نعم، إذا كان ثقة و أخبره بذبحه اكتفى به.

[مسألة 398: ما ذكرناه من الشرائط‍‌ في الهدي لا تعتبر فيما يذبح كفارة]

(مسألة 398): ما ذكرناه من الشرائط‍‌ في الهدي لا تعتبر فيما يذبح كفارة، و ان كان الأحوط‍‌ اعتبارها فيه (2).

بقرة‌؟ قال: لا أحب ذلك إلاّ من ضرورة»1 بتقريب أن الصحيحة مطلقة من جهة أن حجهم كان حجة الإسلام، أو مندوبا. ثم ان هذه المعارضة بينهما تكون بالعموم من وجه، فان مورد افتراق تلك الروايات من لم يتمكن من الهدي حتى بنحو الشركة، و مورد افتراق الصحيحة الحج المندوب، و مورد الالتقاء بينهما من تمكن من الشركة في الهدي مع غيره في حج التمتع من حجة الإسلام، فان مقتضى اطلاق الصحيحة أن وظيفته الشركة مع غيره، و مقتضى اطلاق تلك الروايات أن وظيفته في هذه الحالة الصيام، و حيث إن اطلاق هذه الروايات موافق لإطلاق الكتاب فلا بد من تقديم اطلاقها على اطلاق الصحيحة و ترجيحه عليه، أو يكون اطلاق الآية الشريفة و الروايات مرجعا بعد سقوطهما بالمعارضة.

(1)للاستصحاب، و لا يكون هناك أصل يقتضى أنه قام بالذبح نعم اذا كان ثقة، كان اخباره بالذبح حجة من باب حجية اخبار الثقة.

(2)لعدم الدليل، و مقتضى اطلاقات أدلة وجوب الكفارات عدم اعتبار شيء فيه عدا صدق الاسم، فان كانت الكفارة شاة كفى ذبحها، و إن كانت خصية أو مهزولة أو مكسورة القرن من الداخل أو غيرها من العيوب.


 

(1)) <page number=”557″ />الوسائل: الباب 18 من ابواب الذبح، الحديث: 10.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 558)


[مسألة 399: الذبح الواجب هديا أو كفارة لا تعتبر المباشرة فيه]

(مسألة 399): الذبح الواجب هديا أو كفارة لا تعتبر المباشرة فيه، بل يجوز ذلك بالاستنابة في حال الاختيار أيضا، و لا بد أن يكون الذابح مسلما و أن تكون النية مستمرة من صاحب الهدي إلى الذبح و لا يشترط‍‌ نية الذابح و ان كانت أحوط‍‌ و أولى (1)، كما لا بد من أن يكون الذابح مسلما.

(1)هذا هو الصحيح و ذلك لأمور:

الأول: السيرة القطعية الجارية بين الحجاج على عدم مباشرة كل حاج الذبح أو النحر بنفسه، بل ان كثيرا منهم لا يعرفون الذبح، فلو كانت المباشرة واجبة لشاعت بين المسلمين، و لأشير الى اعتبارها في الروايات البيانية و غيرها، حيث ان اعتبار قيد المباشرة يكون على خلاف الارتكاز.

الثاني: انه قد ورد في عدة من الروايات الأمر بالتوكيل فيه، منها الروايات التي تنص على ترخيص النساء و الشيوخ و الضعفاء بالافاضة من المشعر ليلا، فانه قد ورد فيها الأمر بالتوكيل في الذبح اذا كان عليهن ذبح، و من الواضح ان العرف لا يفهم منها خصوصية لموردها، بل يفهم منها ان التوكيل فيه يكون على القاعدة، و لا يحتاج الى دليل خاص عدا كون العمل قابلا للتوكيل الذي هو معنى حرفي.

الثالث: ان المتفاهم العرفي من الروايات الآمرة بالذبح أو النحر الأعم من أن يكون بالمباشرة أو بالتسبيب كغيره من الافعال التي تصدر من الشخص تارة بالمباشرة و أخرى بالتسبيب، بل هو الغالب في الخارج. فالنتيجة انه لا شبهة في كفاية التوكيل في الذبح أو النحر.

و انما الكلام في نية القربة، و هل تكفي نية الذابح فحسب‌؟ أو أنه لا قيمة لها، على أساس أن العامل معنى حرفي و لا يكون مأمورا بالذبح، و انما قام به حسب أمر الآمر و طلبه، فيكون حاله من هذه الناحية كالعامل الذي يباشر بتأسيس المسجد أو المدرسة أو الحسينية حسب أمر الباني و المؤسس، و من

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 559)


……….

المعلوم أنه لا دخل لقصد العامل القربة من قبل الآمر في ذلك العمل القربي، فان الآمر إن قصد القربة فيه أثاب و إن لم يقصدها العامل، و إلاّ لم يثب و إن قصدها العامل. و النكتة في ذلك ان العامل معنى حرفي، و العمل منسوب الى الآمر دونه، فاذا كان منسوبا اليه حقيقة و كان قربيا فعليه أن يقصد القربة، بدون فرق بين أن يكون صادرا منه مباشرة أو بالوكالة، باعتبار أن العمل على كلا التقديرين مستند اليه واقعا، و على هذا فاذا كان الذابح في المقام وكيلا من قبل الآمر بالذبح عنه، و أداة لإنجاز ذلك وكالة فيكون الآمر هو الذابح حقيقة، و يجب عليه أن ينوي القربة عند التوكيل.

و بكلمة: ان الذبح أو النحر في منى حيث إنه عبادة كسائر أعمال الحج و مناسكه، فمن يكون مأمورا بالاتيان به مباشرة أو وكالة فعليه أن يقصد القربة و الاخلاص فيه دون الوكيل، فانه اجنبي عن العمل، و لا يكون مأمورا به.

و دعوى: ان الوكيل ينوي القربة فيه من قبل الآمر و وكالة عنه لا من قبل نفسه حتى يقال انه لا يكون مأمورا بالذبح.

مدفوعة: بأن نية القربة غير قابلة للتوكيل، و ما هو قابل له الفعل الخارجي كالذبح أو النحر أو بناء المسجد أو المدرسة أو نحو ذلك، و على هذا فمن يكون مأمورا بهذا الفعل العبادي فعليه أن ينوي القربة عند ممارسته العمل مباشرة أو بالوكالة. نعم ان النائب يختلف عن الوكيل من هذه الناحية، فان العمل الصادر عن النائب عمل له حقيقة، لا للمنوب عنه، غاية الأمر انه عند القيام بذلك العمل ينوي النيابة عنه، فاذا قام به بعنوان النيابة سقط‍‌ العمل عن ذمة المنوب عنه، و من هنا تكون صحة النيابة في كل مورد بحاجة الى دليل، حيث ان سقوط‍‌ العمل عن ذمة شخص بفعل آخر يكون على خلاف القاعدة، و هذا بخلاف الوكالة، فان

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 560)


……….

صحتها في كل عمل قابل للتوكيل تكون على القاعدة فلا تحتاج الى دليل.

و بكلمة: ان النائب معنى اسمي مستقل في عمله، غاية الأمر أنه ينوي النيابة فيه عن غيره، فمن أجل ذلك اذا كان العمل قربيا وجب عليه أن ينوي القربة فيه، و هذا بخلاف الوكيل فانه معنى حرفي في العمل الصادر منه.

فالنتيجة: ان النيابة في كل مورد بحاجة الى دليل، سواء أ كانت من الحي أم الميت، و حيث لم يرد في روايات باب الذبح أو النحر الأمر بالنيابة كما ورد الأمر بها في باب الطواف و صلاته و السعي و الرمي، بل ورد فيه الأمر بالتوكيل، فلذلك يكون حال الوكيل في الذبح أو النحر حال العامل المأمور ببناء المساجد و المدارس و الجامعات، و على هذا الأساس لا يعتبر في الذابح أن يكون مؤمنا، بل يكفي أن يكون مسلما، و أما في النائب فيعتبر فيه أن يكون مؤمنا، و لا يكفي اسلامه وحده، بناء على أن الايمان معتبر في صحة العبادة. و من هنا لا تصح نيابة المخالف في باب الطواف و السعي و الرمي و ما شاكل ذلك، و لا مانع من توكيله في باب الذبح أو النحر.

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 561)


[مصرف الهدي]

مصرف الهدي الأحوط‍‌ أن يعطى ثلث الهدي الى الفقير (1) المؤمن (2) صدقة

(1)في التثليث اشكال، بل منع، فان الواجب على الحاج أن يطعم الفقير من ذبيحته، لقوله تعالى: وَ أَذِّنْ‌ فِي النّٰاسِ‌ بِالْحَجِّ‌ يَأْتُوكَ‌ رِجٰالاً وَ عَلىٰ‌ كُلِّ‌ ضٰامِرٍ يَأْتِينَ‌ مِنْ‌ كُلِّ‌ فَجٍّ‌ عَمِيقٍ‌ لِيَشْهَدُوا مَنٰافِعَ‌ لَهُمْ‌ وَ يَذْكُرُوا اسْمَ‌ اللّٰهِ‌ فِي أَيّٰامٍ‌ مَعْلُومٰاتٍ‌ عَلىٰ‌ مٰا رَزَقَهُمْ‌ مِنْ‌ بَهِيمَةِ‌ الْأَنْعٰامِ‌ فَكُلُوا مِنْهٰا وَ أَطْعِمُوا الْبٰائِسَ‌ الْفَقِيرَ1 فانه يدل على وجوب اطعام الفقير من الهدي بدون الدلالة على التحديد و تعيين مقدار الاطعام منه، و أما صحيحة سيف التمار، قال: «قال ابو عبد اللّه عليه السّلام: ان سعيد بن عبد الملك قدم حاجا فلقى أبي فقال: إني سقت هديا، فكيف أصنع‌؟ فقال له أبي: أطعم اهلك ثلثا، و أطعم القانع و المعتر ثلثا و أطعم المساكين ثلثا، فقلت: المساكين هم السؤّال‌؟ فقال: نعم، و قال: القانع الذي يقنع بما ارسلت اليه من البضعة فما فوقها، و المعتر ينبغي له اكثر من ذلك، و هو أغنى من القانع يعتريك فلا يسألك»2 فلا تدل على تقسيم الهدي اثلاثا.

أما أولا: فلأنّ‌ موردها الهدي في حج القران، و محل الكلام في هدي حج التمتع من حجة الإسلام.

و ثانيا: انه لا يجب على الحاج أن يطعم أهله ثلثا من هديه، لأن قوله عليه السّلام:

«أطعم أهلك ثلثا» لا يكون ظاهرا في الوجوب، بقرينة أنه يظهر من سؤال السائل أنه لا يجوز أن يصرف منه على نفسه و أهله، فيكون الأمر به واردا في مقام توهم الحظر، فلا يدل على الوجوب، فاذن لا دليل على وجوب التثليث.

(2)الأظهر عدم اعتبار الايمان في الفقير، اذ لا دليل عليه ما عدا دعوى


 

(1)) <page number=”561″ />سورة الحج، الآية: 27 و 28.
(2)) الوسائل: الباب 40 من ابواب الذبح، الحديث: 3.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 562)


……….

الاجماع على اعتباره، و لكن قد ذكرنا غير مرة أنه لا طريق لنا الى ثبوت الاجماع بين فقهائنا المتقدمين الذين يكون عصرهم متصلا بعصر اصحاب الائمة عليهم السّلام في نهاية المطاف، حيث لا قيمة للإجماع بين المتأخرين اذا لم يكن بين المتقدمين، هذا. اضافة الى احراز انه اجماع تعبدي لا يمكن، لعدم الطريق الى ذلك، فاذن يكون المرجع فيه اطلاق الآية الشريفة، و مقتضاه عدم اعتباره، و تدل عليه أيضا صحيحة هارون بن خارجة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «ان علي بن الحسين عليه السّلام كان يطعم من ذبيحته الحرورية، قلت: و هو يعلم أنهم حروريّة، قال: نعم»1 مع أنهم من الخوارج.

فالنتيجة أنه لا يشترط‍‌ في الفقير الايمان، و لا في القانع و المعتر اذا كان في مقابل الفقير و إن كانت مراعاة الاحتياط‍‌ أولى و أجدر، هذا من ناحية.

و من ناحية أخرى ان الوارد في الآية الشريفة اطعام البائس الفقير، و كذلك في الرواية، فيكون المأمور به عنوان الاطعام، و هو لا يصدق عرفا على تملك الحاج للثلث وكالة عنه، و على هذا فلا يكفي أن يأخذ الحاج الوكالة من فقير يبعد عن منى مئات الفراسخ على تملك ثلثه ثم يتصرف فيه ما شاء، اذ لا يصدق عليه عنوان الاطعام الذي هو المأمور به في الكتاب و السنة، و كذلك الحال بالنسبة الى القانع و المعتر اذا كان المراد منهما غير الفقير.

قد تسأل عن أن ذلك اذا لم يكف، فما هو العلاج لهذه المسألة و حلها، و لا سيما في هذا العصر؟

و الجواب: ان الحاج اذا وجد فقيرا في منى و إن لم يكن مؤمنا وجب عليه أن يعطي حصته من الهدي، و إلاّ سقط‍‌ عنه، و لا يكون ضامنا أيضا، لأن الظاهر


 

(1)) <page number=”562″ />الوسائل: الباب 40 من ابواب الذبح، الحديث: 8.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 563)


و يعطى ثلثه الى المؤمنين هدية (1)، و أن يأكل من الثلث الباقي له (2).

من الآية الشريفة أن وجوب الإطعام تكليفي لا وضعي و إن كان الأولى و الأجدر به أن يدفع قيمة الثلث الى فقير.

(1)الاقوى عدم وجوب ذلك، و على تقدير الوجوب فلا يشترط‍‌ في المهدى اليه الايمان. فهاهنا مسألتان:

الأولى: انه لا دليل على وجوب اهداء الثلث الى المؤمنين إلاّ دعوى دلالة الآية الشريفة على ذلك، بتقريب ان المراد من القانع و المعتر فيها الغني، في مقابل البائس الفقير.

و لكن هذه الدعوى لا أصل لها، لأن الآية الشريفة غير ظاهرة في تلك الدعوى، بل لا يبعد القول بأن المراد من القانع و المعتر في الآية الفقير، مع الفرق بين الفقير القانع و الفقير المعتر، لأن ذلك مقتضى مناسبة الحكم و الموضوع الارتكازية، و هو المشهور بين الأصحاب، أو لا أقل من اجمال الآية، فاذن لا دليل على وجوب تثليث الهدي و اهداء ثلث منه الى المؤمن.

الثانية: و مع الاغماض عن ذلك، و تسليم أن الآية الشريفة ظاهرة في أن المراد من القانع و المعتر غير البائس الفقير، إلاّ أنه لا دليل على اعتبار الايمان في المهدى اليه، لأن الآية الشريفة لا تدل على اعتبار الايمان فيهما، بل مقتضى اطلاقهما عدم اعتباره، و لا يوجد دليل آخر عليه أيضا.

فالنتيجة انه لا دليل على التثليث، و على تقدير وجوبه فلا دليل على اعتبار الايمان في المهدى اليه.

(2)الأظهر أنه لا يجب على الحاج أن يأكل شيئا من الهدي، و انما يرخص له في ذلك، و لكن ذهب جماعة الى وجوب ذلك، و قد قواه السيد الاستاذ قدّس سرّه، و استدل عليه بالكتاب و السنة، اما الكتاب فقوله عز و جل: فَكُلُوا مِنْهٰا بدعوى أن الأمر بالأكل منها ظاهر في الوجوب، و لا موجب لحمله على

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 564)


……….

الاستحباب، فانه بحاجة الى قرينة و لا قرينة عليه.

و الجواب: ان الظاهر من الأمر بالأكل في الآية الشريفة أنه وارد في مقام توهم الحظر، حيث ان ما يذكرون اسم اللّه تعالى عليه من البهيمة في أيام معلومات، و هي أيام التشريق في منى، فقد يخطر في بال الحاج أنه لا يكون مرخصا في الأكل من ذبيحته كالفداء أو الكفارة أو غيرها، من جهة أن الهدي واجب مالي عليه كسائر الواجبات المالية، و من هنا يظهر الجواب عن صحيحة معاوية بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: اذا ذبحت أو نحرت فكل و أطعم، كما قال اللّه: فكلوا منها و اطعموا القانع و المعتر – الحديث»1 فان حالها حال الآية الشريفة فلا تدل على الوجوب. و اما صحيحة الفضلاء عن أبي جعفر و ابي عبد اللّه عليهما السّلام: انهما قالا: ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أمر أن يؤخذ من كل بدنة بضعة، فأمر بها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فطبخت فأكل هو و علي و حسوا من المرق – الحديث»2

فهي أيضا لا تدل على وجوب الأكل لأمرين:

أحدهما: أن من المحتمل قويا أن يكون أمره صلّى اللّه عليه و آله مرتبطا بشئونه الشخصية، لا أنه أمر صادر منه بصفة التشريع.

و الآخر: أنه في مقام رفع توهم الحظر، و لا أقل من احتمال ذلك. و بذلك يظهر حال الروايات البيانية.

فالنتيجة الأظهر انه لا يجب على الحاج أن يأكل من ذبيحته و إن كانت رعاية الاحتياط‍‌ أولى و أجدر.

و من هنا يظهر ان تقسيم الهدي ثلاثيا أو ثنائيا غير واجب، و لا مانع حينئذ


 

(1)) <page number=”564″ />الوسائل: الباب 40 من ابواب الذبح، الحديث: 1.
(2)) الوسائل: الباب 40 من ابواب الذبح، الحديث: 2.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 565)


……….

من اعطاء الهدي كله للفقراء و إن كان الأولى و الأجدر ان ينوي اعطاء قسم منه لهم بعنوان الهدية، لما مر من أن المراد من القانع و المعتر في الآية الشريفة لو لم يكن الفقير فلا شبهة في أن المراد منهما الأعم منه و من الغني.

قد يقال – كما قيل -: ان صحيحة شعيب العقرقوفي، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: سقت في العمرة بدنة فاين أنحرها؟ قال: بمكة، قلت: أيّ‌ شيء اعطي منها؟ قال: كل ثلثا و اهد ثلثا و تصدق بثلث»1 تدل على التثليث.

و الجواب: انه يظهر منها ان السائل يعلم بوجوب اعطاء مقدار من الذبيحة الى غيره، و لكن بما أنه لا يعلم ذلك المقدار بالتحديد، فمن أجل ذلك سأل الامام عليه السّلام عنه، و أجاب عليه السّلام: «كل ثلثا و اهد ثلثا و تصدق بثلث» و عليه فقوله عليه السّلام:

«كل ثلثا» يدل على أن ما يجوز لك من الذبيحة هو الثلث دون اكثر منه، و لا يدل على الوجوب، باعتبار أن السائل يعلم اجمالا بجواز تصرفه فيها في الجملة، و لكن لا يدري مقدار ما يسوغ له التصرف فيه، هذا من ناحية.

و من ناحية أخرى ان الصحيحة لا تدل على أن المهدى اليه لا بد أن يكون غنيا، لأنها ساكتة عن ذلك، و لا يكون المهدى اليه مذكورا فيها، و مجرد جعل الاهداء في مقابل الصدقة لا يدل على ذلك، لوضوح أن فقر شخص لا يكون مانعا عن صدق الإهداء، و يمكن ان يكون المراد من المهدى اليه في الصحيحة هو القانع و المعتر بقرينة قوله عليه السّلام في صحيحة سيف التمار المتقدمة «أطعم اهلك ثلثا و أطعم القانع و المعتر ثلثا، و أطعم المساكين ثلثا – الحديث».


 

(1)) <page number=”565″ />الوسائل: الباب 40 من ابواب الذبح، الحديث: 18.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 566)


و لا يجب اعطاء ثلث الهدي الى الفقير نفسه (1)، بل يجوز الاعطاء إلى وكيله و ان كان الوكيل هو نفس من عليه الهدي، و يتصرف الوكيل فيه حسب اجازة موكله من الهبة أو البيع أو الاعراض أو غير ذلك، و يجوز اخراج لحم الهدي و الاضاحي من منى (2).

[مسألة 400: لا يعتبر الافراز في ثلث الصدقة و لا في ثلث الهديّة]

(مسألة 400): لا يعتبر الافراز (3) في ثلث الصدقة و لا في ثلث الهديّة، فلو تصدق بثلاثة المشاع و أهدى ثلاثة المشاع، و أكل منه شيئا أجزأه ذلك.

(1)في عدم الوجوب إشكال، و الأظهر الوجوب، لما مر من أن المأمور به في الكتاب و السنة انما هو عنوان الإطعام للبائس الفقير و القانع و المعتر، و هو لا ينطبق عرفا على إنشاء تمليك الحاج في منى لثلث الهدي وكالة لفقير غير موجود فيها و لا يحصل على شيء من الهدي.

و بكلمة: ان الظاهر من الأمر باطعام الفقير من الذبيحة في الآية الكريمة و غيرها عرفا اعطاؤه من نفس الذبيحة خارجا، و حصوله على شيء منها فعلا لا عينا و لا قيمة، و من المعلوم أنه لا يصدق على مجرد إنشاء تمليك الحاج ثلثها لفقير يبعد عن منى و لا يحصل على شيء منها.

(2)تدل عليه صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «سألته عن اخراج لحوم الأضاحي من منى، فقال: كنا نقول: لا يخرج منها بشيء لحاجة الناس اليه، فأما اليوم فقد كثر الناس فلا بأس باخراجه»1 و هذه الصحيحة حاكمة على جميع الروايات التي تنص على عدم جواز اخراج لحوم الأضاحي من منى، و مفسرة للمراد من تلك الروايات.

(3)قد تسأل أنه على تقدير وجوب التثليث، هل يجب الافراز؟ و الجواب: لا يجب، لعدم الدليل.


 

(1)) <page number=”566″ />الوسائل: الباب 42 من ابواب الذبح، الحديث: 5.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 567)


[مسألة 401: يجوز لقابض الصدقة أو الهدية أن يتصرف فيما قبضه كيفما شاء]

(مسألة 401): يجوز لقابض الصدقة أو الهدية أن يتصرف فيما قبضه كيفما شاء، فلا بأس بتمليكه غير المؤمن أو غير المسلم.

[مسألة 402: اذا ذبح الهدي فسرق أو أخذه متغلب عليه قهرا قبل التصدق و الاهداء فلا ضمان على صاحب الهدي]

(مسألة 402): اذا ذبح الهدي فسرق أو أخذه متغلب عليه قهرا قبل التصدق و الاهداء فلا ضمان على صاحب الهدي، نعم، لو أتلفه هو باختياره و لو باعطائه لغير أهله ضمن الثلثين على الأحوط‍‌ (1).

(1)في الضمان اشكال، بل منع، لعدم الدليل عليه، لأن المستفاد من الآية الشريفة و الروايات عرفا، ان وجوب اطعام الفقير وجوب تكليفي محض، من دون كون الذبيحة متعلقة لحقه، نظير الفدية و الكفارة، فان وجوبها تكليفي صرف لا الأعم منه و من الوضعي، و على هذا فالحاج اذا كان متمكنا من اطعام الفقير من ذبيحته، و مع ذلك ترك اطعامه عامدا و ملتفتا الى الحكم الشرعي لم يضمن، و انما اعتبر آثما و عاصيا.

و دعوى: أن كل مال له مصرف خاص اذا لم يصرفه فيه عامدا و ملتفتا فعليه ضمانه، نظير الأموال التي بذلت للمواكب الحسينية، فان تلك الأموال و إن كانت تخرج عن ملك أصحابها و لكن اذا لم تصرف في مصرفها الخاص من قبل من كانت بيده عامدا و ملتفتا الى أن تلفت، فعليه ضمانه بقاعدة اليد، و ما نحن فيه من هذا القبيل.

مدفوعة: بأن قياس المقام بالأموال المذكورة قياس مع الفارق.

اما أولا: فلأن تلك الاموال قد اصبحت ملكا للجهة الحسينية بعد خروجها عن ملك اصحابها.

و ثانيا: مع الاغماض عن ذلك، فلا شبهة في أنها متعلقة لحق تلك الجهة، فاذن لا يتوقف ضمانها على قاعدة اليد، بل ضمانها من جهة اتلاف مال الغير أو حقه، و أما ثلث الهدي فلا يكون ملكا للفقير، و لا متعلقا لحقه، بل هو ملك لصاحبه، غاية الأمر يجب عليه أن يطعم منه بمقدار ثلثه للفقير، و اذا لم يطعم

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 568)


……….

فقد عصى و أثم، لا أنه ضامن فالنتيجة ان قياس الهدي بتلك الأموال مع الفارق.

و لمزيد من التعرف على نتائج مسألة الهدي تطبيقيا نذكر أمورا:

الأول: ان موضع الذبح أو النحر من الناحية الزمانية النهار، فلا يجزي في الليل حتى من الجاهل و الناسي و الضعفاء و يستثنى من ذلك الخائف فقط‍‌.

الثاني: ان موضعه من الناحية المكانية منى، نعم اذا ذبح في غير منى نسيانا أو معتقدا جوازه فيه أو متخيلا بأن الموضع الذي يذبح فيه من منى، فالأظهر اجزاء ذبحه.

الثالث: ان موضعه من الناحية التسلسلية بعد رمي جمرة العقبة، و إن قدّمه على الرمي جاهلا او نسيانا صحّ‌، و لا تجب الاعادة بعد الاتيان بالرمي، بل لا يبعد الصحة حتى اذا كان التقديم عامدا و ملتفتا الى الحكم الشرعي و إن اعتبر آثما و الاعادة حينئذ كانت احوط‍‌ و أجدر.

الرابع: الأظهر أن وجوب تسلسل مناسك منى تكليفي، لا الأعم منه و من الوضعي، فلو قدم ما ينبغي تأخيره، أو أخر ما ينبغي تقديمه عامدا و ملتفتا و ان اعتبر آثما، و لكن لا تبعد صحته، و إن كانت الاعادة أحوط‍‌.

الخامس: اذا ضاقت منى بالناس، و تعذر الذبح فيها، جاز للحاج أن يذبح في وادي محسر، لأن رقعة منى حينئذ تتسع شرعا فتشمل الوادي، و إذا تعذر الذبح فيه أيضا لسبب من الأسباب، جاز له أن يذبح في مكة أو غيرها، هذا شريطة أن لا يتمكن من التأخير و الذبح في منى، و إلاّ وجب.

السادس: اذا أخر الذبح عن يوم العيد لسبب من الاسباب، لا يجب عليه تأخير الحلق أو التقصير، بل يجوز له أن يحلق أو يقصر في يوم العيد.

السابع: اذا شك في مكان أنه من منى، فان كانت الشبهة موضوعية وجب

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 569)


……….

الاحتياط‍‌ تطبيقا لقاعدة ان الاشتغال اليقيني يقتضي الفراغ اليقيني، و إن كانت الشبهة مفهومية بأن يكون مفهوم منى مرددا بين السعة و الضيق، باعتبار أن حدود منى عرضا غير معلومة، و ان كانت طولا محددة، فاذا شك في نقطة عرضا أنها من منى أو لا، كان الشك يرجع الى الشك في التكليف بين الأقل و الأكثر، و ليس من الشك في الامتثال، و كان من موارد اجمال المخصص، فيكون المرجع فيه عموم العام إن كان، و إلاّ فاصالة البراءة عن التقييد الزائد، و نتيجة ذلك جواز الذبح في نقاط‍‌ يشك كونها من منى بالشبهة المفهومية.

الثامن: ان في حج التمتع من حجة الإسلام لا يكفي هدي واحد إلاّ عن شخص واحد، و لا يجوز أن يشترك اثنان يقومان بهذا الحج بهدي واحد، نعم يجوز الاشتراك في المستحب.

التاسع: ان يكون الهدي تام الأعضاء، فلا يجزي الأعور و الأعرج و الخصي و المقطوع اذنه و المكسور قرنه من الداخل، و أن لا يكون مهزولا عرفا.

ثم ان شرطية سلامة الحيوان من العيوب غير الهزال واقعية، فلو كان الهدي معيوبا في الواقع، و ذبحه جاهلا بالعيب أو ناسيا لم يجز إلاّ اذا كان عاجزا عن غيره، و أما شرطية السمن فهي علمية، فلو كان الهدي مهزولا في الواقع و ذبحه معتقدا بأنه سمين صح.

العاشر: اذا اشترى الهدي و كان به عيب عوراء أو غيره، فان نقد ثمنه صح، و إلاّ فعليه أن يرده.

الحادي عشر: ان اعتبار ان يكون الهدي واجدا للشروط‍‌، و عدم كفاية ما تيسر له انما هو في فرض تمكن المكلف من الواجد، و إلاّ أجزأ الفاقد.

الثاني عشر: اذا ملك هديه بالهبة أو الشراء واجدا للشروط‍‌، ثم أصابه عيب لم يضر، و كفى ذبحه.

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 570)


……….

الثالث عشر: اذا فقد الهدي أو سرق و لم يجده الى يوم النحر، و اشترى مكانه هديا آخر، ثم وجد الأول فان كان قبل ذبح الأخير، فعليه أن يذبح الأول، و في الثاني مخير بين أن يذبحه أو يبيعه، و إن كان بعد ذبحه فعليه أن يذبح الأول أيضا، على أساس أن الحاج اذا عين هديا من الانعام الثلاثة تعينت، و اشتغلت ذمته به، و لا يصل الدور حينئذ الى بدله، إلاّ اذا تعذر المبدل في مجموع الوقت، اي من يوم العيد الى آخر ذي الحجة، و اذا وجده غيره وجب عليه التعريف أولا، فان لم يجد صاحبه ذبحه من قبل صاحبه في منى، فاذا فعل ذلك أجزأ.

الرابع عشر: اذا عين هديا في أحد الانعام الثلاثة تعين، و لا يجوز تبديله بغيره، إلاّ اذا كان غيره أفضل، كما اذا كان سمينا او كان اكبر.

الخامس عشر: ان من لم يجد الهدي، و وجد ثمنه، فعليه أن يودع ثمنه عند بعض أهل مكة المؤتمن حتى يشتري له الهدي و يذبح عنه، فان لم يجد الى أن مضى ذو الحجة أخّر ذلك إلى العام القادم.

السادس عشر: إن من لم يتمكن من الهدي في تمام ذي الحجة، فوظيفته الصيام ثلاثة أيام في مكة و سبعة اذا رجع الى أهله، و أما اذا تيسر له الهدي خلال أيام التشريق أو بعدها الى آخر ذي الحجة فوظيفته الهدي دون الصيام، لأن وجوب الصيام بما أنه بديل له فلا محالة يكون منوطا بتعذره في طول ذي الحجة، و إلاّ فلا يصل دوره حتى اذا صام الأيام الثلاثة في مكة.

السابع عشر: يجوز تقديم صيام ثلاثة أيام من أول ذي الحجة، شريطة أن يكون ذلك بعد تلبّسه باحرام عمرة التمتع الى الحج.

الثامن عشر: يجب التتابع في صيام الأيام الثلاثة مطلقا و في تمام الحالات التالية:

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 571)


……….

1-في اليوم السابع و الثامن و التاسع من ذي الحجة.

2 – بعد أيام التشريق.

3 – في الطريق.

4 – في البلد اذا رجع. و كذلك يعتبر التتابع في صيام السبعة أيضا، و لا يجمع بين السبعة و الثلاثة.

التاسع عشر: ان من كان له مقام بمكة، و أراد أن يصوم السبعة، فعليه أن يصبر إما بقدر مسيره الى بلده، أو شهرا كاملا، و لا يجوز له أن يصوم قبل ذلك.

العشرون: إن من لم يصم ثلاثة أيام في مكة جاز له أن يصوم الأيام الثلاثة في الطريق الى بلده، أو في البلد اذا رجع.

الحادي و العشرون: ان من كان متمكنا من صيام الأيام الثلاثة المتمثلة في اليوم السابع و الثامن و التاسع من ذي الحجة، لم يجز له التأخير عامدا و ملتفتا الى ما بعد أيام التشريق، كما انه اذا كان متمكنا من صومها بعد أيام التشريق في مكة لم يسع له أن يتركه فيها اختيارا و يصوم في الطريق أو في بلده اذا رجع.

الثاني و العشرون: لا يجوز الصيام في أيام التشريق و هى اليوم الحادي عشر و الثاني عشر و الثالث عشر من ذي الحجة لمن كان متواجدا في منى لممارسة مناسك الحج.

و قد تسأل عن أنه هل يجوز لغير الحاج أن يصوم هذه الأيام الثلاثة من ذي الحجة‌؟

و الجواب: ان الجواز غير بعيد، و إن كان الأحوط‍‌ و الأجدر به أن لا يصوم.

الثالث و العشرون: يجوز للحاج أن يوكل غيره في الذبح أو النحر، و لكن يجب عليه أن ينوي القربة فيه عند المباشرة، أو عند التوكيل، و لا تكفي نية القربة عن الوكيل، لأنه أجنبي عن العمل.

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 572)


……….

الرابع و العشرون: ان الوكيل في الذبح أو النحر اذا كان مسلما صح، و لا يعتبر فيه الايمان، و أما في النائب فيعتبر فيه الايمان، و لا يكفي مجرد اسلامه.

الخامس و العشرون: ان الوكيل ينوي العمل من قبل غيره بما هو معنى حرفي، فلذلك يكون العمل مستندا الى الآمر و الموكل حقيقة دونه، و النائب ينوي العمل نيابة عن غيره بما هو معنى اسمي فلهذا لا يستند العمل الى المنوب عنه.

السادس و العشرون: الأظهر عدم وجوب تثليث الهدي على الحاج، بأن يجعل ثلثه لنفسه، و ثلثه للمؤمن، و ثلثه للفقير، فان هذا و إن كان معروفا، و لكن لا يمكن اتمامه بدليل، و على هذا الأساس فلا يجب على الحاج أن يأكل من ذبيحته، و انما يرخص له في ذلك، و يجب عليه أن يطعم الفقراء منها اذا تمكن من ذلك، و لا يشترط‍‌ في الفقير هنا الايمان، لعدم الدليل على اعتباره فيه، بل الدليل على عدم الاعتبار موجود.

السابع و العشرون: ان المأمور به في الآية الشريفة و غيرها اطعام الفقير في منى، و هو لا ينطبق عرفا على تقبل الحاج للثلث نيابة عن فقير يبعد عن منى مئات الفراسخ و لا يحصل على شيء من الذبيحة اذ الاطعام لا يصدق على مجرد إنشاء التمليك.

الثامن و العشرون: ان وجوب اطعام الفقير على الحاج من ذبيحته في منى وجوب تكليفي دون الأعم منه و من الوضعي، فلو ترك اطعام الفقير منها عامدا و ملتفتا لم يضمن و إن اعتبر عاصيا.

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 573)


[6 – الحلق و التقصير]

الحلق و التقصير و هو الواجب السادس من واجبات الحج (1)، و يعتبر فيه قصد القربة (2) و ايقاعه في النهار على الأحوط‍‌ (3)

(1)لا شبهة في أصل وجوب الحلق أو التقصير في منى، و تدل عليه الآية الكريمة، و هي قوله تعالى: لَقَدْ صَدَقَ‌ اللّٰهُ‌ رَسُولَهُ‌ الرُّؤْيٰا بِالْحَقِّ‌ لَتَدْخُلُنَّ‌ الْمَسْجِدَ الْحَرٰامَ‌ إِنْ‌ شٰاءَ اللّٰهُ‌ آمِنِينَ‌ مُحَلِّقِينَ‌ رُؤُسَكُمْ‌ وَ مُقَصِّرِينَ‌ لاٰ تَخٰافُونَ‌1.

و أما الروايات التي تنص عليه فهي كثيرة تبلغ من الكثرة حد التواتر اجمالا.

(2)قد تقدم أنه تجب النية في كل عبادة، و هي عبارة عن نية القربة و الاخلاص بمعنى عدم ضميمة الرياء، و قصد اسمها الخاص المميز لها شرعا، و صورتها في المقام: أحلق أو أقصر في حج التمتع من حجة الإسلام قربة الى اللّه تعالى مخلصا لوجهه الكريم، و إن كان نائبا ذكر اسم المنوب عنه، و إن كان الحج مندوبا أسقط‍‌ كلمة حجة الإسلام.

(3)أي نهار العيد، و هذا و إن كان معروفا و مشهورا إلاّ أن اثباته بدليل مشكل، و قد يستدل على ذلك بصحيحة محمد بن حمران، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الحاج غير المتمتع يوم النحر ما يحل له‌؟ قال كل شيء إلاّ النساء، و عن المتمتع ما يحل له يوم النحر؟ قال: كل شيء إلاّ النساء و الطيب»2 بدعوى أن حكمه عليه السّلام بحلية كل شيء له إلاّ النساء و الطيب في يوم العيد بدون تعليق


 

(1)) <page number=”573″ />سورة الفتح، الآية: 27.
(2)) الوسائل: الباب 14 من أبواب الحلق و التقصير، الحديث: 1.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 574)


من دون فرق بين العالم و الجاهل، و الأحوط‍‌ تأخيره عن الذبح و الرمي (1)،

الحكم بالحلية بالحلق فيه، يدل على وقوع الحلق في ذلك اليوم، و لكن للمناقشة فيه مجال، لأن من المحتمل قويا أن يكون حكمه عليه السّلام بحلية كل شيء له في يوم العيد عدا الطيب و النساء مبنيا على ما جرت عليه عادة الحجاج و تقاليدهم من الاتيان بتمام اعمال منى و مناسكه يوم العيد، و لا يؤخرونها عامدا و ملتفتا إلاّ اذا كان هناك مانع، فاذن لا يدل ذلك على وجوب ايقاع الحلق او التقصير يوم العيد، و عدم جواز تأخيره.

و بكلمة: انه يظهر من حال السائل ان سؤاله متجه الى أي شيء يحل لمن أتى بمناسك منى من رمي جمرة العقبة و الذبح و الحلق يوم العيد، أجاب الامام عليه السّلام: «كل شيء إلاّ النساء و الطيب» اذا كان متمتعا، و من الواضح أنه لا اشعار فيه بأن اتيانه بالحلق انما هو لوجوبه عليه في هذا اليوم، و عدم جواز تأخيره عنه عامدا و عالما باعتبار أن الرواية ليست في مقام البيان من هذه الناحية.

فالنتيجة ان مقتضى القاعدة جواز تأخير الحلق أو التقصير عن يوم العيد عامدا و ملتفتا الى الحكم الشرعي، و لكن مع ذلك لا يترك الاحتياط‍‌، و من هنا يظهر أنه لو نسي الحلق في يوم العيد، أو لم يتمكن منه، أو كان جاهلا بالحكم و أخر الى آخر أيام التشريق و أتى به فيه كفى بلا اشكال.

(1)تقدم ان موضع الحلق أو التقصير من ناحية تسلسل الاحكام متأخر عن موضع الذبح و الرمي تكليفا لا وضعا، فلو حلق أو قصر عامدا و ملتفتا قبل الذبح أو الرمي، فالأظهر صحته، و لا تجب عليه اعادته بعد الرمي أو الذبح و إن كانت الاعادة أحوط‍‌، حيث إنه لا دليل على أن موضعه متأخر عنهما وضعا أيضا، لأن السيرة الجارية بين الحجاج على التأخير لا تدل على أنه معتبر في صحته، اذ لا طريق لنا الى احراز أن هذه السيرة متصلة بزمن المعصومين عليهم السّلام و أنها وصلت

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 575)


و لكن لو قدمه عليهما أو على الذبح نسيانا أو جهلا منه بالحكم أجزأه، و لم يحتج الى الاعادة (1).

[مسألة 403: لا يجوز الحلق للنساء]

(مسألة 403): لا يجوز الحلق للنساء بل يتعين عليهن التقصير (2).

إلينا من ذلك الزمان يدا بيد و طبقة بعد طبقة، لاحتمال أنها ناشئة من فتاوى الفقهاء، هذا. اضافة الى أن جريان السيرة على العمل كذلك لا تدل على اللزوم.

و أما صحيحة سعيد الأعرج فلا تدل على وجوب التأخير بالمفهوم، لما تقدم في المسألة (380) من أن دلالتها على المفهوم لا تخلو عن اشكال، هذا.

اضافة الى أن موثقة عمار الساباطي و صحيحة عبد اللّه بن سنان المتقدمتين في المسألة المذكورة تدلان على الاجزاء و عدم وجوب الاعادة، و كذلك الحال بالنسبة الى الرمي، و ان كانت الاعادة في محله، و قد تقدم تفصيل ذلك في نفس المسألة.

(1)تقدم ذلك موسعا في المسألة (380).

(2)تنص عليه عدة روايات:

منها: قوله عليه السّلام في صحيحة سعيد الأعرج: «فان لم يكن عليهن ذبح فليأخذن من شعورهن و يقصرن من أظفارهن – الحديث»1.

و منها: قوله عليه السّلام في صحيحة أبي بصير: «ثم ينطلق بهن الى منى فيرمين الجمرة، ثم يصبرن ساعة، ثم يقصرن و ينطلقن الى مكة – الحديث»2.

و منها: صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: ليس على النساء حلق، و عليهن التقصير – الحديث»3 و مقتضى اطلاق هذه الروايات عدم الفرق بين أن تكون المرأة صرورة أو غير صرورة، و كان شعرها ملبدا أو لا.


 

(1)) <page number=”575″ />الوسائل باب: 1 من ابواب رمي جمرة العقبة الحديث: 1.
(2)) الوسائل: الباب 17 من ابواب الوقوف بالمشعر، الحديث: 7.
(3)) الوسائل: الباب 21 من ابواب اقسام الحج، الحديث: 3.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 576)


[مسألة 404: يتخير الرجل بين الحلق و التقصير و الحلق أفضل]

(مسألة 404): يتخير الرجل بين الحلق و التقصير (1) و الحلق أفضل، و من لبد شعر رأسه بالصمغ أو العسل أو نحوهما لدفع القمل، أو عقص شعر رأسه و عقده بعد جمعه و لفه، فالأحوط‍‌ له اختيار الحلق، بل وجوبه هو الأظهر (2)،

(1)هذا في غير الصرورة، و هو الرجل المسبوق بحجة واحدة أو اكثر، و سيأتي حكم الصرورة في آخر المسألة، و لا اشكال في أن حكم غير الصرورة التخيير، و تدل عليه مجموعة من النصوص كصحيحتي معاوية بن عمار و صحيحة الحلبي الآتية.

(2)بل هو الظاهر، و تدل عليه مجموعة من النصوص:

منها: صحيحة معاوية بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: ينبغي للصرورة أن يحلق و إن كان قد حج، فان شاء قصر، و إن شاء حلق، فاذا لبد شعره أو عقصه فان عليه الحلق و ليس له التقصير»1.

و منها: صحيحة هشام بن سالم، قال: «قال ابو عبد اللّه عليه السّلام اذا عقص الرجل رأسه أو لبده في الحج أو العمرة فقد وجب عليه الحلق»2.

و منها: صحيحة معاوية بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: اذا أحرمت فعقصت شعر رأسك أو لبدته فقد وجب عليك الحلق، و ليس لك التقصير، و إن أنت لم تفعل فمخيّر لك التقصير، و الحلق في الحج أفضل، و ليس في المتعة إلاّ التقصير»3.

و منها: صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «سمعته يقول: من لبد شعره أو عقصه فليس له أن يقصر و عليه الحلق، و من لم يلبّده تخير إن شاء قصر و إن شاء حلق، و الحلق أفضل»4. و مقتضى اطلاق هذه الروايات ان وظيفة الملبد و المعقوص الحلق مطلقا و إن لم يكن صرورة، و لا يجزي التقصير منه و إن كان جاهلا بالحكم او ناسيا.


 

(1)) <page number=”576″ />الوسائل: الباب 7 من ابواب الحلق و التقصير، الحديث: 1.
(2)) الوسائل: الباب 7 من ابواب الحلق و التقصير، الحديث: 2.
(3)) الوسائل: الباب 7 من ابواب الحلق و التقصير، الحديث: 8.
(4)) الوسائل: الباب 7 من ابواب الحلق و التقصير، الحديث: 15.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 577)


و من كان صرورة فالأحوط‍‌ له أيضا اختيار الحلق، و ان كان تخييره بين الحلق و التقصير لا يخلو من قوة (1).

(1)الأمر كما افاده قدّس سرّه، و السبب فيه ان الروايات التي استدل بها على وجوب الحلق على الرجل الصرورة، و عدم كفاية التقصير له بين ما يكون ضعيفا سندا، و تاما دلالة، و ما يكون تاما سندا و ضعيفا دلالة.

اما الصنف الأول، فهو متمثل في مجموعة من الروايات:

منها: رواية ابي سعد عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: يجب الحلق على ثلاثة نفر، رجل لبّد، و رجل حج بدءا لم يحج قبلها، و رجل عقص رأسه»1 فانها واضحة الدلالة على وجوب الحلق على الصرورة، و لكنها ضعيفة من ناحية السند، حيث إن فيه ابي سعد، كما في الوسائل، و هو مردد بين الثقة و الضعيف، و لا قرينة على الأول، و في التهذيب ابي سعد، و هو مجهول الحال، فالنتيجة ان الرواية ضعيفة فلا يمكن الاعتماد عليها.

و منها: رواية ابي بصير عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: على الصرورة أن يحلق رأسه و لا يقصر، انما التقصير لمن قد حج حجة الإسلام»2 فان دلالتها تامة و لا اشكال فيها، و لكنها قاصرة سندا حيث إن فيه علي بن حمزة. و هو لم يثبت توثيقه.

و منها: رواية بكر بن خالد عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: ليس للصرورة أن يقصر، و عليه أن يحلق»3 فانها تامة من حيث الدلالة، و لكنها ضعيفة من جهة السند، فان في سندها بكر بن خالد، و هو لم يثبت توثيقه.

و اما الصنف الثاني: فهو متمثل في روايتين:

الأولى: صحيحة معاوية بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: ينبغي للصرورة أن يحلق، و إن كان قد حج، فان شاء قصر و إن شاء حلق، فاذا لبد شعره


 

(1)) <page number=”577″ />الوسائل: الباب 7 من ابواب الحلق و التقصير، الحديث: 3.
(2)) الوسائل: الباب 7 من ابواب الحلق و التقصير، الحديث: 5.
(3)) الوسائل: الباب 7 من ابواب الحلق و التقصير، الحديث: 10.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 578)


……….

أو عقصه فان عليه الحلق و ليس له التقصير»1 فانها و إن كانت تامة سندا، إلاّ أنها ضعيفة دلالة، و ذلك لأن كلمة (ينبغي) لا تدل في نفسها على الوجوب، فان غاية ما يمكن أن يقال إنها تدل على الجامع بينه و بين الاستحباب، و ارادة خصوص الوجوب منها بحاجة الى قرينة، و لا قرينة عليه في المقام، بل ان قوله عليه السّلام في ذيلها: «فاذا لبد شعره أو عقصه، فان عليه الحلق و ليس له التقصير» قرينة على عدم وجوبه على الصرورة.

و بكلمة: ان الصحيحة تكون في مقام بيان وظيفة الصرورة و غير الصرورة و الملبد و المعقوص، و دلالتها على وجوب الحلق على الصنف الثالث لو لم تكن قرينة على أنه غير واجب على الصنفين الأولين فلا أقل أنها تمنع عن ظهور كلمة (ينبغي) في الوجوب، على تقدير تسليم ظهورها فيه.

فالنتيجة ان الرواية لا تدل على أن وظيفة الصرورة الحلق و عدم كفاية التقصير، نعم الحلق اولى و اجدر له.

الثانية: موثقة عمار الساباطي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «سألته عن رجل برأسه قروح لا يقدر على الحلق، قال: ان كان قد حج قبلها فليجز شعره، و إن كان لم يحج فلا بد له من الحلق – الحديث»2. و لكن لا يمكن الالتزام بمضمون هذه الموثقة، فان السائل قد فرض في السؤال ان الرجل لا يقدر على الحلق من جهة وجود القروح في رأسه، و معه لا يمكن وجوب الحلق عليه، لأنه تكليف بغير المقدور، فاذن كيف يأمره الإمام عليه السّلام بذلك، و عليه فلا بد من رد عملها الى أهله.

فالنتيجة انه لا يمكن اثبات وجوب الحلق على الرجل الصرورة تعيينا


 

(1)) <page number=”578″ />الوسائل: الباب 7 من ابواب الحلق و التقصير، الحديث: 1.
(2)) الوسائل: الباب 7 من ابواب الحلق و التقصير، الحديث: 4.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 579)


[مسألة 405: من أراد الحلق و علم أن الحلاق يجرح رأسه فعليه أن يقصّر أوّلا ثم يحلق]

(مسألة 405): من أراد الحلق و علم أن الحلاق يجرح رأسه فعليه أن يقصّر أوّلا ثم يحلق (1).

[مسألة 406: الخنثى المشكل يجب عليه التقصير]

(مسألة 406): الخنثى المشكل يجب عليه التقصير (2) إذا لم يكن ملبدا أو معقوصا و إلا جمع بين التقصير و الحلق و يقدّم التقصير على الحلق على الأحوط‍‌ (3).

و عدم كفاية التقصير، فاذن يكون المرجع الروايات المطلقة التي تنص على التخيير بين الحلق و التقصير مع افضلية الحلق، بدون فرق بين الصرورة و غيرها.

منها: صحيحتا معاوية و الحلبي المتقدمتان، و لكن مع ذلك فالأحوط‍‌ و الأجدر به أن يحلق. هذا.

و أما الاستدلال بالآية الشريفة، و هي قوله تعالى: لَقَدْ صَدَقَ‌ اللّٰهُ‌ رَسُولَهُ‌ الرُّؤْيٰا بِالْحَقِّ‌ لَتَدْخُلُنَّ‌ الْمَسْجِدَ الْحَرٰامَ‌ إِنْ‌ شٰاءَ اللّٰهُ‌ آمِنِينَ‌ مُحَلِّقِينَ‌ رُؤُسَكُمْ‌ وَ مُقَصِّرِينَ‌1 على أن الرجل الصرورة مخير بين الحلق و التقصير، فهو لا يخلو عن اشكال، لاحتمال أن مورد الآية الشريفة العمرة المفردة.

(1)هذا من جهة أن التقصير أحد فردي الواجب التخييري، فاذا تعذر تعين الآخر، و بما أن الحلق في مفروض المسألة يوجب ادماء الرأس فمن أجل ذلك تعذر عليه شرعا، و يتعين عليه حينئذ التقصير، فاذا قصر خرج عن الإحرام، و عندئذ يجوز له الحلق و إن كان موجبا للإدماء.

(2)للعلم اجمالا بأنه في الواقع اما امرأة أو رجل، فان كان الأول فوظيفته التقصير فحسب، و إن كان الثاني فوظيفته التخيير بينه و بين الحلق، و عندئذ فاذا قصر فقد علم بفراغ ذمته، سواء أ كان رجلا أم كان امرأة.

(3)الأظهر انه مخير في هذه الحالة في تقديم أي منهما شاء على الآخر، باعتبار أنه يعلم اجمالا إما بوجوب الحلق عليه ان كان في الواقع رجلا، او


 

(1)) <page number=”579″ />سورة الفتح، الآية: 27.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 580)


[مسألة 407: اذا حلق المحرم أو قصّر حل له جميع ما حرم عليه الاحرام، ما عدا النساء و الطيب]

(مسألة 407): اذا حلق المحرم أو قصّر حل له جميع ما حرم عليه الاحرام، ما عدا النساء و الطيب (1)

التقصير ان كان امرأة، و هناك علم اجمالي آخر، و هو العلم بحرمة الحلق عليه ان كان في الواقع امرأة، و بوجوبه عليه ان كان رجلا، و بما أن ذلك من دوران الأمر بين المحذورين، فلا يكون العلم الإجمالي بينهما مؤثرا و مانعا عن التخيير.

فالنتيجة انه مخير بين أن يبدأ بالحلق أولا ثم بالتقصير، أو بالعكس، و لا علم له بالكفارة، و لا قيمة للشك فيها.

(1)تدل عليه مجموعة من الروايات:

منها: صحيحة معاوية بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: اذا ذبح الرجل و حلق فقد أحل من كل شيء أحرم منه إلاّ النساء و الطيب، فاذا زار البيت و طاف و سعى بين الصفا و المروة، فقد أحلّ‌ من كل شيء احرم منه إلاّ النساء، و اذا طاف طواف النساء فقد أحل من كل شيء أحرم منه إلاّ الصيد»1.

و منها: صحيحة الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «سألته عن رجل نسي أن يزور البيت حتى أصبح فقال: ربما اخرته حتى تذهب أيام التشريق، و لكن لا تقربوا النساء و الطيب»2.

و منها: صحيحة محمد بن حمران، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الحاج غير المتمتع يوم النحر ما يحل له، قال: كل شيء إلاّ النساء، و عن المتمتع ما يحل له يوم النحر، قال: كل شيء إلاّ النساء و الطيب»3.

و منها: صحيحة جميل، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: المتمتع ما يحل له اذا حلق رأسه، قال: كل شيء إلاّ النساء و الطيب – الحديث»4 و منها غيرها.

و في مقابل هذه المجموعة مجموعتان أخريان من الروايات:


 

(1)) <page number=”580″ />الوسائل: الباب 13 من ابواب الحلق و التقصير، الحديث: 1.
(2)) الوسائل: الباب 13 من ابواب الحلق و التقصير، الحديث: 6.
(3)) الوسائل: الباب 14 من ابواب الحلق و التقصير، الحديث: 1.
(4)) الوسائل: الباب 14 من ابواب الحلق و التقصير، الحديث: 4.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 581)


……….

المجموعة الأولى: الروايات التي تدل على أنه يحل من كل شيء بعد رمي جمرة العقبة إلاّ النساء.

منها: موثقة حسين بن علوان عن جعفر عن أبيه عن علي عليهم السّلام: «انه كان يقول: اذا رميت جمرة العقبة فقد حل لك كل شيء حرم عليك إلاّ النساء»1.

و منها: معتبرة يونس بن يعقوب، قال: «قلت لأبي الحسن موسى عليه السّلام:

جعلت فداك رجل أكل فالوذج فيه زعفران بعد ما رمى الجمرة و لم يحلق، قال:

لا بأس»2. و هذه المجموعة تدل على أن الحاج اذا رمى جمرة العقبة فقد حل له كل شيء حرم عليه إلاّ النساء، سواء ذبح و حلق أم لا، فاذن مقتضى اطلاقها الناشئ من السكوت في مقام البيان ان الذبح و الحلق غير دخيلين في خروج الحاج عن الإحرام و تحليل ما يحرم عليه من المحرمات، و على ذلك فلا تصلح هذه المجموعة أن تعارض المجموعة الأولى، باعتبار أنها تدل بالدلالة اللفظية على أنهما دخيلان في ذلك، و قد مرت الاشارة في غير مورد أن الدلالة الاطلاقية الناشئة من السكوت في مقام البيان لا تصلح أن تعارض الدلالات اللفظية.

المجموعة الثانية: الروايات التي تنص على أن الحاج اذا حلق رأسه حل له كل شيء حتى الطيب إلاّ النساء.

منها: صحيحة سعيد بن يسار، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المتمتع قلت: اذا حلق رأسه قبل أن يزور البيت يطليه بالحناء، قال: نعم الحناء و الثياب و الطيب و كل شيء إلاّ النساء، ردّدها علي مرتين او ثلاثا، قال: و سألت أبا الحسن عليه السّلام عنها، قال: نعم الحناء و الثياب و الطيب و كل شيء إلاّ النساء»3.

و منها: موثقة اسحاق بن عمار، قال: «سألت أبا ابراهيم عليه السّلام عن المتمتع


 

(1)) <page number=”581″ />الوسائل: الباب 13 من ابواب الحلق و التقصير، الحديث: 11.
(2)) الوسائل: الباب 13 من ابواب الحلق و التقصير، الحديث: 12.
(3)) الوسائل: الباب 13 من ابواب الحلق و التقصير، الحديث: 7.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 582)


بل الصيد أيضا على الأحوط‍‌ (1).

اذا حلق رأسه ما يحل له، فقال: كل شيء إلاّ النساء»1.

و منها: معتبرة ابي ايوب الخزاز، قال: «رأيت أبا الحسن عليه السّلام بعد ما ذبح حلق ثم ضمّد رأسه بمسك و زار البيت و عليه قميص و كان متمتعا»2.

و منها: صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج، قال: ولد لأبي الحسن عليه السّلام مولود بمنى فارسل إلينا يوم النحر بخبيص فيه زعفران، و كنا قد حلقنا، قال عبد الرحمن فأكلت أنا و أبى الكاهلي و مرازم أن يأكلا منه، و قالا: لم نزر البيت، فسمع ابو الحسن عليه السّلام كلامنا فقال لمصادف و كان هو الرسول الذي جاءنا به، في أي شيء كانوا يتكلمون، فقال: أكل عبد الرحمن و أبى الآخران، فقالا لم نزر بعد البيت، فقال: أصاب عبد الرحمن، ثم قال: أما تذكر حين أتينا به في مثل هذا اليوم فأكلت أنا منه و أبى عبد اللّه أخي أن يأكل منه، فلما جاء أبي حرّشه علي فقال: يا أبه أن موسى أكل خبيصا فيه زعفران و لم يزر بعد، فقال أبي: هو أفقه منك أ ليس قد حلقتم رءوسكم»3.

ثم ان هذه المجموعة تصلح أن تعارض المجموعة الأولى، فانها ناصة في حلية الطيب بعد الحلق و قبل أن يزور البيت، و المجموعة الأولى ناصة في حرمة الطيب بعد الحلق و قبل الطواف، فاذن تسقطان معا من جهة المعارضة، فيرجع بعد التساقط‍‌ الى العام الفوقي، و هو اطلاقات حرمة الطيب على المحرم، فانها تدل على انه اذا أحرم حرمت عليه اشياء معينة منها الطيب.

فالنتيجة: ان الطيب لا يحل له إلاّ بعد الزيارة.

(1)بل على الأظهر، و تدل على ذلك مجموعة من الروايات:

منها: صحيحة معاوية بن عمار، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام من نفر في


 

(1)) <page number=”582″ />الوسائل: الباب 13 من ابواب الحلق و التقصير، الحديث: 8.
(2)) الوسائل: الباب 13 من ابواب الحلق و التقصير، الحديث: 10.
(3)) الوسائل: الباب 14 من ابواب الحلق و التقصير، الحديث: 3.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 583)


……….

النفر الأول، متى يحل له الصيد؟ قال: إن زالت الشمس من اليوم الثالث»1 فانها واضحة الدلالة على أنه يحل من ناحية الاحرام، فان حرمته من هذه الناحية محدودة الى زوال الشمس من اليوم الثالث عشر، و أما حرمته من ناحية الحرم فلا تكون محدودة بوقت خاص، بل هو حرام عليه ما دام متواجدا في الحرم.

و منها: صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: اذا ذبح الرجل و حلق فقد أحل من كل شيء أحرم منه إلاّ النساء و الطيب، فاذا زار البيت و طاف و سعى بين الصفا و المروة فقد أحل من كل شيء احرم منه إلاّ النساء، و اذا طاف طواف النساء فقد أحل من كل شيء أحرم منه إلاّ الصيد»2 فانها ظاهرة في أن استثناء الصيد منها انما هو بلحاظ‍‌ حرمته من ناحية الإحرام حيث إنها في مقام بيان ان حرمة الأشياء التي حرمت على المحرم بسبب الاحرام ترتفع منه تدريجا و تسلسلا حسب تسلسل مناسك الحج و واجباته، و لا يمكن أن يكون المراد من حرمة الصيد فيها حرمته الحرمي، فانها لا ترتبط‍‌ بالإحرام، و لا بالمناسك التي توجب خروج المحرم عن الاحرام، بل هي مرتبطة بتواجده في الحرم، فما دام فيه فهو حرام عليه سواء طاف طواف النساء أم لا. ثم انه لا بد من تقييد اطلاقها بما قبل زوال الشمس من اليوم الثالث عشر بمقتضى صحيحته المتقدمة، باعتبار أن هذه الصحيحة تدل باطلاقها على بقاء حرمة الصيد بعد طواف النساء، و إن كان بعد زوال الشمس من اليوم الثالث عشر.

قد يقال – كما قيل -: ان هذه الروايات معارضة للكتاب، و هو قوله تعالى:


وَ إِذٰا حَلَلْتُمْ‌ فَاصْطٰادُوا


3

فانه يدل على أن المحرم اذا صار محلا جاز له


 

(1)) <page number=”583″ />الوسائل: الباب 16 من ابواب الحلق و التقصير، الحديث: 1.
(2)) الوسائل: الباب 13 من ابواب الحلق و التقصير، الحديث: 1.
(3)) سورة المائدة، الآية: 5.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 584)


[مسألة 408: إذا لم يقصّر و لم يحلق نسيانا أو جهلا منه بالحكم الى أن خرج من منى رجع و قصر أو حلق فيها]

(مسألة 408): إذا لم يقصّر و لم يحلق نسيانا أو جهلا منه بالحكم الى أن خرج من منى رجع و قصر أو حلق فيها (1)،

الصيد، و المفروض أنه صار محلا بعد طواف النساء، و إن كان قبل زوال الشمس من اليوم الثالث عشر، فاذن تدخل هذه الروايات في الروايات المخالفة للكتاب، فلا تكون حجة.

و الجواب: ان الآية الشريفة انما هي في مقام بيان الكبرى الكلية، و هي ان المحرم اذا صار محلا جاز له الاصطياد، و لا نظر لها الى تحقق الصغرى و أنه بما ذا صار محلا، و هذه الروايات بعد تقييد بعضها ببعضها الآخر تنص على أنه قد أحل منه بعد زوال الشمس من اليوم الثالث عشر، فاذن لا تنافي بين هذه الروايات و بين الآية الشريفة، أو فقل ان الآية الكريمة في مقام بيان الكبرى بنحو القضية الشرطية، و الروايات في مقام بيان الصغرى لتلك الكبرى.

فالنتيجة انه لا مانع من الالتزام ببقاء حرمة الصيد التي جاءت من قبل الاحرام الى زوال الشمس من اليوم الثالث عشر.

و دعوى: أن الأصحاب بما أنهم قد اعرضوا عن هذه الرواية عملا فهي ساقطة عن الاعتبار.

مدفوعة: بما ذكرناه غير مرة من أن اعراض الأصحاب عن رواية معتبرة لا يكشف عن سقوطها عن الاعتبار و خروجها عن دليل الحجية.

(1)الأمر كما افاده قدّس سرّه، أما الناسي فتدل عليه صحيحة الحلبي، قال: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل نسي أن يقصر من شعره أو يحلقه حتى ارتحل من منى، قال: يرجع الى منى حتى يلقي شعره بها حلقا كان او تقصيرا»1.

ثم ان مورد الصحيحة و إن كان الناسي إلاّ أن العرف لا يفهم خصوصية له، و ذلك لأن من خرج من منى ناسيا للحلق أو التقصير أو جاهلا به، ثم تذكر أو


 

(1)) <page number=”584″ />الوسائل: الباب 5 من ابواب الحلق و التقصير، الحديث: 1.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 585)


فان تعذر الرجوع أو تعسّر عليه قصر أو حلق في مكانه (1)

علم بالحال، و تمكن من الرجوع الى منى و الحلق او التقصير فيه وجب الرجوع اليها من أجل انجاز هذا الواجب، فان ذلك يكون على القاعدة، و لا يحتاج الى نص، و أما اذا خرج من منى تاركا للحلق أو التقصير عامدا و ملتفتا الى الأحكام الشرعية و تسلسل المناسك، فان استمر على تركه بطل حجه و إن طاف طواف الحج، و إن تداركه في وقته صح، و لا موجب للبطلان، و حينئذ فان طاف طواف الحج فهل عليه اعادته بعد تدارك الحلق أو التقصير؟ الأظهر وجوب الاعادة، اذ مضافا الى أن ذلك مقتضى اعتبار تسلسل المناسك إلاّ فيما قام الدليل على الخلاف، ان صحيحة محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه السّلام: «في رجل زار البيت قبل أن يحلق، فقال: إن كان زار البيت قبل أن يحلق و هو عالم أن ذلك لا ينبغي له، فان عليه دم شاة»1 تدل على ذلك، بتقريب أن قوله عليه السّلام: «ان ذلك لا ينبغي له» يدل على أنه عالم بأن ما فعله في غير موضعه و محله، و معنى هذا أنه لا يكون مصداقا للمأمور به، و تدل عليه أيضا صحيحة علي بن يقطين، قال:

«سألت ابا الحسن عليه السّلام عن المرأة رمت و ذبحت و لم تقصر حتى زارت البيت، فطافت وسعت من الليل، ما حالها و ما حال الرجل اذا فعل ذلك‌؟ قال: لا بأس به يقصر و يطوف بالحج، ثم يطوف للزيارة، ثم قد أحل من كل شيء»2 و مقتضى اطلاقها و إن كان البطلان مطلقا، إلاّ أنه لا بد من تقييد اطلاقها بما اذا فعلت ذلك عامدا و عالما بالحكم، اذ لو فعلت ذلك نسيانا أو جهلا لم تجب الاعادة لنص صحيحتي جميل و حمران المتقدمتين.

(1)تدل عليه صحيحة مسمع، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل نسي


 

(1)) <page number=”585″ />الوسائل باب: 2 من ابواب الحلق و التقصير الحديث: 1.
(2)) الوسائل: الباب 4 من ابواب الحلق و التقصير، الحديث: 1.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 586)


و بعث بشعر رأسه الى منى ان أمكنه ذلك (1).

[مسألة 409: إذا لم يقصّر و لم يحلق نسيانا أو جهلا فذكره، أو علم به بعد الفراغ من أعمال الحج و تداركه]

(مسألة 409): إذا لم يقصّر و لم يحلق نسيانا أو جهلا فذكره، أو علم به بعد الفراغ من أعمال الحج و تداركه لم تجب عليه إعادة الطواف على الأظهر (2)،

أن يحلق رأسه أو يقصر حتى نفر، قال: يحلق في الطريق أو أين كان»1

و مقتضى اطلاق هذه الصحيحة جواز الحلق في الطريق أو أي مكان آخر و إن كان متمكنا من العود الى منى و الحلق أو التقصير فيها، و لكن لا بد من تقييد هذا الاطلاق بما اذا لم يتمكن الحاج من العود اليها بصحيحة الحلبي المتقدمة.

(1)تدل عليه صحيحة حفص بن البختري عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في الرجل يحلق رأسه بمكة، قال: يرد الشعر الى منى»2 بتقريب أنه لا يحتمل عرفا اختصاص وجوب الرد بمن حلق رأسه بمكة، فان مورد السؤال و إن كان ذلك، إلاّ أن المتفاهم العرفي من الجواب عدم الاختصاص به. و صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: كان علي بن الحسين عليه السّلام يدفن شعره في فسطاطه بمنى و يقول: كانوا يستحبون ذلك، قال: و كان ابو عبد اللّه عليه السّلام يكره أن يخرج الشعر من منى، و يقول: من أخرجه فعليه أن يرده»3 بتقريب أن قوله عليه السّلام: «فعليه أن يرده» ظاهر في الوجوب.

(2)بل على الظاهر في الناسي و ذلك لأنه اذا كان تاركا للحلق نسيانا ثم تذكر فقد نصت على عدم وجوب اعادة الطواف صحيحة محمد بن حمران، قال: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل زار البيت قبل أن يحلق، قال: لا ينبغي إلاّ


 

(1)) <page number=”586″ />الوسائل: الباب 5 من ابواب الحلق و التقصير، الحديث 2.
(2)) الوسائل: الباب 6 من ابواب الحلق و التقصير، الحديث: 1.
(3)) الوسائل: الباب 6 من ابواب الحلق و التقصير، الحديث: 5.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 587)


و إن كانت الاعادة أحوط‍‌، بل الأحوط‍‌ اعادة السعي أيضا، و لا يترك الاحتياط‍‌ باعادة الطواف مع الامكان فيما إذا كان تذكره أو علمه بالحكم قبل خروجه من مكة (1).

أن يكون ناسيا – الحديث»1 و مثلها صحيحة جميل بن دراج2.

و أما في الجاهل، فان كان جهله مركبا فالظاهر انه ملحق بالناسي، اذا لا يرى العرف خصوصية للنسيان إلاّ من جهة أنه غير قابل للتكليف، و هذا الملاك موجود في الجاهل المركب أيضا، و مع هذا فالأحوط‍‌ و الأولى أن يعيد الطواف بعد أعمال منى، و أما اذا كان بسيطا فالظاهر أن حكمه حكم العالم و إن كان معذورا، باعتبار أن الاجزاء بحاجة الى دليل، و إلاّ فمقتضى القاعدة عدمه، و على هذا فلا بد من تقييد اطلاق صحيحة علي بن يقطين المتقدمة بغير صورتي النسيان و الجهل المركب.

(1)و الظاهر انه لا فرق فيه بين أن يكون تذكره بالحال و التفاته اليها قبل خروجه من مكه أو بعده، لا طلاق النص.


 

(1)) <page number=”587″ />الوسائل: الباب 2 من ابواب الحلق و التقصير، الحديث 2.
(2)) الوسائل: الباب 39 من ابواب الذبح، الحديث: 4.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 588)


[7، 8، 9 – طواف الحج و صلاته و السّعي]

7 – طواف الحج و صلاته و السّعي الواجب السابع و الثامن و التاسع من واجبات الحج: الطواف و صلاته و السعي، و كيفيتها و شرائطها هي نفس الكيفية و الشرائط‍‌ التي ذكرناها في طواف العمرة و صلاته و سعيها (1).

[مسألة 410: يجب تأخير الطواف عن الحلق أو التقصير في حج التمتع]

(مسألة 410): يجب تأخير الطواف عن الحلق أو التقصير في حج التمتع، فلو قدمه عالما عامدا وجبت إعادته بعد الحلق أو التقصير و لزمته كفارة شاة (2).

(1)باعتبار أن الطواف حقيقة واحدة، ابتداؤه من الحجر الاسود الموضوع في أحد أركان الكعبة الشريفة، بأن يكون الطائف محاذيا له، ثم يبدأ بالطواف، و الأولى أن يتأخر عنه قليلا، و يشرع في الطواف، لكي يكون متيقنا بأن جميع بدنه يمر على جميع الحجر ناويا أن يبدأ طوافه من النقطة التي تتحقق فيها المحاذاة بينه و بين الحجر، بدون فرق بين أن يكون في طواف العمرة أو طواف الحج إلاّ في النية، فعلى الأول ينوي الطواف حول البيت سبعة اشواط‍‌ لعمرة التمتع، و على الثاني ينوي الطواف حول البيت سبعة اشواط‍‌ لحج التمتع من حجة الإسلام، و إن كان نائبا ذكر اسم المنوب عنه، و إن كان الحج مستحبا اسقط‍‌ كلمة حجة الإسلام. و صلاة طواف الحج كصلاة طواف العمرة ركعتان مخير في قراءتها بين الجهر و الاخفات، و لا فرق بينهما إلاّ في النية، و كذلك الحال في السعي.

فالنتيجة ان ما هو معتبر في طواف العمرة و صلاته و السعي من الشروط‍‌ كما و كيفا معتبر في طواف الحج و صلاته و السعي.

(2)الأمر كما أفاده قدّس سرّه و قد تقدم وجهه آنفا.

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 589)


[مسألة 411: الأحوط‍‌ عدم تأخير طواف الحج عن اليوم الحادي عشر]

(مسألة 411): الأحوط‍‌ عدم تأخير طواف الحج عن اليوم الحادي عشر و ان كان جواز تأخيره إلى ما بعد أيام التشريق بل الى آخر ذي الحجة لا يخلو من قوة (1).

(1)هذا هو الصحيح، لأنه مقتضى الجمع العرفي بين الروايات، و هي على أصناف:

الصنف الأول: ما يدل على أنه يطوف يوم النحر، كصحيحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السّلام، قال: «سألته عن المتمتع متى يزور البيت‌؟ قال: يوم النحر»1.

الصنف الثاني: ما يدل على تأخيره الى ليلة الحادي عشر، و هو متمثل في روايتين: (إحداهما) صحيحة عمران الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: ينبغي للمتمتع أن يزور البيت يوم النحر، أو من ليلته، و لا يؤخر ذلك اليوم»2

و (الأخرى) صحيحة منصور بن حازم، قال: «سمعت ابا عبد اللّه عليه السّلام يقول: لا يبيت المتمتع يوم النحر بمنى حتى يزور البيت»3 فانهما تدلان على عدم جواز التأخير عن ليلة الحادي عشر.

الصنف الثالث: ما يدل على جواز التاخير الى اليوم الحادي عشر، كصحيحة معاوية بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «سألته عن المتمتع متى يزور البيت‌؟ قال: يوم النحر، أو من الغد، و لا يؤخر – الحديث»4 و قريب منها صحيحته الأخرى فانها ناصة في جواز التأخير الى اليوم الحادي عشر، و ظاهرة في المنع عن التأخير عنه.

الصنف الرابع: ما يدل على جواز التأخير الى آخر أيام التشريق، و هو متمثل في روايتين:

احداهما: صحيحة عبد اللّه بن سنان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: لا بأس


 

(1)) <page number=”589″ />الوسائل: الباب 1 من ابواب زيارة البيت، الحديث: 5.
(2)) الوسائل: الباب 1 من ابواب زيارة البيت، الحديث: 7.
(3)) الوسائل: الباب 1 من ابواب زيارة البيت، الحديث: 6.
(4)) الوسائل: الباب 1 من ابواب زيارة البيت، الحديث: 8.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 590)


……….

أن تؤخر زيارة البيت الى يوم النفر انما يستحب تعجيل ذلك مخافة الاحداث و المعاريض»1.

و الأخرى: موثقة اسحاق بن عمار، قال: «سألت ابا ابراهيم عليه السّلام عن زيارة البيت تؤخر الى اليوم الثالث‌؟ قال: تعجيلها أحب إلي، و ليس به بأس إن أخرها»2.

فانهما تنصان على جواز تأخير زيارة البيت الى آخر أيام التشريق.

الصنف الخامس: ما يدل على جواز تأخيرها الى آخر ذي الحجة، و هو متمثل في روايتين:

احداهما: صحيحة عبيد اللّه بن علي الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال:

«سألته عن رجل نسى أن يزور البيت حتى أصبح، قال: لا بأس، أنا ربما أخرته حتى تذهب أيام التشريق، و لكن لا تقرب النساء و الطيب»3.

و الأخرى: صحيحة هشام بن سالم عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: لا بأس إن أخرت زيارة البيت الى أن يذهب أيام التشريق، إلاّ انك لا تقرب النساء و لا الطيب»4.

فانهما تنصان على جواز تأخير زيارة البيت الى ما بعد أيام التشريق.

و على هذا فالصنف الخامس يتقدم على الصنف الرابع باعتبار أن الصنف الخامس ناص في جواز تأخير زيارة البيت عن أيام التشريق، و الصنف الرابع بما أنه يدل على عدم جواز تأخيرها عن أيام التشريق بالاطلاق الناشئ من السكوت في مقام البيان، فلا يصلح أن يعارض الصنف الخامس، بل لا بد من تقديمه عليه تطبيقا لحمل الظاهر على النص.


 

(1)) <page number=”590″ />الوسائل: الباب 1 من ابواب زيارة البيت، الحديث: 9.
(2)) الوسائل: الباب 1 من ابواب زيارة البيت، الحديث: 10.
(3)) الوسائل: الباب 1 من ابواب زيارة البيت، الحديث: 2.
(4)) الوسائل: الباب 1 من ابواب زيارة البيت، الحديث: 3.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 591)


[مسألة 412: لا يجوز في حج التمتع تقديم طواف الحج و صلاته و السعي على الوقوفين]

(مسألة 412): لا يجوز في حج التمتع تقديم طواف الحج و صلاته و السعي على الوقوفين (1)،

و أما الصنف الثالث فهو ناص في جواز تأخير زيارة البيت الى اليوم الحادي عشر، و ظاهر في المنع عن التأخير عنه، و أما الصنف الرابع فهو ناص في جواز التأخير الى آخر أيام التشريق، و هو اليوم الثالث عشر من ذي الحجة، و على هذا فالصنف الرابع يصلح أن يكون قرينة على رفع اليد عن ظهور الصنف الثالث في المنع عن التأخير عن اليوم الحادي عشر، و حمله على الكراهة تطبيقا لقاعدة حمل الظاهر على النص، و يجري هذا البيان بعينه بين الصنف الثالث و الصنف الثاني، كما أن الصنف الأول لا يصلح أن يعارض الصنف الثاني، باعتبار أنه يدل على عدم جواز التأخير بالاطلاق الناشئ من السكوت في مقام البيان.

فالنتيجة ان المتعين هو الأخذ بالصنف الخامس، و مقتضاه جواز تأخير زيارة البيت عن أيام التشريق، و مقتضى اطلاقه جوازه الى آخر ذي الحجة.

(1)الأمر كما افاده قدّس سرّه، بيان ذلك:

ان في المسألة طائفتين من الروايات: الطائفة الأولى تنص على الجواز، و الثانية على المنع.

أمّا الطائفة الأولى: فهي عدة روايات:

منها: صحيحة ابن بكير و جميل جميعا، عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «أنهما سألاه عن المتمتع يقدم طوافه و سعيه في الحج، فقال: هما سيان قدمت أو أخرت»1.

و منها: صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج، قال: «سألت ابا ابراهيم عليه السّلام عن الرجل يتمتع ثم يهل بالحج فيطوف بالبيت و يسعى بين الصفا و المروة


 

(1)) <page number=”591″ />الوسائل: الباب 13 من ابواب اقسام الحج، الحديث: 1.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 592)


……….

قبل خروجه الى منى، فقال: لا بأس»1.

و منها: صحيحة علي بن يقطين، قال: «سألت ابا الحسن عليه السّلام عن الرجل المتمتع يهل بالحج، ثم يطوف و يسعى بين الصفا و المروة قبل خروجه الى منى‌؟ قال: لا بأس به»2.

و منها: صحيحة حفص بن البختري عن ابي الحسن عليه السّلام: «في تعجيل الطواف قبل الخروج الى منى، فقال هما سواء أخّر ذلك أو قدمه يعني للمتمتع»3.

و أما الطائفة الثانية: فهي أيضا عدة روايات:

منها: صحيحة الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قال لا بأس بتعجيل الطواف للشيخ الكبير و المرأة تخاف الحيض قبل أن تخرج الى منى»4.

و منها: معتبرة اسماعيل بن عبد الخالق، قال: «سمعت ابا عبد اللّه عليه السّلام يقول: لا بأس أن يعجل الشيخ الكبير و المريض و المرأة و المعلول طواف الحج قبل أن يخرج الى منى»5.

و منها: موثقة اسحاق بن عمار قال: «سألت أبا الحسن عليه السّلام عن المتمتع اذا كان شيخا كبيرا او امرأة تخاف الحيض يعجل طواف الحج قبل أن يأتي منى‌؟ فقال: نعم من كان هكذا يعجل – الحديث»6.

ثم ان الطائفة الأولى ناصة في جواز تقديم المتمتع الطواف و السعي في الحج على الوقوف بالموقفين، و لكنها مطلقة من ناحية كون المتمتع شيخا كبيرا، أو امرأة تخاف الحيض، أو مريضا او معلولا أو خائفا أو غيرها، و اما الطائفة الثانية فحيث إن لسانها لسان الاستثناء و الحكومة فهي ظاهرة في استثناء هؤلاء


 

(1)) <page number=”592″ />الوسائل: الباب 13 من ابواب اقسام الحج، الحديث: 2.
(2)) الوسائل: الباب 13 من ابواب اقسام الحج، الحديث: 3.
(3)) الوسائل: الباب 64 من ابواب الطواف، الحديث: 3.
(4)) الوسائل: الباب 13 من ابواب اقسام الحج، الحديث: 4.
(5)) الوسائل: الباب 13 من ابواب اقسام الحج، الحديث: 6.
(6)) الوسائل: الباب 13 من ابواب اقسام الحج، الحديث: 7.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 593)


……….

عن الحكم الثابت في الشريعة المقدسة المفروغ عنه ثبوته فيها، و هو عدم جواز تقديم الطواف و السعي على الموقفين، و إلاّ لكان الاستثناء في هذه الطائفة لغوا، باعتبار أن المرتكز في الأذهان و المستفاد من الروايات بمختلف الألسنة في مختلف الأبواب تأخير الطواف و السعي عن الموقفين و أعمال منى، كرمي جمرة العقبة و الذبح و الحلق أو التقصير، و قد تقدم أنه ورد في بعض الروايات، اذا قدم الطواف على الحلق عامدا و ملتفتا الى أحكام التسلسل فعليه كفارة دم شاة و اعادة الطواف، و على هذا فيكون لسان هذه الطائفة لسان الحكومة و الامتنان، باعتبار أنها تدل على أن ترخيصهم في تقديم الطواف و السعي على الموقفين انما هو امتنان عليهم، و على هذا فدلالة هذه الطائفة على اختصاص الترخيص بهؤلاء و عدم ثبوته لغيرهم انما هي من جهة أنها بمدلولها ناظرة الى ثبوت الحكم لمطلق الحاج في الشريعة المقدسة، و خروج هؤلاء من ذلك الحكم المطلق انما يكون بلسان الاستثناء و النظر، فاذن ليست دلالتها على ذلك على أساس ظهور القيد في الاحتراز، و لا من جهة ظهور الوصف في المفهوم.

اما الأول، فلأن القيد و إن كان ظاهرا في الاحتراز عرفا، و حمله على التأكيد خلاف الظاهر، إلاّ أن ظهوره فيه معناه أن شخص الحكم المجعول في القضية انما هو مجعول لحصة خاصة من الموضوع، و هي الحصة المقيدة بهذا القيد لا للطبيعي، و من الواضح أن انتفاء القيد حينئذ في القضية انما يوجب انتفاء شخص الحكم فيها بانتفاء موضوعه، لا انتفاء طبيعته، و لا يدل عل انتفاء جعل فرد آخر من الحكم لحصة أخرى من الموضوع المماثل للفرد المجعول، فمن أجل ذلك لا يدل القيد على المفهوم بملاك ظهوره في الاحتراز.

و اما الثاني، فقد ذكرنا في علم الأصول أن الوصف و إن كان يدل على المفهوم بملاك اللغوية، إلاّ أن ذلك الملاك لا يقتضي اكثر من دلالته

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 594)


……….

على المفهوم في الجملة، أي بنحو السالبة الجزئية، لا بنحو السالبة الكلية، كما هو الحال في مفهوم الشرط‍‌، فاذن لا تدل هذه الطائفة على انتفاء الحكم بانتفاء الوصف عن تمام حالات الموضوع عند انتفاء الوصف عنه. و تفصيل ذلك في علم الأصول.

الى هنا قد وصلنا الى هذه النتيجة، و هي أنه لا شبهة في أن مدلول الطائفة الثانية اختصاص الترخيص في تقديم الطواف و السعي على الوقوفين و اعمال منى بهؤلاء الطوائف الخاصة، و عدم جوازه لغيرهم على أساس ظهورها في الاستثناء و الامتنان، و لكن مع ذلك لا يمكن تقييد اطلاق الطائفة الأولى بها.

أما أولا: فلما ذكرناه في علم الأصول من أن حمل الدليل المطلق على الدليل المقيد انما هو على أساس ظهور القيد فيه عرفا في التأسيس، و إلاّ فلا مبرر له، و على هذا فاذا كان الحكم في الدليل المطلق انحلاليا لم يكن الدليل المقيد ظاهرا في التأسيس، حيث يحتمل قويا أن يكون للتأكيد، على أساس أن المقيد يكون من أفضل الأفراد، فالنتيجة أنه لا ظهور لها في التأسيس حتى يكون قرينة على التقييد.

و ثانيا: ان ذلك يستلزم خروج أكثر افراد الحجاج من الطائفة الأولى، و تقييدها بالأفراد القليلة و هم هؤلاء الطوائف الخاصة، و هذا من تقييد المطلق بالفرد النادر، و هو ليس بعرفي.

و التحقيق في المقام أن يقال: ان للطائفة الثانية دلالتين:

إحداهما: دلالة ايجابيه، و هي دلالتها على أنه يجوز لهؤلاء الطوائف تقديم الطواف و السعي على الوقوف بالموقفين.

و الاخرى: دلالة سلبيه، و هي دلالتها على أنه لا يجوز ذلك لغيرهم، و على هذا فلا تكون هذه الطائفة منافية للطائفة الأولى في دلالتها

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 595)


……….

الايجابية، و انما هي منافية لها في دلالتها السلبية، فاذن تكون الطائفة الأولى ظاهرة في أن عنوان المتمتع دخيل بنحو تمام الموضوع في الحكم، و الطائفة الثانية ظاهرة بدلالتها السلبية في أن العناوين المأخوذة فيها دخيلة في الحكم، و ليست بأجنبية عنه، و الظهور الأول ظهور اطلاقي ناشئ من مقدمات الحكمة، و الظهور الثاني ظهور عرفي ناشئ من أخذ عنوان في موضوع الحكم، و اذا وقع التعارض بين الظهورين قدم الثاني على الأول، لأن رفع اليد عن اطلاق موضوعية عنوان للحكم أخف مؤنة بنظر العرف من الغاء العنوان المأخوذ في موضوع الحكم رأسا، و ما نحن فيه داخل في هذه الكبرى، فانا لو قدمنا الطائفة الأولى على الطائفة الثانية لزم من ذلك الغاء العناوين المأخوذة في موضوع الحكم عن الموضوعية رأسا، و أما اذا قدمنا الطائفة الثانية على الأولى لزم من ذلك رفع اليد عن اطلاق موضوعية عنوان للحكم و تقييده بقيد خاص، و من الواضح ان تقديم الطائفة الثانية على الأولى تطبيقا لقاعدة حمل الظاهر على الأظهر عرفا متعين حينئذ.

و بكلمة: ان الأمر في المقام يدور بين تقييد عنوان المتمتع في الطائفة الأولى المأخوذ في موضوع الحكم، و هو جواز تقديم طواف الحج و سعيه على الموقفين بما اذا كان شيخا كبيرا أو امرأة تخاف من الحيض أو مريضا أو معلولا أو خائفا، و بين الغاء هذه العناوين عن الموضوعية للحكم نهائيا، و الأخذ باطلاق عنوان المتمتع، بدون فرق بين كونه معنونا بأحد هذه العناوين أو لا، و في مثل ذلك لا شبهة في أن المتعين بنظر العرف تعين التقييد دون الالغاء، لأنه بحاجة الى مؤنة زائدة.

فالنتيجة ان ما هو المشهور بين الأصحاب من عدم جواز تقديم الطواف و السعي على الموقفين في حج التمتع من حجة الإسلام إلاّ اذا كان شيخا كبيرا أو

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 596)


و يستثنى من ذلك الشيخ الكبير و المرأة التي تخاف الحيض و المريض فيجوز لهم تقديم الطواف و صلاته على الوقوفين و لكن عليهم أن يحرموا للحج ثمّ‌ يطوفون (1) و الاتيان بالسعي في وقته (2)، و الأحوط‍‌ تقديم السعي أيضا و إعادته في وقته و الأولى اعادة الطواف و الصلاة أيضا مع التمكن في أيام التشريق أو بعدها الى آخر ذي الحجة.

مريضا أو خائفا أو معلولا أو امرأة تخاف من الحيض هو الأظهر.

(1)تدل عليه الروايات المتقدمة، على أساس أن تلك الروايات انما هي في مقام بيان تقديم بعض مناسك الحج الذي كان موضعه من الناحية التسلسلية متأخرا عن بعضها الآخر الذي كان موضعه من هذه الناحية متقدما، و من الواضح ان الاتيان بأجزاء الحج و واجباته سواء أ كان في مواضعها من ناحية التسلسل أم كان بتقديم بعضها و تأخير الآخر من هذه الناحية، فلا بد أن يكون بعد الإحرام له، لأن نسبته اليه كنسبة تكبيرة الإحرام الى الصلاة، فكما أن الصلاة تفتتح بها فكذلك الحج يفتتح به، فلو أتى بجزء من اجزائه قبل احرامه فهو ليس جزءا له، و لو قصد كونه جزءا له كان تشريعا، كما أنه لو أتى بجزء من الصلاة قبل تكبيرة الإحرام فهو ليس بجزء لها، و لو أتى باسم الجزء كان تشريعا، هذا. اضافة الى أن صحيحتي عبد الرحمن بن الحجاج و علي بن يقطين تكفيان في المقام.

و بكلمة: ان طواف الحج و صلاته و السعي بين الصفا و المروة بما أنها من واجبات الحج، فلا بد أن تكون مسبوقة بالاحرام كسائر واجباته، و إلاّ لم تكن من واجباته، و هذا خلف، غاية الأمر أن الواجب على من يجوز له تقديم هذه الواجبات على الوقوف بالموقفين الجامع بينها قبل الموقفين و بعدهما، و على من لا يجوز له هذا التقديم حصة خاصة منها و هي الحصة بعد الموقفين.

(2)فيه اشكال، بل منع، لما ذكرناه من أن مقتضى الجمع العرفي بين الطائفتين من الروايات هو تقديم الطائفة الثانية على الطائفة الأولى، و نتيجة ذلك

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 597)


……….

هي رفع اليد عن اطلاق الطائفة الأولى، و تقييد موضوعها و هو عنوان المتمتع بالعناوين المأخوذة في موضوع الطائفة الثانية، و حيث إن الطائفة الأولى تدل على تقديم الطواف و السعي معا على الوقوفين، و الطائفة الثانية تدل على تقديم الطواف فقط‍‌، و ساكتة عن السعي نفيا و اثباتا، فهي تتقدم عليها من هذه الناحية، لأنها ناصة بجواز تقديم السعي كالطواف على الوقوفين، و هذه ساكتة عن تقديم السعي.

فالنتيجة أنه يجوز للمتمتع اذا كان شيخا كبيرا أو مريضا أو خائفا أو معلولا أو امرأة تخاف من الحيض أن يقدم الطواف و السعي معا على الموقفين، و قد تقدم في باب السعي أنه لا يجوز تأخيره عن الطواف الى الغد، فمن أجل ذلك اذا جاز تقديم الطواف كما في المرأة التي تخاف من الحيض جاز لها تقديم السعي أيضا، فاذا قدمت الطواف فعليها تقديم السعي، لأن تأخيره عامدا و عالما عن الطواف غير جائز، و لا سيما الى ما بعد أعمال منى.

بقي هنا شيء هو أنه قد تسأل عن ان المراد من المرأة التي تخاف من الحيض ما هو؟

و الجواب: ان المراد منها خوفها من حدوث الحيض في وقت يمنعها من الطواف بعد اعمال منى و مناسكها سواء أ كان حدوثه قبل يوم النحر أو فيه، أم كان بعده خلال أيام التشريق شريطة أن تعلم المرأة من حالها أنها لا تتمكن من الطواف يوم النحر، و أما إذا علمت بتمكنها منه في ذلك اليوم و تعلم أنها لا تحيض فيه فلا يجوز لها التقديم، فالمعيار انما هو بخوف المرأة من حدوث الحيض المانع من الطواف و عدم صبر القافلة الى أن تطهر، و أما اذا علمت بأن القافلة تبقى الى زمان انقطاع الدم عنها و الاغتسال عن الحيض و الطواف حول البيت و صلاته و السعي بين الصفا و المروة، فلا يجوز لها حينئذ التقديم، كذلك

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 598)


[مسألة 413: يجوز للخائف على نفسه من دخول مكة أن يقدم الطواف و صلاته و السعي على الوقوفين]

(مسألة 413): يجوز للخائف على نفسه من دخول مكة أن يقدم الطواف و صلاته و السعي على الوقوفين بل لا بأس بتقديمه طواف النساء أيضا (1) فيمضي بعد أعمال منى الى حيث أراد.

اذا كان لها مقام في مكة الى آخر ذي الحجة، بناء على ما هو الصحيح من أن وقت الطواف و صلاته و السعي يمتد الى آخر ذي الحجة.

و بكلمة ان مناسبة الحكم و الموضوع الارتكازية تقتضي أن المناط‍‌ انما هو بخوف المرأة من الحيض المانع من طوافها حول البيت مباشرة لسبب من الأسباب، إما لعدم توقف القافلة و صبرها، أو لسبب آخر، و أما اذا تمكنت منه كذلك و لو في آخر ذي الحجة فالظاهر عدم جواز التقديم.

و أما طواف النساء الذي هو واجب مستقل، و ليس من واجبات الحج، و موضعه من الناحية التسلسلية بعد طواف الحج و السعي و ليس له موضع محدد من الناحية الزمانية، فلهذا يجوز الاتيان به طول السنة، فهل يجوز للشيخ الكبير أو المريض أو المرأة التي تخاف من الحيض أو الخائف تقديمه على الموقفين‌؟ الظاهر أنه يجوز، و تدل على ذلك صحيحة علي بن يقطين، قال:

«سمعت ابا الحسن الأول عليه السّلام يقول: لا بأس بتعجيل طواف الحج و طواف النساء قبل الحج يوم التروية قبل خروجه الى منى، و كذلك من خاف أمرا لا يتهيأ له الانصراف الى مكة أن يطوف و يودع البيت، ثم يمر كما هو من منى اذا كان خائفا»1 بتقريب أن قياس الخائف بغيره في جواز التقديم قرينة على أنه يجوز ذلك لكل معذور، سواء أ كان شيخا أو مريضا أو معلولا أو امرأة تخاف الحيض أو غير ذلك. و سيأتي تفصيله في طواف النساء بعونه تعالى.

(1)تقدم حكم هذه المسألة بتمام تفاصيلها آنفا.


 

(1)) <page number=”598″ />الوسائل: الباب 64 من ابواب الطواف، الحديث: 1.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 599)


[مسألة 414: من طرأ عليه العذر فلم يتمكن من الطواف]

(مسألة 414): من طرأ عليه العذر فلم يتمكن من الطواف كالمرأة التي رأت الحيض أو النفاس و لم يتيسر لها المكث في مكة لتطوف بعد طهرها لزمته الاستنابة للطواف (1) ثم السعي بنفسه بعد طواف النائب.

[مسألة 415: إذا طاف المتمتع و صلّى و سعى حل له الطيب و بقي عليه من المحرمات النساء]

(مسألة 415): إذا طاف المتمتع و صلّى و سعى حل له الطيب و بقي عليه من المحرمات النساء بل الصيد أيضا على الأحوط‍‌ (2).

(1)لأن الواجب على الحاج أن يطوف أولا بنفسه و مباشرة و إن لم يتمكن من ذلك يطوف بالاستعانة بالغير و لو محمولا، و إلاّ فيستنيب من يطوف عنه، و المرأة الحائض بما أنها لا تتمكن من الطواف في المرتبة الأولى، و لا في المرتبة الثانية، فيجب عليها الاستنابة فيه.

(2)بل على الأظهر، لما تقدم من أن الصيد الاحرامي يظل محرما الى الزوال من اليوم الثالث عشر و إن طاف طواف الحج و سعى بين الصفا و المروة، بل طواف النساء أيضا.

و قد تسأل عن ان الطيب هل يحل له بطواف الحج و صلاته فحسب، فاذا أتى بهما حلّ‌ له، أو يتوقف على ضم السعي بين الصفا و المروة أيضا.

و الجواب: انه يتوقف على ذلك أيضا، و تنص على ذلك صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام «قال: اذا ذبح الرجل و حلق فقد أحل من كل شيء احرم منه إلاّ النساء و الطيب، فاذا زار البيت و طاف و سعى بين الصفا و المروة فقد أحل من كل شيء احرم منه إلاّ النساء، و اذا طاف طواف النساء فقد أحل من كل شيء أحرم منه إلاّ الصيد»1 بتقريب أنها ناصة في أن حلية الطيب مترتبة على الطواف و السعي معا. ثم إن المراد من الطواف في الرواية هو مع صلاته، لأنه المتبادر منه، هذا. اضافة الى أن عدم جواز تقديم السعي على صلاته قرينة على أنه صلّى صلاته ثم سعى.


 

(1)) <page number=”599″ />الوسائل: الباب 13 من ابواب الحلق و التقصير، الحديث: 1.

 

تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 600)


و الظاهر جواز العقد له بعد طوافه و سعيه و لكن لا يجوز له شيء من الاستمتاعات المتقدمة على الأحوط‍‌ و ان كان الأظهر اختصاص التحريم بالجماع (1).

و قد تسأل عن ان استثناء النساء في هذه الصحيحة و غيرها هل يراد منه استثناء جميع ألوان الاستمتاع، نظرا و لمسا و تقبيلا و جماعا و غير ذلك، أو خصوص الجماع‌؟

قد يقال بالأول، و لكن لا يبعد الثاني بمناسبة الحكم و الموضوع الارتكازية، باعتبار أنه الأثر البارز و المطلوب من النساء، هذا. اضافة الى أن صحيحة الفضلاء الآتية قرينة على ذلك، حيث خص فيها الحلية المترتبة على طواف النساء بخصوص فراش زوجها، و هو كناية عن خصوص لون الاستمتاع بها جماعا، و لا يشمل سائر ألوان الاستمتاع بها.

و أما استثناء الصيد الظاهر في الاستثناء الحقيقي، و هو الاستثناء المتصل، فانما هو من أجل ما عرفت من أن حليته لا تتوقف على الطواف حتى طواف النساء، بل هي متوقفة على زوال الشمس من اليوم الثالث عشر، فاذا زال حل له الصيد من ناحية الإحرام و إن بقت حرمته من ناحية الحرم ما دام فيه.

(1)تنص على ذلك صحيحة الفضلاء عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: المرأة المتمتعة اذا اقدمت مكة ثم حاضت تقيم ما بينها و بين التروية، فان طهرت طافت بالبيت وسعت بين الصفا و المروة، و إن لم تطهر الى يوم التروية اغتسلت و احتشت، ثم سعت بين الصفا و المروة، ثم خرجت الى منى، فاذا قضت المناسك و زارت بالبيت طافت بالبيت طوافا لعمرتها، ثم طافت طوافا للحج، ثم خرجت فسعت، فاذا فعلت ذلك فقد أحلت من كل شيء يحل منه المحرم إلاّ فراش زوجها، فاذا طافت طوافا آخر حل لها فراش زوجها»1 بتقريب أن


 

(1)) <page number=”600″ />الوسائل: الباب 84 من ابواب الطواف، الحديث: 1.

 

Pages: 1 2 3 4 5 6 7
Pages ( 6 of 7 ): «1 ... 5 6 7»