آثار حضرت آیة الله العظمی شیخ محمد اسحاق فیاض
صفحه اصلی کتابخانه تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۶ صفحه 2
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۶
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۶ 101)
……….
كمية خاصة من النقود.
نعم،لو أخذ السلطان بدل الخراج حصة من حاصل الأرض من المالك قهرا سقطت زكاتها عنه بالنسبة بناء على ما هو الصحيح من أن تعلق الزكاة بالغلات الأربع يكون على نحو الاشاعة في العين باعتبار ان هذا المقدار يعد تالفا من النصاب بدون تفريط منه،و في ضوء ذلك فعلى الأول تجب الزكاة في المقدار الباقي من الحاصل بعد استثناء حصة السلطان منه شريطة أن يبلغ الباقي النصاب،و على الثاني تجب في كل الحاصل إذا كان بقدر النصاب.
و لكن هنا روايات اخرى قد يستدل بها على عدم وجوب الزكاة في الباقي بيد الزارع بعد اخراج حصة السلطان.
منها:رواية سهلآباد:«و سأل أبا الحسن موسى عليه السّلام:عما يخرج منها،ما عليه؟فقال:إن كان السلطان يأخذ خراجه فليس عليك شيء،و إن لم يأخذ السلطان منها شيئا فعليك اخراج عشر ما يكون فيها» 1.
و منها:رواية رفاعة بن موسى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«سألته عن الرجل يرث الأرض أو يشتريها فيؤدي خراجها إلى السلطان،هل عليه فيها عشر؟قال:لا» 2.
و منها:رواية أبي كهمس عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«من أخذ منه السلطان الخراج فلا زكاة عليه» 3.بتقريب أنها تنص على عدم وجوب الزكاة في الباقي بعد الخراج.
و الجواب:ان الروايات و إن كانت تامة دلالة الاّ أنها بأجمعها ضعيفة سندا فلا يمكن الاعتماد على شيء منها،فاذن لا معارض للروايات المتقدمة.و مع الاغماض عن ذلك و تسليم تمامية هذه الروايات سندا فلا يبعد تقديمها عليها باعتبار أنها أقوى و أصرح منها دلالة حيث أنها ناصة في نفي الزكاة في فرض
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۶ 102)
على ما قرره السلطان ظلما إذا لم يتمكن من الامتناع جهرا و سرا،فلا يضمن حينئذ حصة الفقراء من الزائد،و لا فرق(1)في ذلك بين المأخوذ
أخذ الخراج منه من قبل السلطان،و تلك الروايات ظاهرة في وجوبها فيه.
و دعوى:أنها روايات شاذة و تلك روايات مشهورة فلا بد من تقديمها عليها.
مدفوعة أما أولا:فلأن تقديم الرواية المشهورة على الرواية الشاذة انما هو في مرحلة استقرار المعارضة و عدم امكان الجمع العرفي بينهما لا في مثل المقام الذي كان الجمع العرفي فيه ممكنا.
و ثانيا:ان تقديم الرواية المشهورة على الرواية الشاذة ليس من باب ترجيح الأولى على الثانية،بل من جهة أن الاولى قطعية الصدور.
و ثالثا:مع الاغماض عن ذلك و تسليم ان المراد من الشهرة ليست الرواية المقطوع الصدور،الاّ أن ما دل على ترجيحها على الشاذة ضعيف سندا فلا يمكن الاعتماد عليه.
و دعوى:ان هذه الروايات بما أنها موافقة لمذهب أبي حنيفة حيث انه يرى عدم الزكاة في الأراضي الخراجية بعد أخذ الخراج منها،و تلك الروايات مخالفة له فتحمل على التقية…
مدفوعة..أولا:ان ذلك مبني على استقرار المعارضة بينهما و عدم امكان الجمع العرفي،و قد مر أن المعارضة بينهما غير مستقرة لا مكان الجمع العرفي الدلالي.
و ثانيا:ان مجرد موافقة هذه الروايات لمذهب أبي حنيفة فقط دون سائر المذاهب لا يكفي في الحمل على التقية في مقام المعارضة.
فالنتيجة:ان العمدة ما مر من أنها جميعا ضعيفة من ناحية السند.
بل الظاهر هو الفرق،فان المأخوذ إذا كان من العين الزكوية ظلما
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۶ 103)
……….
و قهرا فلا ضمان عليه لعدم استناد تلفها إليه،و إن كان المأخوذ من غيرها فلا موجب لسقوط زكاة ما يعادل المأخوذ من العين الزكوية،و لا فرق فيه بين أن يكون الظلم عاما أو خاصا،فما في المتن من الفرق بينهما لا يرجع إلى معنى صحيح،الاّ أن يقال:ان الظلم إذا كان عاما فالمأخوذ بمثابة المؤن،و إذا كان خاصا فهو أمر اتفاقي و لا يدخل في المؤن.
و الجواب..أولا:انه لا فرق في المؤن التي تصرف على العين الزكوية بين أن تكون دائمية أو اتفاقية،بأن يتفق في سنة دون اخرى.
و ثانيا:ما تقدم من أن المؤن غير مستثناة من الزكاة.
هاهنا مسألتان..
الاولى:ان المراد من السلطان في هذه الروايات مطلق من بيده الأمر أعم من أن يكون عادلا أو ظالما.ثم انه لا شبهة في ولاية الامام المعصوم عليه السّلام على تلك الأراضي،فانه مضافا إلى ثبوت الولاية العامة له عليه السّلام قد دلت على ذلك مجموعة من الروايات.
منها:صحيحة أبي نصر المتقدمة،و انما الكلام و الاشكال في ولاية السلطان الجائر عليها،قيل:بثبوت الولاية له،بل أفرط في القول بها حتى جعله بمنزلة الامام العادل.
و غير خفي أن هذا القول يبتنى على أساس أن منصب الولاية لازم لمنصب السلطنة و الحكومة و إن كان المتقمص به غاصبا و جائرا.و لكن لا دليل على هذه الملازمة أصلا،و لا يوجد دليل آخر يدل على ثبوت الولاية له.بل يستفاد من مجموعة من النصوص انه لا يجوز الرجوع إليه و الأخذ بحكمه،فانه ان أخذ أخذ بحكم الطاغوت و هو سحت و باطل،فلو كانت له ولاية لم يكن الأخذ بحكمه أخذ بحكم الطاغوت.و أما هذه الروايات فهي لا تدل على ولايته عليها،و انما تدل على امضاء الشارع تصرفاته فيها من التقبيل على نحو المقاسمة و وضع خراج عليها،و لو لا هذه الروايات لم نقل بنفوذ تصرفاته فيها
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۶ 104)
……….
من تقبيل أو اجارة أو نحو ذلك،حيث انه لا شبهة في أن تصديه لهذا المنصب و تصرفه في تلك الأراضي التي هي ملك عام للمسلمين محرم على أساس أنه غاصب للمنصب و تصديه ذلك المقام الرفيع،فاذن يكون المراد من نفوذ تصرفاته فيها نفوذها بالنسبة إلى من يقوم بممارسة تلك الأراضي و الانتفاع بها، و هذا يعني انه يجوز له أخذ الأرض من يده باجارة أو تقبيل أو نحو ذلك.و عليه فالمبرر لحكم الشارع بنفوذ تصرفاته أحد امور..
الأول:أن لا تبقى الأرض معطلة رغم حاجة المسلمين إلى استثمارها و ممارسة انتاجها.
الثاني:أن لا يلزم الهرج و المرج في البلاد و اختلال النظام.
الثالث:أن لا يضيع حق كل فرد من أفراد المسلمين فيها.
و الصحيح من هذه الوجوه هو الوجه الأخير دون الوجهين الأولين.
أما الوجه الأول:فلأن غير الشيعة من طوائف المسلمين بما أنهم يرون على ضوء منهجهم الفقهي ان خلافة هؤلاء الخلفاء و السلاطين كانت على حق نظرا إلى أن هؤلاء كانوا لديهم من ولاة الأمر الذين قد أمر في الآية الكريمة بلزوم اتباعهم فلا محالة تكون تصرفاتهم في تلك الأراضي من تقبيل أو اجارة نافذة عندهم و كانت عن استحقاق.و أما الشيعة فبما أن نسبتهم إلى تلك الطوائف في ذلك العصر كانت في غاية القلة فلا يلزم من عدم نفوذ تصرفاتهم في حقهم تعطيل الأرض،و بذلك يظهر حال الوجه الثاني،فان غير الشيعة من الطوائف بما أنهم كانوا معتقدين ان النظام الموجود في عصر هؤلاء الخلفاء هو النظام الذي أمر الإسلام باتباعه و عدم جواز مخالفته،و أما الشيعة فبما أنهم كانوا قليلين فلا يلزم من عدم عملهم على وفق ذلك النظام الهرج و المرج و اختلال النظام،على أنهم لا يتمكنون من المخالفة جهرا و علنا،فاذن يتعين الوجه الثالث و هو ان امضاء الامام عليه السّلام ما يصدر منهم من التصرفات فيها انما يقوم على أساس أن يتيح لهم الفرصة لممارسة حقوقهم في تلك الأراضي و استنقاذها
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۶ 105)
……….
باعتبار أن لهم فيها حقا،و لو لم يمض الامام عليه السّلام لضاع حقهم فيها على أساس أنهم لا يتمكنون من ممارستها و استنقاذها بطريق آخر.
فالنتيجة لحد الآن:ان نفوذ تصرفات السلطان الجائر انما هو في حق من لا يتمكن من ممارسة حقه و استنقاذه بطريق آخر،و الاّ فلا يكون نافذا.
و من هنا يظهر انه لا فرق بين من يرى نفسه خليفة على المسلمين كسلاطين العامة و من لا يرى نفسه كذلك كسلاطين الشيعة،فان تصرفاتهم فيها كتصرفات هؤلاء غير نافذة الا بالنسبة إلى من لا يتمكن من انقاذ حقه فيها و ممارسته الاّ بأمرهم.
المسألة الثانية:هل يجوز احتساب ما أخذه السلطان الجائر من النصاب بعنوان الزكاة زكاة أو لا؟فيه وجهان:و الصحيح هو الأول،و تدل عليه مجموعة من الروايات:
منها:صحيحة يعقوب بن شعيب قال:«سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن العشور التي تؤخذ من الرجل،أ يحتسب بها من زكاته؟قال:نعم،إن شاء» 1.
و منها:صحيحة عيص بن القاسم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في الزكاة قال:«ما أخذوا منكم بنو امية فاحتسبوا به،و لا تعطوهم شيئا ما استطعتم،فان المال لا يبقى على هذا أن تزكيه مرتين» 2.
و منها:صحيحة الحلبي قال:«سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن صدقة المال يأخذه السلطان؟فقال:لا آمرك أن تعيد» 3.
و منها:غيرها.
فان الظاهر من هذه الروايات بمناسبة الحكم و الموضوع ان السلطان يأخذ الزكاة من الناس بعنوان انه ولي أمر المسلمين و لا تعم الخراج و المقاسمة،
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۶ 106)
من نفس الغلة أو من غيرها إذا كان الظلم عاما،و أما إذا كان شخصيا فالأحوط الضمان فيما أخذ من غيرها،بل الأحوط الضمان فيه مطلقا و إن كان الظلم عاما،و أما إذا أخذ من نفس الغلة قهرا فلا ضمان إذ الظلم حينئذ وارد على الفقراء أيضا.
فان الأول موضوع على الأرض من الدراهم أو الدنانير بعنوان اجرة الأرض، و الثانية موضوعة عليها بحصة من حاصلها و هي لا تدخل في ملك الزارع من البداية،و قد مر أن روايات المقاسمة تنص على وجوب الزكاة على الزارع في حصصه و ان الساقط عنه انما هو زكاة حصة السلطان فقط.و ظاهر هذه الروايات ان المال المأخوذ في موردها انما أخذ من نفس النصاب بعنوان الزكاة من قبل السلطان و ولاة الأمر ظلما و قهرا،و قد نص في بعضها بعدم جواز الاعطاء إذا استطاع،و يؤكد ذلك ان المفترض في مورد تلك الروايات بلوغ المال حد النصاب،و أما الخراج و المقاسمة المجعولين من قبل السلطان الجائر على الأرض فيما ان أخذهما بمقتضى الجعل الممضى من قبل الشرع فلا يكون ظلما و عدوانا.
فالنتيجة:انه لا بأس بالأخذ بظاهر هذه الروايات و هو جواز احتساب المال المأخوذ من المالك قهرا زكاة شريطة أن يكون الأخذ من قبل ولاة الأمر بعنوان الزكاة و الصدقة،و أن يكون المأخوذ من النصاب،و أما اختيارا فلا يجوز له الاعطاء لهم و احتسابه زكاة،و تدل عليه مضافا إلى أنه من اعطاء الزكاة لغير أهلها و هو غير جائز،صحيحتان..
إحداهما:صحيحة عيص بن القاسم المتقدمة.
و الاخرى:صحيحة أبي اسامة قال:«قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:جعلت فداك، إنّ هؤلاء المصدّقين يأتونا و يأخذون منّا الصدقة فنعطيهم إيّاها، أ تجزئ عنا؟فقال:لا،إنما هؤلاء قوم غصبوكم،أو قال:ظلموكم أموالكم،
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۶ 107)
[مسألة 16:الأقوى اعتبار خروج المؤن جميعها من غير فرق]
[2673]مسألة 16:الأقوى(1)اعتبار خروج المؤن جميعها من غير فرق
و انما الصدقة لأهلها» 1.
في القوة اشكال بل منع،و الأظهر عدم خروج ما يعادلها من النصاب فانه بحاجة إلى دليل و لا دليل عليه،و أما الوجوه التي استدل بها على الخروج فهي بأجمعها ساقطة و هي ما يلي..
الأول:الاجماع المدعى في كلمات بعض الفقهاء.
و الجواب أولا:ان المسألة مشهورة لا أنها مجمع عليها.
و ثانيا:انه لا يمكن احرازه بين الفقهاء المتقدمين لعدم الطريق إليه كما مرت الاشارة إليه غير مرة.
و ثالثا:انه ليس بتعبدي لاحتمال أن يكون مدرك المسألة عند الكل أو البعض سائر الوجوه.
الثاني:الأصل،بدعوى ان مقتضاه عدم تعلق الزكاة بما يعادل المؤن من النصاب.
و الجواب:ان الأصل انما يكون مرجعا في مورد الشك في التعلق، و لا شك لنا في تعلقها بتمام النصاب بمقتضى اطلاقات روايات العشر و نصف العشر.
الثالث:قوله عليه السّلام في صحيحة محمد بن مسلم:«و يترك للحارس العذق و العذقان،و الحارس يكون في النخل ينظره فيترك ذلك لعياله» 2بتقريب انه يدل على استثناء أجرة الحارس من النصاب.
و الجواب:انه لا يدل على أنه من باب أجرة الحارس،بل مناسبة الحكم و الموضوع تقتضى أن يكون ذلك حقا استحبابيا مجعولا له و لو بملاك حق
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۶ 108)
بين المؤن السابقة على زمان التعلق و اللاحقة(1)،كما أن الأقوى اعتبار النصاب أيضا بعد خروجها و إن كان الأحوط(2)اعتباره قبله،بل الأحوط
النظر حتى يستفيد هو و عياله من ثمره،هذا اضافة إلى أن تعرض الصحيحة لترك معافارة و أم جعرور و ما يترك للحارس و عدم التعرض لغير ذلك و منه المؤن اللازمة نوعا دليل على عدم الاستثناء.
الرابع:قوله تعالى: خُذِ الْعَفْوَ 1و قوله تعالى: وَ يَسْئَلُونَكَ مٰا ذٰا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ 2،و العفو هو الزائد على المؤونة.
و الجواب..أولا:ان محل الكلام في مئونة الزرع لا مئونة المالك،و الآية الشريفة واردة في مئونة المالك.
و ثانيا:ان ظاهر الآية الشريفة أخذ تمام الزائد و انفاقه لا عشره أو نصف عشره كما هو محل الكلام،فالآية الشريفة حينئذ أجنبية عن موضوع الكلام.
فالنتيجة:ان ما هو المشهور من خروج المؤن من النصاب لا يمكن اتمامه بدليل.
الظاهر هو الفرق بينهما لما مر من أن الزكاة إذا تعلقت بالغلات الأربع جاز للمالك تسليمها إلى الفقير أو الحاكم الشرعي و لا يجب عليه الحفاظ بها إلى زمان التصفية في الغلة و الاجتذاذ في التمر و الاقتطاف في الزبيب،و بما أن الحفاظ عليها إلى ذلك الزمان يتوقف على مئونة فلا يجب على المالك تحمل تلك المؤونة،و على هذا فيجوز للمالك احتساب المؤونة اللاحقة على الزكاة بالنسبة مع الاذن من الحاكم الشرعي.نعم،إذا صرفها عليها بدون الإذن منه لم يجز له احتسابها عليها.
بل هو الظاهر اما على القول بعدم خروج المؤن من النصاب فالأمر
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۶ 109)
عدم إخراج المؤن خصوصا اللاحقة،و المراد بالمئونة كل ما يحتاج إليه الزرع و الشجر من أجرة الفلاح و الحارث و الساقي و أجرة الأرض إن كانت مستأجرة و أجرة مثلها إن كانت مغصوبة و أجرة الحفظ و الحصاد و تجفيف الثمرة و إصلاح موضع التشميس و حفر النهر و غير ذلك كتفاوت نقص
واضح،و أما على القول بخروج المؤن منه فالأمر أيضا كذلك،لأن مقتضى اطلاقات نصوص ما انبتته الأرض من الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب إذا بلغ خمسة أوساق ففيه الزكاة أنه يكفي في وجوبها بلوغ المجموع حد النصاب لا بعد اخراج المؤن.و ما يدل على اخراجها فرضا فهو انما يدل على عدم وجوب الزكاة فيما يعادل المؤن من النصاب و تقييد وجوبها بالباقي،و لا يدل على أن الباقي لا بد أن يكون بقدر النصاب.
و إن شئت قلت:ان دليل استثناء المؤن على تقدير تماميته يكون مخصصا لإطلاق وجوب الزكاة الذي هو مفاد الهيئة،و لا يكون مخصصا لإطلاق دليل اعتبار النصاب الذي هو مفاد المادة،لأن وجوب الزكاة مشروط ببلوغ ما انبتته الأرض حد النصاب و هو خمسة أوساق،فإذا بلغ وجب الزكاه فيه،و لكن دليل استثناء المؤن يدل على عدم وجوبها فيما يعادل المؤن من النصاب كما هو الحال في سائر موارد التقييد و التخصيص حيث ان بلوغ ما انبتته الأرض حد النصاب من شروط الوجوب و الاتصاف،أي اتصاف المادة بالملاك لا من شروط الواجب و قيوده،و على هذا فلو دل دليل على استثناء المؤن كالوجوه المتقدمة فلا محالة يكون مفاده عدم وجوب الزكاة فيما يعادل المؤن من النصاب و استثناؤه من الوجوب،و لا يوجد دليل آخر يدل على ان بلوغ المال حد النصاب كما انه شرط للوجوب كذلك شرط للواجب،و نقصد بالواجب المال الذي يجب على المكلف اخراج الزكاة منه،لأن اطلاقات الأدلة جميعا مسوقة لبيان شرطيته للوجوب دون الواجب،و بذلك يظهر حال المسائل الآتية.
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۶ 110)
الآلات و العوامل حتى ثياب المالك و نحوها،و لو كان سبب النقص مشتركا بينها و بين غيرها وزّع عليهما بالنسبة.
[مسألة 17:قيمة البذر إذا كان من ماله المزكّى أو المال الذي لا زكاة فيه من المؤن]
[2674]مسألة 17:قيمة البذر إذا كان من ماله المزكّى أو المال الذي لا زكاة فيه من المؤن،و المناط قيمة يوم تلفه و هو وقت الزرع.
[مسألة 18:أجرة العامل من المؤن]
[2675]مسألة 18:أجرة العامل من المؤن،و لا يحسب للمالك أجرة إذا كان هو العامل،و كذا إذا عمل ولده أو زوجته بلا أجرة،و كذا إذا تبرع به أجنبي،و كذا لا يحسب أجرة الأرض التي يكون مالكا لها،و لا أجرة العوامل إذا كانت مملوكة له.
[مسألة 19:لو اشترى الزرع فثمنه من المؤونة]
[2676]مسألة 19:لو اشترى الزرع فثمنه من المؤونة،و كذا لو ضمن النخل و الشجر بخلاف ما إذا اشترى نفس الأرض و النخل و الشجر،كما أنه لا يكون ثمن العوامل إذا اشتراها منها.
[مسألة 20:لو كان مع الزكوي غيره فالمؤونة موزعة عليهما إذا كانا مقصودين]
[2677]مسألة 20:لو كان مع الزكوي غيره فالمؤونة موزعة عليهما إذا كانا مقصودين،و إذا كان المقصود بالذات غير الزكوي ثم عرض قصد الزكوي بعد إتمام العمل لم يحسب من المؤن،و إذا كان بالعكس حسب منها.
[مسألة 21:الخراج الذي يأخذه السلطان أيضا يوزع على الزكوي و غيره]
[2678]مسألة 21:الخراج(1)الذي يأخذه السلطان أيضا يوزع على الزكوي و غيره.
[مسألة 22:إذا كان للعمل مدخلية في ثمر سنين عديدة لا يبعد احتسابه على ما في السنة الاولى]
[2679]مسألة 22:إذا كان للعمل مدخلية في ثمر سنين عديدة لا يبعد احتسابه على ما في السنة الاولى،و إن كان الأحوط(2)التوزيع على السنين.
تقدم أن ما يوازي الخراج لا يستثنى من النصاب.
الاحتياط و إن كان استحبابيا الاّ أنه ضعيف جدا و لا منشأ له،إذ على
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۶ 111)
[مسألة 23:إذا شك في كون شيء من المؤن أو لا لم يحسب منها]
[2680]مسألة 23:إذا شك في كون شيء من المؤن أو لا لم يحسب منها.
[مسألة 24:حكم النخيل و الزروع في البلاد المتباعدة حكمها في البلد الواحد]
[2681]مسألة 24:حكم النخيل و الزروع في البلاد المتباعدة حكمها في البلد الواحد،فيضم الثمار بعضها إلى بعض و إن تفاوتت في الإدراك بعد أن كانت الثمرتان لعام واحد و إن كان بينهما شهر أو شهران أو أكثر،و على هذا فإذا بلغ ما أدرك منها نصابا اخذ منه ثم يؤخذ من الباقي قل أو كثر، و إن كان الذي أدرك أوّلا أقل من النصاب ينتظر به حتى يدرك الآخر و يتعلق به الوجوب فيكمل منه النصاب و يؤخذ من المجموع،و كذا إذا كان نخل يطلع في عام مرتين يضم.الثاني إلى الأول لأنهما ثمرة سنة واحدة لكن لا يخلو عن إشكال(1)لاحتمال كونهما في حكم ثمرة عامين كما قيل.
[مسألة 25:إذا كان عنده تمر يجب فيه الزكاة لا يجوز أن يدفع عنه الرطب على أنه فرضه]
[2682]مسألة 25:إذا كان عنده تمر يجب فيه الزكاة لا يجوز أن يدفع عنه الرطب على أنه فرضه و إن كان بمقدار لو جف كان بقدر ما عليه من التمر
تقدير تسليم استثناء المؤن فالعمل بما أنه من مئونة السنة الاولى فيستثنى من النصاب فيها دون النصاب في السنة الثانية و الثالثة،و نتيجة ذلك وجوب الزكاة في الثانية و الثالثة و إن لم يبلغ الحاصل النصاب على تقدير التوزيع.
و الأظهر هو الضم شريطة أن تبقى إلى الثمرة الثانية.
نعم،لا يجب عليه ابقاؤها إلى الثانية،و أما إذا بقيت عنده اتفاقا إلى زمان الثانية و أصبح المجموع النصاب تعلق وجوب الزكاة به من ذلك الحين باعتبار ان المتفاهم العرفي من اطلاقات الأدلة ان المعيار انما هو ببلوغ ثمرة سنة واحدة النصاب سواء أ كانت في زمن واحد أم كانت في أزمنة متعددة ما دام يصدق عليها أنها ثمرة انبتت في عام واحد و بلغت النصاب حيث انه مشمول لإطلاق قوله عليه السّلام:«ما أنبتت الأرض من حنطة أو شعير أو تمر أو زبيب إذا بلغ خمسة
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۶ 112)
و ذلك لعدم كونه من أفراد المأمور به،نعم يجوز دفعه على وجه القيمة(1)، و كذا إذا كان عنده زبيب لا يجزئ عنه دفع العنب إلا على وجه القيمة، و كذا العكس فيهما،نعم لو كان عنده رطب يجوز(2)أن يدفع عنه الرطب فريضة،و كذا لو كان عنده عنب يجوز له دفع العنب فريضة،و هل يجوز أن يدفع مثل ما عليه من التمر و الزبيب من تمر آخر أو زبيب آخر فريضة أو لا؟لا يبعد الجواز(3)لكن الأحوط دفعه من باب القيمة أيضا لأن الوجوب تعلق بما عنده،و كذا الحال في الحنطة و الشعير إذا أراد أن يعطي من حنطة أخرى أو شعير آخر.
أوساق ففيه الزكاة»إذ لا يحتمل اختصاصه بما إذا أنبتت خمسة أوساق في زمن واحد،بل يعم ما إذا انبتت في زمنين منفصلين أو أكثر شريطة أن لا يتجاوز المجموع سنة واحدة.
تقدم في المسألة(5)من زكاة الأنعام انه لا يكفى دفع القيمة عوضا عن الزكاة إذا كانت من غير النقدين الاّ باذن من الحاكم الشرعي،و به يظهر حال ما بعده.
في الجواز اشكال بل منع،و الأظهر عدمه لما مر من ان روايات الباب تنص على ان الزكاة انما تتعلق بثمر النخل من حين صدق التمر عليه لا مطلقا،و بما أن عنوان التمر لا يصدق عليه ما دام كونه رطبا فلا تتعلق الزكاة به لكي يمكن دفعه زكاة،نعم يتم ما ذكره قدّس سرّه على المشهور من أن الزكاة تتعلق به من حين كونه بسرا فعندئذ لا مانع من اعطائها من الرطب فريضة.
فيه ان الجواز بعيد جدا،و قد مر و سوف نشير في ضمن البحوث
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۶ 113)
[مسألة 26:إذا أدى القيمة من جنس ما عليه بزيادة أو نقيصة]
[2683]مسألة 26:إذا أدى القيمة من جنس ما عليه بزيادة أو نقيصة لا يكون من الربا بل هو من باب الوفاء(1).
[مسألة 27:لو مات الزارع مثلا بعد زمان تعلق الوجوب]
[2684]مسألة 27:لو مات الزارع مثلا بعد زمان تعلق الوجوب
الآتية ان تعلق الزكاة بالغلات الأربع انما هو على نحو الاشاعة في العين،فزكاة كل مال بلغ النصاب جزء من أجزاء ذلك المال مشاعا،فإذا كان عنده تمر بلغ النصاب فزكاته جزء من ذلك التمر مشاعا بنسبة معينة،و عليه فإذا أعطى زكاته من تمر آخر فالمعطي ليس نفس الفريضة بل عوض عنها،فإجزاؤه يتوقف على الامضاء و القبول من الحاكم الشرعي.
فيه اشكال بل منع،لأنه مبني على أن يكون تعلق الزكاة بالغلات الأربع على نحو الشركة في المالية لا في نفس العين الخارجية،فاذن اعطاء القيمة من جنس النصاب يكون وفاء للمأمور به في مقام الامتثال كأن يعطى زكاة الحنطة من حنطة اخرى،و زكاة التمر من تمر آخر و هكذا،فان كل ذلك مصداق للزكاة المأمور بها باعتبار أنها عبارة عن العشر أو نصف العشر من مالية النصاب،و هو كما ينطبق على العشر أو نصف العشر من نفس النصاب كذلك ينطبق على فرد آخر من ذلك الجنس،و أما بناء على ما قويناه من أن تعلقها بها على نحو الاشاعة في نفس العين فلا يصح دفعها زكاة من فرد آخر و إن كان من جنس النصاب الاّ بعنوان انه عوض عن عين الزكاة،و عندئذ فيلزم محذور آخر و هو الربا بناء على جريانه في المعاوضة بين العينين و إن لم تكن بعنوان البيع شريطة أن تكون المعاوضة بينهما معاملة واحدة لا معاملتين تكون احداهما مشروطة في ضمن الاخرى،بأن يقول المالك للحاكم الشرعي:أهب لك خمسة و عشرين كيلو من الحنطة غير الجيدة بشرط أن تبرأ ذمتي عن عشرين كيلو من الحنطة الجيدة،فانه إذا قبل الحاكم الشرعي ذلك ولاية على أساس أنه يرى فيه مصلحة،فالظاهر الصحة و لا رباء فيه.
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۶ 114)
وجبت الزكاة مع بلوغ النصاب،أما لو مات قبله و انتقل إلى الوارث فإن بلغ نصيب كل منهم النصاب وجب على كل زكاة نصيبه،و إن بلغ نصيب البعض دون البعض وجب على من بلغ نصيبه،و إن لم يبلغ نصيب واحد منهم لم يجب على واحد منهم.
[مسألة 28:لو مات الزارع أو مالك النخل و الشجر و كان عليه دين]
[2685]مسألة 28:لو مات الزارع أو مالك النخل و الشجر و كان عليه دين فإما أن يكون الدين مستغرقا أو لا،ثم إما أن يكون الموت بعد تعلق الوجوب أو قبله بعد ظهور الثمر أو قبل ظهور الثمر أيضا،فإن كان الموت بعد تعلق الوجوب وجب إخراجها سواء كان الدين مستغرقا أم لا،فلا يجب التحاص مع الغرماء لأن الزكاة متعلقة بالعين،نعم لو تلفت في حياته بالتفريط و صارت في الذمة وجب التحاص بين أرباب الزكاة و بين الغرماء كسائر الديون،و إن كان الموت قبل التعلق و بعد الظهور فإن كان الورثة قد أدّوا الدين قبل تعلق الوجوب من مال آخر فبعد التعلق يلاحظ بلوغ حصتهم النصاب و عدمه(1)،و إن لم يؤدوا إلى وقت التعلق ففي الوجوب و عدمه إشكال،و الأحوط(2)الإخراج مع الغرامة للديّان أو استرضائهم،
هذا بلا فرق بين أن يكون الدين مستوعبا لتمام التركة أو لا،فعلى كلا التقديرين إذا أدى الورثة الدين من أموالهم انتقلت التركة إليهم قبل التعلق، و حينئذ فإذا بلغ حصة كل واحد منهم النصاب تعلّقت الزكاة بها،و الاّ فلا.
لكن الأقوى عدم وجوب الاخراج إذا كان الدين مستغرقا لتمام التركة،فانه بناء على ما هو الصحيح من أن التركة حينئذ لا تنتقل إلى الورثة بل تظل باقية في ملك الميت فلا موضوع لوجوب الزكاة،و كذلك على القول بأنها تنتقل إليهم و لكنهم ممنوعون من التصرف فيها فأيضا لا موضوع له،لما مر من أن التمكن من التصرف شرط للوجوب.
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۶ 115)
و أما إن كان قبل الظهور وجب(1)على من بلغ نصيبه النصاب من الورثة بناء على انتقال التركة إلى الوارث و عدم تعلق الدين بنمائها الحاصل قبل أدائه و أنه للوارث من غير تعلق حق الغرماء به.
نعم،إذا لم يكن مستغرقا لتمام التركة كان الزائد على الدين ملكا طلقا للورثة،و لهم أن يتصرفوا فيه كيفما شاءوا،و عندئذ فان بلغ نصيب كل واحد منهم النصاب وجب اخراج الزكاة على الكل من نصيبه،و ان بلغ نصيب بعضهم دون الآخر وجب على من بلغ نصيبه دون غيره،و الاّ فلا.
و دعوى:أن ما يعادل مقدار الدين من التركة بما أنه ظل باقيا في ملك الميت ما لم يؤد فيكون مانعا من التصرف في كل التركة،و معه لا تجب الزكاة لعدم توفر شرط وجوبها و هو التمكن من التصرف.
مدفوعة:بأن نسبة الدين إلى مجموع التركة بما أنها نسبة الكلي في المعين لا نسبة الاشاعة في العين فلا تمنع من تصرف الورثة في المقدار الزائد من التركة.
فيه ان الظاهر عدم الفرق بين أن يكون موته قبل الظهور أو بعده و قبل التعلق.
بيان ذلك:أما بناء على ما هو الصحيح من أن مقدار الدين من التركة كان يبقى في ملك الميت فبطبيعة الحال تكون الثمرة الحادثة بعد الموت للمقدار من التركة الباقي في ملكه،و هو ما يوازي الدين ملكا له بقانون ان النماء تابع للأصل في الملك،و عليه فبما أن المجموع من الثمرة و الأصل أزيد من مقدار الدين فلا محالة ينتقل الزائد إلى الورثة،و حيث ان نسبة الزائد إلى كل من الأصل و الثمرة على حد سواء فيوزع كل من الدين و الزائد على المجموع بالنسبة، فيخرج الزائد من ملكه و يدخل في ملك وارثه و يبقى مقدار الدين فيه.
مثال ذلك:إذا كان الميت مدينا بألف دينار-مثلا-كان ما يوازي الألف
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۶ 116)
……….
من التركة يظل باقيا في ملكه،و عليه فإذا أثمر ما يوازي الألف و نما كان الثمر و النماء ملكا له،و حيث ان المجموع من الثمر و الأصل أزيد من مقدار الدين فالزائد ينتقل إلى الورثة،و بما أن نسبته إلى كل جزء من المجموع نسبة واحدة فيحسب من المجموع و لا يكون الزائد متمثلا في الثمر فقط.
و النكتة في ذلك:أن ما يبقى في ملك الميت من التركة و هو ما يوازي الدين ليس معنونا بعنوان خاص عدا عنوان الموازي للدين،كما أن الخارج من ملكه و الانتقال إلى ملك الورثة ليس كذلك الاّ بعنوان الزائد على مقدار الدين، فمن أجل ذلك كان ما يبقى في ملكه قبل ظهور الثمر و هو ما يوازي الدين ينطبق على الأصل،و بعد ظهور ثمره في ملكه ينطبق على مقدار المجموع من الأصل و الثمر بالنسبة،أي بنسبة الدين،و كذلك الحال في الزائد،فانه ينطبق قبل ظهور الثمر على الزائد على الأصل فقط،و بعد ظهورها ينطبق على الزائد في المجموع.
و من هنا يظهر أن المقام يختلف عن ثلث الميت في باب الوصية،فانه إذا أثمر و نما كان النماء كالأصل ملكا للميت و إن زاد عن الثلث،إذ لا مقتضى لانتقال الزائد عنه إلى ورثته،و هذا بخلاف المقام فان المقتضي للانتقال موجود و هو اطلاق أدلة الإرث،و المانع و هو الدين لا يمنع عن انتقال الزائد،فانه انما يمنع عن انتقال ما يوازيه من التركة لا أزيد،و على هذا فإن كان الدين مستغرقا لكل التركة لم تجب الزكاة في أثمارها لأنها ظهرت في ملك الميت و انتقلت منه إلى ملك الوارث بالنسبة،أما الميت فهو لا يكون قابلا للتكليف،و أما الوارث فهو لا يكون مالكا لها من حين ظهورها الذي هو معتبر في وجوب الزكاة و إن لم يكن مستغرقا،فعندئذ ان بلغت حصة كل منهم أو بعضهم من أثمار الأموال المنتقلة إليهم وجبت الزكاة،و الاّ فلا شيء عليهم.
و أما على القول بانتقال تمام التركة إلى الورثة متعلقة لحق الديان فحينئذ إذا مات المالك قبل ظهور الثمرة ثم ظهرت فلا مقتضي لكونها متعلقة للحق
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۶ 117)
……….
أيضا بالنسبة،على أساس أنها و إن كانت تابعة للأصل في الملك بقانون(ان من ملك شيئا ملك آثاره و نتاجه)الاّ أنها لما كانت ملكا جديدا حادثا في ملك الوارث بلا كونها مسبوقة بملك الميت فلا موجب لكونها كالأصل متعلقة لحق الغرماء،باعتبار أن متعلق هذا الحق تركة الميت التي انتقلت منه إلى وارثه متعلقة له ارفاقا به،و أما ما لا يكون من تركته كالثمر فلا يكون متعلقا له.
و إن شئت قلت:ان التركة بما أنها كانت ملكا للميت و انتقلت منه إلى وارثه،و حينئذ فان كان الميت مدينا للناس انتقلت إليه متعلقة لحقهم ارفاقا به، و أما ثمارها فحيث أنها قد حدثت في ملك الوارث فلا تكون من تركته،و معه لا موضوع لتعلق حقهم بها،هذا كله فيما إذا كان موت المالك قبل ظهور الثمرة، و أما إذا كان بعد ظهورها و قبل وقت التعلق كما إذا مات بعد ظهور ثمرة النخل و قبل صيرورتها تمرا بناء على ما هو الصحيح من أن وقت تعلق الزكاة فيها هو وقت صدق التمر عليها،ففي هذه الحالة تكون الثمرة متعلقة لحق الديان على كلا القولين في المسألة،و حينئذ فان كان الدين مستوعبا لكل التركة فلا موضوع للزكاة حيث لا ينتقل إلى الورثة منها شيء أو انتقلت إليهم متعلقة لحق الديان المانع من الزكاة و إن لم يكن مستوعبا للكل،و عندئذ فان بلغت حصة كل منهم أو بعضهم من الباقي النصاب تعلقت الزكاة بها،و الاّ فلا شيء عليهم،هذا كله في ثمر النخل و غيره من الأشجار.
و أما إذا كان الثمر من الزرع كالحنطة و الشعير أو الكرم كالعنب،فحينئذ إن مات المالك قبل ظهورها فإن كان مدينا فعلى القول الأول كان يبقى ما يوازي الدين من التركة و هي الزرع في المقام في ملكه،و نتيجة ذلك أن ثمرته إذا ظهرت فهي تتبع الأصل في الملك،و بما أن ماليته ازدادت بظهورها باعتبار ان الغاية منه الوصول إليها،كما ان ظهورها يوجب سقوط مالية الأصل عما كان عليه في المرتبة السابقة،فمن أجل ذلك ينطبق ما يوازي الدين عليها بالنسبة، و يخرج الزائد منها من ملكه و يدخل في ملك وارثه،و على هذا فان كان انتقال
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۶ 118)
[مسألة 29:إذا اشترى نخلا أو كرما أو زرعا مع الأرض أو بدونها قبل تعلق الزكاة]
[2686]مسألة 29:إذا اشترى نخلا أو كرما أو زرعا مع الأرض أو بدونها قبل تعلق الزكاة فالزكاة عليه بعد التعلق مع اجتماع الشرائط،و كذا إذا انتقل إليه بغير الشراء،و إذا كان ذلك بعد وقت التعلق فالزكاة على البائع،فإن علم بأدائه أو شك في ذلك ليس عليه شيء(1)،و إن علم بعدم أدائه فالبيع بالنسبة إلى مقدار الزكاة فضولي،فإن أجازه الحاكم الشرعي طالبه بالثمن بالنسبة إلى مقدار الزكاة،و إن دفعه إلى البائع رجع بعد الدفع إلى الحاكم عليه،و إن لم يجز كان له أخذ مقدار الزكاة من المبيع،و لو أدى البائع الزكاة
الزائد إلى ملكه قبل وقت التعلق و كان بقدر النصاب تعلقت الزكاة به،و الاّ فلا شيء عليه،و إن كان بعده فرضا فلا أثر له و إن بلغ النصاب باعتبار ان وجوبها مشروط بكونها ملكا للمالك في وقت التعلق.
و على القول الثاني كان ما يوازي الدين متعلقا لحق الديان فحسب و عندئذ فإذا ظهرت ثمرته فهي و إن تقلل مالية الأصل أو أدت إلى سقوطها،الاّ أن مرد ذلك إلى انتقال ماليته من حالة إلى حالة اخرى أقوى و أكمل،و من مرتبة دانية إلى مرتبة عالية،و عليه فيصبح متعلق الحق ما يوازي الدين من الثمرة بالنسبة،و الزائد منها ينتقل إلى الورثة،فان كان الانتقال قبل وقت التعلق و حينئذ فان بلغت حصة كل منهم أو بعضهم النصاب تعلقت الزكاة بها و الاّ فلا،و إن كان بعد التعلق فلا موضوع للزكاة كما مر.
فيه اشكال بل منع،و الظاهر ان على المشتري اخراج زكاته،و ذلك لأن احراز صحة البيع بالنسبة إلى مقدار الزكاة المتعلقة بالمبيع الذي كان يشك في بقائها فيه بحاجة إلى دليل،و لا دليل عليه،فانه ان كان أصالة الصحة فلا مجال لها في المقام،لأن هذه الأصالة انما تجري فيما إذا كانت أركانها متوفرة و كان الشك في الصحة و الفساد من ناحية الشك في شروطها غير المقومة لها، و أما إذا كان الشك فيها من ناحية الشك في توفر أركانها المقومة فلا تجري،
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۶ 119)
……….
و بما أن كون المبيع ملكا طلقا للبائع من أركان هذه الأصالة فلا مجال لها إذا كان الشك في الصحة و الفساد ناشئا من الشك في ذلك.
فالنتيجة:ان أصالة الصحة لا تجري فيما إذا كان الشك في مقوماتها.و إن كان قاعدة اليد فلا مجال لها أيضا لأن هذه القاعدة حجة في موارد الشك في الملك و أمارة عليه و إن كان مسبوقا بالعدم،مثال ذلك:إذا كانت الدار-مثلا-في يد أحد و نعلم بأنها كانت ملكا للغير و نشك الآن في أنها هل انتقلت إليه أو هي باقية على ما كانت عليه،فهي أمارة على الانتقال و الملك إذا لم تكن قرينة على الخلاف،و قد جرت على ذلك السيرة القطعية من العقلاء و امضاها الشارع،و قد علل في بعض النصوص انه لو لا اليد لما قام للمسلمين سوقا،و أما في المقام فليس الشك فيه من هذه الناحية،بل من ناحية اخرى و هي أن يد البائع على مقدار الزكاة المتعلقة بالمبيع كانت يد أمانة و نشك فعلا في أنها هل انتقلت إلى يد ملك أو لا،رغم ان المال كان تحت يده و الشك انما هو في الانتقال من حالة إلى حالة اخرى و من يد أمين إلى يد مالك،و في مثل ذلك لا سيرة من العقلاء على حجية اليد و أماريتها على الملك.
و السرّ في ذلك أن سيرة العقلاء على العمل باليد و حجيتها و الغاء الاستصحاب في مواردها لا يمكن أن تكون بلا نكتة مبررة لذلك،و هذه النكتة هي أمارية اليد على الملك و كاشفيتها النوعية عنه غالبا في مقابل كونها يد أمانة أو وكالة أو ولاية أو عادية.
و هذه النكتة غير متوفرة في المقام،فان اليد إذا كانت في البداية يد أمين أو وكيل أو ولي أو غاصب ثم شك في انتقالها من حالة إلى اخرى و من صفة إلى ثانية فلا تكون نفس يده على المال امارة على هذا التبدل و الانتقال و لا سيرة من العقلاء على ذلك في أمثال هذه الموارد لعدم توفر تلك النكتة فيها،و هذا بخلاف ما إذا شك في أن المال الذي يكون تحت يده هل هو ملك له و يكون تصرفه فيه تصرف مالك أو أنه أمانة أو غصب،فان العقلاء في مثل هذا قد بنوا
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۶ 120)
……….
على أنه ملك له و أن يده أمارة عليه لتوفر النكتة المذكورة فيه و هي الغلبة،و من هنا يكون المرجع في المقام هو استصحاب بقاء اليد على ما كانت عليه،أو فقل ان المرجع هنا هو استصحاب بقاء الزكاة في المبيع لفرض أنها متعلقة بنفس العين في مفروض المسألة و يكون الشك في بقائها فيها،و يترتب على هذا الاستصحاب ان البيع بالنسبة إلى مقدار الزكاة فضولي.
فالنتيجة:انه لا يمكن احراز صحة هذا البيع بالنسبة إلى تمام المبيع لا بأصالة الصحة و لا بقاعدة اليد،فاذن تصل النوبة إلى الاستصحاب.
بقي هنا صورتان..
الأولى:إذا شك البائع في أن بيعه الزرع أو النخل أو الكرم هل كان قبل تعلق الزكاة بالثمرة حتى تكون زكاتها على المشتري،أو بعد تعلقها حتى تكون عليه.و هذا مرة يكون تاريخ كل من البيع و التعلق مجهولا،و اخرى يكون تاريخ أحدهما معلوما و تاريخ الآخر مجهولا.
أما في الفرض الأول:فلا يجري استصحاب عدم كل من الحادثين في زمان الآخر،لأن زمان الآخر إن لوحظ بنحو الموضوعية و القيدية فليست لعدم ذلك الحادث المقيد به أي بزمان الآخر حالة سابقة لكي تستصحب،و إن لوحظ بنحو المعرفية الصرفة إلى واقع زمان الآخر فواقعه مردد بين زمانين يعلم بحدوثه في أحدهما و عدم حدوثه في الآخر،فلا شك في البقاء الذي هو من أحد أركان الاستصحاب،فمن أجل ذلك لا يجري الاستصحاب في نفسه لابتلائه بمحذور الاستصحاب في الفرد المردد،فاذن يرجع البائع إلى أصالة البراءة عن وجوب الزكاة عليه.
و أما في الفرض الثاني:فان كان تاريخ التعلق معلوما و تاريخ البيع مجهولا لم يجر استصحاب عدم وقوع البيع في زمان التعلق لأنه لا يثبت كون التعلق في ملك البائع الذي هو موضوع الأثر.و أما استصحاب عدم التعلق في زمان وقوع البيع فهو لا يجري في نفسه تطبيقا لما مر من المحذور في الفرض الأول،فاذن
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۶ 121)
……….
يكون المرجع هو أصالة البراءة.و إن كان تاريخ البيع معلوما و تاريخ التعلق مجهولا فلا مانع من استصحاب عدم التعلق في زمان البيع و به يحرز موضوع عدم وجوب الزكاة عليه لأنه مركب من البيع في زمان و عدم تعلق الزكاة بالمبيع فيه،و الأول محرز بالوجدان،و الثاني بالتعبد الاستصحابي،و أما استصحاب عدم وقوع البيع في واقع زمان التعلق فانه لا يجري في نفسه لابتلائه بمحذور الاستصحاب في الفرد المردد،هذا اضافة إلى أنه لا أثر له كما مر.
الثانية:إذا شك المشتري في أن شراءه هل كان قبل التعلق أو بعده،فان كان تاريخ كليهما مجهولا لم يجر الاستصحاب في شيء منهما تطبيقا لما مر، فاذن يرجع إلى أصالة البراءة عن وجوبها فيه،و إن كان تاريخ التعلق معلوما و تاريخ الشراء مجهولا لم يجر استصحاب عدم الشراء في زمان التعلق لأنه لا يثبت ان التعلق كان في ملك البائع.و أما استصحاب عدم التعلق في زمان وقوع الشراء فانه لا يجري في نفسه لما مر من أن زمان الوقوع ان لوحظ بنحو المعرفية الصرفة إلى واقع زمانه فهو مردد بين زمانين يعلم بالتعلق في أحدهما و بعدمه في الآخر،فلا يكون شك في بقاء متيقن فيه.
و إن لوحظ بنحو الموضوعية و القيدية فليس لعدمه المقيد بهذا القيد حالة سابقة لكي تستصحب.
و إن كان تاريخ الشراء معلوما و تاريخ التعلق مجهولا فلا يجري استصحاب عدم التعلق في زمان الشراء من جهة أنه لا يثبت تعلقها في ملك المشتري لأنه مثبت.
و أما استصحاب عدم وقوع الشراء في زمان التعلق فهو لا يجري في نفسه تطبيقا لنفس ما مر.
فالنتيجة:ان وظيفة المشتري في تمام هذه الصور هي الرجوع إلى أصالة البراءة عن وجوب الزكاة عليه،و بذلك يظهر انه لا فرق في المسألة بين أن يكون الشاك هو البائع أو المشتري الاّ في فرض واحد و هو ما إذا كان تاريخ البيع
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۶ 122)
بعد البيع ففي استقرار ملك المشتري و عدم الحاجة إلى الإجازة من الحاكم إشكال(1).
معلوما و تاريخ التعلق مجهولا،فانه يجري فيه الاستصحاب كما مر آنفا.
هذا مبني على الاشكال في صحة عقد الفضولي إذا لم يكن المجيز حين الاجازة هو المالك حال العقد،و لكن الظاهر صحته لأن المعيار في صحة عقد الفضولي انما هو بكونه عقدا للمالك من حين الاجازة لا من حين العقد و مشمولا لعمومات أدلة الامضاء من ذلك الحين،و من المعلوم انه يكفي في ذلك كون المجيز مالكا للعين حال الاجازة،و لا دخل لملكيته لها من السابق أي من حين وقوع العقد،و ذلك لأن الاجازة و إن تعلقت بالعقد السابق الاّ أنها تعلقت به من الآن لا من السابق،إذ فرق بين كون المجاز هو العقد السابق فعلا و كونه هو العقد السابق في ظرفه،فعلى الأول يكون العقد السابق من حين اتصافه بالمجاز مشمولا للعمومات و مؤثرا في النقل و الانتقال لا من حين حدوثه،و المفروض ان زمن اتصافه بهذا الوصف هو زمن الاجازة دون زمن العقد،و من هنا يكون مقتضى القاعدة هو النقل لا الكشف بكل معانيه.
و على ضوء هذا الأساس فبناء على القول بجواز دفع الزكاة من مال آخر بعنوان القيمة و إن لم يكن من النقدين،فإذا أدى البائع الزكاة من مال آخر ثم أجاز البيع صح على أثر انه إذا أداها من مال آخر انتقلت نفس زكاة المبيع إليه و تصبح ملكا طلقا له،ثم إذا أجاز البيع الواقع بينه و بين المشتري انتقلت إلى ملك المشتري،فتكون المسألة من صغريات مسألة من باع مال غيره ثم ملك.
فالنتيجة:انه لا فرق في صحة عقد الفضولي بين أن يكون المجيز هو المالك حال العقد أو غيره.
و أما على القول بعدم جواز دفع الزكاة من مال آخر إذا لم يكن من
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۶ 123)
……….
النقدين كما هو الصحيح،فإذا دفعها البائع من غير النقدين لم يصح و لم يوجب انتقال الزكاة إليه لكي يتمكن من تصحيح البيع بالنسبة إليها بالاجازة.نعم،إذا كان الدفع باذن من الحاكم الشرعي صح و أدى إلى انتقال عين الزكاة إلى ملك البائع،ثم إذا جاز البيع صح.
فالنتيجة:انه لا اشكال في استقرار الزكاة في ملك المشتري و انتقالها إليه على القول بجواز دفع الزكاة من مال آخر و إن لم يكن من النقدين شريطة أن يجيز البيع بعد الدفع،كما أنه لا اشكال في عدم استقرارها في ملكه و عدم انتقالها إليه على القول بعدم جواز دفع الزكاة من مال آخر إذا لم يكن من الدرهم أو الدينار،و عليه فتظل عين الزكاة باقية في ملك الفقراء،و لا يوجد أي سبب و مبرر لانتقالها إلى ملك المشتري باعتبار أنه مرتبط بتوفر أمرين..
أحدهما:انتقالها إلى ملك البائع بدفع عوضها.
و الآخر:أن يجيز البائع البيع بعد ذلك بالنسبة إليها،فإذا توفر هذان الأمران انتقلت إلى ملك المشتري و استقرت فيه و الاّ فلا.
إلى هنا قد ظهر ان البائع إذا أدى بزكاته ثم أجاز صح البيع،و لا تحتاج صحته إلى دليل خاص،هذا اضافة إلى أن صحيحة عبد الرحمن البصري تنص على ذلك و إليك نصها،قال:«قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:رجل لم يزكّ ابله أو شاته عامين فباعها على من اشتراها أن يزكيها لما مضى؟قال:نعم تؤخذ منه زكاتها و يتبع بها البائع،أو يؤدى زكاتها البائع» 1،فإنه قوله عليه السّلام:«أو يؤدي زكاتها البائع»يدل بوضوح على صحة البيع إذا أدى البائع زكاة المبيع.
و دعوى:ان مقتضى اطلاقه كفاية الأداء في صحة البيع بلا حاجة إلى الاجازة مع أنها تتوقف على إجازته بعد الأداء.
مدفوعة:بأن الأداء من البائع لما كان بغرض انتقال الزكاة إلى ملك المشتري و استقرارها فيه كان ذلك إجازة عملية.
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۶ 124)
[مسألة 30:إذا تعدد أنواع التمر مثلا و كان بعضها جيدا أو أجود و بعضها الآخر رديء أو أردأ]
[2687]مسألة 30:إذا تعدد أنواع التمر مثلا و كان بعضها جيدا أو أجود و بعضها الآخر رديء أو أردأ فالأحوط(1)الأخذ من كل نوع بحصته، و لكن الأقوى الاجتزاء بمطلق الجيد و إن كان مشتملا على الأجود،و لا يجوز دفع الرديء عن الجيد و الأجود على الأحوط.
[مسألة 31:الأقوى أن الزكاة متعلقة بالعين لكن لا على وجه الإشاعة]
[2688]مسألة 31:الأقوى أن الزكاة متعلقة بالعين لكن لا على وجه الإشاعة(2)بل على وجه الكلي في المعين،و حينئذ فلو باع قبل أداء
بل هو الأظهر لما قويناه من أن تعلق الزكاة بالغلات الأربع انما هو على نحو الاشاعة في العين،و على هذا فإذا بلغ مجموع أنواع التمر من الجيد و الردي و الأجود و الأردأ بحد النصاب سواء أ كان كل واحد منها بنفسه بالغا النصاب أم لا،تعلقت الزكاة بالمجموع على نحو الاشاعة،و عندئذ فبطبيعة الحال توزع الزكاة على الجميع بالنسبة و تؤخذ من كل منها في ضوء هذه النسبة، فلا يجوز أن يؤخذ زكاة الجيد من الرديء و لا من الأجود و بالعكس،لأنه تبديل الزكاة بمال آخر و لا يمكن بدون الإذن و الاجازة من ولي أمرها،و بذلك يظهر حال المسألة بكل شقوقها و محتملاتها.
بل على وجه الاشاعة في الغلات الأربع كما مر،لأنه مقتضى روايات 1العشر و نصف العشر التي تنص على أن:«ما سقته السماء ففيه العشر، و ما سقته الدوالي أو النواضح ففيه نصف العشر»على أساس ان كلمتي(العشر و نصف العشر)ظاهرتان في الكسر المشاع.
قد يقال كما قيل:ان هذه الروايات الكثيرة البالغة حد التواتر اجمالا و ان كانت ظاهرة عرفا في الكسر المشاع،الاّ أنه لا بد من رفع اليد عن ظهورها العرفي في ذلك لأمرين..
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۶ 125)
……….
أحدهما:ان التعبير بالعشر أو نصف العشر لم يرد في زكاة الأنعام،و لا في زكاة النقدين،و هذا يؤكد أن المراد من العشر أو نصف العشر بيان مقدار الزكاة في الغلات بدون النظر إلى كيفية تعلقها بها،و هل أنه على نحو الاشاعة في العين؟أو على نحو الكلي في المعين،أو على نحو الشركة في المالية،أو على نحو تعلق الحق بها؟
و الجواب:ان مجرد عدم ورود مثل هذا التعبير في زكاة الأنعام و النقدين لا يصلح قرينة لرفع اليد عن ظهور تلك الروايات في الكسر المشاع،إذ لا مانع من الالتزام بأن كيفية تعلق الزكاة بالأعيان الزكوية تختلف باختلافها في الواقع، و يكشف عن ذلك اختلاف السنة روايات الباب،فان روايات الغلات جاءت بلسان«ان ما سقته السماء ففيه العشر،و ما سقته الدوالي أو النواضح ففيه نصف العشر»و قد مر أن هذه الكلمة ظاهرة عرفا في الكسر المشاع،و هذا يعني أن تعلقها بها يكون على نحو الاشاعة في العين.و روايات النقدين و الغنم جاءت بلسان«ان في أربعين شاة شاة،و في عشرين دينارا نصف دينار،و في مائتي درهم خمسة دراهم»و هذا اللسان ظاهر عرفا في أن نسبة زكاتها إليها نسبة الكلي في المعين.و روايات الإبل جاءت بلسان«ان في خمس من الإبل شاة، و في العشر شاتين،و في خمسة عشر ثلاث شياه،و في عشرين أربع شياه،و في خمس و عشرين خمس شياه،و في ست و عشرين بنت لبون و هكذا»و هذا اللسان بضميمة القرائن الخارجية يؤكد على أن تعلقها بها على نحو الشركة في المالية بكيفية خاصة،و لا يكون ظاهرا في أن تعلقها بها على نحو الكلي في المعين.و روايات البقر جاءت بلسان«تبيع أو تبيعة في ثلاثين بقر،و مسنة في أربعين»و هذا اللسان لا يكون ظاهرا في أن نسبة الزكاة إلى النصاب نسبة الكسر المشاع،و لا نسبة الكلي في المعين،بل ظاهر بضميمة العلم الخارجي في أن نسبتها إليه نسبة الشركة في المالية بنسبة محددة.
و دعوى:أنه لا يبعد أن يكون وجوب الزكاة في الإبل و البقر تكليفا
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۶ 126)
……….
محضا،إذ لا يظهر من روايات كلا البابين ان نسبتها إلى النصاب نسبة الشركة في المالية.
مدفوعة لأمور..
الأول:انه يظهر من روايات كلا البابين ان نسبة المالية بين عدد الإبل و البقر و بين زكاتهما في كل مرتبة من مراتب نصابهما،فكلما زادت مالية المال كما زادت زكاته بتلك النسبة،و لعل جعل الزكاة فيهما المتمثلة في مال خاص يكون مباينا للنصاب،كالشاة التي جعلها زكاة للإبل،أو جامعا بين جزء من النصاب و بين غيره كبنت مخاض و ابن لبون و حقة و تبيع و مسنة،انما هو للتسهيل على المالك باعتبار أنها لو كانت مجعولة في نفس النصاب لم تكن قابلة للتطبيق في الخارج في كثير من الموارد.مثلا إذا جعل زكاة خمسة من الإبل -مثلا-جزءا واحدا من عشرين جزءا،و عشرة من الإبل جزءا واحدا من أربعين جزءا و هكذا،فانه لا يمكن اخراج زكاتها من نفسها على أساس أنها غير قابلة للتقسيم على نسبة الزكاة،فاذن لا بد من اخراج قيمتها عوضا عنها،و عليه فما فائدة هذا الجعل؟.
الثاني:ان مجموعة من الروايات تنص مرة بلسان«ان اللّه تعالى جعل للفقراء في مال الأغنياء ما يكفيهم» 1و اخرى بلسان«ان اللّه تبارك و تعالى أشرك بين الأغنياء و الفقراء في الأموال فليس لهم أن يصرفوا إلى غير شركائهم» 2،فإن المتفاهم العرفي من هذه المجموعة ان تعلق الزكاة بأموال الأغنياء انما هو على نحو الشركة في المالية،لا أنه مجرد تكليف،و لكن هذه الشركة في الإبل و البقر بما أنها لا يمكن أن تكون على نحو الاشاعة في العين، و لا على نحو الكلي في المعين كما هو واضح،فبطبيعة الحال تكون على نحو
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۶ 127)
……….
الشركة في المالية المتمثلة في مال خاص في كل مرتبة من مراتب نصابهما.
الثالث:صحيحة عبد الرحمن البصري،قال:«قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:
رجل لم يزك ابله أو شاته عامين فباعها على من اشتراها أن يزكيها لما مضى، قال عليه السّلام:نعم،تؤخذ منها زكاتها و يتبع بها البائع أو يؤدي زكاتها البائع» 1، بتقريب ان الزكاة المتعلقة بالإبل لو لم تكن على نحو الشركة في المالية لم يجب على من اشتراها أن يقوم بتزكيتها لما مضى،لفرض أنها ليست من قبيل الوضع و متعلقة بالعين،بل هي صرف تكليف،و عليه فالإبل تماما انتقلت إلى المشتري، و أصبحت ملكا طلقا له،و لا مقتضي لقيامه بتزكيتها.نعم،يجب على البائع تكليفا أن يزكيها.
فالنتيجة:ان هذه الصحيحة ناصة في أن الإبل لم تنتقل إلى المشتري تماما كالشاة،حيث ان الزكاة المتعلقة بالشياه و إن كانت على نحو الكلي في المعين، الاّ أن الفقير شريك مع المالك في مالية كل فرد من افراد النصاب بالنسبة،و بما انّ هذه النسبة نسبة الواحد في الأربعين في النصاب الأول للغنم،فيكون الفقير شريكا مع المالك في مالية كل شاة من هذه الشياه بتلك النسبة،و لكن مع ذلك إذا باع شاة واحدة من هذه الشياه صح البيع،و إن لم يؤد البائع الزكاة من سائر الشياه،لأن متعلق البيع هذه الشاة الواحدة بحدها الفردي،و هي ليست مشتركة، و ما هو مشترك بين المالك و الفقير هو طبيعي المالية الجامع بين مالية هذا الفرد و مالية سائر الأفراد،و هو ليس متعلقا للبيع.و من هنا يبقى الجامع ما دام يبقى فرد منه في الخارج.
إلى هنا قد تبين أنه لا مانع من الالتزام بأن تعلق الزكاة بالغلات الأربع على نحو الاشاعة في العين،و في الغنم و النقدين على نحو الكلي في المعين،و في الابل و البقر على نحو الشركة في المالية المتمثلة في مال خاص في كل مرتبة من مراتب نصابهما.
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۶ 128)
……….
و الآخر:ان المتفاهم العرفي من الروايات 1الواردة في تشريع الزكاة بمختلف الألسنة فمرة بلسان:«ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله وضع الزكاة في تسعة أشياء» و اخرى بلسان:«انه صلّى اللّه عليه و آله وضعها على تسعة أشياء-أو-من تسعة أشياء»ان وضع الزكاة على جميع التسعة على نحو واحد.
منها:صحيحة عبد اللّه بن سنان قال:«قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:لمّا نزلت آية الزكاة: خُذْ مِنْ أَمْوٰالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَ تُزَكِّيهِمْ بِهٰا في شهر رمضان فأمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله مناديه فنادى في الناس:ان اللّه تبارك و تعالى قد فرض عليكم الزكاة كما فرض عليكم الصلاة،ففرض اللّه عليكم من الذهب و الفضة،و الابل و البقر و الغنم،و من الحنطة و الشعير و التمر و الزبيب،و نادى فيهم بذلك في شهر رمضان،و عفى لهم عما سوى ذلك-الحديث» 2.فان المنساق منها و من أمثالها عرفا بمناسبة الحكم و الموضوع الارتكازية،ان الزكاة المجعولة على هذه التسعة من قبل اللّه تعالى مجعولة على كيفية واحدة،و بما أنه لا يمكن أن تكون مجعولة على جميع التسعة على نحو الاشاعة في العين،أو على نحو الكلي في المعين،فذلك قرينة على أنها مجعولة على الجميع على نحو الشركة في المالية، فاذن لا بد من رفع اليد عن ظهور نصوص زكاة الغلات في أن تعلقها بها على نحو الاشاعة في العين،و حملها على أنها في مقام بيان مقدار الزكاة،و لا نظر لها إلى كيفية تعلقها بها.
و الجواب:ان سياق الروايات المذكورة سياق تشريع الزكاة على الأشياء التسعة دون غيرها،و حصرها فيها،و لا نظر لها إلى كيفية تعلقها بها،و أنه على نحو الاشاعة في العين،أو على نحو الكلي في المعين،أو على نحو الشركة في المالية أصلا.و مما يؤكد ذلك ما في نفس هذه الصحيحة من جعل فرض الزكاة على الناس كفرض الصلاة عليهم،فانه يدل على أن هذه الروايات في مقام بيان
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۶ 129)
الزكاة بعض النصاب صح إذا كان مقدار الزكاة باقيا عنده(1)،بخلاف ما إذا باع الكل فإنه بالنسبة إلى مقدار الزكاة يكون فضوليا محتاجا إلى إجازة
أصل وجوب الزكاة في الشريعة المقدسة،و تحديد حدودها كما.و على هذا فلا تصلح أن تكون قرينة لرفع اليد عن ظهور روايات زكاة الغلات الأربع في الاشاعة،كما أنها لا تصلح أن تكون قرينة على رفع اليد عن ظهور روايات زكاة النقدين و الغنم في أنها على نحو الكلي في المعين.و أما التعبير الوارد في بعض الروايات بمثل قوله عليه السّلام:«عليه فيه زكاة»فانما هو بلحاظ ان في الزكاة جهتين..
إحداهما:التكليف.
و الاخرى:الوضع،و هذا التعبير انما هو بلحاظ جهة التكليف فيها،فلا يدل على أن الزكاة محض تكليف،كما أن ما ورد في بعضها الآخر كقوله عليه السّلام:
«انما الصدقة على السائمة الراعية»و نحوه،فانما هو بلحاظ جهة الوضع فيها.
فالنتيجة في نهاية المطاف:انه لا مانع من الالتزام بأن كيفية تعلق الزكاة بأصنافها تختلف فيكون تعلقها في الغلات على نحو الاشاعة،و في النقدين و الغنم على نحو الكلي في المعين،و في الإبل و البقر على نحو الشركة في المالية.و بذلك يظهر حال ما ذكره الماتن قدّس سرّه من أن تعلق الزكاة في الجميع على نحو الكلي في المعين.
في اطلاقه اشكال بل منع،فانه لا يصح إذا كان ذلك في الغلات الأربع،لما مر من أن تعلق الزكاة بها على نحو الاشاعة في العين،نعم ما ذكره قدّس سرّه يصح إذا كان في النقدين أو الأنعام الثلاثة.
و لكن قد يقال-كما قيل-:بعدم صحة ذلك في النقدين و الغنم أيضا.
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۶ 130)
……….
و يمكن تخريجه فنيا:بأن الزكاة المتعلقة بالأصناف التسعة تشترك في الجميع بنقطة واحدة و هي الشركة في المالية غاية الأمر أن تلك الشركة في الغلات الأربع تكون على نحو الإشاعة في العين،و في النقدين و الغنم تكون على نحو الكلي في المعين،و عليه فبما أن نسبة الزكاة في النصاب الأول للغنم نسبة الواحد إلى الأربعين و هي محفوظة بحسب المالية في كل جزء من أربعين جزءا، فيكون الفقير شريكا مع المالك في مالية كل شاة بنسبة الواحد في الأربعين، و عندئذ فان أدى البائع الزكاة من الباقي صح البيع،و الاّ لم يصح لأن جزءا من مالية المبيع ملك للفقير.
و الجواب:ان هذا التخريج خاطئ في نقطة واحدة،و هي ما مر من أن الفقير و إن كان شريكا مع المالك في مالية كل جزء من أربعين جزءا،الاّ أن ما هو المشترك بينهما هو طبيعي المالية الجامعة بين مالية ذلك الجزء بحده الفردي و مالية غيره،و بما أن المبيع ذلك الجزء بماله من ماليته الخاصة لا الجامع،فلا شبهة في صحة البيع،لأن ما هو مبيع ليس بمشترك بينهما،و ما هو مشترك بينهما و هو الجامع فليس بمبيع،لفرض ان الجامع يظل باقيا و قابلا للتطبيق ما دام يبقى فرد من النصاب في الخارج.
نعم،لو تصرف فيه و لم يبق منه و لا فرد واحد ضمن حصة الفقراء من الجامع لمكان الاتلاف.
فالنتيجة:ان بيع كل فرد من أفراد النصاب يوجب تضييق دائرة الجامع في مرحلة التطبيق،و يؤدي إلى إلزام المالك بتطبيقه على الباقي،و من هنا لو باع المالك معظم النصاب و لم يبق منه الاّ فرد واحد،فهو ملزم بتطبيق الجامع عليه، هذا لا من جهة ان ذلك الفرد أصبح ملكا طلقا للفقير،بل نسبة ملكيته إليه نسبة الواحد في الأربعين من ماليته،و هذه النسبة لن تتغير بتصرف المالك في النصاب،بل من جهة أنه لو تصرف فيه أيضا لأدى ذلك إلى تفويت حق الفقراء، و هو غير جائز،فمن أجل ذلك فهو ملزم بالتطبيق،و بعدم جواز التصرف فيه
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۶ 131)
الحاكم على ما مر،و لا يكفي عزمه على الأداء من غيره في استقرار البيع على الأحوط(1).
[مسألة 32:يجوز للساعي من قبل الحاكم الشرعي خرص ثمر النخل و الكرم]
[2689]مسألة 32:يجوز للساعي من قبل الحاكم الشرعي خرص ثمر النخل و الكرم بل و الزرع على المالك(2)،و فائدته جواز التصرف للمالك
بل على الأقوى،إذ لا يترتب على العزم المجرد أي أثر ما لم يؤد الزكاة،فإذا أداها من النقدين أو من مال آخر شريطة أن يكون الأخير باذن من الحاكم الشرعي،صح لما مر،و الاّ فلا.
في جواز الاعتماد على الخرص في الزرع اشكال بل منع،فان عملية الخرص انما هي لتعيين حق الفقراء لكي يكون على المالك الحفاظ عليه و عدم التفريط فيه،باعتبار أنه لا دليل على هذه العملية شرعا حتى يكون المتبع مدلول ذلك الدليل سعة و ضيقا،لأن الروايات التي تنص عليها روايات عامية،فلا يمكن الاعتماد على شيء منها.و أما قوله عليه السّلام في صحيحة سعد بن سعد الأشعري:«إذا صرم و إذا خرص» 1فلا يمكن الأخذ بظاهره،و هو كون الصرم و الخرص كليهما معا شرطا لوجوب الزكاة،و ذلك لأن المالك أو الساعي انما يقوم بعملية الخرص من أجل مصلحة الفقير و الحفاظ على حقه،فاذن لا محالة يكون ذلك بعد الوجوب و ثبوت الحق له،فلا معنى حينئذ لكونه شرطا له،هذا إضافة إلى أنه لا يحتمل أن يكون كلا الفعلين معا شرطا للوجوب،إذ لازم ذلك عدم تحقق الوجوب إذا لم يتحقق الخرص و إن تحقق الصرم،و هو كما ترى، كما أنه لا يمكن أن يكون أحد الفعلين شرطا للوجوب على سبيل البدل،فانه مضافا إلى أنه لا مقتضي للخرص قبل تحقق الوجوب،أن لازم ذلك عدم تعلق الزكاة قبل وقت الصرم،مع أن الأمر ليس كذلك بالنسبة إلى الحنطة و الشعير و نحوهما،فاذن لا بد من حمل الرواية على معنى آخر،أو رد علمها إلى أهله.
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۶ 132)
بشرط قبوله(1)كيف شاء،و وقته بعد بدوّ الصلاح و تعلق الوجوب(2)، بل الأقوى جوازه من المالك بنفسه إذا كان من أهل الخبرة أو بغيره من عدل أو عدلين،و إن كان الأحوط الرجوع إلى الحاكم أو وكيله مع التمكن، و لا يشترط فيه الصيغة فإنه معاملة خاصة(3)،و إن كان لو جيء بصيغة
فالنتيجة:ان جواز القيام بعملية الخرص من المالك أو الساعي من قبل الحاكم الشرعي انما هو لمصلحة الفقراء،فان كانت هناك مصلحة فهو،و الاّ فلا مقتضي للقيام بها.
و أما في زرع الحنطة أو الشعير فبما أن الحفاظ على حق الفقراء لا يتوقف على عملية الخرص،إذ قد تؤدي تلك العملية إلى التفريط في حقهم،فمن أجل ذلك لا يجوز الاكتفاء بها.و أما في التمر فبناء على ما قويناه من أن تعلق الزكاة به من حين صدقه على ثمر النخل،فلا مبرّر لها قبل ذلك،حيث انه يجوز للمالك أن يتصرف فيه ما شاء قبل التعلق.و أما العنب فبما أن تعلق الزكاة به من حين صدقه فإذا كان التحفظ على حقوق الفقراء فيه خاصة متوقفا على عملية الخرص فعلى المالك أو الساعي من قبل الحاكم الشرعي القيام بها،و الاّ فلا.
هذا مبني على ان الخرص معاملة خاصة تتوقف صحتها على قبول المالك،و لكن قد مر أنه لا دليل عليه،هذا اضافة إلى أن جواز تصرف المالك في النصاب بعد تعلق الزكاة لا يتوقف على الخرص،إذ لا شبهة في جواز تصرفه في زرع الحنطة و الشعير إلى زمان التصفية بلا حاجة إلى اذن من الحاكم الشرعي،أو إلى الخرص.نعم،لا يجوز له الاتلاف أو التبديل بعد التعلق.
هذا مبني على المشهور،و قد مر أنه لا يخلو عن اشكال بل منع، حيث ان وقت تعلق الزكاة حسب مقتضى الروايات في الحنطة و الشعير من حين صدقهما،و في الزبيب من حين صدق العنب،و في ثمر النخل من حين صدق التمر،و ليس في شيء منها من حين بدو الصلاح.
تقدم انه لا دليل عليها،هذا إضافة إلى أن روايات الخرص لو تمت
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۶ 133)
الصلح كان أولى،ثم إن زاد ما في يد المالك كان له و إن نقص كان عليه، و يجوز لكل من المالك و الخارص الفسخ مع الغبن الفاحش،و لو توافق المالك و الخارص على القسمة رطبا جاز(1)،و يجوز للحاكم أو وكيله بيع نصيب الفقراء من المالك أو غيره.
[مسألة 33:إذا اتجر بالمال الذي فيه الزكاة قبل أدائها يكون الربح للفقراء بالنسبة]
[2690]مسألة 33:إذا اتجر بالمال الذي فيه الزكاة قبل أدائها يكون الربح للفقراء بالنسبة(2)،و إن خسر يكون خسرانها عليه.
[مسألة 34:يجوز للمالك عزل الزكاة و إفرازها من العين أو من مال آخر مع عدم المستحق]
[2691]مسألة 34:يجوز للمالك عزل الزكاة و إفرازها من العين أو من مال آخر(3)مع عدم المستحق بل مع وجوده أيضا على الأقوى،و فائدته
فلا تدل على أنه معاملة خاصة،بل تدل على أنه طريق إلى تعيين مقدار الزكاة الواجبة لفرض الحفاظ عليها،و حينئذ فإن زاد ما في يد المالك فعليه أن يرده إلى أصحابه،و إن نقص فله أن يكمل الناقص،و به يظهر حال ما في المتن.
هذا مبني على تعلق الزكاة بثمر النخل من حين صدق الرطب عليه، و لكن قد تقدم ان ظاهر روايات الباب ان وقت تعلق الزكاة من حين صدق التمر،و عليه فلا تصح القسمة رطبا.
في اطلاقه اشكال بل منع،فان الربح انما يكون للفقراء إذا كان الاتجار بها بالبيع و الشراء باذن الحاكم الشرعي،و الاّ فهو باطل بالنسبة إلى مقدار الزكاة.
نعم إذا أدى البائع الزكاة بعد البيع كان الربح له،لأن الزكاة انتقلت إلى ملكه،ثم إلى ملك المشتري باجازته عوضا عما اعطاه المشتري للبائع ثمنا لها.
هذا كله فيما إذا كان الاتجار بها شخصيا،و أما إذا كان كليا كأن يكون البيع و الشراء في الذمة،و التعيين إنما يكون في مقام التسليم و الأداء،فيكون الربح كله للتاجر،و لكنه يضمن مقدار الزكاة فحسب للإتلاف.
هذا إذا كان المال الآخر من أحد النقدين،و أما إذا لم يكن منه فلا
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۶ 134)
صيرورة المعزول ملكا للمستحقين قهرا حتى لا يشاركهم المالك عند التلف و يكون أمانة في يده،و حينئذ لا يضمنه إلا مع التفريط أو التأخير مع وجود المستحق(1)،و هل يجوز للمالك إبدالها بعد عزلها؟إشكال و إن كان الأظهر عدم الجواز،ثم بعد العزل يكون نماؤها للمستحقين متصلا كان أو منفصلا.
تتعين الزكاة به،الاّ إذا كان ذلك باذن من الحاكم الشرعي،كما مر.
في اطلاقه اشكال بل منع،فان التأخير مع وجود المستحق مرة يكون بغرض صحيح و أهم،و اخرى لا يكون كذلك،فعلى الأول يجوز التأخير و لا ضمان عليه لو تلفت.
نعم،إذا أرسل زكاته إلى بلدة اخرى مع وجود المستحق في بلدته، و تلفت في الطريق ضمن.و تدل عليه صحيحة محمد بن مسلم قال:«قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:رجل بعث بزكاة ماله لتقسّم فضاعت،هل عليه ضمانها حتى تقسّم؟فقال:إذا وجد لها موضعا فلم يدفعها إليه فهو لها ضامن حتى يدفعها، و إن لم يجد لها من يدفعها إليه فبعث بها إلى أهلها فليس عليه ضمان،لأنها قد خرجت من يده-الحديث» 1.و بها تقيد اطلاق مجموعة من الروايات الدالة على نفي الضمان لو تلفت في الطريق بما إذا لم يكن لها أهل في بلدتها،أو لم يكن ارسالها بغرض أهم.
ثم ان المتفاهم العرفي منها بمناسبة الحكم و الموضوع الارتكازية عدم الفرق في الضمان عند وجود المستحق في البلدة بين ارسالها إلى بلدة اخرى و تلفت في الطريق،و بين تأخيرها على نحو يصدق انه تسامح و تساهل في الاعطاء.و يؤكد ذلك قوله عليه السّلام في ذيل صحيحة زرارة:«و لكن إن عرف لها أهلا
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۶ 135)
……….
فعطبت أو فسدت فهو لها ضامن(حتى يخرجها)» 1.
نعم،أنها لا تدل على الضمان إذا كان ارسالها إلى بلدة اخرى لغرض صحيح أهم،فانه كما يجوز تأخير اخراجها مع وجود المستحق في البلدة إذا كان بداع أهم،كذلك يجوز ارسالها إلى بلدة اخرى بعين هذا الملاك،فإذا جاز لم يضمن إذا تلفت،لأن قوله عليه السّلام في صحيحة محمد بن مسلم:«إذا وجد لها موضعا فلم يدفعها إليه فهو لها ضامن حتى يدفعها» 2لا يشمل ما إذا كان عدم الدفع إليه بغرض صحيح أهم،لأن المنساق منه ارتكازا أن وظيفته الدفع إليه، و يكون عدم الدفع تقصيرا منه،و هذا بخلاف ما إذا كان عدم الدفع بداع إلهي أهم،فانه ليس فيه تقصير.
و نذكر فيما يلي أهم نقاط ترتبط بالزكاة في الغلات الأربع..
الاولى:ان الزكاة في ثمر الزرع تتعلق من حين صدق اسم الحنطة و الشعير،و في ثمر النخل من حين صدق اسم التمر،و في ثمر الكرم من حين صدق اسم العنب.
الثانية:كفاية بلوغ النصاب لوجوب الزكاة في الحنطة و الشعير و التمر من حين صدق اسمها و إن نقصت منه إذا يبست.نعم،في خصوص العنب يكون تعلق الزكاة به مشروطا بشرط متأخر و هو أن لا ينقص من النصاب إذا صار زبيبا.
الثالثة:ان الأظهر عدم استثناء المؤن من النصاب و لا من وجوب الزكاة فيه.نعم،بعد تعلق الزكاة به يسوغ للمالك التقسيم و افراز حصة الزكاة و تسليمها إلى أهلها،كما يحق له الامتناع من الصرف عليها إلى وقت التصفية و الاجتذاذ مجانا،و حينئذ فان صرف باذن من ولي الأمر كان له استثناء ما صرفه من الزكاة و تسليم الباقي إلى أهلها،و الاّ فليس له ذلك.
الرابعة:أن ما هو المشهور من أن وقت اخراج الزكاة متأخر عن وقت
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۶ 136)
……….
التعلق لا أصل له،و الصحيح أن وقته يبدأ من حين التعلق،غاية الأمر يجوز له التأخير إلى وقت التصفية و الاجتذاذ،و من هنا لو طالب الحاكم الشرعي الزكاة منه بعد التعلق ولاية وجب عليه تسليمها.
الخامسة:ان وجوب العشر مرتبط بالسقي بعلاج،و نقصد به السقي بآلة كالدوالي و النواضح و نحوهما من الوسائل الحديثة،أو بذل جهد و انفاق عمل في سبيل ذلك بحيث لا يمكن السقي بدونه.و نصف العشر مرتبط بالسقي بدون علاج،و نقصد به ان وصول الماء إلى الزرع أو نحوه لا يتوقف على استعمال آلة و وسيلة أو بذل جهد و عمل،بل هو يصل إليه بطبعه بدون ذلك بعد رفع الموانع عن مجراه و سد سبيله المتعارف،إذ يصدق عليه حينئذ أنه سقى بلا علاج،و أما إذا كان السقي مستندا إلى كليهما معا فتكون زكاته النصف بالنصف، و لا فرق في ذلك بين أن يكون السقي بكليهما على نسبة واحدة عددا و زمانا، أو متفاوتة كذلك،فان المعيار انما هو بعدم كفاية السقي بأحدهما لإشباع الزرع و وصوله إلى حد النتاج و الثمر،و إذا كان مستندا إلى أحدهما دون الآخر،و إن كان الآخر دخيلا في بلوغ الزرع حد الكمال و زيادة الانتاج الاّ أنه ليس بحد يؤثر في تغيير الاسم كان الحكم يتبعه،كالأمطار الفصلية فانها قد تكون دخيلة في بلوغ الأشجار و الأزرع درجة الكمال في الانتاج الاّ أنها ليست على نحو تؤثر في تغيير الاسم.
السادسة:ان ما يأخذه السلطان باسم المقاسمة فهو مستثنى عما تجب الزكاة فيه و إن كان سلطانا جائرا،و أما ما يأخذه باسم الخراج و الضريبة التي وضعها على الأرض من النقود فهو لا يكون مستثنى منه،و ما يأخذه السلطان الجائر من النصاب قهرا باسم الزكاة يحسب منها شريطة توفر هذين الأمرين..
أحدهما:أن يكون ذلك جبرا و قهرا.
و الآخر:أن يكون باسم الزكاة.
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۶ 137)
……….
السابعة:ان الزكاة في الغلات الأربع بما أنها جزء مشاع لنفس النصاب في الخارج فلا يجوز اعطاؤها من مال آخر غير النقدين و إن كان من جنسها كإعطاء زكاة الحنطة مثلا من حنطة اخرى من نوعها،على أساس ان ذلك يتوقف على ولاية المالك على مثل هذا التبديل،و الفرض انه لا دليل على ولايته عليه.نعم،لا بأس به إذا كان باذن من ولي الزكاة.
الثامنة:انه لا دليل على صحة عملية الخرص كمعاملة خاصة بين الساعي و المالك و وجوب الالتزام بها و إن كان حق الفقراء أكثر مما يقدر بها،بل هي لمصلحة الفقراء،فإن كانت هناك مصلحة فهو و إلاّ فلا مقتضي للقيام بها،و من هنا إذا قام الساعي بهذه العملية،فان ظهر بعد ذلك ان ما قدر بها كان مطابقا للواقع فهو،و إن ظهر أنه أقل من حق الفقراء وجب على المالك تكميله،و إن ظهر انه أكثر منه فله استرداده.
التاسعة:ان الضابط في وجوب الزكاة على الفرد في ثمرة الزرع انما هو لكونه مالكا لها من حين صدق اسم الحنطة و الشعير،و في ثمر النخل من حين صدق التمر عليها،و في ثمر الكرم من حين صدق العنب،و لا يلزم أن يكون مالكا لها قبل ذلك بزمن فضلا عن أن يكون مالكا للزرع أو الأرض.
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۶ 138)
جدول للمقارنة و المفارقة
المقارنات
نذكر فيما يلي مقارنات بين الأعيان الزكوية،و مفارقات في أهم أحكامها و شروطها.
1-الأعيان الزكوية:تشترك بكل أنواعها في أن نسبة الزكاة إليها نسبة الشركة في المال.
فالنتيجة:ان الزكاة ليست تكليفا محضا،بل هي تكليف و وضع.
2-تشترك بكل أنواعها في الشروط العامة كالبلوغ،و العقل،و التمكن من التصرف و الملك و بلوغ المال النصاب،و الحرية،و النية.
3-تشترك بكل أنواعها في أصناف المصارف و أنواعها.
4-تشترك بكل أنواعها في الضمان عند نقل المالك اياها من بلدته إلى بلدة اخرى مع وجود المستحق في بلدته إذا تلفت في الطريق شريطة أن لا يكون النقل لمصلحة أهم،و كذلك الحال إذا أخّر و سامح في اخراجها مع وجود المستحق لها عامدا و ملتفتا إلى الحكم الشرعي.
المفارقات
1-تمتاز الغلات الأربع عن النقدين و الأنعام الثلاثة في عدم اعتبار الحول فيها،و اعتباره فيهما.
2-تمتاز الغلات الأربع عن النقدين و الأنعام الثلاثة في نسبة الشركة في
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۶ 139)
……….
المال.
3-تتمثل النسبة في الغلات في الشركة في العين على نحو الاشاعة.
4-تتمثل النسبة في النقدين و الغنم في الشركة في العين على نحو الكلي في المعين.
5-تتمثل النسبة في الإبل و البقر في الشركة في المالية بنسبة خاصة محدّدة و تنمو تلك النسبة بنمو النصاب،و تتصاعد بتصاعده.
و نتيجة ذلك عدم جواز بيع شيء من النصاب في الغلات الأربع،لأن البيع بالنسبة إلى مقدار الزكاة فيه فضوليا و جوازه في النقدين و الأنعام الثلاثة على تفصيل قد مر.
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۶ 140)
[فصل في ما يستحب فيه الزكاة]
فصل في ما يستحب فيه الزكاة و هو على ما أشير إليه سابقا امور..
الأول:مال التجارة و هو المال الذي تملّكه الشخص و أعدّه للتجارة و الاكتساب به سواء كان الانتقال إليه بعقد المعاوضة أو بمثل الهبة أو الصلح المجاني أو الإرث على الأقوى،و اعتبر بعضهم كون الانتقال إليه بعنوان المعاوضة،و سواء كان قصد الاكتساب به من حين الانتقال إليه أو بعده و إن اعتبر بعضهم الأول،فالأقوى أنه مطلق المال الذي أعدّ للتجارة، فمن حين قصد الإعداد يدخل في هذا العنوان و لو كان قصده حين التملك بالمعاوضة أو بغيرها الاقتناء و الأخذ للقنية،و لا فرق فيه بين أن يكون مما يتعلق به الزكاة المالية وجوبا أو استحبابا و بين غيره كالتجارة بالخضروات مثلا،و لا بين أن يكون من الأعيان أو المنافع كما لو استأجر دارا بنية التجارة.
و يشترط فيه امور..
الأول:بلوغه حدّ نصاب أحد النقدين،فلا زكاة فيما لا يبلغه، و الظاهر أنه كالنقدين في النصاب الثاني أيضا.
الثاني:مضي الحول عليه من حين قصد التكسب.
الثالث:بقاء قصد الاكتساب طول الحول فلو عدل عنه و نوى به القنية في الأثناء لم يلحقه الحكم،و إن عاد إلى قصد الاكتساب اعتبر ابتداء
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۶ 141)
الحول من حينه.
الرابع:بقاء رأس المال بعينه طول الحول.
الخامس:أن يطلب برأس المال أو بزيادة طول الحول،فلو كان رأس ماله مائة دينار مثلا فصار يطلب بنقيصة في أثناء السنة و لو حبة من قيراط يوما منها سقطت الزكاة،و المراد برأس المال الثمن المقابل للمتاع،و قدر الزكاة فيه ربع العشر كما في النقدين،و الأقوى تعلقها بالعين كما في الزكاة الواجبة،و إذا كان المتاع عروضا فيكفي في الزكاة بلوغ النصاب بأحد النقدين دون الآخر.
[مسألة 1:إذا كان مال التجارة من النصب التي تجب فيها الزكاة]
[2692]مسألة 1:إذا كان مال التجارة من النصب التي تجب فيها الزكاة مثل أربعين شاة أو ثلاثين بقرة أو عشرين دينارا أو نحو ذلك فإن اجتمعت شرائط كلتيهما وجب إخراج الواجبة و سقطت زكاة التجارة،و إن اجتمعت شرائط إحداهما فقط ثبتت ما اجتمعت شرائطها دون الاخرى.
[مسألة 2:إذا كان مال التجارة أربعين غنما سائمة فعاوضها في أثناء الحول بأربعين غنما سائمة]
[2693]مسألة 2:إذا كان مال التجارة أربعين غنما سائمة فعاوضها في أثناء الحول بأربعين غنما سائمة سقط كلتا الزكاتين بمعنى أنه قطع حول كليتهما لاشتراط بقاء عين النصاب طول الحول،فلا بد أن يبتدئ الحول من حين تملك الثانية.
[مسألة 3:إذا ظهر في مال المضاربة ربح كانت زكاة رأس المال مع بلوغه النصاب على رب المال]
[2694]مسألة 3:إذا ظهر في مال المضاربة ربح كانت زكاة رأس المال مع بلوغه النصاب على رب المال،و يضم إليه حصته من الربح،و يستحب زكاته أيضا إذا بلغ النصاب و تم حوله،بل لا يبعد كفاية مضي حول الأصل، و ليس في حصة العامل من الربح زكاة إلا إذا بلغ النصاب مع اجتماع الشرائط،لكن ليس له التأدية من العين إلا بإذن المالك أو بعد القسمة.
[مسألة 4:الزكاة الواجبة مقدمة على الدين]
[2695]مسألة 4:الزكاة الواجبة مقدمة على الدين سواء كان مطالبا به أو
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۶ 142)
لا ما دامت عينها موجودة،بل لا يصح وفاؤه بها بدفع تمام النصاب،نعم مع تلفها و صيرورتها في الذمة حالها حال سائر الديون،و أما زكاة التجارة فالدين المطالب به مقدم عليها حيث إنها مستحبة سواء قلنا بتعلقها بالعين أو بالقيمة،و أما مع عدم المطالبة فيجوز تقديمها على القولين أيضا،بل مع المطالبة أيضا إذا أداها صحت و أجزأت و إن كان آثما من حيث ترك الواجب.
[مسألة 5:إذا كان مال التجارة أحد النصب المالية و اختلف مبدأ حولهما]
[2696]مسألة 5:إذا كان مال التجارة أحد النصب المالية و اختلف مبدأ حولهما فإن تقدم حول المالية سقطت الزكاة للتجارة،و إن انعكس فإن أعطى زكاة التجارة قبل حلول حول المالية سقطت،و إلا كان كما لو حال الحولان معا في سقوط مال التجارة.
[مسألة 6:لو كان رأس المال أقل من النصاب ثم بلغه في أثناء الحول]
[2697]مسألة 6:لو كان رأس المال أقل من النصاب ثم بلغه في أثناء الحول استأنف الحول عند بلوغه.
[مسألة 7:إذا كان له تجارتان و لكل منهما رأس مال فلكل منهما شروطه و حكمه]
[2698]مسألة 7:إذا كان له تجارتان و لكل منهما رأس مال فلكل منهما شروطه و حكمه،فإن حصلت في إحداهما دون الاخرى استحبت فيها فقط،و لا يجبر خسران إحداهما بربح الاخرى.
الثاني:مما يستحب فيه الزكاة:كل ما يكال أو يوزن مما أنبتته الأرض عدا الغلات الأربع فإنها واجبة فيها،و عدا الخضر كالبقل و الفواكه و الباذنجان و الخيار و البطيخ و نحوها،ففي صحيحة زرارة:«عفا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله عن الخضر؛قلت:و ما الخضر؟قال عليه السّلام:كل شيء لا يكون له بقاء:
البقل و البطيخ و الفواكه و شبه ذلك مما يكون سريع الفساد»و حكم ما يخرج من الأرض مما يستحب فيه الزكاة حكم الغلات الأربع في قدر النصاب و قدر ما يخرج منها و في السقي و الزرع و نحو ذلك.
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۶ 143)
الثالث:الخيل الإناث بشرط أن تكون سائمة و يحول عليها الحول، و لا بأس بكونها عوامل،ففي العتاق منها و هي التي تولدت من عربيين كل سنة ديناران هما مثقال و نصف صيرفي،و في البراذين من كل سنة دينار ثلاثة أرباع المثقال الصيرفي،و الظاهر ثبوتها حتى مع الاشتراك فلو ملك اثنان فرسا تثبت الزكاة بينهما.
الرابع:حاصل العقار المتخذ للنماء من البساتين و الدكاكين و المساكن و الحمامات و الخانات و نحوها،و الظاهر اشتراط النصاب و الحول،و القدر المخرج ربع العشر مثل النقدين.
الخامس:الحلي،و زكاته إعارته لمؤمن.
السادس:المال الغائب أو المدفون الذي لا يتمكن من التصرف فيه إذا حال عليه حولان أو أحوال،فيستحب زكاته لسنة واحدة بعد التمكن.
السابع:إذا تصرف في النصاب بالمعاوضة في أثناء الحول بقصد الفرار من الزكاة،فإنه يستحب إخراج زكاته بعد الحول.
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۶ 144)
[فصل في أصناف المستحقين و مصارفها]
فصل في أصناف المستحقين و مصارفها أصناف المستحقين للزكاة و مصارفها ثمانية..
[الأول و الثاني:الفقير و المسكين]
الأول و الثاني:الفقير و المسكين،و الثاني أسوأ حالا من الأول، و الفقير الشرعي من لا يملك مئونة السنة له و لعياله،و الغني الشرعي بخلافه،فمن كان عنده ضيعة أو عقار أو مواش أو نحو ذلك تقوم بكفايته و كفاية عياله في طول السنة لا يجوز له أخذ الزكاة،و كذا إذا كان له رأس مال يقوم ربحه بمؤونته،أو كان له من النقد أو الجنس ما يكفيه و عياله و إن كان لسنة واحدة،و أما إذا كان أقل من مقدار كفاية سنته يجوز له أخذها، و على هذا فلو كان عنده بمقدار الكفاية و نقص عنه بعد صرف بعضه في أثناء السنة يجوز له الأخذ و لا يلزم أن يصبر إلى آخر السنة حتى يتم ما عنده،ففي كل وقت ليس عنده مقدار الكفاية المذكورة يجوز له الأخذ، و كذا لا يجوز لمن كان ذا صنعة أو كسب يحصل منهما مقدار مئونته، و الأحوط(1)عدم أخذ القادر على الاكتساب إذا لم يفعل تكاسلا.
بل هو الأقوى،و تنص على ذلك صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال:«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:لا تحلّ الصدقة لغني،و لا لذي مرة سوي،و لا لمحترف،و لا لقوي،قلنا:ما معنى هذا؟قال:لا يحل له أن يأخذها و هو يقدر
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۶ 145)
……….
على أن يكف نفسه عنها» 1،فانها تعطى ضابطا عاما لذلك،و هو ان من يقدر على أن يكف نفسه عن الزكاة فلا يحل له أن يأخذها،سواء أ كان ذا صنعة أو حرفة،أو قوة يقدر بها على الاكتساب و الاستغناء به عن الزكاة.
قد يقال:أنها معارضة بصحيحته الاخرى عن أبي جعفر عليه السّلام قال:«سمعته يقول:ان الصدقة لا تحل لمحترف،و لا لذي مرة سوي قوي،فتنزهوا عنها» 2، بدعوى أن قوله عليه السّلام:«فتنزهوا عنها»يدل على الكراهة،و هي متضمنة للجواز نصا،و عليه فتكون هذه الصحيحة أقوى و أصرح دلالة من الصحيحة المتقدمة،فاذن لا بد من تقديمها عليها و حملها على الكراهة،لأنه مقتضى الجمع العرفي الدلالي بينهما،و لا تصل النوبة إلى المعارضة و أعمال قواعدها.
و الجواب:إن هذه الدعوى مبنية على الخلط بين مادة(التنزّه)التي هي بمعنى التباعد عن المكروه،و بين الأمر بتلك المادة،فان ما يتضمن الجواز نصا هو مادته،و أما إذا تعلق الأمر بها فهو ظاهر في وجوب التباعد،و بما أن الصحيحة تتضمن الأمر بالتنزه فيكون ظاهرا في وجوبه،على أساس ظهور الأمر فيه،فاذن لا تنافي بين الصحيحتين.
و قد يقال:أنها معارضة بصحيحة معاوية بن وهب،قال:«قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:يروون عن النبي صلّى اللّه عليه و آله ان الصدقة لا تحل لغني،و لا لذي مرة سوي، فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام:لا تصلح لغني» 3بدعوى ان اقتصار الامام عليه السّلام على الغني يدل على عدم صحة نقل قوله صلّى اللّه عليه و آله،و لا لذي مرة سوي.
و الجواب:انه لا يدل على عدم صحة هذا النقل لكي يكون معارضا لها،إذ من المحتمل أن يكون الاقتصار على الغني من جهة انه يعمّ ذي مرة سوي أيضا، لوضح أن من كانت عنده مهنة أو حرفة أو قوة يعيش بممارستها و مزاولتها
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۶ 146)
[مسألة 1:لو كان له رأس مال لا يقوم ربحه بمؤونته لكن عينه تكفيه]
[2699]مسألة 1:لو كان له رأس مال لا يقوم ربحه بمؤونته لكن عينه تكفيه لا يجب عليه صرفها في مئونته(1)،بل يجوز له إبقاؤه للاتجار به و أخذ البقية من الزكاة،و كذا لو كان صاحب صنعة تقوم آلاتها أو صاحب ضيعة تقوم قيمتها بمؤونته و لكن لا يكفيه الحاصل منهما لا يجب عليه بيعها و صرف العوض في المؤونة،بل يبقيها و يأخذ من الزكاة بقية المؤونة.
يصدق عليه انه غني فلا يختص صدقه على من كان عنده قوت السنة فعلا،غاية الأمر ان الانسان قد يكون غنيا بالمال،و قد يكون غنيا بالمهنة أو الحرفة،و قد يكون غنيا بالقوة على الاكتساب.
فالنتيجة:أنها لا تدل على عدم صحة النقل المذكور عن النبي صلّى اللّه عليه و آله،بل من المحتمل قويا أنه تأكيد لما نقل عن النبي الأكرم صلّى اللّه عليه و آله بكلمة جامعة و هي كلمة(غني)،فاذن لا تكون معارضة لها.
هذا هو الصحيح،و تدل عليه مجموعة من الروايات..
منها:صحيحة معاوية بن وهب قال:«سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يكون له ثلاثمائة درهم أو أربعمائة درهم و له عيال و هو يحترف فلا يصيب نفقته فيها،أ يكب فيأكلها و لا يأخذ الزكاة،أو يأخذ الزكاة؟قال:لا،بل ينظر إلى فضلها،فيقوت بها نفسه و من وسعه ذلك من عياله و يأخذ البقية من الزكاة، و يتصرف بهذه لا ينفقها» 1،فان مقتضى اطلاقها عدم الفرق بين أن يكون رأس مال حرفته يكفى لمئونة سنته على تقدير صرفه فيها وحده أو لا،و حملها على صورة كفاية رأس المال بضميمة الربح لا وحده بحاجة إلى قرينة تدل على هذا التقييد،و لا توجد قرينة على ذلك لا في نفس الصحيحة،و لا من الخارج.
و على هذا فلا وجه للتفصيل بين ما إذا كان رأس المال وحده كافيا لمئونة السنة،و ما إذا لم يكن وحده كافيا لها،فعلى الأول فقد
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۶ 147)
……….
استشكل في جواز أخذ الزكاة،دون الثاني و لكن لا وجه للإشكال بعد اطلاق الصحيحة.
و منها:موثقة سماعة،قال:«سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الزكاة هل تصلح لصاحب الدار و الخادم؟فقال:نعم،الاّ أن تكون داره دار غلّة فخرج له من غلتها دراهم ما يكفيه لنفسه و عياله،فان لم تكن الغلّة تكفيه لنفسه و لعياله في طعامهم و كسوتهم و حاجتهم من غير اسراف،فقد حلت له الزكاة،فان كانت غلّتها تكفيهم فلا» 1.
فان رأس المال في موردها و إن كان الدار التي جعلها صاحبها موردا للإعاشة،و يستفيد من فضلها و غلتها،الاّ ان العرف لا يفهم خصوصية لها حيث ان المتفاهم العرفي منها أن الزكاة تحل لكل من لا يكفى مورد ارتزاقه لمئونة السنة سواء أ كان مورده من النقود أم كان من غيرها،كالدار و الخان و الضيعة و الدكان و ما شاكل ذلك.
و النكتة فيه ان مثل هذا الشخص فقير عرفا باعتبار ان رأس المال لدى الكاسب كالمهن لدى أصحابها مثل الخياط و الطبيب و المهندس و نحوهم،فانه إذا لم تكف مهنته لمؤنة السنة جاز له أخذ الزكاة لتتميمها لأنه فقير، و كذلك الكاسب فانه إذا لم يكف كسبه لمئونة سنته جاز له أخذ الزكاة لتكميل المؤونة.
و منها:رواية اسماعيل بن عبد العزيز 2،و بما أنها ضعيفة سندا،فلا بأس بالتأييد بها،و نتيجة ذلك أمران..
أحدهما:أنه لا فرق في جواز أخذ الزكاة بين أن يكون رأس المال وحده كافيا لمئونة السنة أو لا،كما هو مقتضى اطلاقي الصحيحة و الموثقة.
و الآخر:انه لا فرق بين أن يكون رأس المال من النقود،أو من الأعيان كالدار و الدكان و الخان و نحو ذلك.
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۶ 148)
[مسألة 2:يجوز أن يعطي الفقير أزيد من مقدار مئونة سنته دفعة]
[2700]مسألة 2:يجوز(1)أن يعطي الفقير أزيد من مقدار مئونة سنته دفعة فلا يلزم الاقتصار على مقدار مئونة سنة واحدة،و كذا في الكاسب الذي لا يفي كسبه بمؤونة سنته أو صاحب الضيعة التي لا يفي حاصلها أو التاجر الذي لا يفي ربح تجارته بمؤونة سنته لا يلزم الاقتصار
في الجواز اشكال بل منع،و السبب فيه ان روايات الباب تصنف إلى طائفتين..
إحداهما:تنص على انه يحق للفقير أن يأخذ من الزكاة بمقدار مئونة السنة،أو يكمل المؤونة و لا يحق له أن يأخذ منها أكثر من نفقة السنة كصحيحة زرارة و موثقة سماعة المتقدمتين و نحوهما.و من الواضح ان المراد من عدم جواز أخذ الزائد عدم جوازه وضعا لا تكليفا فقط،بمعنى انه لا يملك الزائد إذا أخذه.
و الاخرى:تنص على أنه يجوز اعطاء الزكاة للفقير إلى حد الغناء دون أكثر من ذلك.و هي روايات كثيرة..
منها:صحيحة سعيد بن غزوان عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«قال:تعطيه من الزكاة حتى تغنيه» 1.
و منها:موثقة عمار بن موسى عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«انه سئل:كم يعطى الرجل من الزكاة؟قال:قال أبو جعفر عليه السّلام:إذا اعطيت فاغنه» 2.
و منها:غيرهما.
ثم ان المراد من الغناء في هذه الروايات هو الغناء الشرعي في مقابل الفقير،فانه المتفاهم العرفي منها بمناسبة الحكم و الموضوع الارتكازية،و لا يكون المراد منه الغناء العرفي فان ارادته من تلك الروايات التي هي في مقام
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۶ 149)
……….
تحديد حد اعطاء الزكاة للفقير بحاجة إلى قرينة،و الاّ فمناسبة الحكم و الموضوع تقتضى ان المراد منه المعنى الشرعي،بل و لو لم تكن الروايات ظاهرة فيه،فلا بد من حملها عليه بقرينة سائر الروايات التي منها الطائفة الاولى.
هذا من ناحية،و من ناحية اخرى ان المتفاهم العرفي منها و من الطائفة الاولى ان الفقير لا يملك الزائد على مئونة السنة.
فالنتيجة:على ضوء ذلك أنه لا فرق بين اعطاء الزكاة للفقير تدريجا و اعطائها دفعة واحدة،فكما أنه لا يملك الزائد على مئونة السنة في الصورة الاولى فكذلك لا يملكه في الصورة الثانية،غاية الأمر انه في هذه الصورة يملك من المجموع المعطى له بمقدار مئونة السنة على نحو الاشاعة،فيبقى الزائد عليه في ملك طبيعي الفقير.
مثال ذلك:إذا اعطى للفقير مبلغا يساوي عشرين ألف دينار-مثلا- و فرضنا ان مئونة سنته عشرة آلاف دينار،و بما أن اعطاء نصف المبلغ كان في مورده و اعطاء نصفه الآخر كان في غير مورده فبطبيعة الحال يكون أخذه بالنسبة إلى نصفه في محله و عن استحقاق،و بالنسبة إلى نصفه الآخر في غير محله، فمن أجل ذلك كان يملك نصفه مشاعا،و يبقى نصفه الآخر كذلك في ملك طبيعي الفقير على أساس ان كلا من الاعطاء و الأخذ كان في موضعه بالنسبة إلى النصف و في غير موضعه بالنسبة إلى نصفه الآخر.
و دعوى:انه لا يتاح للفقير أخذ الزائد على مئونة السنة باعتبار انه كان غنيا قبله،و من المعلوم انه لا يجوز للغني أن يأخذ من الزكاة و أما إذا كان فقيرا حين الأخذ لا غنيا-كما هو المفروض في المقام-فلا مانع من أخذ الزائد و تملكه،و لذلك تختلف هذه الصورة عن صورة الاعطاء و الأخذ تدريجا.
مدفوعة أولا:بأن المستفاد من روايات الزكاة أمران..
أحدهما:انه لا يجوز اعطاء الزكاة للغني.
و الآخر:انه لا يجوز للفقير أن يأخذ من الزكاة أكثر من مؤنة السنة.و تدل
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۶ 150)
……….
على ذلك الروايتان المتقدمتان هما صحيحة زرارة و موثقة سماعة و غيرهما.
و على هذا،فلا يجوز للفقير ان يأخذ منها الزائد على المئونة سواء أ كان بالتدريج أم كان مرة واحده لصدق انه أخذ الزائد عليها.
و ثانيا:ان تحديد جواز اعطاء الزكاة للفقير لحد الغناء في الروايات يدل على أن المراد من الغناء أقصى حده،و هو مقدار مؤنة السنة فحسب،فاذن لا محالة يكون التحديد بلحاظ أقصى حد الاعطاء حيث لا حدّ لأدناه.
و نتيجة ذلك:ان الروايات المذكورة تحدد مقدار الاعطاء من الزكاة لمستحقيها و هو مقدار مؤنة السنة،و معنى هذا انه لا يجوز لمالك النصاب أن يعطي الفقير من زكاة أمواله أزيد من مؤنة السنة و لو مرة واحدة لصدق انه أعطى أكثر من المئونة و الاّ لكان اعطاء الزائد في غير موضعه،نظير أن يعطي الزكاة لغير أهلها،و على هذا ففي المثال المتقدم كان اعطاء عشرة آلاف دينار له من عشرين ألف دينار في موضعه باعتبار أنها بمقدار مؤنة السنة و الزائد في غير موضعه فلا يجزئ.
و ثالثا:مع الاغماض عن ذلك و تسليم ان عدم جوازه لا يستفاد من هذه الروايات نصا،الاّ أنه لا شبهة في ان ملاك عدم الجواز في الصورتين واحد،و هو عدم استحقاق كل فقير من الزكاة أكثر من مؤنة السنة،و هذا المعنى هو المستفاد من سياق مجموعة روايات الباب بمختلف الألسنة و الموارد،منها الروايات التي تنص على أن اللّه تعالى جعل للفقراء في أموال الأغنياء ما يكفيهم،فان المتفاهم العرفي منها بمناسبة الحكم و الموضوع الارتكازية ان اللّه تعالى جعل لكل فقير في أموال الأغنياء ما يكفي لمؤنته دون أكثر،فاذن كيف يمكن أن يملك الزائد على المئونة،و من الواضح انه لا فرق في ذلك بين أن يأخذ الزكاة لدى الاعطاء دفعة واحدة أو تدريجا،فان أخذ الزائد غير جائز وضعا و تكليفا.
إلى هنا قد ظهر ان جواز اعطاء الزكاة للفقير أكثر من مؤنة السنة مرة
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۶ 151)
على إعطاء التتمة،بل يجوز دفع ما يكفيه لسنين(1)،بل يجوز جعله غنيا عرفيا و إن كان الأحوط الاقتصار،نعم لو أعطاه دفعات لا يجوز بعد أن حصل عنده مئونة السنة أن يعطي شيئا و لو قليلا ما دام كذلك.
[مسألة 3:دار السكنى و الخادم و فرس الركوب المحتاج إليها بحسب حاله]
[2701]مسألة 3:دار السكنى و الخادم و فرس الركوب المحتاج إليها بحسب حاله و لو لعزّه و شرفه لا يمنع من إعطاء الزكاة و أخذها،بل و لو كانت متعددة مع الحاجة إليها،و كذا الثياب و الألبسة الصيفية و الشتوية السفرية و الحضرية و لو كانت للتجمل و أثاث البيت من الفروش و الظروف و سائر ما يحتاج إليه،فلا يجب بيعها في المؤونة،بل لو كان فاقدا لها مع
واحدة و إن كان مشهورا بين الأصحاب،الاّ أنه مبني على نقطة خاطئة،و هي توهم أن المانع من أخذ الزكاة زائدا على مؤنة السنة انما هو غناء الآخذ في المرتبة السابقة على ذلك،و الفرض عدم وجود هذا المانع إذا كان اعطاء الزائد مع المزيد دفعة واحدة باعتبار أنه يصير غنيا بأخذ المجموع مرة واحدة،و لكن لا واقع لهذا التوهم فان الموجب لتحقق عنوان الغناء ليس هو الأخذ الخارجي، بل تملكه المال المدفوع إليه زكاة،و المفروض انه انما يملك منه بمقدار مؤنة السنة دون الأكثر منها،فيكون أخذه الأكثر في غير موضعه فلا يصلح سببا للتملك.
و إن شئت قلت:ان أخذه الزائد على المئونة و إن كان معها في آن واحد،الاّ أن هذا الأخذ بالنسبة إلى مقدار المئونة كان في محله،فيكون سببا للملك، و بالنسبة إلى الزائد بما أنه كان في غير محله فلا يصلح أن يكون سببا له،نظير ما إذا أعطى لشخص مالا يكون مشتركا بينه و بين غيره،فان أخذه بالنسبة إلى ماله كان في موضعه،و بالنسبة إلى مال غيره في غير محله،فاذن لا يرجع التفصيل بين الصورتين إلى معنى صحيح.
ظهر مما مرّ عدم جوازه،و به يظهر حال ما بعده.
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۶ 152)
الحاجة جاز أخذ الزكاة لشرائها،و كذا يجوز أخذها لشراء الدار و الخادم و فرس الركوب و الكتب العلمية و نحوها مع الحاجة إليها،نعم لو كان عنده من المذكورات أو بعضها أزيد من مقدار حاجته بحسب حاله وجب صرفه في المؤونة،بل إذا كانت عنده دار تزيد عن حاجته و أمكنه بيع المقدار الزائد منها عن حاجته وجب بيعه،بل لو كانت له دار تندفع حاجته بأقل منها قيمة فالأحوط(1)بيعها و شراء الأدون،و كذا في العبد و الجارية و الفرس.
[مسألة 4:إذا كان يقدر على التكسب لكن ينافي شأنه]
[2702]مسألة 4:إذا كان يقدر على التكسب لكن ينافي شأنه كما لو كان قادرا على الاحتطاب و الاحتشاش الغير اللائقين بحاله يجوز له أخذ الزكاة،
بل الأقوى ذلك إذا كانت حاجته بحسب حاله و شئونه تندفع بالأقل منها قيمة و أدون منها كما و كيفا،فان معنى ذلك أنها زائدة على حاجته اللائقة بحاله.
نعم،إذا لم تكن زائدة على ما هو اللائق بحاله،و لكن بامكانه أن يعيش في دار أدون منها كما و كيفا و أقل منها قيمة بدون عسر و حرج لم يجب عليه بيعها،لأن مؤن كل فرد انما هو بحسب مكانة ذلك الفرد اجتماعيا و عائليا و شئونه في الداخل و الخارج من المسكن و الخدم و المركبة و الفروش و الظروف و الألبسة و نحوها.
فالنتيجة ان المئونة المستثناة من الزكاة تلحظ بالنسبة إلى كل مكلف مكانة ذلك المكلف اجتماعيا ماديا و معنويا،و أنها تحدد مؤنته كما و كيفا، فمن أجل ذلك ليس لها ضابط كلي،بل هي تختلف باختلاف مكانة أفراد المكلفين.
ثم إن اثمان المئونة هل هي تلحق بنفس المئونة في استثنائها من الزكاة لدى الحاجة إليها أو لا؟الظاهر أنها لا تلحق بها،فإذا كان لدى الشخص الدراهم
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۶ 153)
و كذا إذا كان عسرا و مشقة من جهة كبر أو مرض أو ضعف فلا يجب عليه التكسب حينئذ.
[مسألة 5:إذا كان صاحب حرفة و صنعة و لكن لا يمكنه الاشتغال بها]
[2703]مسألة 5:إذا كان صاحب حرفة و صنعة و لكن لا يمكنه الاشتغال بها من جهة فقد الآلات أو عدم الطالب جاز له أخذ الزكاة.
[مسألة 6:إذا لم يكن له حرفة و لكن يمكنه تعلمها من غير مشقة]
[2704]مسألة 6:إذا لم يكن له حرفة و لكن يمكنه تعلمها من غير مشقة ففي وجوب التعلم و حرمة أخذ الزكاة بتركه إشكال،و الأحوط(1)التعلم و ترك الأخذ بعده،نعم ما دام مشتغلا بالتعلم لا مانع من أخذها.
[مسألة 7:من لا يتمكن من التكسب طول السنة إلا في يوم أو أسبوع مثلا]
[2705]مسألة 7:من لا يتمكن من التكسب طول السنة إلا في يوم أو أسبوع مثلا و لكن يحصل له في ذلك اليوم أو الاسبوع مقدار مئونة السنة فتركه و بقي طول السنة لا يقدر على الاكتساب لا يبعد جواز أخذه و إن قلنا إنه عاص بالترك في ذلك اليوم أو الاسبوع(2)لصدق الفقير عليه حينئذ.
أو الدنانير بقدر النصاب،و كان الشخص في أمس الحاجة إلى المسكن أو سائر لوازم الحياة،و لكنه لم يقدم على الشراء و كانت تظل باقية عنده إلى أن حال عليها الحول تعلقت الزكاة بها و لا يوجد دليل على استثنائها لاختصاص الدليل بعين المؤن.
بل هو الأقوى،لأنه مشمول لقوله عليه السّلام في صحيحة زرارة المتقدمة:
«و هو يقدر على أن يكف نفسه عنها» 1أي الزكاة،باعتبار أنه قادر على ذلك من جهة قدرته على التعلم و معها لا يجوز له أخذ الزكاة لأنه غني بمهنته فيكون مشمولا لإطلاق الصحيحة.
فيه انه لا وجه للعصيان حيث انه لا يجب عليه تكليفا التكسب في
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۶ 154)
[مسألة 8:لو اشتغل القادر على الكسب بطلب العلم المانع عنه يجوز له أخذ الزكاة]
[2706]مسألة 8:لو اشتغل القادر على الكسب بطلب العلم المانع عنه يجوز له أخذ الزكاة إذا كان مما يجب تعلمه عينا أو كفاية(1)،و كذا إذا كان مما يستحب تعلمه كالتفقه في الدين اجتهادا أو تقليدا،و إن كان مما لا يجب و لا يستحب كالفلسفة و النجوم و الرياضيات و العروض و العلوم الأدبية لمن لا يريد التفقه في الدين فلا يجوز أخذه.
[مسألة 9:لو شك في أن ما بيده كاف لمئونة سنته أم لا]
[2707]مسألة 9:لو شك في أن ما بيده كاف لمئونة سنته أم لا،فمع سبق وجود ما به الكفاية لا يجوز الأخذ،و مع سبق العدم و حدوث ما يشك في كفايته يجوز عملا بالأصل في الصورتين.
[مسألة 10:المدعي للفقر إن عرف صدقه أو كذبه عومل به]
[2708]مسألة 10:المدعي للفقر إن عرف صدقه أو كذبه عومل به،و إن جهل الأمران فمع سبق فقره يعطى من غير يمين،و مع سبق الغنى(2)أو
ذلك اليوم أو الاسبوع حتى يكون تركه عصيانا إذ يجوز له أن يترك التكسب فيه، غاية الأمر أنه إذا ترك أصبح فقيرا فيه،و حينئذ يستحق أن يأخذ الزكاة و لا محذور من أن يجعل الانسان نفسه فقيرة و مستحقة لها باختياره حيث ان الفقر ليس شيئا مبغوضا عند اللّه تعالى.
في جواز أخذ الزكاة من حصة الفقراء إذا كان وجوب التعلّم عليه كفائيا اشكال بل منع،لأن المعيار في جواز أخذ الزكاة انما هو عدم قدرة المكلف على أن يكف نفسه عنها،و أما إذا كان قادرا على ذلك فلا يجوز له أخذها على ما نص عليه في صحيحة زرارة المتقدمة.و المفروض في المقام انه قادر على كف النفس على أساس أن وجوب التعلم عليه كفائي،فيجوز له تركه و اختيار التكسّب،و به يظهر حال ما بعده.
في جواز الاكتفاء بالظن بصدقه مطلقا في هذه الصورة و في غيرها اشكال بل منع،لأن الظن لا يكون حجة حتى يكون مانعا عن استصحاب بقاء الغنى،فاذن العبرة انما هي بحصول الوثوق بالصدق،فان حصل فهو،و الاّ لم
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۶ 155)
الجهل بالحالة السابقة فالأحوط عدم الإعطاء إلا مع الظن بالصدق(1) خصوصا في الصورة الاولى.
[مسألة 11:لو كان له دين على الفقير جاز احتسابه زكاة]
[2709]مسألة 11:لو كان له دين على الفقير جاز احتسابه زكاة سواء كان حيا أو ميتا،لكن يشترط في الميت أن لا يكون له تركة تفي بدينه و إلا لا يجوز،نعم لو كان له تركة لكن لا يمكن الاستيفاء منها لامتناع الورثة أو غيرهم فالظاهر الجواز.
يجز اعطاء الزكاة له.
مرّ أنه لا أثر للظن،و لا يكون حجة،و عليه فالأظهر عدم قبول دعوى الفقر الاّ في حالتين..
الاولى:أن يكون الفقير ثقة.
الثانية:أن يحصل الوثوق بالصدق.نعم المشهور بين الأصحاب قبول دعوى الفقر مطلقا حتى مع عدم الظن بالصدق،و قد استدل على ذلك بوجوه..
الأول:الإجماع المدعى في المسألة على قبول دعوى الفقر.
و يرده ما ذكرناه غير مرة من أنه لا يمكن اثبات الحكم في المسألة بالإجماع الا عند توفر أمرين فيه..
الأول:ثبوته لدى القدماء من الأصحاب على نحو يكون كاشفا عن ثبوته في زمان المعصومين عليهم السّلام.
الثاني:أن لا يتوفر في المسألة ما يصلح أن يكون مدركا لها،و كلا الأمرين غير متوفرين في المقام.
الثاني:جريان السيرة القطعية العملية من المتشرعة على العمل بقوله من دون المطالبة بالبينة أو اليمين.
و الجواب أولا:ان ثبوت السيرة كذلك بين المتشرعة في تمام الأدوار و القرون على قبول دعواه مطلقا لا يخلو عن اشكال بل منع.
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۶ 156)
……….
و ثانيا:إنها انما تكون حجة إذا كانت متصلة بزمن المعصومين عليهم السّلام حتى تكون كاشفة عن ثبوتها في ذلك الزمان و وصولها إلينا يدا بيد و طبقة بعد طبقة، و لكن ذلك يتوقف على ثبوت أمرين..
الأول:السيرة بين قدماء الأصحاب الذين يكون عصرهم متصلا بعصر أصحاب الأئمة عليهم السّلام.
الثاني:أن لا يكون عملهم بقوله مستندا إلى شيء آخر،بل يكون مستندا إلى تلقي هذه السيرة من زمن المعصومين عليهم السّلام يدا بيد.و كلا الأمرين غير متوفر في المقام.
أما الأول:فلا طريق لنا إلى احراز ثبوتها بينهم جميعا،و مجرد الفتوى لا يكشف عن وجودها و استنادها إليها.
و أما الثاني:فلأن من المحتمل قويا أن يكون عملهم بقوله مستندا إلى وجوه اخرى في المسألة لا إلى تلقي السيرة من زمن المعصومين عليهم السّلام طبقة بعد طبقة،فاذن لا يكون مجرد عملهم بقوله كاشفا عن ثبوت السيرة على ذلك من زمن الأئمة عليهم السّلام.
الثالث:ان من ادعى شيئا و لا معارض له في دعواه يقبل منه مطلقا من دون أن يطالب ببينة و لا يمين،فانه انما يطالبه بذلك إذا كان في مقابله منكر لا مطلقا،و تدل على ذلك صحيحة منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:
«قلت:عشرة كانوا جلوسا،و في وسطهم كيس،فيه ألف درهم،فسأل بعضهم بعضا:أ لكم هذا الكيس؟فقالوا كلهم:لا،و قال واحد منهم هو لي،فلمن هو؟ قال:للذي ادعاه» 1فان مقتضى اطلاقها أنه للمدعي مطلقا و إن لم يكن ثقة و لا دعواه مفيدة للوثوق،و هذا معنى قبول دعوى المدعي إذا لم يكن لها معارض، و هذه الكبرى تنطبق على المقام.
و الجواب:ان الصحيحة و إن كانت تامة دلالة،الاّ أن موردها دعوى المال
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۶ 157)
……….
التي لا معارض لها،و لا يمكن التعدي عنه إلى الموارد التي لا تكون الدعوى فيها متعلقة بالمال و إن كان لا معارض لها كما هو الحال في المقام،فان دعوى الفقر و إن كانت لا معارض لها الاّ أنها لا ترتبط بالمال،فلذلك يكون التعدي بحاجة إلى قرينة حيث ان الحكم في مورد الصحيحة يكون على خلاف القاعدة،و الفرض أنه لا قرينة عليه،لا في نفس الصحيحة،و لا في الخارج.
فالنتيجة:انه لا دليل على أن كل من ادعى شيئا و لا معارض له في دعواه يقبل قوله مطلقا،و انما الدليل قد قام على ذلك في بعض صغريات هذه الكبرى و هو ما إذا كانت الدعوى مرتبطة بالمال.
الرابع:برواية عبد الرحمن العرزمي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«جاء رجل إلى الحسن و الحسين عليهما السّلام و هما جالسان على الصفا فسألهما،فقالا:ان الصدقة لا تحلّ الاّ في دين موجع أو غرم مفظع،أو فقر مدقع،ففيك شيء من هذا؟قال:
نعم،فاعطياه» 1بدعوى أنها تدل على قبول قوله مطلقا.
و الجواب أولا:ان الرواية ضعيفة سندا من جهة الارسال،فلا يمكن الاستدلال بها.
و ثانيا:ان الرواية تتضمن قضية في واقعة خاصة،فلا اطلاق لها و لا تدل على قبول قول الفقير مطلقا و إن لم يكن ثقة و لا يحصل الوثوق بصدقه.
الخامس:ان أخبار الشخص عن حالاته و شئونه كالفقر و الغناء و المرض و الصحة و ما شاكل ذلك حجة،معللا بأنه لا طريق غالبا للتعرف بحاجة المحتاجين الاّ بسبب أخبارهم عنها،فلو لم يقبل دعوى الفقر من أهله لتعذر عليه في الغالب اقامة البينة عليه،و تؤكد ذلك مجموعة من الروايات..
منها:صحيحة ميسر قال:«قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام ألقى المرأة بالفلاة التي ليس فيها أحد فأقول لها:أ لك زوج؟فتقول:لا،فأتزوجها،قال:نعم،هي المصدقة على نفسها» 2بتقريب ان موردها و إن كان خاصا ألاّ أن المتفاهم
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۶ 158)
……….
العرفي منها الكبرى الكلية و هي حجية أخبار كل مخبر بشيء لا طريق للتعرف به غالبا الاّ من ناحية إخباره به.
و الجواب أولا:ان الفقر و الغناء و المرض و الصحة و نحوها ليست من الأشياء التي لا يمكن الاطلاع عليها غالبا الاّ من ناحية أخبار أصحابها،بل هي من الأشياء الاعتيادية التي كما يمكن الاطلاع عليها من ناحية أخبارهم بها، كذلك يمكن الاطلاع عليها من النواحي الاخرى.
و ثانيا:انه لا دليل بشكل عام على أن كل ما لا يمكن الاطلاع عليه غالبا الاّ من طريق أخبار صاحبه فأخباره به حجة،و أما الصحيحة و نحوها فلا اطلاق لها بالنسبة إلى سائر الموارد،فالتعدي عن موردها إليها بحاجة إلى دليل،و لا يوجد دليل عليه في نفس تلك الأخبار،و قوله عليه السّلام فيها:«نعم هي المصدقة على نفسها»لا يدل على ان كل من أخبر عن حال من حالاته التي لا طريق إليها غالبا الاّ من طريق أخباره بها،فهو مصدق فيه،بل يدل على أنها المصدقة على نفسها في موردها لا مطلقا.نعم،لو كان قبول قولها في ذلك معللا بعدم امكان الاطلاع به غالبا الاّ من طريق نفسها لدل على عموم الحكم في كل مورد يتوفر فيه هذا الملاك بلا خصوصية لموردها.هذا اضافة إلى أنها معارضة بصحيحة حماد عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«في رجل طلق امرأته ثلاثا،فبانت منه،فأراد مراجعتها،فقال لها:إني أريد مراجعتك فتزوجي زوجا غيري،فقالت له قد تزوجت زوجا غيرك،و حلّلت لك نفسي،أ يصدّق قولها و يراجعها؟و كيف يصنع؟قال:إذا كانت المرأة ثقة صدّقت في قولها» 1فإنها تنص على ان قبول قولها منوط بكونها ثقة.
فالنتيجة:انه لا دليل على ان دعوى الفقر مسموعة مطلقا و إن لم يحصل الوثوق بالصدق،و لا كون المدعي ثقة.
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۶ 159)
……….
و من هنا يظهر أنه لا وجه للتفصيل بين العلم بكون مدعي الفقر مسبوقا بالغناء،و بين الجهل بحالته السابقة،فعلى الأول لا تكون دعوى الفقر منه مسموعة الاّ إذا حصل الوثوق بصدقة،و على الثاني تكون مسموعة مطلقا، و ذلك لأن الوجوه المذكورة كلا أو بعضا لو تمت فلا مجال لهذا التفصيل،فان استصحاب بقاء الغناء لا يكون حجة في مقابلها،و إن لم تتم كذلك فأيضا لا مجال له،فان دعواه كما لا تكون حجة في الفرض الأول لا تكون حجة في الفرض الثاني أيضا،و لا فرق في هذا الفرض بين أن يكون الجهل بحالته السابقة من جهة الشك في كل من الفقر و الغنى بمفاد كان التامة،أو بمفاد كان الناقصة، كما إذا علم أنه كان في فترة من الزمن فقيرا،و في فترة اخرى كان غنيا،و شك في المتقدم و المتأخر منهما،فهاهنا حالتان..
الاولى:أن يكون تاريخ كل منهما مجهولا.
الثانية:أن يكون تاريخ أحدهما مجهولا و تاريخ الآخر معلوما.و على جميع التقادير فاستصحاب بقاء الفقر معارض باستصحاب بقاء الغناء.أما في الحالة الاولى،فلأن المكلف يكون شاكا في بقاء الجامع بين الفردين الطوليين باعتبار أنه كان متيقنا بتحقق الجامع في ضمن أحد فرديه،حيث انه يعلم بفقره في أحد الزمانين و بغناه في الآخر،و يشك في بقاء كل منهما في الزمن الثالث، و حينئذ لا مانع من استصحاب بقاء كل منهما في نفسه،و لكنه يسقط من جهة المعارضة.و أما في الحالة الثانية فأيضا لا مانع من استصحاب بقاء كل منهما في نفسه،غاية الأمر أنه شخصي في المعلوم التاريخ،و كلي في المجهول،فتقع المعارضة بينهما و يسقطان معا،و لا فرق فيه بين أن يكون تاريخ الفقر معلوما و تاريخ الغناء مجهولا أو بالعكس.
فالنتيجة:ان استصحاب بقاء كل من الفقر و الغنى ساقط في تمام هذه الحالات بالمعارضة،فعندئذ إن حصل الوثوق بالفقر من قوله فهو،و الاّ فلا أثر له.
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۶ 160)
[مسألة 12:لا يجب إعلام الفقير أن المدفوع إليه زكاة]
[2710]مسألة 12:لا يجب إعلام الفقير أن المدفوع إليه زكاة،بل لو كان ممن يترفع و يدخله الحياء منها و هو مستحق يستحب دفعها إليه على وجه الصلة ظاهرا و الزكاة واقعا،بل لو اقتضت المصلحة التصريح كذبا بعدم كونها زكاة جاز(1)
في الجواز اشكال بل منع،لأن المصلحة المقتضية للكذب هي الحفاظ على حرمة المؤمن المستحق،فإذا فرض انه لا يمكن الحفاظ عليها الاّ بنفي الزكاة عن المال المعطى له كذبا لم يجز الاعطاء.نعم،إذا فرض ان الاعطاء واجب بسبب من الأسباب،فعندئذ تقع المزاحمة بين حرمة الكذب و بين حفظ حرمة المؤمن و عدم هتكه،و يرجع إلى مرجحات باب المزاحمة،و هذا يختلف باختلاف مكانة المؤمن.هذا اضافة إلى أن ذلك مجرد فرض،إذ إعطاء الزكاة بدون الاسم لا يكون هتكا بنظر الناس،بل ربما يكون فيه بنظرهم نوع احترام بتخيل انه هدية له تكشف عن مكانته عنده،لأن الاعطاء لو كان فيه إذلالا فانما هو مع الاسم لا بدونه كما نصت عليه صحيحة أبي بصير قال:«قلت لأبي جعفر عليه السّلام:الرجل من أصحابنا يستحي أن يأخذ من الزكاة،فأعطيه من الزكاة و لا أسمّي له أنها من الزكاة؟فقال:اعطه و لا تسم له و لا تذلّ المؤمن» 1.
فالنتيجة:ان المعتبر في صحة الزكاة أن ينوي بها القربة،و أما التصريح باسمها فهو غير معتبر في صحتها،بل لا يحتمل اعتباره فيها.و تنصّ الصحيحة على عدم اعتباره.
و أما صحيحة محمد بن مسلم قال:«قلت لأبي جعفر عليه السّلام:الرجل يكون محتاجا فيبعث إليه بالصدقة فلا يقبلها على وجه الصدقة يأخذه من ذلك ذمام و استحياء و انقباض،فنعطيها ايّاه على غير ذلك الوجه،و هي منّا صدقة؟فقال:لا إذا كانت زكاة فله أن يقبلها،فإن لم يقبلها على وجه الزكاة فلا تعطها اياه،و ما
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۶ 161)
إذا لم يقصد القابض عنوانا آخر غير الزكاة(1)بل قصد مجرد التملك.
[مسألة 13:لو دفع الزكاة باعتقاد الفقر فبان كون القابض غنيا]
[2711]مسألة 13:لو دفع الزكاة باعتقاد الفقر فبان كون القابض غنيا،
ينبغي له أن يستحي مما فرض اللّه،انما هي فريضة اللّه له،فلا يستحي منها» 1
فهي لا تصلح ان تعارض صحيحة أبي بصير،حيث أنها لم تكن ناصة،بل و لا ظاهرة في عدم جواز اعطاء الزكاة بدون الاسم،فان محتملاتها امور..
الأول:أن يكون المنهي عنه هو الاعطاء بدون الاسم بحيث يكون التصريح بالاسم معتبرا فيه.
الثاني:أن يكون المنهي عنه الاعطاء بعنوان الهدية واقعا،و لكن اللّه تعالى يحسب تلك الهدية عوضا عن الزكاة.
الثالث:أن يكون المنهي عنه الاعطاء بعنوان آخر كذبا،بمعنى أنه ينوي واقعا كون المعطى زكاة،و لكنه يقول أنه هدية كذبا.
و لا ظهور لها في شيء منها،فاذن تكون مجملة،و مع الاغماض عن ذلك و تسليم أنها ظاهرة في الاحتمال الأول،فلا بد من رفع اليد عن ظهورها فيه بقرينة نص صحيحة أبي بصير،إما بحملها على أحد الاحتمالين الآخرين،أو حملها على كراهة الاعطاء بدون الاسم شريطة انقباضه مع الاسم منها،و هو خلاف طيب النفس،مع أنه لا ينبغي له الانقباض مما فرضه اللّه تعالى له.
لا أثر لقصد القابض عنوانا آخر غير الزكاة،إذ لا دليل على أن قبض الفقير بنية أنه زكاة معتبر،لأنه يتعين زكاة بقصد المعطي و إن كان الفقير القابض جاهلا بأنه زكاة،فإذا أخذه و لو بعنوان آخر تعين في ملكه،و لا يتوقف على قصد التملك باعتبار أنه ملك لطبيعي الفقير في المرتبة السابقة،فإذا عين المالك الزكاة في شيء و قبضه الفقير تعيّن له،و إن كان قبضه بقصد الهدية أو الهبة فانه لا يغير الواقع.
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۶ 162)
فإن كانت العين باقية ارتجعها،و كذا مع تلفها إذا كان القابض عالما بكونها زكاة و إن كان جاهلا بحرمتها للغني،بخلاف ما إذا كان جاهلا بكونها زكاة فإنه لا ضمان عليه(1)،و لو تعذر الارتجاع أو تلفت بلا ضمان أو معه و لم يتمكن الدافع من أخذ العوض كان ضامنا(2)فعليه الزكاة مرة اخرى،نعم لو كان الدافع هو المجتهد أو المأذون منه لا ضمان عليه و لا على المالك الدافع إليه.
في عدم الضمان اشكال بل منع،و الأقوى الضمان،لعموم على اليد، غاية الأمر ان له الرجوع إلى الدافع باعتبار أنه مغرور من قبله فيرجع إليه لقاعدة الغرور،و حينئذ فان كان الدافع هو المالك فان أدى المغرور الزكاة يرجع إليه، و يأخذ عوضها عنه،و إن لم يؤد فعلى المالك أن يؤدّيها لأن الضمان قد استقر عليه،و كذلك إذا كان الدافع غير المالك.
الظاهر عدم الضمان شريطة أن يكون دفع الزكاة إلى شخص بعد الفحص و الاجتهاد و التأكد و تنص عليه صحيحة عبيد بن زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام في حديث قال:«قلت له:رجل عارف أدّى زكاته إلى غير أهلها زمانا،هل عليه أن يؤديها ثانية إلى أهلها إذا علمهم؟قال:نعم،…قال:قلت:فانه لم يعلم أهلها فدفعها إلى من ليس هو لها بأهل،و قد كان طلب و اجتهد ثم علم بعد ذلك سوء ما صنع؟قال:ليس عليه أن يؤديها مرة اخرى» 1و قريب منها صحيحة زرارة 2.
قد يقال كما قيل:ان المراد بغير الأهل في الصحيحتين هو غير العارف، بقرينة وصف الرجل الدافع بالعارف،و عليه فلا تكونان مما نحن فيه،و هو دفع الزكاة إلى العارف غير المستحق و الأهل.
و الجواب أولا:ان حمل غير الأهل فيهما على غير العارف فقط بحاجة
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۶ 163)
……….
إلى قرينة،و مجرد توصيف الرجل الدافع بالعارف لا يصلح أن يكون قرينة على ذلك،و الاّ لكان المناسب للسائل أن يقول:«رجل عارف أدّى زكاته إلى غير العارف»فاذن يكون مراده من كلمة(غير الأهل)مجهولا،و لا يعلم أنه أراد منها مطلق غير المستحق،أو خصوص غير العارف.
و ثانيا:ان الحكم في مورد الصحيحتين يكون على القاعدة،و ذلك لما مر آنفا من أن دعوى الفقر غير مسموعة،و حينئذ فوظيفة الدافع أن يقوم بعملية الفحص و الاجتهاد لكي يكون متأكدا و واثقا بالاستحقاق،فإذا دفعها إلى غير موردها في الواقع و لكن كان متأكدا و مطمئنا بالمورد لم يكن ضامنا لعدم الموجب له،فان الموجب هو التفريط و التقصير،و الفرض انه لا تفريط فيه،و أما إذا دفعها إلى غير موردها واقعا بدون أن يقوم بعملية الفحص و تحصيل الحجة فهو ضامن،لصدق التفريط و التقصير فيه،و لا فرق في ذلك بين أن يكون الدفع إلى غير العارف أو إلى العارف غير المستحق،فان المعيار في الضمان و عدمه انما هو بصدق التفريط وجودا و عدما.
و أما رواية الحسين بن عثمان عمن ذكره عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«في رجل يعطي زكاة ماله رجلا و هو يرى انه معسر فوجده موسرا؟قال:لا يجزئ عنه» 1فهي ضعيفة سندا بالارسال،فلا يمكن الاعتماد عليها،هذا إضافة إلى أنها تدل على عدم الاجزاء مطلقا و إن اجتهد و فحص و تأكد فيه،فاذن لا بد من تقييد اطلاقها بالصحيحتين المذكورتين.
إلى هنا قد ظهر ان الضابط في الضمان و عدمه انما هو بصدق التفريط و عدمه،و من هنا لا ضمان على المالك إذا دفعها إلى المجتهد أو المأذون من قبله و تلفت عنده،لأنه بذلك قد عمل بوظيفته الشرعية،و هو يمنع عن صدق التفريط المستتبع للضمان،و كذلك المجتهد،فانه إذا دفع الزكاة على طبق ما يراه
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۶ 164)
……….
فيه مصلحة شرعا،ثم بان خلافه لم يضمن لعدم صدق التفريط،و من ذلك لا فرق بين المجتهد و المأذون من قبله و المالك،فان المعيار فيه انما هو بصدق التفريط،فان تلتفت و كان تلفها مستندا إلى التفريط في حفظها أو وضعها في غير موضعها،فلا مناص من الضمان و إن كان من المجتهد.نعم يد المجتهد عليها كيد المالك يد أمانة فلا ضمان عليه إذا تلفت بدون تفريط،و هذا بخلاف يد غيره عليها،فانها يد ضمان فإذا تلفت عنده فعليه ضمانها و إن كان بغير تفريط.
بقي هنا شيء،و هو ان اختيار تعيين الزكاة انما هو بيد المالك بعزلها من النصاب و افرازها في مال معين،فإذا صنع ذلك تتعين الزكاة به،و لو تلفت بعد ذلك من دون تفريط منه لم يضمن،و قد نصت على ذلك مجموعة من الروايات،كما أنها تتعين بدفعها إلى مستحقها،و انما الكلام فيما إذا دفعها إلى غير مستحقها من دون الفحص و الاجتهاد،فهل تتعين بنفس هذا الدفع بدون عزلها و افرازها،أو لا؟حتى يكون ضامنا لبدلها،أو لا تتعين به،بل تظل الزكاة باقية في النصاب،فعلى الأول يجوز له التصرف فيه كلا باعتبار ان ذمته مشغولة بالزكاة،و على الثاني لا يجوز له التصرف فيه كذلك،وجهان:الظاهر هو الوجه الأول،لأن المستفاد من الروايات هو ان الزكاة تتعين بعزل المالك و افرازها، و من المعلوم ان العزل يتحقق بأخذ مقدار من النصاب بنية ان المعزول زكاة، و لا فرق فيه بين أن يكون ذلك حين دفعها بنية ان المدفوع زكاة،أو كان قبله، حيث ان المتفاهم من تلك الروايات عرفا ان اختيار تعيين الزكاة بيد المالك سواء أ كان بالعزل المصطلح لدى الفقهاء،أم كان بالأخذ بنية الدفع.
و مع الاغماض عن ذلك و تسليم ان الظاهر هو الوجه الثاني،فحينئذ لا بد من التفصيل بين زكاة النقدين و الانعام الثلاثة،و بين زكاة الغلات الأربع،فان بقاء تمام الزكاة عليه في ماله انما يتم في الاولى دون الثانية،لما تقدم من أن تعلق الزكاة بها انما يكون على نحو الاشاعة في العين،و على هذا فيكون المالك
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۶ 165)
[مسألة 14:لو دفع الزكاة إلى غني جاهلا بحرمتها عليه أو متعمدا استرجعها مع البقاء]
[2712]مسألة 14:لو دفع الزكاة إلى غني جاهلا بحرمتها عليه أو متعمدا استرجعها مع البقاء،أو عوضها مع التلف و علم القابض(1)،و مع عدم الإمكان يكون عليه مرة اخرى(2)،و لا فرق في ذلك بين الزكاة المعزولة و غيرها،و كذا في المسألة السابقة،و كذا الحال لو بان أن المدفوع إليه كافر أو فاسق إن قلنا باشتراط العدالة أو ممن تجب نفقته عليه أو هاشمي إذا كان الدافع من غير قبيله.
[مسألة 15:إذا دفع الزكاة باعتقاد أنه عادل فبان فقيرا فاسقا أو باعتقاد أنه عالم فبان جاهلا]
[2713]مسألة 15:إذا دفع الزكاة باعتقاد أنه عادل فبان فقيرا فاسقا أو باعتقاد أنه عالم فبان جاهلا أو زيد فبان عمرا أو نحو ذلك صح و أجزأ إذا لم يكن على وجه التقييد(3)بل كان من باب الاشتباه في التطبيق،و لا
ضامنا لمقدار زكاة التالف بالنسبة.
بل مع الجهل أيضا،لأن يده يد ضمان،غاية الأمر انه مغرور يرجع إلى من غره بمقتضى قاعدة الغرور.
في اطلاقه اشكال بل منع،لأن دفع الزكاة ان كان بعد الفحص و تحصيل الحجة فلا موجب للضمان،و قد مر أن يد المالك عليها يد أمانة، فيدور ضمانها مدار صدق التفريط وجودا و عدما.و إن كان بدون الفحص و التأكد فهو ضامن.ثم انه لا فرق في ذلك بين أن تكون الزكاة معزولة في مال معين أولا ثم دفعه،أو أنها معزولة بنفس الدفع من دون عزلها أولا،و بذلك يظهر حال ما بعده.
فيه ان الموجود الخارجي مضيق في ذاته و وجوده،و لا يمكن تقييد اعطاء الزكاة له بكونه عادلا،لأن مرجعه إلى أن العدالة داعية للإعطاء،لا أنها قيد لموضوعه،و الاّ فلازمه انه لو لم يكن عادلا لم يتحقق الاعطاء له،و هو غير معقول،بداهة ان الزكاة قد اعطيت له في الخارج و إن لم يكن متصفا بصفة العدالة،لاستحالة انقلاب الشيء عما وقع عليه،فاذن لا محالة تكون عدالته
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۶ 166)
يجوز استرجاعه حينئذ و إن كانت العين باقية،و أما إذا كان على وجه التقييد فيجوز،كما يجوز نيتها مجددا مع بقاء العين أو تلفها إذا كان ضامنا بأن كان عالما(1)باشتباه الدافع و تقييده.
[الثالث:العاملون عليها]
الثالث:العاملون عليها،و هم المنصوبون من قبل الإمام عليه السّلام أو نائبه الخاص أو العام لأخذ الزكوات و ضبطها و حسابها و إيصالها إليه أو إلى الفقراء على حسب إذنه،فإن العامل يستحق منها سهما في مقابل عمله و إن كان غنيا،و لا يلزم استئجاره من الأول أو تعيين مقدار له على وجه الجعالة بل يجوز أيضا أن لا يعين و يعطيه بعد ذلك ما يراه،و يشترط فيهم التكليف بالبلوغ و العقل(2)و الإيمان،
داعية لإعطاء الزكاة،فيكون تخلفها من التخلف في الداعي،و هو لا يضر.
بل و إن كان جاهلا،على تفصيل قد مر.
على الأحوط الأولى،حيث انه لا دليل على اعتبارهما فيهم الاّ دعوى الاجماع في المسألة،و هي غير تامة.و على هذا فالعامل بما أنه منصوب من قبل الامام عليه السّلام أو نائبه الخاص أو العام فهو أعرف بتكليفه،إذ قد يرى مصلحة في نصب الصبي الراشد أو الفاسق باعتبار انه و إن كان صبيا أو فاسقا الاّ أنه بصير بالامور و حاذق فيها و شفيق و ناصح و أمين،فإذا رأى صبيا أو فاسقا كذلك فلا مانع من نصبه لجباية الصدقات و ضبطها و كتابتها و حفظها و ايصالها إليه،أو إلى الفقراء لقاء سهم من الصدقة الذي جعله اللّه تعالى للعاملين عليها،و لكن تعيين ذلك السهم بيد الامام عليه السّلام أو نائبه،فله أن يعينه للعامل عليها على وجه الجعالة، أو الاجارة،أو حسب ما يراه مناسبا،و تنص على الأخير صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام،«قال:قلت له ما يعطى المصدّق؟قال:ما يرى الامام،و لا يقدّر
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۶ 167)
……….
له شيء» 1،فانها تدل على أنه لا يجب تعيين شيء من الصدقة له،بعنوان الاجرة،بل يعطيه الامام ما يراه.و من هنا يشترط في العامل أن لا يكون هاشميا لحرمة زكاة غير الهاشمي على بني هاشم،و قد دلت على ذلك الروايات الكثيرة..
منها:صحيحة عيص بن القاسم عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«إن اناسا من بني هاشم أتوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فسألوه أن يستعملهم على صدقات المواشي،و قالوا:
يكون لنا هذا السهم الذي جعله اللّه للعاملين عليها،فنحن أولى به،فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:يا بني عبد المطلب ان الصدقة لا تحل لي و لا لكم،و لكني قد وعدت الشفاعة» 2.
و دعوى:أن ما دل على حرمة زكاة غير الهاشمي على الهاشمي لا يشمل ما إذا أخذها بعنوان الاجرة،كما إذا كان عاملا فانه يأخذها اجرة،نظير ما إذا استأجر الهاشمي من بيت المال و أعطى اجرته منها،فانه لا اشكال فيه.
مدفوعة:بأن الهاشمي لا يمكن أن يكون من العاملين الذين جعل اللّه تعالى لهم سهما من الصدقات في الكتاب العزيز لقاء عملهم،بمعنى ان عملهم شرط لاستحقاقهم منها نظير استحقاق المقاتلين سهامهم من الغنيمة،و ليس ذلك من باب الاجارة،فان سهمهم منها حق لهم جعله اللّه عز و جل شريطة عملهم فيها من دون عقد اجارة في البين.
نعم،ان تعيين ذلك السهم كما و كيفا بيد الإمام أو نائبه،فانه قد يعينه على وجه الاجرة لهم،أي بنسبة عملهم،و قد يعطيه حسب ما يراه مصلحة.و أما استئجار بني هاشم من بيت المال أو غيره لجباية الزكوات و حفظها و ايصالها إليه،أو إلى الفقراء فهو خارج عن محل الكلام،و لا مانع منه لأنه غير داخل في العاملين في الآية الشريفة التي جعل اللّه تعالى لهم حصة من الزكاة.
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۶ 168)
بل العدالة و الحرية أيضا على الأحوط(1)،نعم لا بأس بالمكاتب، و يشترط أيضا معرفة المسائل المتعلقة بعملهم اجتهادا أو تقليدا(2)،و أن لا يكونوا من بني هاشم،نعم يجوز استجارهم من بيت المال أو غيره كما يجوز عملهم تبرعا،و الأقوى عدم سقوط هذا القسم في زمان الغيبة مع بسط يد نائب الإمام عليه السّلام في بعض الأقطار،نعم يسقط بالنسبة إلى من تصدّى بنفسه لإخراج زكاته و إيصالها إلى نائب الإمام عليه السّلام أو إلى الفقراء بنفسه.
[الرابع:المؤلفة قلوبهم من الكفار]
الرابع:المؤلفة قلوبهم من الكفار(3)الذين يراد من إعطائهم ألفتهم
لا بأس بتركه،اما العدالة فلا شبهة في عدم اعتبارها في العامل،لعدم الدليل،و أن المعتبر فيه أن يكون ثقة و أمينا و إن كان فاسقا،لأنه مقتضى مناسبة الحكم و الموضوع في المسألة،و أما الحرية فلا دليل على اعتبارها و لا مانع من كون العبد عاملا باذن سيده و مستحقا للزكاة على أساس عمله،و لا يمكن التمسك لعدم جواز صرف سهم العاملين عليه بقوله عليه السّلام في موثقة اسحاق بن عمار:«لا يعطى العبد من الزكاة شيئا» 1،فان المنصرف منه المنع عن اعطائه من سهم الفقراء لا مطلقا و لو كان من سهم العاملين،و أصرح منه في المنع عن ذلك قوله عليه السّلام في صحيحة عبد اللّه بن سنان الواردة في المملوك:«لو احتاج لم يعط من الزكاة شيئا» 2.
في الاشتراط اشكال بل منع،إذ لا دليل على أن يكون العامل فقيها و عارفا بالمسائل المتعلقة بأعمالهم سابقا،اذ له أن يكتفى بالسؤال عند الابتلاء بها،أو تأخير الواقعة إلى أن يسأل عن حكمها أو غير ذلك من الطرق المعينة للجاهل.
هذا و إن كان مقتضى اطلاق الآية الشريفة،الاّ ان الروايات تنص على
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۶ 169)
……….
تطبيق المؤلفة قلوبهم على طائفة من المسلمين لكي يحسن اسلامهم و يثبتوا على دينهم الذي دخلوا فيه،و هذه الروايات حاكمة على اطلاق الآية الكريمة، و تبيّن ان المراد من المؤلفة قلوبهم فيها طائفة من المسلمين الذين هم من الضعفاء في اسلامهم و دينهم،فاعطاء الزكاة لهم لتثبيتهم على اسلامهم و دينهم و خروجهم من الشكوك و الأوهام التي طرأت عليهم،و هذه الروايات ما يلي..
منها:صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال:«سألته عن قول اللّه عز و جل:
(وَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ) ،قال:هم قوم وحدوا اللّه عز و جل و خلعوا عبادة من يعبد من دون اللّه عز و جل و شهدوا أن لا إله إلاّ اللّه و أنّ محمدا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و هم في ذلك شكّاك في بعض ما جاء به محمد صلّى اللّه عليه و آله فأمر اللّه نبيّه أن يتألفهم بالمال و العطاء لكى يحسن اسلامهم و يثبتوا على دينهم الذي دخلوا فيه و أقرّوا به.و أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يوم حنين تألف رؤساء العرب من قريش و سائر مضر،منهم أبو سفيان بن حرب و عيينة بن حصين الفزاري و أشباههم من الناس،فغضبت الأنصار و اجتمعت إلى سعد بن عبادة فانطلق بهم إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بالجعرانة، فقال:يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أ تأذن لي في الكلام،فقال:نعم،فقال:ان كان هذا الأمر من هذه الأموال التي قسمت بين قومك شيئا أنزله اللّه رضينا و إن كان غير ذلك لم نرض.قال زرارة:و سمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول:فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:يا معشر الأنصار أ كلّكم على قول سيّدكم سعد فقالوا:سيّدنا اللّه و رسوله،ثم قالوا في الثالثة:نحن على مثل قوله و رأيه،قال زرارة:فسمعت أبا جعفر عليه السّلام يقول:
فحط اللّه نورهم و فرض اللّه للمؤلفة قلوبهم سهما في القرآن» 1فان هذه الصحيحة في مقام بيان المراد من المؤلفة قلوبهم في الآية الشريفة و تفسيرها بطائفة من المسلمين الذين كانوا شاكين في بعض ما جاء به محمد صلّى اللّه عليه و آله.
و منها:صحيحته الاخرى عن أبي جعفر عليه السّلام قال:«المؤلفة قلوبهم قوم وحّدوا اللّه و خلعوا عبادة من دون اللّه و لم تدخل المعرفة قلوبهم أن محمدا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و كان رسول اللّه يتألفهم و يعرفهم لكيما يعرفوا و يعلّمهم» 2.
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۶ 170)
……….
و منها:روايات اخرى،و لكن بما أنها ضعيفة سندا فلا يمكن الاستدلال بها.
فالنتيجة:انه لا دليل على أن المؤلفة قلوبهم أعم من الكفار و المسلمين، و عليه فالمؤلفة قلوبهم الذين جعل اللّه لهم حصة من الزكاة في الكتاب العزيز عبارة عن طائفة من المسلمين الذين دخلوا في الإسلام،و لكنهم متزلزلين في بعض ما جاء به النبي الأكرم صلّى اللّه عليه و آله و شاكين فيه،و لم يجعل للأعم من الكفار و المسلمين،فلا يجوز اعطاء الزكاة للكفار لألفتهم و ميلهم إلى الإسلام بعنوان أنهم من مواردها.
نعم،يجوز للإمام أو نائبه اعطاء الزكاة لهم إذا رأى فيه مصلحة للإسلام و عظمة و تقوية له كجلب رغبتهم و ميلهم قلبا إليه و الفتهم به،الاّ ان ذلك ليس من جهة أنهم من المؤلفة قلوبهم في الآية الشريفة،بل من باب المصلحة العامة للإسلام و المسلمين،فيدور مدار تلك المصلحة وجودا و عدما،و من هنا يظهر أن مقتضى هذه الروايات اختصاص المؤلفة قلوبهم بالمسلمين الذين هم ضعفاء في اسلامهم،فان اللّه تعالى جعل لهم حصة من الزكاة لكي يحسن اسلامهم و يثبتوا على دينهم،و عليه فلا تعم المؤلفة المسلمين الذين يقصد من وراء اعطائهم الزكاة المعاونة على الجهاد و الدفاع عن الإسلام و المسلمين،فان اعطاءها لهم يدور مدار تلك المصلحة العامة،و ليس بملاك المؤلفة قلوبهم.
قد يقال كما قيل:ان مقتضى هذه الروايات الواردة في تفسير الآية الشريفة و إن كان ذلك،الاّ أن هناك رواية اخرى تدل على الأعم،و هي صحيحة زرارة و محمد بن مسلم أنهما قالا لأبي عبد اللّه عليه السّلام:«أ رأيت قول اللّه تبارك و تعالى: إِنَّمَا الصَّدَقٰاتُ لِلْفُقَرٰاءِ وَ الْمَسٰاكِينِ وَ الْعٰامِلِينَ عَلَيْهٰا وَ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَ فِي الرِّقٰابِ وَ الْغٰارِمِينَ وَ فِي سَبِيلِ اللّٰهِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللّٰهِ أ كلّ هؤلاء يعطى و إن كان لا يعرف؟فقال:ان الامام يعطي هؤلاء جميعا لأنهم يقرّون له بالطاعة،قال زرارة:قلت:فان كانوا لا يعرفون،فقال:يا زرارة لو كان يعطى من يعرف دون من لا يعرف لم يوجد لها موضع،و انما يعطى من لا يعرف ليرغب في الدين فيثبت عليه،فأما اليوم فلا تعطها أنت و أصحابك الاّ من
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۶ 171)
……….
يعرف،فمن وجدت من هؤلاء المسلمين عارفا فاعطه دون الناس،ثم قال:
سهم المؤلفة قلوبهم و سهم الرقاب عام و الباقي خاص-الحديث» 1.بتقريب أنها تنص على أن سهم المؤلفة و سهم الرقاب عام.
و الجواب:ان في هذه الصحيحة شواهد تدل على ان المراد من المؤلفة فيها المسلمون فحسب دون الأعم منهم و من الكفار..
الأول:قوله عليه السّلام:«لأنهم يقرون له بالطاعة»فانه ناص على أن هؤلاء من المسلمين المعترفين له بالطاعة.
الثاني:قوله عليه السّلام:«و انما يعطى من لا يعرف ليرغب في الدين فيثبت عليه»فانه ينص بقرينة قوله عليه السّلام:«فيثبت عليه»على اختصاص من لا يعرف بالمسلم،فان اعطاء الزكاة له لكي يحسن اسلامه و يثبت على دينه الذي دخل فيه.
الثالث:قوله عليه السّلام:«فمن وجدت من هؤلاء المسلمين عارفا فاعطه»فانه يدل على أن العارف و غير العارف كلاهما من المسلمين.
و هذه الشواهد قرينة على أن المراد من العام في قوله عليه السّلام:«سهم المؤلفة قلوبهم و سهم الرقاب عام»الأعم من العارف و غير العارف من المسلمين،لا من المسلمين و الكفار،و يؤكد ذلك ان المراد من غير العارف في الروايات غير المعتقد بولاية علي بن أبي طالب و أولاده الطاهرين عليهم السّلام،فالمؤلفة في الصحيحة على ضوء تلك الشواهد تخص بالمسلمين و تعم العارف و غير العارف منهم.و مما يؤكده أيضا جعل عموم سهمهما في مقابل خصوص سهم الباقي،إذ لا شبهة في أن سهم الباقي خاص بالشيعة،فلا يجوز لغيرهم.
و مع الاغماض عن جميع ذلك فالصحيحة مجملة و لا ظهور لها في العموم.
فالنتيجة:ان المراد من المؤلفة قلوبهم في الآية الشريفة المسلمون الذين دخلوا في الإسلام على الرغم من الشكوك و الأوهام في قلوبهم،فمن أجل ذلك
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۶ 172)
و ميلهم إلى الإسلام أو إلى معاونة المسلمين في الجهاد مع الكفار أو الدفاع،و من المؤلفة قلوبهم الضعفاء العقول من المسلمين لتقوية اعتقادهم أو لإمالتهم إلى المعاونة في الجهاد أو الدفاع.
[الخامس:الرقاب]
الخامس:الرقاب،و هم ثلاثة أصناف..
الأول:المكاتب العاجز عن أداء مال الكتابة(1)مطلقا كان أو
جعل اللّه تعالى حصة من الزكاة لهم بغاية نمو ايمانهم بالاسلام و رغبتهم إليه لكي تؤدي إلى ازالة تلك الشكوك و الأوهام عن أذهانهم و تثبيتهم على الإسلام.
على الأحوط،حيث ان الدليل على التقييد بالعجز في مقابل اطلاق الآية الشريفة مرسلة أبي اسحاق عن الصادق عليه السّلام:«انه سئل عن مكاتب عجز عن مكاتبته و قد أدى بعضها؟قال عليه السّلام:يؤدى عنه من مال الصدقة،ان اللّه تعالى يقول في كتابه: وَ فِي الرِّقٰابِ » 1و لكنها لا تصلح للتقييد من ناحية الإرسال،فاذن مقتضى اطلاق الآية المباركة جواز أداء مال الكتابة عن الزكاة و إن لم يكن المكاتب عاجزا عنه.
و دعوى انصراف اطلاق الآية إلى خصوص الرقاب المحتاجين في فكاكها إلى الزكاة.
غير بعيدة في نفسها على أساس ان المتفاهم العرفي من أدلة تشريع الزكاة بمناسبة الحكم و الموضوع الارتكازية هو تشريعها لإشباع حاجة المحتاجين و دفع الضرورة عنهم الاّ أن هناك خصوصية تمنع عن هذا الانصراف،و هي اهتمام الإسلام بفكاك الرقاب و التخلص منهم في المجتمع الاسلامي نهائيا،و من أجل ذلك جاء بتشريعات متعددة بمختلف الصيغ و الأساليب في مختلف الموارد التي تتضمن الترغيب و الاهتمام بفكاك الرقاب وجوبا مرة و استحبابا مرة اخرى،منها هذه الآية الشريفة،فانها تتضمن تشريع
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۶ 173)
مشروطا،و الأحوط أن يكون بعد حلول النجم(1)،ففي جواز إعطائه قبل حلوله إشكال،و يتخير بين الدفع إلى كل من المولى و العبد،لكن إن دفع إلى المولى و اتفق عجز العبد عن باقي مال الكتابة في المشروط فردّ إلى الرق يسترجع منه،كما أنه لو دفعها إلى العبد و لم يصرفها في فكّ رقبته لاستغنائه بإبراء أو تبرع أجنبي يسترجع منه،نعم يجوز الاحتساب حينئذ من باب سهم الفقراء إذا كان فقيرا،و لو ادعى العبد أنه مكاتب أو أنه عاجز فإن علم صدقه أو أقام بينة قبل قوله،و إلا ففي قبول قوله إشكال، و الأحوط(2)عدم القبول سواء صدّقه المولى أو كذّبه،كما أن في قبول قول المولى مع عدم العلم و البينة أيضا كذلك سواء صدّقه العبد أو كذّبه،
حصة من الزكاة لفكاك الرقاب،و منها جعل فك الرقبة من أحد أفراد الواجب في ضمن تشريع نوع الكفارات،و منها تشريع سراية الحرية من جزء إلى سائر أجزائه.و منها تشريع استحباب فك الرقبة بشكل عام في مختلف الموارد و المناسبات،و من المعلوم ان كل ذلك يدل على اهتمام الشارع بفك الرقاب و التخلص منهم في نهاية المطاف كلا،و هذا الاهتمام يصلح أن يكون مانعا عن انصراف اطلاق الآية الكريمة،و يكون حال الرقاب من هذه الناحية حال المؤلفة قلوبهم و العاملين لا حال الفقراء و المساكين.و لكن مع هذا فالاحتياط أجدر و أولى.
لا بأس بتركه لإطلاق الآية و عدم الدليل على هذا التقييد.
بل هو الأظهر الاّ إذا كان ثقة،أو يحصل الوثوق بصدقه،و الاّ فلا دليل على ان قوله حجة،و لا فرق في ذلك بين تصديق السيد أو تكذيبه الاّ إذا كان السيد ثقة،أو يحصل الوثوق من قوله.و أما دعوى القطع من الأصحاب أو عدم الخلاف في أن قوله قبل إذا صدقه سيده،و لم يقبل إذا كذبه،لا أساس لها و عهدتها على مدعيها.
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۶ 174)
و يجوز(1)إعطاء المكاتب من سهم الفقراء إذا كان عاجزا عن التكسب للأداء،و لا يشترط إذن المولى في الدفع إلى المكاتب سواء كان من باب الرقاب أو من باب الفقر.
و قد يستدل على ذلك،مرة بأن الكتابة حق في العبد للمولى،فاخباره بها حجة من باب الإقرار بالحق.
و الجواب:ان الاقرار انما يكون حجة باعتبار انه اخبار بحق غيره عليه، فعندئذ للمقر له أن يأخذه على طبق اقراره،و يطالبه به،و لا دليل على حجية اخباره بحق نفسه في شيء.
و اخرى:ان أخبار المالك بالتصرفات المتعلقة بملكه من التصرفات الاعتبارية كالبيع و الاجارة و الكتابة و نحوها،و التصرفات الخارجية حجة في الشرع و العرف،على أساس انه أخبار بشيء كانت له الولاية عليه.
و الجواب عنه،ما تقدم من أن دعوى المدعي إذا كانت متعلقة بالمال كانت حجة شريطة أن لا يكون لها معارض،و لا دليل على حجية دعواه كذلك إذا لم تكن متعلقة بالمال كما في المقام،كدعوى الكتابة أو بيع ماله،أو إجارته أو ما شاكلهما،فانه لا دليل على حجيتها إذا لم يكن ثقة و لا يحصل الوثوق بالصدق.
فالنتيجة:انه لا دليل على حجية دعوى المدعي مطلقا الاّ إذا كانت متعلقة بالمال و لم يكن لها معارض.
في الجواز اشكال بل منع،لأن مقتضى اطلاق قوله عليه السّلام في صحيحة عبد اللّه بن سنان:«ليس في مال المملوك شيء و لو كان له ألف ألف،و لو احتاج لم يعط من الزكاة شيئا» 1و قوله عليه السّلام في ذيل موثقة اسحاق بن عمار:«و لا يعطى العبد من الزكاة شيئا» 2عدم جواز اعطاء الزكاة للمكاتب من سهم الفقراء.
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۶ 175)
الثاني:العبد تحت الشدة(1)،و المرجع في صدق الشدة العرف، فيشترى و يعتق خصوصا إذا كان مؤمنا في يد غير المؤمن.
الثالث:مطلق عتق العبد مع عدم وجود المستحق للزكاة(2)،و نية الزكاة في هذا و السابق عند دفع الثمن إلى البائع،و الأحوط الاستمرار بها إلى حين الإعتاق.
لا دليل على هذا التقييد،و منشأه رواية أبي بصير عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«سألته عن الرجل يجتمع عنده من الزكاة الخمسمائة و الستمائة يشتري بها نسمة و يعتقها،فقال:إذا يظلم قوما آخرين حقوقهم،ثم مكث مليا،ثم قال:الاّ أن يكون عبدا مسلما في ضرورة فيشتريه و يعتقه» 1.و لكن الرواية ضعيفة سندا، باعتبار أن في سندها عمرو عن أبي بصير و هو مجهول.
نعم،رواها الشيخ في التهذيب عن الكافي عن عمرو بن أبي نصر عن أبي بصير،و الرواية حينئذ تامة سندا،الاّ أن ما رواه الشيخ لا يطابق مع ما هو في الكافي،فان الموجود فيه رواية عمرو عن أبي بصير،فاذن يحتمل أن يكون الاشتباه في التهذيب.
فالنتيجة:ان الرواية لم تثبت سندا،و عليه فلا وجه لجعل ذلك عنوانا مستقلا في مقابل العنوان الثالث و هو مطلق عتق العبد،فان مقتضى اطلاق الآية الشريفة جواز شراء العبد من الزكاة بغرض عتقه سواء أ كان تحت الشدة أم لا.
بل مع وجود المستحق حتى على القول بوجوب توزيع الزكاة على تمام أصنافها بالسوية باعتبار أن حصة منها لفك الرقاب،مع أنه لا يجب توزيع الزكاة على تمام الأصناف فضلا عن كونه بالسوية.
نعم،قد يستدل على ذلك بموثقة عبيد بن زرارة قال:«سألت أبا
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۶ 176)
[السادس:الغارمون]
السادس:الغارمون،و هم الذين ركبتهم الديون و عجزوا عن أدائها و إن كانوا مالكين لقوت سنتهم،و يشترط أن لا يكون الدين مصروفا في المعصية،و إلا لم يقض من هذا السهم و إن جاز إعطاؤه من سهم الفقراء سواء تاب عن المعصية أو لم يتب بناء على عدم اشتراط العدالة في الفقير،و كونه مالكا لقوت سنته لا ينافي فقره لأجل وفاء الدين الذي لا يفي كسبه أو ما عنده به،و كذا يجوز إعطاؤه من سهم سبيل اللّه،و لو شك في أنه صرفه في المعصية أم لا فالأقوى جواز إعطائه من هذا السهم و إن كان الأحوط خلافه،نعم لا يجوز له الأخذ إذا كان قد صرفه في المعصية،و لو كان معذورا في الصرف في المعصية لجهل أو اضطرار أو نسيان أو نحو ذلك لا بأس بإعطائه،و كذا لو صرفه فيها في حال عدم التكليف لصغر أو جنون،و لا فرق في الجاهل بين كونه جاهلا بالموضوع أو الحكم.
عبد اللّه عليه السّلام عن رجل أخرج زكاة مأئة ألف درهم،فلم يجد موضعا يدفع ذلك إليه،فنظر إلى مملوك يباع فيمن يريده،فاشتراه بتلك الألف الدراهم التي أخرجها من زكاته فاعتقه،هل يجوز ذلك؟قال:نعم لا بأس بذلك- الحديث» 1بدعوى أنها تدل على تقييد جواز شراء العبد بالزكاة للعتق بصورة عدم وجود المستحق لها.
و الجواب:ان هذا القيد انما ورد في قول السائل دون قول الامام عليه السّلام، و على هذا فقوله عليه السّلام:«نعم لا بأس بذلك»يدل على جواز شراء العبد بها للعتق، و لا يدل على تقييده بصورة عدم وجود المستحق لها،و تكون مجملة من هذه الناحية،فلا تصلح أن تكون مقيدة لإطلاق الآية الشريفة.
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۶ 177)
[مسألة 16:لا فرق بين أقسام الدين من قرض أو ثمن مبيع أو ضمان مال أو عوض صلح أو نحو ذلك]
[2714]مسألة 16:لا فرق بين أقسام الدين من قرض أو ثمن مبيع أو ضمان مال أو عوض صلح أو نحو ذلك كما لو كان من باب غرامة إتلاف، فلو كان الإتلاف جهلا أو نسيانا و لم يتمكن من أداء العوض جاز إعطاؤه من هذا السهم،بخلاف ما لو كان على وجه العمد و العدوان.
[مسألة 17:إذا كان دينه مؤجلا فالأحوط عدم الإعطاء من هذا السهم قبل حلول أجله]
[2715]مسألة 17:إذا كان دينه مؤجلا فالأحوط عدم الإعطاء من هذا السهم قبل حلول أجله و إن كان الأقوى(1)الجواز.
[مسألة 18:لو كان كسوبا يقدر على أداء دينه بالتدريج]
[2716]مسألة 18:لو كان كسوبا يقدر على أداء دينه بالتدريج فإن كان الديّان مطالبا فالظاهر جواز إعطائه من هذا السهم،و إن لم يكن مطالبا فالأحوط(2)عدم إعطائه.
[مسألة 19:إذا دفع الزكاة إلى الغارم فبان بعده أن دينه في معصية ارتجع منه]
[2717]مسألة 19:إذا دفع الزكاة إلى الغارم فبان بعده أن دينه في معصية ارتجع منه،إلا إذا كان فقيرا فإنه يجوز احتسابه عليه من سهم
في القوة اشكال،و لا يبعد عدم الجواز،لأن المنصرف من النص بمناسبة الحكم و الموضوع الارتكازية هو أن يكون الغارم مطالبا بالدين فعلا، فلو كان دينه مؤجلا بعد سنة فحاله حال الشخص الاعتيادي،و لا يكون مطالبا بشيء،بل في جعل حصة من الزكاة للغارمين في الآية الشريفة دلالة على أنه انما هو من أجل رفع كلفة الدين عنهم التي وقعوا فيها فعلا.
فالنتيجة:ان المنسبق من الآية الشريفة و نحوها عرفا ان الغارم المستحق للزكاة هو المكلف بأداء الدين فعلا العاجز عنه شرعا،بل و إن كان عنده كسب أو مهنة أو صنعة،و لكن لا يكفى الاّ لمئونته فقط دون أكثر،فانه يسمح له أن يأخذ من الزكاة لأداء دينه المطالب به حالا،و لا ينافي ذلك صدق أنه غني لأن الغناء انما يمنع عن أخذ سهم الفقراء دون سهم الغارمين،فان الغارم القادر على مئونته دون أداء دينه مورد لهذا السهم.
بل هو الأقوى،كما يظهر وجهه من التعليق على المسألة المتقدمة.
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۶ 178)
الفقراء،و كذا إذا تبين أنه غير مديون،و كذا إذا أبرأه الدائن بعد الأخذ لوفاء الدين.
[مسألة 20:لو ادعى أنه مديون فإن أقام بينة قبل قوله،و إلا فالأحوط عدم تصديقه]
[2718]مسألة 20:لو ادعى أنه مديون فإن أقام بينة قبل قوله،و إلا فالأحوط(1)عدم تصديقه و إن صدّقه الغريم فضلا عما لو كذّبه أو لم يصدقه.
[مسألة 21:إذا أخذ من سهم الغارمين ليصرفه في أداء الدين ثم صرفه في غيره ارتجع منه]
[2719]مسألة 21:إذا أخذ من سهم الغارمين ليصرفه في أداء الدين ثم صرفه في غيره ارتجع منه.
[مسألة 22:المناط هو الصرف في المعصية أو الطاعة لا القصد من حين الاستدانة]
[2720]مسألة 22:المناط هو الصرف في المعصية أو الطاعة لا القصد من حين الاستدانة،فلو استدان للطاعة فصرف في المعصية لم يعط من هذا السهم،و في العكس بالعكس.
[مسألة 23:إذا لم يكن الغارم متمكنا من الأداء حالا و تمكن بعد حين]
[2721]مسألة 23:إذا لم يكن الغارم متمكنا من الأداء حالا و تمكن بعد حين كأن يكون له غلة لم يبلغ أوانها أو دين مؤجل يحلّ أجله بعد مدة ففي جواز إعطائه من هذا السهم إشكال،و إن كان الأقوى عدم الجواز مع عدم المطالبة من الدائن أو إمكان الاستقراض و الوفاء من محل آخر ثم قضاؤه بعد التمكن.
[مسألة 24:لو كان دين الغارم لمن عليه الزكاة جاز له احتسابه عليه زكاة]
[2722]مسألة 24:لو كان دين الغارم لمن عليه الزكاة جاز له احتسابه عليه زكاة،بل يجوز أن يحتسب ما عنده من الزكاة وفاء للدين و يأخذها مقاصة و إن لم يقبضها المديون و لم يوكل في قبضها،و لا يجب إعلام المديون بالاحتساب عليه أو بجعلها وفاء و أخذها مقاصة.
[مسألة 25:لو كان الدين لغير من عليه الزكاة يجوز له وفاؤه عنه بما عنده منها]
[2723]مسألة 25:لو كان الدين لغير من عليه الزكاة يجوز له وفاؤه عنه بما عنده منها و لو بدون اطلاع الغارم(2).
بل هو الأقوى تطبيقا لما تقدم في العبد المكاتب.
فيه اشكال بل منع،لأن كفاية اعطاء من عليه الزكاة دين الغارم منها
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۶ 179)
……….
للدائن مباشرة بحاجة إلى دليل،و لا دليل عليه الاّ مرسلة القمي و رواية محمد بن سليمان،و كلتاهما ضعيفتان سندا.
نعم،قد دل الدليل على كفاية ذلك إذا كان الغارم ميتا و هو صحيحة زرارة قال:«قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:رجل حلّت عليه الزكاة و مات أبوه و عليه دين، أ يؤدي زكاته في دين أبيه و للابن مال كثير؟فقال:ان كان أبوه أورثه مالا ثم ظهر عليه دين لم يعلم به يومئذ فيقضيه عنه قضاه من جميع الميراث و لم يقضه من زكاته،و إن لم يكن أورثه مالا لم يكن أحد أحق بزكاته من دين أبيه،فإذا أدّاها في دين أبيه على هذه الحال أجزأت عنه» 1.
و أما إذا كان الغارم حيا-كما هو محل الكلام في المسألة-فقد مر أنه لا دليل على الكفاية،و أما على القاعدة فالكفاية تتوقف على توفر أحد أمور..
الأول:أن تكون لمن عليه الزكاة ولاية على الغارم حتى يقبض حصته من الزكاة ولاية عنه،ثم يفى بها دينه،و المفروض انه لا دليل على ولايته عليه، و مقتضى الآية الشريفة و الروايات أنه مأمور بدفع زكاته إلى أهلها منه الغارم، و أما دفعها إلى الدائن وفاء لدين الغارم فلا بد أن يكون أما بعنوان الوكالة منه،أو الإذن،أو الولاية و الاّ فلا يتعين المال المعطى في الزكاة.
الثاني:أن يكون ذلك باذن ولي الأمر.
الثالث:أن تكون للدائن ولاية على الغارم حتى يقبض الزكاة من قبله ولاية،ثم يستملكه وفاء للدين.و لا دليل على ذلك أيضا.فاذن شيء من الأمور غير متوفر في المسألة.
فالنتيجة:انه يتاح لمن عليه الزكاة أن يؤدي دين الغارم منها بدون اطلاعه شريطة أحد أمور..
الأول:أن يكون ذلك باذن الحاكم الشرعي.
الثاني:أن يكون بملاك الولاية أو الوكالة.
الثالث:أن يكون ذلك من جهة ولاية الدائن على الغارم أو وكالته عنه،
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۶ 180)
[مسألة 26:لو كان الغارم ممن تجب نفقته على من عليه الزكاة جاز له إعطاؤه لوفاء دينه أو الوفاء عنه]
[2724]مسألة 26:لو كان الغارم ممن تجب نفقته على من عليه الزكاة جاز له إعطاؤه لوفاء دينه أو الوفاء عنه(1)و إن لم يجز إعطاؤه لنفقته.
[مسألة 27:إذا كان ديّان الغارم مديونا لمن عليه الزكاة جاز له إحالته على الغارم]
[2725]مسألة 27:إذا كان ديّان الغارم مديونا لمن عليه الزكاة جاز له إحالته على الغارم ثم يحسب عليه بل يجوز له أن يحسب ما على الديّان وفاء عما في ذمة الغارم(2)،و إن كان الأحوط أن يكون ذلك بعد الإحالة.
[مسألة 28:لو كان الدين للضمان عن الغير تبرعا لمصلحة مقتضية لذلك مع عدم تمكنه من الأداء]
[2726]مسألة 28:لو كان الدين للضمان عن الغير تبرعا لمصلحة مقتضية لذلك مع عدم تمكنه من الأداء و إن كان قادرا على قوت سنته يجوز الإعطاء من هذا السهم و إن كان المضمون عنه غنيا.
[مسألة 29:لو استدان لإصلاح ذات البين]
[2727]مسألة 29:لو استدان لإصلاح ذات البين كما لو وجد قتيل لا يدرى قاتله و كاد أن يقع بسببه الفتنة فاستدان للفصل فإن لم يتمكن من أدائه جاز الإعطاء من هذا السهم،و كذا لو استدان لتعمير مسجد أو نحو
و الاّ فلا يحق له أن يتصرف في زكاته كذلك لأنه مكلف بالتصرف فيها في مواضعها المحددة من قبل الشرع،و لا يقاس ذلك بما إذا قام بأداء دينه من ماله الخاص بدون اطلاعه.
مر أن من عليه الزكاة إذا لم يكن وكيلا أو مأذونا من قبل الغارم في قبضها ثم الوفاء بها لدينه لم يجزئ.
في الجواز اشكال بل منع،لأن جعل ما على الديان زكاة و احتسابه عوضا عما في ذمة الغارم يتوقف على صحة المعاوضة بينهما و هي تتوقف على أن تكون له الولاية على الغارم،أو يكون وكيلا،أو مأذونا من قبله في ذلك،أو من قبل الحاكم الشرعي،و الاّ فالمعاوضة باطلة،و المفروض عدم توفر ذلك.
نعم،لو توفر أحد هذه الامور سقطت ذمة كل من الغارم و الديان بالتهاتر باعتبار أن ما في ذمة الديان أصبح مملوكا للغارم بعد المعاوضة.
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۶ 181)
ذلك من المصالح العامة،و أما لو تمكن من الأداء فمشكل(1)،نعم لا يبعد جواز الإعطاء من سهم سبيل اللّه و إن كان لا يخلو عن إشكال(2)أيضا إلا إذا كان من قصده حين الاستدانة ذلك.
بل الظاهر عدم الجواز لأن المتفاهم العرفي من الغارمين في الآية الشريفة بمناسبة الحكم و الموضوع الارتكازية هو العاجز عن الأداء دون الأعم، و يؤيده اتفاق الأصحاب اعتبار الفقر في الغارم،و احتمال أن يكون منشأ هذا الاتفاق كون ذلك هو المتفاهم العرفي من الآية الشريفة.
بل هو ممنوع،لأن سهم سبيل اللّه اسم لما يصرف في نفس العمل القربى العام كبناء المساجد و المدارس و الطرق و الجسور و نحوها،أو الخاص كالحج و الجهاد و نحوهما،و أما إذا استدان لبناء مسجد أو مدرسة أو تعميرها، فلا يكون أداؤه من الزكاة مصداقا لصرفها في سبيل اللّه،الاّ إذا كان المديون فقيرا،فان أداء دينه منها يكون مصداقا له و إن لم يكن دينه للعمل القربي.و أما إذا كان غنيا و متمكنا من الأداء فلا يكون أداؤه منها مصداقا للعمل القربي لا بنفسه و لا بعنوان أنه عوض عما صرفه فيه.أما الأول فلأنه غني فلا يجوز اعطاء الزكاة له لا من سهم الفقراء لأن غناءه مانع عنه،و لا من سهم سبيل اللّه لعدم انطباق هذا العنوان على أداء دينه.و أما الثاني فلما مر من أن سهم سبيل اللّه اسم لما يصرف في نفس العمل القربى و الفرض عدم صدقه على أداء الدين المصروف فيه،حيث انه بعد القيام به.
نعم،لو كان للمديون ولاية على هذا السهم كالحاكم الشرعي يجوز له الاستدانة له بحسب ولايته عليه،ثم اعطاء الدين منه،و عندئذ يصبح المال المستدان من سهم سبيل اللّه و مصروفا فيه،أو فقل انه يتاح للحاكم الشرعي أن يستدين مالا لبناء مسجد أو مدرسة أو نحو ذلك،فإذا استدان ملك ذلك المال، و حينئذ له أن يجعله بدلا عن سهم سبيل اللّه بحسب ولايته عليه،و نتيجة ذلك
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۶ 182)
[السابع:سبيل اللّه]
السابع:سبيل اللّه،و هو جميع سبل الخير كبناء القناطر و المدارس و الخانات و المساجد و تعميرها و تخليص المؤمنين من يد الظالمين و نحو ذلك من المصالح كإصلاح ذات البين و رفع وقوع الشرور و الفتن بين المسلمين،و كذا إعانة الحجاج و الزائرين و إكرام العلماء و المشتغلين مع عدم تمكنهم من الحج و الزيارة و الاشتغال و نحوها من أموالهم،بل الأقوى جواز دفع هذا السهم في كل قربة مع عدم تمكن المدفوع إليه من فعلها بغير الزكاة،بل مع تمكنه أيضا لكن مع عدم إقدامه إلا بهذا الوجه(1).
[الثامن:ابن السبيل]
الثامن:ابن السبيل،و هو المسافر الذي نفدت نفقته أو تلفت راحلته بحيث لا يقدر معه على الذهاب و إن كان غنيا في وطنه بشرط عدم تمكنه من الاستدانة أو بيع ما يملكه أو نحو ذلك،و بشرط أن لا يكون سفره في معصية(2)،فيدفع إليه قدر الكفاية اللائقة بحاله من الملبوس و المأكول
ان المال المستدان يصبح من سهم سبيل اللّه،و السهم يصبح ملكا للحاكم،أو يستدين على سهم سبيل اللّه و يصرف فيه و حينئذ فتكون ذمة السهم مشغولة بالدين ثم يؤدي منه و لا مانع من ذلك،و نظيره في الفقه موجود،و أما إذا لم يكن للدافع ولاية فليس له ذلك.
هذا هو الصحيح شريطة وجود الحاجة إلى العمل القربى،لأن المتفاهم العرفي من أدلة تشريع الزكاة من الآية الشريفة و غيرها بمناسبة الحكم و الموضوع الارتكازية أنها مجعولة لتمام مواردها و أصنافها لدى الحاجة و الضرورة،فإذا كان هناك حاجة لبناء مسجد أو مدرسة دينية جاز صرف الزكاة فيه بعنوان سهم سبيل اللّه شريطة أن لا يكون هناك متبرع من ماله الخاص، و الاّ فلا حاجة و لا ضرورة لصرف الزكاة فيه،فلو صرف منها و الحال هذه لم يجزئ.
على الأحوط وجوبا،إذ لا دليل عليه غير دعوى الاتفاق على هذا
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۶ 183)
و المركوب أو ثمنها أو أجرتها إلى أن يصل إلى بلده بعد قضاء وطره من سفره أو يصل إلى محل يمكنه تحصيلها بالاستدانة أو البيع أو نحوهما،و لو فضل مما أعطي شيء و لو بالتضييق على نفسه أعاده على الأقوى من غير فرق بين النقد و الدابة و الثياب و نحوها فيدفعه إلى الحاكم و يعلمه بأنه من الزكاة،و أما لو كان في وطنه و أراد إنشاء السفر المحتاج إليه و لا قدرة له عليه فليس من ابن السبيل،نعم لو تلبس بالسفر على وجه يصدق عليه ذلك يجوز إعطاؤه من هذا السهم،و إن لم يتجدد نفاد نفقته بل كان أصل ماله قاصرا فلا يعطى من هذا السهم قبل أن يصدق عليه اسم ابن السبيل، نعم لو كان فقيرا يعطى من سهم الفقراء.
[مسألة 30:إذا علم استحقاق شخص للزكاة و لكن لم يعلم من أي الأصناف]
[2728]مسألة 30:إذا علم استحقاق شخص للزكاة و لكن لم يعلم من أي الأصناف يجوز إعطاؤه بقصد الزكاة من غير تعيين الصنف،بل إذا علم استحقاقه من جهتين يجوز إعطاؤه من غير تعيين الجهة.
[مسألة 31:إذا نذر أن يعطي زكاته فقيرا معينا لجهة راجحة أو مطلقا ينعقد نذره]
[2729]مسألة 31:إذا نذر أن يعطي زكاته فقيرا معينا لجهة راجحة أو مطلقا ينعقد نذره،فإن سها فأعطى فقيرا آخر أجزأ و لا يجوز استرداده و إن كانت العين باقية،بل لو كان ملتفتا إلى نذره و أعطى غيره متعمدا أجزأ أيضا و إن كان آثما في مخالفة النذر و تجب عليه الكفارة،و لا يجوز استرداده أيضا لأنه قد ملك بالقبض.
الشرط،و مرسلة علي بن ابراهيم القمي في تفسيره،و كلتاهما لا تصلحان أن تكونا دليلين في المسألة.
أما الاتفاق،فقد مر أنه لا يكون دليلا على المسألة و كاشفا عن ثبوتها في زمن المعصومين عليهم السّلام.
و أما المرسلة،فلا يمكن الاعتماد عليها.
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۶ 184)
[مسألة 32:إذا اعتقد وجوب الزكاة عليه فأعطاها فقيرا ثم تبين له عدم وجوبها عليه]
[2730]مسألة 32:إذا اعتقد وجوب الزكاة عليه فأعطاها فقيرا ثم تبين له عدم وجوبها عليه جاز له الاسترجاع إذا كانت العين باقية،و أما إذا شك في وجوبها عليه و عدمه فأعطى احتياطا ثم تبين له عدمه فالظاهر عدم جواز الاسترجاع و إن كانت العين باقية(1).
هذا إذا نوى به القربة على تقدير عدم وجوب الزكاة عليه،و عندئذ فلا يسوغ له الرجوع إليه إذا تبين عدم وجوب الزكاة،لأن ما كان للّه لا يرجع، على ما نص عليه في الروايات،و أما إذا نوى به الهبة على تقدير عدم وجوبها، فلا مانع من الرجوع إليه إذا كانت العين باقية.
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۶ 185)
[فصل في أوصاف المستحقين]
فصل في أوصاف المستحقين و هي أمور..
[الأول:الإيمان]
الأول:الإيمان،فلا يعطى للكافر بجميع أقسامه،و لا لمن يعتقد خلاف الحق من فرق المسلمين حتى المستضعفين منهم إلا من سهم المؤلفة قلوبهم و سهم سبيل اللّه في الجملة(1)،و مع عدم وجود المؤمن و المؤلفة و سبيل اللّه يحفظ إلى حال التمكن.
[مسألة 1:تعطى الزكاة من سهم الفقراء لأطفال المؤمنين و مجانينهم]
[2731]مسألة 1:تعطى الزكاة من سهم الفقراء لأطفال المؤمنين و مجانينهم من غير فرق بين الذكر و الانثى و الخنثى و لا بين المميز و غيره إما بالتمليك بالدفع إلى وليهم و إما بالصرف عليهم مباشرة أو بتوسط أمين إن لم يكن لهم ولي شرعي(2)من الأب و الجد و القيم.
تقدم أن المعتبر في هذا السهم أن يصرف في سبيل اللّه و العمل القربي،و الاّ فلا يكون منه،و عليه فإن كان صرفه في هؤلاء لمصلحة الدين و المذهب فهو في الحقيقة مصروف في سبيل اللّه لا فيهم،حيث ان صرفه فيهم انما هو بعنوان الوسيلة لا الموضوعية،و إن كان مصروفا فيهم على نحو الموضوعية فهو ليس مصداقا لهذا السهم لأن مورده العمل القربى المسمّى بسبيل اللّه،و المفروض انه ليس منه.
بل مع وجود الولي الشرعي،إذ لا مانع من صرف الزكاة عليهم مباشرة،أو بواسطة أمين،كشراء مأكل أو ملبس لهم،و من المعلوم أن هذا ليس
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۶ 186)
[مسألة 2:يجوز دفع الزكاة إلى السفيه تمليكا و إن كان يحجر عليه بعد ذلك]
[2732]مسألة 2:يجوز دفع الزكاة إلى السفيه تمليكا و إن كان يحجر عليه بعد ذلك،كما أنه يجوز الصرف عليه من سهم سبيل اللّه(1)بل من سهم الفقراء أيضا على الأظهر من كونه كسائر السهام أعم من التمليك و الصرف.
[مسألة 3:الصبي المتولد بين المؤمن و غيره يلحق بالمؤمن]
[2733]مسألة 3:الصبي المتولد بين المؤمن و غيره يلحق بالمؤمن(2) خصوصا إذا كان هو الأب،نعم لو كان الجد مؤمنا و الأب غير مؤمن ففيه إشكال،و الأحوط عدم الإعطاء.
[مسألة 4:لا يعطى ابن الزنا من المؤمنين فضلا عن غيرهم من هذا السهم]
[2734]مسألة 4:لا يعطى ابن الزنا من المؤمنين(3)فضلا عن غيرهم من هذا السهم.
تصرفا فيهم و لا في أموالهم حتى يتوقف على إذن وليّهم إذا كان،بل هو داخل في البر و الاحسان إليهم،و لا مانع منه.
هذا إذا كان السفيه فقيرا،فعندئذ لا مانع من أن يصرف من هذا السهم عليه،باعتبار أنه من موارده،و أما إذا كان غنيا فلا يجوز صرف الزكاة عليه لا من سهم الفقراء و لا من سهم سبيل اللّه،أما الأول فهو واضح،و أما الثاني:فلأنه لا يصدق على الصرف فيه الصرف في سبيل اللّه.
فيه اشكال بل منع،لعدم الدليل على الالحاق،و لا تقاس المسألة بما إذا كان الصبي متولدا من الكافر و المسلم،نعم إذا كان الأب مؤمنا فالولد ملحق به بمقتضى اطلاق بعض الروايات،و أما في غير هذه الصورة فالأظهر عدم الالحاق.
هذا و إن كان مشهورا،الاّ أنه لا دليل على نفي بنوته للمؤمن الزاني،لوضوح أنه ابن له حقيقة،و لا يوجد دليل على أن الابن لا يكون الاّ من طريق الحلال،و من هنا يترتب عليه جميع آثاره الاّ الإرث الخارج بالنص الخاص.
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۶ 187)
[مسألة 5:لو اعطى غير المؤمن زكاته أهل نحلته ثم استبصر أعادها]
[2735]مسألة 5:لو اعطى غير المؤمن زكاته أهل نحلته ثم استبصر أعادها،بخلاف الصلاة و الصوم إذا جاء بهما على وفق مذهبه(1)،بل و كذا الحج و إن كان قد ترك منه ركنا عندنا على الأصح،نعم لو كان قد دفع الزكاة إلى المؤمن ثم استبصر أجزأ،و إن كان الأحوط الإعادة أيضا.
[مسألة 6:النية في دفع الزكاه للطفل و المجنون عند الدفع إلى الولي إذا كان على وجه التمليك]
[2736]مسألة 6:النية في دفع الزكاه للطفل و المجنون عند الدفع إلى الولي إذا كان على وجه التمليك،و عند الصرف عليهما إذا كان على وجه الصرف.
[مسألة 7:استشكل بعض العلماء في جواز إعطاء الزكاة لعوام المؤمنين الذين لا يعرفون اللّه إلا بهذا اللفظ]
[2737]مسألة 7:استشكل بعض العلماء في جواز إعطاء الزكاة لعوام المؤمنين الذين لا يعرفون اللّه إلا بهذا اللفظ أو النبي أو الأئمة كلا أو بعضا أو شيئا من المعارف الخمس،و استقرب عدم الإجزاء،بل ذكر بعض آخر أنه لا يكفي معرفة الائمة بأسمائهم بل لا بد في كل واحد أن يعرف أنه من هو و ابن من فيشرط تعيينه و تمييزه عن غيره،و أن يعرف الترتيب في خلافتهم،و لو لم يعلم أنه هل يعرف ما يلزم معرفته أم لا؟يعتبر الفحص عن حاله،و لا يكفي الإقرار الإجمالي بأني مسلم مؤمن و اثنا عشري،و ما ذكروه مشكل جدا،بل الأقوى كفاية الإقرار الإجمالي و إن لم يعرف أسماءهم أيضا فضلا عن أسماء آبائهم و الترتيب في خلافتهم،لكن هذا مع العلم بصدقه في دعواه أنه من المؤمن الاثني عشريين،و أما إذا كان بمجرد الدعوى و لم يعلم صدقه و كذبه فيجب الفحص عنه(2).
بل الأمر كذلك إذا كان جائيا بهما على طبق المذهب الصحيح الموافق للواقع على تفصيل تقدم في مبحث(قضاء الصلوات).
في اطلاقه اشكال بل منع،فإنه إذا حصل الوثوق بصدقه اما من جهة انه ثقة،أو من جهة القرائن الخارجية،كما إذا عاش في بلد شيعي و كان يحضر
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۶ 188)
[مسألة 8:لو اعتقد كونه مؤمنا فأعطاه الزكاة ثم تبين خلافه فالأقوى عدم الإجزاء]
[2738]مسألة 8:لو اعتقد كونه مؤمنا فأعطاه الزكاة ثم تبين خلافه فالأقوى عدم الإجزاء.
[الثاني:أن لا يكون ممن يكون الدفع إليه إعانة على الإثم و إغراء بالقبيح]
الثاني:أن لا يكون ممن يكون الدفع إليه إعانة على الإثم و إغراء بالقبيح(1)،فلا يجوز إعطاؤها لمن يصرفها في المعاصي خصوصا إذا كان
مجالسهم المنعقدة بمختلف المناسبات كمجالس التعزية و نحوها،أو كان من عشيرة شيعية جاز اعطاء الزكاة له،و إن لم يحصل الوثوق به فلا دليل على قبول قوله مطلقا.
و دعوى ان سيرة العلماء قائمة على عدم الفحص عن حاله و تصديقه في قوله.
مدفوعة أولا:بأن هذه المسألة ليست مسألة شايعة بين الناس و كثيرة الابتلاء،إذ قلما يتفق أن يدعي أحد أنه من أهل الخاصة بدون أن يحصل الوثوق بصدقه و يشك في جواز اعطاء الزكاة له،فاذن لا مجال لدعوى السيرة فيها.
و ثانيا:ان هذه السيرة انما تكون حجة إذا كانت كاشفة عن ثبوتها في زمن المعصومين عليهم السّلام و وصولها إلينا من ذلك الزمان يدا بيد.
و إن شئت قلت:ان تلك السيرة المدعاة إنما تكون حجة شريطة توفر أمرين فيها..
أحدهما:ثبوتها بين قدماء الأصحاب.
و الآخر:عدم وجود ما يصلح أن يكون مدركا للمسألة لدى الكل أو البعض.و كلا الأمرين غير متوفر فيها.
أما الأمر الأول،فعلى تقدير شيوع المسألة فلا طريق إلى احرازها بينهم.
و أما الأمر الثاني،فلاحتمال أن يكون مدرك المسألة ما قيل:من أن كل ما لا يمكن العلم به من حالات الفرد و صفاته الاّ من طريق إخباره فيكون إخباره بها حجة.
على الأحوط وجوبا.أما الاغراء بالقبيح فلا دليل على حرمته،و أما
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۶ 189)
……….
الاعانة على الإثم بمعنى فعل المقدمة و صنعها له فأيضا كذلك،و عليه فاعطاء الزكاة للفقير مع علمه بأن الاعطاء يوجب اتاحة الفرصة له لارتكاب المعصية بدون أن يكون قاصدا ترتبها عليه،فلا دليل على حرمته.و أما الآية الشريفة:
وَ لاٰ تَعٰاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَ الْعُدْوٰانِ
1
فهي لا تدل على حرمة الاعانة بمعنى ايجاد المقدمة و اتاحة الفرصة للفاعل بارتكاب الإثم و العدوان اختيارا،لأن المتفاهم العرفي منها بقرينة أن باب المفاعلة ظاهرة في كون الفعل بين أكثر من واحد،هو اشتراكهم على ايجاد الإثم و العدوان مباشرة،و هو غير جائز.
و على هذا فلا دليل على حرمة الاعانة على الإثم،هذا اضافة إلى أن مجرد اعطاء الزكاة له ليس من الاعانة،بل هو مقدمة لها،فان الاعانة هي أخذه الزكاة منه،و على هذا فلا مانع من الاعطاء و إن احتمل انه إذا أخذها يصرفها في المعصية،لأنه لا يمنع من الاعطاء باعتبار أن الصرف فيها بعد الأخذ مرتبط به، و لا صلة له بالمعطي،و من هنا لا تعتبر العدالة في الفقير،فيجوز اعطاؤها للفاسق من دون تقييد جواز الاعطاء له بعدم صرفها في المعصية،مع أن مقتضى فسقه أن لا يبالي بذلك،بل كثيرا ما يكون الانسان واثقا و مطمئنا بأنه يصرفها فيه، و عليه فما هو المشهور من الجمع بين عدم جواز اعطاء الزكاة للفقير إذا كان اعانة على الإثم أو إغراء بالقبيح و بين جواز اعطائها للفقير الفاسق من دون تقييده بعدم صرفها في المعاصي على الرغم من أنه واثق غالبا بأنه يصرفها فيها، فمما لا يمكن المساعدة عليه.فاذن لا بد اما من القول بجواز الاعطاء له و إن كان اعانة على الإثم،أو القول بعدم جوازه إذا كان الفقير فاسقا و غير مبال بالدين.
فالنتيجة:ان مقتضى القاعدة جواز الاعطاء مطلقا،و لكن مع ذلك كان الأحوط و الأجدر به وجوبا أن لا يعطى للفقير الفاسق إذا كان اعانة له على الإثم و العدوان.
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۶ 190)
تركه ردعا له عنها،و الأقوى عدم اشتراط العدالة و لا عدم ارتكاب الكبائر و لا عدم كونه شارب الخمر(1)فيجوز دفعها إلى الفسّاق و مرتكبي الكبائر و شاربي الخمر بعد كونهم فقراء من أهل الإيمان و إن كان الأحوط اشتراطها بل وردت رواية بالمنع عن إعطائها لشارب الخمر،نعم يشترط العدالة في العاملين(2)على الأحوط و لا يشترط في المؤلفة قلوبهم بل و لا في سهم سبيل اللّه بل و لا في الرقاب و إن قلنا باعتبارها في سهم الفقراء.
[مسألة 9:الأرجح دفع الزكاة إلى الأعدل فالأعدل و الأفضل فالأفضل و الأحوج فالأحوج]
[2739]مسألة 9:الأرجح دفع الزكاة إلى الأعدل فالأعدل و الأفضل فالأفضل و الأحوج فالأحوج،و مع تعارض الجهات يلاحظ الأهم فالأهم المختلف ذلك بحسب المقامات.
[الثالث:أن لا يكون ممن تجب نفقته على المزكي كالأبوين]
الثالث:أن لا يكون ممن تجب نفقته على المزكي كالأبوين و إن علوا،و الأولاد و إن سفلوا من الذكور أو من الإناث،و الزوجة الدائمة التي لم يسقط وجوب نفقتها بشرط أو غيره من الأسباب الشرعية،و المملوك سواء كان آبقا أو مطيعا،فلا يجوز إعطاء زكاته إياهم للإنفاق،بل و لا للتوسعة على الأحوط و إن كان لا يبعد جوازه(3)إذا لم يكن عنده ما
على الأحوط فيه و في تارك الصلاة،فان الدليل على المنع غير موجود،و ما ورد من الرواية المانعة عن اعطاء الزكاة لشارب الخمر ضعيفة سندا،فلا يمكن الاعتماد عليها،و لكن مع ذلك فان مناسبة الحكم و الموضوع الارتكازية تقتضى أن لا يترك الاحتياط.
سبق انه لا دليل على اعتبار العدالة فيهم،و لا مقتضي له،فان المعتبر فيهم الوثاقة كما هو مقتضى مناسبة الحكم و الموضوع.
لكن الأظهر عدم الجواز للتوسعة أيضا،لإطلاق قوله عليه السّلام في صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج:«خمسة لا يعطون من الزكاة شيئا،
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۶ 191)
……….
الأب،و الأم،و الولد،و المملوك و المرأة و ذلك أنهم عياله لازمون له» 1فان مقتضاه عدم جواز اعطاء الزكاة لهم و لو كان للتوسعة عليهم.
و دعوى:ان هذه الصحيحة معارضة بموثقة اسحاق بن عمار قال:«قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام:رجل له ثمانمائة درهم،و لابن له مأتا درهم،و له عشر من العيال،و هو يقوتهم فيها قوتا شديدا،و ليس له حرفة بيده،انما يستبضعها فتغيب عنه الأشهر ثم يأكلها من فضلها،أ ترى له إذا حضرت الزكاة أن يخرجها من ماله فيعود بها على عياله يتسع عليهم بها النفقة؟قال:نعم،و لكن يخرج منها الشيء الدرهم» 2و موثقة سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«سألته عن الرجل يكون له ألف درهم يعمل بها و قد وجب عليه فيها الزكاة و يكون فضله الذي يكسب بماله كفاف عياله لطعامهم و كسوتهم و لا يسعه لأدمهم،و انما هو ما يقوتهم في الطعام و الكسوة؟قال:فلينظر إلى زكاة ماله ذلك فليخرج منها شيئا قل أو كثر فيعطيه بعض من تحلّ له الزكاة و ليعد بما بقي من الزكاة على عياله فليشتر بذلك إدامهم و ما يصلحهم من طعامهم في غير اسراف و لا يأكل هو منه- الحديث» 3.
مدفوعة أولا:بأن موردهما زكاة مال التجارة،و التعدي منه إلى الزكاة الواجبة بحاجة إلى قرينة،و لا قرينة في البين،لا في نفسهما و لا من الخارج،بل القرينة على عدم التعدي موجودة،و هي أن زكاة مال التجارة بما أنها غير واجبة فلا مانع من صرفها في التوسعة على العيال،بل لا مانع من صرفها في أصل مئونتهم فضلا عن التوسعة،باعتبار أنها باقية في ملك المعيل،غاية الأمر يستحب عليه تكليفا اخراجها.
و ثانيا:ان مورد الموثقة الثانية عدم القدرة على الانفاق الواجب،و ان دفع
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۶ 192)
يوسّع به عليهم،نعم يجوز دفعها إليهم إذا كان عندهم من تجب نفقته عليهم لا عليه كالزوجة للوالد أو الولد و المملوك لهما مثلا.
[مسألة 10:الممنوع إعطاؤه لواجبي النفقة هو ما كان من سهم الفقراء و لأجل الفقر]
[2740]مسألة 10:الممنوع إعطاؤه لواجبي النفقة هو ما كان من سهم الفقراء و لأجل الفقر،و أما من غيره من السهام كسهم العاملين إذا كان منهم أو الغارمين أو المؤلفة قلوبهم أو سبيل اللّه أو ابن السبيل أو الرقاب إذا كان من أحد المذكورات فلا مانع منه.
[مسألة 11:يجوز لمن تجب نفقته على غيره أن يأخذ الزكاة من غير من تجب عليه]
[2741]مسألة 11:يجوز لمن تجب نفقته على غيره أن يأخذ الزكاة من غير من تجب عليه إذا لم يكن قادرا على إنفاقه أو كان قادرا و لكن لم يكن باذلا،و أما إذا كان باذلا فيشكل الدفع إليه و إن كان فقيرا كأبناء الأغنياء إذا لم يكن عندهم شيء(1)،بل لا ينبغي الإشكال في عدم جواز الدفع إلى
الزكاة انما هو لتتميمه لا للتوسعة،بل هو الظاهر من الموثقة الأولى أيضا،فاذن تكون الموثقتان أجنبيتين عن محل الكلام.فالنتيجة:انه لا معارض للصحيحة.
قد يقال:انه لا اطلاق للصحيحة بالنسبة إلى عدم جواز دفع الزكاة لهم للتوسعة فان الظاهر منها الاختصاص بالقوت اللازم.
و الجواب:ان الظاهر من تعليل عدم جواز الاعطاء بأنهم عياله لازمون له، أن حالهم حاله في الغناء و الفقر،و يدور غناؤهم مدار غنائه وجودا و عدما،فإذا كان غنيا لم يجز اعطاء الزكاة لهم لمكان الغناء.و على الجملة فالمتفاهم العرفي من الصحيحة ان حكم العيال حكم المعيل فإذا كان المعيل غنيا كان العيال أيضا كذلك،و على هذا فان كانت التوسعة من المئونة و لم يكن عند المعيل ما يوسع به عليهم جاز له اعطاء الزكاة لهم لتتميمها،و الاّ لم يجز،و بذلك يظهر حال ما في المتن.
بل لا يجوز،أما الزوجة فلأنها كانت تملك مؤنة سنتها تدريجا في ذمة زوجها،فتكون غنية بذلك،فلا يجوز لها أخذ الزكاة من سهم الفقراء،و أما
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۶ 193)
زوجة الموسر الباذل،بل لا يبعد عدم جوازه مع إمكان إجبار الزوج على البذل إذا كان ممتنعا منه،بل الأحوط(1)عدم جواز الدفع إليهم للتوسعة اللائقة بحالهم مع كون من عليه النفقة باذلا للتوسعة أيضا.
[مسألة 12:يجوز دفع الزكاة إلى الزوجة المتمتع بها]
[2742]مسألة 12:يجوز دفع الزكاة إلى الزوجة المتمتع بها سواء كان المعطي هو الزوج أو غيره و سواء كان للإنفاق أو للتوسعة(2)،و كذا يجوز دفعها إلى الزوجة الدائمة مع سقوط وجوب نفقتها بالشرط أو نحوه،نعم لو وجبت نفقة المتمتع بها على الزوج من جهة الشرط أو نحوه لا يجوز الدفع إليها مع يسار الزوج(3).
[مسألة 13:يشكل دفع الزكاة إلى الزوجة الدائمة إذا كان سقوط نفقتها من جهة النشوز]
[2743]مسألة 13:يشكل دفع الزكاة إلى الزوجة الدائمة إذا كان سقوط نفقتها من جهة النشوز(4)،لتمكنها من تحصيلها بتركه.
الأولاد و الآباء و الأمهات فإذا لم يكن عندهم شيء فهم و إن كانوا من الفقراء باعتبار ان وجوب الانفاق عليهم مجرد تكليف على المعيل لا وضع،الاّ ان مقتضى التعليل في الصحيحة بأنهم عياله لازمون له أنهم أغنياء شرعا إذا كان المعيل غنيا كما مر في المسألة المتقدمة،فاذن لا يجوز الدفع إليهم.
بل هو الأقوى إذا كان من تجب عليه النفقة باذلا للتوسعة أيضا كما هو المفروض في المسألة،إذ أنهم حينئذ يكونون من الأغنياء شرعا فلا يسوغ لهم الأخذ من سهم الفقراء.
هذا إذا كانت التوسعة من المئونة اللائقة بالحال،و الاّ فلا يسوغ اعطاء الزكاة لها من سهم الفقراء.
لا يكفى مجرد اليسار في ذلك،بل لا بد أن يكون باذلا و أما إذا امتنع عن البذل و تعذر اجباره عليه فيجوز دفع الزكاة إليها باعتبار أنها تصبح عندئذ فقيرة.
بل الأظهر عدم جواز الدفع لأمرين..
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۶ 194)
[مسألة 14:يجوز للزوجة دفع زكاتها إلى الزوج و إن أنفقها عليها]
[2744]مسألة 14:يجوز للزوجة دفع زكاتها إلى الزوج و إن أنفقها عليها، و كذا غيرها ممن تجب نفقته عليه بسبب من الأسباب الخارجية.
[مسألة 15:إذا عال بأحد تبرعا جاز له دفع زكاته له فضلا عن غيره]
[2745]مسألة 15:إذا عال بأحد تبرعا جاز له دفع زكاته له فضلا عن غيره للإنفاق أو التوسعة(1)،من غير فرق بين القريب الذي لا يجب نفقته عليه كالأخ و أولاده و العم و الخال و أولادهم و بين الأجنبي،و من غير فرق بين كونه وارثا له لعدم الولد مثلا و عدمه.
[مسألة 16:يستحب إعطاء الزكاة للأقارب مع حاجتهم و فقرهم و عدم كونهم ممن تجب نفقتهم عليه]
[2746]مسألة 16:يستحب إعطاء الزكاة للأقارب مع حاجتهم و فقرهم و عدم كونهم ممن تجب نفقتهم عليه،ففي الخبر:«أيّ الصدقة أفضل قال عليه السّلام:على ذي الرحم الكاشح»و في آخر:«لا صدقة و ذو رحم محتاج».
[مسألة 17:يجوز للوالد أن يدفع زكاته إلى ولده للصرف في مئونة التزويج]
[2747]مسألة 17:يجوز للوالد أن يدفع زكاته إلى ولده للصرف في مئونة التزويج،و كذا العكس(2).
أحدهما:ان مجرد النشوز لا يوجب سقوط النفقة ما دامت عند الزوج، لأن ما يوجب سقوطها هو خروجها من عنده بدون مسوغ شرعي.
و الآخر:أنها متمكنة من رفع المانع في كل لحظة،و مع تمكنها منه تكون قادرة على مئونة السنة و كف نفسها عن الزكاة.
تقدم ان التوسعة ان كانت من المؤونة جاز دفع الزكاة لها،و إن كانت زائدة عليها لم يجز من سهم الفقراء.
في الجواز اشكال،و الاحتياط لا يترك إذا كان عنده ما يزوجه به، و ذلك لأن من المحتمل قويا أن يكون مقتضى التعليل في الصحيحة المتقدمة المنع عن صرف زكاته في شئون هؤلاء،باعتبار أنهم عياله ملازمون له في كل ما يتعلق بهم،كما هو مقتضى اطلاق التعليل و منه مؤنة زواجهم،إذ كما لا يجوز له صرفها في مئونتهم كذلك لا يجوز له صرفها في مئونة زواجهم.نعم إذا لم يكن عنده ما يزوجه به فلا مانع من صرف الزكاة فيها،و لذلك فالأحوط
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۶ 195)
[مسألة 18:يجوز للمالك دفع الزكاة إلى ولده للإنفاق على زوجته أو خادمه من سهم الفقراء]
[2748]مسألة 18:يجوز للمالك دفع الزكاة إلى ولده للإنفاق على زوجته أو خادمه من سهم الفقراء،كما يجوز له دفعه إليه لتحصيل الكتب العلمية من سهم سبيل اللّه(1).
[مسألة 19:لا فرق في عدم جواز دفع الزكاة إلى من تجب نفقته عليه بين أن يكون قادرا على إنفاقه أو عاجزا]
[2749]مسألة 19:لا فرق في عدم جواز دفع الزكاة إلى من تجب نفقته عليه بين أن يكون قادرا على إنفاقه أو عاجزا(2)،كما لا فرق بين أن يكون ذلك من سهم الفقراء أو من سائر السهام،فلا يجوز الإنفاق عليهم من سهم سبيل اللّه أيضا و إن كان يجوز لغير الإنفاق،و كذا لا فرق على الظاهر الأحوط بين إتمام ما يجب عليه و بين إعطاء تمامه،و إن حكي عن جماعة أنه لو عجز عن إنفاق تمام ما يجب عليه جاز له إعطاء البقية كما لو عجز عن إكسائهم أو عن إدامهم،لإطلاق بعض الأخبار الواردة في التوسعة بدعوى شمولها للتتمة لأنها أيضا نوع من التوسعة،لكنه مشكل فلا يترك
و الأجدر وجوبا أن لا يدفع كل منهما زكاته إلى الآخر للصرف في مؤنة زواجه.
هذا إذا كان الدفع بعنوان الصرف في تحصيل الكتب،و أما إذا كان الدفع بعنوان التمليك فهو غير جائز لأنه ليس بفقير شرعا،و دفعه إلى الغني ليس مصداقا للصرف في سبيل اللّه.
في عدم الجواز في فرض العجز عن الإنفاق اشكال بل منع،و الظاهر هو الجواز حيث انه فقير في هذا الفرض،فيجوز اعطاء الزكاة له من سهم الفقراء،و كذلك من سهم سبيل اللّه،و أما التعليل الوارد في صحيحة الحجاج المتقدمة بأنهم عياله لازمون له،فهو لا يشمل فرض العجز لأن التعليل في مقام بيان ان أعباء هؤلاء و نفقاتهم عليه،فلا يجوز له الانفاق من الزكاة مع تمكنه من الانفاق عليهم من ماله الخاص،و أما إذا كان عاجزا عن ذلك فيسقط التكليف بالانفاق عنه،و حينئذ يصبحون من الفقراء شريطة أن لا يكون عندهم مال بقدر مؤنة سنتهم،و هذا لا ينافي كونهم عياله لازمون له،بل الأمر كذلك إذا امتنع عن
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۶ 196)
الاحتياط بترك الإعطاء(1).
[مسألة 20:يجوز صرف الزكاة على مملوك الغير إذا لم يكن ذلك الغير باذلا لنفقته إما لفقره أو لغيره]
[2750]مسألة 20:يجوز صرف الزكاة على مملوك الغير إذا لم يكن ذلك الغير باذلا لنفقته إما لفقره أو لغيره سواء كان العبد آبقا أو مطيعا.
[الرابع:أن لا يكون هاشميا إذا كانت الزكاة من غيره مع عدم الاضطرار]
الرابع:أن لا يكون هاشميا إذا كانت الزكاة من غيره مع عدم الاضطرار،و لا فرق بين سهم الفقراء و غيره من سائر السهام حتى سهم العاملين و سبيل اللّه،نعم لا بأس بتصرفه في الخانات و المدارس و سائر الأوقاف المتخذة من سهم سبيل اللّه،أما زكاة الهاشمي فلا بأس بأخذها له من غير فرق بين السهام أيضا حتى سهم العاملين،فيجوز استعمال الهاشمي على جباية صدقات بني هاشم،و كذا يجوز أخذ زكاة غير الهاشمي له مع لاضطرار إليها و عدم كفاية الخمس و سائر الوجوه،و لكن
الانفاق مع قدرته عليه تكوينا،فانهم عندئذ رغم كونهم عياله و لازمون له إذا لم تكن عندهم مؤنة السنة جاز اعطاء الزكاة لهم،بلا فرق بين سهم الفقراء و سهم سبيل اللّه،ثم انه لا فرق في ذلك بين العجز عن تمام النفقة أو عن بعضها.
نعم،إذا كان من تجب نفقته عليه زوجته فلها أن ترجع إلى الحاكم الشرعي لإجباره على الانفاق إن أمكن،و ما دامت متمكنة من أخذ النفقة منه بهذه الطريقة لا يجوز لها أن تأخذ الزكاة،و الفرق بينها و بين غيرها ممن تجب نفقته عليه،أن نفقة الزوجة بمثابة الدين دون نفقة غيرها،فانها تكليف محض، و لذلك لا يحق لغير الزوجة أن يرجع إلى الحاكم الشرعي و يطالب النفقة منه بواسطته.
ظهر مما مر أنه لا فرق بين العجز عن تمام النفقة أو بعضها،غاية الأمر في فرض العجز عن تمامها يجوز اعطاء التمام،و في فرض العجز عن بعضها يجوز اعطاء البعض.و أما الروايات فقد تقدم الكلام فيها في الثالث من أوصاف المستحقين،و عمدتها موثقتا اسحاق بن عمار و سماعة،و بما أن موردهما زكاة
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۶ 197)
الأحوط(1)حينئذ الاقتصار على قدر الضرورة يوما فيوما مع الإمكان.
[مسألة 21:المحرم من صدقات غير الهاشمي عليه إنما هو زكاة المال الواجبة و زكاة الفطرة]
[2751]مسألة 21:المحرم من صدقات غير الهاشمي عليه إنما هو زكاة المال الواجبة و زكاة الفطرة،و أما الزكاة المندوبة و لو زكاة مال التجارة و سائر الصدقات المندوبة فليست محرمة عليه،بل لا تحرم الصدقات الواجبة ما عدا الزكاتين عليه أيضا كالصدقات المنذوره و الموصى بها للفقراء و الكفارات و نحوها كالمظالم إذا كان من يدفع عنه من غير الهاشميين،و أما إذا كان المالك المجهول الذي يدفع عنه الصدقة هاشميا فلا إشكال أصلا،و لكن الأحوط في الواجبة عدم الدفع إليه،و أحوط منه عدم دفع مطلق الصدقة و لو مندوبة خصوصا مثل زكاة مال التجارة.
مال التجارة فلا يمكن التعدي عن موردهما إلى الزكاة الواجبة.و مع الاغماض عن ذلك و تسليم أنهما تعمان الزكاة الواجبة،الاّ أن المتفاهم العرفي منهما بمناسبة الحكم و الموضوع الارتكازية عدم الفرق بين جواز اعطاء الزكاة لتكميل النفقة الواجبة و اتمامها،و بين تمامها في فرض العجز عن الاتمام في الأول و التمام في الثاني باعتبار ان الاعطاء حينئذ يكون على القاعدة كما مر.
بل على الأظهر لموثقة زرارة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«انه لو كان العدل ما احتاج هاشمي و لا مطلّبي إلى صدقة،ان اللّه جعل لهم في كتابه ما كان فيه سعتهم،ثم قال:ان الرجل إذا لم يجد شيئا حلّت له الميتة،و الصدقة لا تحل لأحد منهم الاّ أن لا يجد شيئا و يكون ممن يحل له الميتة» 1فانها تنص على أن الصدقة لا تحل لبني هاشم الاّ عند الاضطرار إليها على نحو لا تحل له الميتة الا عند هذه الحالة.و من المعلوم ان ذلك يقتضي الاقتصار على قدر الضرورة وقتا
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۶ 198)
[مسألة 22:يثبت كونه هاشميا بالبينة و الشياع]
[2752]مسألة 22:يثبت كونه هاشميا بالبينة و الشياع،و لا يكفي مجرد دعواه و إن حرم(1)دفع الزكاة إليه مؤاخذة له بإقراره،و لو ادعى أنه ليس بهاشمي يعطى من الزكاة لا لقبول قوله بل لأصالة العدم عند الشك في كونه منهم أم لا،و لذا يجوز إعطاؤها لمجهول النسب كاللقيط.
فوقتا و يوما فيوما،كما هو الحال في الاضطرار إلى الميتة.أو فقل ان المتفاهم العرفي من الموثقة ان الصدقة لا تحل له الاّ عند اضطراره إليها،و عليه فإذا اضطر إليها بمقدار قوت يومه جاز له الأخذ بهذا المقدار،و لا يجوز أكثر من ذلك لأنه لا يكون مضطرا إليه،فاذن يدور جواز الأخذ مدار الاضطرار حدوثا و بقاء،لا مدار الفقر و عدم الغناء.
في الحرمة اشكال بل منع،إذ لا يمكن اثبات حجية هذه الدعوى من باب حجية الاقرار،لأن الاقرار انما يكون حجة إذا كان على المقر مالا أو نفسا، فانه حينئذ يكون مانعا من العمل بالأصل و الامارة في مورده حتى البينة،و هذا بخلاف تلك الدعوى،فانها ليست اعترافا من المدعي بمال عليه أو نفس حتى تكون مشمولة لأدلة الاقرار.
و دعوى:ان عدم جواز دفع الزكاة إليه بما أنه ضرري فتكون دعواه الهاشمية حجة بالنسبة إليه من باب الإقرار على النفس.
مدفوعة أولا:انه ليس بضرر،بل هو عدم النفع.
و ثانيا:انه وظيفة الدافع،و لا يرتبط بالمدعي،فانه إن كانت دعواه حجة لم يجز له أن يدفع الزكاة إليه لعدم الاجزاء،و إن لم تكن حجة جاز الدفع،و من المعلوم ان الاقرار انما يكون حجة بالنسبة إلى الأحكام المترتبة على المقر دون أحكام غيره،لأنه ليس اقرارا بالنسبة إليها،بل هو اخبار عن موضوعها،و حينئذ فان كان ثقة أو حصل الوثوق منه كان حجة،و الاّ فلا،و الدعوى المذكورة بما أنها داخلة في الأخبار عن النسب فتدور حجيتها مدار توفر أحد هذين الأمرين.
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۶ 199)
[مسألة 23:يشكل إعطاء زكاة غير الهاشمي لمن تولد من الهاشمي بالزنا]
[2753]مسألة 23:يشكل إعطاء زكاة غير الهاشمي لمن تولد من الهاشمي بالزنا،فالأحوط(1)عدم إعطائه،و كذا الخمس،فيقتصر فيه على زكاة الهاشمي.
بل هو الأقوى لأن ولد الزنا ولد حقيقة و يترتب عليه جميع أحكام الولد الاّ الإرث،و عليه فلا يجوز اعطاء زكاة غير الهاشمي له،و لا دليل على تقييد اطلاق الروايات المانعة عن اعطاء زكاة غير الهاشمي للهاشمي بما إذا لم يكن من الزنا.
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۶ 200)
[فصل في بقية أحكام الزكاة]
فصل في بقية أحكام الزكاة و فيه مسائل:
[الأولى:الأفضل بل الأحوط نقل الزكاة إلى الفقيه الجامع للشرائط في زمن الغيبة]
[2754]الأولى:الأفضل بل الأحوط نقل الزكاة إلى الفقيه الجامع للشرائط في زمن الغيبة لا سيما إذا طلبها لأنه أعرف بمواقعها،لكن الأقوى عدم وجوبه فيجوز للمالك مباشرة أو بالاستنابة و التوكيل تفريقها على الفقراء و صرفها في مصارفها،نعم لو طلبها الفقيه على وجه الإيجاب بأن يكون هناك ما يقتضي وجوب صرفها في مصرف بحسب الخصوصيات الموجبة لذلك شرعا و كان مقلدا له يجب عليه الدفع إليه من حيث إنه تكليفه الشرعي(1)لا لمجرد طلبه و إن كان أحوط كما ذكرنا،بخلاف ما إذا طلبها الإمام عليه السّلام في زمان الحضور فإنه يجب الدفع إليه بمجرد طلبه من حيث وجوب طاعته في كل ما يأمر.
[الثانية:لا يجب البسط على الأصناف الثمانية]
[2755]الثانية:لا يجب البسط على الأصناف الثمانية،بل يجوز التخصيص ببعضها،كما لا يجب في كل صنف البسط على أفراده إن تعددت،و لا مراعاة أقل الجمع الذي هو الثلاثة،بل يجوز تخصيصها
هذا إذا كان الفقيه مظهرا لرأيه في المسألة بحسب ما يراه من المصلحة في تجميع الزكاة عنده و صرفها في مصالح المسلمين العامة أو الخاصة في مختلف الجهات،فلذلك لا يجب الاّ على مقلديه حيث ان وجوب الدفع فتوى منه لا حكم.و أما إذا كان ذلك من باب الحكم بملاك اعمال ولايته