آثار حضرت آیة الله العظمی شیخ محمد اسحاق فیاض
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹
جلد
9
تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹
جلد
9
عنوان کتاب : تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی
نام ناشر : محلاتی
جلد : 9
تعداد صفحات: 312
فصل في الوصية بالحج
[3169]مسألة 1:إذا أوصى بالحج فإن علم أنه واجب أخرج من أصل التركة و إن كان بعنوان الوصية،فلا يقال مقتضى كونه بعنوانها خروجه من الثلث،نعم لو صرّح بإخراجه من الثلث أخرج منه فإن و فى به و إلا يكون الزائد من الأصل،و لا فرق في الخروج من الأصل بين حجة الإسلام و الحج النذري و الإفسادي لأنه بأقسامه واجب مالي(1)و إجماعهم قائم على خروج كل واجب مالي من الأصل،مع أن في بعض الأخبار أن الحج بمنزلة الدين و من المعلوم خروجه من الأصل،بل الأقوى خروج كل
فيه انه لا دليل على مجرد كون الواجب ماليا كالحج المنذور و الافسادي و نحوهما يخرج من أصل التركة،فان الدليل يدل على خروج أمرين من الأصل،أحدهما حجة الإسلام،و الآخر الدين،سواء أ كان عرفيا، أم كان شرعيا،و لا دليل على أن كل واجب مالي كالحج المنذور أو الكفارات أو نحوها يخرج من الأصل،و دعوى الاجماع على ذلك مما لا أساس لها، اذ لا يمكن اثباته في المسألة لا صغرى و لا كبرى،كما أشرنا الى ذلك في غير مورد.و اطلاق الدين على كل واجب شرعي كما في بعض الروايات انما هو بلحاظ أنه دين من اللّه تعالى على عهدة المكلف،و لا بدّ له من أدائه، لا أنه دين مالي،و قد تقدم تفصيل ذلك في المسألة(8)من فصل:الحج النذري.
واجب من الأصل و إن كان بدنيا كما مر سابقا(1).
و إن علم أنه ندبي فلا إشكال في خروجه من الثلث.
و إن لم يعلم أحد الأمرين ففي خروجه من الأصل أو الثلث وجهان، يظهر من سيد الرياض قدّس سرّه خروجه من الأصل حيث إنه وجّه كلام الصدوق قدّس سرّه-الظاهر في كون جميع الوصايا من الأصل-بأن مراده ما إذا لم يعلم كون الموصى به واجبا أو لا،فإن مقتضى عمومات وجوب العمل بالوصية خروجها من الأصل خرج عنها صورة العلم بكونها ندبيا،و حمل الخبر الدال بظاهره على ما عن الصدوق أيضا على ذلك،لكنه مشكل(2) فإن العمومات مخصصة بما دل على أن الوصية بأزيد من الثلث ترد إليه إلا مع إجازة الورثة،هذا مع أن الشبهة مصداقية و التمسك بالعمومات فيها محل إشكال(3)،و أما الخبر المشار إليه و هو قوله عليه السّلام:«الرجل أحق بماله ما دام فيه الروح إن أوصى به كله فهو جائز»،فهو
مر أنه لا دليل على أن كل واجب مالي يخرج من الأصل فضلا عن الواجب البدني كالصلاة و نحوها،بل يخرج من الثلث اذا أوصى به،و بذلك يظهر حال ما بعده.
بل لا اشكال في عدم صحته،حيث لا شبهة في أن عمومات الوصية قد خصصت بما دل على عدم نفوذها الاّ في الثلث دون الزائد،و عليه فاذا شك في أنه واجب حتى يخرج من الأصل بناء على ما ذكره الماتن قدّس سرّه،أو مستحب حتى يخرج من الثلث،فلا يمكن التمسك بالعمومات لإثبات أنه يخرج من الأصل،لأن الشبهة مصداقية،و العمومات لا تدل على أنه واجب حتى يخرج من الأصل.
بل لا اشكال في عدم الجواز-كما مر-.
موهون(1)بإعراض العلماء عن العمل بظاهره،و يمكن أن يكون المراد بماله هو الثلث الذي أمره بيده،نعم يمكن أن يقال في مثل هذه الأزمنة بالنسبة إلى هذه الأمكنة البعيدة عن مكة:الظاهر من قول الموصي:حجوا عني؛هو حجة الإسلام الواجبة لعدم تعارف الحج المستحبي في هذه الأزمنة و الأمكنة(2)فيحمل على أنه واجب من جهة هذا الظهور و الانصراف كما أنه إذا قال:أدّوا كذا مقدارا خمسا أو زكاة؛ينصرف إلى الواجب عليه.
فتحصل أن في صورة الشك في كون الموصى به واجبا حتى يخرج من أصل التركة أو لا حتى يكون من الثلث مقتضى الأصل الخروج من الثلث لأن الخروج من الأصل موقوف على كونه واجبا و هو غير معلوم بل الأصل عدمه إلا إذا كان هناك انصراف كما في مثل الوصية بالخمس أو الزكاة أو الحج و نحوها.
نعم لو كانت الحالة السابقة فيه هو الوجوب كما إذا علم وجوب الحج عليه سابقا و لم يعلم أنه أتى به أو لا فالظاهر جريان الاستصحاب و الإخراج من الأصل،و دعوى أن ذلك موقوف على ثبوت الوجوب عليه و هو فرع شكه لا شك الوصي أو الوارث و لا يعلم أنه كان شاكا حين موته
فيه ان الخبر في نفسه ضعيف فلا يمكن الاعتماد عليه،و الاّ فقد ذكرنا غير مرة أنه لا أثر لإعراض الأصحاب عن رواية معتبرة.
فيه ان مجرد ذلك لا يكون منشأ للانصراف و الظهور العرفي،بل هو بحاجة الى وجود قرائن حالية أو سياقية،كظهور حال الموصي في ذلك،أو سياق الوصية فيه.
أو عالما بأحد الأمرين مدفوعة بمنع اعتبار شكه بل يكفي شك الوصي أو الوارث أيضا،و لا فرق في ذلك بين ما إذا أوصى أو لم يوص فإن مقتضى أصالة بقاء اشتغال ذمته بذلك الواجب عدم انتقال ما يقابله من التركة إلى الوارث،و لكنه يشكل على ذلك الأمر في كثير من الموارد لحصول العلم غالبا بأن الميت كان مشغول الذمة بدين أو خمس أو زكاة أو حج أو نحو ذلك،إلا أن يدفع بالحمل على الصحة فإن ظاهر حال المسلم الإتيان بما وجب عليه،لكنه مشكل في الواجبات الموسعة بل في غيرها أيضا في غير الموقتة،فالأحوط في هذه الصورة الإخراج من الأصل(1).
فيه انه لا وجه للاحتياط في المسألة،فان ظهور حاله إن كان موجبا للوثوق و الاطمئنان بالأداء و الاتيان بالواجب فلا مجال له و إن لم يكن موجبا لذلك فالمرجع هو استصحاب بقاء اشتغال ذمة الميت بهذه الواجبات كحجة الإسلام و الزكاة و الخمس،و يترتب على هذا الاستصحاب خروجها من الأصل، و من هنا يظهر أنه لا مجال للرجوع الى أصالة الصحة في المقام،فان موردها سواء أ كان فعل نفس الإنسان مباشرة أم كان فعل غيره هو ما اذا وقع الفعل في الخارج و شك في صحته و فساده من جهة الشك في بعض واجباته غير المقومة،و اما في المقام فلا موضوع لها لأن الشك في أصل الإتيان بالواجب، و في مثل ذلك إن كان الوارث واثقا بالاتيان و لو بقرينة ظهور حاله فهو،و الاّ لزم اخراجه من الأصل،و على كلا التقديرين لا مجال للاحتياط.
ثم انه لا فرق فيما ذكرناه بين أن تكون ذمته مشغولة بالخمس أو الزكاة أو كونه متعلقا بالعين الخارجية الباقية بعد موته و شك في أنه اخرج خمسها أو زكاتها في زمن حياته أو لا،فان كان الوارث واثقا باخراجه عنها فلا شيء عليه، و الاّ وجب اخراجه عنها بمقتضى الاستصحاب،نعم اذا كانت العين تالفة في
[3170]مسألة 2:يكفي الميقاتية سواء كان الحج الموصى به واجبا(1)
فيه ان الحج الواجب إن كان حجة الإسلام فظاهر الوصية بها الحجة البلدية،فاذا أوصى بأن يحج عنه من تركته وجب الانفاق من التركة على حجة بلدية،على أساس أن الظاهر منها عرفا أنه أوصى بنفس ما عليه من النفقة للحجة و هي الحجة من البلد،الاّ اذا كانت هناك قرينة على أنه أوصى بالحجة من الميقات،فعندئذ أخرج منها نفقات حجة ميقاتية،و هي الحجة التي لا تكلف النائب السفر الاّ من الميقات،و من المعلوم أن نفقاتها أقل من نفقات الحجة البلدية التي تكلف النائب السفر من البلد الذي كان المنوب عنه يعيش فيه،و أما اذا لم تكن قرينة في البين فظاهر الوصية بها من الميت هو الحجة من بلدته،نعم اذا خالف الولي أو الوصي الوصية و استجار حجة ميقاتية على أساس أنها أقل مؤنة و أرخص أجرة برئت بذلك ذمة الميت،و لا تجب اعادة الحج،و في هذه الحالة لا ينتقل الزائد الى الورثة بل يبقى في ملك الميت و يصرفه في وجوه البر و الاحسان و تدل على ذلك مجموعة من الروايات نعم في حالة عدم وصية الميت بحجة الإسلام فلا حق له الاّ في نفقات حجة ميقاتية،باعتبار ان الواجب عليه في ذمته هو تلك الحجة،لأن السفر الى الميقات و النفقات التي تصرف فيه
أو مندوبا(1)و يخرج الأول من الأصل و الثاني من الثلث،إلا إذا أوصى بالبلدية و حينئذ فالزائد عن أجرة الميقاتية في الأول من الثلث(2)،كما أن تمام الأجرة في الثاني منه.
[3171]مسألة 3:إذا لم يعيّن الأجرة فاللازم الاقتصار على أجرة المثل(3)
هذا يتبع ظهور الوصية،فإن كانت ظاهرة من البلد أخرج نفقاته البلدية من الثلث،و إن كانت هناك قرينة على أنه من الميقات أخرج نفقاته الميقاتية منه.
بل من الأصل،لما مر من أن الوصية ظاهرة في أن جميع نفقات الحجة البلدية تخرج من الأصل،فاذا عصى الوارث أو الوصي و استجار من الميقات فعليه أن يصرف الفرق بين الحجة البلدية و الميقاتية في وجوه البر و الإحسان للميت.
في اللزوم اشكال بل منع،لأن الأجرة الاعتيادية على مراتب تبعا لنوعية الأجير،و هي تخرج من تركة الميت،و تنطبق على المرتبة الأعلى من تلك المراتب و أدناها على حد سواء،و على هذا،فاذا وجد نوعان من الأجير أحدهما من لا يقبل الا الفرد الأعلى من الاجرة الاعتيادية و هي الأجرة التي يتقاضها الأجراء بالقيام بمثل ذلك العمل عادة،و الآخر من يقبل الفرد الأدنى منها،فلا يكون الوصي او الوارث ملزما بالاستئجار بالأدنى،فكما يجوز له ذلك يجوز الاستئجار بالأعلى منها،و ليس ذلك اضرارا بحق الورثة و تفويتا له،باعتبار أن ما يظل باقيا في ملك الميت من التركة و هو الأجرة الاعتيادية التي هي على درجات قابل للانطباق على الفرد الأعلى و الفرد الأدنى بنسبة واحدة،و عليه فلا
للانصراف(1)إليها،و لكن إذا كان هناك من يرضى بالأقل منها وجب
فيه انه لا وجه للانصراف،فان المتفاهم العرفي من روايات الوصية أن المستثنى نفقات حجة بلدية،و هي تختلف باختلاف نوع الأجير سعة و ضيقا،فقد يقبل الأجير أدنى فرد من الأجور الاعتيادية،و قد لا يقبل الأجور الاعتيادية أيضا،و يطالب باكبر منها.
فالنتيجة:إنه لا وجه لدعوى الانصراف الى أجرة محددة و معينة بعد ما عرفت من اختلافها باختلاف نوعية الأجراء،باعتبار أن الخارج من أصل التركة انما هو نفقة الحجة البلدية عند الوصية بها،و هي ذات درجات تختلف باختلاف الاوقات و البلدان و نوعية الأجراء،و ليست محددة بحدود معينة،و به يظهر حال ما بعده.
استئجاره(1)إذ الانصراف إلى أجرة المثل إنما هو نفي الأزيد فقط،و هل يجب الفحص عنه لو احتمل وجوده؟الأحوط ذلك(2)توفيرا على الورثة خصوصا مع الظن بوجوده(3)و إن كان في وجوبه إشكال خصوصا مع الظن بالعدم،و لو وجد من يريد أن يتبرع فالظاهر جواز الاكتفاء به بمعنى عدم وجوب المبادرة إلى الاستئجار،بل هو المتعين توفيرا على الورثة(4)،
ظهر مما مر عدم وجوبه مع اختلاف نوع الأجير.
بل الأظهر خلافه،لما مر من أن المستثنى من التركة نفقات حجة بلدية اذا أوصى بها،و هي تنطبق على أجور اكبر من الأجور الاعتيادية،و على الفرد الأدنى منها،و لا يجب على الوارث أو الوصي الفحص عمن يقبل الأقل، باعتبار أن خروجها من صلب التركة على نحو الكلي في المعين بدون تحديدها كما و كيفا،و عليه فيجوز للوصي او الوارث أن يستجير شخصا بالفرد الأعلى من الأجور الاعتيادية رغم وجود من يقبل الفرد الأدنى منها شريطة اختلافهما في نوع الأجير،على أساس أن ذلك ليس اضرارا بحق الورثة،فان ما يظل باقيا من التركة في ملك الورثة ليس محدودا بحد معين كما لكي يكون اخراج الاكثر منه اضرارا بحقهم،و اذا طالب الأجير أجرة اكبر مما هو مقرر عادة للنيابة في الحج، و لم يوجد من يقبل بأقل من ذلك،فان الواجب تلبية اقتراحه،و لا يسوغ التأجيل الى سنة أخرى.
لا قيمة للظن و لا أثر له على كلا القولين في المسألة،أي سواء فيه القول بوجوب الفحص عمن يقبل بالفرد الأدنى من الأجرة الاعتيادية،أم القول بعدم وجوبه،اذ على الأول يجب الفحص مع الاحتمال و إن لم يصل الى درجة الظن،و على الثاني لا يجب و إن ظن بوجوده،بل و إن علم به شريطة أن يكون الأول أفضل من الثاني،و به يظهر حال ما بعده.
في التوفير اشكال بل منع،و الأظهر عدم وجوبه،لأن الواجب على
فإن أتى به صحيحا كفى و إلا وجب الاستئجار،و لو لم يوجد من يرضى بأجرة المثل فالظاهر وجوب دفع الأزيد إذا كان الحج واجبا،بل و إن كان مندوبا أيضا مع وفاء الثلث،و لا يجب الصبر إلى العام القابل و لو مع العلم بوجود من يرضى بأجرة المثل أو أقل،بل لا يجوز لوجوب المبادرة إلى تفريغ ذمة الميت في الواجب و العمل بمقتضى الوصية في المندوب.
و إن عيّن الموصي مقدارا للأجرة تعين(1)و خرج من الأصل في الواجب إن لم يزد على أجرة المثل و إلا فالزيادة من الثلث(2)،كما أن في المندوب كله من الثلث.
مر أنها لا تتعين بتعينه،فان وجد من يقبل الحج بأجرة أقل مما عينه الموصي فالزائد للورثة،و إن لم يوجد الاّ باكثر منه وجب تلبيته و اخراج الكل من التركة.
مر أنها من الأصل اذا لم يقبل ما عيّنه الموصى لا من الثلث.
[3172]مسألة 4:هل اللازم في تعيين أجرة المثل الاقتصار على أقل الناس أجرة أو يلاحظ من يناسب شأن الميت في شرفه وضعته؟لا يبعد الثاني،و الأحوط الأظهر الأول(1)،و مثل هذا الكلام يجري أيضا في الكفن الخارج من الأصل أيضا.
[3173]مسألة 5:لو أوصى بالحج و عين المرة أو التكرار بعدد معين تعين،و إن لم يعين كفى حج واحد إلا أن يعلم أنه أراد التكرار،و عليه يحمل ما ورد في الأخبار(2)من أنه يحج عنه ما دام له مال-كما في خبرين-أو ما بقي من ثلثه شيء-كما في ثالث-بعد حمل الأولين على
تقدم أن ظاهر الوصية بالحج هو اخراج نفقات حجة بلدية من التركة و قد مر أنها لا تتعين بالأجور الاعتيادية و قد تزيد عنها و قد تنقص حسب نوعية الأجير،كما أن ذلك يختلف باختلاف مكانة الميت و شأنه أيضا،فان الإجارة بالأقل قد لا تتناسب مكانته و شئونه،كما قد لا تتناسب اجارة شخص من قبله مكانته و شأنه لدى المجتمع.و النكتة في ذلك أن المستثنى من تركة الميت و بقائه في ملكه نفقات حجة الإسلام،و هي الحجة البلدية في صورة الوصية بها بدون تحديدها كما و كيفا،و هي تختلف باختلاف نوعية الأجراء و شئون الميت و مكانته،و به يظهر حال الكفن الخارج من الأصل،فانه يختلف باختلاف شأن الميت و مقامه.
هذا الحمل بعيد،فان السائل في الرواية سأل عن الموصي الذي أوصى بالحج عنه مبهما،و أجاب الإمام عليه السّلام:«يحج عنه ما دام له مال» 1و هذا الجواب لا يدل على التكرار،بل مفاده أنه يحج عنه اذا كان له مال،فان كان الحج الموصى به حجة الإسلام فهي لا تتكرر،و إن كان الحج المندوب فمعناه يحج
الأخير(1)من إرادة الثلث من لفظ المال،فما عن الشيخ و جماعة من وجوب التكرار ما دام الثلث باقيا ضعيف،مع أنه يمكن أن يكون المراد من الأخبار أنه يجب الحج ما دام يمكن الإتيان به ببقاء شيء من الثلث بعد العمل بوصايا أخر،و على فرض ظهورها في إرادة التكرار و لو مع عدم العلم بإرادته لا بد من طرحها لإعراض المشهور عنها(2)،فلا ينبغي الإشكال في كفاية حج واحد مع عدم العلم بإرادة التكرار،نعم لو أوصى بإخراج الثلث و لم يذكر إلا الحج يمكن أن يقال بوجوب صرف تمامه في الحج(3)،و كذا لو لم يذكر إلا المظالم أو إلا الزكاة أو إلا الخمس،و لو أوصى أن يحج عنه مكررا كفى مرتان لصدق التكرار معه.
فيه أنه لا مبرر لهذا الحمل فان قوله في الروايتين الاوليين:
«له مال»مجمل مردد بين الثلث و بين الأصل،باعتبار اجمال الحج الموصى به،فلا اطلاق له حتى يحمل على المقيد،و التصريح بالثلث في الرواية الأخيرة لا يرفع الاجمال عنه،و لا يوجب تعين الحج الموصى به في الأوليين بالحج المندوب لكي يكون قرينة على أن المراد من المال فيهما الثلث.
مرت الإشارة في غير مورد الى أنه لا أثر لإعراض المشهور،و لا يوجب سقوط الرواية عن الاعتبار و خروجها عن دليل الحجية.
في اطلاقه اشكال بل منع،و الأظهر هو التفصيل في المقام،فان الوصية إن كانت ظاهرة في صرف تمام الثلث في الحج،بمعنى أنه يحج منه ما دام باقيا و وافيا سنة بعد أخرى وجب ذلك و إن كانت ظاهرة في الوصية بالثلث
[3174]مسألة 6:لو أوصى بصرف مقدار معين في الحج سنين معينة و عين لكل سنة مقدارا معينا و اتفق عدم كفاية ذلك المقدار لكل سنة صرف
نصيب سنتين في سنة أو ثلاث سنين في سنتين مثلا و هكذا،لا لقاعدة الميسور لعدم جريانها في غير مجعولات الشارع(1)،بل لأن الظاهر من حال الموصي إرادة صرف ذلك المقدار في الحج و كون تعيين مقدار كل سنة بتخيل كفايته،و يدل عليه أيضا خبر علي بن محمد الحضيني و خبر إبراهيم بن مهزيار ففي الأول تجعل حجتين في حجة و في الثاني تجعل ثلاث حجج في حجتين،و كلاهما من باب المثال(2)كما لا يخفى،هذا.
فيه ان القاعدة في نفسها غير تامة نظرية و لا تطبيقية.
اما الأولى:فلأن الروايات التي استدل بها عليها بأجمعها روايات ضعاف لا يمكن الاعتماد على شيء منها.
و أما الثانية:فلأنها لا تنطبق على الواجبات المركبة الارتباطية،اذ الظاهر من رواياتها على تقدير تماميتها هو الإرشاد الى حكم العقل بعدم سقوط الميسور بالمعسور،و هذا يختص بالواجبات المستقلة غير المرتبطة،و لا يعم المركبات الارتباطية،هذا اضافة الى أن المتبع في باب الوصية انما هو نظر الموصي،فان كانت الوصية في أمثال المقام ظاهرة في تعدد المطلوب بقرائن حالية أو مقامية كما هو غير بعيد،فلا مناص من الالتزام به لا من باب تطبيق القاعدة،بل من باب تطبيق الوصية،و إن لم تكن ظاهرة في ذلك بأن تكون مجملة،فان احتمل تعين تعدد المطلوب فلا مانع من الرجوع الى أصالة البراءة عنه،و صرف المال الموصى به في مطلق وجوه البر و الاحسان منها الحج.
فيه أن ظاهرهما و إن كان كما ذكره قدّس سرّه من تعدد المطلوب،الاّ أنهما ضعيفان من ناحية السند،فلا يمكن الاعتماد عليهما،فاذن المعيار انما هو بظهور الوصية في مثل المقام،و لا يبعد ظهورها في تعدد المطلوب فيه -كما مر-.
و لو فضل من السنين فضلة لا تفي بحجة فهل ترجع ميراثا أو في وجوه البر(1)أو تزاد على أجرة بعض السنين؟وجوه.
و لو كان الموصى به الحج من البلد و دار الأمر بين جعل أجرة سنتين مثلا لسنة و بين الاستئجار بذلك المقدار من الميقات لكل سنة ففي تعيين الأول أو الثاني وجهان،و لا يبعد التخيير بل أولوية الثاني،إلا أن مقتضى إطلاق الخبرين الأول(2).
هذا كله إذا لم يعلم من الموصي إرادة الحج بذلك المقدار على وجه التقييد و إلا فتبطل الوصية إذا لم يرج إمكان ذلك بالتأخير أو كانت الوصية مقيدة بسنين معينة.
[3175]مسألة 7:إذا أوصى بالحج و عين الأجرة في مقدار فإن كان الحج واجبا و لم يزد ذلك المقدار عن أجرة المثل أو زاد و خرجت الزيادة من الثلث(3)تعين،و إن زاد و لم تخرج الزيادة من الثلث بطلت الوصية و يرجع
هذا هو المتعين،لإن الإرث بعد الوصية بالثلث،فاذا زاد الثلث عما عينه من المصارف وجب صرفه في سائر وجوه البر و الإحسان،و لا يرجع ميراثا،باعتبار أن الثلث يبقى في ملك الميت،و لا ينتقل الى الورثة،و لا موجب لزيادة أجرة بعض السنين الاّ أن يصدق عليها وجوه البر و الإحسان.
مر أنه لا يمكن الاعتماد عليهما لضعفهما سندا،فاذن لا بد من العمل على طبق ما يظهر من الوصية،و لا يبعد ظهورها في الثاني،على أساس أن ظاهر حال الموصي هو الاتيان بالحج من قبله في كل سنة و إن كان من الميقات اذا لم يمكن من البلد،باعتبار أن حجتين من الميقات افضل و اكثر أجرا من حجة واحدة بلدية.
بل من الأصل اذا كان الحج الموصى به حجة الإسلام،كما أشرنا اليه
إلى أجرة المثل،و إن كان الحج مندوبا فكذلك تعين أيضا مع وفاء الثلث بذلك المقدار،و إلا فبقدر وفاء الثلث مع عدم كون التعيين على وجه التقييد(1)،و إن لم يف الثلث بالحج أو كان التعيين على وجه التقييد بطلت الوصية و سقط وجوب الحج.
[3176]مسألة 8:إذا أوصى بالحج و عين أجيرا معينا تعين استئجاره بأجرة المثل،و إن لم يقبل إلا بالأزيد فإن خرجت الزيادة من الثلث تعين أيضا و إلا بطلت الوصية و استؤجر غيره بأجرة المثل في الواجب مطلقا، و كذا في المندوب إذا و فى به الثلث و لم يكن على وجه التقييد،و كذا إذا لم يقبل أصلا.
مر أنه بعيد،و مما ذكرناه في هذه المسألة يظهر حال المسألة الآتية.
[3177]مسألة 9:إذا عين للحج أجرة لا يرغب فيها أحد و كان الحج مستحبا بطلت الوصية إذا لم يرج وجود راغب فيها،و حينئذ فهل ترجع ميراثا أو تصرف في وجوه البر أو يفصل بين ما إذا كان كذلك من الأول فترجع ميراثا أو كان الراغب موجودا ثم طرأ التعذر؟وجوه.
و الأقوى هو الصرف في وجوه البر،لا لقاعدة الميسور بدعوى أن الفصل إذا تعذر يبقى الجنس،لأنها قاعدة شرعية و إنما تجري في الأحكام الشرعية المجعولة للشارع و لا مسرح لها في مجعولات الناس،كما أشرنا إليه سابقا،مع أن الجنس لا يعد ميسورا للنوع فمحلها المركبات الخارجية إذا تعذر بعض أجزائها و لو كانت ارتباطية،بل لأن الظاهر من حال الموصي في أمثال المقام إرادة عمل ينفعه و إنما عين عملا خاصا لكونه أنفع في نظره من غيره فيكون تعيينه لمثل الحج على وجه تعدد المطلوب و إن لم يكن متذكرا لذلك حين الوصية،نعم لو علم في مقام كونه على وجه التقييد في عالم اللبّ أيضا يكون الحكم فيه الرجوع إلى الورثة،و لا فرق في الصورتين بين كون التعذر طارئا أو من الأول.
و يؤيد ما ذكرنا ما ورد من الأخبار في نظائر المقام،بل يدل عليه خبر علي بن سويد(1)عن الصادق عليه السّلام:قال«قلت:مات رجل فأوصى بتركته أن حج بها عنه فنظرت في ذلك فلم تكف للحج فسألت من عندنا من
الخبر عن علي بن مزيد كما في الفقيه،و عن علي بن فرقد كما في الكافي و التهذيب،لا عن علي بن سويد،و بما أن كلا من علي بن مزيد و علي بن فرقد لم يثبت توثيقه فيكون الخبر ضعيفا،و على كل حال فما ذكره الماتن قدّس سرّه في المسألة هو الصحيح.
الفقهاء فقالوا:تصدق بها،فقال عليه السّلام:ما صنعت؟قلت:تصدقت بها، فقال عليه السّلام:ضمنت إلا أن لا تكون تبلغ أن يحج بها من مكة فإن كانت تبلغ أن يحج بها من مكة فأنت ضامن».
و يظهر مما ذكرنا حال سائر الموارد التي تبطل الوصية لجهة من الجهات.
هذا في غير ما إذا أوصى بالثلث و عين له مصارف و تعذر بعضها، و أما فيه فالأمر أوضح لأنه بتعيينه الثلث لنفسه أخرجه عن ملك الوارث بذلك فلا يعود إليه.
[3178]مسألة 10:إذا صالحه على داره مثلا و شرط عليه أن يحج عنه بعد موته صح و لزم و خرج من أصل التركة(1)و إن كان الحج ندبيا و لا يلحقه حكم الوصية.
فيه اشكال بل منع.
اما اولا:فلأن مفاد الشرط ليس هو إنشاء تمليك الفعل للمشروط له،بل مفاده الزام المشروط عليه بالعمل بالشرط تكليفا،فاذن ليس هنا مال أو حق حتى يخرج من أصل التركة.
و ثانيا:مع الاغماض عن ذلك و تسليم أن معنى الشرط هو إنشاء تمليك الفعل المشروط للمشروط له،كما هو غير بعيد،فان المنشأ في شرط الفعل في الحقيقة المعنى الحرفي المدلول عليه بكلمة(اللام)في قولك عند الاشتراط في عقد(أن تخيط لي ثوبي)أو(لك علي خياطة الثوب)،و بما أن النسبة الخارجية بين الشرط و المشروط له في الخارج غير قابلة للإنشاء،فلا محالة يكون المنشأ هو النسبة الاعتبارية بينهما المتمثلة في ملكية الشرط للمشروط له،و على هذا فحيث ان المشروط له يملك الشرط على المشروط عليه من الآن،غاية الأمر ان ظرف تسليمه كان بعد موته،فيكون من التركة،و ينتقل الى الورثة،و حينئذ يكون أمره بيدهم،و لهم ابراء ذمته عنه،كما أن لهم أن يطالبه بالاتيان به عن الميت أو المصالحة عليه من جديد أو نحو ذلك.
فالنتيجة:انه على هذا الأساس لا يخرج من الأصل و لا من الثلث،اما الأول فهو ظاهر،و أما الثاني فلأنه مبني على أن يكون هذا الشرط داخلا في
و يظهر من المحقق القمي قدّس سرّه في نظير المقام إجراء حكم الوصية عليه(1)بدعوى أنه بهذا الشرط ملك عليه الحج و هو عمل له أجرة فيحسب مقدار أجرة المثل لهذا العمل فإن كانت زائدة عن الثلث توقف على إمضاء الورثة،و فيه أنه لم يملك عليه الحج مطلقا في ذمته ثم أوصى
فيه منع ظاهر،لأن الوصية موضوعها الملك في المرتبة السابقة، فاذا أوصى الميت بثلث ماله فلا بد من افتراض وجود مال له في المرتبة المتقدمة لكي يوصى بثلثه،و على هذا فلا يعقل أن يكون الشرط في المقام وصية،لأنه ملك للشارط،لا أنه وصية بالملك،فلذلك لا يمكن اجراء حكم الوصية عليه.
أن يجعله عنه بل إنما ملك بالشرط الحج عنه و هذا ليس مالا(1)تملكه الورثة فليس تمليكا و وصية و إنما هو تمليك على نحو خاص(2)لا ينتقل إلى الورثة.
و كذا الحال إذا ملكه داره بمائة تومان(3)مثلا بشرط أن يصرفها في الحج عنه أو عن غيره،أو ملكه إياها بشرط أن يبيعها و يصرف ثمنها في الحج أو نحوه(4)،فجميع ذلك صحيح لازم من الأصل و إن كان العمل المشروط عليه ندبيا.
نعم له الخيار عند تخلف الشرط،و هذا ينتقل إلى الوارث بمعنى أن
بل هو مال على القول بأن الشرط معناه تمليك العمل المشروط للمشروط له،كما هو غير بعيد.
مر أن ذلك ليس مانعا عن انتقاله الى الورثة،اذ لا فرق في انتقاله اليهم بين أن يكون مالكا للحج في ذمة المشروط عليه مطلقا،أو على نحو خاص و هو الحج عنه بعد موته،فانه اذا كان مالكا له انتقل الى ورثته بعد موته تطبيقا لأدلة الإرث.
فيه ان هذا المثال ليس كالصلح المشروط بالحج عنه بعد موته،لما مر من أنه لا يمكن اجراء حكم الوصية على الشرط فيه،و أما هذا المثال فهو داخل في الوصية و يخرج من الثلث،على أساس أن مائة تومان بما أنها تصبح ملكا للشارط في مقابل الدار فيكون اشتراطه على من ملكه الدار أن يصرفها في الحج عنه داخل في الوصية،فاذن قياس الماتن قدّس سرّه هذا المثال بالصلح المشروط قياس مع الفارق.
هذا كالصلح المشار اليه آنفا،و لا يمكن اجراء حكم الوصية عليه لعدم الموضوع لها.
حق الشرط ينتقل إلى الوارث(1)فلو لم يعمل المشروط عليه بما شرط عليه يجوز للوارث أن يفسخ المعاملة.
فيه ان ذلك لا ينسجم مع ما بنى عليه قدّس سرّه من عدم انتقال الشرط و هو الحج في المثال الى الوارث،فاذا لم ينتقل فلا معنى لانتقال حقه اليه،و هو الخيار عند تخلفه،باعتبار أنه لا ينتفع به حتى يدخل في التركة،لأن موضوع الإرث ما تركه الميت من مال أو حق،و الشرط في المقام و إن كان مالا الاّ أنه اذا لم ينتقل الى الوارث فلا موضوع لانتقال حقه اليه،ضرورة أنه انما يكون لمن يملك الشرط،لا للأجنبي عنه،و حينئذ فان كان للميت وصي في القيام بما يتعلق به فيطالب المشروط عليه على الوفاء بالشرط،فان امتنع فله أن يفسخ المصالحة، فاذا فسخها انتقلت الدار الى ملك الميت،و إن لم يكن فللحاكم الشرعي أن يصنع ذلك بمقتضى ولايته على الميت.
ثم إن الدار في المثال هل تنتقل الى الورثة،أو تبقى في ملك الميت و تصرف في الحج عنه،فإن بقى منها شيء يصرف في وجوه البر و الاحسان؟ فيه وجهان:الصحيح هو الوجه الثاني،لأن الأول إمّا مبني على أن معنى الفسخ انهدام المعاملة من حينها لا من حين الفسخ و هو خلاف التحقيق لوضوح أن معنى الفسخ هو حل المعاملة من حينه و ابطال مفعولها من هذا الحين لا من الأول،و ليس معنى الفسخ بطلان المعاملة و اشتراط صحتها بعدمه،أو مبني على وجود دليل يدل باطلاقه على أن ما ملكه الميت من المال حتى بعد موته فهو لوارثه.و لكن لا يوجد دليل على ذلك،فان أدلة الإرث لا اطلاق لها من هذه الناحية،لأن مدلولها هو ان ما تخلف عن الميت و تركه فهو لوارثه،و لا يعم ما ملكه بعد موته من المال جديدا،فانه لا يصدق عليه عنوان التخلف و التركة، فاذن مقتضى القاعدة عدم الانتقال.
و تؤكد ذلك صحيحة الفضل بن يونس الكاتب قال:«سألت أبا الحسن
[3179]مسألة 11:لو أوصى بإن يحج عنه ماشيا أو حافيا صح و اعتبر خروجه من الثلث إن كان ندبيا و خروج الزائد عن أجرة الميقاتية منه إن كان واجبا(1)،و لو نذر في حال حياته أن يحج ماشيا أو حافيا و لم يأت به حتى مات و أوصى به أو لم يوص وجب الاستئجار عنه من أصل التركة(2) كذلك،نعم لو كان نذره مقيدا بالمشي ببدنه أمكن أن يقال بعدم وجوب الاستئجار عنه لأن المنذور هو مشيه ببدنه فيسقط بموته(3)لأن مشي الأجير ليس ببدنه،ففرق بين كون المباشرة قيدا في المأمور به أو موردا.
بل من الثلث اذا كان الواجب الموصى به غير حجة الإسلام،و إن كان حجة الإسلام اخرج الجميع من الأصل لا خصوص الأجرة الميقاتية،كما مر.
بل من الثلث اذا أوصى بالاستئجار عنه،و أما اذا لم يوص به فلا يجب الاستئجار عنه.
بل يكشف عن بطلان النذر اذا كان موته قبل التمكن من الوفاء به، نعم اذا كان بعده فيسقط بموته،و لا يجب الاستئجار عنه و إن قلنا بوجوب قضاء الحج المنذور أيضا،و ذلك لأن الواجب بالنذر في مفروض الكلام هو الاتيان بالحج مباشرة،و من المعلوم أنه غير قابل للاستنابة.
[3180]مسألة 12:إذا أوصى بحجتين أو أزيد و قال:إنها واجبة عليه صدّق و تخرج من أصل التركة(1)،نعم،لو كان إقراره بالوجوب عليه في مرض الموت و كان متهما في إقراره فالظاهر أنه كالإقرار بالدين فيه في خروجه من الثلث إذا كان متهما على ما هو الأقوى.
[3181]مسألة 13:لو مات الوصي بعد ما قبض من التركة أجرة الاستئجار و شك في أنه استأجر الحج قبل موته أو لا فإن مضت مدة بممكن الاستئجار فيها فالظاهر حمل أمره على الصحة(2)مع كون الوجوب فوريا منه،و مع
بل من الثلث اذا لم يكن اي منهما حجة الإسلام،و اما اذا كانت احداهما حجة الإسلام فهي تخرج من الأصل،و الأخرى من الثلث و إن كانت واجبة-كما تقدم-.
فيه اشكال بل منع،لأن أصالة الصحة لم تثبت بدليل لفظي مطلق حتى يمكن التمسك باطلاقه في امثال المقام،بل انما هي ثابتة بالسيرة العقلانية شريطة توفر أمور فيها:
الأول:أهلية الفاعل.
الثاني:أهلية القابل و المورد.
الثالث:أن يكون الشك متمحضا في الصحة بعد الفراغ عن أصل الوجود.
و هذه الأمور من الأركان و العناصر المقومة لها،فاذا توفرت جرت الأصالة،و الاّ فلا موضوع لها،و بما أن الركن الثالث غير متوفر في المقام،لأن الشك فيه انما هو في أصل وجود المأمور به في الخارج لا في صحته بعد الفراغ عن أصل وجوده،فلا مجال للتمسك بها،اذ مع الشك في أصل وجوده لا تكون أركانها محرزة،و من الواضح أن هذه الأصالة انما تجري فيما اذا كانت أركانها محرزة في المرتبة السابقة،و كان الشك في صحته و فساده ناشئا من الشك في
كونه موسعا إشكال،و إن لم تمض مدة يمكن الاستئجار فيها وجب الاستئجار من بقية التركة إذا كان الحج واجبا(1)و من بقية الثلث إذا كان مندوبا،و في ضمانه لما قبض و عدمه لاحتمال تلفه عنده بلا ضمان
هذا شريطة أن يكون الواجب حجة الإسلام-كما تقدم-،و إلاّ فلا يخرج من الأصل و إن كان واجبا.
وجهان(1)،نعم لو كان المال المقبوض موجودا أخذ حتى في الصورة الأولى(2)و إن احتمل أن يكون استأجر من مال نفسه إذا كان مما يحتاج إلى بيعه و صرفه في الأجرة و تملك ذلك المال بدلا عما جعله أجرة لأصالة بقاء ذلك المال على ملك الميت.
الأظهر عدم الضمان،لأن يده على الأجرة يد أمين،و هي خارجة عن عموم قاعدة اليد،و لا يوجد دليل آخر على الضمان،فاذن يكون المرجع فيه أصالة البراءة عند الشك فيه.
هذا شريطة أن لا يكون هناك ظهور حالي في الاستئجار من مال نفسه بدلا عنه،و الاّ لم يجز،لأن هذا الظهور كما يثبت مدلوله المطابقي و هو الاستئجار من قبل الميت،كذلك يثبت مدلوله الالتزامي و هو الاستئجار من ماله بدلا عن مال الميت،على أساس أن مثبتات الأمارات تكون حجة،هذا من ناحية.
و من ناحية أخرى أن هذا التبديل و إن كان بحاجة الى ولاية و لكن هذا المقدار من الولاية ثابت للوصي جزما و لا شبهة فيه.
و بكلمة:انه اذا كان هناك ظهور حالي في أن الوصي قام بالاستئجار من قبل الميت فهو حجة في مدلوله المطابقي و الالتزامي معا،و نتيجة ذلك أن ما قبضه من التركة بعنوان الأجرة للحج اذا كان موجودا عنده فهو محكوم بكونه ملكا له،و لا يجوز أخذه منه و التصرف فيه،و أما اذا لم يكن ظهور حالي في المسألة،فقد مر أنه لا مجال للتمسك بأصالة الصحة،لعدم توفر أركانها و عناصرها المقومة.
و مع الاغماض عن ذلك،و تسليم أنها تجري في المسألة،و لكن بما أن مثبتاتها لا تكون حجة،فلا تثبت أن الاجرة الموجودة عند الوصي ملك له،لأنها انما تكون حجة في مدلولها المطابقي و هو صحة النيابة ظاهرا،و براءة ذمة
[3182]مسألة 14:إذا قبض الوصي الأجرة و تلف في يده بلا تقصير لم يكن ضامنا،و وجب الاستئجار من بقية التركة(1)أو بقية الثلث،و إن
هذا شريطة أن يكون الحج الواجب الموصى به حجة الإسلام،و الاّ فمن الثلث سواء أ كان واجبا أم كان ندبا،لما تقدم في ضمن البحوث السالفة من أن نسبة حجة الإسلام الى التركة نسبة الكلي في المعين،فاذا ورد النقص على التركة لم يرد عليها،فلو أخذ الوصي أجرتها من التركة ثم تلفت عنده وجب أخذها مرة ثانية من التركة و إن كان بعد التقسيم.نعم اذا كان الوصي ضامنا له،
اقتسمت على الورثة استرجع منهم،و إن شك في كون التلف عن تقصير أو لا فالظاهر عدم الضمان أيضا(1)،و كذا الحال إن استأجر و مات الأجير و لم يكن له تركة أو لم يمكن الأخذ من ورثته.
[3183]مسألة 15:إذا أوصى بما عنده من المال للحج ندبا و لم يعلم أنه يخرج من الثلث أو لا(2)لم يجز صرف جميعه،نعم لو ادعى أن عند
هذا ينافي ما ذكره قدّس سرّه في المسألة السابقة من التردد فيه،مع أنه لا فرق بين المسألتين من هذه الجهة،هذا و الصحيح هو ما ذكره قدّس سرّه في هذه المسألة من عدم الضمان-كما مر-.
هذا اذا أوصى بمال معين عنده،و شك في أنه بمقدار ثلث أمواله أو أزيد،فهل يمكن الحكم بصحة هذه الوصية أو لا؟فيه وجهان:قد يقال بالأول بمقتضى أصالة الصحة.و لكن قد مر أن جريانها منوط بتوفر أركانها المقومة لها في المرتبة السابقة،منها:أهلية الفاعل،و حيث أنها في المقام غير محرزة للشك في ولاية الموصي على هذه الوصية،فانها إن كانت بالثلث فله الولاية عليها،و إن كانت بالأزيد فلا ولاية له.
فالنتيجة:أن ولاية الموصي على هذه الوصية غير محرزة،فاذن لا مجال لجريان هذه الأصالة،لما مر من أنها انما تجري اذا كانت اركانها محرزة في
الورثة ضعف هذا أو أنه أوصى سابقا بذلك و الورثة أجازوا وصيته ففي سماع دعواه و عدمه وجهان(1).
[3184]مسألة 16:من المعلوم أن الطواف مستحب مستقلا من غير أن يكون في ضمن الحج،و يجوز النيابة فيه عن الميت،و كذا عن الحي إذا كان غائبا عن مكة أو حاضرا و كان معذورا في الطواف بنفسه(2)،و أما مع كونه حاضرا و غير معذور فلا تصح النيابة عنه،و أما سائر أفعال الحج فاستحبابها مستقلا غير معلوم حتى مثل السعي بين الصفا و المروة.
الأظهر السماع في الأول و عدمه في الثاني،و النكتة في ذلك أن الأول داخل في كبرى اخبار ذي اليد،و هي حجة بالسيرة العقلائية بملاك الأخبرية،و الثاني غير داخل في تلك الكبرى،لأن اخباره عن اجازة الورثة ليس اخبارا عما في يده لكي يكون داخلا فيها،الا اذا كان هناك ملاك اخر للقبول كالوثاقة.
لا شبهة في استحباب الطواف في نفسه و مستقلا،و تنص على ذلك مجموعة من الروايات و ما فيها من التأكيد على استحبابها و ما يترتب عليها من الأجر و الثواب.
منها:موثقة اسحاق بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام«قال:كان أبي يقول:من طاف بهذا البيت أسبوعا و صلى ركعتين في أي جوانب المسجد شاء،كتب اللّه له ستة آلاف حسنة،و محا عنه ستة آلاف سيئة،و دفع له ستة آلاف درجة، و قضى له ستة آلاف حاجة،فما عجل اللّه منها فبرحمة اللّه،و ما أخر منها فشوقا
……….
[3185]مسألة 17:لو كان عند شخص وديعة و مات صاحبها و كان عليه حجة الإسلام و علم أو ظن أن الورثة لا يؤدون عنه(1)إن ردها إليهم جاز بل وجب عليه أن يحج بها عنه،و إن زادت عن أجرة الحج رد الزيادة إليهم
فيه تفصيل سوف نشير اليه عن قريب.
لصحيحة بريد«عن رجل استودعني مالا فهلك و ليس لوارثه شيء و لم يحج حجة الإسلام قال عليه السّلام:حج عنه و ما فضل فأعطهم»و هي و إن كانت مطلقة إلا أن الأصحاب قيدوها بما إذا علم أو ظن بعدم تأديتهم(1)
لا أثر للظن فان حكمه حكم الشك و الاحتمال فلا يمكن الاعتماد عليه،هذا.
و الصحيح في المقام أن يقال:إنه لا اطلاق للصحيحة 1من هذه الناحية، لأن قوله عليه السّلام:«حج عنه»في مقابل انه لم يعط لوارثه ليأكله،أما انه يعطى ليحج عن الميت فهو غير ناظر الى هذه الجهة،و حينئذ فمقدار نفقة الحج و إن بقى في ملك الميت و لا ينتقل الى الورثة الاّ أنهم أولى بالتصرف فيه من غيرهم،و على هذا فمقتضى القاعدة عدم جواز تصرف الودعي في المال الموجود عنده،لأنه أجنبي عنه و لا ولاية له عليه،فاذن وظيفته إما ردّه اليهم أو يكون تصرفه فيه باذنهم،هذا بحسب مقتضى القاعدة.
و اما بحسب النص،فبما أنه يكون على خلاف القاعدة فلا بد من الاقتصار على القدر المتيقن منه بعد ما لم يكن له اطلاق كما مر،و القدر المتيقن منه هو صورة علم الودعي بأنه اذا رد المال اليهم فهم لا يقومون بصرفه في الحج عنه، فاذا علم بذلك لم يجز له الرد اليهم،بل عليه أن يصرفه في نفقة الحج عنه بدون حاجة الى الإذن من الحاكم الشرعي،باعتبار أنه مأذون فيه من قبل الشرع بالنص،بتقريب أن الظاهر منه عرفا أنه في مقام بيان جعل ولاية الحج للودعي دون الورثة،و اما اذا احتمل أنه اذا رد المال اليهم فهم يقومون بصرفه في الحج عنه،أو ظن بذلك بدون أن يكون واثقا بالصرف و لا بعدمه،ففي هذه الحالة كان يشك في ولايتهم عليه،كما كان يشك في ولاية الحاكم الشرعي عليه،و نتيجة
لو دفعها إليهم،و مقتضى إطلاقها(1)عدم الحاجة إلى الاستئذان من
فيه اشكال بل منع،لأن النص بمدلوله اللفظي العرفي يدل على أن الشارع جعل ولاية التصرف في المال المودع للودعي في نفقات الحج عن الميت فان قوله عليه السّلام فيه:«حج عنه و ما فضل فاعطهم» 1يدل على ذلك،اذ لا معنى لأمر الودعي بالحج به و عدم اعطائه للورثة الاّ ما فضل،سوى ايكال أمر التصرف فيه في نفقة الحج اليه دون الورثة،و لا يكون في مقام بيان جواز الحج به تكليفا بدون النظر الى جوازه وضعا،بل نفس الأمر باعطاء الزائد للورثة قرينة على أن الإمام عليه السّلام جعل ولاية التصرف فيه في الحج عنه للودعي و اسقاط ولاية الورثة عنه.
الحاكم الشرعي،و دعوى أن ذلك للإذن من الإمام عليه السّلام كما ترى لأن الظاهر من كلام الإمام عليه السّلام بيان الحكم الشرعي(1)،ففي مورد الصحيحة لا حاجة إلى الإذن من الحاكم(2)،و الظاهر عدم الاختصاص بما إذا لم يكن للورثة شيء(3)و كذا عدم الاختصاص بحج الودعي بنفسه لانفهام الأعم من ذلك منها.
و هل يلحق بحجة الإسلام غيرها(4)من أقسام الحج الواجب أو غير الحج من سائر ما يجب عليه مثل الخمس و الزكاة و المظالم و الكفارات
لا التكليفي فقط،بل الوضعي أيضا كما مر.
هذا لا من جهة اطلاق الصحيحة كما مر،بل من جهة أنها بنفسها تدل على ولاية الودعي على التصرف في الوديعة في نفقات الحج في المرتبة السابقة،و معها لا موضوع للإذن من الحاكم،فان المتوقف عليه انما هو جواز التصرف بها تكليفا لا وضعا،و المفروض أن الودعي يتصرف فيها بمقتضى ولايته عليها وضعا.
الظاهر ان الأمر كما افاده قدّس سرّه،و ذلك لأن في مورد النص و إن فرض عدم وجود شيء للورثة غير المال المودع،الاّ أن المتفاهم العرفي منه بمناسبة الحكم و الموضوع الارتكازية عدم جواز اعطاء الودعي المال المذكور لهم ليأكلوه و من الواضح أنه لا فرق في ذلك بين أن يكون للميت مال آخر غير هذا أو لا،فان ملاك عدم جواز الاعطاء شيء واحد و هو أنهم اذا أخذوه يأكلوه و لا يصرفونه في الحج عنه،و الحكم يدور مدار هذا الملاك وجودا و عدما بدون خصوصية لمورد دون آخر.
تقدم عدم الحاق سائر أقسام الحج من الواجب و المستحب بحجة الإسلام،فان تلك الأقسام جميعا-كما مر-تخرج من الثلث،و هذا بخلاف حجة الإسلام فانها تخرج من الأصل،و أما الكفارات فهي و إن كانت واجبة مالية
و الدين أو لا؟و كذا هل يلحق بالوديعة غيرها(1)مثل العارية و العين المستأجرة و المغصوبة و الدين في ذمته أو لا؟وجهان،قد يقال بالثاني لأن الحكم على خلاف القاعدة إذا قلنا أن التركة مع الدين تنتقل إلى الوارث و إن كانوا مكلفين بأداء الدين و محجورين عن التصرف قبله،بل و كذا على القول ببقائها معه على حكم مال الميت لأن أمر الوفاء إليهم فلعلهم أرادوا الوفاء من غير هذا المال أو أرادوا أن يباشروا العمل الذي على الميت بأنفسهم،و الأقوى مع العلم بأن الورثة لا يؤدون بل مع الظن القوي أيضا(2)جواز الصرف فيما عليه،لا لما ذكر في المستند:من أن وفاء ما على الميت من الدين أو نحوه واجب كفائي على كل من قدر على ذلك و أولوية الورثة بالتركة إنما هي ما دامت موجودة و أما إذا بادر أحد إلى صرف المال فيما عليه لا يبقى مال حتى تكون الورثة أولى به،إذ هذه الدعوى فاسدة جدا،بل لإمكان فهم المثال من الصحيحة،أو دعوى
الظاهر هو الالحاق،فان مورد الصحيحة و إن كان الوديعة،الاّ أن العرف لا يفهم من السؤال عنها خصوصية،بل يفهم من جواب الإمام عليه السّلام أن المعيار انما هو بوجود مال عند شخص للميت و هو لم يحج حجة الإسلام، فانه مأمور بصرف ذلك المال في نفقات الحج،و عدم اعطائه للوارث على تفصيل تقدم آنفا.كما أنه لا يفهم العرف خصوصية لفرض السائل عدم وجود مال عند الوارث،فان العبرة في ذلك انما هي باطمئنان الودعي بعدم قيام الوارث بواجبات الميت،سواء أ كان عنده مال اخر من الميت أم لا.
نعم هنا فرق بين الفرضين في صورة عدم علم الودعي بقيام الوارث بواجبات الميت.
فيه انه لا دليل على حجية مطلق الظن و إن كان قويا.
تنقيح المناط(1)،أو أن المال إذا كان بحكم مال الميت(2)فيجب صرفه عليه(3)و لا يجوز دفعه إلى من لا يصرفه عليه،بل و كذا على القول بالانتقال إلى الورثة حيث إنه يجب صرفه في دينه فمن باب الحسبة(4)
فيه ان الدعوى باطلة،و لا طريق لنا الى ملاكات الأحكام الشرعية، فالعمدة ما مر من أن العرف يفهم من الرواية العموم و عدم خصوصية لموردها.
هذا هو الظاهر شريطة أن تكون التركة منحصرة في المال المذكور، و أما اذا لم تكن منحصرة فيه بأن يكون له مال آخر عند الورثة يفي بنفقات الحج أو سائر الديون،فلا يتعين في الصرف،باعتبار أن الباقي في ملك الميت حينئذ هو الكلي في المعين دون الشخص،و عليه فالواجب هو صرف الجامع بينه و بين مال آخر يعني أحدهما،و قد مر الفرق بين القولين في المسألة آنفا.
مر أن على الودعي الاستئذان من الحاكم الشرعي اذا صرفه في الديون الشرعية أو العرفية دون الحج.
فيه اشكال بل منع،فان الوارث اذا امتنع عن تأدية حق الميت و دينه عامدا و ملتفتا الى الحكم الشرعي لا يجب على غيره أن يؤدي دينه من باب الحسبة،بدون فرق فيه بين من بيده المال و غيره،لعدم الدليل على ذلك.نعم يجوز للحاكم الشرعي اجباره على ذلك اذا كان الدين شرعيا كالخمس أو الزكاة او المظالم،باعتبار أنه ولي الفقراء،فله أن يطالب من الوارث حقهم،كما أن له أن يأمر الودعي بصرف الوديعة على المستحقين لتلك الحقوق ولاية،و أما اذا كان الدين عرفيا،فبما أنه لا ولاية له على الديان فلا يحق له اجبار الوارث على أداء دين الميت من التركة ولاية.نعم اذا رفعت الدعوى اليه من قبلهم،و ثبت عنده امتناع الوارث عن ذلك،فله اجباره عليه،باعتبار أن ولاية الوارث على الميت قد سقطت بامتناعه عن القيام بواجباته،فحينئذ تكون الولاية عليه للحاكم الشرعي من باب أنه وليّ من لا وليّ له،و أما اذا امتنع الوارث عن تأدية حقه عن
يجب على من عنده صرفه عليه و يضمن لو دفعه إلى الوارث(1)لتفويته على الميت.نعم يجب الاستئذان من الحاكم لأنه ولي من لا ولي له، و يكفي الإذن الإجمالي فلا يحتاج إلى إثبات وجوب ذلك الواجب عليه كما قد يتخيل،نعم لو لم يعلم و لم يظن عدم تأدية الوارث(2)يجب الدفع إليه،بل لو كان الوارث منكرا أو ممتنعا و أمكن إثبات ذلك عند الحاكم أو
لا وجه للضمان اذا لم يكن المال مال الميت كما هو المفروض.
لا أثر للظن لا بعدم التأدية و لا بها،و لا وجه لإلحاقه بالعلم او الاطمئنان،لعدم الدليل على حجية مطلق الظن على الفرض،بل حكمه حكم الشك.
أمكن إجباره عليه لم يجز لمن عنده أن يصرفه بنفسه(1).
[3186]مسألة 18:يجوز للنائب بعد الفراغ عن الأعمال للمنوب عنه أن يطوف عن نفسه و عن غيره،و كذا يجوز له أن يأتي بالعمرة المفردة عن نفسه و عن غيره.
في اطلاقه اشكال بل منع،لأن الوارث اذا كان ممتنعا لا عن عذر بل عامدا و عالما بالحكم الشرعي سقطت ولايته،سواء أمكن اثباته عند الحاكم الشرعي او اجباره عليه أم لا،و حينئذ فان كانت ذمة الميت مشغولة بحجة الإسلام وجب على الودعي صرف الوديعة في نفقاتها،بدون حاجة الى الاستئذان من الحاكم الشرعي،و إن كانت مشغولة بغيرها كالزكاة أو الخمس أو مال الناس فعليه الاستئذان منه في صرفها في الوفاء بدينه،بدون فرق بين القولين في المسألة كما مر.
و أما اذا كان امتناعه عن عذر،فقد تقدم الكلام فيه آنفا.
و دعوى:أنه على القول بأن مقدار الدين يظل باقيا في ملك الميت،تكون للحاكم الشرعي ولاية عليه من باب أنه ولي من لا ولي له في صورة امتناع الوارث عن القيام بواجباته و إن كان امتناعه عن عذر،و أما على القول بأن تمام التركة ينتقل اليه،غاية الأمر متعلقة لحقه فلا ولاية له باعتبار أن الوديعة حينئذ ملك للوارث دون الميت.
مدفوعة:بما تقدم من أن دين الميت إن كان شرعيا كالخمس او الزكاة فللحاكم الشرعي ولاية عليه،باعتبار أنه ولي الفقراء المستحقين له،و من هنا يكون طرف القضية مباشرة،و إن كان دينا عرفيا فلا ولاية له الاّ اذا طلب الديان منه التدخل في القضية،و اثبت له أن الميت مدين لهم،و لا فرق في ذلك بين القولين في المقام كما مر.
[3187]مسألة 19:يجوز لمن أعطاه رجل مالا لاستئجار الحج أن يحج بنفسه ما لم يعلم أنه أراد الاستئجار من الغير،و الأحوط عدم مباشرته(1) إلا مع العلم بأن مراد المعطي حصول الحج في الخارج،و إذا عين شخصا تعين إلا إذا علم عدم أهليته و أن المعطي مشتبه في تعيينه(2)أو أن ذكره من باب أحد الأفراد.
بل الاقوى ذلك اذا شك في أن المعطي هل أراد استئجار غيره خاصة أو الأعم؟و معه لا يعلم بصحة استئجار نفسه عنه،لعدم احراز أنه مأذون فيه، فبالنتيجة أنه لم يحرز جواز التصرف فيما أعطاه في الحج عنه مباشرة،و من المعلوم أن التصرف في مال الغير منوط باحراز طيب نفسه و رضاه،الا اذا كانت هناك قرينة على أن مقصوده فراغ ذمته من الحج بدون خصوصية لفرد دون آخر.
هذا اذا علم بأنه أراد به استئجار من هو أهل لذلك،و لكنه أخطأ في التطبيق و عين من ليس اهلا لذلك،فانه حينئذ لا يجوز لمن اعطاه المال أن يستأجره،بل عليه أن يستأجر من يكون أهلا،الاّ اذا كان تعيينه لخصوصية فيه غافلا عن أنه غير قادر على ممارسة اعمال الحج،فعندئذ تبطل وكالته،و لا يحق له أن يستأجر شخصا آخر للحج عنه.
فصل في الحج المندوب
[3188]مسألة 1:يستحب لفاقد الشرائط من البلوغ و الاستطاعة و غيرهما أن يحج مهما أمكن،بل و كذا من أتى بوظيفته من الحج الواجب، و يستحب تكرار الحج بل يستحب تكراره في كل سنة،بل يكره تركه خمس سنين متوالية،و في بعض الأخبار:«من حج ثلاث حجات لم يصبه فقر أبدا».
[3189]مسألة 2:يستحب نية العود إلى الحج عند الخروج من مكة،و في الخبر أنها توجب الزيادة في العمر،و يكره نية عدم العود،و فيه أنها توجب النقص في العمر.
[3190]مسألة 3:يستحب التبرع بالحج عن الأقارب و غيرهم أحياء و أمواتا،و كذا عن المعصومين عليهم السّلام أحياء و أمواتا،و كذا يستحب الطواف عن الغير و عن المعصومين عليهم السّلام أمواتا و أحياء مع عدم حضورهم في مكة أو كونهم معذورين.
[3191]مسألة 4:يستحب لمن ليس له زاد و راحلة أن يستقرض و يحج إذا كان واثقا بالوفاء بعد ذلك.
[3192]مسألة 5:يستحب إحجاج من لا استطاعة له.
[3193]مسألة 6:يجوز إعطاء الزكاة لمن لا يستطيع الحج ليحج بها.
[3194]مسألة 7:الحج أفضل من الصدقة بنفقته.
[3195]مسألة 8:يستحب كثرة الإنفاق في الحج،و في بعض الأخبار:
«إن اللّه يبغض الإسراف إلا بالحج و العمرة».
[3196]مسألة 9:يجوز الحج بالمال المشتبه كجوائز الظلمة مع عدم العلم بحرمتها.
[3197]مسألة 10:لا يجوز الحج بالمال الحرام لكن لا يبطل الحج إذا كان لباس إحرامه و طوافه(1)و ثمن هديه من حلال(2).
بل لا يبطل الحج و إن كان ذلك من حرام،أما لباس الإحرام فلأن لبسه واجب مستقل في حال الإحرام،و ليس من اجزائه،و اذا كان مغصوبا فقد ترك ذلك الواجب،و أما احرامه المتقوم بالتلبية فهو صحيح.و أما الطواف فانه و إن كان مشروطا بالستر،الاّ أن الستر اذا كان مغصوبا فهو لا يبطل الطواف،باعتبار أن الحرام و هو التصرف في الستر المغصوب لا يكون مصداقا للواجب،لأن الواجب هو الطواف المتقيد بالستر،فالتقيد داخل فيه و القيد خارج،و التقيد أمر معنوي لا واقع موضوعي له في الخارج،و المقيد و القيد و إن كانا موجودين فيه، الاّ أنهما غير متحدين،فلا يكون الحرام مصداقا للواجب لكي لا يمكن الحكم بالصحة،و من هنا قلنا بصحة الصلاة في الساتر المغصوب عامدا و ملتفتا الى الحكم الشرعي،غاية الأمر انه ارتكب محرما في اثناء الصلاة فيكون آثما و مستحقا للإدانة و العقوبة من دون أن يكون الحرام متحدا مع الواجب.
في اطلاقه اشكال بل منع،فان الحج إنما يبطل اذا اشترى الهدي بشخص الثمن الحرام،بأن يكون الشراء شخصيا،فعندئذ بما أنه لا يملك الهدي فيكون تاركا له،فيؤدي الى بطلان حجه،و اما اذا اشترى في الذمة فيكون مالكا للهدي،غاية الأمر أن ذمته تبقى مشغولة بثمنه،و عندئذ فلا موجب لبطلان الحج.
[3198]مسألة 11:يشترط في الحج الندبي إذن الزوج و المولى بل الأبوين في بعض الصور،و يشترط أيضا أن لا يكون عليه حج واجب مضيق،لكن لو عصى و حج صح.
[3199]مسألة 12:يجوز إهداء ثواب الحج إلى الغير بعد الفراغ عنه،كما يجوز أن يكون ذلك من نيته قبل الشروع فيه.
[3200]مسألة 13:يستحب لمن لا مال له يحج به أن يأتي به و لو بإجارة نفسه عن غيره،و في بعض الأخبار:إن للأجير من الثواب تسعا و للمنوب عنه واحد.
فصل في أقسام العمرة
[3201]مسألة 1:تنقسم العمرة كالحج إلى واجب أصلي و عرضي و مندوب.
فتجب بأصل الشرع على كل مكلف بالشرائط المعتبرة في الحج في العمر مرة،بالكتاب و السنة و الإجماع،ففي صحيحة زرارة:العمرة واجبة على الخلق بمنزلة الحج فإن اللّه تعالى يقول: وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّٰهِ [البقرة 2:196]،و في صحيحة الفضيل في قول اللّه تعالى: وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ قال عليه السّلام:«هما مفروضان».
و وجوبها بعد تحقق الشرائط فوري كالحج،و لا يشترط في وجوبها استطاعة الحج،بل تكفي استطاعتها في وجوبها و إن لم تتحقق استطاعة الحج،كما أن العكس كذلك فلو استطاع للحج دونها وجب دونها،و القول باعتبار الاستطاعتين في وجوب كل منهما و أنهما مرتبطان ضعيف،كالقول باستقلال الحج في الوجوب دون العمرة.
[3202]مسألة 2:تجزئ العمرة المتمتع بها عن العمرة المفردة بالإجماع و الأخبار،و هل تجب على من وظيفته حج التمتع إذا استطاع لها و لم يكن مستطيعا للحج؟المشهور عدمه،بل أرسله بعضهم إرسال
المسلمات،و هو الأقوى(1)،و على هذا فلا تجب على الأجير بعد فراغه عن عمل النيابة و إن كان مستطيعا لها و هو في مكة،و كذا لا تجب على من تمكن منها و لم يتمكن من الحج لمانع،و لكن الأحوط الإتيان بها.
الأمر كما أفاده قدّس سرّه،فان الآية الشريفة و الروايات تنصان على أن العمرة واجبة على الناس كالحج.
منها:صحيحة الفضل أبي العباس عن ابي عبد اللّه عليه السّلام:«في قول اللّه:
وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّٰهِ قال:هما مفروضان» 1.
و منها:صحيحة معاوية بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام:«قال:العمرة واجبة على الخلق بمنزلة الحج على من استطاع،لأن اللّه عز و جل يقول: وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّٰهِ -الحديث-» 2.و منها غيرهما 3.و مقتضى اطلاقها عدم الفرق بين النائي و الحاضر.
و في مقابل ذلك طائفتان من الروايات:
احداهما:الروايات التي تنص على أن العمرة دخلت في الحج الى يوم القيامة.
منها:صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«قال:دخلت العمرة في الحج الى يوم القيامة،لأن اللّه تعالى يقول: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ،فليس لأحد الاّ أن يتمتع-الحديث-» 4و مثلها صحيحة معاوية بن عمار 5،و مقتضى اطلاق هذه الطائفة عدم الفرق بين النائي و غيره.
و الأخرى:الروايات التي تنص على أن المتعة انما كانت لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام.
[3203]مسألة 3:قد تجب العمرة بالنذر و الحلف و العهد و الشرط في ضمن العقد و الإجارة و الإفساد،و تجب أيضا لدخول مكة بمعنى حرمته بدونها،فإنه لا يجوز دخولها إلا محرما إلا بالنسبة إلى من يتكرر دخوله و خروجه كالحطّاب و الحشّاش(1).
بل كل من يتكرر دخوله مكة لجلب حاجات أهل البلد و متطلباته من الأطعمة و الألبسة و المواد الانشائية و البنائية و غيرها.و تدل على ذلك صحيحة رفاعة بن موسى في حديث:«قال:و قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:ان الحطابة و المجتلبة
و ما عدا ما ذكر مندوب.
و يستحب تكرارها كالحج،و اختلفوا في مقدار الفصل بين العمرتين، فقيل:يعتبر شهر(1)،
هذا هو الصحيح،و تدل عليه روايات كثيرة تبلغ من الكثرة حد التواتر اجمالا.
منها:صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن ابي عبد اللّه عليه السّلام:«قال:في كتاب علي عليه السّلام في كل شهر عمرة» 2.
و منها:صحيحة يونس بن يعقوب قال:«سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:إن عليا عليه السّلام كان يقول:في كل شهر عمرة» 3.
و منها:صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«كان علي عليه السّلام يقول:لكل شهر عمرة» 4.
و منها:موثقة اسحاق بن عمار قال:«قال ابو عبد اللّه عليه السّلام:السنة اثنا عشر
……….
……….
و قيل عشرة أيام،و الأقوى عدم اعتبار فصل فيجوز إتيانها كل يوم(1)،و تفصيل المطلب موكول إلى محله.
مر أن الاقوى هو اعتبار الفصل بين العمرتين بشهر و عدم ثبوت مشروعيتها في كل يوم،و لا يدل على مشروعيتها كذلك شيء من روايات الباب كما عرفت.
و دعوى:إن اختلاف الروايات انما هو من جهة اختلاف العمرة في مراتب الفضل،و هذا يعني أن العمرة في كل سنة أفضل من العمرة في كل شهر، و أنها في كل شهر أفضل منها في كل عشرة أيام،كما أنها في كل عشرة أيام أفضل منها في كل يوم،فالنتيجة ان الروايات انما هي في مقام بيان أن كلما امتدت فترة زمنية بين الاعتمارين كان الاتيان بالثاني آكد و أفضل،فاذا امتدت الى سنة كان التأكيد بالاتيان به أشد مما اذا امتدت الى شهر و هكذا،فاذن اختلاف الروايات في التحديد انما هو بلحاظ اختلاف مراتب الفضل و التأكيد عليه.
مدفوعة:بأن حمل الروايات على ذلك بحاجة الى قرينة تدل عليه،و الاّ فهي ظاهرة في أن التحديد فيها انما هو بلحاظ مشروعيتها لا بلحاظ مراتب فضلها،و من الواضح ان رفع اليد عن هذا الظهور بحاجة الى قرينة،و لا قرينة لا في نفس هذه الروايات و لا من الخارج،و مجرد اختلافها لا يصلح أن يكون قرينة على ذلك.
فصل في أقسام الحج و هي ثلاثة بالإجماع و الأخبار:تمتع،و قران،و إفراد.
و الأول فرض من كان بعيدا عن مكة،و الآخران فرض من كان حاضرا أي غير بعيد.
و حدّ البعد الموجب للأول ثمانية و أربعون ميلا من كل جانب على المشهور الأقوى،لصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام:قلت له:قول اللّه عز و جل في كتابه: ذٰلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حٰاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ [البقرة 2:196]،فقال عليه السّلام:«يعني أهل مكة ليس عليهم متعة كل من كان أهله دون ثمانية و أربعين ميلا ذات عرق و عسفان كما يدور حول مكة فهو ممن دخل في هذه الآية،و كل من كان أهله وراء ذلك فعليه المتعة»،و خبره عنه عليه السّلام:سألته عن قول اللّه عز و جل: ذٰلِكَ الخ،قال:«لأهل مكة ليس لهم متعة و لا عليهم عمرة،قلت:فما حد ذلك؟قال:ثمانية و أربعون ميلا من جميع نواحي مكة دون عسفان و ذات عرق»و يستفاد أيضا من جملة من أخبار أخر.
و القول بأن حدّه اثنا عشر ميلا من كل جانب-كما عليه جماعة- ضعيف لا دليل عليه،إلا الأصل فإن مقتضى جملة من الأخبار وجوب التمتع على كل أحد و القدر المتيقن الخارج منها من كان دون الحد المذكور،و هو مقطوع بما مرّ،أو دعوى أن الحاضر مقابل للمسافر و السفر
أربعة فراسخ،و هو كما ترى،أو دعوى أن الحاضر المعلق عليه وجوب غير التمتع أمر عرفي و العرف لا يساعد على أزيد من اثني عشر ميلا،و هذا أيضا كما ترى،كما أن دعوى أن المراد من ثمانية و أربعين التوزيع على الجهات الأربع فيكون من كل جهة اثنى عشر ميلا منافية لظاهر تلك الأخبار.
و أما صحيحة حريز الدالة على أن حدّ البعد ثمانية عشر ميلا فلا عامل بها(1)،
فيه أن طرح هذه الصحيحة و عدم العمل بها ليس من جهة عدم عمل الأصحاب بها،لما ذكرناه في علم الأصول من أن عدم عمل الأصحاب برواية معتبرة و اعراضهم عنها لا يوجب سقوطها عن الاعتبار لا نظريا و لا تطبيقيا.
اما الأول:فلأن الحجة انما هي رواية الثقة على أساس سيرة العقلاء الجارية على العمل بها،و من المعلوم ان اعراض الاصحاب و عدم عملهم بها لا يجعلها رواية غير ثقة حتى يوجب خروجها عن السيرة.
و اما الثاني:فلأن اعراضهم انما يكون كاشفا عن عدم صدورها عن المعصومين عليهم السّلام اذا توفر فيه أمران:
أحدهما:أن يكون هذا الإعراض من قدماء الاصحاب الذين يكون عصرهم متصلا بعصر أصحاب الأئمة عليهم السّلام و حملة الأحاديث.
و الآخر:أن لا يكون في المسألة ما يصلح أن يكون مدركا لإعراضهم عنها و منشأ له.
فاذا توفر فيه الأمران كان كاشفا عن عدم صدورها عن المعصومين عليهم السّلام و أنه وصل اليهم طبقة بعد طبقة و يدا بيد.
و لكن كلا الأمرين غير متوفر،اما الأمر الأول:فلأنه لا طريق لنا الى أنهم قد أعرضوا عنها،و مجرد أن فتاويهم المنقولة كانت على خلافها لا يدل على
كما لا عامل بصحيحتي حماد بن عثمان و الحلبي(1)الدالتين على أن الحاضر من كان دون المواقيت إلى مكة.
مر أن عدم عمل الأصحاب برواية لا يوجب سقوطها عن الاعتبار، و على هذا فبما أنهما تدلان على أن المراد من حاضري المسجد الحرام في الآية الشريفة من كان منزله دون المواقيت،بدون تحديد المسافة بينه و بين مكة و تعيينها كما،فتكون صحيحة زرارة 2التي هي محددة لتلك المسافة بينهما،
و هل يعتبر الحد المذكور من مكة أو من المسجد؟وجهان،أقربهما الأول(1).
و من كان على نفس الحد فالظاهر أن وظيفته التمتع،لتعليق حكم الإفراد و القران على ما دون الحد.
بل الثاني،و ذلك لأن عمدة الدليل على ذلك صحيحة زرارة،و حيث أن السؤال فيها عن المراد من حٰاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ 1في الآية الكريمة كان المتفاهم عرفا من التقدير فيها ان مبدأ المسافة يحسب من نفس المسجد دون آخر عمارة مكة،باعتبار ان الوارد في الآية الشريفة: حٰاضِرِي الْمَسْجِدِ لا حاضري مكة،فاذن ارادة كون مبدأ المسافة المحددة يحسب من آخر عمارة مكة بحاجة الى قرينة.
و مع الاغماض عن ذلك،و تسليم أن الصحيحة مجملة من هذه الناحية، فحينئذ يدخل المقام في مسألة اجمال المخصص،باعتبار أنها مخصصة لعموم الآية الشريفة،حيث أن مقتضاه وجوب حج التمتع على كل أحد غير أهل مكة، فان وظيفتهم حج الإفراد او القران،و الصحيحة تدل على أن من كان منزله دون ثمانية و أربعين ميلا فهو ملحق بأهل مكة،و على هذا فاذا شككنا في أن مبدأ هذه المسافة المحددة هل هو من المسجد أو من آخر عمارة مكة؟و حينئذ فاذا كانت الصحيحة مجملة من هذه الناحية،فلا محالة يؤخذ بالمقدار المتيقن منها، و هو ما كان مبدؤها من المسجد،و أما الزائد على ذلك فيرجع الى عموم الآية الشريفة.
و لو شك في كون منزله في الحد أو خارجه وجب عليه الفحص،و مع عدم تمكنه يراعي الاحتياط،و إن كان لا يبعد القول بأنه يجري عليه حكم
الخارج فيجب عليه التمتع لأن غيره معلق على عنوان الحاضر(1)
مر أن المستفاد من الآية الشريفة بضميمة الروايات الواردة في تفسيرها،كصحيحة زرارة أن كل من كان بلده دون ثمانية و أربعين ميلا فلا متعة له،و نتيجة ذلك أن موضوع وجوب حج التمتع المستطيع الذي لم يكن أهله من حاضري المسجد الحرام،و على هذا فلا مانع من احراز موضوعه بالاستصحاب عند الشك في تحقق قيده العدمي،غاية الأمر مرة يعلم بأن البلد الذي هو عاش فيه دون تلك المسافة المحددة،و لكن كان يشك في أنه صار أهلا له حتى تنقلب وظيفته من التمتع الى الافراد او القران أو لا،ففي مثل ذلك لا مانع من استصحاب عدم كونه أهلا له،و به يحرز موضوع العام و هو من لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام،فان الجزء الأول محرز بالوجدان،و الثاني بالاستصحاب،و يترتب عليه أثره و هو وجوب حج التمتع،و أخرى يعلم بأنه أهل لذلك البلد و لكن كان يشك في أنه داخل تلك المسافة المعينة حتى تكون وظيفته حج الافراد أو القران،أو خارجها حتى تكون وظيفته حج التمتع،و في مثل ذلك لا مانع من احراز موضوع العام بالاستصحاب في العدم الأزلي.
بتقريب أنه في زمان لم يكن ذلك البلد موجودا،و لا اتصافه بما دون المسافة المذكورة،ثم وجد،و يشك في أن اتصافه به هل وجد أيضا أو لا؟فلا مانع من استصحاب عدم وجود اتصافه به،و بذلك يحرز موضوع الوجوب و هو من لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام،فان الجزء الأول و هو وجود المستطيع محرز بالوجدان،و الثاني و هو عدم كونه من حاضري المسجد الحرام بالاستصحاب.
و دعوى:أن هذا الاستصحاب انما يثبت موضوع العام على تقدير أن يكون المأخوذ فيه عنوانا عدميا،كعدم كون أهله من حاضري المسجد الحرام،
……….
و هو مشكوك،فيكون كما لو شك في أن المسافة ثمانية فراسخ أو لا فإنه يصلي تماما لأن القصر معلق على السفر و هو مشكوك.
ثم ما ذكر إنما هو بالنسبة إلى حجة الإسلام،حيث لا يجزئ للبعيد إلا التمتع و لا للحاضر إلا الإفراد أو القران،و أما بالنسبة إلى الحج الندبي فيجوز لكل من البعيد و الحاضر كل من الأقسام الثلاثة بلا إشكال،و إن كان الأفضل اختيار التمتع،و كذا بالنسبة إلى الواجب غير حجة الإسلام كالحج النذري و غيره.
[3204]مسألة 1:من كان له وطنان أحدهما في الحد و الآخر في خارجه لزمه فرض أغلبهما لصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام:«من اقام بمكة سنتين فهو من أهل مكة و لا متعة له،فقلت لأبي جعفر عليه السّلام:أ رأيت إن كان له أهل بالعراق و أهل بمكة،فقال عليه السّلام:فلينظر أيهما الغالب»فإن تساويا فإن
كان مستطيعا من كل منهما تخير بين الوظيفتين(1)و إن كان الأفضل اختيار التمتع،و إن كان مستطيعا من أحدهما دون الآخر لزمه فرض وطن الاستطاعة.
[3205]مسألة 2:من كان من أهل مكة و خرج إلى بعض الأمصار ثم رجع إليها فالمشهور جواز حج التمتع له و كونه مخيرا بين الوظيفتين، و استدلوا بصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«عن رجل من أهل مكة يخرج إلى بعض الأمصار ثم يرجع إلى مكة فيمرّ ببعض المواقيت أله أن يتمتع؟قال عليه السّلام:ما أزعم أن ذلك ليس له لو فعل و كان الإهلال أحب إليّ»و نحوها صحيحة أخرى عنه و عن عبد الرحمن بن أعين
في التخيير اشكال بل منع،و الأقوى وجوب الاحتياط بالجمع بينهما، و ذلك لأنه اذا كان مستطيعا في كلتا البلدتين و كانت اقامته في كل منهما على نسبة واحدة،ففي هذه الحالة يعلم اجمالا بوجوب الحج عليه،و لكن لا يدري أنه تمتع او افراد،و هذا ليس من جهة أنه مشمول لإطلاق أدلة وجوب الحج، بدعوى أنها باطلاقها تعم جميع انواعه الثلاثة من التمتع و الافراد و القران، و نتيجة ذلك أنه مخير بينهما،و ذلك لأن اطلاقها قد قيد بالروايات التي تنص على أن من لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام فوظيفته التمتع،و من كان أهله حاضري المسجد فوظيفته الإفراد أو القران،و على هذا الأساس فلا يعقل أن تظل أدلة وجوب الحج باقية على اطلاقها بالنسبة الى جميع انواعه،فان موضوع وجوب حج التمتع مقيد بمن لم يكن أهله من حاضري المسجد، و موضوع وجوب حج الافراد مقيد بمن كان أهله من حاضري المسجد،فيكون موضوع الأول نقيض الموضوع الثاني،فلا يعقل اجتماعهما في شيء واحد و انطباقهما على انسان فارد،فمن أجل ذلك لا يعقل بقاء الاطلاق في أدلة وجوب الحج.
عن أبي الحسن عليه السّلام،و عن ابن أبي عقيل عدم جواز ذلك و أنه يتعين عليه فرض المكي إذا كان الحج واجبا عليه،و تبعه جماعة لما دل من الأخبار على أنه لا متعة لأهل مكة،و حملوا الخبرين على الحج الندبي بقرينة ذيل الخبر الثاني،و لا يبعد قوة هذا القول(1)،مع أنه أحوط لأن الأمر دائر بين
في القوة اشكال بل منع،و الأظهر ما هو المشهور بين الأصحاب من جواز التمتع و إن كان الافراد أفضل،و ذلك لأن صحيحتى عبد الرحمن بن الحجاج 1تنصان على ذلك.و انما الكلام في أن موردهما أعم من الواجب و المندوب أو خصوص الواجب.و قد يستظهر منهما الثاني،بتقريب أن
……….
التخيير و التعيين و مقتضى الاشتغال هو الثاني(1)خصوصا إذا كان مستطيعا حال كونه في مكة فخرج قبل الإتيان بالحج،بل يمكن أن يقال إن محل كلامهم صورة حصول الاستطاعة بعد الخروج عنها و أما إذا كان مستطيعا فيها قبل خروجه منها فيتعين عليه فرض أهلها(2).
الصحيح هو الأول لما مر من أن المرجع هو أصالة البراءة عن التعيين الاّ اذا كان دوران الأمر بينهما في موارد التزاحم أو الحجية،فان العقل يحكم بالتعيين-كما تقدم-هذا،اضافة الى أنه لا يصل الدور الى الأصل العملي في المقام،فان المرجع فيه هو اطلاق الصحيحتين،و مقتضاه التخيير بين التمتع و الإفراد بدون فرق بين أن يكون موردهما خصوص التمتع الواجب أو الأعم، كما مر.
في التعيين اشكال بل منع،و الأظهر عدمه لإطلاق الصحيحتين،فان مقتضاه عدم الفرق بين أن يكون مستطيعا في مكة ثم خرج مستطيعا،أو انه استطاع في الخارج،فعلى كلا التقديرين يكون فرضه الجامع بين التمتع و الافراد في هذه الحالة،و هو مخير في تطبيقه على أي منهما شاء.
نعم تظهر الثمرة بين الفرضين في الأصل العملي على تقدير أن يصل الدور اليه،و ذلك لأنه إن كان مستطيعا في مكة وجب عليه حج الافراد،فاذا خرج منها كذلك ثم رجع،فبطبيعة الحال كان يشك في سقوط وجوب الإفراد عنه،و تبدله بوجوب الجامع،ففي مثل ذلك لا مانع من استصحاب بقاء وجوب الافراد عليه و عدم تبدله،و هذا بخلاف ما اذا استطاع في الخارج،فانه حينئذ
[3206]مسألة 3:الآفاقي إذا صار مقيما في مكة فإن كان ذلك بعد استطاعته و وجوب التمتع عليه فلا إشكال في بقاء حكمه سواء كانت إقامته بقصد التوطن أو المجاورة و لو بأزيد من سنتين.
و أما إذا لم يكن مستطيعا ثم استطاع بعد إقامته في مكة فلا إشكال في انقلاب فرضه إلى فرض المكي في الجملة،كما لا إشكال في عدم الانقلاب بمجرد الإقامة،و إنما الكلام في الحد الذي به يتحقق الانقلاب، فالأقوى ما هو المشهور من أنه بعد الدخول في السنة الثالثة لصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام:«من أقام بمكة سنتين فهو من أهل مكة و لا متعة له»الخ،و صحيحة عمر بن يزيد عن الصادق عليه السّلام:«المجاور بمكة يتمتع بالعمرة إلى الحج إلى سنتين فإذا جاوز سنتين كان قاطنا و ليس له أن يتمتع» و قيل بأنه بعد الدخول في الثانية لجملة من الأخبار،و هو ضعيف لضعفها بإعراض المشهور عنها(1)،مع أن القول الأول موافق للأصل،و أما القول
فيه انه لا أثر لاعراضهم،لما مر من أنه انما يكون كاشفا عن وجود خلل في شروط حجيتها اذا كان من قدماء الأصحاب الذين يكون عصرهم متصلا بعصر أصحاب الأئمة عليهم السّلام،شريطة أن لا يكون في المسألة ما يصلح أن يكون مدركا لاعراضهم عنها.و قد تقدم منا غير مرة أنه لا طريق لنا الى احراز اعراضهم عنها،و على هذا فلا بد من النظر الى أن هذه الروايات هل تصلح أن تعارض الروايات التي تنص على تحديد فترة الإقامة في مكة الموجبة لانقلاب
……….
بأنه بعد تمام ثلاث سنين فلا دليل عليه إلا الأصل المقطوع بما ذكر،مع أن القول به غير محقق لاحتمال إرجاعه إلى القول المشهور بإرادة الدخول في السنة الثالثة،و أما الأخبار الدالة على أنه بعد ستة أشهر أو بعد خمسة أشهر فلا عامل بها(1)،مع احتمال صدورها تقية(2)و إمكان حملها على محامل أخر.
مر أن عدم عمل الاصحاب برواية لا يوجب طرحها و سقوطها عن الاعتبار،بل طرح هذه الأخبار،و عدم العمل بها في المقام انما هو من جهة ما ذكرناه.
فيه أن هذا الاحتمال ضعيف جدا،فان صدور الرواية عنهم عليهم السّلام تقية
و الظاهر من الصحيحين اختصاص الحكم بما إذا كانت الإقامة بقصد المجاورة،فلو كانت بقصد التوطن فينقلب بعد قصده من الأول،فما يظهر من بعضهم من كونها أعم لا وجه له،و من الغريب ما عن آخر من الاختصاص بما إذا كانت بقصد التوطن.
ثم الظاهر أن في صورة الانقلاب يلحقه حكم المكي بالنسبة إلى الاستطاعة أيضا فيكفي في وجوب الحج الاستطاعة من مكة(1)
في اطلاقه اشكال بل منع،لأن الاستطاعة و الامكانية المالية من مكة انما تكفي لوجوب حج الإفراد عليه بعد الاقامة فيها سنتين اذا لم يكن عازما على الرجوع الى بلده بعد الحج،كالناوي للتوطن فيها،و أما اذا كان عازما على الرجوع فلا تكفي الاّ اذا كانت بمقدار يفي بمصارف حجه و الرجوع الى بلدته معا،فعندئذ يكون مستطيعا.و الوجه فيه أن المتفاهم العرفي من الاستطاعة في الآية الشريفة و الروايات المفسرة لها هو الامكانية المالية لنفقات الحج ذهابا و ايابا لمن يريد الرجوع،و أما اذا كانت عنده الامكانية لنفقاته ذهابا فقط فلا يكون مستطيعا.و ما نحن فيه كذلك،فان المجاور بمكة بعد السنتين تنقلب وظيفته من التمتع الى الإفراد،و حينئذ فان كان عنده مال أو حصل عليه في اثناء
و لا يشترط فيه حصول الاستطاعة من بلده(1)فلا وجه لما يظهر من صاحب الجواهر من اعتبار استطاعة النائي في وجوبه لعموم أدلتها و أن الانقلاب إنما أوجب تغيير نوع الحج و أما الشرط فعلى ما عليه فيعتبر بالنسبة إلى التمتع،هذا.
و لو حصلت الاستطاعة بعد الإقامة في مكة لكن قبل مضي السنتين فالظاهر أنه كما لو حصلت في بلده فيجب عليه التمتع و لو بقيت إلى السنة الثالثة(2)أو أزيد،فالمدار على حصولها بعد الانقلاب.
الأمر كما أفاده قدّس سرّه حيث انه لا يشترط في وجوبه عليه استطاعته من بلدته،بل تكفي الاستطاعة من مكة شريطة أن تكون وافية بنفقات الحج و الرجوع معا،و الاّ فلا يكون مستطيعا كما مر.
فيه اشكال بل منع،و الأظهر هو انقلاب الوظيفة حتى في صورة ما اذا كان مستطيعا في بلده و ظلت استطاعته باقية الى السنة الثالثة فضلا عما اذا استطاع في أثناء السنتين،كما اذا فرض أنه دخل مكة في غير موسم الحج بعمرة مفردة،و بقى فيها ناويا للإقامة و لم يحج في السنة الأولى و لا في الثانية الى أن دخل في الثالثة،فاذا دخل فيها انقلبت وظيفته من التمتع الى الإفراد تبعا لانقلاب موضوعه الى موضوع الإفراد،باعتبار أن موضوع وجوب حج التمتع من لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام،فاذا حضر فيه فترة،و صدق عليه هذا العنوان،كما اذا أقام فيه فترة زمنية لا تقل عن سنتين تبدل موضوع التمتع بموضوع الإفراد،و حينئذ ينتفى وجوب التمتع عنه بانتفاء موضوعه،و يتحقق وجوب الافراد بتحقق موضوعه،و على هذا فالاستطاعة حدوثا شرط لوجوب حج التمتع و بقاء شرط لوجوب حج الافراد،و لا مانع من ذلك،باعتبار أن وجوب الحج بكلا قسميه مشروط بها،فما دام موضوع حج التمتع موجودا فهي شرط لوجوبه،و اذا تبدل الى موضوع حج الافراد فهي تصبح شرطا لوجوبه.
……….
و أما المكي إذا خرج إلى سائر الأمصار مقيما بها فلا يلحقه حكمها في تعين التمتع عليه لعدم الدليل و بطلان القياس إلا إذا كانت الإقامة فيها بقصد التوطن و حصلت الاستطاعة بعده فإنه يتعين عليه التمتع بمقتضى القاعدة و لو في السنة الأولى،و أما إذا كانت بقصد المجاورة أو كانت الاستطاعة حاصلة في مكة فلا نعم الظاهر دخوله حينئذ في المسألة السابقة(1)فعلى القول بالتخيير فيها-كما عن المشهور-يتخير و على قول ابن أبي عقيل يتعين عليه وظيفة المكي.
تقدم الكلام فيها مفصلا.
[3207]مسألة 4:المقيم في مكة إذا وجب عليه التمتع-كما إذا كانت استطاعته في بلده أو استطاع في مكة قبل انقلاب فرضه-فالواجب عليه الخروج إلى الميقات لإحرام عمرة التمتع،و اختلفوا في تعيين ميقاته على أقوال:
أحدها:أنه مهلّ أرضه،ذهب إليه جماعة،بل ربما يسند إلى المشهور كما في الحدائق لخبر سماعة(1)عن أبي الحسن عليه السّلام سألته عن المجاور أله أن يتمتع بالعمرة إلى الحج؟قال عليه السّلام:«نعم يخرج إلى مهلّ أرضه فليلبّ إن شاء»المعتضد بجملة من الأخبار الواردة في الجاهل و الناسي الدالة على ذلك بدعوى عدم خصوصية للجهل و النسيان و أن ذلك لكونه مقتضى حكم التمتع،و بالأخبار الواردة في توقيت المواقيت و تخصيص كل قطر بواحد منها أو من مرّ عليها بعد دعوى أن الرجوع إلى الميقات غير المرور عليه.
ثانيها:أنه أحد المواقيت(2)المخصوصة مخيرا بينها،و إليه ذهب جماعة أخرى لجملة أخرى من الأخبار،مؤيدة بأخبار المواقيت بدعوى عدم استفادة خصوصية كل بقطر معين.
فيه ان الخبر ضعيف سندا،حيث ان في سنده معلى بن محمد و هو لم يثبت توثيقه،و مجرد أنه من رجال أسناد كامل الزيارات لا يكفي،فاذن لا دليل على هذا القول.
هذا هو مقتضى اطلاقات الروايات التي تنص على أن كل من وجب عليه حج التمتع أن يحرم من أحد المواقيت التي وقتها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،فانها باطلاقها تشمل المقيم في مكة أيضا اذا كانت وظيفته التمتع،إذ يجب عليه حينئذ أن يخرج الى أحد المواقيت و يحرم منه،سواء أ كان ذلك ميقات أهل
……….
ثالثها:أنه أدنى الحل،نقل عن الحلبي و تبعه بعض متأخري المتأخرين،لجملة ثالثة من الأخبار.
و الأحوط الأول،و إن كان الأقوى الثاني(1)لعدم فهم الخصوصية
بل الظاهر التخيير بين الجميع،و الوجه في ذلك أن مقتضى القاعدة -كما مر-و إن كان خروج المقيم الى أحد المواقيت المعينة مخيرا بين ميقات أهل أرضه و بين سائر المواقيت.و لكن صحيحة الحلبي قال:«سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام لأهل مكة أن يتمتعوا؟فقال:لا،ليس لأهل مكة أن يتمتعوا،قال:
قلت:فالقاطنين بها،قال:اذا أقاموا سنة أو سنتين صنعوا كما يصنع أهل مكة، فاذا أقاموا شهرا فان لهم أن يتمتعوا،قلت:من أين؟قال:يخرجون من الحرم.
قلت:من أين يهلون بالحج؟فقال:من مكة نحوا ممن يقول الناس» 1ناصة في جواز الاحرام من خارج الحرم كجعرانة.
و تؤيد ذلك رواية سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«من دخلها بعمرة في غير أشهر الحج،ثم أراد أن يحرم فليخرج الى الجعرانة فيحرم منها-الحديث-» 2.
من خبر سماعة و أخبار الجاهل و الناسي و إن ذكر المهل من باب أحد الأفراد،و منع خصوصية للمرور في الأخبار العامة الدالة على المواقيت، و أما أخبار القول الثالث فمع ندرة العامل بها مقيدة بأخبار المواقيت أو محمولة على صورة التعذر.
ثم الظاهر أن ما ذكرنا حكم كل من كان في مكة و أراد الإتيان بالتمتع و لو مستحبا.
هذا كله مع إمكان الرجوع إلى المواقيت،و أما إذا تعذر فيكفي الرجوع إلى أدنى الحل(1)،بل الأحوط الرجوع إلى ما يتمكن من خارج
بل مطلقا و إن لم يتعذر الرجوع الى أحد المواقيت المعروفة
الحرم(1)مما هو دون الميقات،و إن لم يتمكن من الخروج إلى أدنى الحل أحرم من موضعه(2)،و الأحوط الخروج إلى ما يتمكن.
فيه ان الاحتياط ضعيف جدا و لا منشأ له،لما مر من أنه مخير بين الإحرام من خارج الحرم كالجعرانة أو نحوها،و الإحرام من أحد المواقيت الخمسة،و لا أولوية للخروج الى ما يتمكن مما هو أقرب الى المواقيت بعد تعذر الرجوع اليها.
هذا هو الصحيح،و هو المستفاد من التعليل الوارد في روايات الناسي و الجاهل،و هو قوله عليه السّلام:«فإن خشي أن يفوته الحج أحرم من مكانه» 1فانه يدل على أن المعيار انما هو بخوف الفوت بدون خصوصية للمورد،و به يظهر أنه لا منشأ للاحتياط بالخروج الى ما يتمكن.
فصل في صورة حج التمتع و شرائطه صورة حج التمتع على الإجمال أن يحرم في أشهر الحج من الميقات بالعمرة المتمتع بها إلى الحج،ثم يدخل مكة فيطوف فيها بالبيت سبعا و يصلي ركعتين في المقام،ثم يسعى لها بين الصفا و المروة سبعا،ثم يطوف للنساء احتياطا(1)و إن كان الأصح عدم وجوبه،و يقصّر،ثم ينشئ إحراما للحج من مكة في وقت يعلم أنه يدرك الوقوف بعرفة،و الأفضل إيقاعه يوم التروية،
فيه ان الاحتياط و إن كان استحبابيا،الاّ أنه لا منشأ له،نعم لا بأس به رجاء،و ذلك لأن منشأه اما ما نقله الشهيد قدّس سرّه من بعض الفقهاء الوجوب،أو رواية سليمان بن حفص المروزي عن الفقيه عليه السّلام:«قال:اذا حج الرجل فدخل مكة متمتعا فطاف بالبيت و صلى ركعتين خلف مقام ابراهيم عليه السّلام و سعى بين الصفا و المروة و قصر فقد حل له كل شيء ما خلا النساء لأن عليه لتحلة النساء طوافا و صلاة» 1.
اما الأول فهو غير ثابت،و أما الرواية فهي ساقطة سندا و دلالة،اما سندا فلأن سليمان بن حفص المروزي لم يثبت توثيقه،و مجرد أنه من رجال اسناد كامل الزيارات لا يكفي.و أما دلالة فلأنها تبتني على أن تكون الرواية مشتملة
ثم يمضي إلى عرفات فيقف بها من الزوال إلى الغروب(1)،ثم يفيض و يمضي منها إلى المشعر فيبيت فيه و يقف به بعد طلوع الفجر إلى طلوع الشمس،ثم يمضي إلى منى فيرمي جمرة العقبة،ثم ينحر أو يذبح هديه و يأكل منه،ثم يحلق أو يقصّر،فيحل من كل شيء إلا النساء و الطيب، و الأحوط اجتناب الصيد أيضا،و إن كان الأقوى عدم
بل له أن يتأخر عن أول الظهر بحوالي ساعة،و يدل على ذلك قوله عليه السّلام في صحيحة معاوية بن عمار الطويلة الواردة في كيفية حج النبي صلّى اللّه عليه و آله عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«ان رسول الله صلّى اللّه عليه و آله أقام بالمدينة عشر سنين و لم يحج،ثم انزل اللّه عليه-و أذّن في الناس بالحج-الى أن قال…فخرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في أربع بقين من ذي القعدة-الى قوله عليه السّلام:حتى انتهوا الى نمرة و هي بطن عرفة بحيال الأراك فضربت قبته و ضرب الناس اخبيتهم عندها،فلما زالت الشمس خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و معه قريش و قد اغتسل و قطع التلبية حتى وقف بالمسجد فوعظ الناس و أمرهم و نهاهم ثم صلى الظهر و العصر بأذان واحد و اقامتين،ثم مضى الى الموقف فوقف به-الحديث-» 1فانها واضحة الدلالة على أن الوقوف الواجب في عرفة انما هو بعد الصلاة و الوعظ،و من الطبيعي أن مجموعهما لا يقل عن ساعة.
حرمته عليه من حيث الإحرام(1)،ثم هو مخير بين أن يأتي إلى مكة ليومه فيطوف طواف الحج و يصلي ركعتيه و يسعى سعيه فيحل له الطيب،ثم يطوف طواف النساء و يصلي ركعتيه فتحل له النساء،ثم يعود إلى منى لرمي الجمار فيبيت بها ليالي التشريق-و هي الحادي عشر،و الثاني عشر، و الثالث عشر-و يرمي في أيامها الجمار الثلاث،و أن لا يأتي إلى مكة ليومه
هذا هو الصحيح،و أما صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:
«قال:اذا ذبح الرجل و حلق فقد أحل من كل شيء أحرم منه الاّ النساء و الطيب، فاذا زار البيت و طاف و سعى بين الصفا و المروة فقد أحل من كل شيء أحرم منه الاّ النساء،و اذا طاف طواف النساء فقد أحل من كل شيء احرم منه الاّ الصيد» 1فهي و إن دلت على أن حرمة الصيد تظل ثابتة بعد طواف النساء أيضا،الاّ أن الظاهر منها حرمته من حيث الحرم لا الاحرام،و ذلك لأمرين:
أحدهما:بقرينة أن الصيد في الحرم حرام على المحل و المحرم،و لا ترتبط حرمته بالاحرام.
و الآخر:بقرينة أن الاحرام موضوع لحرمة أشياء معينة على المحرم،فاذا احرم المكلف حرمت عليه تلك الاشياء،و تظل حرمتها باقية ما دام يظل المحرم باقيا على احرامه،فاذا خرج منه ارتفعت حرمتها بارتفاع موضوعها و منشأها، و من المعلوم أنه يخرج من الاحرام نهائيا بالانتهاء من اعمال الحج و طواف النساء،و أما حرمة الصيد التي جاءت من قبل الاحرام فهي ترتفع بارتفاعه،و أما حرمته التي نشأت بسبب دخوله في الحرم فهي تظل باقية ما دام في الحرم و إن خرج عن الإحرام و اصبح محلا،لأنها لا ترتبط بالاحرام،و انما ترتبط بدخول الحرم،و لا ترتفع الاّ بالخروج منه،و على ضوء هاتين القرينتين
بل يقيم بمنى حتى يرمي جماره الثلاث(1)يوم الحادي عشر و مثله يوم الثاني عشر،ثم ينفر بعد الزوال إذا كان قد أتقى النساء(2)
فيه أنه لا يجب عليه أن يقيم فيه حتى ينتهي عن جماره الثلاث،لأن الواجب عليه أن يبيت فيه نصف الليل بدون فرق بين النصف الأول من الليل او الآخر منه،و أما في النهار فالواجب عليه رمي الجمار الثلاث فيه بدون فرق بين أول النهار أو آخره،و إن كان الأول أفضل،فاذا بات فيه النصف الأول من الليل جاز له الخروج منه الى مكة أو الى بلد آخر و يرجع بعد الزوال للرمي،أو اذا رمى أول النهار جاز له الخروج الى مكة أو الى مكان آخر،و ذلك لعدم الدليل على البقاء فيه حتى يرمي الجمار الثلاث،بل له أن يخرج منه أول النهار بدون رمي ثم يرجع آخر النهار للرمي،هذا اضافة الى النصوص الخاصة الدالة عليه، و تمام الكلام في محلة.
على المشهور،و لكنه لا يخلو عن اشكال بل منع،لعدم الدليل على الاّ رواية محمد بن المستنير،و هي ضعيفة سندا و إن كان الاحتياط في المسألة أولى و أجدر.
ثم إن حج التمتع مؤلف من عملين:أحدهما العمرة،و الآخر الحج،و لكل منهما واجبات،و واجبات عمرة التمتع خمسة:
و الصيد،و إن أقام إلى النفر الثاني و هو الثالث عشر و لو قبل الزوال لكن بعد الرمي جاز أيضا،ثم عاد إلى مكة للطوافين و السعي،و لا إثم عليه في شيء من ذلك على الأصح،كما أن الأصح الاجتزاء بالطواف و السعي تمام ذي الحجة،و الأفضل الأحوط هو اختيار الأول بأن يمضي إلى مكة يوم النحر بل لا ينبغي التأخير لغده فضلا عن أيام التشريق إلا لعذر.
و يشترط في حج التمتع أمور:
أحدها:النية(1)بمعنى قصد الإتيان بهذا النوع من الحج حين الشروع في إحرام العمرة،فلو لم ينوه أو نوى غيره أو تردد في نيته بينه و بين غيره لم يصح،نعم في جملة من الأخبار أنه لو أتى بعمرة مفردة في
نريد بالنية التي هي شرط لكل عبادة أن تتوفر فيها العناصر التالية:
الأول:نية القربة،لأن الحج عبادة و لا تصح كل عبادة بدون نية القربة.
الثاني:الخلوص في النية،و نقصد به عدم الرياء،فان الرياء في العبادة محرم و مبطل لها.
الثالث:أن ينوي الحاج الاسم الخاص للحج الذي يريد أن يأتي به المميز له شرعا،لأن كل عبادة اذا كان لها اسم خاص المميز لها شرعا لا بد أن يقصد ذلك الاسم الخاص لها حين الاتيان بها،و الاّ لم تقع تلك العبادة المسماة بذلك الاسم خارجا و إن كانت فريدة و لم تكن لها شريكة في العدد و الكم كصلاة المغرب،فانه اذا صلى ثلاث ركعات بدون أن يقصد اسمها الخاص لم تقع صلاة المغرب،و هذا معنى ان هذا الاسم و العنوان لها من العناوين القصدية المقومة.
و هذه العناصر الثلاثة لا بد من مقارنتها لكل اجزاء الحج من البداية الى النهاية،و لا يعني بالمقارنة أن لا تتقدم النية على الحج،بل أن لا تتأخر عن أول جزء من أجزائه و هو إحرام عمرة التمتع من حجة الإسلام،كما أن المراد من مقارنة النية لكل جزء من أجزائه ليس بمعنى أن يكون الحاج متنبها الى نيته انتباها تاما كما كان في اللحظة الأولى،فلو نوى و أحرم لعمرة التمتع من حجة الإسلام ثم ذهل عن نيته و واصل حجه على هذه الحالة،ثم تذكر صح حجه ما دامت النية كامنة في اعماقه و مرتكزة في اذهانه بحيث يلتفت اليها بأدنى منبه، و على هذا فمن يكون مكلفا بحج التمتع من حجة الإسلام فيجب عليه أن يحج بهذا الاسم الخاص المميز له شرعا،فإن لم يقصد ذلك أو قصد غيره أو تردد فيه