تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 601)
[مسألة 416: من كان يجوز له تقديم الطواف و السعي إذا قدمهما على الوقوفين لا يحل له الطيب]
(مسألة 416): من كان يجوز له تقديم الطواف و السعي إذا قدمهما على الوقوفين لا يحل له الطيب حتى يأتي بمناسك منى من الرمي و الذبح و الحلق أو التقصير (1).
الظاهر من حلية فراش زوجها حلية الجماع بها، فانه كناية عنه، و لا يشمل سائر ألوان الاستمتاعات الجنسية فضلا عن مثل العقد و الاشهاد.
نعم قد ورد في صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث، قال: «سألته عن رجل قبّل امرأته و قد طاف طواف النساء و لم تطف هي؟ قال:
عليه دم يهريقه من عنده»1 ان الرجل المحل اذا قبّل امرأته المحرمة التي لم تحل لها الرجل فعليه كفارة دم، و لا مانع من الالتزام بها في موردها شريطة أن يكون التقبيل بشهوة كما هو ظاهر الحال بمناسبة الحكم و الموضوع الارتكازية.
فالنتيجة في نهاية المطاف ان من طاف طواف الحج و لم يطف طواف النساء فقد أحل له كل شيء ما عدا النساء، و اذا طاف طواف النساء فقد أحل له النساء أيضا، نعم اذا قبّل امرأته بعد طواف النساء و هي لم تطف فعليه كفارة دم شريطة أن يكون بشهوة بمقتضى صحيحة معاوية، و لكن لا بد من الاقتصار على موردها، و لا يمكن التعدي عنه الى سائر الموارد.
(1)هذا هو الظاهر، لأن المستفاد من الروايات أن حلية الطيب مترتبة على مناسك الحج من الطواف و صلاته و السعي بعد مناسك منى كرمي جمرة العقبة و الذبح أو النحر و الحلق أو التقصير حسب مواضعها التسلسلية، و لا تترتب على تلك المناسك اذا قدمت على الموقفين و اعمال منى لعذر، لأن الروايات التي تنص على ترتب حلية الطيب عليها لا تشمل هذه الصورة، حيث إن موردها ما اذا كان الطواف و صلاته و السعي بعد مناسك منى.
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 602)
[10، 11 – طواف النساء و صلاته]
طواف النساء الواجب العاشر و الحادي عشر من واجبات الحج طواف النساء و صلاته (1)، و هما و إن كانا من الواجبات إلا أنهما ليسا من نسك الحج، فتركهما و لو عمدا لا يوجب فساد الحج.
(1)فيه ان طواف النساء ليس من واجبات الحج و اجزائه، بل هو واجب مستقل و كذلك صلاته و أثره حلية النساء، و من هنا لو ترك عامدا و ملتفتا الى الحكم الشرعي لم يضر بالحج، و لكن لا تحل له النساء، و تدل عليه مجموعة من الروايات:
منها: موثقة اسحاق بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: لو لا ما منّ اللّه عز و جل على الناس من طواف النساء لرجع الرجل الى أهله ليس يحل له أهله»1
بتقريب أنها ظاهرة في عدم ترتب بطلان الحج على ترك طواف النساء و إن كان عامدا و ملتفتا الى الحكم الشرعي و انما يترتب عليه عدم حلية الاستمتاع بها جماعا.
و منها: صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: انما نسك الذي يقرن بين الصفا و المروة مثل نسك المفرد ليس بأفضل منه إلاّ بسياق الهدي، و عليه طواف بالبيت و صلاة ركعتين خلف المقام و سعي واحد بين الصفا و المروة و طواف بالبيت بعد الحج – الحديث»2 فان قوله عليه السّلام: «طواف بالبيت بعد الحج» يدل على أنه واجب مستقل، و ليس من واجبات الحج، و إلاّ فلا يكون واجبا
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 603)
[مسألة 417: كما يجب طواف النساء على الرجال يجب على النساء]
(مسألة 417): كما يجب طواف النساء على الرجال يجب على النساء (1)،
بعد الحج، و مثلها صحيحة معاوية بن عمار.
(1)تدل عليه النصوص الخاصة مضافا الى الروايات المطلقة.
منها: صحيحة الفضلاء المتقدمة في المسألة (415).
و منها: صحيحة علي بن يقطين قال: «سألت ابا الحسن عليه السّلام عن الخصيان و المرأة الكبيرة أ عليهم طواف النساء؟ قال: نعم عليهم الطواف كلهم»1.
و منها: موثقة اسحاق بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: لو لا ما منّ اللّه به على الناس من طواف الوداع لرجعوا الى منازلهم، و لا ينبغي لهم أن يمسوا نساءهم، يعني لا تحل لهم النساء حتى يرجع فيطوف بالبيت اسبوعا آخر بعد ما يسعى بين الصفا و المروة، و ذلك على الرجال و النساء واجب»2.
و قد تتساءل أن الاستمتاعات الجنسية هل تحرم بالإحرام على الصبي المميز؟
و الجواب: انها لا تحرم عليه، لأن حرمتها عليه لما كانت تكليفية فهي مرفوعة عنه شرعا. نعم لا فرق بين البالغ و الصبي في الأحكام الوضعية المترتبة على احرام المحرم، كبطلان عقده النكاح أو نحوه، باعتبار أن البلوغ لا يكون شرطا في ترتبها عليه، و على هذا فيبطل نكاح الصبي المميز في حال إحرامه، كما يبطل عقد نكاح البالغ في هذا الحال.
و قد يقال: ان الاستمتاعات الجنسية و إن لم تكن محرمة عليه فعلا، و لا أثر لترك طواف النساء بالنسبة اليه، إلاّ أنه يؤثر في حرمتها عليه بعد البلوغ.
و الجواب: انه لا أثر له بعد البلوغ أيضا، لأن حرمتها عليه بحاجة الى دليل،
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 604)
فلو تركه الرجل حرمت عليه النساء، و لو تركته المرأة حرم عليها الرجال و النائب في الحج عن الغير يأتي بطواف النساء عن المنوب عنه لا عن نفسه (1).
[مسألة 418: طواف النساء و صلاته كطواف الحج و صلاته في الكيفية و الشرائط]
(مسألة 418): طواف النساء و صلاته كطواف الحج و صلاته في الكيفية و الشرائط (2).
[مسألة 419: من لم يتمكن من طواف النساء باستقلاله لمرض أو غيره استعان بغيره فيطوف]
(مسألة 419): من لم يتمكن من طواف النساء باستقلاله لمرض أو غيره استعان بغيره فيطوف و لو بأن يحمل على متن حيوان أو انسان، و إذا لم يتمكن منه أيضا لزمته الاستنابة عنه، و يجري هذا في صلاة الطواف أيضا (3).
و لا دليل عليه، و الروايات التي تنص على أن من طاف طواف النساء فقد حلّت له النساء و إلاّ فلا، لا تشمل طواف النساء للصبي، و لا يوجد دليل آخر يدل على أن النساء تحرم عليه بعد البلوغ اذا كان تاركا للطواف قبل البلوغ.
(1)هذا واضح، لأن النائب مكلف بالاتيان بالعمل الواجب على المنوب عنه سواء أ كان حيا أم كان ميتا، و المفروض ان طواف النساء واجب على المنوب عنه كالحج، فكما أنه يأتي بالحج نيابة عنه، فكذلك يأتي بطواف النساء كذلك.
(2)لأن الروايات التي تنص على شروط الطواف، و ماله من الكمية و الكيفية الخاصة تشمل طواف النساء أيضا لأن العرف لا يرى خصوصية لطواف الزيارة و صلاته.
(3)تقدم أنه لا يجوز الانتقال من المرتبة الأولى الى المرتبة الأخرى إلاّ بتعذر الأولى، سواء أ كان في الطواف أم صلاته، هذا من ناحية.
و من ناحية أخرى قد ذكرنا سابقا ان طواف النساء بما أنه واجب مستقل و ليس من واجبات الحج، فلا يكون موقتا بوقت خاص، و حينئذ فيجوز تأخيره
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 605)
[مسألة 420: من ترك طواف النساء سواء أ كان متعمدا مع العلم بالحكم، أو الجهل به أو كان نسيانا]
(مسألة 420): من ترك طواف النساء سواء أ كان متعمدا مع العلم بالحكم، أو الجهل به أو كان نسيانا حرمت عليه النساء إلى أن يتداركه (1)، و مع تعذر المباشرة أو تعسرها جاز له الاستنابة (2)
الى ما بعد انتهاء شهر ذي الحجة، و على هذا فاذا كان الحاج متمكنا من الاتيان بطواف النساء مباشرة و لو بعد شهر ذي الحجة لم يجز له أن يطوف بالاستعانة بالغير، و لا بالاستنابة ان لم يمكن الاول.
و من هنا يظهر أن ما ذكره المحقق النائيني قدّس سرّه من أنه لا يجوز تأخيره عن شهر ذي الحجة تكليفا، و اذا أخره اعتبر آثما، لا يمكن المساعدة عليه، اذ لا دليل على التفصيل فيه بين الحكم التكليفي و الحكم الوضعي، فانه إن كان من واجبات الحج لم يجز تأخيره عن ذي الحجة لا تكليفا و لا وضعا و إن كان واجبا مستقلا كما هو الصحيح جاز تأخيره، حيث انه حينئذ لا يكون موقتا بوقت خاص.
(1)هذا يعني أن حرمة النساء تظل باقية ما لم يأت الحاج بطوافها، فاذا أتى به حلّت له، و لا فرق في ذلك بين أن يكون تركه عامدا و عالما، أو جاهلا أو ناسيا، لإطلاق الدليل.
(2)لا اشكال في وجوب الاستنابة عند تعذر المباشرة به، و انما الكلام في جوازها مع التمكن منها. مقتضى القاعدة عدم الجواز، لأن المكلف ما دام متمكنا من العمل بوظيفته مباشرة، فلا تصل النوبة الى الاستنابة.
و أما النصوص فهي مختلفة، و مقتضى الجمع العرفي بينها عدم جواز الاستنابة مع التمكن منه مباشرة.
منها: صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «سألته عن رجل نسى طواف النساء حتى يرجع الى أهله، قال: لا تحل له النساء حتى يزور البيت
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 606)
……….
-الحديث»1 فانها ظاهرة في وجوبه عليه مباشرة، و مقتضى اطلاقها الناشئ من السكوت في مقام البيان عدم جواز الاستنابة فيه حتى اذا لم يكن متمكنا من الاتيان به بنفسه و مباشرة.
و منها: صحيحته الاخرى، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل نسى طواف النساء حتى يرجع الى أهله، قال: يرسل فيطاف عنه، فان توفي قبل أن يطاف عنه فليطف عنه وليه»2 فانها ظاهرة في جواز الاستنابة فيه حتى إذا كان متمكنا من الاتيان به بنفسه، اذ لا يحتمل أن يكون الواجب عليه الاستنابة تعيينا و عدم كفاية الاتيان به بنحو المباشرة، فاذن تقع المعارضة بينهما، فان الرواية الأولى ظاهرة في وجوب القيام بالطواف مباشرة، و عدم مشروعية الاستنابة فيه حتى في صورة عجزه عنه، و الرواية الثانية ظاهرة في جواز الاستنابة فيه و إن كان متمكنا منه مباشرة، فاذن تسقطان معا من جهة المعارضة، و المرجع أصالة عدم مشروعية الاستنابة، نعم هنا رواية ثالثة لمعاوية عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في رجل نسي طواف النساء حتى أتى الكوفة قال: لا تحل له النساء حتى يطوف بالبيت، قلت: فان لم يقدر، قال: يأمر من يطوف عنه»3 تحكم على كلتا الروايتين، فانها تقيد اطلاق الرواية الأولى بما اذا تمكن من المباشرة، و تقيد اطلاق الرواية الثانية بما اذا لم يتمكن من المباشرة، و إلاّ وجب عليه أن يقوم به كذلك.
فالنتيجة أن من ترك طواف النساء و رجع الى بلده فإن تمكن من الرجوع الى مكة و القيام به مباشرة وجب، و إلاّ فيستنيب.
ثم ان مورد هذه الروايات و إن كان الناسي، إلاّ أن العرف لا يفهم منه خصوصية، حيث ان المعيار الكلي بنظرهم انما هو بترك الحاج طواف النساء راجعا الى بلده، سواء أ كان ناسيا له أم جاهلا، بل عامدا و ملتفتا، فان وظيفته
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 607)
فاذا طاف النائب عنه حلت له النساء، فاذا مات قبل تداركه فالأحوط أن يقضى من تركته (1).
حينئذ الاتيان به مباشرة إن كان متمكنا منه كذلك، و إلاّ فالاستنابة بدون فرق في ذلك بين أن يكون تاركا له عامدا و ملتفتا الى الحكم الشرعي، أو جاهلا أو ناسيا.
فالنتيجة ان العرف لا يرى موضوعية للناسي بحيث لا تكون النيابة مشروعة لمن يكون تاركا له عامدا – كما قيل -، هذا. اضافة الى أن الروايات التي تنص على مشروعية النيابة في الطواف عند العجز عنه لا تقصر عن الدلالة على مشروعيتها في المقام، اذ لا يحتمل أن يكون للعجز عنه في خصوص مكة موضوعية.
(1)في وجوب القضاء على الولي اشكال، بل منع، و على تقدير وجوبه فلا يخرج من صلب تركته، فههنا مسألتان: الأولى في أصل وجوب القضاء على الولي. الثانية في خروجه من أصل التركة.
اما الكلام في المسألة الأولى، فقد ذهب جماعة الى وجوبه على الولي، و قد استدل على ذلك بقوله عليه السّلام في صحيحة معاوية بن عمار: «فان توفى قبل أن يطاف عنه فليطف عنه وليه»1 و مثلها صحيحته الأخرى2 ، بتقريب أنه ظاهر في وجوبه على الولي.
و في مقابلها روايتان:
احداهما: صحيحة معاوية بن عمار، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل نسي طواف النساء حتى دخل أهله، قال: لا تحل له النساء حتى يزور البيت، و قال: يأمر من يقضي عنه ان لم يحج، فان توفي قبل أن يطاف عنه فليقض عنه وليه أو غيره»3.
و الاخرى: صحيحته الاخرى عن ابي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «سألته عن رجل
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 608)
[مسألة 421: لا يجوز تقديم طواف النساء على السعي]
(مسألة 421): لا يجوز تقديم طواف النساء على السعي، فان قدمه فإن كان عن علم و عمد لزمته اعادته بعد السعي، و كذلك إن كان عن جهل أو نسيان على الأحوط (1).
نسي طواف النساء حتّى يرجع إلى أهله؟ قال: لا تحل له النساء حتى يزور البيت، فإن هو مات فليقض عنه وليّه أو غيره – الحديث»1.
فانهما ظاهرتان في وجوب قضاء طواف النساء عن الميت على الولي، أو على غيره. و لكن من الواضح أنه لا يمكن الالتزام بوجوب قضائه على غيره، ضرورة أن ذلك مبني على أن يكون وجوبه كفائيا، و لا دليل عليه، بل هو مقطوع العدم، و على ذلك فلا بد من حمل الأمر بالقضاء فيهما على أنه ارشاد الى اشتغال ذمة الميت به، و عندئذ فيستحب للولي أن يقضى عنه أو يستنيب غيره من ثلثه اذا أوصى به، نعم اذا أوصى بالقضاء عنه وجب من الثلث لا من الأصل.
فالنتيجة أن هاتين الروايتين قرينة على رفع اليد عن ظهور الرواية الأولى في وجوب قضائه على الولي تطبيقا لحمل الظاهر على النص.
و أما الكلام في المسألة الثانية، فقد ذكرنا في غير مورد أن ما يخرج من أصل التركة هو الدين المالي سواء أ كان عرفيا أم شرعيا، كما اذا كان مديونا بالخمس أو الزكاة، و لا دليل على أن كل واجب مالي يخرج من الأصل ما عدا الحج، و طواف النساء و إن كان واجبا إلاّ أنه لا دليل على إخراجه من أصل التركة.
(1)بل على الأظهر، لما مر من أن موضع طواف النساء من الناحية التسلسلية بعد اعمال الحج، كما نصت عليه عدة روايات، و قد تقدمت جملة منها، و على هذا فاذا أتى به اثناء أعمال الحج فقد أتى به في غير موضعه شرعا، و مقتضى القاعدة بطلانه، لعدم انطباق طواف النساء المأمور به عليه، فاذن الصحة بحاجة الى دليل، و قد استدل عليها بطائفتين من الروايات:
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 609)
……….
الطائفة الأولى متمثلة في موثقة سماعة بن مهران عن أبي الحسن الماضي عليه السّلام، قال: «سألته عن رجل طاف طواف الحج و طواف النساء قبل أن يسعى بين الصفا و المروة، قال: لا يضره يطوف بين الصفا و المروة و قد فرغ من حجه»1. و هذه الطائفة تدل على صحة طواف النساء قبل السعي و مقتضى اطلاقها أنه صحيح حتى اذا كان عامدا و عالما بالحال.
و الجواب: انها لا تدل على صحة طواف النساء، فانها انما تكون في مقام بيان أن الفصل بين طواف الحج و السعي بين الصفا و المروة بطواف النساء لا يضر، و اما ان طواف النساء صحيح أو غير صحيح، فهي غير ناظرة اليه أصلا، فاذن يكون المرجع فيه اطلاقات الروايات المتقدمة التي تنص على أن موضع طواف النساء بعد الحج، و مقتضاها أنه لما كان في غير موضعه لم يكن مصداقا للطواف المأمور به، فاذن اجزاؤه عنه بحاجة الى دليل.
الطائفة الثانية متمثلة في صحيحتي جميل و محمد بن حمران المتقدمتين اللتين تدلان على قاعدة كلية و هي صحة ما ينبغي تقديمه اذا أخر، و ما ينبغي تأخيره اذا قدم، و هذه القاعدة تنطبق على طواف النساء أيضا، فان موضعه شرعا و إن كان بعد مناسك الحج، و لكن اذا قدمه الحاج و أتى به اثناء المناسك صح تطبيقا لهذه القاعدة.
و الجواب: ان مورد تلك القاعدة مناسك الحج و واجباته في منى، و طواف النساء بما أنه واجب مستقل بعد الفراغ من الحج، و ليس من اجزائه، فلا يكون مشمولا لها، و لا يمكن التعدي عن موردها اليه، لأن الحكم فيه لما كان على خلاف القاعدة، فلا بد من الاقتصار عليه، أو فقل ان تلك القاعدة مختصة باعمال
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 610)
[مسألة 422: من قدم طواف النساء على الوقوفين لعذر لم تحل له النساء حتى يأتي بمناسك منى]
(مسألة 422): من قدم طواف النساء على الوقوفين لعذر لم تحل له النساء حتى يأتي بمناسك منى (1) من الرمي و الذبح و الحلق.
[مسألة 423: إذا حاضت المرأة و لم تنتظر القافلة طهرها]
(مسألة 423): إذا حاضت المرأة و لم تنتظر القافلة طهرها، جاز لها ترك طواف النساء و الخروج مع القافلة (2)،
الحج في منى فقط، و لا تشمل الطواف أيضا إلاّ فيما اذا كان تقديم الطواف في حال النسيان أو الجهل المركب كما تقدم سابقا في المسألة (350).
فالنتيجة أن الأظهر بطلان طواف النساء اذا قدم على السعي، سواء أ كان ذلك عامدا و ملتفتا، أم كان ناسيا أو جاهلا بالحكم.
(1)لأن النساء انما حرمت عليه بسبب احرامه، فاذا أحرم للحج حرمت عليه اشياء معينة منها النساء، و تدل عليه مجموعة من الروايات المتقدمة، و حاصلها: ان الحاج اذا رمى جمرة العقبة و ذبح أو نحر ثم حلق أو قصر فأحل من كل شيء احرم منه إلاّ الطيب و النساء و الصيد، و اذا زار البيت و طاف حوله و صلّى ركعتيه و سعى بين الصفا و المروة حل له الطيب، و اذا طاف طواف النساء حل له ما كان قد حرم عليه من النساء جماعا، و المستفاد من تلك الروايات أن طواف النساء انما يؤثر في حلية استمتاع المرأة جماعا اذا كان بعد الفراغ من أعمال الحج و خروج الحاج عن الاحرام، و أما اذا قدم طواف النساء على اعمال الحج، أو جاء به في اثنائها فلا أثر له فعلا.
أما اولا: فلأن هذا الفرض خارج عن مورد الروايات.
و ثانيا: انه لا موضوع لأثره فعلا، فان الحاج بعد في الإحرام، و لا يمكن أن يحل له في هذه الحالة استمتاع المرأة جماعا، أو جميع ألوان استمتاعها بطواف النساء. نعم كان له أثر تعليقي، فاذا فرغ من اعمال الحج حلت له النساء بلا حاجة الى طواف آخر باسم طواف النساء.
(2)تدل عليه صحيحة ابي أيوب ابراهيم بن عثمان الخزاز، قال: «كنت
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 611)
و الأحوط حينئذ أن تستنيب لطوافها و لصلاته (1)، و إذا كان حيضها بعد تجاوز النصف من طواف النساء جاز لها ترك الباقي و الخروج مع القافلة (2)، و الأحوط الاستنابة لبقية الطواف و لصلاته.
[مسألة 424: نسيان الصلاة في طواف النساء كنسيان الصلاة في طواف الحج]
(مسألة 424): نسيان الصلاة في طواف النساء كنسيان الصلاة في طواف الحج و قد تقدم حكمه في المسألة (329).
[مسألة 425: إذا طاف المتمتع طواف النساء و صلّى صلاته حلت له النساء]
(مسألة 425): إذا طاف المتمتع طواف النساء و صلّى صلاته حلت له النساء، و إذا طافت المرأة و صلت صلاته حل لها الرجل، فتبقى حرمة الصيد الى الظهر من اليوم الثالث عشر على الأحوط (3)، و أما قلع الشجر و ما ينبت في الحرم و كذلك الصيد في الحرم أن حرمتهما تعم المحرم و المحل.
عند ابي عبد اللّه عليه السّلام اذ دخل عليه رجل فقال: اصلحك اللّه إن معنا امرأة حائضا و لم تطف طواف النساء، فأبى الجمّال أن يقيم عليها، قال: فاطرق و هو يقول: لا تستطيع أن تتخلف عن اصحابها و لا يقيم عليها جمّالها، تمضي فقد تم حجها»1. بتقريب أنها ظاهرة في سقوط طواف النساء عنها في هذه الحالة.
و لكن مع ذلك فالأحوط و الأجدر بها وجوبا أن تستنيب شخصا يطوف عنها.
(1)وجوبا فيها و في المسألة الآتية.
(2)تدل عليه صحيحة فضيل بن يسار عن ابي جعفر عليه السّلام: «قال: اذا طافت المرأة طواف النساء فطافت اكثر من النصف فحاضت، نفرت ان شاءت»2 بتقريب أنها ظاهرة في ترك الباقي، و عدم وجوب الاستنابة فيه، و لكن مع هذا فالأحوط وجوبا الاستنابة.
(3)بل على الأظهر، و قد تقدم تفصيل ذلك في المسألة (415) فراجع.
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 612)
……….
نتيجة البحث حول طواف الحج و صلاته و السعي أمور:
الأول: ان موضع الطواف في حج التمتع من الناحية التسلسلية بعد مناسك منى و أعمالها، و أما اذا قدم الحاج الطواف على الحلق أو التقصير، فان كان عامدا و ملتفتا الى موضعه التسلسلي وجبت اعادته بعد الحلق أو التقصير، و عليه كفارة دم شاة، و إن كان ناسيا أو جاهلا بالحكم ثم التفت الى الحال، حلق أو قصر و لا اعادة عليه و لا كفارة.
الثاني: الأقوى جواز تأخير طواف الحج الى آخر ذي الحجة، و هذا هو مقتضى الجمع بين الروايات المختلفة في المسألة.
الثالث: لا يجوز للحاج تقديم طواف حج التمتع و صلاته و السعي بين الصفا و المروة على الوقوف بالموقفين إلاّ في احدى الحالات التالية: 1 – الشيخوخة، 2 – المرض، 3 – العلة، 4 – خوف حدوث الحيض، 5 – الخوف من العدو.
الرابع: اذا جاز للحاج تقديم طواف الحج و صلاته و السعي بين الصفا و المروة على الوقوف بالموقفين، فاذا قدمها عليه فلا بد أن يكون بعد الاحرام للحج و هل تترتب عليه حلية الطيب؟
و الجواب: لا تترتب عليه، لأن مورد الروايات التي تنص على ترتب حلية الطيب على الإتيان بطواف الحج هو طوافه بعد مناسك منى لا قبلها، لأنه خارج عن مورد هذه الروايات، و لا يوجد دليل آخر على ذلك.
الخامس: ان من ترك الطواف عامدا و ملتفتا الى الحكم الشرعي، فان استمر على تركه الى أن انتهى شهر ذي الحجة بطل حجه، و كذلك من ترك الطواف جاهلا بالحكم، شريطة أن يكون جاهلا بسيطا، و أما اذا كان مركبا
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 613)
……….
فحكمه حكم الناسي، فانه يأتي به متى تذكر و إن كان بعد خروج ذي الحجة، و اذا كان قد سعى أعاد سعيه على الأحوط، و اذا تذكر في الطريق أو في بلده مع عدم تمكنه من الرجوع و الاتيان به مباشرة يستنيب شخصا يطوف عنه.
السادس: ان الرجل المحل اذا قبل امرأته التي لم تطف طواف النساء بشهوة فعليه كفارة دم للنص، و لكن لا بد من الاقتصار على مورده، و عدم التعدي عنه الى الاستمتاعات الأخرى بشهوة.
السابع: ان طواف النساء واجب مستقل، و لا يرتبط بالحج لا جزءا و لا قيدا، و يكون موضعه من الناحية التسلسلية بعد اعمال الحج و مناسكه، و لا يبطل الحج بتركه و إن كان عامدا و ملتفتا و لا يكون موقتا بوقت خاص.
الثامن: ان طواف النساء واجب على المحرم رجلا كان أو امرأة، خصيا كان أو خنثى، نعم انه لا يجب على الصبي و إن كان مميزا، كما لا يحرم عليه بالاحرام جميع اشكال الاستمتاعات الجنسية و ألوانها و غيرها من محرمات الإحرام التي تكون حرمتها تكليفية محضة كالفسوق و الجدال و نحوهما، أجل ان الأحكام الوضعية المترتبة على الإحرام كبطلان عقد النكاح و الكفارة و نحوهما فهي مترتبة على إحرام الصبي المميز أيضا.
التاسع: ان من ترك طواف النساء الى أن رجع الى بلده سواء أ كان تاركا له عامدا و ملتفتا أم كان جاهلا أو ناسيا وجب عليه أن يرجع الى مكة و يأتي به مباشرة، و إن لم يتمكن من ذلك وجب عليه أن يستنيب شخصا يطوف عنه.
العاشر: اذا مات المحرم رجلا كان أو امرأة قبل الاتيان بطواف النساء لا يجب القضاء على وليّه.
الحادي عشر: اذا قدم الحاج طواف النساء على الوقوف بالموقفين فيما
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 614)
……….
يجوز له هذا التقديم فلا تترتب عليه حلية النساء، لأنها انما تترتب عليه اذا أتى به في موضعه التسلسلي و هو بعد اعمال الحج.
الثاني عشر: اذا طاف الحاج طواف النساء اثناء مناسك الحج بطل و إن كان عن جهل أو نسيان، لأن موضعه من ناحية التسلسل انما يكون بعد اعمال الحج و مناسكه، فاذا أتى به في غير موضعه لم يكن مصداقا للطواف المأمور به، فاذن صحته بحاجة الى دليل، و لا دليل عليها.
قد يتساءل البعض: ان المرأة اذا حاضت، و لم تنتظر القافلة الى أن تطهر، فهل يجوز لها الخروج معها، و ترك طواف النساء، أو تستنيب؟
و الجواب: تستنيب على الأحوط وجوبا.
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 615)
[12 – المبيت في منى]
المبيت في منى الواجب الثاني عشر من واجبات الحج: المبيت بمنى (1) ليلة الحادي عشر و الثاني عشر،
(1)فيه (ان المبيت و هو التواجد في منى) ليس من واجبات الحج لأمرين:
أحدهما: ان مقتضى الروايات التي تنص على أن موضع طواف النساء بعد واجبات الحج هو أن المبيت ليس من واجباته و أجزائه، لأن موضع طواف النساء التسلسلي ليس بعد المبيت فيها، إذ يجوز الاتيان به بعد طواف الحج و السعي مباشرة عامدا و عالما بالحال و قبل ليلة الحادي عشر و الثاني عشر، و هذا يدل على أنه ليس جزء الحج، و إلاّ فالاتيان به بعد طواف الحج و السعي و قبل المبيت كان في أثناء الحج لا بعده، و قد مر أنه باطل اذا كان في أثناء الحج.
و الآخر: ان ترك المبيت و التواجد في منى عامدا و ملتفتا الى الحكم الشرعي لا يضر بالحج، و هذا دليل على أنه ليس من واجباته، اذ لو كان من واجباته لكان تركه عامدا و ملتفتا تركا للحج كذلك. و تدل عليه جملة من الروايات:
منها: صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السّلام: «عن رجل بات بمكة في ليالي منى حتى أصبح، قال: ان كان أتاها نهارا فبات فيها حتى أصبح فعليه دم يهرقه»1 فانها باطلاقها تشمل ما اذا ترك المبيت في منى عامدا و عالما بالحال.
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 616)
……….
و منها: صحيحة صفوان، قال: «قال ابو الحسن عليه السّلام: سألني بعضهم عن رجل بات ليالي منى بمكة، فقلت: لا أدري، فقلت له: جعلت فداك ما تقول فيها؟ فقال عليه السّلام: عليه دم شاة اذا بات، فقلت: ان كان انما حبسه شأنه الذي كان فيه من طوافه و سعيه و لم يكن لنوم و لا لذة، أ عليه مثل ما على هذا؟ قال: ما هذا بمنزلة هذا، و ما احب أن ينشق له الفجر إلاّ و هو بمنى»1 فانها باطلاقها تشمل العامد و الملتفت أيضا فالنتيجة أن هاتين الروايتين تدلان على عدم بطلان الحج بترك المبيت في منى عامدا و ملتفتا، و انما تدلان على وجوب الكفارة عليه.
و منها: رواية جعفر بن ناجية، قال: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عمن بات ليالي منى بمكة، فقال: عليه ثلاثة من الغنم يذبحهن»2 فانها تدل على عدم بطلان الحج بترك المبيت في منى و إن كان عامدا و ملتفتا، و لكن بما أنها ضعيفة من ناحية السند فلا يمكن الاستدلال بها، نعم لا بأس بالتأييد.
فالنتيجة ان الظاهر كون المبيت في منى خلال أيام التشريق واجب مستقل، لا أنه من واجبات الحج و اجزائه.
ثم إنه لا شبهة في أصل وجوب المبيت في منى بمعنى التواجد فيها في الليل، و لا يجب التواجد فيها في النهار إلاّ بمقدار ما يتطلبه رمي الجمرات، على تفصيل يأتي في ضمن المسائل القادمة، و تنص على وجوبه روايات كثيرة:
منها: صحيحة معاوية بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: اذا فرغت من طوافك للحج و طواف النساء فلا تبيت إلاّ بمنى – الحديث»3.
و منها: صحيحته الأخرى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: لا تبت ليالي التشريق إلاّ بمنى – الحديث»4 و ستأتي الاشارة الى جملة منها خلال الأبحاث الآتية.
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 617)
و يعتبر فيه قصد القربة (1) فاذا خرج الحاج إلى مكة يوم العيد لأداء فريضة الطواف و السعي وجب عليه الرجوع ليبيت في منى، و من لم يجتنب الصيد في إحرامه فعليه المبيت ليلة الثالث عشر أيضا (2)،
(1)على الأحوط، اذ لا دليل على اعتباره فيه، و أما الآية الشريفة و هي قوله تعالى: وَ اذْكُرُوا اللّٰهَ فِي أَيّٰامٍ مَعْدُودٰاتٍ1 المفسرة بأيام التشريق، فلا تدل على أن التواجد في منى واجب عبادي، لأن مفادها الارشاد الى الاشتغال في تلك الأيام بمنى بذكر اللّه من التكبير و التسبيح و التهليل و الدعاء و قراءة القرآن و الصلاة، و لا نظر لها إلاّ الى أن المبيت في منى واجب من دون الدلالة على أن ذلك عبادة، أو فقل ان الآية الشريفة آمرة بالاشتغال بذكر اللّه في تلك الايام، و لا تدل على أنه لا بد أن يكون ذلك بقصد القربة.
فالنتيجة ان اعتبار قصد القربة فيه مبني على الاحتياط.
(2)تدل عليه جملة من النصوص:
منها: صحيحة حماد عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: اذا أصاب المحرم الصيد فليس له أن ينفر في النفر الأول، و من نفر في النفر الأول فليس له أن يصيب الصيد حتى ينفر الناس، و هو قول اللّه عز و جل: فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاٰ إِثْمَ عَلَيْهِ… لِمَنِ اتَّقىٰ فقال: اتقي الصيد»2.
و منها: صحيحة جميل بن دراج عن ابي عبد اللّه عليه السّلام في حديث: «قال:
و من أصاب الصيد فليس له أن ينفر في النفر الأول»3 و منها غيرهما4 ، فان هذه الروايات تنص على أن من لم يجتنب الصيد فعليه المبيت في منى ليلة الثالث عشر أيضا.
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 618)
و كذلك من أتى النساء على الأحوط (1)،
(1)لا بأس بتركه و إن كان أولى لعدم الدليل عليه ما عدا رواية محمد بن المستنير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: من أتى النساء في احرامه لم يكن له أن ينفر في النفر الأول»1 و هي ضعيفة سندا فلا يمكن الاعتماد عليها، بدون فرق بين أن يكون الراوي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام محمد بن المستنير أو سلام ابن المستنير، فان الأول مجهول، و الثاني و إن كان من رجال تفسير علي بن ابراهيم القمي، إلاّ أنا ذكرنا في غير مورد أن مجرد كونه من رجال التفسير لا يكفي في توثيقه، و بذلك يظهر حال ما بعده.
فالنتيجة: ان من اتقى الصيد مخير بين أن ينفر بعد ظهر اليوم الثاني عشر، و بين أن يبيت ليلة الثالث عشر في منى، و ينفر في اليوم الثالث عشر، كما هو مقتضى الآية الشريفة: فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاٰ إِثْمَ عَلَيْهِ وَ مَنْ تَأَخَّرَ فَلاٰ إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقىٰ…2.
بقى هنا أمر و هو أن المعتبر في النفر الأول أن يكون بعد زوال الشمس من اليوم الثاني عشر، و لا يجوز قبل الزوال.
و أما النفر الثاني و هو النفر في اليوم الثالث عشر فيجوز قبل الزوال، و تدل على ذلك عدة من الروايات:
منها: صحيحة معاوية بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: اذا أردت أن تنفر في يومين، فليس لك أن تنفر حتى تزول الشمس، و إن تأخرت الى آخر ايام التشريق و هو يوم النفر الأخير فلا عليك اي ساعة نفرت قبل الزوال أو بعده – الحديث»3.
و منها: صحيحة أبي أيوب، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: إنّا نريد أن
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 619)
و يجوز لغيرهما الافاضة من منى بعد ظهر اليوم الثاني عشر و لكن إذا بقي في منى الى أن دخل الليل وجب عليه المبيت ليلة الثالث عشر أيضا (1).
[مسألة 426: إذا تهيأ للخروج و تحرك من مكانه و لم يمكنه الخروج قبل الغروب للزحام و نحوه]
(مسألة 426): إذا تهيأ للخروج و تحرك من مكانه و لم يمكنه الخروج قبل الغروب للزحام و نحوه فان أمكنه المبيت وجب ذلك، و إن لم يمكنه أو كان المبيت حرجيا جاز له الخروج، و عليه دم شاة على الأحوط (2).
[مسألة 427: من وجب عليه المبيت بمنى لا يجب عليه المكث فيها نهارا بأزيد من مقدار يرمي فيه الجمرات]
(مسألة 427): من وجب عليه المبيت بمنى لا يجب عليه المكث فيها نهارا بأزيد من مقدار يرمي فيه الجمرات و لا يجب عليه المبيت في مجموع الليل، فيجوز له المكث في منى من أول الليل الى ما بعد منتصفه أو المكث فيها قبل منتصف الليل الى الفجر (3)،
نتعجل السير، و كانت ليلة النفر حين سألته، فاي ساعة ننفر؟ فقال لي: اما اليوم الثاني فلا تنفر حتى تزول الشمس، و كانت ليلة النفر، فاما اليوم الثالث فاذا ابيضت الشمس فانفر على كتاب اللّه – الحديث»1 و منها غيرهما.
(1)تنص عليه صحيحة الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: من تعجل في يومين فلا ينفر حتى تزول الشمس، فان أدركه المساء بات و لم ينفر»2 و قريب منها صحيحة معاوية بن عمار3.
(2)لا بأس بتركه و إن كان أولى و أجدر، لعدم دليل على وجوب الكفارة على من اضطر للخروج من منى، و سيأتي تفصيل ذلك في المسألة (429) الآتية.
(3)لا شبهة في عدم وجوب تواجد الحاج في منى تمام الليل، و انما الواجب عليه تواجده فيها نصف الليل، و لا فرق بين أن يكون في النصف الأول من الليل أو في النصف الثاني، و تنص عليه مجموعة من الروايات:
منها: صحيحة معاوية بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: لا تبت ليالي
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 620)
و الأولى لمن بات النصف الأول، ثم خرج أن لا يدخل مكة قبل طلوع الفجر (1).
التشريق إلاّ بمنى، فان بت في غيرها فعليك دم، فان خرجت اول الليل فلا ينتصف الليل إلاّ و أنت في منى، إلاّ أن يكون شغلك نسكك، أو قد خرجت من مكة، و إن خرجت بعد نصف الليل فلا يضرك أن تصبح في غيرها»1.
و منها: صحيحة عيص بن القاسم، قال: «سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الزيارة من منى، قال: إن زار بالنهار أو عشاء فلا ينفجر الصبح إلاّ و هو بمنى، و إن زار بعد نصف الليل أو السحر فلا بأس عليه أن ينفجر الصبح و هو بمكة»2.
و منها: صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السّلام: «انه قال: في الزيارة اذا خرجت من منى قبل غروب الشمس فلا تصبح إلاّ بمنى»3.
و منها: صحيحة جميل بن دراج عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «انه قال: اذا خرجت من منى قبل غروب الشمس فلا تصبح إلاّ بها»4 و منها غيرها5.
فالنتيجة ان هذه الروايات واضحة الدلالة على أن الحاج مخير بين تواجده في منى في النصف الأول من ليلة اليوم الحادي عشر و الثاني عشر لمن اتقى الصيد، و بين تواجده فيها في النصف الثاني منها، و من هنا يظهر أن ما نسب الى المشهور من وجوب البيتوتة في النصف الأول تعيينا لا دليل عليه، لما عرفت من أن هذه الروايات ناصة في عدم الفرق بين النصف الأول و الثاني.
(1)لا دليل عليه أصلا، بل مقتضى اطلاق قوله عليه السّلام في صحيحة معاوية المتقدمة: «فلا يضرك أن تصبح في غيرها» جواز الدخول في مكة و الاصباح فيها، بل هو مقتضى نص قوله عليه السّلام في صحيحة عيص المتقدمة: «فلا بأس أن ينفجر الصبح و هو بمكة». فاذن ما نسب الى جماعة من أن من خرج من منى بعد
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 621)
[مسألة 428: يستثنى ممن يجب عليه المبيت بمنى عدّة طوائف]
(مسألة 428): يستثنى ممن يجب عليه المبيت بمنى عدّة طوائف:
1 – المعذور كالمريض و الممرّض و من خاف على نفسه أو ماله من المبيت بمنى (1).
2 – من اشتغل بالعبادة في مكة تمام ليلته او تمام الباقي من ليلته اذا خرج من منى بعد دخول الليل، ما عدا الحوائج الضرورية كالأكل و الشرب و نحوهما.
3 – من طاف بالبيت و بقي في عبادته ثم خرج من مكة و تجاوز عقبة المدنيين فيجوز له أن يبيت في الطريق دون أن يصل الى منى، و يجوز لهؤلاء التأخير في الرجوع إلى منى الى ادراك الرمي في النهار.
نصف الليل لا يجوز له أن يدخل في مكة قبل طلوع الفجر لا أصل له.
(1)ان المستثنى من الحجاج الذين يجب عليهم التواجد في منى مجموعة من الطوائف:
الطائفة الأولى: هم المعذورون، و هؤلاء على اصناف:
الأول: المريض الذي لا يقدر أن يظل في منى في نصف ليلة اليوم الحادي عشر و الثاني عشر، أو يكون حرجيا عليه، فيجوز له أن يخرج من منى.
الثاني: الممرض الذي يكون وظيفته ممارسة تمريض المرضى، فانه اذا لم يقدر أن يترك المريض بمقدار نصف الليل في الليليتين المذكورتين، أو يكون تركه حرجيا عليه، جاز له الخروج من منى.
الثالث: الخائف على نفسه أو عرضه أو ماله، فيجوز له الخروج منها.
فالنتيجة ان عدم وجوب المبيت في منى على هؤلاء الأصناف الثلاثة إما أن يكون من جهة عدم تمكنهم من المبيت و التواجد فيها، أو يكون حرجيا أو ضرريا عليهم، و من هنا لا يختص جواز الخروج منها بهؤلاء الأصناف، بل يجوز لكل من يكون بقاؤه فيها حرجيا عليه أو ضرريا.
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 622)
……….
الطائفة الثانية: من يكون شغله و نسكه العبادة في مكة الى طلوع الفجر، فانه إن كان متواجدا في مكة من أول الليل فله أن يشتغل بالعبادة فيها من حين تواجده فيها الى آخر الليل، ما عدا حوائجه الضرورية من المأكل و المشرب و غيرهما، و إن كان في منى و خرج منها بعد دخول الليل فله أن يشتغل بالعبادة بعد وصوله الى مكة الباقي من الليل، و تدل عليه مجموعة من النصوص:
منها: صحيحة معاوية بن عمار، قال: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل زار البيت فلم يزل في طوافه و دعائه و السعي و الدعاء حتى طلع الفجر، فقال: ليس عليه شيء، كان في طاعة اللّه عز و جل»1.
و منها: صحيحته الأخرى عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: اذا فرغت من طوافك للحج و طواف النساء فلا تبت إلاّ بمنى، إلاّ أن يكون شغلك في نسكك، و إن خرجت بعد نصف الليل فلا يضرك أن تبيت في غير منى»2.
و منها: صحيحته الثالثة3 المتقدمة في المسألة (427).
فالنتيجة أن هذه الروايات تدل على أن من خرج من منى لزيارة البيت يجوز له أن يشتغل بالعبادة الى الفجر، و لا شيء عليه، و اطلاقها يشمل من خرج من منى بعد دخول الليل، فانه بعد الوصول الى مكة اذا اشتغل بالطواف و الصلاة و نحوهما فيما بقى من الليل الى الصبح فلا شيء عليه.
ثم ان المعيار في الاشتغال بالعبادة في مكة انما هو بالصدق العرفي، و لا ينافيه الأكل أو الشرب بقدر المعتاد و نحوهما من الحوائج الضرورية.
الطائفة الثالثة: من طاف بالبيت و ظل في عبادته ثم خرج من مكة و تجاوز بيوتها فيجوز له أن يبيت في الطريق دون منى، بلا فرق فيه بين أن
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 623)
……….
يكون متواجدا في مكة من أول الليل، أو جاء اليها من منى بعد دخول الليل قاصدا الطواف فيها ثم الرجوع الى منى، فانه على كلا التقديرين اذا طاف بالبيت و بقي في عبادته فيها ثم خرج من مكة قبل نصف الليل و أراد أن ينام في الطريق بعد أن جاز عقبة المدنيين فله ذلك، و لا شيء عليه، و تنص عليه مجموعة من الروايات:
منها: صحيحة محمد بن اسماعيل عن ابي الحسن عليه السّلام: «في الرجل يزور فينام دون منى، فقال: اذا جاز عقبة المدنيين فلا بأس أن ينام»1 فانها تنص على انه اذا زار البيت ثم خرج منه قاصدا الى منى فله أن ينام في الطريق اذا جاز عقبة المدنيين، بل مقتضى اطلاق الصحيحة أن له أن يخرج من مكة بعد الزيارة قاصدا المبيت خارج مكة دون منى.
و منها: صحيحة جميل بن دراج عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: من زار فنام في الطريق فان بات بمكة فعليه دم، و إن كان قد خرج منها فليس عليه شيء و إن اصبح دون منى»2.
و منها: صحيحة هشام بن الحكم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: اذا زار الحاج من منى فخرج من مكة فجاوز بيوت مكة فنام ثم أصبح قبل أن يأتي منى فلا شيء عليه»3.
و منها: صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: لا تبت ليالي أيّام التشريق إلاّ بمنى، فان بت في غيرها فعليك دم، فان خرجت أول الليل فلا ينتصف الليل إلاّ و أنت في منى، إلاّ أن يكون شغلك نسكك، أو قد خرجت من مكة – الحديث»4 فان قوله عليه السّلام: «أو قد خرجت من مكة» يدل على أنه اذا
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 624)
[مسألة 429: من ترك المبيت بمنى فعليه كفارة شاة عن كل ليلة]
(مسألة 429): من ترك المبيت بمنى فعليه كفارة شاة عن كل ليلة (1)،
خرج قبل نصف الليل من مكة كفى في عدم الكفارة عليه و إن بقي خارج مكة و لم يرجع الى منى حتى الفجر.
ثم ان الظاهر من الروايات أن عقبة المدنيين في ذاك الزمان كانت في خارج بيوت مكة، فاذا جازها جاز بيوت مكة، فاذن لا تنافي بين الروايات، هذا.
اضافة الى أن الرواية الأولى لو كانت مجملة من جهة أن الموقع التاريخي لعقبة المدنيين غير معلوم فعلا، إلاّ أن الروايات الأخيرة واضحة الدلالة على أن من جاوز بيوت مكة و بات فلا شيء عليه، كما أن المراد من بيوت مكة هو بيوتها في زمان صدور الروايات، هذا من ناحية.
و من ناحية أخرى أن هذه الروايات حاكمة على الروايات التي تدل على وجوب تواجد الحاج في منى نصف ليلة اليوم الحادي عشر و الثاني عشر، و تدل على توسع رقعة منى شرعا الى خارج بيوت مكة القديمة، و كفاية البيتوتة فيه شريطة أن يكون جائيا من زيارة البيت و الاشتغال بالعبادة.
(1)تدل عليه جملة من الروايات:
منها: صحيحتا علي بن جعفر1 و صفوان2 المتقدمتان.
و منها: قوله عليه السّلام في صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة: «فان بت في غيرها فعليك دم»3.
و منها: صحيحة جميل بن دراج عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: من زار فنام في الطريق فان بات بمكة فعليه دم – الحديث»4.
و هذه الروايات مطلقة و باطلاقها تشمل العالم بالحكم و الجاهل به و الناسي.
و في مقابلها روايتان تدلان على انه لا كفارة على ترك المبيت في منى،
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 625)
……….
احداهما: معتبرة سعد بن يسار قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: فاتتني ليلة المبيت بمنى من شغل، فقال: لا بأس»1.
و الأخرى: صحيحة العيص بن القاسم، قال: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل فاتته ليلة من ليالي منى، قال: ليس عليه شيء، و قد أساء»2.
و الجواب اما عن الرواية الأولى، فلأن الظاهر من نفي البأس فيها نفي بطلان حجة بترك المبيت فيها، و ساكتة عن الكفارة نفيا و إثباتا، بقرينة أن هذا التعبير لا يناسب نفي الكفارة، فاذن لا تكون الرواية ظاهرة في نفي الكفارة، أو لا أقل من اجمالها، و عليه فلا تصلح أن تعارض الروايات المتقدمة التي تنص على أن من ترك المبيت في منى فعليه كفارة.
و اما الرواية الثانية: فقد ذكر السيد الاستاذ قدّس سرّه أنها تدل على نفي الكفارة بالاطلاق بمعنى أن من ترك المبيت في منى فليس عليه شيء من ألوان الكفارة، سواء أ كان دم شاة أم كان دم بقرة أم ناقة أو كفارة اطعام أو صوم أو قضاء المبيت فيها، فعندئذ تكون النسبة بينها و بين الروايات المتقدمة عموما مطلقا، و تكون تلك الروايات أخص منها باعتبار أن موردها خصوص كفارة دم شاة. فاذن لا بد من حمل هذه الرواية عليها تطبيقا لقاعدة حمل المطلق على المقيد.
و لكن الظاهر أن الأمر ليس كذلك، لأن صحيحة العيص و إن كان مطلقة من هذه الناحية، إلاّ أنها خاصة من ناحية أخرى، و هي اختصاص موردها بالعامد فقط، بقرينة ظهور قوله عليه السّلام في ذيلها: «و قد أساء» في ذلك، اذ لو كان تاركا له ناسيا أو جاهلا بالحكم لم يكن مسيئا، و عليه فالنسبة بينهما عموم من وجه، لأن الروايات المتقدمة خاصة لاختصاص موردها بكفارة دم شاة، و عامة لعمومها للناسي و الجاهل، و الصحيحة خاصة لاختصاص موردها بالعامد، و عامة
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 626)
……….
لعمومها الكفارة بكل الوانها، فاذن تقع المعارضة بينهما في مورد الالتقاء و الاجتماع، و هو من ترك المبيت في منى عامدا، فان مقتضى اطلاق تلك الروايات عليه كفارة دم شاة، و مقتضى اطلاق الصحيحة أنه لا شيء عليه، و لكن بما أنه لا يمكن تقييد اطلاق تلك الروايات بالصحيحة بغير مورد الالتقاء و الاجتماع، حيث أن ذلك لازم ثبوت الكفارة على الناسي و الجاهل دون العامد، و هو لا يمكن، لأن تقييد اطلاقها بغير الناسي و الجاهل ممكن، بأن يختص موردها بالعامد فقط، و أما تقييد اطلاقها بغير العامد، بأن يختص موردها بالناسي و الجاهل فحسب فهو غير محتمل عرفا، اذ لا يحتمل ثبوت الكفارة على الناسي أو الجاهل اذا ترك المبيت في منى دون العامد، فاذن تكون هذه الروايات بمثابة النص في ثبوت الكفارة على العامد في مورد الاجتماع، فلا بد حينئذ من تقديمها على الصحيحة تطبيقا لقاعدة حمل الظاهر على النص، و حينئذ فيكون مفاد الصحيحة أنه لا شيء عليه من الوان الكفارة غير دم شاة.
فالنتيجة أن الأظهر ثبوت الكفارة بدم شاة على من ترك المبيت و التواجد في منى و إن كان عن نسيان أو جهل. نعم ان هذه الروايات معارضة في الجاهل المركب بصحيحة عبد الصمد، و في الناسي بحديث رفع النسيان.
أما في الأول، فلأن مقتضى اطلاق قوله عليه السّلام في صحيحة عبد الصمد: «أيما رجل ركب أمرا بجهالة فلا شيء عليه» أنه لا كفارة عليه في المقام. و مقتضى اطلاق تلك الروايات أن عليه كفارة، و حينئذ فيقع التعارض بينهما في مورد الالتقاء و الاجتماع، و هو ما اذا ترك الحاج المبيت بمنى جاهلا بالحكم، فان مقتضى اطلاق الصحيحة أنه لا كفارة عليه، و مقتضى اطلاق هذه الروايات أن عليه كفارة، فاذن يسقط كلا الاطلاقين فيه من جهة المعارضة، و المرجع حينئذ أصالة البراءة عن وجوب الكفارة فيه.
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 627)
و الأحوط التكفير فيما إذا تركه نسيانا أو جهلا منه بالحكم أيضا، و الأحوط التكفير للمعذور من المبيت و لا كفارة على الطائفة الثانية و الثالثة ممن تقدم (1).
و أما في الثاني: فلأن مقتضى اطلاق حديث الرفع عدم وجوب شيء على الناسي في المقام، و مقتضى اطلاق تلك الروايات وجوب الكفارة عليه، فيقع التعارض بينهما في مورد الالتقاء و الاجتماع، و هو ما اذا ترك الحاج المبيت في منى ليلة الحادي عشر أو الثاني عشر نسيانا، فان مقتضى اطلاق حديث الرفع أنه لا شيء عليه، و مقتضى اطلاق هذه الروايات أن عليه كفارة دم شاة، فيسقطان معا من جهة المعارضة، و يكون المرجع حينئذ أصالة البراءة عن وجوب الكفارة فيه.
فالنتيجة ان مقتضى الصناعة عدم وجوب الكفارة في المقام على الناسي و الجاهل المركب، و لكن مع هذا فالاحتياط لا يترك.
و قد تتساءل: هل أن الجاهل البسيط المعذور يلحق بالعامد، أو بالجاهل المركب؟
و الجواب: لا يبعد الحاقه بالثاني، لأن شمول الصحيحة له غير بعيد، إما ملاكا و حكما، أو ملاكا فقط.
(1)الأمر كما افاده قدّس سرّه. أما عدم الكفارة على الطائفة الثانية فلعدة نصوص:
منها: صحيحة صفوان المتقدمة.
و منها: قوله عليه السّلام في صحيحة معاوية بن عمار: «ليس عليه شيء كان في طاعة اللّه»1 و مثلها صحيحته الأخرى2 ، فانها تنص بوضوح على عدم وجوب الكفارة عليهم.
و أما عدم وجوبها على الطائفة الثالثة، فلقوله عليه السّلام في صحيحة هشام بن
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 628)
[مسألة 430: من أفاض من منى ثم رجع إليها بعد دخول الليل في الليلة الثالثة عشر لحاجة لم يجب عليه المبيت بها]
(مسألة 430): من أفاض من منى ثم رجع إليها بعد دخول الليل في الليلة الثالثة عشر لحاجة لم يجب عليه المبيت بها (1).
الحكم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «اذا زار الحاج من منى فخرج من مكة فجاوز بيوت مكة فنام ثم أصبح قبل أن يأتي منى فلا شيء عليه»1 و قوله عليه السّلام في صحيحة جميل بن دراج: «فان بات بمكة فعليه دم، و إن كان قد خرج منها فليس عليه شيء و ان اصبح دون منى»2.
و أما استثناء الرعاة فهو لم يرد في شيء من روايات الباب، و حينئذ فان كان الراعي مضطرا الى النوم في غير منى من جهة التحفظ على أغنامه أو غير ذلك كان داخلا في المضطر و المعذور، و إلاّ فيجب عليه المبيت نصف الليل في منى، و اذا ترك عامدا فعليه كفارة.
و أما استثناء السقاة، فهو و إن ورد في صحيحة مالك بن أعين عن ابي جعفر عليه السّلام: «ان العباس استأذن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أن يبيت بمكة ليالي منى، فاذن له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من أجل سقاية الحاج»3 إلاّ أن ذلك حكم في قضية شخصية لواقعة خاصة، فلا يدل على حكم المسألة مطلقا و ترخيص الرسول صلّى اللّه عليه و آله العباس للسقاية و إن كان لا محالة لمصلحة، إلاّ أن ذلك لا يدل على أنه حكم كلي للسقاة بما هم سقاة، و لا أقل من الاجمال، فاذن لا دليل على استثناء الحاج من المبيت في منى بعنوان السقاة اذا لم تكن هناك ضرورة.
(1)لعدم كونه مشمولا للروايات التي تنص على وجوب المبيت في ليلة الثالث عشر، فان موردها من لم يخرج من منى بعد زوال اليوم الثاني عشر لسبب أو آخر، و ظل فيها الى أن غربت الشمس فحينئذ يجب عليه المبيت ليلة الثالث عشر، و أما من أفاض منها بعد الزوال ثم رجع فيها لسبب من الأسباب و ظل الى أن غربت عليه الشمس فلا يكون مشمولا لها.
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 629)
……….
نتيجة مسألة المبيت في منى أمور…
الأول: ان المبيت في منى الذي هو عبارة عن التواجد فيها واجب مستقل، و لا يكون من واجبات الحج و اجزائه، و من هنا لا يكون تركه عامدا و ملتفتا مبطلا.
الثاني: ان اعتبار قصد القربة فيه مبني على الاحتياط، اذ لا دليل عليه.
الثالث: ان من اتقى الصيد رجلا كان او امرأة، فهو مخير بين أن ينفر من منى بعد زوال اليوم الثاني عشر، أو في اليوم الثالث عشر، و من لم يتق فعليه أن يبيت ليلة الثالث عشر. ثم ان النفر في اليوم الثاني عشر لا بد أن يكون بعد الزوال، و أما في اليوم الثالث عشر فيجوز قبل الزوال.
الرابع: يجب على الحاج رجلا كان أو امرأة أن يكون متواجدا في منى نصف الليل من اليوم الحادي عشر و الثاني عشر، بدون فرق بين النصف الأول أو الثاني، و يستثنى من ذلك الحاج في الحالات التالية: 1 – المريض، 2 – الممرض، 3 – الخائف، 4 – من يكون شغله و نسكه العبادة في مكة الى حين الفجر، 5 – من زار البيت و ظل في عبادته، ثم خرج من البيت و تجاوز بيوت مكة، فانه يجوز له أن يبيت في الطريق دون منى، و أما اذا بات في غير تلك الحالات دون منى فيعتبر آثما و عليه كفارة.
الخامس: ان من ترك المبيت في منى عامدا فعليه كفارة دم شاة، و من تركه ناسيا أو جاهلا مركبا فهل عليه كفارة أو لا؟
و الجواب: ان عليه كفارة على الأحوط، و أما الجاهل البسيط المعذور فهل هو ملحق بالعامد أو بالناسي و الجاهل المركب، فلا يبعد الحاقة بالثاني، و حينئذ
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 630)
……….
فيكون وجوب الكفارة عليه مبنيا على الاحتياط.
السادس: انه لا كفارة على من اشتغل بالعبادة في مكة تمام الليل، فان الشارع جعل ذلك بديلا عن المبيت في منى، كما أنه لا كفارة على من زار البيت و ظل في عبادته ثم خرج من البيت و بات في الطريق بعد خروجه من بيوت مكة.
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 631)
[13 – رمي الجمار]
رمي الجمار الثالث عشر من واجبات الحج (1) رمي الجمرات الثلاث: الأولى، و الوسطى، و جمرة العقبة،
(1)الظاهر انه ليس من واجبات الحج و أجزائه لأمرين:
احدهما: ان الروايات المتقدمة التي تنص على أن طواف النساء بعد الحج تدل على أن رمي الجمار ليس من واجباته، على أساس أن موضع طواف النساء التسلسلي ليس بعد رمي الجمار، حيث يجوز للحاج أن يطوف طواف النساء بعد طواف الحج و صلاته و السعي يوم النحر قبل مجيء وقت وجوب رمي الجمار و هو اليوم الحادي عشر و الثاني عشر.
و الآخر: ان الحج لا يبطل بترك رمي الجمار عامدا و ملتفتا الى الحكم الشرعي، و هذا لا ينسجم مع كونه من واجباته و اجزائه، فالنتيجة أن رمي الجمار واجب مستقل بعد الحج كطواف النساء و المبيت في منى.
ثم انه لا اشكال في وجوب رمي الجمار الثلاث في اليوم الحادي عشر و الثاني عشر لأمرين:
الأول: السيرة القطعية من المسلمين الجارية على ذلك منذ عصر المعصومين عليهم السّلام.
الثاني: الروايات، منها: صحيحة معاوية بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام:
«قال: ارم في كل يوم عند زوال الشمس، و قل كما قلت حين رميت جمرة العقبة»1 فانها تدل على وجوب رمي الجمار في اليومين المذكورين، فان
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 632)
و يجب الرمي في اليوم الحادي عشر، و الثاني عشر و إذا بات ليلة الثالث عشر في منى وجب الرمي في اليوم الثالث عشر أيضا على الأحوط (1)، و يعتبر في رمي الجمرات المباشرة، فلا تجوز الاستنابة اختيارا.
قوله عليه السّلام: «كل يوم» ناظر الى هذين اليومين، و لا يمكن أن يراد منه يوم النحر و اليوم الحادي عشر، و ذلك بقرينة قوله عليه السّلام: «قل كما قلت حين رميت جمرة العقبة» فانه ناص في أن المراد من كل يوم غير ذلك اليوم. و لكن يستحب له أن يقول بما قال حين رمي جمرة العقبة.
و منها: صحيحة مسمع عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «في رجل نسي رمي الجمار يوم الثاني، فبدأ بجمرة العقبة ثم الوسطى ثم الأولى، و يؤخر ما رمى بما رمى، فيرمي الوسطى ثم جمرة العقبة»1 بتقريب أن السؤال انما هو عن نسيان رمي الجمار في اليوم الثاني مقابل اليوم الأول، و من المعلوم أن المراد من اليوم الثاني اليوم الثاني عشر.
و منها: الروايات التي تنص على اعتبار الترتيب بين الجمرات الثلاث في الرمي ابتداء من الأولى و انتهاء بجمرة العقبة، فلو خالف و رمى جمرة قبل أن يذهب الى سابقتها وجب الرجوع الى السابقة و اعادة رمي اللاحقة، بلا فرق في ذلك بين أن يكون عالما أو جاهلا أو ناسيا، فانها تنص على أن أصل وجوب رميها مفروغ عنه.
و منها: الروايات الدالة على وجوب قضاء الرمي في اليوم الثاني اذا نسى في اليوم الأول، و يفصل بين الأداء فيه و القضاء بساعة.
فالنتيجة انه لا شبهة في وجوب رمي الجمار في اليوم الحادي عشر و الثاني عشر.
(1)الأظهر عدم الوجوب، اذ لا دليل عليه غير دعوى الاجماع في
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 633)
[مسألة 431: يجب الابتداء برمي الجمرة الاولى، ثم الجمرة الوسطى، ثم جمرة العقبة]
(مسألة 431): يجب الابتداء برمي الجمرة الاولى، ثم الجمرة الوسطى، ثم جمرة العقبة، و لو خالف وجب الرجوع إلى ما يحصل به الترتيب (1)،
المسألة، و قد ذكرنا غير مرة انه لا يمكن الاعتماد على الاجماع.
نعم ورد في بعض الروايات البيانية كصحيحة معاوية: انه صلّى اللّه عليه و آله بعد ما «زار البيت رجع الى منى فاقام بها حتى كان اليوم الثالث عشر من آخر أيام التشريق ثم رمى الجمار و نفر – الحديث»1 إلاّ انه لا يدل على وجوب الرمي، لأن الفعل مجمل و لا يدل على الوجوب ما لم تكن هناك قرينة عليه، و لا قرينة في المقام.
و أما قوله عليه السّلام في صحيحة معاوية بن عمار: «فلا عليك أي ساعة نفرت و رميت قبل الزوال أو بعده – الحديث»2 فلا يكون حجة، من جهة أن صاحب الوسائل قدّس سرّه روى هذه الرواية عن الكافي بدون كلمة (رميت) و ذلك يدل على اختلاف نسخة الكافي، هذا. اضافة الى أن هذه الكلمة لا تناسب معنى الرواية، بل توجب الاخلال به، فالنتيجة ان ثبوت هذه الكلمة غير معلومة، و حينئذ فلا دليل على الوجوب، و إن كانت رعاية الاحتياط أولى و أجدر.
(1)لا شبهة في اعتبار الترتيب بين الجمرات الثلاث في الرمي ابتداء بالأولى و انتهاء بجمرة العقبة، و تدل على ذلك روايات كثيرة بمختلف الألسنة.
منها: صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث: «قال:
و ابدأ بالجمرة الأولى فارمها عن يسارها من بطن المسيل و قل كما قلت يوم النحر، ثم قم عن يسار الطريق فاستقبل القبلة و احمد اللّه واثن عليه و صل على النبي و آله ثم تقدم قليلا فتدعو و تسأله أن يتقبل منك، ثم تقدم أيضا، ثم افعل ذلك عند الثانية، و اصنع كما صنعت بالأولى، و تقف و تدعو اللّه كما دعوت، ثم
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 634)
و لو كانت المخالفة عن جهل أو نسيان (1)،
تمضي الى الثالثة و عليك السكينة و الوقار فارم و لا تقف عندها»1.
و منها: صحيحته الأخرى عن ابي عبد اللّه عليه السّلام في حديث، قال: «قلت له:
الرجل يرمي الجمار منكوسة، قال: يعيدها على الوسطى و جمرة العقبة»2
و منها غيرهما.
(1)تدل عليه صحيحة مسمع عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «في رجل نسي رمي الجمار يوم الثاني، فبدأ بجمرة العقبة ثم الوسطى ثم الأولى، و يؤخر ما رمى بما رمى، فيرمي الوسطى ثم جمرة العقبة»3 فانها تنص على أن الرمي اذا كان على خلاف الترتيب المعتبر بين الجمرات وجب أن يستأنف بما يحصل به الترتيب، و مورد الصحيحة و إن كان النسيان، إلاّ أن العرف لا يفهم خصوصية له، بل لا يحتمل أن تكون الاعادة واجبة في صورة النسيان، و لا تكون واجبة في صورة العمد، و على هذا فلا فرق بين أن يكون البدء برمي جمرة العقبة في اليوم الثاني عامدا و ملتفتا الى الحكم الشرعي، أو جاهلا بالحال أو ناسيا، فانه على جميع التقادير يجب عليه أن يستأنف بما يحصل به الترتيب، و إن كان افتراض أنه صنع ذلك عامدا و ملتفتا بعيد جدا، و لكن لو فرض وقوعه في الخارج فلا اشكال في وجوب الاعادة من جديد، و لا يحتاج ذلك الى دليل في المسألة.
و دعوى: أن مقتضى صحيحتي جميل و حمران اللتين تدلان على صحة ما ينبغي تأخيره اذا قدم و بالعكس عدم وجوب اعادة ما يحصل به الترتيب في المقام.
مدفوعة: بما تقدم من اختصاص موردهما بواجبات الحج و اجزائه، و لا يعم ما كان خارجا عنها و لا يكون من واجباته كطواف النساء و المبيت في منى
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 635)
نعم، إذا نسي فرمى جمرة بعد أن رمى سابقتها أربع حصيات أجزأ إكمالها سبعا (1)، و لا يجب عليه اعادة رمي اللاحقة.
و رمي الجمار الثلاث، هذا. اضافة الى امكان تقييد اطلاقهما بالصحيحة المتقدمة، فان موردها و إن كان النسيان إلاّ أنكم عرفتم أنه لا خصوصية له.
(1)تنص عليه عدة روايات:
منها: صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث: «قال:
و قال في رجل رمى الجمار، فرمى الأولى بأربع، و الأخيرتين بسبع و سبع، قال:
يعود فيرمي الأولى بثلاث و قد فرغ، و إن كان رمى الأولى بثلاث و رمى الأخيرتين بسبع سبع، فليعد و ليرمهن جميعا بسبع سبع، و إن كان رمى الوسطى بثلاث ثم رمى الأخرى فليرم الوسطى بسبع، و إن كان رمى الوسطى بأربع رجع فرمى بثلاث»1.
و منها: صحيحته الأخرى عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «في رجل رمى الجمرة الأولى بثلاث و الثانية بسبع و الثالثة بسبع، قال: يعيد و يرميهن جميعا بسبع سبع، قلت: فان رمى الأولى بأربع و الثانية بثلاث و الثالثة بسبع، قال: يرمي الجمرة الأولى بثلاث و الثانية بسبع و يرمي جمرة العقبة بسبع، قلت فانه رمى الجمرة الأولى بأربع و الثانية بأربع و الثالثة بسبع، قال يعيد فيرمي الأولى بثلاث و الثانية بثلاث و لا يعيد على الثالثة»2 و منها غيرهما.
فههنا أمران:
الأول: ان مقتضى القاعدة بطلان رمي الجمرة اللاحقة اذا ترك رمي سابقتها بسبع تماما، على أساس أنه مخل بالترتيب المعتبر بين الجمرات الثلاث في الرمي، لأن صحة رمي كل جمرة لاحقة سبعا مشروطة برمي جمرة سابقتها كذلك، فاذا لم يرم السابقة أو رمى ناقصا لم يتحقق الشرط.
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 636)
……….
الثاني: ان هذه الروايات تدل على أمرين:
أحدهما: أن من رمى الجمرة الأولى بثلاث و الوسطى و الأخيرة بسبع و سبع بطل الجميع، و وجبت عليه اعادة رمي الجمرات الثلاث سبعا من جديد، و اذا رمى الأولى بسبع و الوسطى بثلاث و الأخيرة بسبع صح الأولى و بطل الأخيرتين، و وجبت اعادتهما سبعا من جديد، و هكذا، و هذا الحكم يكون على طبق القاعدة كانت هناك رواية أم لا.
و الآخر: ان من رمى الأولى بأربع و الوسطى و الأخيرة بسبع و سبع صح و لا شيء عليه غير تكميل رمي الأولى، و كذلك اذا رمى الأولى بسبع و الوسطى بأربع و الأخيرة بسبع، و لا يجب عليه إلاّ تكميل رمي الوسطى.
ثم ان هذا الحكم يكون على خلاف القاعدة من جهتين:
الأولى: أن مقتضى اعتبار الترتيب بين رمي اللاحقة سبعا و سابقتها كذلك البطلان.
الثانية: ان مقتضى اعتبار التتابع و الموالاة بين أجزاء رمي كل جمرة من الجمرات الثلاث، ان الاخلال به مبطل، و حيث ان الفصل بين اجزاء رمي الجمرة السابقة سبعا برمي الجمرة اللاحقة مخل بالتتابع بينها عرفا، فيكون مبطلا له، و لكن هذه الروايات تدل على اتساع رقعة الشرط و جعله الأعم من رمي السابقة بسبع أو أربع، فاذا رماها بأربع ثم رمى اللاحقة بسبع صح، و لا يجب عليه إلاّ تكميل رمي السابقة، كما أنها تدل على اتساع رقعة شرطية التتابع في هذه الحالة، و هي ما اذا رمى السابقة بأربع ثم رمى اللاحقة بسبع فان الفصل بين اجزاء رمي السابقة برمي اللاحقة لا يضر به في تلك الحالة حكما، هذا من ناحية.
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 637)
……….
و من ناحية أخرى قد تسأل عن أن هذه الروايات هل تختص بالناسي أو تشمل الجاهل بل العالم أيضا؟ و الجواب: انها تشمل الجاهل، بل لا يبعد شمولها للعالم أيضا، و ذلك لإطلاق تلك الروايات و عدم قرينة على تقييد اطلاقها بصنف خاص، مع أنها في مقام البيان.
و دعوى: أن هذه الروايات انما هي في مقام بيان حكم من فعل ذلك و صدر منه هذا العمل في الخارج فلا اطلاق لها.
مدفوعة: بأنها و إن كانت في مقام بيان حكم من صنع ذلك، إلاّ أنها في مقام بيان حكمه بنحو القضية الحقيقية لا القضية الخارجية، حتى لا يكون لها اطلاق.
و بكلمة ان ظاهر هذه الروايات هو أنها مسوقة بنحو القضية الحقيقية دون الخارجية، فاذن لا مانع من التمسك باطلاقها على أساس أن سكوتها في هذه الحالة عن القرينة على التقييد دليل على اطلاقها، و مقتضاه عدم الفرق بين من صنع ذلك ناسيا أو جاهلا أو عالما و عامدا.
و دعوى: أن من كان عالما بالحكم و ملتفتا اليه بعيد جدا أن يصنع ذلك، بل لا يتفق مثل ذلك عادة في الخارج عن مثله، و هذا قرينة على عدم اطلاق الروايات له.
مدفوعة: بأن ندرة وجود بعض اصناف المطلق في الخارج، أو عدم وجوده فيه لا تمنع عن الاطلاق، اذ لا ربط بين المسألتين، لأن اطلاق المطلق مرتبط بتمامية مقدمات الحكمة في مرحلة الجعل و التشريع بنحو القضية الحقيقية، فاذا تمت المقدمات في هذه المرحلة تمّ الاطلاق بالنسبة الى جميع افراده من التحقيقية و التقديرية، و أما أن وجود بعض افراده في الخارج نادر، أو
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 638)
[مسألة 432: ما ذكرناه من واجبات رمي جمرة العقبة يجري في رمي الجمرات الثلاث كلها]
(مسألة 432): ما ذكرناه من واجبات رمي جمرة العقبة يجري في رمي الجمرات الثلاث كلها (1).
[مسألة 433: يجب أن يكون رمي الجمرات في النهار]
(مسألة 433): يجب أن يكون رمي الجمرات في النهار (2) و يستثنى من ذلك العبد و الراعي و المديون الذي يخاف أن يقبض عليه و كل من يخاف على نفسه أو عرضه أو ماله.
لا وجود له فيه، فهو لا يضر باطلاقه في تلك المرحلة، و انما يمنع عن فعلية انطباقه على الخارج بالنسبة اليه.
نعم، الذي لا يمكن هو تقييد المطلق بالفرد النادر لأنه لغو، و أما شموله له فلا مانع منه.
فالنتيجة ان الأظهر شمول الروايات لمن رمى الجمرات الثلاث على خلاف الترتيب و التسلسل المعتبر بينها في الرمي عامدا و عالما بالحكم.
(1)ما ذكرناه من الشروط لرمي جمرة العقبة من النية، كقصد القربة و الاخلاص و قصد الاسم، و كون الرمي بسبع حصيات، و كونه على نحو التتابع، و ايصالها الى الجمرة بالرمي، و وقوعه بين طلوع الشمس و غروبها، و كون الحصيات من الحرم معتبر في رمي الجمرات الثلاث في اليوم الحادي عشر و الثاني عشر.
(2)للنصوص، منها: صحيحة جميل بن دراج عن ابي عبد اللّه عليه السّلام في حديث: «قلت له: الى متى يكون رمي الجمار؟ فقال: من ارتفاع النهار الى غروب الشمس»1.
و منها: صحيحة صفوان بن مهران، قال: «سمعت ابا عبد اللّه عليه السّلام يقول: إرم الجمار ما بين طلوع الشمس الى غروبها»2 و منها غيرهما3.
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 639)
و يشمل ذلك الشيخ و النساء و الصبيان و الضعفاء الذين يخافون على انفسهم من كثرة الزحام، فيجوز لهؤلاء الرمي ليلة ذلك النهار (1)، و لكن لا يجوز لغير الخائف من المكث أن ينفر ليلة الثانية عشر بعد الرمي حتى تزول الشمس عن يومه.
(1)تدل على ذلك عدة من الروايات:
منها: صحيحة عبد اللّه بن سنان عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: لا بأس بأن يرمي الخائف بالليل، و يضحي و يفيض بالليل»1.
و منها: صحيحة محمد بن مسلم عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «انه قال في الخائف: لا بأس بأن يرمي الجمار بالليل و يضحي بالليل و يفيض بالليل»2 فان الافاضة فيهما قرينة على أن المراد من الليل الذي يرمي فيه هو الليل السابق، يعني ليلة العيد.
و منها: صحيحة سعيد الأعرج، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: جعلت فداك معنا نساء فافيض بهن بليل، فقال: نعم، تريد أن تصنع كما صنع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، قلت: نعم، قال: أفض بهن بليل، و لا تفض بهن حتى تقف بهن بجمع، ثم أفض بهن حتى تأتي الجمرة العظمى فيرمين الجمرة – الحديث»3.
و منها: صحيحة أبي بصير عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: رخص رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله للنساء و الضعفاء أن يفيضوا من جمع بليل و أن يرموا الجمار بليل – الحديث»4 ، و منها صحيحته الاخرى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال: «رخص رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله للنساء و الضعفاء أن يفيضوا من جمع بليل و أن يرموا الجمرة بليل»5 و هذه الروايات واضحة الدلالة على أن المراد من الليل هو الليل السابق، لا الأعم منه و من الليل اللاحق، بقرينة الافاضة.
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 640)
……….
بقي هنا أمور، الأول: ان مورد هذه الروايات الخائف على نفسه أو عرضه أو ماله، و هل يمكن التعدي عن مورد هذه الروايات الى الشيوخ و النساء و الضعفاء الذين يخافون على انفسهم من كثرة الزحام؟ و الجواب: نعم يمكن التعدي، لأن ملاك الترخيص الخوف، و هو موجود في هؤلاء أيضا، هذا. اضافة الى أن الروايات التي تنص على ترخيص هؤلاء بالافاضة ليلا، و رمي جمرة العقبة ليلا تدل على جواز رمي الجمار ليلا أيضا، بعين الملاك، اذ لا يفهم العرف خصوصية لرمي جمرة العقبة ليلا إلاّ خوف هؤلاء من الزحام في النهار.
الثاني: ان العبد و الراعي غير داخلين في هذه الروايات، لعدم انطباق العناوين المأخوذة فيها عليهما. نعم موثقة سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «انه كره رمي الجمار بالليل، و رخص للعبد و الراعي في رمي الجمار ليلا»1 تدل على ترخيصهما في رمي الجمار بالليل، و لا يبعد ظهوره في الليل السابق، باعتبار أن رمي الجمار في الليل اللاحق قضاء لا أداء. و ظاهر الموثقة أنها في مقام بيان وظيفتها الأولية لا الثانوية كالقضاء، و يؤكد ذلك أن التقديم مكروه لغيرهما، مع أنه لا معنى لكراهة القضاء، سواء أ كان في الليل أم في النهار.
الثالث: ان الحاج اذا لم يتمكن من البقاء في منى أيام التشريق حتى ليلا بسبب من الأسباب كالخوف أو نحوه، فهل يسقط عنه وجوب رمي الجمار في اليوم الحادي عشر أو الثاني عشر، أو يجب عليه أن يرمي كلا اليومين في ليلة واحدة، أو يستنيب شخصا يرمي عنه؟ وجوه الأقرب الى القواعد الوجه الأخير، باعتبار أن النيابة فيه مشروعة للمعذور و غير المتمكن، و المفروض انه غير متمكن منه، فاذن وظيفته الثيابة، و أما سقوطه عنه رأسا فلا وجه له بعد تمكنه من الاستنابة، و أما اتيانه رمي كلا اليومين في ليلة واحدة فهو بحاجة الى دليل،
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 641)
[مسألة 434: من نسي الرمي في اليوم الحادي عشر وجب عليه قضاؤه في الثاني عشر]
(مسألة 434): من نسي الرمي في اليوم الحادي عشر وجب عليه قضاؤه في الثاني عشر، و من نسيه في الثاني عشر قضاه في اليوم الثالث عشر (1)،
و لا دليل عليه، و أما قوله عليه السّلام في صحيحة زرارة و محمد بن مسلم: «لا بأس بأن يرمي الجمار بالليل – الحديث»1 فلا يكون ظاهرا في أن وظيفته رمي الجميع الى اليوم الثاني عشر في ليلة واحدة و هي ليلة النحر، بل الظاهر منه أن وظيفته رمي كل يوم في ليلته على أساس أنه خائف من خروجه في النهار، أو لا أقل من الاجمال.
فالنتيجة ان وظيفة من لم يتمكن من البقاء في منى ايام التشريق ليرمي الجمار فيها الاستنابة، و الأحوط و الأولى أن يجمع بينها و بين رمي جميع الأيام في ليلة واحدة.
(1)لعدة نصوص:
منها: صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث، قال:
«قلت: الرجل ينكس في رمي الجمار فيبدأ بجمرة العقبة ثم الوسطى ثم العظمى، قال: يعود فيرمي الوسطى ثم يرمي جمرة العقبة و إن كان من الغد»2
فانها واضحة الدلالة على أنه اذا خالف الترتيب وجبت الاعادة و إن كانت في اليوم الثاني، و كذلك الحال اذا فاته أصل الرمي، فانه يجب عليه أن يأتي به في اليوم الثاني.
و منها: صحيحته الأخرى قال: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام: ما تقول في امرأة جهلت أن ترمي الجمار حتى نفرت الى مكة؟ قال: فلترجع فلترم الجمار كما كانت ترمي، و الرجل كذلك»3 فانها تدل باطلاقها على وجوب الاعادة في
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 642)
……….
اليوم الثاني اذا علم المكلف بالحال فيه.
و منها: صحيحته الثالثة عن ابي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «قلت: رجل نسي رمي الجمار حتى أتى مكة، قال: يرجع فيرميها، يفصل بين كل رميتين بساعة، قلت:
فاته ذلك و خرج، قال: ليس عليه شيء – الحديث»1 فانها تشمل باطلاقها ما اذا تذكر بالحال في اليوم الثاني.
و منها: صحيحته الرابعة، قال: «قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام: رجل نسي رمي الجمار، قال: يرجع فيرميها، قلت: فانه نسيها حتى أتى مكة، قال: يرجع فيرمي متفرقا يفصل بين كل رميتين بساعة، قلت: فانه نسي أو جهل حتى فاته و خرج، قال: ليس عليه أن يعيد»2.
ثم أن وجوب القضاء عليه انما هو فيما اذا علم بالحال أو تذكر في أيام التشريق و قبل انتهائها، و أما اذا كان بعد الانتهاء منها، فان خرج من مكة فلا شيء عليه، و إن كان في مكة ففي وجوب القضاء عليه اشكال، و إن كان الأحوط وجوبه. أما الأول فيدل عليه ذيل صحيحتي معاوية الأخيرتين، و أما الثاني فلأن مقتضى اطلاق الروايات المتقدمة ان من نفر من منى الى مكة ثم علم بالحال أو تذكر وجب عليه الرجوع الى منى للرمي و إن كان بعد أيام التشريق، إلاّ أن ما في ذيل الصحيحتين المذكورتين و هو قول السائل: «قلت فانه نسي أو جهل حتى فاته و خرج» قال عليه السّلام: «ليس عليه أن يعيد» و في الأخرى: «ليس عليه شيء» مانع عن الأخذ باطلاقها، فان المراد من قوله عليه السّلام: «فاته» هو فوت وقته بانتهاء أيام التشريق، و عليه فيحتمل أن يكون الفوت تمام الموضوع لحكمه عليه السّلام: «ليس عليه شيء» و الخروج غير دخيل فيه، و لعل ذكره انما هو باعتبار أن المكلف اذا
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 643)
و الأحوط أن يفرّق بين الاداء و القضاء، و ان يقدّم القضاء على الأداء و أن يكون القضاء أوّل النهار و الأداء عند الزوال (1).
علم بفوت وقته بنى على الخروج، اذ لا حالة منتظرة له بعد ذلك. و يحتمل أن يكون الخروج دخيلا في الموضوع، فمن أجل ذلك لا تخلو المسألة عن اشكال، و لا يمكن الحكم بوجوب الرجوع الى منى للرمي اذا كان في مكة بعد أيام التشريق على مستوى الفتوى، و لكن لا مناص من الحكم بذلك على مستوى الاحتياط، و أما اذا خرج من مكة في آخر أيام التشريق، و هو اليوم الثالث عشر، و علم بالحال، أو تذكر في الطريق، فهل يجب عليه الرجوع الى منى للرمي اذا تمكن منه في نفس ذلك اليوم أو لا؟ ففيه اشكال، و الأحوط وجوبا الرجوع.
(1)الظاهر عدم تعين وجوب الأداء عند الزوال، لأن وقت الرمي ممتد من طلوع الشمس الى غروبها على ما نصت عليه مجموعة من الروايات، و أما صحيحة عبد اللّه بن سنان، قال: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل أفاض من جمع حتى انتهى الى منى فعرض له عارض، فلم يرم حتى غابت الشمس، قال: يرمي اذا أصبح مرتين، مرة لما فاته، و الأخرى ليومه الذي يصبح فيه، و ليفرّق بينهما يكون أحدهما بكرة و هي للأمس، و الأخرى عند زوال الشمس»1 فهي لا تصلح أن تعارض تلك الروايات، لأن تلك الروايات ناصة في امتداد وقت الرمي من طلوع الشمس الى غروبها، و الصحيحة ظاهرة في أن وقته عند الزوال، فاذن لا بد من رفع اليد عن ظهورها تطبيقا لقاعدة حمل الظاهر على النص، و نتيجة ذلك أن التفريق بينهما بذلك غير واجب، نعم هو أولى و أجدر. و احتمال أن وقته ممتد بين الطلوع و الغروب بالنسبة الى من ليس عليه قضاء من اليوم السابق، و أما من عليه قضاء من ذلك اليوم، فلا يكون ممتدا بينهما، فانه غير
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 644)
[مسألة 435: من نسي الرمي فذكره في مكة وجب عليه أن يرجع إلى منى و يرمي فيها]
(مسألة 435): من نسي الرمي فذكره في مكة وجب عليه أن يرجع إلى منى و يرمي فيها (1) و إذا كان يومين أو ثلاثة فالأحوط أن يفصل بين وظيفة يوم و يوم بعده بساعة (2)،
محتمل جزما، و بحاجة الى دليل يدل على ذلك حتى يكون مقيدا لإطلاق الروايات، و أما الصحيحة المذكورة فقد عرفت أنها لا تصلح أن تقاوم الروايات المتقدمة الناصة في امتداد وقت الرمي من طلوع الشمس الى الغروب.
فالنتيجة ان الأظهر عدم وجوب التفريق بين القضاء و الأداء باكثر من ساعة.
نعم يستحب أن يرمي الجمار قضاء بكرة، و اداء عند الزوال.
(1)هذا اذا لم تنته أيام التشريق، و إلاّ فقد عرفت في المسألة (434) أن وجوب الرجوع مبني على الاحتياط.
(2)بل على الأظهر، و تنص عليه صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام، قال: «قلت: رجل نسي رمي الجمار حتى أتى مكة، قال: يرجع فيرمها و يفضل بين كل رميتين بساعة، قلت: فاته ذلك و خرج، قال: ليس عليه شيء – الحديث»1 و مثلها صحيحته الأخرى2. و نتيجة ذلك أمران:
أحدهما: أن لا يكون الفصل بينهما بأقل من ساعة، و أما الأكثر منها فلا مانع منه.
و الآخر: أن ذلك لا يكون محددا بوقت معين، فإن المكلف في أي ساعة أراد الاتيان بالقضاء يأتي بعده بساعة بالأداء، سواء أ كان ذلك قبل الزوال أم بعده، و أما اذا تذكر في مكة بعد أيام التشريق، فهل يجب عليه الرجوع الى منى لقضاء رمي الجمار؟ فقد مر أن الاحوط و الأجدر به وجوبا الرجوع، و كذلك اذا تذكر بعد الخروج من مكة في آخر يوم من أيام التشريق، مع تمكنه من الرجوع
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 645)
و اذا ذكره بعد خروجه من مكة لم يجب عليه الرجوع بل يقضيه في السنة القادمة بنفسه أو بنائبه على الأحوط (1).
[مسألة 436: المريض الذي لا يرجى برؤه الى المغرب يستنيب لرميه]
(مسألة 436): المريض الذي لا يرجى برؤه الى المغرب يستنيب لرميه، و لو اتفق برؤه قبل غرب الشمس رمى بنفسه أيضا على الأحوط (2).
الى منى و الاتيان بالرمي.
(1)لا بأس بتركه، لما مر من أن مقتضى اطلاق ذيل صحيحتي معاوية بن عمار المتقدمتين عدم وجوب شيء عليه اذا تذكر بعد خروجه من مكة وفات وقته حتى القضاء في السنة القادمة.
و اما رواية عمر بن يزيد عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: من اغفل رمي الجمار أو بعضها حتى تمضي أيام التشريق فعليه أن يرميها من قابل، فان لم يحج رمى عنه وليه، فان لم يكن له ولي استعان برجل من المسلمين يرمي عنه – الحديث»1 فهي و ان كانت تامة دلالة، إلاّ أنها ضعيفة سندا، فان في سندها محمد بن عمر بن يزيد، و هو لم يثبت توثيقه، فاذن لا دليل على وجوب القضاء في السنة القادمة.
(2)بل على الاقوى، على أساس ان الاستنابة انما هي مشروعة للمعذور من القيام به مباشرة في تمام الوقت، و أما اذا كان متمكنا منه و لو في آخر الوقت فلا يكون معذورا لكي تكون الاستنابة مشروعة في حقّه، و لا فرق فيه بين أن يكون جازما ببقاء مرضه الى آخر الوقت، أو محتملا بقاؤه، فانه على كلا التقديرين اذا استناب شخصا للرمي عنه فرمى، ثم انكشف الخلاف و برئ من المرض و تمكن منه بنفسه و مباشرة قبل خروج الوقت لم يجز، أما على الأول فواضح، و أما على الثاني فلأن الأمر الظاهري لا يجزي عن الواقع.
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 646)
[مسألة 437: لا يبطل الحج بترك الرمي و لو كان متعمدا]
(مسألة 437): لا يبطل الحج بترك الرمي و لو كان متعمدا (1)،
(1)لما مر في أول هذا البحث من أن رمي الجمار لا يكون من واجبات الحج و اجزائه، بل هو واجب مستقل كطواف النساء و المبيت في منى، فمن أجل ذلك لا يكون تركه عامدا و ملتفتا الى الحكم الشرعي مبطلا للحج. و أما رواية عبد اللّه بن جبلة عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «انه قال: من ترك رمي الجمار متعمدا لم تحل له النساء و عليه الحج من قابل»1 و إن دلت على أنه جزء الحج، إلاّ أنه لا يمكن الأخذ بها، لأنها ضعيفة سندا، فان في سندها يحيى بن المبارك و هو لم يثبت توثيقه، و مجرد وروده في اسناد تفسير علي بن ابراهيم لا يكفي، كما ذكرنا غير مرة، هذا. اضافة الى أنها معارضة للروايات الكثيرة التي تنص على أن من طاف طواف النساء تحل له النساء، فان مقتضى اطلاق هذه الروايات أن من طاف طواف النساء حلت له النساء و إن ترك رمي الجمرات عامدا و عالما بالحكم، و مقتضى اطلاق هذه الرواية أن من ترك رمي الجمرات متعمدا لم تحل له النساء و إن طاف طوافها، فاذن تكون المعارضة بينهما بالاطلاق، و حيث ان تلك الروايات روايات كثيرة لا يبعد بلوغها من الكثرة حد التواتر الإجمالي، فتكون هذه الرواية حينئذ داخلة في الروايات المخالفة للسنة، فلا تكون حجة.
نعم بناء على ما ذكره السيد الاستاذ قدّس سرّه من أن الاطلاق بما أنه ليس مدلولا للسنة، بل هو مدلول لمقدمات الحكمة فلا تكون الرواية مخالفة للسنة حتى تكون داخلة في الروايات المخالفة لها، و لكن قد ذكرنا في علم الأصول أن الاطلاق مدلول للكتاب و السنة دون مقدمات الحكمة، فانها جهة تعليلية و تفصيل الكلام هناك، هذا. اضافة الى أن ترك رمي الجمرات متعمدا لو كان مبطلا للحج كان مبطلا لطواف النساء أيضا، لأن معنى بطلان الحج بطلان احرامه أيضا، باعتبار أنه جزؤه، فاذا بطل احرامه فلا موضوع لحرمة النساء كغيرها من محرمات
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 647)
و يجب قضاء الرمي بنفسه أو بنائبه في العام القابل على الأحوط (1).
الإحرام، فمن أجل ذلك أيضا لا يمكن الأخذ بهذه الرواية.
(1)مر الكلام فيه في المسألة (435).
نتيجة البحث عن رمي الجمرات الثلاث أمور
الأول: انه واجب مستقل، و لا يكون من واجبات الحج و اجزائه، و لذا لا يبطل الحج بتركه عامدا و ملتفتا الى الحكم الشرعي، و موضعه من الناحية الزمانية اليوم الحادي عشر و الثاني عشر.
الثاني: يعتبر الترتيب بين الجمرات الثلاث في الرمي ابتداء من الجمرة الأولى و انتهاء بجمرة العقبة، فلو خالف و رمى جمرة قبل أن يذهب الى سابقتها وجب الرجوع الى السابقة و اعادة رمي اللاحقة، بلا فرق فيه بين العالم بالحكم و الجاهل به و الناسي، و اذا ظل الحاج الى ليلة الثالث عشر فالأظهر عدم وجوب الرمي عليه في اليوم الثالث عشر و إن كان الرمي أولى و أجدر.
الثالث: إذا رمى الحاج الجمرة السابقة بثلاث، و رمى اللاحقة بسبع بطل و وجبت اعادة الكل من جديد، أما السابقة فهي على القاعدة على أساس أنه يعتبر أن تكون سبع رميات لكل جمرة، بنحو التتابع و التوالي، فاذا لم تكن كذلك كانت باطلة، و بما أن رميات الجمرة السابقة لم تكن كذلك فهي باطلة، و أما اللاحقة فلأجل الاخلال بالترتيب بين رميها و رمي السابقة، و أما اذا رمى السابقة بأربع و اللاحقة بسبع فيصح، و لم تجب الاعادة، و انما يجب عليه تكميل رمي السابقة و ذلك للنصوص الخاصة.
الرابع: يجب أن يكون رمي الجمرات الثلاث في النهار، و لا يجزي ايقاعها في الليل اختيارا و يستثنى من ذلك من يخاف على نفسه أو عرضه أو ماله، فيجوز له أن يرمي في الليلة السابقة على النهار، فيرمي مثلا في ليلة العيد
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 648)
……….
بديلا عما يجب عليه في نهار العيد و في ليلة الحادي عشر بديلا عما يجب عليه الرمي في نهار الحادي عشر، و في ليلة الثاني عشر بديلا عن الرمي في نهاره، و تشمل هذه الرخصة النساء و الشيوخ و الضعفاء الذين يخافون على أنفسهم من كثرة الزحام، فانه يجوز لهم الرمي في ليلة ذلك النهار بديلا عن الرمي فيه.
الخامس: ان الحاج اذا لم يتمكن من البقاء في منى أيام التشريق لا ليلا و لا نهارا، فالأظهر أن وظيفته الاستنابة دون سقوط الرمي عنه، و لا وجوب رمي جميع الأيام في ليلة واحدة.
السادس: من نسي رمي الجمرات الثلاث، و خرج من منى الى مكة، فان تذكر بالحال و هو في مكة قبل انتهاء أيام التشريق وجب عليه أن يرجع الى منى و يرمي الجمرات، و إن تذكر بالحال بعد انتهاء أيام التشريق وجب عليه أن يرجع الى منى للرمي على الأحوط، و إن خرج من مكة فان تذكر بالحال بعد أيام التشريق لم يجب عليه الرجوع، لأنه فات بفوت وقته، و هو أيام التشريق، و إن تذكر بها في آخر يوم من أيام التشريق وجب عليه الرجوع على الأحوط.
قد تتساءل: ان رمي الجمار اذا فات عنه، فهل يجب عليه قضاؤه في السنة القادمة أو لا؟
و الجواب: لا يجب ذلك، و إن كان اولى و أجدر.
السابع: الأظهر أن يفصل بين القضاء و الأداء بساعة، و أما الاتيان بالقضاء بكرة و الأداء عند الزوال فهو مستحب و ليس بواجب، على اساس ان ما دل على الاول بما انه ناص بكفاية الفصل بينهما بساعة فيصلح أن يكون قرينة على رفع اليد عن ظهور الامر بالتفريق بينهما بالاتيان بالقضاء بكرة و بالاداء عند زوال الشمس في الوجوب و حمله على الاستحباب.
الثامن: ان وقت الرمي من طلوع الشمس الى غروبها.
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 649)
[أحكام المصدود]
أحكام المصدود
[مسألة 438: المصدود هو الممنوع عن الحج أو العمرة بعد تلبسه باحرامهما]
(مسألة 438): المصدود هو الممنوع عن الحج أو العمرة بعد تلبسه باحرامهما.
[مسألة 439: المصدود عن العمرة يذبح في مكانه و يتحلل به]
(مسألة 439): المصدود عن العمرة يذبح في مكانه و يتحلل به (1) و الأحوط ضم التقصير أو الحلق اليه.
(1)يقع الكلام في هذه المسألة من جهات:
الجهة الاولى في المراد من المصدود في مقابل المحصور.
الجهة الثانية في مقتضى القاعدة فيه و انها ما ذا تقتضي بعد الصد.
الجهة الثالثة في مقتضى الادلة من الكتاب و السنة و مدى دلالتها على حكم المسألة سعة و ضيقا.
اما الجهة الاولى فالمراد منه كما في الروايات الممنوع من الحج و العمرة بعد تلبسه بالاحرام، من قبل ظالم او عدو، لا مطلق الممنوع، و ان كان من اجل مرض.
و اما الجهة الثانية فلان مقتضى القاعدة سقوط الحج او العمرة عنه بالصد و العجز، و حينئذ فان كان الصد في سنة الاستطاعة لم يجب عليه الحج من قابل، إلاّ اذا ظلت استطاعته، و ان كان الحج مستقرا في ذمته فعليه الحج في سنة اخرى.
و اما الجهة الثالثة فمن الكتاب.
قوله تعالى: وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّٰهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ الآية1. و الاستدلال به يتوقف على أن يكون المراد من الحصر في
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 650)
……….
الآية مطلق المنع، سواء أ كان لمرض أم كان لمنع عدو أو ظالم. و الظاهر أن الأمر كذلك لقرينة داخلية و خارجية، اما الأولى فلأن معنى الحصر لغة و عرفا المنع، و لا يكون سبب المنع دخيلا في معناه الموضوع له، اذ من الواضح ان معناه طبيعي المنع لا حصة خاصة منه.
نعم، ان الفرق بين المحصور و المصدود انما هو بحسب الروايات على أثر الاختلاف بينهما في بعض الأحكام. و اما القرينة الخارجية فلأن مورد الآية الشريفة هو صد المشركين لرسول اللّه عليه السّلام في عمرة الحديبية باتفاق المفسرين، و يشير الى ذلك في عدة من الروايات أيضا، منها قوله عليه السّلام في صحيحة معاوية بن عمار: «فان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حيث صده المشركون يوم الحديبية نحر بدنة و رجع الى المدينة»1.
فالنتيجة أنه لا شبهة في أن المراد من الحصر في الآية الشريفة مطلق المنع، فاذن الآية تدل على أن وظيفة الممنوع من اتمام الحج أو العمرة ما تيسر له من الهدي، و لكن في الروايات تفصيل بين وظيفة المصدود و وظيفة المحصور، و تدل على أن وظيفة الأول ذبح الهدي أو نحره في مكان الصد، و وظيفة الثاني بعث الهدي الى محلّه، و سوف يأتي الكلام فيه.
و أما السنة: فهي تتمثل في مجموعة من الروايات، و تدل على أن وظيفة المصدود وجوب الذبح أو النحر في محل الصد، و به يتحلل من كل شيء حتى من النساء.
منها: صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام: «قال المصدود يذبح حيث صد و يرجع صاحبه فيأتي النساء، و المحصور يبعث بهديه فيعدهم يوما، فاذا بلغ
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 651)
……….
الهدي أحل هذا في مكانه، قلت: أ رأيت ان ردّوا دراهمه و لم يذبحوا عنه و قد أحل فأتى النساء، قال: فليعد و ليس عليه شيء، و ليمسك الآن عن النساء اذا بعث»1.
و منها: قوله عليه السّلام في صحيحة معاوية بن عمار «فان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حيث صده المشركون يوم الحديبية نحر بدنة و رجع الى المدينة»2 و مقتضى هاتين الروايتين أن المصدود يتحلل بالذبح أو النحر في محل الصد، و لا يتوقف ذلك على ضم الحلق أو التقصير اليه.
و لكن في مقابلها رواية تدل على أن التحلل يتوقف على أن يضم المصدود الحلق او التقصير الى الذبح أو النحر اذا ساق الهدي معه، و إلاّ فوظيفته التخيير بين الحلق او التقصير، و لا يجب عليه الهدي، و هي رواية معتبرة رواها علي بن ابراهيم في تفسيره عن قصة صد المشركين النبي الاكرم صلّى اللّه عليه و آله و اصحابه في عمرة الحديبية. و حاصل هذه الرواية أن المشركين لما منعوا الرسول صلّى اللّه عليه و آله من دخول مكة أمر صلّى اللّه عليه و آله أصحابه بنحر ما ساقوه معهم من الإبل و حلق رءوسهم حتى يتحلل بهما، كما انه صلّى اللّه عليه و آله نحر و حلق، و أما من لم يسق هديا معه فيكون مخيرا بين الحلق أو التقصير، و به يتحلل، و لا يجب عليه الهدي و إن كان متمكنا منه، و على هذا فهذه الرواية تقيد اطلاق صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة التي تنص على أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لما صدّه المشركون يوم الحديبية نحر ناقته و رجع الى المدينة، فان مقتضى ذلك أن الحلق غير واجب، و حيث ان دلالتها عليه ناشئة من السكوت في مقام البيان، فلا بد من رفع اليد عنها بهذه الرواية الناطقة بوجوب الحلق عليه تطبيقا لقاعدة حمل الظاهر على
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 652)
[مسألة 440: المصدود عن الحج ان كان مصدودا عن الموقفين أو عن الموقف بالمشعر خاصة]
(مسألة 440): المصدود عن الحج ان كان مصدودا عن الموقفين أو عن الموقف بالمشعر خاصة فوظيفته ذبح الهدي في محل الصد و التحلل به عن احرامه، و الأحوط ضم الحلق أو التقصير اليه (1)
الأظهر، كما أنها تقيد إطلاق الآية الشريفة، فان مقتضى اطلاقها وجوب الهدي على المصدود، سواء أ كان مصدودا في الحج أم العمرة المفردة، و سواء أ ساق الهدي معه أم لا، و هذه الرواية تقيد اطلاق الآية في العمرة المفردة بما اذا ساق المعتمر الهدي معه، و إلاّ لم يجب عليه الهدي. و لكن حيث ان مورد الرواية العمرة المفردة فلا يمكن التعدي عنه الى سائر الموارد كالحج، فانه بحاجة الى دليل و لا دليل عليه، و عليه فلا يمكن الحكم بأن المصدود في الحج يتحلل بالحلق أو التقصير اذا لم يسق هديا معه، بل عليه الهدي سواء أ ساق معه أم لا، و لا يتحلل إلاّ بذبحه أو نحره، و مع هذا فالأحوط و الأجدر به وجوبا ضم الحلق أو التقصير اليه أيضا.
(1)ظهر مما مر أن هذا هو الصحيح، و تدل عليه قوله عليه السّلام في صحيحة زرارة المتقدمة: «المصدود يذبح حيث صد و يرجع – الحديث»1.
و دعوى: أنه لا يدل على وجوب الذبح عليه باعتبار أنه وارد في مقام توهم الحظر، اذ كما يحتمل أن تكون وظيفته التحلل بالذبح حيث صد، يعني قبل الوقوفين، يحتمل أن يظل على احرامه حتى يفوته الموقفان و تنقلب وظيفته من الحج الى العمرة المفردة و يتحلل بها.
مدفوعة: اما أولا: فلأن الظاهر من الصحيحة أنها في مقام بيان وظيفة المصدود تعيينا بقرينة اقتصارها عليها و سكوتها عن بديلها.
و ثانيا: ان الآية الشريفة بما أنها تشمل المصدود أيضا فتدل على أن
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 653)
بل الاحوط اختيار الحلق إذا كان ساق معه الهدي في العمرة المفردة (1).
وظيفته الهدي اذا صد، و لم يتمكن من اتمام الحج أو العمرة، فيكون وجوب الهدي عند الصد عن الحج بديلا عن وجوب اتمامه، هذا. اضافة الى أن الانقلاب بحاجة الى دليل، و لا دليل عليه في المقام، لأن مورد الروايات التي تنص عليه هو من قدم مكة و قد فاته الموقفان كما في بعضها، و حينئذ فتنقلب وظيفته من حج التمتع الى عمرة مفردة، و في بعضها الآخر فاته الموقف بعرفات، و حينئذ فان ادرك المشعر الحرام فقد تم حجه، و إلاّ فتنقلب وظيفته الى عمرة مفردة، و من الواضح ان مورد هذه الروايات التي تدل على الانقلاب ما اذا كان فوت الحج مستندا الى ضيق الوقت، و أما اذا كان مستندا الى سبب آخر كمنع ظالم أو عدو عن الحج دون ضيق الوقت فلا يكون مشمولا لها، و أما التعدي عن موردها اليه فهو بحاجة الى قرينة حيث ان الحكم يكون على خلاف القاعدة و لا قرينة في المقام لا من الداخل و لا من الخارج.
فالنتيجة ان وظيفة المصدود عن الحج الذبح، و الأحوط وجوبا ضم الحلق اليه أيضا، و أما في العمرة المفردة فان ساق الهدي معه فوظيفته الذبح و الحلق معا، و إن لم يسق هديا فهو مخير بين الحلق أو التقصير، و لا يجب عليه الذبح كما مر.
(1)بل على الأظهر كما تقدم.
و أما صحيحة الفضل بن يونس عن أبي الحسن عليه السّلام قال: «سألته عن رجل عرض له سلطان فأخذه ظالما له يوم عرفة قبل أن يعرف فبعث به الى مكة فحبسه، فلما كان يوم النحر خلى سبيله كيف يصنع؟ فقال: يلحق فيقف بجمع ثم ينصرف الى منى فيرمي و يذبح و يحلق و لا شيء عليه، قلت: فإن خلى عنه يوم النفر كيف يصنع؟ قال: هذا مصدود عن الحج ان كان دخل متمتعا بالعمرة الى الحج فليطف بالبيت اسبوعا، ثم يسعى اسبوعا و يحلق رأسه، و يذبح شاة،
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 654)
و إن كان عن الطواف و السعي بعد الموقفين قبل اعمال منى أو بعدها فعندئذ ان لم يكن متمكنا من الاستنابة فوظيفته ذبح الهدي في محل الصد و ان كان متمكنا منها فالأحوط الجمع بين الوظيفتين ذبح الهدي في محله و الاستنابة (1).
فان كان مفردا للحج فليس عليه ذبح، و لا شيء عليه»1 فلا تدل على الانقلاب، لأن قوله عليه السّلام في ذيلها «فليطف بالبيت اسبوعا… الخ» لا ينطبق على العمرة المفردة لأمرين:
أحدهما: ان المعتمر في العمرة المفردة مخير بين الحلق و التقصير، و لا يجب الحلق عليه تعيينا.
و الآخر: لا يجب الهدي عليه في العمرة المفردة، و يجب فيها طواف النساء، و به يتحلل منها لا بالهدي، مع أن ظاهر هذه الرواية أن تحلّله من النساء انما هو بالحلق و الذبح لا بطواف النساء، و على هذا فالرواية لا تدل على الانقلاب أصلا، و عندئذ فإما أن يرد علمها الى أهله، أو يلتزم به في موردها خاصة، و هو ما اذا خلى سبيل المصدود بعد اعمال منى و هو في مكة، فاذا كان كذلك وجب عليه الطواف و السعي و الحلق و الذبح و يتحلل بذلك.
(1)في الجمع اشكال، و الأظهر أن وظيفته الاستنابة في الطواف و صلاته، و السعي بين الصفا و المروة، لأن المكلف اذا لم يتمكن من هذه الأعمال مباشرة بسبب من الأسباب، فعليه أن يستنيب شخصا يقوم بها عنه، و المفروض أن من كان متمكنا من الاتيان بها بالاستنابة لم تجر عليه أحكام المصدود، فإنها انما تجري عليه اذا لم يكن متمكنا منها لا بالمباشرة و لا بالاستنابة.
و دعوى: أن أدلة الاستنابة قاصرة عن شمول المقام لاختصاصها بما اذا كان المنوب عنه في مكة و عجز عن الطواف و السعي لمانع من الموانع، و أما من
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 655)
……….
لم يكن في مكة كالممنوع من قبل ظالم أو عدو من الدخول فيها فلا يكون مشمولا لها، و ما نحن فيه من هذا القبيل.
مدفوعة: بأن مورد كثير من هذه الأدلة و إن كان العاجز عن الطواف لزحام أو مرض أو حيض متواجدا في مكة، إلاّ أن بعضها الآخر مطلق، هذا. اضافة الى أن العرف لا يفهم خصوصية لتواجد المنوب عنه في مكة المكرمة، و لا يحتمل أن يكون حضوره فيها دخيلا في مشروعية النيابة.
فالنتيجة ان المعيار إنما هو بتمكن الشخص من الاستنابة للطواف و السعي عنه، و أما كونه حاضرا في مكة فلا دخل له في مشروعية النيابة، و من هنا اذا كان الحاج مريضا في منى، و لا يقدر على المجيء الى مكة جاز له أن يستنيب شخصا يطوف عنه و يسعى و هو في منى، و لا يحتمل عدم جواز الاستنابة له إلاّ بعد انتقاله الى مكة.
و بكلمة: ان مشروعية الاستنابة و إن كانت على خلاف القاعدة و بحاجة الى دليل، إلاّ أن المستفاد عرفا من الدليل الدال على مشروعيتها عدم اختصاصها بمن يكون في مكة، فان مورده و إن كان ذلك إلاّ أن العرف يفهم منه أن تمام الموضوع لها هو عجزه عن الطواف و السعي سواء أ كان فيها أم لا، و بذلك يظهر حال ما بعده. نعم اذا صد في الطريق عن عمرة التمتع بعد تلبسه بالاحرام، أو في مكة بعد وصوله اليها، و قبل أن يبدأ بالاعمال، فان كان صده عن اعمال العمرة فحسب كما اذا خرج عن الصد و أطلق سراحه في موعد الحج و تمكن من ادراك الوقوف بالموقفين، لم تترتب عليه أحكام المصدود، بل تنقلب وظيفته من التمتع الى الافراد، لأن عمرة التمتع ليست واجبة مستقلة، بل هي جزء من حج التمتع، هذا اضافة الى أنه لا دليل على أن وظيفة المصدود عن عمرة التمتع فقط التحليل بالذبح أو النحر في مكانه، و أما قوله عليه السّلام في صحيحة زرارة: «المصدود
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 656)
و ان كان الاظهر جواز الاكتفاء بالذبح إن كان الصد صدا عن دخول مكة، و جواز الاكتفاء بالاستنابة ان كان الصد بعده و ان كان مصدودا عن مناسك منى خاصة (1) دون دخول مكة فوقتئذ ان كان متمكنا من الاستنابة فيستنيب للرمي و الذبح ثم يحلق أو يقصّر و يتحلل ثم يأتي ببقية المناسك، و ان لم يكن متمكنا من الاستنابة فالظاهر ان وظيفته في هذه الصورة ان يودع ثمن الهدي عند من يذبح عنه ثم يحلق أو يقصّر في مكانه فيرجع إلى مكة لأداء مناسكها فيتحلل بعد هذه كلها عن جميع ما يحرم عليه حتى النساء من دون حاجة الى شيء آخر و صح حجه و عليه الرمي في السنة القادمة على الأحوط.
يذبح حيث صد – الحديث»1 فهو ناظر الى الصد عن الحج بما فيه عمرة التمتع و حج الافراد و العمرة المفردة، و لا نظر له الى الصد عن عمرة التمتع فحسب مع التمكن من الاتيان بالحج، و على هذا فان علم المصدود باطلاق سراحه و خروجه عن الصد في وقت يتمكن من ادراك الموقفين أو أحدهما، فالأظهر أن وظيفته تنقلب الى الافراد، و لكن مع هذا فالأحوط و الأجدر به أن يجمع بين استنابة شخص يقوم بالطواف عنه و صلاته و السعي بين الصفا و المروة، ثم هو يباشر التقصير، و بين أن ينوي احرام الحج بنية ما في الذمة، اي الأعم من حجة التمتع و حج الافراد، و بين أن يأتي بعد اعمال منى بطواف عمرة التمتع و صلاته و السعي قضاء بقصد الرجاء، ثم بطواف الحج، و إن لم يعلم بالحال و لكن أطلق سراحه اتفاقا في وقت يتمكن من ادراك الوقوف بالموقفين، فعندئذ انقلبت وظيفته الى حج الافراد، و إن كان صده عن الحج بما فيه عمرة التمتع كان مصدودا، و تترتب عليه أحكامه، و يدل على ذلك اطلاق صحيحة زرارة الآتية في المسألة (449).
(1)الظاهر أن الصد لا يتحقق بالنسبة الى اعمال منى و مناسكها، فانه إن
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 657)
[مسألة 441: المصدود من الحج لا يسقط عنه الحج بالهدي المزبور]
(مسألة 441): المصدود من الحج لا يسقط عنه الحج بالهدي المزبور، بل يجب عليه الاتيان به في القابل اذا بقيت الاستطاعة أو كان الحج مستقرا في ذمته (1).
كان متمكنا من الاستنابة في الذبح و الرمي وجبت عليه الاستنابة، فإذا أتى النائب بهما قام المنوب عنه بالحلق أو التقصير في خارج منى، لأن وجوب الحلق في منى مشروط بالتمكن منه، و مع العجز يسقط، و حيث أنه لا يتمكن من الحلق في منى فوظيفته أن يحلق أو يقصر في غيرها كما في الروايات، و أما وجوب الرمي فهو أيضا مشروط بالتمكن، و مع العجز فلا وجوب.
و دعوى: أن الطواف مترتب على رمي جمرة العقبة من الناحية التسلسلية، فاذا صد المكلف و منع من الرمي فلا يمكن الحكم بصحة الطواف، باعتبار أنه وقع في غير موضعه التسلسلي.
مدفوعة: بأن ترتب الطواف على الرمي من ناحية تسلسل الواجبات انما هو شرط في صحته في حال العلم و العمد، فاذا ترك المكلف الرمي عامدا و عالما بالحكم، و طاف بالبيت لم يصح طوافه، و أما في حال الجهل و النسيان و العجز فلا يكون شرطا، فاذا ترك الرمي جاهلا بالحكم او ناسيا أو من جهة منع مانع و طاف بالبيت صح طوافه، و لا يكون الترتيب بينهما في هذه الحالات شرطا في صحته، و اذا علم بالحال أو ارتفع المانع و رجع الى منى و رمى لم تجب عليه اعادة الطواف.
فالنتيجة انه لا يترتب احكام المصدود على الممنوع من مناسك منى و اعمالها خاصة.
(1)الأمر كما أفاده قدّس سرّه اذ لا موجب لكون الصد مسقطا لوجوب الحج عن ذمة المصدود فان أدلة الصد بأجمعها ناظرة الى بيان ما يتحلل به المصدود، من
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 658)
[مسألة 442: اذا صدّ عن الرجوع إلى منى للمبيت و رمي الجمار فقد تم حجه و يستنيب للرمي ان امكنه في سنته]
(مسألة 442): اذا صدّ عن الرجوع إلى منى للمبيت و رمي الجمار فقد تم حجه و يستنيب للرمي ان امكنه في سنته، و إلا ففي القابل على الأحوط (1) و لا يجرى عليه حكم المصدود.
[مسألة 443: من تعذر عليه المضي في حجه لمانع من الموانع غير الصد و الحصر]
(مسألة 443): من تعذر عليه المضي في حجه لمانع من الموانع غير الصد و الحصر فالأحوط ان يتحلل في مكانه بالذبح (2).
دون كونها ناظرة الى سقوط وجوب الحج عنه بالصد اذا كان مستقرا في ذمته او اذا ظلت استطاعته الى السنة القادمة.
فالنتيجة انه لا شبهة في عدم سقوط وجوب الحج عن المصدود بالهدي، فانه يوجب تحلّله عن محرمات الاحرام، لا سقوط الحج عنه.
بقي هنا شيء، و هو أن من نسي الطواف و رجع الى بلده، و تذكر بعد انتهاء ذي الحجة، يجب عليه الاتيان به مباشرة إن أمكن، و إلاّ فبالاستنابة، و تدل على ذلك مجموعة من الروايات، و الناتج منها أمور:
الأول: ان الحج لا يبطل بترك الطواف نسيانا حتى اذا استمر الى بعد الانتهاء من ذي الحجة.
الثاني: ان قضاءه واجب، و لا يلزم أن يكون في ذي الحجة في العام القادم.
الثالث: ان وجوب قضائه لا يمكن أن يكون وجوبا ضمنيا، لأن وجوبه الضمني قد سقط بوجوب الحج الاستقلالي بخروج وقته، و لا يعقل بقاؤه، فاذن لا محالة يكون واجبا مستقلا، و لا يمكن أن يكون من واجبات الحج و اجزائه، لاستلزامه الخلف.
(1)مر أن الأظهر عدم وجوب الاستنابة عليه للرمي في العام القادم.
(2)بل الأظهر بطلان احرامه، و لا موضوع حينئذ للتحليل، لما مر من أن المكلف اذا عجز عن اتمام الحج او العمرة، كان مقتضى القاعدة بطلانه، فاذا
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 659)
[مسألة 444: لا فرق في الهدي المذكور بين أن يكون بدنة أو بقرة أو شاة]
(مسألة 444): لا فرق في الهدي المذكور بين أن يكون بدنة أو بقرة أو شاة و لو لم يتمكن منه ينتقل الأمر الى بدله و هو الصيام على الأحوط (1).
بطل بطل احرامه أيضا، على أساس أنه جزؤه، و صحة كل جزء من أجزاء الواجب المركب مشروطة بالاتيان بالجزء الآخر واجدا للشروط، فاذا عجز عن الاتيان به بطل الجزء المأتيّ به، لانتفاء شرطه، و قد استثنى من هذه القاعدة المصدود و المحصور فقط بالنص كما تقدم، و لا دليل على استثناء غيرهما من المعذورين عن اتمام الحج أو العمرة.
(1)بل على الأظهر، و ذلك لأن هناك روايتين:
الأولى: صحيحة معاوية بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «في المحصور و لم يسق الهدي، قال: ينسك و يرجع، قيل: فان لم يجد هديا، قال: يصوم»1.
الثانية: صحيحته الأخرى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «انه قال في المحصور و لم يسق الهدي، قال: يسنك و يرجع، فان لم يجد ثمن هدي صام»2.
و مورد السؤال في هاتين الروايتين و إن كان المحصور، إلاّ أن المتفاهم العرفي من جواب الامام عليه السّلام بمناسبة الحكم و الموضوع الارتكازية ثبوت الحكم لمطلق غير المتمكن من الهدي، سواء أ كان محصورا أم كان مصدودا، اذ لا يرى العرف خصوصية للمحصور في هذا الحكم.
و إن شئت قلت: ان المستفاد عرفا من قوله عليه السّلام: «فان لم يجد ثمن هدي صام» هو عموم الحكم، حيث يفهم منه ان تمام الموضوع لوجوب الصيام هو عدم وجدان الهدي، و لا يرى خصوصية لكون ذلك من محصور. و على هذا فالمصدود من الحج اذا لم يتيسر له الهدي، فالأظهر أن وظيفته الصيام، و أما المصدود في العمرة المفردة فقد تقدم أن معتبرة علي بن ابراهيم في تفسيره
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 660)
……….
تنص على أنه اذا ساق الهدي معه فوظيفته أن يذبح أو ينحر و يحلق في مكانه، و إن لم يسق تخير بين الحلق و التقصير.
و هذه الرواية مضافا الى ذلك تدل على أمرين آخرين:
أحدهما: عدم وجوب الهدي عليه و إن كان متمكنا منه اذا لم يسق معه.
و الآخر: عدم وجوب الصيام بديلا عن الهدي اذا لم يكن الهدي ميسورا له، هذا.
و لكن قد يقال – كما قيل -: ان دلالتها على الأمر الأول بما أنها بالاطلاق المستفاد من مقدمات الحكمة، و على الأمر الثاني بالاطلاق الناشئ من السكوت في مقام البيان، فلا تصلح أن تعارض الروايتين المذكورتين، على أساس أن دلالتهما على وجوب الهدي اذا كان المصدود متمكنا منه، و على وجوب الصيام بديلا عنه اذا كان عاجزا عنه، انما هي بالنص، و حينئذ فلا بد من تقديمهما عليها بملاك تقديم النص على الظاهر.
و الجواب: ان دلالة هاتين الروايتين على الحكمين المذكورين و إن كانت أظهر من دلالة الرواية إلاّ أن مجرد ذلك لا يكفي في الحكم بتقديمهما عليها، بل لا بد من ملاحظة النسبة بينهما في المرتبة السابقة.
بيان ذلك: ان أظهرية أحد الدليلين أو أنصيته انما تكون قرينة عرفا على التصرف في الآخر تطبيقا لقاعدة حمل الظاهر على الأظهر أو النص اذا كانت النسبة بينهما التباين أو العموم من وجه، و أما اذا كانت النسبة بينهما عموما مطلقا بأن يكون أحدهما خاصا و الآخر عاما فتكون القرينة عرفا حينئذ الأخصية، دون الأظهرية أو الأنصية، على أساس أن الأخصية انما هي في المرتبة السابقة عليها، فما دام أحد الدليلين واجدا لها فلا يصل الدور الى الاظهرية، و أما أنها في المرتبة السابقة فبلحاظ أن الأخصية من صفات مدلول اللفظ، و هذا بخلاف
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 661)
……….
الأظهرية أو الأنصية فانها من صفات دلالة اللفظ، و من الواضح أن صفات المدلول اذا كانت صالحة للقرينية بنظر العرف فلا تصل النوبة الى صفات الدلالة بملاك تأخرها عنها، و من هنا يتقدم الخاص على العام و إن كان العام أظهر بل أنص، لأن قرينية الخاص انما هي باعتبار أنه يبين ضيق دائرة دلالة العام بلحاظ الارادة الجدية، و مفسر للمراد الجدي النهائي منه، و هذا بخلاف الأظهرية، فان قرينيتها إنما هي بلحاظ ما في نفس الدلالة و الكشف، بدون النظر لها الى دائرة المدلول في المرتبة السابقة سعة أو ضيقا، و على هذا الأساس فبما أن الرواية المذكورة أخص من هاتين الروايتين لاختصاص الرواية بالمصدود في العمرة المفردة، و عموم الروايتين للمحصور و المصدود مطلقا، فاذن لا بد من تقديمها عليهما تطبيقا لقاعدة حمل العام على الخاص، و نتيجة ذلك أن وظيفة المصدود في العمرة المفردة اذا ساق الهدي معه الذبح و الحلق في مكانه، و اذا لم يسق التخيير بين الحلق و التقصير، و لا يجب عليه الهدي حينئذ و إن كان متمكنا منه، و لا الصيام بدلا عنه اذا لم يكن متمكنا منه، و وظيفة المصدود في الحج هي الذبح أو النحر، سواء أ ساق معه هديا أم لا، اذا كان متمكنا منه، و إلاّ فوظيفته الصيام بديلا عن الهدي، هذا من ناحية.
و من ناحية أخرى قد تسأل عن أن المصدود في الحج هل يظل محرما الى أن يتمكن من الهدي، أو أنه يحل بمجرد الصدّ و المنع؟ فيه قولان: الأظهر القول الثاني: و تدل عليه صحيحة زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: هو حل اذا حبسه، اشترط أو لم يشترط»1 فان مقتضى اطلاقها أنه يحل بمجرد الحبس و المنع، سواء أ كان متمكنا من الهدي أم لا، و لكن الآية الشريفة و كذلك
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 662)
[مسألة 445: من أفسد حجه ثم صدّ هل يجري عليه حكم الصد أم لا]
(مسألة 445): من أفسد حجه ثم صدّ هل يجري عليه حكم الصد أم لا وجهان الظاهر هو الأول (1)، و لكن عليه كفارة الافساد زائدا على الهدي.
الروايات تصلح أن تكون مقيدة لإطلاقها بما اذا لم يتيسّر له الهدي، و أما اذا تيسر فوظيفته الهدي و لا يتحلل إلاّ به.
فالنتيجة ان الآية الشريفة بما أنه لا نظر لها الى صورة عدم تيسر الهدي له فلا مانع من التمسك باطلاق الصحيحة في هذه الصورة و الحكم بأنه يحل فيها بمجرد الحبس و الصد، كما أنه لا بد من تقييد اطلاق هذه الصحيحة بغير المصدود في العمرة المفردة، لما مر من أنه اذا ساق هديا معه حل بنحره و الحلق، و إلاّ حل بالتقصير او الحلق.
ثم إن هذه الصحيحة تشمل باطلاقها المصدود و المحصور معا.
(1)هذا بناء على ما قويناه من عدم فساد الحج بالجماع على ما نصت به صحيحة زرارة، من أن الحجة الأولى هي الحجة الواجبة، و الثانية عقوبة. و أما بناء على القول بفساده بالجماع فحينئذ و إن كان اتمامه واجبا، إلاّ أنه لا بملاك أنه اتمام لحج واجب واقعا، بل بملاك أنه اتمام له عقوبة و صورة لا واقعا، و على هذا فالمصدود عنه لا يكون محرما، لأنه بفساد حجه خرج عن الإحرام، على أساس أن حجه اذا بطل بطل احرامه، و لا يعقل بقاؤه، و إلاّ لزم خلف فرض كونه جزءا له، و من هنا اذا خالف و لم يتم الحج الفاسد عقوبة، فانه يعتبر آثما فقط، بدون أن يكون عليه شيء من محرمات الإحرام.
و بكلمة: ان الأمر الأول المتعلق بالحج قد سقط من جهة وجود المانع، و هو الجماع في اثنائه، و الأمر الثاني المتعلق باتمامه، اي بالإتيان بالأجزاء اللاحقة أمر عقابي، و هو أمر مستقل، و لا يمكن أن يكون ضمنيا، لفرض أن الأمر الضمني الذي كان متعلقا بها قد سقط بسقوط الأمر الاستقلالي، و عليه فبطبيعة الحال يكون وجوبها وجوبا مستقلا عقوبة، و لا يمكن أن يكون ذلك
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 663)
……….
الوجوب كاشفا عن بقاء المصدود محرما، لاستحالة كونه باقيا عليه بعد افتراض بطلان حجه و فساده، و على ضوء هذا القول فلا يترتب على الممنوع من الاتيان بتلك الأجزاء بعد فساد الحج أحكام المصدود لأن ترتب تلك الأحكام مرتبط بكون المصدود يظل محرما، و إلاّ فلا يكون مشمولا لأدلة الصد، هذا. اضافة الى أن موضوع أدلة الصد من الآية الشريفة و الروايات هو المصدود عن الحج أو العمرة، و المفروض أن الصد عن الاتيان بالأجزاء اللاحقة بعد فساد الحج ليس صدا عن الحج، بل هو صد عن شيء آخر، و يكون واجبا عليه عقوبة.
فالنتيجة انه بناء على ما قويناه من عدم فساد الحج بالجماع، فالصد عن الاتيان بالأجزاء اللاحقة حينئذ صد عن اتمام الحج، و يترتب عليه أحكامه، و أما بناء على فساده فالصد عنه ليس صدا عن اتمام الحج لكي تترتب عليه أحكامه.
و قد تتساءل: ان الحاج إذا صد عن اتمام الحج عقوبة على هذا القول، فهل يجب عليه قضاء ذلك الحج في السنة القادمة؟
و الجواب: انه غير واجب، لأن وجوبه بحاجة إلى دليل، و لا دليل عليه، هذا من ناحية.
و من ناحية أخرى انه بناء على عدم فساد الحج بالجماع – كما هو الصحيح – اذا صد المكلف بعده عن اتمام الحج، فان كان الحج حجة الإسلام و كان مستقرا في ذمته، أو ظلت استطاعته الى السنة القادمة وجبت عليه حجتان متتاليتان، الأولى حجة الإسلام، لفرض أنه منع عن اتمامها في السنة الأولى، فيجب عليه الاتيان بها في السنة القادمة. الثانية الحجة عقوبة، و هل يمكن انطباق الحجة عقوبة على حجة الإسلام، لكي يكفي الاتيان بحجة واحدة بعنوان حجة الإسلام أو لا؟ الظاهر عدم الانطباق، لأن الحجة عقوبة بما أنها
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 664)
[مسألة 446: من ساق هديا معه ثم صدّ كفى ذبح ما ساقه و لا يجب عليه هدي آخر]
(مسألة 446): من ساق هديا معه ثم صدّ كفى ذبح ما ساقه و لا يجب عليه هدي آخر (1).
معنونة بعنوان خاص و اسم مخصوص فلا بد من الاتيان بها باسمها الخاص المميز لها شرعا، و لا تنطبق على حجة الإسلام.
و من ناحية ثالثة انه لا فرق بين أن يكون الحج حجة الإسلام أو الحج النيابي أو النذري أو المندوب، فانه اذا مارس الجماع بزوجته قبل الوقوف بالمشعر ثم صد، فان كان حجة الإسلام فقد ظهر حكمه، و إن كان الحج النيابي كشف ذلك عن بطلان النيابة، لأن صحتها مشروطة بالقدرة على العمل، و الصد كاشف عن عدم قدرته عليه في الواقع، و إن كان الحج النذري، فان كان نذره مقيدا بالسنة الخاصة، و صد عن اتمامه فيها، كشف ذلك عن بطلان نذره، لأن صحته مشروطة بالقدرة على الوفاء به، و اذا لم يقدر عليه بطل، و إن كان الحج الندبي، و صد عن اتمامه لم يجب تداركه في السنة القادمة. و في جميع الصور يجب عليه الاتيان بالحج في العام القادم عقوبة.
(1)الأمر كما افاده قدّس سرّه، و الوجه في ذلك ان المصدود يتحلل بالذبح أو النحر في مكان الصد بدون أن تكون الذبيحة معنونة بعنوان خاص، و قد ورد في صحيحة زرارة «أن المصدود يذبح حيث صد»، و على هذا فاذا كان عليه هدي، كما اذا ساق المكلف معه ثم صد، كفى في تحلله و خروجه عن الإحرام ذبحه، اذ لا يجب عليه ارساله الى محله، و هو منى و ذبحه فيها، فان وجوب ذبحه هناك مشروط بتمكن المكلف من اتمام الحج، و أما اذا صد و منع منه من قبل ظالم أو عدو، فيكشف ذلك عن عدم وجوب الهدي عليه بعنوان هدي حج القران، و حينئذ فلا مانع من ذبحه في مكان الصد للتحلل به و الخروج من الإحرام.
و من هنا يظهر أنه لا يبعد أن يتحلل المصدود بذبح كفارة عليه في مكان الصد، حيث ان الواجب عليه الذبح بمقتضى قوله عليه السّلام في صحيحة زرارة:
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 665)
……….
«المصدود يذبح حيث صد»1 و لا عبرة بعنوان الذبيحة، فانها سواء أ كانت هديا واجبا، أم مستحبا، أم كفارة، أو غيرها لا يضر بصدق الواجب و تحققه و هو الذبح، و العبرة انما هي بصدقه لا بصدق عنوان الذبيحة، و هذا بخلاف الهدي في باب الحج، فان المعيار فيه انما هو بصدق عنوان الهدي على الذبيحة، و لا يكفي مجرد الذبح بدون أن يقصد ذلك العنوان، فلو ذبح في منى شاة أو بقرة أو نحر ناقة بدون أن يكون بعنوان الهدي لم يجز، و لا تكون الذبيحة حينئذ مصداقا للذبيحة المأمور بها، فان المأمور به حصة خاصة منها، و هى المعنونة بعنوان الهدي لا مطلقا. و على هذا فاذا كانت عليه كفارة دم شاة مثلا، ككفارة التظليل أو غيرها، فاذا صد عن اتمام الحج و اشترى شاة و ذبحها باسم الكفارة كفى عن كلا الواجبين، أما عن الكفارة فلصدقها على الذبيحة، و أما عن الواجب عليه حين صد فلصدق عنوان الذبح على ذبحها، و به يتحلل، و لا يتوقف تحلله على أمر زائد، هذا نظير ما اذا نذر صوم يوم الجمعة مثلا بدون أن يقيد بعنوان خاص، فانه ينطبق على كل صوم فيه، سواء أ كان واجبا كصوم شهر رمضان و صوم الكفارة، أم كان مستحبا. و كصوم الاعتكاف فانه ينطبق على كل صوم في الأيام الثلاثة واجبا كان أم مندوبا.
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 666)
[أحكام المحصور]
أحكام المحصور
[مسألة 447: المحصور هو الممنوع عن الحج أو العمرة بمرض و نحوه بعد تلبسه بالاحرام]
(مسألة 447): المحصور هو الممنوع عن الحج أو العمرة بمرض و نحوه بعد تلبسه بالاحرام.
[مسألة 448: المحصور ان كان محصورا في عمرة مفردة]
(مسألة 448): المحصور ان كان محصورا في عمرة مفردة فوظيفته ان يبعث هديا و يواعد أصحابه أن يذبحوه أو ينحروه في وقت معين فاذا جاء الوقت تحلل في مكانه، و يجوز له خاصة أن يذبح أو ينحر في مكانه و يتحلل (1)
(1)الأمر كما أفاده قدّس سرّه، بيان ذلك: ان الروايات الواردة في المقام على طوائف:
الطائفة الأولى: الروايات التي تدل على أن وظيفة المحصور في الحج و العمرة بعث الهدي الى محله، فاذا بلغ محله قصر و أحل.
منها: صحيحة معاوية بن عمار، قال: «سألت ابا عبد اللّه عليه السّلام: «عن رجل أحصر فبعث بالهدي، فقال: يواعد اصحابه ميعادا، فان كان في حج فمحلّ الهدي يوم النحر، و اذا كان يوم النحر فليقصر من رأسه، و لا يجب عليه الحلق حتى يقضي مناسكه، و ان كان في عمرة فلينتظر مقدار دخول اصحابه مكة، و الساعة التي يعدهم فيها، فاذا كان تلك الساعة قصر و أحل – الحديث»1.
و منها: موثقة زرعة، قال: «سألته عن رجل احصر في الحج، قال: فليبعث بهديه اذا كان مع اصحابه، و محله أن يبلغ الهدي محله، و محله منى يوم النحر اذا كان في الحج، و إن كان في عمرة نحر بمكة، فانما عليه أن يعدهم لذلك يوما،
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 667)
……….
فاذا كان ذلك اليوم فقد و في و إن اختلفوا في الميعاد لم يضره إن شاء اللّه تعالى»1.
و منها: صحيحة زرارة عن ابي جعفر عليه السّلام: «قال: اذا احصر الرجل بعث بهديه – الحديث»2 و منها غيرها. فان هذه الطائفة تنص على أن وظيفة المحصور بعث الهدي الى محله في الحج و العمرة.
الطائفة الثانية: الروايات التي تنص على أنه يجوز للمحصور في العمرة المفردة أن يذبح في مكانه.
منها: صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث: «قال: ان الحسين بن علي عليه السّلام خرج معتمرا فمرض في الطريق، فبلغ عليا عليه السّلام ذلك و هو بالمدينة، فخرج في طلبه، فأدركه في السقيا و هو مريض بها، فقال: يا بني ما تشتكي؟ فقال: اشتكي رأسي، فدعا علي عليه السّلام ببدنة فنحرها، و حلق رأسه، و رده الى المدينة، فلما برئ من وجعه اعتمر، فقلت: أ رأيت حين برئ من وجعه أحل له النساء، فقال: لا تحل له النساء حتى يطوف بالبيت و يسعى بين الصفا و المروة، فقلت: فما بال النبي صلّى اللّه عليه و آله حيث رجع الى المدينة حل له النساء، و لم يطف بالبيت، فقال: ليس هذا مثل هذا، النبي صلّى اللّه عليه و آله كان مصدودا، و الحسين عليه السّلام محصورا»3.
و منها: موثقة رفاعة بن موسى عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «قال: خرج الحسين عليه السّلام معتمرا و قد ساق بدنة حتى انتهى الى السقيا فبرسم فحلق شعر رأسه و نحرها مكانه ثم أقبل حتى جاء فضرب الباب، فقال علي عليه السّلام: ابني و رب
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 668)
……….
الكعبة افتحوا له الباب، و كانوا قد حموه الماء فاكب عليه فشرب ثم اعتمر بعد»1.
الطائفة الثالثة: الروايات التي تنص على أن وظيفة المحصور ذبح الهدي في مكانه مطلقا، أي سواء أ كان محصورا في الحج، أم في العمرة المفردة، أم التمتع.
منها: صحيحة معاوية ابن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «في المحصور و لم يسق الهدي، قال: ينسك و يرجع، قيل: فان لم يجد هديا، قال: يصوم»2.
و منها: صحيحته الأخرى عن ابي عبد اللّه عليه السّلام: «انه قال في المحصور و لم يسق الهدي، قال: ينسك و يرجع، فان لم يجد ثمن هدي صام»3.
و منها: قوله عليه السّلام في صحيحته الثالثة: «و إن كان مرض في الطريق بعد ما أحرم فاراد الرجوع الى أهله رجع و نحر بدنة – الحديث»4. و بعد ذلك نقول:
ان الطائفة الأولى تنص على أمرين:
أحدهما: وجوب بعث الهدي الى محلّه، و مقتضى اطلاقه عدم الفرق بين أن يكون معه هدي أو لا.
و الآخر: التقصير في اليوم الموعود و هو اليوم الذي يواعد أصحابه أن يذبحوا الهدي في ذلك اليوم، و مقتضى اطلاقها عدم الفرق بين أن يكون ذلك في الحج أو العمرة المفردة. و الطائفة الثالثة تنص على أن المحصور الذي لم يسق هديا معه يذبح في مكانه أو ينحر و يرجع، و مقتضى اطلاقها أيضا عدم الفرق بين أن يكون ذلك في الحج أو العمرة المفردة.
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 669)
……….
ثم ان الطائفة الثالثة ساكتة عن وجوب التقصير عليه بعد الذبح أو النحر في مكانه، و تدل على أن المحصور الذي لم يسق هديا معه اذا ذبح في مكانه حلّ، و مقتضى اطلاقها أنه حل سواء أقصر أم لا، و لكن لا بد من تقييد اطلاقها من هذه الناحية بالطائفة الأولى التي تنص على أنه لا يحل إلاّ بالتقصير.
و بكلمة: ان مقتضى اطلاق الطائفة الثالثة الناشئ من السكوت في مقام البيان، أن المحصور يحل بالذبح أو النحر في مكانه و إن لم يقصر، و لكن لا بد من رفع اليد عن اطلاقها هذا بنص الطائفة الأولى على أنه لا يحل إلاّ بالتقصير، و تقييده بما اذا قصر، هذا من ناحية.
و من ناحية أخرى أن الطائفة الأولى تدل باطلاقها على وجوب البعث و إن لم يسق الهدي معه، و لكن لا بد من رفع اليد عنه بنص الطائفة الثالثة على عدم وجوب البعث في هذه الصورة و كفاية الذبح أو النحر في مكانه.
و من ناحية ثالثة قد تسأل عن أن بين هاتين الطائفتين هل هو تعارض و تنافي أو لا؟
و الجواب: الظاهر انه لا تنافي بينهما، و ذلك لأن الطائفة الأخيرة لا تكون ظاهرة في أن وظيفة المحصور الذبح أو النحر في مكانه تعيينا و الرجوع الى بلده لكي تكون منافية للطائفة الأولى التي تدل على أن وظيفته ارسال الهدي الى محله و الذبح أو النحر فيه تعيينا، بل يكون مفادها كفاية ذلك، و عدم وجوب الإرسال، و ذلك لقرينتين:
الأولى: ان امر المحصور فيها بالذبح أو النحر في مكان الحصر و الرجوع الى بلده قد ورد في مقام توهم الحظر، فلا يدل على اكثر من كفاية ذلك، و عدم وجوب بعث الهدي الى محله، و تأخير التقصير فيه الى اليوم الموعود.
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 670)
……….
الثانية: ان قوله عليه السّلام في صحيحة معاوية في هذه الطائفة: «ان كان مرض في الطريق بعد ما أحرم فاراد الرجوع الى أهله رجع و نحر بدنة» ظاهر في أن هذا الحكم حكم امتناني ترخيصي لا الزامي، و على هذا فنرفع اليد عن اطلاق الطائفة الأولى في وجوب ارسال الهدي الى محله تعيينا بنص الطائفة الثالثة في جواز ذبح المحصور أو نحره في مكان الحصر تطبيقا لقاعدة حمل الظاهر على النص. فالنتيجة ان المحصور مخير بين أن يذبح الهدي أو ينحره في مكانه، أو يبعث به الى محله، فان كان في الحج فمحله منى، و إن كان في العمرة فمكة، و لكن ذلك في غير المحصور الذي ساق الهدي معه، على أساس أن مورد الطائفة الثالثة بما أنه حصة خاصة من المحصور، و هي المحصور الذي لم يسق الهدي، فهي ساكتة عن حكم من ساق الهدي نفيا و اثباتا، فاذن لا مانع من الأخذ باطلاق الطائفة الأولى بالنسبة الى ذلك المحصور، فان الطائفة الثالثة لا تصلح أن تكون قرينة على رفع اليد عنه، و لا يوجد هناك مانع آخر، و على هذا فيكون الناتج من ذلك أن المحصور اذا ساق الهدي معه وجب عليه ارساله الى محله بدون فرق بين أن يكون في الحج أو العمرة، و إن لم يسق كان مخيرا بين الإرسال الى محله أو الذبح أو النحر في مكانه.
و مع الاغماض عن ذلك و تسليم أن الطائفة الثالثة ظاهرة في أن وظيفة المحصور الذي لم يسق الهدي معه الذبح أو النحر في مكان الحصر تعيينا، و عندئذ فبما أن نسبة الطائفة الثالثة الى الطائفة الأولى نسبة الخاص الى العام، باعتبار اختصاصها بالمحصور الذي لم يسق الهدي، و عموم الأولى لكلا القسمين معا، اي المحصور الذي ساق الهدي معه، و الذي لم يسق، فهي تصلح أن تكون مقيدة لإطلاقها بالمحصور الذي ساق الهدي.
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 671)
……….
فالنتيجة ان من ساق الهدي معه اذا أحصر وجب عليه أن يرسله الى محلّه، فاذا وصل اليه قصر فاحل من كل شيء، و من لم يسق اذا أحصر ذبح أو نحر في مكانه، و قصر و أحل.
و اما الطائفة الثانية فهي أخص من الطائفة الأولى، لأن موردها المحصور في العمرة المفردة، بدون فرق بين من ساق الهدي معه أو لم يسق، و مورد الطائفة الأولى المحصور في الحج و العمرة المفردة و التمتع جميعا، بدون فرق بين من ساق الهدي أو لم يسق، و على هذا فتصلح أن تكون مقيدة لإطلاق الطائفة الأولى بغير المحصور في العمرة المفردة، و حينئذ فعلى القول بكبرى انقلاب النسبة تنقلب النسبة بين الطائفتين الأولى و الثالثة من عموم مطلق الى عموم و خصوص من وجه، فان الطائفة الأولى تختص عندئذ بالمحصور في الحج و عمرة التمتع، و تعم من ساق الهدي معه و من لم يسق، و أما الطائفة الثالثة فهي تختص بالمحصور الذي لم يسق هديا، و تعم المحصور في الحج و العمرة المفردة و التمتع، و مورد الالتقاء و الاجتماع بينهما خصوص المحصور الذي لم يسق الهدي في الحج و عمرة التمتع، فان مقتضى الأولى بعث الهدي و ارساله الى محله، و مقتضى الثانية ذبح الهدي أو نحره في مكانه، و على هذا فان قلنا أن مفاد الطائفة الثالثة حكم الزامي و تدل باطلاقها على تعين ذلك، تقع المعارضة بينه و بين اطلاق الطائفة الأولى، فيسقطان معا، فالنتيجة هي التخيير. و إن قلنا ان مفادها حكم ترخيصي امتناني و تدل على كفاية ذلك – كما قويناه – فلا معارضة بينهما حينئذ، هذا كله على القول بكبرى انقلاب النسبة، و أما بناء على ما قويناه من القول بعدم صحة تلك الكبرى، فقد ظلت النسبة بينهما، و لا تنقلب بسبب تقييد اطلاق الطائفة الأولى بالطائفة الثانية.
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 672)
و تحلل المحصور في العمرة المفردة انما هو من غير النساء، و اما منها فلا تحلل منها الا بعد اتيانه بعمرة مفردة بعد افاقته (1)، و ان كان المحصور محصورا في عمرة التمتع فحكمه ما تقدم الا انه يتحلل حتى من النساء (2)،
و أما نسبة الطائفة الثانية الى الطائفة الثالثة و إن كانت نسبة الخاص الى العام، إلاّ أنها لما كانت موافقة لها و كان الحكم في كلتيهما انحلاليا، فلا موجب لحمل المطلق على المقيد في هذه الصورة، و قد ذكرنا في علم الأصول أن النكتة العرفية الموجبة لحمل المطلق على المقيد، غير متوفرة في امثال المقام.
و تفصيل الكلام هناك.
بقي شيء و هو ان الطائفة الثانية كالطائفة الثالثة ظاهرة في أن الذبح أو النحر في مكان الحصر و الحلق فيه ليس واجبا على المحصور تعيينا، بل الظاهر منها عدم الوجوب، فيجوز له ذلك كما يجوز له ارسال الهدي الى محله.
فالنتيجة ان المعتمر في العمرة المفردة اذا احصر بعد الاحرام تخير بين أن يرسل الهدي الى محلّه ثم يقصر أو يحلق في اليوم الموعود، و بين أن يذبح أو ينحر في مكان الحصر، ثم يحلق أو يقصر فيه.
(1)لقوله عليه السّلام في صحيحة معاوية بن عمار: «و المحصور لا تحل له النساء»1 و قوله عليه السّلام في صحيحته الاخرى في قصة عمرة الحسين عليه السّلام: «لا تحل له النساء حتى يطوف بالبيت و يسعى بين الصفا و المروة»2.
(2)هذا هو الصحيح، بيان ذلك: أن هاهنا ثلاث اصناف من الروايات:
الصنف الأول: ما يدل على أن النساء لا تحل للمحصور، و مقتضى اطلاقه عدم الفرق بين أن يكون محصورا في العمرة المفردة أو حج التمتع، و هو متمثل في قوله عليه السّلام في صحيحة معاوية المتقدمة: «و المحصور لا تحل له النساء».
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 673)
……….
الصنف الثاني: ما يدل على أن النساء كغيرها من محرمات الاحرام تحل له بمجرد الحصر، و مقتضى اطلاقه عدم الفرق بين أن يكون حصره في العمرة المفردة أو حج التمتع، و هو متمثل في صحيحة أحمد بن محمد بن أبي نصر، قال: «سألت ابا الحسن عليه السّلام عن محرم انكسرت ساقه، أي شيء يكون حاله، و أي شيء عليه؟ قال: هو حلال من كل شيء، قلت: من النساء و الثياب و الطيب، فقال: نعم من جميع ما يحرم على المحرم، و قال: أما بلغك قول ابي عبد اللّه عليه السّلام حلني حيث حبستني لقدرك الذي قدرت علي»1.
الصنف الثالث: ما يكون موردها العمرة المفردة، و يدل على عدم حلية النساء للمحصور فيها إلاّ بالاتيان بعمرة مفردة أخرى بعد أن خف مرضه، و أصبح قادرا على الاتيان بها مرة ثانية. و هو متمثل في قوله عليه السّلام في صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة الحاكية لعمرة الحسين بن علي عليه السّلام: «لا تحل له النساء حتى يطوف بالبيت، و يسعى بين الصفا و المروة» و على هذا فالصنفان الأولان من الروايات متعارضان بنحو التباين، حيث ان الصنف الأول منها يدل على عدم حلية النساء للمحصور مطلقا، أي سواء أ كان محصورا في الحج أو العمرة المفردة، و الصنف الثاني يدل على حليتها له مطلقا بمجرد الحصر، و أما الصنف الثالث فانه و إن كان أخص منهما مطلقا، إلاّ أنه لما كان موافقا للأول فلا يصلح أن يكون مقيدا لإطلاقه، لما ذكرناه في علم الأصول من أن المقيد و المطلق اذا كانا مثبتين و كان الحكم المجعول فيهما انحلاليا لم تتوفر فيهما نكتة حمل المطلق على المقيد عرفا، فاذن يبقى الصنف الأول مطلقا، و أما بالنسبة الى الصنف الثاني فبما أنه مخالف له في الايجاب و السلب، فهو يصلح أن يكون مقيدا لا طلاقه بغير مورده، و هو العمرة المفردة.
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 674)
……….
فالنتيجة أن حلية النساء للمحصور في العمرة المفردة تتوقف على الاتيان بعمرة أخرى بعد الافاقة، و أما في الحج فلا تتوقف على ذلك، و حينئذ فعلى القول بانقلاب النسبة تنقلب النسبة بين الصنفين الأولين من التباين الى عموم و خصوص مطلق، حيث يصبح الصنف الثاني بعد تقييده بغير العمرة المفردة أخص من الصنف الأول، و عندئذ يكون صالحا لتقييد اطلاقه بغير المحصور في الحج و عمرة التمتع، فاذن يكون الناتج من ذلك ان المحصور في العمرة المفردة لا تحل له النساء إلاّ بعد الاتيان بعمرة أخرى و في الحج أو عمرة التمتع حلت له.
و أما على القول بعدم كبرى انقلاب النسبة – كما هو الصحيح – فيبقى التعارض بين الصنفين على حاله، و بما أنه لا ترجيح لأحدهما على الآخر، فيسقطان معا من جهة التعارض، و حينئذ يرجع الى اطلاق قوله عليه السّلام في صحيحة معاوية بن عمار المتقدمة: «فان كان في حج فمحل الهدي يوم النحر، و اذا كان يوم النحر فليقصر من رأسه – الحديث»1 فانه يقتضي باطلاقه تحلله به حتى من النساء، و كذلك قوله عليه السّلام: «فان كان في عمرة فلينتظر مقدار دخول أصحابه مكة، و الساعة التي يعدهم فيها، فان كان تلك الساعة قصر و أحل»2 فان مقتضى اطلاقه أنه يحل حتى من النساء، غاية الأمر ان المحصور في العمرة المفردة قد خرج عن اطلاقه، فالنتيجة ان هذه الصحيحة لا تصلح أن تكون طرفا للمعارضة مع الصنفين الأولين، باعتبار أن دلالة الصحيحة على حلية النساء للمحصور بالتقصير بعد الذبح أو النحر بالاطلاق، و دلالة الصنف الأول على أن حليتها تتوقف على الاتيان بعمرة أخرى تكون بالنص، و كذلك دلالة الصنف
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 675)
و ان كان المحصور محصورا في الحج فحكمه ما تقدم، و الأحوط انه لا يتحلل عن النساء (1) حتى يطوف و يسعى و يأتي بطواف النساء بعد ذلك في حج أو عمرة.
[مسألة 449: اذا احصر و بعث بهديه و بعد ذلك خفّ المرض]
(مسألة 449): اذا احصر و بعث بهديه و بعد ذلك خفّ المرض فان ظن او احتمل ادراك الحج وجب عليه الالتحاق و حينئذ فان ادرك الموقفين أو الوقوف بالمشعر خاصة – حسب ما تقدم – فقد أدرك الحج، و إلا فان لم يذبح أو ينحر عنه انقلب حجه الى العمرة المفردة (2)،
الثاني على عدم الحلية، و لكنها تصلح أن تكون مرجعا بعد سقوطهما بالتعارض.
(1)و فيه ما تقدم من أن المصدود عن عمرة التمتع فحسب دون الحج لا يترتب عليه أحكام المصدود و المحصور من هذه الناحية كالمصدود، بنفس ما ذكرناه من الملاك في المصدود، و لا فرق بينهما فيه أصلا.
(2)في اطلاقه اشكال بل منع، و الأظهر التفصيل فيه، فان المكلف اذا أحصر في الطريق بعد الاحرام و تأخر عن القافلة و بعث بهديه ثم وجد في نفسه خفة و تحسنا بحاله بحيث تمكن من البدء بالسفر، فحينئذ إن احتمل أو اعتقد انه اذا بدأ بالسفر يدرك الناس في الموقفين، أو في أحدهما، وجب عليه ذلك، و عندئذ فان لم يصل الى مكة إلاّ و قد فات عنه الموقفان معا، فان كان عدم وصوله من جهة مرضه فهو محصور، و تترتب عليه أحكامه، و لا نقصد بالمحصور إلاّ من منعه مرض عن اتمام الحج أو العمرة، و إن كان عدم وصوله مستندا الى تقصيره و تسامحه في المشي كالبطؤ أو نحوه، لا مرضه لم تترتب عليه أحكام المحصور، على أساس أن فوت الحج أو العمرة حينئذ لم يكن مستندا إلى مرضه، بل الى مانع آخر، فلا يكون مشمولا لروايات الحصر، بل
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 676)
……….
يكون مشمولا للروايات التي تنص على أن من قدم مكة و قد فات عنه الموقفان فعليه عمرة مفردة، يعني تنقلب وظيفته الى العمرة المفردة، و عليه الحج من قابل، و أما صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام: «قال: اذا احصر الرجل بعث بهديه، فاذا افاق و وجد في نفسه خفة فليمض ان ظن انه يدرك الناس، فان قدم مكة قبل أن ينحر الهدي فليقم على احرامه حتى يفرغ من جميع المناسك و لينحر هديه و لا شيء عليه، و ان قدم مكة و قد نحر هديه فان عليه الحج من قابل و العمرة – الحديث»1 فانها تدل على انه اذا افاق من مرضه و استعاد صحته، فان اعتقد انه يدرك الناس في الموقفين أو احدهما اذا واصل في سفره وجب عليه ذلك، و حينئذ فان ادرك الناس و لو في احدهما صح حجه و لا شيء عليه، غاية الامر انه ان كان محرما للعمرة من حج التمتع انقلبت وظيفته الى حج الافراد، و ان لم يدرك الناس حتى في احد الموقفين بان وصل الى مكة المكرمة و قد فات عنه الموقفان معا فلذلك صورتان:
الاولى: ان يستند عدم ادراكه الى مرضه في الطريق و عدم افاقته منه في وقت يتمكن من الادراك، و في هذه الصورة يترتب عليه احكام المحصور باعتبار ان فوت الحج أو العمرة مستند الى مرضه لا الى سبب آخر، و عندئذ فان كان قد نحر هديه في منى فوظيفته ان يحلق او يقصر فاذا فعل ذلك احل من كل شيء حتى من النساء، بناء على ما قويناه من ان حلية النساء للمحصور في الحج لا تتوقف على الاتيان بعمرة مفردة، و انما تتوقف حليتها له في العمرة المفردة على الاتيان بها من جديد. و ان لم ينحر هديه فوظيفته ان يقوم بنحره فاذا نحر ثم حلق أو قصر احل من كل شيء.
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 677)
……….
و قد تتساءل عن ان مقتضى اطلاق الصحيحة ان وظيفته في الفرض الاول تنقلب من الحج الى العمرة المفردة فعلا لأن قوله عليه السّلام فيها «فان عليه الحج من قابل و العمرة» ظاهر في ان المراد من العمرة العمرة المفردة دون التمتع لأنها جزء الحج و لا وجه لذكرها في مقابله.
و الجواب اولا: ان قوله عليه السّلام: «عليه الحج من قابل و العمرة» لا يكون ظاهرا في ان المراد من العمرة فيه العمرة المفردة الآن، اذ كما يحتمل ذلك يحتمل ان يكون المراد منها العمرة المفردة في العام القادم، كما يحتمل ان يكون المراد منها عمرة التمتع، و ان كان بعيدا، فالنتيجة انه لا ظهور له في الانقلاب عرفا.
و ثانيا: مع الاغماض عن ذلك، و تسليم ان الصحيحة ظاهرة في ذلك، إلاّ انه لا بد حينئذ من رفع اليد عن ظهورها الاطلاقي و حمله على الصورة الثانية الآتية بقرينة روايات المحصور التي هي ظاهرة في ان هذه الصورة بكلا فرضيه مشمولة لها.
الثانية: ان يستند عدم ادراكه الموقف الى تقصيره و تسامحه في السير و عدم اهتمامه بالوصول الى الحج، و في هذه الصورة لا يترتب عليه احكام المحصور، باعتبار ان فوت الحج فيها غير مستند الى مرضه فاذن لا محالة تنقلب وظيفته الى العمرة المفردة، و من هنا يظهر ان الصحيحة لا تدل على تمام هذه التفاصيل فان مفادها كما يلي لان قوله عليه السّلام فيها: «فان قدم مكة قبل أن ينحر الهدي فليقم على احرامه»1 اشارة الى أنه غير داخل في المحصور، على أساس أنه في هذه الصورة متمكن من الحج، فاذن بطبيعة الحال يظل محرما الى
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 678)
……….
أن ينحر هديه و يحلق رأسه، فاذا فعل ذلك أحل من كل شيء أحرم منه إلاّ الطيب و النساء، و قوله عليه السّلام: «و إن قدم مكة و قد نحر هديه فان عليه الحج من قابل و العمرة»1 اشارة الى أنه اذا قدم مكة في نهار يوم العيد بعد نحر هديه فقد فات عنه الموقفان، و عليه الحج من قابل، و اما اذا قدم مكة في نهار يوم العيد قبل نحر هديه مع فوت الموقفين عنه فالصحيحة ساكتة عن حكمه.
بقي هنا أمور:
الأول: قد تسأل عن أنه اذا قدم مكة و قد نحر هديه، فهل يحل بذلك أو لا؟
و الجواب: ان فيه تفصيلا، فان تأخر قدومه مكة الى ما بعد نحر هديه إن كان مستندا الى مرضه فقد حل به اذا ضم اليه الحلق أو التقصير، و أما اذا كان مستندا الى تقصيره و تساهله فلا يحل إلاّ بالاتيان بعمرة مفردة، لأن وظيفته حينئذ تنقلب اليها بمقتضى النصوص.
الثاني: قيل ان الظاهر من العمرة في قوله عليه السّلام: «فان عليه الحج من قابل و العمرة» العمرة المفردة دون عمرة التمتع لأمرين:
الأول: ان عمرة التمتع جزء الحج فلا وجه لذكرها في مقابله.
الثاني: ان الظاهر من قوله عليه السّلام: «من قابل» قيد للحج دون العمرة، فلو كان المراد من العمرة عمرة التمتع لكان قيدا لكليهما معا، و هو خلاف الظاهر.
و لكن كلا الامرين لا يوجب ظهور الصحيحة عرفا في ان المراد من العمرة العمرة المفردة الآن.
الثالث: ان المراد من الظن في قوله عليه السّلام: «إن ظن انه يدرك الناس» إن كان
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 679)
و ان ذبح عنه تحلل من غير النساء و وجب عليه الاتيان بالطواف و صلاته و السعي و طواف النساء و صلاته للتحلل من النساء أيضا على الأحوط (1).
الوثوق و الاعتقاد كما هو غير بعيد، فعندئذ لا تدل على وجوب المضي الى مكة في صورة احتمال ادراك الناس في الموقف.
و دعوى: أن مقتضى القاعدة وجوب المضي، على أساس أن الشك فيه يرجع الى الشك في القدرة على الامتثال، و المرجع فيه قاعدة الاشتغال.
مدفوعة: بان الشك إن كان في امتثال التكليف المعلوم المنجز فالمرجع فيه قاعدة الاشتغال دون البراءة، بدون فرق بين أن يكون منشأ الشك فيه الشك في القدرة على الامتثال، أو شيء آخر، لما ذكرناه في علم الأصول من أن أدلة البراءة لا تشمل في نفسها موارد الشك في بقاء التكليف بعد العلم بثبوته، لأن الظاهر منها أنها في مقام الترخيص في موارد الشك في أصل ثبوت التكليف في الشرع، دون موارد الشك في بقائه بعد العلم بثبوته، و إن كان الشك في اصل ثبوت التكليف في الشرع فالمرجع فيه قاعدة البراءة دون قاعدة الاشتغال، بدون فرق بين أن يكون منشأ الشك فيه الشك في القدرة أو الشك في شيء آخر، و على هذا فان كان وجوب الحج مستقرا في ذمته و ثابتا و كان يشك في قدرته على امتثاله، فالمرجع فيه قاعدة الاشتغال، و إن لم يكن مستقرا في ذمته و كان الشك فيه شكا في أصل ثبوته عليه، فالمرجع فيه قاعدة البراءة و إن كان منشأ الشك الشك في القدرة على الامتثال.
الرابع: ان هذه الصحيحة تدل باطلاقها على أن الممنوع من عمرة التمتع فحسب مع تمكنه من الحج لا تترتب عليه أحكام المحصور، لأنه اذا أفاق في وقت يتمكن من ادراك الحج، فوظيفته ذلك و إن كان محرما لعمرة التمتع من حجة الإسلام، و قد تقدم تفصيل ذلك.
(1)مر أن عدم ادراكه الموقف إن كان مستندا الى تقصيره و تسامحه
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 680)
[مسألة 450: اذا احصر عن مناسك منى أو احصر من الطواف و السعي بعد الوقوفين فالحكم فيه]
(مسألة 450): اذا احصر عن مناسك منى أو احصر من الطواف و السعي بعد الوقوفين فالحكم فيه كما تقدم في المصدود (1)، نعم، اذا كان الحصر من الطواف و السعي بعد دخول مكة فلا اشكال و لا خلاف في ان وظيفته الاستنابة.
[مسألة 451: اذا احصر الرجل فبعث بهديه ثم آذاه رأسه قبل ان يبلغ الهدي محله]
(مسألة 451): اذا احصر الرجل فبعث بهديه ثم آذاه رأسه قبل ان يبلغ الهدي محله، جاز له أن يذبح شاة في محله أو يصوم ثلاثة أيام أو يطعم ستة مساكين لكل مسكين مدان و يحلق (2).
انقلبت وظيفته من الحج الى العمرة المفردة، و لا يحل حينئذ بذبح هديه عنه في منى، و لا يترتب عليه أي أثر، و إنما يحل بالعمرة المفردة، و ان كان مستندا الى مرضه فقد حل بالذبح عنه، شريطة أن يضم اليه مباشرة الحلق أو التقصير، على تفصيل تقدم.
(1)قد تقدم في المسألة (444) ان أحكام المصدود لا تجري على من صد عن مناسك منى، و لا عن الطواف و السعي، و أما المريض الذي لا يقدر على الطواف و السعي بنفسه فيجب عليه أن يستنيب شخصا يطوف باستعانته و لو محمولا إن أمكن، و إلاّ فيطوف عنه، فما دام متمكنا من ذلك فلا يكون محصورا عنهما، نعم اذا لم يتمكن من ذلك أيضا كان محصورا، و تترتب عليه أحكامه.
و أما بالنسبة الى مناسك منى فلا يتصور أن يكون الشخص محصورا عنها، أما بالنسبة الى الرمي فان كان المريض متمكنا منه بالاستنابة فهو، و إلاّ سقط عنه، لأن وجوبه مشروط بالقدرة، و أما الذبح و الحلق، فان تمكن منهما في منى فهو، و إلاّ ففي خارج منى.
(2)تدل على ذلك قوله تعالى: لاٰ تَحْلِقُوا رُؤُسَكُمْ حَتّٰى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كٰانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيٰامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ1
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 681)
[مسألة 452: لا يسقط الحج عن المحصور بتحلله بالهدي فعليه الاتيان به في القابل إذا بقيت استطاعته أو كان مستقرا في ذمته]
(مسألة 452): لا يسقط الحج عن المحصور (1) بتحلله بالهدي فعليه الاتيان به في القابل إذا بقيت استطاعته أو كان مستقرا في ذمته.
[مسألة 453: المحصور إذا لم يجد هديا و لا ثمنه صام عشرة أيام]
(مسألة 453): المحصور إذا لم يجد هديا و لا ثمنه صام عشرة أيام (2) على ما تقدم.
بضميمة الروايات التي فسرّت الصيام بصيام ثلاثة أيام، و الصدقة باطعام ستة مساكين لكل مسكين مدان، و النسك بتضحية شاة.
(1)لعدم الموجب للسقوط، فان أدلة المحصور غير ناظرة الى هذه الناحية أصلا، و عليه فاذا كان المقتضي لوجوبه موجودا و هو بقاء استطاعته الى السنة القادمة، أو كان الحج مستقرا في ذمته، وجب عليه الحج في السنة القادمة.
(2)فان الوارد في النص عنوان الصوم، كما في صحيحتي معاوية بن عمار المتقدمتين1 بدون تحديده بعشرة أيام، و لكن بما أن هذا الصوم بديل عن الهدي، فيكون الصوم البديل عنه عشرة أيام، ثلاثة أيام في الحج و سبعة اذا رجع الى بلده.
نتيجة البحث عن حكم المصدود تتمثل في الأمور التالية:
الأول: ان المصدود في المصطلح الفقهي هو الممنوع عن الحج أو العمرة بمنع ظالم أو عدو في الطريق، و على هذا فان كان مصدودا في الحج فوظيفته أن يذبح في مكانه أو ينحر، و به يتحلل، و الأحوط وجوبا ضم الحلق أو التقصير اليه أيضا، و لا فرق في ذلك بين أن يسوق الهدي معه أو لا، و ان كان مصدودا في العمرة المفردة، فان ساق الهدي معه فوظيفته الجمع بين الذبح أو النحر و بين الحلق أو التقصير في مكانه، و به يتحلل، و إن لم يسق هديا فهو مخير
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 682)
[مسألة 454: يستحب للمحرم عند عقد الاحرام أن يشترط على ربه تعالى أن يحلّه حيث حبسه و ان كان حلّه لا يتوقف على ذلك]
(مسألة 454): يستحب للمحرم عند عقد الاحرام أن يشترط على ربه تعالى أن يحلّه حيث حبسه و ان كان حلّه لا يتوقف على ذلك، فانه يحلّ عند الحبس اشترط أم لم يشترط.
بين الحلق أو التقصير، و لا يجب عليه الهدي و إن كان متمكنا منه.
الثاني: ان المصدود يتحلل حتى من النساء اذا عمل بوظيفته، و قام بانجازها بدون فرق بين أن يكون مصدودا في الحج أو العمرة المفردة.
الثالث: قد تتساءل: ان من صد عن اتمام عمرة التمتع فحسب بعد احرامها، فهل تجري عليه أحكام المصدود رغم انه متمكن بعد خروجه من الصد من الحج و ادراك الوقوف بالموقفين أو أحدهما؟
و الجواب: لا تجري عليه أحكام المصدود، بل تنقلب وظيفته من حج التمتع الى الافراد، و لا فرق في ذلك بين أن يكون عالما بأن فترة صدّه محدودة الى انتهاء وقت العمرة، و يخرج بعده من الصد في وقت يتمكن من ادراك الوقوف بالموقفين أو أحدهما أو جاهلا بذلك.
الرابع: قد تسأل عن أن المصدود في الحج اذا لم يتمكن من الذبح في مكانه، فهل عليه الصيام بديلا عنه؟
و الجواب: نعم.
و قد تسأل عن انه هل يحل في هذه الحالة بمجرد الصد و عدم التمكن من الذبح، أو يتوقف على شيء آخر؟
و الجواب: انه يتوقف على الحلق أو التقصير على الأحوط وجوبا.
و قد تسأل عن أن المصدود في العمرة المفردة اذا لم يتمكن من الذبح في مكان الصد فهل يجب عليه الصيام بديلا عنه؟
و الجواب: لا يجب.
الخامس: ان الحاج اذا استمتع بامرأته جماعا قبل المشعر، ثم صد عن
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 683)
……….
اتمام الحج، فبناء على القول بفساد الحج بالجماع لا يعتبر الحاج محرما، لأنه اذا فسد فسد احرامه، غاية الأمر انه مأمور بالاتمام عقوبة بأمر مستقل، لا بعنوان اتمام الحج، و حينئذ فلا تترتب عليه احكام المصدود.
و قد تسأل عن أنه اذا صد عن اتمام الحج عقوبة، فهل يجب عليه قضاء ذلك الحج في السنين القادمة؟
و الجواب: لا يجب عليه لأنه بحاجة الى دليل و لا دليل عليه، و أما بناء على ما هو الصحيح من عدم فساد الحج به و أنه حجة الإسلام و الثاني عقوبة، فيظل الحاج محرما و تترتب عليه أحكام المصدود عن اتمام الحج، و على هذا فاذا صد فعليه حجتان في السنين القادمة، الأولى حجة الإسلام، و الثانية الحجة عقوبة.
السادس: ان الهدي الواجب على المصدود لا يعتبر فيه اسم خاص و عنوان مخصوص، فيجزي مطلق الذبيحة و ان كانت كفارة لأن المعيار هنا انما هو بصدق عنوان الذبح، لأنه الواجب عليه بمقتضى قوله عليه السّلام في صحيحة زرارة:
«المصدود يذبح حيث صد»1 و لا عبرة بعنوان الذبيحة.
السابع: من منعه مرض عن اتمام الحج أو العمرة و هو المحصور في الاصطلاح، فان ساق الهدي معه وجب عليه بعثه الى محلّه، ثم انتظر الى اليوم الموعود فاذا بلغ ذلك اليوم حلق أو قصر فأحل، و إن لم يسق كان مخيرا بين البعث الى محله و الذبح أو النحر في مكانه ثم الحلق او التقصير فيه، هذا بلا فرق بين أن يكون محصورا في الحج أو في العمرة المفردة.
الثامن: ان المحصور في العمرة المفردة لا يحل له النساء إلاّ بالاتيان
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 684)
……….
بعمرة مفردة أخرى، و هذا بخلاف المحصور في الحج، فان حلية النساء له لا تتوقف على الاتيان بعمرة مفردة، بل تحل بما مر كغيرها من محرمات الإحرام.
التاسع: ان المحصور اذا أدرك خفة في نفسه و تحسنا في حاله بحيث وجد نفسه متمكنا من البدء بالسفر، و حينئذ فان احتمل أو اعتقد انه اذا بدأ بالسفر يدرك الناس بالموقفين، أو في أحدهما، وجب عليه ذلك اذا كان الحج مستقرا في ذمته، و إلاّ لم يجب عليه إلاّ اذا كان واثقا و معتقدا بذلك.
العاشر: ان الحصر أو الصد لا يوجب سقوط الحج عنه، إلاّ اذا كان في السنة الأولى للاستطاعة و لم تبق الى السنة الآتية، و أما اذا ظلت الى السنة القادمة، أو كان الحج مستقرا في ذمته فيجب عليه الاتيان به فيما بعد.
«و الحمد للّه أولا و آخرا، على نعمه و آلائه، و الصّلاة على محمّد و آله.»
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 685)
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 686)
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 687)
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 688)
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 689)
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 690)
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 691)
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 692)
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 693)
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 694)
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 695)
تعالیق مبسوطة علی مناسک الحج – جلد ۱۰ 696)