فهرست

پرش به محتوا

آثار حضرت آیة الله العظمی شیخ محمد اسحاق فیاض

تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹

جلد

9

فهرست

فهرست

صفحه اصلی کتابخانه تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹

تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – ج ۹

عنوان کتاب : تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی
نام ناشر : محلاتی
جلد : 9
تعداد صفحات: 312

تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۹ 7)


الجزء التاسع

[تتمة كتاب الحج]

[فصل في الوصية بالحج]

فصل في الوصية بالحج

[مسألة 1:إذا أوصى بالحج فإن علم أنه واجب أخرج من أصل التركة و إن كان بعنوان الوصية]

[3169]مسألة 1:إذا أوصى بالحج فإن علم أنه واجب أخرج من أصل التركة و إن كان بعنوان الوصية،فلا يقال مقتضى كونه بعنوانها خروجه من الثلث،نعم لو صرّح بإخراجه من الثلث أخرج منه فإن و فى به و إلا يكون الزائد من الأصل،و لا فرق في الخروج من الأصل بين حجة الإسلام و الحج النذري و الإفسادي لأنه بأقسامه واجب مالي(1)و إجماعهم قائم على خروج كل واجب مالي من الأصل،مع أن في بعض الأخبار أن الحج بمنزلة الدين و من المعلوم خروجه من الأصل،بل الأقوى خروج كل
فيه انه لا دليل على مجرد كون الواجب ماليا كالحج المنذور و الافسادي و نحوهما يخرج من أصل التركة،فان الدليل يدل على خروج أمرين من الأصل،أحدهما حجة الإسلام،و الآخر الدين،سواء أ كان عرفيا، أم كان شرعيا،و لا دليل على أن كل واجب مالي كالحج المنذور أو الكفارات أو نحوها يخرج من الأصل،و دعوى الاجماع على ذلك مما لا أساس لها، اذ لا يمكن اثباته في المسألة لا صغرى و لا كبرى،كما أشرنا الى ذلك في غير مورد.و اطلاق الدين على كل واجب شرعي كما في بعض الروايات انما هو بلحاظ أنه دين من اللّه تعالى على عهدة المكلف،و لا بدّ له من أدائه، لا أنه دين مالي،و قد تقدم تفصيل ذلك في المسألة(8)من فصل:الحج النذري.

تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۹ 8)


واجب من الأصل و إن كان بدنيا كما مر سابقا(1).

و إن علم أنه ندبي فلا إشكال في خروجه من الثلث.

و إن لم يعلم أحد الأمرين ففي خروجه من الأصل أو الثلث وجهان، يظهر من سيد الرياض قدّس سرّه خروجه من الأصل حيث إنه وجّه كلام الصدوق قدّس سرّه-الظاهر في كون جميع الوصايا من الأصل-بأن مراده ما إذا لم يعلم كون الموصى به واجبا أو لا،فإن مقتضى عمومات وجوب العمل بالوصية خروجها من الأصل خرج عنها صورة العلم بكونها ندبيا،و حمل الخبر الدال بظاهره على ما عن الصدوق أيضا على ذلك،لكنه مشكل(2) فإن العمومات مخصصة بما دل على أن الوصية بأزيد من الثلث ترد إليه إلا مع إجازة الورثة،هذا مع أن الشبهة مصداقية و التمسك بالعمومات فيها محل إشكال(3)،و أما الخبر المشار إليه و هو قوله عليه السّلام:«الرجل أحق بماله ما دام فيه الروح إن أوصى به كله فهو جائز»،فهو
مر أنه لا دليل على أن كل واجب مالي يخرج من الأصل فضلا عن الواجب البدني كالصلاة و نحوها،بل يخرج من الثلث اذا أوصى به،و بذلك يظهر حال ما بعده.

بل لا اشكال في عدم صحته،حيث لا شبهة في أن عمومات الوصية قد خصصت بما دل على عدم نفوذها الاّ في الثلث دون الزائد،و عليه فاذا شك في أنه واجب حتى يخرج من الأصل بناء على ما ذكره الماتن قدّس سرّه،أو مستحب حتى يخرج من الثلث،فلا يمكن التمسك بالعمومات لإثبات أنه يخرج من الأصل،لأن الشبهة مصداقية،و العمومات لا تدل على أنه واجب حتى يخرج من الأصل.

بل لا اشكال في عدم الجواز-كما مر-.

تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۹ 9)


موهون(1)بإعراض العلماء عن العمل بظاهره،و يمكن أن يكون المراد بماله هو الثلث الذي أمره بيده،نعم يمكن أن يقال في مثل هذه الأزمنة بالنسبة إلى هذه الأمكنة البعيدة عن مكة:الظاهر من قول الموصي:حجوا عني؛هو حجة الإسلام الواجبة لعدم تعارف الحج المستحبي في هذه الأزمنة و الأمكنة(2)فيحمل على أنه واجب من جهة هذا الظهور و الانصراف كما أنه إذا قال:أدّوا كذا مقدارا خمسا أو زكاة؛ينصرف إلى الواجب عليه.

فتحصل أن في صورة الشك في كون الموصى به واجبا حتى يخرج من أصل التركة أو لا حتى يكون من الثلث مقتضى الأصل الخروج من الثلث لأن الخروج من الأصل موقوف على كونه واجبا و هو غير معلوم بل الأصل عدمه إلا إذا كان هناك انصراف كما في مثل الوصية بالخمس أو الزكاة أو الحج و نحوها.

نعم لو كانت الحالة السابقة فيه هو الوجوب كما إذا علم وجوب الحج عليه سابقا و لم يعلم أنه أتى به أو لا فالظاهر جريان الاستصحاب و الإخراج من الأصل،و دعوى أن ذلك موقوف على ثبوت الوجوب عليه و هو فرع شكه لا شك الوصي أو الوارث و لا يعلم أنه كان شاكا حين موته
فيه ان الخبر في نفسه ضعيف فلا يمكن الاعتماد عليه،و الاّ فقد ذكرنا غير مرة أنه لا أثر لإعراض الأصحاب عن رواية معتبرة.

فيه ان مجرد ذلك لا يكون منشأ للانصراف و الظهور العرفي،بل هو بحاجة الى وجود قرائن حالية أو سياقية،كظهور حال الموصي في ذلك،أو سياق الوصية فيه.

تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۹ 10)


أو عالما بأحد الأمرين مدفوعة بمنع اعتبار شكه بل يكفي شك الوصي أو الوارث أيضا،و لا فرق في ذلك بين ما إذا أوصى أو لم يوص فإن مقتضى أصالة بقاء اشتغال ذمته بذلك الواجب عدم انتقال ما يقابله من التركة إلى الوارث،و لكنه يشكل على ذلك الأمر في كثير من الموارد لحصول العلم غالبا بأن الميت كان مشغول الذمة بدين أو خمس أو زكاة أو حج أو نحو ذلك،إلا أن يدفع بالحمل على الصحة فإن ظاهر حال المسلم الإتيان بما وجب عليه،لكنه مشكل في الواجبات الموسعة بل في غيرها أيضا في غير الموقتة،فالأحوط في هذه الصورة الإخراج من الأصل(1).

فيه انه لا وجه للاحتياط في المسألة،فان ظهور حاله إن كان موجبا للوثوق و الاطمئنان بالأداء و الاتيان بالواجب فلا مجال له و إن لم يكن موجبا لذلك فالمرجع هو استصحاب بقاء اشتغال ذمة الميت بهذه الواجبات كحجة الإسلام و الزكاة و الخمس،و يترتب على هذا الاستصحاب خروجها من الأصل، و من هنا يظهر أنه لا مجال للرجوع الى أصالة الصحة في المقام،فان موردها سواء أ كان فعل نفس الإنسان مباشرة أم كان فعل غيره هو ما اذا وقع الفعل في الخارج و شك في صحته و فساده من جهة الشك في بعض واجباته غير المقومة،و اما في المقام فلا موضوع لها لأن الشك في أصل الإتيان بالواجب، و في مثل ذلك إن كان الوارث واثقا بالاتيان و لو بقرينة ظهور حاله فهو،و الاّ لزم اخراجه من الأصل،و على كلا التقديرين لا مجال للاحتياط.

ثم انه لا فرق فيما ذكرناه بين أن تكون ذمته مشغولة بالخمس أو الزكاة أو كونه متعلقا بالعين الخارجية الباقية بعد موته و شك في أنه اخرج خمسها أو زكاتها في زمن حياته أو لا،فان كان الوارث واثقا باخراجه عنها فلا شيء عليه، و الاّ وجب اخراجه عنها بمقتضى الاستصحاب،نعم اذا كانت العين تالفة في

تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۹ 11)


[مسألة 2:يكفي الميقاتية سواء كان الحج الموصى به واجبا]

[3170]مسألة 2:يكفي الميقاتية سواء كان الحج الموصى به واجبا(1)
زمن حياته،و شك في أن تلفها كان بعد اخراج خمسها او زكاتها،أو كان قبله، ففي مثل ذلك لا يجري استصحاب بقائه،لأنه لا يثبت الضمان الا على نحو مثبت،هذا كله في فرض عدم الوصية.

و أما اذا أوصى بذلك،فان كانت الوصية بها ظاهرة في الوجوب بقرينة حالية أو سياقية لزم العمل بظهورها و إن لم يفد الوثوق و الاطمئنان الشخصي، لأن حجية ظهور اللفظ لا ترتبط بافادة الوثوق و الاطمئنان كذلك،و بذلك يختلف فرض الوصية بتلك الواجبات عن فرض عدم الوصية بها و إن لم تكن ظاهرة فيه،فالمرجع هو الاستصحاب-كما مر-.

فيه ان الحج الواجب إن كان حجة الإسلام فظاهر الوصية بها الحجة البلدية،فاذا أوصى بأن يحج عنه من تركته وجب الانفاق من التركة على حجة بلدية،على أساس أن الظاهر منها عرفا أنه أوصى بنفس ما عليه من النفقة للحجة و هي الحجة من البلد،الاّ اذا كانت هناك قرينة على أنه أوصى بالحجة من الميقات،فعندئذ أخرج منها نفقات حجة ميقاتية،و هي الحجة التي لا تكلف النائب السفر الاّ من الميقات،و من المعلوم أن نفقاتها أقل من نفقات الحجة البلدية التي تكلف النائب السفر من البلد الذي كان المنوب عنه يعيش فيه،و أما اذا لم تكن قرينة في البين فظاهر الوصية بها من الميت هو الحجة من بلدته،نعم اذا خالف الولي أو الوصي الوصية و استجار حجة ميقاتية على أساس أنها أقل مؤنة و أرخص أجرة برئت بذلك ذمة الميت،و لا تجب اعادة الحج،و في هذه الحالة لا ينتقل الزائد الى الورثة بل يبقى في ملك الميت و يصرفه في وجوه البر و الاحسان و تدل على ذلك مجموعة من الروايات نعم في حالة عدم وصية الميت بحجة الإسلام فلا حق له الاّ في نفقات حجة ميقاتية،باعتبار ان الواجب عليه في ذمته هو تلك الحجة،لأن السفر الى الميقات و النفقات التي تصرف فيه

تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۹ 12)


أو مندوبا(1)و يخرج الأول من الأصل و الثاني من الثلث،إلا إذا أوصى بالبلدية و حينئذ فالزائد عن أجرة الميقاتية في الأول من الثلث(2)،كما أن تمام الأجرة في الثاني منه.

[مسألة 3:إذا لم يعيّن الأجرة فاللازم الاقتصار على أجرة المثل]

[3171]مسألة 3:إذا لم يعيّن الأجرة فاللازم الاقتصار على أجرة المثل(3)

من مقدماتها و ليس من واجباتها.و قد تقدم الكلام في ذلك موسعا في المسألة (88)من الفصل الأول فلاحظ.

هذا يتبع ظهور الوصية،فإن كانت ظاهرة من البلد أخرج نفقاته البلدية من الثلث،و إن كانت هناك قرينة على أنه من الميقات أخرج نفقاته الميقاتية منه.

بل من الأصل،لما مر من أن الوصية ظاهرة في أن جميع نفقات الحجة البلدية تخرج من الأصل،فاذا عصى الوارث أو الوصي و استجار من الميقات فعليه أن يصرف الفرق بين الحجة البلدية و الميقاتية في وجوه البر و الإحسان للميت.

في اللزوم اشكال بل منع،لأن الأجرة الاعتيادية على مراتب تبعا لنوعية الأجير،و هي تخرج من تركة الميت،و تنطبق على المرتبة الأعلى من تلك المراتب و أدناها على حد سواء،و على هذا،فاذا وجد نوعان من الأجير أحدهما من لا يقبل الا الفرد الأعلى من الاجرة الاعتيادية و هي الأجرة التي يتقاضها الأجراء بالقيام بمثل ذلك العمل عادة،و الآخر من يقبل الفرد الأدنى منها،فلا يكون الوصي او الوارث ملزما بالاستئجار بالأدنى،فكما يجوز له ذلك يجوز الاستئجار بالأعلى منها،و ليس ذلك اضرارا بحق الورثة و تفويتا له،باعتبار أن ما يظل باقيا في ملك الميت من التركة و هو الأجرة الاعتيادية التي هي على درجات قابل للانطباق على الفرد الأعلى و الفرد الأدنى بنسبة واحدة،و عليه فلا

تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۹ 13)


للانصراف(1)إليها،و لكن إذا كان هناك من يرضى بالأقل منها وجب
يكون الوارث أو الوصي ملزما بتطبيقه على الفرد الأدنى،بل كما يسوغ له ذلك يسوغ له تطبيقه على الفرد الأعلى رغم امكان تطبيقه على الأدنى،بل ربما يتعين تطبيقه على الأعلى اذا لم يكن تطبيقه على الأدنى مناسبا لمكانة الميت و شئونه.

نعم اذا وجد أجيران من نوع واحد،أحدهما لا يقبل الا الفرد الاعلى،و الآخر يقبل الفرد الأدنى،فالظاهر تعين تطبيقه على الثاني،اذ لا مبرر لتطبيقه على الفرد الأول.

و أما اذا لم يوجد من يقبل بالأجرة الاعتيادية فيتعين في هذه الحالة دفع أجور اكبر مما هو مقرر عادة للنيابة في الحج،و لا يسوغ التأجيل الى سنة قادمة، هذا اضافة الى أنه لا دليل على ولاية الموصي او الوارث على تحديد نفقات حجة الإسلام الواجبة سعة و ضيقا،فان المستثنى بحسب ظهور الوصية نفقات حجة بلدية التي تصدق على الأدنى و الأعلى في عرض واحد،و من هنا اذا لم يوجد من يقبل ما عينه الموصي من الأجور يدفع الزائد من الأصل،و اذا وجد من يقبل أقل مما عينه لم يجب دفع ما عينه تماما،و اذا دفع يحسب الزائد من الثلث.

فيه انه لا وجه للانصراف،فان المتفاهم العرفي من روايات الوصية أن المستثنى نفقات حجة بلدية،و هي تختلف باختلاف نوع الأجير سعة و ضيقا،فقد يقبل الأجير أدنى فرد من الأجور الاعتيادية،و قد لا يقبل الأجور الاعتيادية أيضا،و يطالب باكبر منها.

فالنتيجة:إنه لا وجه لدعوى الانصراف الى أجرة محددة و معينة بعد ما عرفت من اختلافها باختلاف نوعية الأجراء،باعتبار أن الخارج من أصل التركة انما هو نفقة الحجة البلدية عند الوصية بها،و هي ذات درجات تختلف باختلاف الاوقات و البلدان و نوعية الأجراء،و ليست محددة بحدود معينة،و به يظهر حال ما بعده.

تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۹ 14)


استئجاره(1)إذ الانصراف إلى أجرة المثل إنما هو نفي الأزيد فقط،و هل يجب الفحص عنه لو احتمل وجوده؟الأحوط ذلك(2)توفيرا على الورثة خصوصا مع الظن بوجوده(3)و إن كان في وجوبه إشكال خصوصا مع الظن بالعدم،و لو وجد من يريد أن يتبرع فالظاهر جواز الاكتفاء به بمعنى عدم وجوب المبادرة إلى الاستئجار،بل هو المتعين توفيرا على الورثة(4)،
ظهر مما مر عدم وجوبه مع اختلاف نوع الأجير.

بل الأظهر خلافه،لما مر من أن المستثنى من التركة نفقات حجة بلدية اذا أوصى بها،و هي تنطبق على أجور اكبر من الأجور الاعتيادية،و على الفرد الأدنى منها،و لا يجب على الوارث أو الوصي الفحص عمن يقبل الأقل، باعتبار أن خروجها من صلب التركة على نحو الكلي في المعين بدون تحديدها كما و كيفا،و عليه فيجوز للوصي او الوارث أن يستجير شخصا بالفرد الأعلى من الأجور الاعتيادية رغم وجود من يقبل الفرد الأدنى منها شريطة اختلافهما في نوع الأجير،على أساس أن ذلك ليس اضرارا بحق الورثة،فان ما يظل باقيا من التركة في ملك الورثة ليس محدودا بحد معين كما لكي يكون اخراج الاكثر منه اضرارا بحقهم،و اذا طالب الأجير أجرة اكبر مما هو مقرر عادة للنيابة في الحج، و لم يوجد من يقبل بأقل من ذلك،فان الواجب تلبية اقتراحه،و لا يسوغ التأجيل الى سنة أخرى.

لا قيمة للظن و لا أثر له على كلا القولين في المسألة،أي سواء فيه القول بوجوب الفحص عمن يقبل بالفرد الأدنى من الأجرة الاعتيادية،أم القول بعدم وجوبه،اذ على الأول يجب الفحص مع الاحتمال و إن لم يصل الى درجة الظن،و على الثاني لا يجب و إن ظن بوجوده،بل و إن علم به شريطة أن يكون الأول أفضل من الثاني،و به يظهر حال ما بعده.

في التوفير اشكال بل منع،و الأظهر عدم وجوبه،لأن الواجب على

تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۹ 15)


فإن أتى به صحيحا كفى و إلا وجب الاستئجار،و لو لم يوجد من يرضى بأجرة المثل فالظاهر وجوب دفع الأزيد إذا كان الحج واجبا،بل و إن كان مندوبا أيضا مع وفاء الثلث،و لا يجب الصبر إلى العام القابل و لو مع العلم بوجود من يرضى بأجرة المثل أو أقل،بل لا يجوز لوجوب المبادرة إلى تفريغ ذمة الميت في الواجب و العمل بمقتضى الوصية في المندوب.

و إن عيّن الموصي مقدارا للأجرة تعين(1)و خرج من الأصل في الواجب إن لم يزد على أجرة المثل و إلا فالزيادة من الثلث(2)،كما أن في المندوب كله من الثلث.

الوصي استئجار شخص للحج عن الميت الاّ اذا قام متبرع بالحج عنه،فانه اذا قام به برئت ذمته،و لا يبقى موضوع حينئذ للاستئجار،و أما اذا احتمل وجود متبرع عنه و قيامه به أو ظن بذلك،فلا يجب عليه الصبر بأمل أن يقوم المتبرع بالحج عنه توفيرا للإرث،بل يجب عليه الاستئجار ما لم يكن واثقا و مطمئنا بقيام المتبرع به،كما أنه لا يجوز له تأخير العمل بالوصية اذا علم او اطمأن بوجود المتبرع عنه في السنة القادمة،و ذلك لأن العمل بالوصية واجب عليه فورا،و لا يجوز له تأخيره و التسامح فيه،و أما توفير الإرث و ايجاد الحق للورثة فهو غير واجب عليه،فان الواجب عليه هو الحفاظ على حقهم و اموالهم و عدم جواز تفويتها،و أما ايجاد الموضوع و هو ايجاد الحق و المال لهم فهو غير واجب.

مر أنها لا تتعين بتعينه،فان وجد من يقبل الحج بأجرة أقل مما عينه الموصي فالزائد للورثة،و إن لم يوجد الاّ باكثر منه وجب تلبيته و اخراج الكل من التركة.

مر أنها من الأصل اذا لم يقبل ما عيّنه الموصى لا من الثلث.

تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۹ 16)


[مسألة 4:هل اللازم في تعيين أجرة المثل الاقتصار على أقل الناس أجرة أو يلاحظ من يناسب شأن الميت في شرفه وضعته؟]

[3172]مسألة 4:هل اللازم في تعيين أجرة المثل الاقتصار على أقل الناس أجرة أو يلاحظ من يناسب شأن الميت في شرفه وضعته؟لا يبعد الثاني،و الأحوط الأظهر الأول(1)،و مثل هذا الكلام يجري أيضا في الكفن الخارج من الأصل أيضا.

[مسألة 5:لو أوصى بالحج و عين المرة أو التكرار بعدد معين تعين،و إن لم يعين]

[3173]مسألة 5:لو أوصى بالحج و عين المرة أو التكرار بعدد معين تعين،و إن لم يعين كفى حج واحد إلا أن يعلم أنه أراد التكرار،و عليه يحمل ما ورد في الأخبار(2)من أنه يحج عنه ما دام له مال-كما في خبرين-أو ما بقي من ثلثه شيء-كما في ثالث-بعد حمل الأولين على
تقدم أن ظاهر الوصية بالحج هو اخراج نفقات حجة بلدية من التركة و قد مر أنها لا تتعين بالأجور الاعتيادية و قد تزيد عنها و قد تنقص حسب نوعية الأجير،كما أن ذلك يختلف باختلاف مكانة الميت و شأنه أيضا،فان الإجارة بالأقل قد لا تتناسب مكانته و شئونه،كما قد لا تتناسب اجارة شخص من قبله مكانته و شأنه لدى المجتمع.و النكتة في ذلك أن المستثنى من تركة الميت و بقائه في ملكه نفقات حجة الإسلام،و هي الحجة البلدية في صورة الوصية بها بدون تحديدها كما و كيفا،و هي تختلف باختلاف نوعية الأجراء و شئون الميت و مكانته،و به يظهر حال الكفن الخارج من الأصل،فانه يختلف باختلاف شأن الميت و مقامه.

هذا الحمل بعيد،فان السائل في الرواية سأل عن الموصي الذي أوصى بالحج عنه مبهما،و أجاب الإمام عليه السّلام:«يحج عنه ما دام له مال» 1و هذا الجواب لا يدل على التكرار،بل مفاده أنه يحج عنه اذا كان له مال،فان كان الحج الموصى به حجة الإسلام فهي لا تتكرر،و إن كان الحج المندوب فمعناه يحج


 

1) <page number=”16″ />الوسائل باب:4 من أبواب النيابة في الحج الحديث:1.

 

تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۹ 17)


الأخير(1)من إرادة الثلث من لفظ المال،فما عن الشيخ و جماعة من وجوب التكرار ما دام الثلث باقيا ضعيف،مع أنه يمكن أن يكون المراد من الأخبار أنه يجب الحج ما دام يمكن الإتيان به ببقاء شيء من الثلث بعد العمل بوصايا أخر،و على فرض ظهورها في إرادة التكرار و لو مع عدم العلم بإرادته لا بد من طرحها لإعراض المشهور عنها(2)،فلا ينبغي الإشكال في كفاية حج واحد مع عدم العلم بإرادة التكرار،نعم لو أوصى بإخراج الثلث و لم يذكر إلا الحج يمكن أن يقال بوجوب صرف تمامه في الحج(3)،و كذا لو لم يذكر إلا المظالم أو إلا الزكاة أو إلا الخمس،و لو أوصى أن يحج عنه مكررا كفى مرتان لصدق التكرار معه.

عنه ما دام له ثلث،يعني اذا كان له ثلث و على كلا التقديرين فهو لا يدل على التكرار،أو لا أقل من اجمال الجواب و عدم ظهوره فيه.

فيه أنه لا مبرر لهذا الحمل فان قوله في الروايتين الاوليين:

«له مال»مجمل مردد بين الثلث و بين الأصل،باعتبار اجمال الحج الموصى به،فلا اطلاق له حتى يحمل على المقيد،و التصريح بالثلث في الرواية الأخيرة لا يرفع الاجمال عنه،و لا يوجب تعين الحج الموصى به في الأوليين بالحج المندوب لكي يكون قرينة على أن المراد من المال فيهما الثلث.

مرت الإشارة في غير مورد الى أنه لا أثر لإعراض المشهور،و لا يوجب سقوط الرواية عن الاعتبار و خروجها عن دليل الحجية.

في اطلاقه اشكال بل منع،و الأظهر هو التفصيل في المقام،فان الوصية إن كانت ظاهرة في صرف تمام الثلث في الحج،بمعنى أنه يحج منه ما دام باقيا و وافيا سنة بعد أخرى وجب ذلك و إن كانت ظاهرة في الوصية بالثلث

تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۹ 18)


[مسألة 6:لو أوصى بصرف مقدار معين في الحج سنين معينة و عين لكل سنة مقدارا معينا]

[3174]مسألة 6:لو أوصى بصرف مقدار معين في الحج سنين معينة و عين لكل سنة مقدارا معينا و اتفق عدم كفاية ذلك المقدار لكل سنة صرف
و اخراج الحج منه لم يجز صرف تمامه فيه،بل يجب اخراج حجة واحدة منه، و صرف الباقي في سائر واجبات الميت كالصلاة و الصيام و نحوهما،هذا اذا كان الثلث اكثر من نفقة الحج،و أما اذا كان بمقدارها فحسب،فعندئذ هل يجب صرفه فيها فقط،أو لا بد من التوزيع؟ففيه تفصيل،فان كانت هناك قرينة حالية أو سياقية في أن غرض الموصى هو صرف مقدار منه في الحج بالنسبة و مقدار منه في سائر واجباته كالصلاة و الصيام مطلقا حتى اذا لم يكن هذا المقدار وافيا بالحج وجب التوزيع،غاية الأمر انه إن اتسع لنصف نفقة الحج أخرج النصف الآخر من باقي التركة،و إن اتسع لثلث نفقته أخرج الثلثان الآخران من الباقي، هذا نظير ما اذا صرح الميت في وصيته بأن يحج عنه و أن تؤدى عنه الصلاة و الصيام على أن يسدّد كل ذلك من الثلث،فان اتسع الثلث لذلك كله فهو المطلوب و الاّ وزع على الجميع بالنسبة تطبيقا لما مرّ،و أما اذا لم تكن هناك قرينة حالية أو سياقية تدل على ذلك يصرف تمام الثلث في الحج،باعتبار أنه لم يعين له مصرفا آخر غيره.

و أما اذا كانت الوصية مجملة،بأن لا تكون ظاهرة في الفرض الأول و لا في الثاني،فعندئذ يصرف مقدار منه في الحج،و أما الباقي فيدور أمره بين وجوب صرفه فيه أيضا و بين وجوب صرفه في سائر الأمور الخيرية،فيدور أمره بين المحذورين،و قد ذكرنا في علم الأصول أن المرجع فيه أصالة البراءة عن التعيين،حيث يمكن جعله لكل واحد منهما معينا،و لا دافع لهذا الاحتمال الاّ أصالة البراءة،و حينئذ فالمكلف مخير بين صرف تمامه في الحج و بين صرف مقدار منه فيه و الباقي في الصلاة و الصيام و غيرهما من الأمور الخيرية، و به يظهر حال ما بعده.

تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۹ 19)


نصيب سنتين في سنة أو ثلاث سنين في سنتين مثلا و هكذا،لا لقاعدة الميسور لعدم جريانها في غير مجعولات الشارع(1)،بل لأن الظاهر من حال الموصي إرادة صرف ذلك المقدار في الحج و كون تعيين مقدار كل سنة بتخيل كفايته،و يدل عليه أيضا خبر علي بن محمد الحضيني و خبر إبراهيم بن مهزيار ففي الأول تجعل حجتين في حجة و في الثاني تجعل ثلاث حجج في حجتين،و كلاهما من باب المثال(2)كما لا يخفى،هذا.

فيه ان القاعدة في نفسها غير تامة نظرية و لا تطبيقية.

اما الأولى:فلأن الروايات التي استدل بها عليها بأجمعها روايات ضعاف لا يمكن الاعتماد على شيء منها.

و أما الثانية:فلأنها لا تنطبق على الواجبات المركبة الارتباطية،اذ الظاهر من رواياتها على تقدير تماميتها هو الإرشاد الى حكم العقل بعدم سقوط الميسور بالمعسور،و هذا يختص بالواجبات المستقلة غير المرتبطة،و لا يعم المركبات الارتباطية،هذا اضافة الى أن المتبع في باب الوصية انما هو نظر الموصي،فان كانت الوصية في أمثال المقام ظاهرة في تعدد المطلوب بقرائن حالية أو مقامية كما هو غير بعيد،فلا مناص من الالتزام به لا من باب تطبيق القاعدة،بل من باب تطبيق الوصية،و إن لم تكن ظاهرة في ذلك بأن تكون مجملة،فان احتمل تعين تعدد المطلوب فلا مانع من الرجوع الى أصالة البراءة عنه،و صرف المال الموصى به في مطلق وجوه البر و الاحسان منها الحج.

فيه أن ظاهرهما و إن كان كما ذكره قدّس سرّه من تعدد المطلوب،الاّ أنهما ضعيفان من ناحية السند،فلا يمكن الاعتماد عليهما،فاذن المعيار انما هو بظهور الوصية في مثل المقام،و لا يبعد ظهورها في تعدد المطلوب فيه -كما مر-.

تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۹ 20)


و لو فضل من السنين فضلة لا تفي بحجة فهل ترجع ميراثا أو في وجوه البر(1)أو تزاد على أجرة بعض السنين؟وجوه.

و لو كان الموصى به الحج من البلد و دار الأمر بين جعل أجرة سنتين مثلا لسنة و بين الاستئجار بذلك المقدار من الميقات لكل سنة ففي تعيين الأول أو الثاني وجهان،و لا يبعد التخيير بل أولوية الثاني،إلا أن مقتضى إطلاق الخبرين الأول(2).

هذا كله إذا لم يعلم من الموصي إرادة الحج بذلك المقدار على وجه التقييد و إلا فتبطل الوصية إذا لم يرج إمكان ذلك بالتأخير أو كانت الوصية مقيدة بسنين معينة.

[مسألة 7:إذا أوصى بالحج و عين الأجرة في مقدار]

[3175]مسألة 7:إذا أوصى بالحج و عين الأجرة في مقدار فإن كان الحج واجبا و لم يزد ذلك المقدار عن أجرة المثل أو زاد و خرجت الزيادة من الثلث(3)تعين،و إن زاد و لم تخرج الزيادة من الثلث بطلت الوصية و يرجع
هذا هو المتعين،لإن الإرث بعد الوصية بالثلث،فاذا زاد الثلث عما عينه من المصارف وجب صرفه في سائر وجوه البر و الإحسان،و لا يرجع ميراثا،باعتبار أن الثلث يبقى في ملك الميت،و لا ينتقل الى الورثة،و لا موجب لزيادة أجرة بعض السنين الاّ أن يصدق عليها وجوه البر و الإحسان.

مر أنه لا يمكن الاعتماد عليهما لضعفهما سندا،فاذن لا بد من العمل على طبق ما يظهر من الوصية،و لا يبعد ظهورها في الثاني،على أساس أن ظاهر حال الموصي هو الاتيان بالحج من قبله في كل سنة و إن كان من الميقات اذا لم يمكن من البلد،باعتبار أن حجتين من الميقات افضل و اكثر أجرا من حجة واحدة بلدية.

بل من الأصل اذا كان الحج الموصى به حجة الإسلام،كما أشرنا اليه

تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۹ 21)


إلى أجرة المثل،و إن كان الحج مندوبا فكذلك تعين أيضا مع وفاء الثلث بذلك المقدار،و إلا فبقدر وفاء الثلث مع عدم كون التعيين على وجه التقييد(1)،و إن لم يف الثلث بالحج أو كان التعيين على وجه التقييد بطلت الوصية و سقط وجوب الحج.

[مسألة 8:إذا أوصى بالحج و عين أجيرا معينا تعين استئجاره بأجرة المثل]

[3176]مسألة 8:إذا أوصى بالحج و عين أجيرا معينا تعين استئجاره بأجرة المثل،و إن لم يقبل إلا بالأزيد فإن خرجت الزيادة من الثلث تعين أيضا و إلا بطلت الوصية و استؤجر غيره بأجرة المثل في الواجب مطلقا، و كذا في المندوب إذا و فى به الثلث و لم يكن على وجه التقييد،و كذا إذا لم يقبل أصلا.

في ضمن البحوث السالفة،و اذا كان غيرها فقد تقدم أنه اخرج من الثلث و إن كان واجبا كالحج النذري أو نحوه،و على هذا الأساس فما عينه الموصى من الأجرة إن كان بمقدار الثلث او أقل منه وجب العمل بالوصية،و إن كان أزيد من الثلث لم تصح الوصية في الزائد إلاّ باجازة الورثة،فإن أجازوا صحت،و الاّ بطلت فيه،و عندئذ بما أن الثلث لا يفي بالحج الموصى به يصرف الثلث في سائر وجوه البر و الإحسان،نعم لو كان التعيين على وجه التقييد و وحدة المطلوب،بأن يكون المطلوب هو الحج الموصى به المستأجر بهذه الأجرة المحددة كما لا أقل و لا اكثر،و بما أن العمل بهذا القيد متعذر فلا يمكن العمل بالوصية،فمن أجل ذلك تبطل،و على هذا فلا ثلث له أيضا،لعدم الوصية به، و لكن ذلك بعيد عن مقتضى ظاهر حال الموصي،و به يظهر حال ما اذا كان الحج الموصى به مندوبا.

مر أنه بعيد،و مما ذكرناه في هذه المسألة يظهر حال المسألة الآتية.

تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۹ 22)


[مسألة 9:إذا عين للحج أجرة لا يرغب فيها أحد و كان الحج مستحبا بطلت الوصية]

[3177]مسألة 9:إذا عين للحج أجرة لا يرغب فيها أحد و كان الحج مستحبا بطلت الوصية إذا لم يرج وجود راغب فيها،و حينئذ فهل ترجع ميراثا أو تصرف في وجوه البر أو يفصل بين ما إذا كان كذلك من الأول فترجع ميراثا أو كان الراغب موجودا ثم طرأ التعذر؟وجوه.

و الأقوى هو الصرف في وجوه البر،لا لقاعدة الميسور بدعوى أن الفصل إذا تعذر يبقى الجنس،لأنها قاعدة شرعية و إنما تجري في الأحكام الشرعية المجعولة للشارع و لا مسرح لها في مجعولات الناس،كما أشرنا إليه سابقا،مع أن الجنس لا يعد ميسورا للنوع فمحلها المركبات الخارجية إذا تعذر بعض أجزائها و لو كانت ارتباطية،بل لأن الظاهر من حال الموصي في أمثال المقام إرادة عمل ينفعه و إنما عين عملا خاصا لكونه أنفع في نظره من غيره فيكون تعيينه لمثل الحج على وجه تعدد المطلوب و إن لم يكن متذكرا لذلك حين الوصية،نعم لو علم في مقام كونه على وجه التقييد في عالم اللبّ أيضا يكون الحكم فيه الرجوع إلى الورثة،و لا فرق في الصورتين بين كون التعذر طارئا أو من الأول.

و يؤيد ما ذكرنا ما ورد من الأخبار في نظائر المقام،بل يدل عليه خبر علي بن سويد(1)عن الصادق عليه السّلام:قال«قلت:مات رجل فأوصى بتركته أن حج بها عنه فنظرت في ذلك فلم تكف للحج فسألت من عندنا من
الخبر عن علي بن مزيد كما في الفقيه،و عن علي بن فرقد كما في الكافي و التهذيب،لا عن علي بن سويد،و بما أن كلا من علي بن مزيد و علي بن فرقد لم يثبت توثيقه فيكون الخبر ضعيفا،و على كل حال فما ذكره الماتن قدّس سرّه في المسألة هو الصحيح.

تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۹ 23)


الفقهاء فقالوا:تصدق بها،فقال عليه السّلام:ما صنعت؟قلت:تصدقت بها، فقال عليه السّلام:ضمنت إلا أن لا تكون تبلغ أن يحج بها من مكة فإن كانت تبلغ أن يحج بها من مكة فأنت ضامن».

و يظهر مما ذكرنا حال سائر الموارد التي تبطل الوصية لجهة من الجهات.

و ملخصه:أن الميت اذا أوصى بالثلث،و عين له مصارف،و تعذر صرفه فيها،لا مقتضى لرجوعه الى الوارث،بل يصرف في غيرها من المصارف الخيرية و وجوه البر.نعم اذا أوصى الميت ابتداء بأشياء بعناوينها الخاصة لا بعنوان أنها من مصارف الثلث،كما اذا أوصى بأن يحج عنه و يبني مسجدا أو مدرسة أو حسينية أو غير ذلك،ثم تعذر العمل بها، فمقتضى القاعدة حينئذ و إن كان بطلان الوصية بها،الاّ أنه يمكن تصحيحها بأحد أمرين:

الأول:ان المتفاهم العرفي من الوصية بها بمناسبة الحكم و الموضوع الارتكازية هو أنه أوصى بالثلث،و جعل تلك الأشياء مصارفا له و كناية على ذلك،غاية الأمر أن الوصية بالثلث قد تكون بالصراحة،و أخرى تكون بالكناية و بالالتزام،و لا فرق بين الأمرين.

الثاني:ظهور هذه الوصية في أن غرض الموصي من الوصية بتلك الأشياء هو جعل ثلثه صدقة جارية فيها إن امكن،لأنه تمام المطلوب و كماله،و إن لم يمكن ففي غيرها،و هذا معنى دلالة هذه الوصية على تعدد المطلوب.

و بكلمة:أن نفس هذه الوصية تدل على أن غرض الموصي هو صرف ثلثه في وجوه البر و الاحسان،غاية الامر أن تمام غرضه هو أن يصرف في تلك الاشياء الخاصة،و إن لم يمكن يصرف في غيرها مع مراعاة الأهم فالأهم

تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۹ 24)


هذا في غير ما إذا أوصى بالثلث و عين له مصارف و تعذر بعضها، و أما فيه فالأمر أوضح لأنه بتعيينه الثلث لنفسه أخرجه عن ملك الوارث بذلك فلا يعود إليه.

[مسألة 10:إذا صالحه على داره مثلا و شرط عليه أن يحج عنه بعد موته صح]

[3178]مسألة 10:إذا صالحه على داره مثلا و شرط عليه أن يحج عنه بعد موته صح و لزم و خرج من أصل التركة(1)و إن كان الحج ندبيا و لا يلحقه حكم الوصية.

و الأقرب فالأقرب.

فيه اشكال بل منع.

اما اولا:فلأن مفاد الشرط ليس هو إنشاء تمليك الفعل للمشروط له،بل مفاده الزام المشروط عليه بالعمل بالشرط تكليفا،فاذن ليس هنا مال أو حق حتى يخرج من أصل التركة.

و ثانيا:مع الاغماض عن ذلك و تسليم أن معنى الشرط هو إنشاء تمليك الفعل المشروط للمشروط له،كما هو غير بعيد،فان المنشأ في شرط الفعل في الحقيقة المعنى الحرفي المدلول عليه بكلمة(اللام)في قولك عند الاشتراط في عقد(أن تخيط لي ثوبي)أو(لك علي خياطة الثوب)،و بما أن النسبة الخارجية بين الشرط و المشروط له في الخارج غير قابلة للإنشاء،فلا محالة يكون المنشأ هو النسبة الاعتبارية بينهما المتمثلة في ملكية الشرط للمشروط له،و على هذا فحيث ان المشروط له يملك الشرط على المشروط عليه من الآن،غاية الأمر ان ظرف تسليمه كان بعد موته،فيكون من التركة،و ينتقل الى الورثة،و حينئذ يكون أمره بيدهم،و لهم ابراء ذمته عنه،كما أن لهم أن يطالبه بالاتيان به عن الميت أو المصالحة عليه من جديد أو نحو ذلك.

فالنتيجة:انه على هذا الأساس لا يخرج من الأصل و لا من الثلث،اما الأول فهو ظاهر،و أما الثاني فلأنه مبني على أن يكون هذا الشرط داخلا في

تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۹ 25)


و يظهر من المحقق القمي قدّس سرّه في نظير المقام إجراء حكم الوصية عليه(1)بدعوى أنه بهذا الشرط ملك عليه الحج و هو عمل له أجرة فيحسب مقدار أجرة المثل لهذا العمل فإن كانت زائدة عن الثلث توقف على إمضاء الورثة،و فيه أنه لم يملك عليه الحج مطلقا في ذمته ثم أوصى
الوصية،و لكن لا يعقل ذلك،لأن الوصية موضوعها الملك و المال،و هذا الشرط بنفسه ملك فلا يمكن أن يكون وصية،و الاّ لزم اتحاد الحكم مع الموضوع.نعم اذا كان الحج المصالح به حجة الإسلام يخرج من الأصل،لا بملاك المصالحة،بل من جهة أن ذمته مشغولة بحجة الإسلام و هي تخرج من الأصل،و لو لا ذلك فقد عرفت أن المصالحة بنفسها لا توجب خروج الحج المصالح به من الأصل.

و بكلمة:ان ذمة الميت اذا كانت مشغولة بحجة الإسلام،و هي الحجة المصالح بها،وجب على الورثة أن يطلبوا من المصالح-بالفتح-القيام بالحج من قبل الميت،فان قام به فهو المطلوب،و الاّ فلهم أن يرجعوا الى الحاكم الشرعي لإجباره على ذلك،أو يستنيبوا شخصا آخر من قبل الميت لكي يحج عنه،و يطالبوا المصالح بقيمة الحج،فان امتنع راجعوا الحاكم الشرعي لإجباره عليها،و أمّا خيار تخلف الشرط عند امتناع المشروط عليه عن تسليمه فهو ثابت للورثة،باعتبار أن الشرط ملك لهم،حيث انه من التركة المنتقلة اليهم من الميت حتى فيما اذا كان الشرط هو حجة الإسلام على المشروط عليه.

فيه منع ظاهر،لأن الوصية موضوعها الملك في المرتبة السابقة، فاذا أوصى الميت بثلث ماله فلا بد من افتراض وجود مال له في المرتبة المتقدمة لكي يوصى بثلثه،و على هذا فلا يعقل أن يكون الشرط في المقام وصية،لأنه ملك للشارط،لا أنه وصية بالملك،فلذلك لا يمكن اجراء حكم الوصية عليه.

تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۹ 26)


أن يجعله عنه بل إنما ملك بالشرط الحج عنه و هذا ليس مالا(1)تملكه الورثة فليس تمليكا و وصية و إنما هو تمليك على نحو خاص(2)لا ينتقل إلى الورثة.

و كذا الحال إذا ملكه داره بمائة تومان(3)مثلا بشرط أن يصرفها في الحج عنه أو عن غيره،أو ملكه إياها بشرط أن يبيعها و يصرف ثمنها في الحج أو نحوه(4)،فجميع ذلك صحيح لازم من الأصل و إن كان العمل المشروط عليه ندبيا.

نعم له الخيار عند تخلف الشرط،و هذا ينتقل إلى الوارث بمعنى أن
بل هو مال على القول بأن الشرط معناه تمليك العمل المشروط للمشروط له،كما هو غير بعيد.

مر أن ذلك ليس مانعا عن انتقاله الى الورثة،اذ لا فرق في انتقاله اليهم بين أن يكون مالكا للحج في ذمة المشروط عليه مطلقا،أو على نحو خاص و هو الحج عنه بعد موته،فانه اذا كان مالكا له انتقل الى ورثته بعد موته تطبيقا لأدلة الإرث.

فيه ان هذا المثال ليس كالصلح المشروط بالحج عنه بعد موته،لما مر من أنه لا يمكن اجراء حكم الوصية على الشرط فيه،و أما هذا المثال فهو داخل في الوصية و يخرج من الثلث،على أساس أن مائة تومان بما أنها تصبح ملكا للشارط في مقابل الدار فيكون اشتراطه على من ملكه الدار أن يصرفها في الحج عنه داخل في الوصية،فاذن قياس الماتن قدّس سرّه هذا المثال بالصلح المشروط قياس مع الفارق.

هذا كالصلح المشار اليه آنفا،و لا يمكن اجراء حكم الوصية عليه لعدم الموضوع لها.

تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۹ 27)


حق الشرط ينتقل إلى الوارث(1)فلو لم يعمل المشروط عليه بما شرط عليه يجوز للوارث أن يفسخ المعاملة.

فيه ان ذلك لا ينسجم مع ما بنى عليه قدّس سرّه من عدم انتقال الشرط و هو الحج في المثال الى الوارث،فاذا لم ينتقل فلا معنى لانتقال حقه اليه،و هو الخيار عند تخلفه،باعتبار أنه لا ينتفع به حتى يدخل في التركة،لأن موضوع الإرث ما تركه الميت من مال أو حق،و الشرط في المقام و إن كان مالا الاّ أنه اذا لم ينتقل الى الوارث فلا موضوع لانتقال حقه اليه،ضرورة أنه انما يكون لمن يملك الشرط،لا للأجنبي عنه،و حينئذ فان كان للميت وصي في القيام بما يتعلق به فيطالب المشروط عليه على الوفاء بالشرط،فان امتنع فله أن يفسخ المصالحة، فاذا فسخها انتقلت الدار الى ملك الميت،و إن لم يكن فللحاكم الشرعي أن يصنع ذلك بمقتضى ولايته على الميت.

ثم إن الدار في المثال هل تنتقل الى الورثة،أو تبقى في ملك الميت و تصرف في الحج عنه،فإن بقى منها شيء يصرف في وجوه البر و الاحسان؟ فيه وجهان:الصحيح هو الوجه الثاني،لأن الأول إمّا مبني على أن معنى الفسخ انهدام المعاملة من حينها لا من حين الفسخ و هو خلاف التحقيق لوضوح أن معنى الفسخ هو حل المعاملة من حينه و ابطال مفعولها من هذا الحين لا من الأول،و ليس معنى الفسخ بطلان المعاملة و اشتراط صحتها بعدمه،أو مبني على وجود دليل يدل باطلاقه على أن ما ملكه الميت من المال حتى بعد موته فهو لوارثه.و لكن لا يوجد دليل على ذلك،فان أدلة الإرث لا اطلاق لها من هذه الناحية،لأن مدلولها هو ان ما تخلف عن الميت و تركه فهو لوارثه،و لا يعم ما ملكه بعد موته من المال جديدا،فانه لا يصدق عليه عنوان التخلف و التركة، فاذن مقتضى القاعدة عدم الانتقال.

و تؤكد ذلك صحيحة الفضل بن يونس الكاتب قال:«سألت أبا الحسن

تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۹ 28)


[مسألة 11:لو أوصى بإن يحج عنه ماشيا أو حافيا صح]

[3179]مسألة 11:لو أوصى بإن يحج عنه ماشيا أو حافيا صح و اعتبر خروجه من الثلث إن كان ندبيا و خروج الزائد عن أجرة الميقاتية منه إن كان واجبا(1)،و لو نذر في حال حياته أن يحج ماشيا أو حافيا و لم يأت به حتى مات و أوصى به أو لم يوص وجب الاستئجار عنه من أصل التركة(2) كذلك،نعم لو كان نذره مقيدا بالمشي ببدنه أمكن أن يقال بعدم وجوب الاستئجار عنه لأن المنذور هو مشيه ببدنه فيسقط بموته(3)لأن مشي الأجير ليس ببدنه،ففرق بين كون المباشرة قيدا في المأمور به أو موردا.

موسى عليه السّلام،فقلت له:ما ترى في رجل من أصحابنا-الى أن قال:قلت:فان اتجر عليه بعض اخوانه بكفن آخر و كان عليه دين أ يكفن بواحد و يقضى دينه بالآخر؟قال:لا،ليس هذا ميراثا تركه،انما هذا شيء صار اليه بعد وفاته…» 1فان هذا التعليل يدل على أن ما ملكه الميت بعد موته لا ينتقل الى وارثه،باعتبار أنه ليس مما تركه.نعم قد قام دليل خاص على ذلك في خصوص الدية.

بل من الثلث اذا كان الواجب الموصى به غير حجة الإسلام،و إن كان حجة الإسلام اخرج الجميع من الأصل لا خصوص الأجرة الميقاتية،كما مر.

بل من الثلث اذا أوصى بالاستئجار عنه،و أما اذا لم يوص به فلا يجب الاستئجار عنه.

بل يكشف عن بطلان النذر اذا كان موته قبل التمكن من الوفاء به، نعم اذا كان بعده فيسقط بموته،و لا يجب الاستئجار عنه و إن قلنا بوجوب قضاء الحج المنذور أيضا،و ذلك لأن الواجب بالنذر في مفروض الكلام هو الاتيان بالحج مباشرة،و من المعلوم أنه غير قابل للاستنابة.


 

1) <page number=”28″ />الوسائل باب:33 من أبواب التكفين الحديث:1.

 

تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۹ 29)


[مسألة 12:إذا أوصى بحجتين أو أزيد و قال:إنها واجبة عليه صدّق و تخرج من أصل التركة]

[3180]مسألة 12:إذا أوصى بحجتين أو أزيد و قال:إنها واجبة عليه صدّق و تخرج من أصل التركة(1)،نعم،لو كان إقراره بالوجوب عليه في مرض الموت و كان متهما في إقراره فالظاهر أنه كالإقرار بالدين فيه في خروجه من الثلث إذا كان متهما على ما هو الأقوى.

[مسألة 13:لو مات الوصي بعد ما قبض من التركة أجرة الاستئجار و شك في أنه استأجر الحج قبل موته أو لا]

[3181]مسألة 13:لو مات الوصي بعد ما قبض من التركة أجرة الاستئجار و شك في أنه استأجر الحج قبل موته أو لا فإن مضت مدة بممكن الاستئجار فيها فالظاهر حمل أمره على الصحة(2)مع كون الوجوب فوريا منه،و مع
بل من الثلث اذا لم يكن اي منهما حجة الإسلام،و اما اذا كانت احداهما حجة الإسلام فهي تخرج من الأصل،و الأخرى من الثلث و إن كانت واجبة-كما تقدم-.

فيه اشكال بل منع،لأن أصالة الصحة لم تثبت بدليل لفظي مطلق حتى يمكن التمسك باطلاقه في امثال المقام،بل انما هي ثابتة بالسيرة العقلانية شريطة توفر أمور فيها:

الأول:أهلية الفاعل.

الثاني:أهلية القابل و المورد.

الثالث:أن يكون الشك متمحضا في الصحة بعد الفراغ عن أصل الوجود.

و هذه الأمور من الأركان و العناصر المقومة لها،فاذا توفرت جرت الأصالة،و الاّ فلا موضوع لها،و بما أن الركن الثالث غير متوفر في المقام،لأن الشك فيه انما هو في أصل وجود المأمور به في الخارج لا في صحته بعد الفراغ عن أصل وجوده،فلا مجال للتمسك بها،اذ مع الشك في أصل وجوده لا تكون أركانها محرزة،و من الواضح أن هذه الأصالة انما تجري فيما اذا كانت أركانها محرزة في المرتبة السابقة،و كان الشك في صحته و فساده ناشئا من الشك في

تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۹ 30)


كونه موسعا إشكال،و إن لم تمض مدة يمكن الاستئجار فيها وجب الاستئجار من بقية التركة إذا كان الحج واجبا(1)و من بقية الثلث إذا كان مندوبا،و في ضمانه لما قبض و عدمه لاحتمال تلفه عنده بلا ضمان
توفر شرط من شروطه غير الركنية،فلذلك لا موضوع للتمسك بها في المقام بدون فرق بين أن يكون ما قبضه من التركة أجرة للاستئجار موجودا عنده أو لا، فان وجوده لا يكون قرينة على عدم الاستئجار،كما أن عدم وجوده لا يصلح أن يكون قرينة على الاستئجار.نعم اذا كانت هناك قرينة حالية،كظهور حال الوصي بملاك أنه رجل أمين و ثقة لا يتساهل و لا يتسامح في العمل بما هو وظيفته الشرعية،أو مقالية على أنه استأجر شخصا للحج من قبل الميت كفى ذلك،و لم يجب الاستئجار،لا من جهة أصالة الصحة،بل من جهة وجود القرينة على الاجارة.و أما اذا لم تكن قرينة كذلك في البين،فبما أن الشك في المقام يكون في أصل وجود الحج من قبل الميت،فلا مجال للتمسك بها،لأنها تثبت الصحة لا أصل الوجود،و لا فرق في ذلك أيضا بين ان تكون الأجرة موجودة عنده أو لا،فان المعيار انما هو بظهور حاله الموجب للوثوق و الاطمئنان بالاستئجار و عدم ظهوره.

ثم إن هذا الظهور الحالي انما هو اذا كان وجوبه فوريا و كان الوصي ثقة و أمينا،و أما اذا كان وجوبه موسعا فلا منشأ لهذا الظهور و إن كان الوصي ثقة و أمينا،و بذلك يظهر حال ما ذكره الماتن قدّس سرّه من الاشكال في جريان أصالة الصحة اذا لم يكن الوجوب فوريا.و وجه الظهور ما مر من أنه لا مجال للتمسك بالأصالة بدون فرق بين أن يكون الوجوب فوريا أو غير فوري،كما أنه لا مجال للتمسك بالظهور الحالي في هذا الفرض.

هذا شريطة أن يكون الواجب حجة الإسلام-كما تقدم-،و إلاّ فلا يخرج من الأصل و إن كان واجبا.

تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۹ 31)


وجهان(1)،نعم لو كان المال المقبوض موجودا أخذ حتى في الصورة الأولى(2)و إن احتمل أن يكون استأجر من مال نفسه إذا كان مما يحتاج إلى بيعه و صرفه في الأجرة و تملك ذلك المال بدلا عما جعله أجرة لأصالة بقاء ذلك المال على ملك الميت.

الأظهر عدم الضمان،لأن يده على الأجرة يد أمين،و هي خارجة عن عموم قاعدة اليد،و لا يوجد دليل آخر على الضمان،فاذن يكون المرجع فيه أصالة البراءة عند الشك فيه.

هذا شريطة أن لا يكون هناك ظهور حالي في الاستئجار من مال نفسه بدلا عنه،و الاّ لم يجز،لأن هذا الظهور كما يثبت مدلوله المطابقي و هو الاستئجار من قبل الميت،كذلك يثبت مدلوله الالتزامي و هو الاستئجار من ماله بدلا عن مال الميت،على أساس أن مثبتات الأمارات تكون حجة،هذا من ناحية.

و من ناحية أخرى أن هذا التبديل و إن كان بحاجة الى ولاية و لكن هذا المقدار من الولاية ثابت للوصي جزما و لا شبهة فيه.

و بكلمة:انه اذا كان هناك ظهور حالي في أن الوصي قام بالاستئجار من قبل الميت فهو حجة في مدلوله المطابقي و الالتزامي معا،و نتيجة ذلك أن ما قبضه من التركة بعنوان الأجرة للحج اذا كان موجودا عنده فهو محكوم بكونه ملكا له،و لا يجوز أخذه منه و التصرف فيه،و أما اذا لم يكن ظهور حالي في المسألة،فقد مر أنه لا مجال للتمسك بأصالة الصحة،لعدم توفر أركانها و عناصرها المقومة.

و مع الاغماض عن ذلك،و تسليم أنها تجري في المسألة،و لكن بما أن مثبتاتها لا تكون حجة،فلا تثبت أن الاجرة الموجودة عند الوصي ملك له،لأنها انما تكون حجة في مدلولها المطابقي و هو صحة النيابة ظاهرا،و براءة ذمة

تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۹ 32)


[مسألة 14:إذا قبض الوصي الأجرة و تلف في يده بلا تقصير لم يكن ضامنا]

[3182]مسألة 14:إذا قبض الوصي الأجرة و تلف في يده بلا تقصير لم يكن ضامنا،و وجب الاستئجار من بقية التركة(1)أو بقية الثلث،و إن
الميت عن الحج كذلك،دون مدلولها الالتزامي و هو أنه استناب من ماله الخاص بدلا عن مال الميت،فاذن لا مانع من استصحاب بقائه في ملكه و عدم خروجه عنه و دخوله في ملك الوصي.

و دعوى:أن ذلك مخالف للعلم الإجمالي بعدم مطابقة أحدهما للواقع، و هو مانع عن جريانهما.

مدفوعة:بأنه لا يمنع عن جريانهما،لأن العلم الإجمالي انما يمنع عن جريان الأصول المؤمنة في أطرافه اذا لزمت من جريانها فيها مخالفة قطعية عملية،و الاّ فلا أثر له.و أما في المقام فبما أنه لا يلزم من جريان أصالة الصحة و الاستصحاب معا فيه مخالفة قطعية عملية،فلا أثر للعلم الإجمالي فيه،و لا يكون مانعا عن جريانهما الا ان تكون حجيتهما من باب الكاشفية.

نعم يوجد هنا علم اجمالي آخر و هو العلم اما بوجوب الاستئجار به للميت،أو وجوب رده الى ورثة الوصي،لأنه إن عمل بالوصية في الواقع فهو لوارثه،و الاّ فهو باق في ملك الميت و يجب الاستئجار به منه،و بما أن الأمر يدور بين المحذورين فلا يكون العلم الإجمالي المتعلق بالجامع بينهما منجزا، و حينئذ فلا مانع من الرجوع الى الاستصحاب المذكور،و هو استصحاب بقاء المال في ملك الميت،و يترتب عليه وجوب الاستئجار به عنه.

هذا شريطة أن يكون الحج الواجب الموصى به حجة الإسلام،و الاّ فمن الثلث سواء أ كان واجبا أم كان ندبا،لما تقدم في ضمن البحوث السالفة من أن نسبة حجة الإسلام الى التركة نسبة الكلي في المعين،فاذا ورد النقص على التركة لم يرد عليها،فلو أخذ الوصي أجرتها من التركة ثم تلفت عنده وجب أخذها مرة ثانية من التركة و إن كان بعد التقسيم.نعم اذا كان الوصي ضامنا له،

تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۹ 33)


اقتسمت على الورثة استرجع منهم،و إن شك في كون التلف عن تقصير أو لا فالظاهر عدم الضمان أيضا(1)،و كذا الحال إن استأجر و مات الأجير و لم يكن له تركة أو لم يمكن الأخذ من ورثته.

[مسألة 15:إذا أوصى بما عنده من المال للحج ندبا و لم يعلم أنه يخرج من الثلث أو لا]

[3183]مسألة 15:إذا أوصى بما عنده من المال للحج ندبا و لم يعلم أنه يخرج من الثلث أو لا(2)لم يجز صرف جميعه،نعم لو ادعى أن عند
كما اذا كان التلف بتقصير منه،فعندئذ وجب عليه أن يستأجر من ماله عوضا عن التالف،و أما اذا لم يكن للوصي مال،أو كان ممتنعا عن الأداء،فيجب على الورثة اخراج الحجة من التركة ثانيا،لأن التلف وارد عليهم لا على الميت،و يكون الوصي ضامنا لهم،باعتبار أن الكلي غير قابل للتلف،و من هنا اذا علم الورثة أن الأجير أكل الأجرة و لم يأت بالحج وجب عليهم الحج من التركة مرة أخرى، و هذا بخلاف الثلث،فان نسبته الى التركة نسبة الاشاعة لا الكلي في المعين،فاذا ورد النقص على التركة عينا أو قيمة ورد عليه أيضا بالنسبة.

هذا ينافي ما ذكره قدّس سرّه في المسألة السابقة من التردد فيه،مع أنه لا فرق بين المسألتين من هذه الجهة،هذا و الصحيح هو ما ذكره قدّس سرّه في هذه المسألة من عدم الضمان-كما مر-.

هذا اذا أوصى بمال معين عنده،و شك في أنه بمقدار ثلث أمواله أو أزيد،فهل يمكن الحكم بصحة هذه الوصية أو لا؟فيه وجهان:قد يقال بالأول بمقتضى أصالة الصحة.و لكن قد مر أن جريانها منوط بتوفر أركانها المقومة لها في المرتبة السابقة،منها:أهلية الفاعل،و حيث أنها في المقام غير محرزة للشك في ولاية الموصي على هذه الوصية،فانها إن كانت بالثلث فله الولاية عليها،و إن كانت بالأزيد فلا ولاية له.

فالنتيجة:أن ولاية الموصي على هذه الوصية غير محرزة،فاذن لا مجال لجريان هذه الأصالة،لما مر من أنها انما تجري اذا كانت اركانها محرزة في

تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۹ 34)


الورثة ضعف هذا أو أنه أوصى سابقا بذلك و الورثة أجازوا وصيته ففي سماع دعواه و عدمه وجهان(1).

[مسألة 16:من المعلوم أن الطواف مستحب مستقلا من غير أن يكون في ضمن الحج]

[3184]مسألة 16:من المعلوم أن الطواف مستحب مستقلا من غير أن يكون في ضمن الحج،و يجوز النيابة فيه عن الميت،و كذا عن الحي إذا كان غائبا عن مكة أو حاضرا و كان معذورا في الطواف بنفسه(2)،و أما مع كونه حاضرا و غير معذور فلا تصح النيابة عنه،و أما سائر أفعال الحج فاستحبابها مستقلا غير معلوم حتى مثل السعي بين الصفا و المروة.

المرتبة السابقة،و الشك انما يكون في وجدان الفعل لسائر واجباته من الأجزاء و الشروط غير المقومة.

الأظهر السماع في الأول و عدمه في الثاني،و النكتة في ذلك أن الأول داخل في كبرى اخبار ذي اليد،و هي حجة بالسيرة العقلائية بملاك الأخبرية،و الثاني غير داخل في تلك الكبرى،لأن اخباره عن اجازة الورثة ليس اخبارا عما في يده لكي يكون داخلا فيها،الا اذا كان هناك ملاك اخر للقبول كالوثاقة.

لا شبهة في استحباب الطواف في نفسه و مستقلا،و تنص على ذلك مجموعة من الروايات و ما فيها من التأكيد على استحبابها و ما يترتب عليها من الأجر و الثواب.

منها:موثقة اسحاق بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام«قال:كان أبي يقول:من طاف بهذا البيت أسبوعا و صلى ركعتين في أي جوانب المسجد شاء،كتب اللّه له ستة آلاف حسنة،و محا عنه ستة آلاف سيئة،و دفع له ستة آلاف درجة، و قضى له ستة آلاف حاجة،فما عجل اللّه منها فبرحمة اللّه،و ما أخر منها فشوقا

تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۹ 35)


……….

الى دعائه» 1.

و منها:صحيحة معاوية بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام:«قال:يستحب أن يطوف ثلاثمائة و ستين أسبوعا على عدد أيام السنة،فان لم يستطع فثلاثمائة و ستين شوطا،فان لم يستطع فما قدرت عليه من الطواف» 2،و منها غيرهما، هذا من ناحية.

و من ناحية أخرى:انه لا اشكال في مشروعية النيابة فيه عن الأحياء و الأموات و الغائب و الحاضر في مكة،و تدل عليها صحيحة معاوية بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام في حديث قال:«قلت له:فأطوف عن الرجل و المرأة و هما بالكوفة،فقال:نعم،يقول حين يفتتح الطواف:اللهمّ تقبل من فلان للذي يطوف عنه» 3بتقريب أن موردها و إن كان الحي و الغائب،الاّ ان العرف بمناسبات الحكم و الموضوع الارتكازية لا يرى خصوصية لهما و لا موضوعية،فاذا جازت النيابة عنهما جازت عن الميت و الحاضر أيضا.

و أظهر منها صحيحته الأخرى عن ابي عبد اللّه عليه السّلام:«قال:اذا أردت أن تطوف بالبيت عن أحد من إخوانك فأت الحجر الأسود و قل:بسم اللّه،اللهمّ تقبل من فلان» 4فإنها باطلاقها تعم الأحياء و الأموات من اخوانه المؤمنين و الحاضر و الغائب منهم.نعم يعتبر في صحة النيابة عن الحاضر في مكة أن لا يكون متمكنا من الطواف مباشرة،و الاّ فلا تجوز النيابة عنه،و تدل على ذلك صحيحة اسماعيل ابن عبد الخالق قال:«كنت الى جنب ابي عبد اللّه عليه السّلام و عنده ابنه عبد اللّه أو ابنه الذي يليه،فقال له رجل:اصلحك اللّه،يطوف الرجل عن الرجل و هو مقيم بمكة ليس به علة،فقال:لا،لو كان ذلك يجوز لأمرت ابني


 

1) <page number=”35″ />الوسائل باب:4 من أبواب الطواف الحديث:6.
2) الوسائل باب:7 من أبواب الطواف الحديث:1.
3) الوسائل باب:18 من أبواب النيابة في الحج الحديث:1.
4) الوسائل باب:51 من أبواب الطواف الحديث:4.

 

تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۹ 36)


[مسألة 17:لو كان عند شخص وديعة و مات صاحبها و كان عليه حجة الإسلام و علم أو ظن أن الورثة لا يؤدون عنه إن ردها إليهم جاز]

[3185]مسألة 17:لو كان عند شخص وديعة و مات صاحبها و كان عليه حجة الإسلام و علم أو ظن أن الورثة لا يؤدون عنه(1)إن ردها إليهم جاز بل وجب عليه أن يحج بها عنه،و إن زادت عن أجرة الحج رد الزيادة إليهم
فلانا فطاف عني-الحديث» 1.بتقريب أنها باطلاقها تعم النيابة عن الطواف في ضمن العمرة أو الحج و النيابة عن الطواف مستقلا.

و من ناحية ثالثة:إنه لا ريب في جواز النيابة فيه في ضمن العمرة أو الحج،و تنص عليه مجموعة من الروايات الواردة في المريض و المغمى عليه و المبطون و الكسير على تفصيل يأتي في محله.نعم اذا كان العذر حيضا أو نفاسا فالمعروف و المشهور بين الأصحاب انه اذا كان في عمرة التمتع و لا يسع الوقت للتأخير الى أن طهرت،عدم جواز الاستنابة فيه،فان وظيفتها اما العدول الى حج الافراد،أو تأخير الطواف الى ما بعد الانتهاء من أعمال منى،و لكن سيجيء في ضمن البحوث الآتية أن جواز الاستنابة لها فيه غير بعيد،و إن كان الأحوط و الأجدر بها وجوبا أن تجمع بين الاستنابة فيه و الاتيان بسائر اعمال العمرة بنفسها و مباشرة و بين قضاء الطواف بعد اعمال منى على ما يأتي تفصيله فيما بعد.و اما اذا كان العذر في طواف الحج فعليها الاستنابة فيه اذا لم تتمكن من المكث في مكة الى أن طهرت،و أما اذا كان في طواف النساء،فإن انتظرت القافلة الى أن طهرت فعليها الاتيان به مباشرة بعد طهرها،و إن لم تنتظر جاز لها تركه،و لا شيء عليها،و تنص على ذلك صحيحة ابي أيوب الخزاز 2،و لكن مع ذلك فالأحوط و الأجدر بها الاستنابة للإتيان به من قبلها،و تمام الكلام في كل ذلك في محله.

فيه تفصيل سوف نشير اليه عن قريب.


 

1) <page number=”36″ />الوسائل باب:51 من أبواب الطواف الحديث:1.
2) الوسائل باب:59 من أبواب الطوائف الحديث:1.

 

تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۹ 37)


لصحيحة بريد«عن رجل استودعني مالا فهلك و ليس لوارثه شيء و لم يحج حجة الإسلام قال عليه السّلام:حج عنه و ما فضل فأعطهم»و هي و إن كانت مطلقة إلا أن الأصحاب قيدوها بما إذا علم أو ظن بعدم تأديتهم(1)
لا أثر للظن فان حكمه حكم الشك و الاحتمال فلا يمكن الاعتماد عليه،هذا.

و الصحيح في المقام أن يقال:إنه لا اطلاق للصحيحة 1من هذه الناحية، لأن قوله عليه السّلام:«حج عنه»في مقابل انه لم يعط لوارثه ليأكله،أما انه يعطى ليحج عن الميت فهو غير ناظر الى هذه الجهة،و حينئذ فمقدار نفقة الحج و إن بقى في ملك الميت و لا ينتقل الى الورثة الاّ أنهم أولى بالتصرف فيه من غيرهم،و على هذا فمقتضى القاعدة عدم جواز تصرف الودعي في المال الموجود عنده،لأنه أجنبي عنه و لا ولاية له عليه،فاذن وظيفته إما ردّه اليهم أو يكون تصرفه فيه باذنهم،هذا بحسب مقتضى القاعدة.

و اما بحسب النص،فبما أنه يكون على خلاف القاعدة فلا بد من الاقتصار على القدر المتيقن منه بعد ما لم يكن له اطلاق كما مر،و القدر المتيقن منه هو صورة علم الودعي بأنه اذا رد المال اليهم فهم لا يقومون بصرفه في الحج عنه، فاذا علم بذلك لم يجز له الرد اليهم،بل عليه أن يصرفه في نفقة الحج عنه بدون حاجة الى الإذن من الحاكم الشرعي،باعتبار أنه مأذون فيه من قبل الشرع بالنص،بتقريب أن الظاهر منه عرفا أنه في مقام بيان جعل ولاية الحج للودعي دون الورثة،و اما اذا احتمل أنه اذا رد المال اليهم فهم يقومون بصرفه في الحج عنه،أو ظن بذلك بدون أن يكون واثقا بالصرف و لا بعدمه،ففي هذه الحالة كان يشك في ولايتهم عليه،كما كان يشك في ولاية الحاكم الشرعي عليه،و نتيجة


 

1) <page number=”37″ />الوسائل باب:13 من أبواب النيابة في الحج الحديث:1.

 

تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۹ 38)


لو دفعها إليهم،و مقتضى إطلاقها(1)عدم الحاجة إلى الاستئذان من
ذلك أن الودعي بما أنه يعلم اجمالا بأن تصرفه فيه غير جائز بدون إذن أحدهما في هذه الحالة،فيجب عليه أن يستأذن من كليهما معا،باعتبار أن الورثة إن كانوا في الواقع غير ممتنعين من القيام بالحج عنه،فالولاية لهم،و الاّ فللحاكم الشرعي،و من هنا يظهر أنه لا يجوز له رد المال اليهم في هذه الحالة،لاحتمال أن فيه تفويتا و تضييعا لحق الميت بعد امكان الحفاظ عليه و صرفه في الحج عنه،و أما اذا امتنع الورثة عن الإذن فيسقط اعتباره،هذا كله على القول بأن مقدار نفقة الحج باق في ملك الميت-كما هو الصحيح-و أما على القول بأنه ينتقل الى الورثة متعلقا لحق الميت،فهل يجب على الودعي رد المال اليهم،باعتبار أنه مصداق لرد المال الى مالكه؟فيه تفصيل،فان كان الودعي واثقا و متأكدا بأنه اذا ردّ المال اليهم فهم لا يقومون بصرفه في الحج عنه لم يجز،و عليه أن يقوم بالحج عنه بدون حاجة الى الاستئذان من الحاكم الشرعي تطبيقا لما مر.و أما اذا كان محتملا أو ظانا بأنه اذا ردّه اليهم فهم يقومون بالحج عنه فيجب عليه الرد،اذ مجرد احتمال أنهم لا يقومون به لا يصلح أن يكون مانعا عن رد المال الى صاحبه.

فيه اشكال بل منع،لأن النص بمدلوله اللفظي العرفي يدل على أن الشارع جعل ولاية التصرف في المال المودع للودعي في نفقات الحج عن الميت فان قوله عليه السّلام فيه:«حج عنه و ما فضل فاعطهم» 1يدل على ذلك،اذ لا معنى لأمر الودعي بالحج به و عدم اعطائه للورثة الاّ ما فضل،سوى ايكال أمر التصرف فيه في نفقة الحج اليه دون الورثة،و لا يكون في مقام بيان جواز الحج به تكليفا بدون النظر الى جوازه وضعا،بل نفس الأمر باعطاء الزائد للورثة قرينة على أن الإمام عليه السّلام جعل ولاية التصرف فيه في الحج عنه للودعي و اسقاط ولاية الورثة عنه.


 

1) <page number=”38″ />الوسائل باب:13 من أبواب النيابة في الحج ذيل الحديث:1.

 

تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۹ 39)


الحاكم الشرعي،و دعوى أن ذلك للإذن من الإمام عليه السّلام كما ترى لأن الظاهر من كلام الإمام عليه السّلام بيان الحكم الشرعي(1)،ففي مورد الصحيحة لا حاجة إلى الإذن من الحاكم(2)،و الظاهر عدم الاختصاص بما إذا لم يكن للورثة شيء(3)و كذا عدم الاختصاص بحج الودعي بنفسه لانفهام الأعم من ذلك منها.

و هل يلحق بحجة الإسلام غيرها(4)من أقسام الحج الواجب أو غير الحج من سائر ما يجب عليه مثل الخمس و الزكاة و المظالم و الكفارات
لا التكليفي فقط،بل الوضعي أيضا كما مر.

هذا لا من جهة اطلاق الصحيحة كما مر،بل من جهة أنها بنفسها تدل على ولاية الودعي على التصرف في الوديعة في نفقات الحج في المرتبة السابقة،و معها لا موضوع للإذن من الحاكم،فان المتوقف عليه انما هو جواز التصرف بها تكليفا لا وضعا،و المفروض أن الودعي يتصرف فيها بمقتضى ولايته عليها وضعا.

الظاهر ان الأمر كما افاده قدّس سرّه،و ذلك لأن في مورد النص و إن فرض عدم وجود شيء للورثة غير المال المودع،الاّ أن المتفاهم العرفي منه بمناسبة الحكم و الموضوع الارتكازية عدم جواز اعطاء الودعي المال المذكور لهم ليأكلوه و من الواضح أنه لا فرق في ذلك بين أن يكون للميت مال آخر غير هذا أو لا،فان ملاك عدم جواز الاعطاء شيء واحد و هو أنهم اذا أخذوه يأكلوه و لا يصرفونه في الحج عنه،و الحكم يدور مدار هذا الملاك وجودا و عدما بدون خصوصية لمورد دون آخر.

تقدم عدم الحاق سائر أقسام الحج من الواجب و المستحب بحجة الإسلام،فان تلك الأقسام جميعا-كما مر-تخرج من الثلث،و هذا بخلاف حجة الإسلام فانها تخرج من الأصل،و أما الكفارات فهي و إن كانت واجبة مالية

تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۹ 40)


……….

و لكن قد سبق أنه لا دليل على أن كل واجب مالي يخرج من الأصل.نعم تلحق الخمس و الزكاة و المظالم و الدين بحجة الإسلام في نقطة و هي أنها جميعا تخرج من الأصل،و تفترق عنها في نقطة أخرى و هي أن حجة الإسلام مورد للنص دون تلك الواجبات،فاذن يقع الكلام في هذه الواجبات حسب ما تقتضيه القاعدة تارة في الخمس و الزكاة و المظالم،و أخرى في دين الناس.

اما الكلام في الأول:فاذا كان الشخص مديونا بالخمس او الزكاة او المظالم ثم مات،و كان له مال مودع عند شخص فيقع في مسألتين:

الأولى:على القول بأن مقدار الدين يظل باقيا في ملك الميت و لا ينتقل الى الورثة.

الثانية:على القول بأن التركة جميعا تنتقل اليهم و لكن متعلقة لحق الغير.

اما في المسألة الأولى:فهل يجب على ذلك الشخص أن يرد الوديعة الى ورثته؟الظاهر الوجوب اذا كان الودعي واثقا و مطمئنا بأنهم يقومون بالوفاء بدينه باعتبار أنهم أولى به و بالقيام بواجباته،و لا يجوز لغيرهم أن يزاحمهم في ذلك ما دام هم يقومون بها،و لا يجوز له أن يدفعها الى الحاكم الشرعي،أو الى المستحقين من تلك الحقوق باذنه،لأن ولاية الحاكم الشرعي انما تثبت على الوديعة اذا كان الورثة ممتنعين عن القيام بواجبات الميت و الوفاء بدينه،و الاّ فلا ولاية له.نعم اذا كان الودعي مطمئنا بأنهم لا يقومون بالوفاء بدينه لم يجز دفعها اليهم،بل عليه أن يدفعها الى الحاكم الشرعي باعتبار ولايته على الفقراء المستحقين لها،أو يستأذن منه في دفعها اليهم مباشرة،و أما اذا لم يعلم بأنهم يقومون بالوفاء بدين الميت اذا دفعها اليهم،فهو بطبيعة الحال حينئذ يعلم اجمالا اما بوجوب دفعها اليهم أو الى الحاكم الشرعي،أو يستأذن منهما معا في صرفها في دين الميت،على أساس أنهم اذا قاموا بالوفاء به فالولاية لهم،و الاّ فلا بد من دفعها الى الحاكم الشرعي الذي هو ولي الفقراء على الممتنع،هذا بناء على انحصار التركة بالوديعة،و أما بناء على عدم الانحصار فيظهر حكمه من

تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۹ 41)


……….

بيان هذا الفرض في البحث الآتى.

و أما في المسألة الثانية،فالظاهر أنه يجب على الودعي أن يسلم الوديعة اليهم حتى اذا لم يعلم بامتناعهم عن القيام بالوفاء بدين الميت،اذ مجرد احتمال أنهم لا يقومون به لا يمنع عن رد الأمانة الى أهلها،نعم اذا امتنعوا بعد الرد عن عملية الأداء فللحاكم الشرعي اجبارهم على ذلك،أو أخذها منهم ولاية.و أما اذا علم أو اطمأن بأنه اذا سلم الوديعة اليهم فهم لا يقومون بالوفاء بدين الميت فلا يجوز التسليم،لأنه لا ولاية لهم عليها في هذه الصورة،و لا يحق لهم التصرف فيها،و تكون الولاية عليها حينئذ للحاكم الشرعي،و على هذا فوظيفة الودعي أن يسلمها اليه مباشرة،أو الى المستحقين لها كذلك بالاستئذان منه،و لا فرق في ذلك بين فرض انحصار التركة بها و عدم الانحصار،فان الورثة اذا كانوا ممتنعين عن القيام بأداء دين الميت لم يجز تصرفهم في التركة و إن كانت واسعة،فان تصرفهم فيها انما يجوز شريطة التزامهم بعملية أداء الدين و الاّ لم يجز،و نتيجة ذلك أن جواز تصرفهم في كل قسم من أقسام التركة مشروط بالتزامهم بصرف قسم منها في واجبات الميت،و الاّ لم يجز في شيء منها،بدون فرق بين القولين في المسألة.

و اما الكلام في الثاني:و هو ما اذا كان الميت مديونا بدين الناس،فعلى الودعي أن يسلم الوديعة الى ورثته حتى اذا لم يعلم أنهم يقومون بواجبات الميت و أداء دينه،و ذلك لأن ردّها الى الحاكم الشرعي غير جائز،باعتبار أنه لا ولاية له على الديان حتى يكون ردّها اليه ردا الى وليهم،و لا على المدين حتى في صورة امتناعه عن الوفاء بالدين ما لم ترفع القضية الى الحاكم الشرعي و اثبات امتناعه عن الوفاء به عنده أو علمه به و المطالبة بحقهم عنه،و بذلك يمتاز الدين العرفي عن الدين الشرعي كالخمس و الزكاة و المظالم،فان الحاكم الشرعي بما أنه ولي على الفقراء المستحقين لهذه الحقوق فله أن يأخذ تلك الحقوق من اصحابها مباشرة عند امتناعهم بدون المرافعة،باعتبار أن الحاكم

تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۹ 42)


……….

الشرعي بلحاظ ولايته على هؤلاء هو طرف القضية،و أما في باب الدين العرفي فيكون طرف القضية الديان لا الحاكم الشرعي،لعدم ولايته عليهم،و لا يحق له أن يأخذ حقهم من المدين مباشرة بدون مراجعتهم اليه و مطالبتهم عنه،لأنهم اصحاب الحق دون الحاكم لا أصالة و لا ولاية و لا من ولي المدين و هو الوارث في المقام الاّ اذا ثبت عنده امتناعه عن القيام بواجباته،فعندئذ سقطت ولايته، و يصل الدور اليه باعتبار أنه ولي من لا ولي له،و اما اذا علم الودعي او اطمأن بأنه اذا سلم الوديعة اليهم فهم لا يقومون بالوفاء بدين الميت،ففي هذه الحالة تكون وظيفته الرجوع الى الحاكم الشرعي،باعتبار أن ما عنده من الوديعة ملك للميت، و لا ولاية للورثة عليها بسبب امتناعهم عن صرفها في موردها،فاذن بطبيعة الحال تكون الولاية عليها للحاكم الشرعي،باعتبار أنه وليّ من لا ولي له.هذا على القول بأن مقدار الدين لا ينتقل الى الورثة و يظل باقيا في ملك الميت.

و اما على القول بانتقال تمام التركة الى الورثة،فيجب على الودعي ردّ الوديعة اليهم من باب وجوب ردّ الأمانة الى أهلها و إن لم يعلم بأنهم يقومون بواجبات الميت،و هذا واضح،و انما الكلام فيما اذا علم الودعي بأنهم لا يصرفونها فيها اذا ردها اليهم،فعندئذ هل يجوز الرد اليهم؟الظاهر عدم الجواز، فان الوديعة و إن كانت ملكا لهم،الاّ أنها لما كانت متعلقة لحق الميت فهم محجورون من التصرف فيها في غير تأدية حقه الثابت في ذمته هو دين الناس، فاذا لم يقوموا بذلك كانوا ممنوعين من التصرف فيها نهائيا،فاذن لا ولاية لهم عليها،و مجرد الملك لا قيمة له،و لا يجوز للودعي أن يدفعها الى الديان مباشرة لا وكالة و لا ولاية،كما أنه لا يجوز للديان أن يأخذونها من الودعي مباشرة، باعتبار أنها ليست ملكا لهم،فان ملكهم انما هو في ذمة الميت،و لا ولاية لهم في تطبيق ملكهم عليها،فاذن بطبيعة الحال يكون أمرها بيد الحاكم الشرعي حسبة و ولاية بلحاظ انه ولي من لا ولي له،هذا بلا فرق بين انحصار التركة بالوديعة و عدم انحصارها بها تطبيقا لما تقدم.

تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۹ 43)


……….

بقى هنا فرعان:الفرع الأول:قد تسأل ان التركة اذا لم تكن منحصرة بالوديعة فعلى الودعي ردها الى الورثة مطلقا باعتبار أنها لا تكون ملكا للميت، فان ملكه انما هو الكلي دون مصاديقه؟

و الجواب:إنه لا يجوز له ذلك اذا علم بأنهم لا يقومون بواجبات الميت، فانه حينئذ لا ولاية لهم عليه،فاذا لم تكن لهم ولاية لم يجز رد الوديعة اليهم، لأنه من مصاديق رد الأمانة الى غير أهلها،و فيه تضييع لحق الميت،و حينئذ فيصل الدور الى الحاكم الشرعي باعتبار أنه ولي من لا ولي له،و على الودعي أن يسلمها اليه بدون فرق في ذلك بين القول بان مقدار الدين يظل باقيا في ملك الميت،و القول بانتقاله الى الورثة متعلقا لحقه،و يظهر وجهه ذلك مما مر آنفا.

الفرع الثاني:قد تسأل أن الورثة اذا كانوا منكرين للدين،و كان انكارهم عن عذر،فهل يجب على الودعي أن يسلم الوديعة اليهم،أو لا؟

الجواب:إنه لا يجب عليه ذلك بل لا يجوز،لأن فيه تضييعا لحق الميت و الديان في الواقع و إن كان الورثة معذورين فيه،الاّ أن عذرهم انما هو بالنسبة الى أنفسهم،أما الودعي فهو لا يكون معذورا في تسليم الوديعة اليهم،لأنه يعلم أن فيه تفويتا لحق الميت في الواقع،و معه كيف يجوز اقدامه على ذلك و تسليم الوديعة اليهم،فمن أجل ذلك تكون وظيفته تسليمها الى الحاكم الشرعي باعتبار ولايته على الميت حسبة.

و نذكر فيما يلى عدة نقاط:

الأولى:ان الودعي يقوم بصرف الوديعة في نفقات حجة الإسلام مباشرة او استنابة اذا كانت ذمة الميت مشغولة بها على أساس النص،و بذلك تمتاز مسألة الحج عن سائر الديون المالية التي تخرج من الأصل كالخمس و الزكاة و المظالم و دين الناس،فانه لا نص فيها.

الثانية:إن النص بما أنه لا اطلاق له فالقدر المتيقن منه صورة علم الودعي بامتناع الورثة عن القيام بواجبات الميت،فانه في هذه الصورة يتصرف في

تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۹ 44)


……….

الوديعة في نفقات الحج بدون الاستئذان من الحاكم الشرعي أو ردها اليه، لظهور النص في أن له ولاية التصرف فيها في مورده و هو الحج،و به تمتاز هذه المسألة عن تلك المسائل،فان وظيفة الودعي في تلك المسائل أن يرد الوديعة في هذه الصورة الى الحاكم الشرعي،أو يستأذن منه في التصرف فيها في الحج.

الثالثة:أن على الودعي في صورة عدم العلم بقيام الورثة بواجبات الميت الاحتياط بالجمع بين الإذن من الحاكم الشرعي و الإذن من الورثة في مسألة الحج و الخمس و الزكاة و المظالم،باعتبار أن الحاكم الشرعي هو طرف القضية في هذه المسائل،و بذلك تمتاز تلك المسائل عن مسألة دين الناس،فان على الودعي في تلك المسألة رد الوديعة الى الورثة،باعتبار أن الحاكم الشرعي فيها ليس طرفا في القضية،فان طرفها هو الدائن،و ما لم ترفع الدعوى اليه و لم يثبت عنده امتناع الورثة عن القيام بواجبات الميت لم تثبت ولايته عليها.

الرابعة:أن على الودعي أن يرد الوديعة الى الورثة في صورة علمه بقيامهم بواجبات الميت،بدون فرق في ذلك بين تلك المسائل جميعا.

الخامسة:أنه على القول بأن التركة جميعا تنتقل الى الورثة،غاية الأمر متعلقة لحق الميت،فانه حينئذ يجب على الودعي أن يرد الوديعة الى الورثة حتى في صورة عدم علمه بقيامهم بواجبات الميت،باعتبار أن مجرد احتمال ذلك لا يمنع عن رد الأمانة الى أهلها،و بذلك يمتاز هذا القول عن القول بعدم انتقال مقدار الدين الى الورثة في مسائل الحج و الخمس و الزكاة و المظالم،و لا فرق بين القولين في مسألة دين الناس كما مر.

السادسة:اذا لم تكن التركة منحصرة بالوديعة فعلى الودعي أن يردها الى الورثة في صورة عدم العلم بقيامهم بواجبات الميت و اما في صورة العلم بعدم قيامهم بها فلا يجوز كما مر،بدون فرق في ذلك بين القولين في المسألة،كما تقدم.

تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۹ 45)


و الدين أو لا؟و كذا هل يلحق بالوديعة غيرها(1)مثل العارية و العين المستأجرة و المغصوبة و الدين في ذمته أو لا؟وجهان،قد يقال بالثاني لأن الحكم على خلاف القاعدة إذا قلنا أن التركة مع الدين تنتقل إلى الوارث و إن كانوا مكلفين بأداء الدين و محجورين عن التصرف قبله،بل و كذا على القول ببقائها معه على حكم مال الميت لأن أمر الوفاء إليهم فلعلهم أرادوا الوفاء من غير هذا المال أو أرادوا أن يباشروا العمل الذي على الميت بأنفسهم،و الأقوى مع العلم بأن الورثة لا يؤدون بل مع الظن القوي أيضا(2)جواز الصرف فيما عليه،لا لما ذكر في المستند:من أن وفاء ما على الميت من الدين أو نحوه واجب كفائي على كل من قدر على ذلك و أولوية الورثة بالتركة إنما هي ما دامت موجودة و أما إذا بادر أحد إلى صرف المال فيما عليه لا يبقى مال حتى تكون الورثة أولى به،إذ هذه الدعوى فاسدة جدا،بل لإمكان فهم المثال من الصحيحة،أو دعوى
الظاهر هو الالحاق،فان مورد الصحيحة و إن كان الوديعة،الاّ أن العرف لا يفهم من السؤال عنها خصوصية،بل يفهم من جواب الإمام عليه السّلام أن المعيار انما هو بوجود مال عند شخص للميت و هو لم يحج حجة الإسلام، فانه مأمور بصرف ذلك المال في نفقات الحج،و عدم اعطائه للوارث على تفصيل تقدم آنفا.كما أنه لا يفهم العرف خصوصية لفرض السائل عدم وجود مال عند الوارث،فان العبرة في ذلك انما هي باطمئنان الودعي بعدم قيام الوارث بواجبات الميت،سواء أ كان عنده مال اخر من الميت أم لا.

نعم هنا فرق بين الفرضين في صورة عدم علم الودعي بقيام الوارث بواجبات الميت.

فيه انه لا دليل على حجية مطلق الظن و إن كان قويا.

تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۹ 46)


تنقيح المناط(1)،أو أن المال إذا كان بحكم مال الميت(2)فيجب صرفه عليه(3)و لا يجوز دفعه إلى من لا يصرفه عليه،بل و كذا على القول بالانتقال إلى الورثة حيث إنه يجب صرفه في دينه فمن باب الحسبة(4)
فيه ان الدعوى باطلة،و لا طريق لنا الى ملاكات الأحكام الشرعية، فالعمدة ما مر من أن العرف يفهم من الرواية العموم و عدم خصوصية لموردها.

هذا هو الظاهر شريطة أن تكون التركة منحصرة في المال المذكور، و أما اذا لم تكن منحصرة فيه بأن يكون له مال آخر عند الورثة يفي بنفقات الحج أو سائر الديون،فلا يتعين في الصرف،باعتبار أن الباقي في ملك الميت حينئذ هو الكلي في المعين دون الشخص،و عليه فالواجب هو صرف الجامع بينه و بين مال آخر يعني أحدهما،و قد مر الفرق بين القولين في المسألة آنفا.

مر أن على الودعي الاستئذان من الحاكم الشرعي اذا صرفه في الديون الشرعية أو العرفية دون الحج.

فيه اشكال بل منع،فان الوارث اذا امتنع عن تأدية حق الميت و دينه عامدا و ملتفتا الى الحكم الشرعي لا يجب على غيره أن يؤدي دينه من باب الحسبة،بدون فرق فيه بين من بيده المال و غيره،لعدم الدليل على ذلك.نعم يجوز للحاكم الشرعي اجباره على ذلك اذا كان الدين شرعيا كالخمس أو الزكاة او المظالم،باعتبار أنه ولي الفقراء،فله أن يطالب من الوارث حقهم،كما أن له أن يأمر الودعي بصرف الوديعة على المستحقين لتلك الحقوق ولاية،و أما اذا كان الدين عرفيا،فبما أنه لا ولاية له على الديان فلا يحق له اجبار الوارث على أداء دين الميت من التركة ولاية.نعم اذا رفعت الدعوى اليه من قبلهم،و ثبت عنده امتناع الوارث عن ذلك،فله اجباره عليه،باعتبار أن ولاية الوارث على الميت قد سقطت بامتناعه عن القيام بواجباته،فحينئذ تكون الولاية عليه للحاكم الشرعي من باب أنه وليّ من لا وليّ له،و أما اذا امتنع الوارث عن تأدية حقه عن

تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۹ 47)


يجب على من عنده صرفه عليه و يضمن لو دفعه إلى الوارث(1)لتفويته على الميت.نعم يجب الاستئذان من الحاكم لأنه ولي من لا ولي له، و يكفي الإذن الإجمالي فلا يحتاج إلى إثبات وجوب ذلك الواجب عليه كما قد يتخيل،نعم لو لم يعلم و لم يظن عدم تأدية الوارث(2)يجب الدفع إليه،بل لو كان الوارث منكرا أو ممتنعا و أمكن إثبات ذلك عند الحاكم أو
عذر،على أساس اعتقاده بعدم الدين على الميت،فليس للحاكم الشرعي اجباره،لعدم ولاية له عليه في هذه الحالة،لأن ولايته انما هي ثابتة على الممتنع من باب الحسبة،و المفروض أنه ليس بممتنع،هذا واضح،و انما الكلام في أنه هل يسوغ للودعي ردّ الوديعة الى الوارث المعذور في اعتقاده بعدم الدين على الميت؟الظاهر عدم جوازه،لأنه يعلم بأن فيه تفويتا لحق الميت،فمن أجل ذلك تكون وظيفته ردها الى الحاكم الشرعي،و حينئذ فان علم الحاكم بأن الميت مدين فله أن يسلمها الى ديّانه ولاية من باب أنه ولي من لا ولي له، و إن لم يعلم فان اثبت الديان أنه مديون لهم شرعا فهو،و الاّ فعلى الحاكم الشرعي أن يردها الى ورثته،بدون فرق في ذلك بين القولين في المسألة،و هما القول ببقاء مقدار الدين في ملك الميت،و القول بانتقال كل التركة الى الورثة متعلقة لحقه،و هذا بخلاف ما اذا كانت التركة عند الوارث المعتقد بعدم الدين على الميت،فانه ليس للحاكم الشرعي اجباره على تأديته و إن علم بأن الميت مديون،لعدم ولايته عليه ما لم يطلب الديان من الحاكم الشرعي التدخل و أخذ حقهم منه.

لا وجه للضمان اذا لم يكن المال مال الميت كما هو المفروض.

لا أثر للظن لا بعدم التأدية و لا بها،و لا وجه لإلحاقه بالعلم او الاطمئنان،لعدم الدليل على حجية مطلق الظن على الفرض،بل حكمه حكم الشك.

تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۹ 48)


أمكن إجباره عليه لم يجز لمن عنده أن يصرفه بنفسه(1).

[مسألة 18:يجوز للنائب بعد الفراغ عن الأعمال للمنوب عنه أن يطوف عن نفسه و عن غيره]

[3186]مسألة 18:يجوز للنائب بعد الفراغ عن الأعمال للمنوب عنه أن يطوف عن نفسه و عن غيره،و كذا يجوز له أن يأتي بالعمرة المفردة عن نفسه و عن غيره.

في اطلاقه اشكال بل منع،لأن الوارث اذا كان ممتنعا لا عن عذر بل عامدا و عالما بالحكم الشرعي سقطت ولايته،سواء أمكن اثباته عند الحاكم الشرعي او اجباره عليه أم لا،و حينئذ فان كانت ذمة الميت مشغولة بحجة الإسلام وجب على الودعي صرف الوديعة في نفقاتها،بدون حاجة الى الاستئذان من الحاكم الشرعي،و إن كانت مشغولة بغيرها كالزكاة أو الخمس أو مال الناس فعليه الاستئذان منه في صرفها في الوفاء بدينه،بدون فرق بين القولين في المسألة كما مر.

و أما اذا كان امتناعه عن عذر،فقد تقدم الكلام فيه آنفا.

و دعوى:أنه على القول بأن مقدار الدين يظل باقيا في ملك الميت،تكون للحاكم الشرعي ولاية عليه من باب أنه ولي من لا ولي له في صورة امتناع الوارث عن القيام بواجباته و إن كان امتناعه عن عذر،و أما على القول بأن تمام التركة ينتقل اليه،غاية الأمر متعلقة لحقه فلا ولاية له باعتبار أن الوديعة حينئذ ملك للوارث دون الميت.

مدفوعة:بما تقدم من أن دين الميت إن كان شرعيا كالخمس او الزكاة فللحاكم الشرعي ولاية عليه،باعتبار أنه ولي الفقراء المستحقين له،و من هنا يكون طرف القضية مباشرة،و إن كان دينا عرفيا فلا ولاية له الاّ اذا طلب الديان منه التدخل في القضية،و اثبت له أن الميت مدين لهم،و لا فرق في ذلك بين القولين في المقام كما مر.

تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۹ 49)


[مسألة 19:يجوز لمن أعطاه رجل مالا لاستئجار الحج أن يحج بنفسه ما لم يعلم أنه أراد الاستئجار من الغير]

[3187]مسألة 19:يجوز لمن أعطاه رجل مالا لاستئجار الحج أن يحج بنفسه ما لم يعلم أنه أراد الاستئجار من الغير،و الأحوط عدم مباشرته(1) إلا مع العلم بأن مراد المعطي حصول الحج في الخارج،و إذا عين شخصا تعين إلا إذا علم عدم أهليته و أن المعطي مشتبه في تعيينه(2)أو أن ذكره من باب أحد الأفراد.

بل الاقوى ذلك اذا شك في أن المعطي هل أراد استئجار غيره خاصة أو الأعم؟و معه لا يعلم بصحة استئجار نفسه عنه،لعدم احراز أنه مأذون فيه، فبالنتيجة أنه لم يحرز جواز التصرف فيما أعطاه في الحج عنه مباشرة،و من المعلوم أن التصرف في مال الغير منوط باحراز طيب نفسه و رضاه،الا اذا كانت هناك قرينة على أن مقصوده فراغ ذمته من الحج بدون خصوصية لفرد دون آخر.

هذا اذا علم بأنه أراد به استئجار من هو أهل لذلك،و لكنه أخطأ في التطبيق و عين من ليس اهلا لذلك،فانه حينئذ لا يجوز لمن اعطاه المال أن يستأجره،بل عليه أن يستأجر من يكون أهلا،الاّ اذا كان تعيينه لخصوصية فيه غافلا عن أنه غير قادر على ممارسة اعمال الحج،فعندئذ تبطل وكالته،و لا يحق له أن يستأجر شخصا آخر للحج عنه.

تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۹ 50)


[فصل في الحج المندوب]

فصل في الحج المندوب

[مسألة 1:يستحب لفاقد الشرائط من البلوغ و الاستطاعة و غيرهما أن يحج مهما أمكن]

[3188]مسألة 1:يستحب لفاقد الشرائط من البلوغ و الاستطاعة و غيرهما أن يحج مهما أمكن،بل و كذا من أتى بوظيفته من الحج الواجب، و يستحب تكرار الحج بل يستحب تكراره في كل سنة،بل يكره تركه خمس سنين متوالية،و في بعض الأخبار:«من حج ثلاث حجات لم يصبه فقر أبدا».

[مسألة 2:يستحب نية العود إلى الحج عند الخروج من مكة]

[3189]مسألة 2:يستحب نية العود إلى الحج عند الخروج من مكة،و في الخبر أنها توجب الزيادة في العمر،و يكره نية عدم العود،و فيه أنها توجب النقص في العمر.

[مسألة 3:يستحب التبرع بالحج عن الأقارب و غيرهم أحياء و أمواتا]

[3190]مسألة 3:يستحب التبرع بالحج عن الأقارب و غيرهم أحياء و أمواتا،و كذا عن المعصومين عليهم السّلام أحياء و أمواتا،و كذا يستحب الطواف عن الغير و عن المعصومين عليهم السّلام أمواتا و أحياء مع عدم حضورهم في مكة أو كونهم معذورين.

[مسألة 4:يستحب لمن ليس له زاد و راحلة أن يستقرض و يحج إذا كان واثقا بالوفاء بعد ذلك]

[3191]مسألة 4:يستحب لمن ليس له زاد و راحلة أن يستقرض و يحج إذا كان واثقا بالوفاء بعد ذلك.

[مسألة 5:يستحب إحجاج من لا استطاعة له]

[3192]مسألة 5:يستحب إحجاج من لا استطاعة له.

[مسألة 6:يجوز إعطاء الزكاة لمن لا يستطيع الحج ليحج بها]

[3193]مسألة 6:يجوز إعطاء الزكاة لمن لا يستطيع الحج ليحج بها.

[مسألة 7:الحج أفضل من الصدقة بنفقته]

[3194]مسألة 7:الحج أفضل من الصدقة بنفقته.

تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۹ 51)


[مسألة 8:يستحب كثرة الإنفاق في الحج]

[3195]مسألة 8:يستحب كثرة الإنفاق في الحج،و في بعض الأخبار:

«إن اللّه يبغض الإسراف إلا بالحج و العمرة».

[مسألة 9:يجوز الحج بالمال المشتبه كجوائز الظلمة مع عدم العلم بحرمتها]

[3196]مسألة 9:يجوز الحج بالمال المشتبه كجوائز الظلمة مع عدم العلم بحرمتها.

[مسألة 10:لا يجوز الحج بالمال الحرام]

[3197]مسألة 10:لا يجوز الحج بالمال الحرام لكن لا يبطل الحج إذا كان لباس إحرامه و طوافه(1)و ثمن هديه من حلال(2).

بل لا يبطل الحج و إن كان ذلك من حرام،أما لباس الإحرام فلأن لبسه واجب مستقل في حال الإحرام،و ليس من اجزائه،و اذا كان مغصوبا فقد ترك ذلك الواجب،و أما احرامه المتقوم بالتلبية فهو صحيح.و أما الطواف فانه و إن كان مشروطا بالستر،الاّ أن الستر اذا كان مغصوبا فهو لا يبطل الطواف،باعتبار أن الحرام و هو التصرف في الستر المغصوب لا يكون مصداقا للواجب،لأن الواجب هو الطواف المتقيد بالستر،فالتقيد داخل فيه و القيد خارج،و التقيد أمر معنوي لا واقع موضوعي له في الخارج،و المقيد و القيد و إن كانا موجودين فيه، الاّ أنهما غير متحدين،فلا يكون الحرام مصداقا للواجب لكي لا يمكن الحكم بالصحة،و من هنا قلنا بصحة الصلاة في الساتر المغصوب عامدا و ملتفتا الى الحكم الشرعي،غاية الأمر انه ارتكب محرما في اثناء الصلاة فيكون آثما و مستحقا للإدانة و العقوبة من دون أن يكون الحرام متحدا مع الواجب.

في اطلاقه اشكال بل منع،فان الحج إنما يبطل اذا اشترى الهدي بشخص الثمن الحرام،بأن يكون الشراء شخصيا،فعندئذ بما أنه لا يملك الهدي فيكون تاركا له،فيؤدي الى بطلان حجه،و اما اذا اشترى في الذمة فيكون مالكا للهدي،غاية الأمر أن ذمته تبقى مشغولة بثمنه،و عندئذ فلا موجب لبطلان الحج.

تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۹ 52)


[مسألة 11:يشترط في الحج الندبي إذن الزوج و المولى]

[3198]مسألة 11:يشترط في الحج الندبي إذن الزوج و المولى بل الأبوين في بعض الصور،و يشترط أيضا أن لا يكون عليه حج واجب مضيق،لكن لو عصى و حج صح.

[مسألة 12:يجوز إهداء ثواب الحج إلى الغير بعد الفراغ عنه]

[3199]مسألة 12:يجوز إهداء ثواب الحج إلى الغير بعد الفراغ عنه،كما يجوز أن يكون ذلك من نيته قبل الشروع فيه.

[مسألة 13:يستحب لمن لا مال له يحج به أن يأتي به و لو بإجارة نفسه عن غيره]

[3200]مسألة 13:يستحب لمن لا مال له يحج به أن يأتي به و لو بإجارة نفسه عن غيره،و في بعض الأخبار:إن للأجير من الثواب تسعا و للمنوب عنه واحد.

تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۹ 53)


[فصل في أقسام العمرة]

فصل في أقسام العمرة

[مسألة 1:تنقسم العمرة كالحج إلى واجب أصلي و عرضي و مندوب]

[3201]مسألة 1:تنقسم العمرة كالحج إلى واجب أصلي و عرضي و مندوب.

فتجب بأصل الشرع على كل مكلف بالشرائط المعتبرة في الحج في العمر مرة،بالكتاب و السنة و الإجماع،ففي صحيحة زرارة:العمرة واجبة على الخلق بمنزلة الحج فإن اللّه تعالى يقول: وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّٰهِ [البقرة 2:196]،و في صحيحة الفضيل في قول اللّه تعالى: وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ قال عليه السّلام:«هما مفروضان».

و وجوبها بعد تحقق الشرائط فوري كالحج،و لا يشترط في وجوبها استطاعة الحج،بل تكفي استطاعتها في وجوبها و إن لم تتحقق استطاعة الحج،كما أن العكس كذلك فلو استطاع للحج دونها وجب دونها،و القول باعتبار الاستطاعتين في وجوب كل منهما و أنهما مرتبطان ضعيف،كالقول باستقلال الحج في الوجوب دون العمرة.

[مسألة 2:تجزئ العمرة المتمتع بها عن العمرة المفردة بالإجماع و الأخبار]

[3202]مسألة 2:تجزئ العمرة المتمتع بها عن العمرة المفردة بالإجماع و الأخبار،و هل تجب على من وظيفته حج التمتع إذا استطاع لها و لم يكن مستطيعا للحج؟المشهور عدمه،بل أرسله بعضهم إرسال

تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۹ 54)


المسلمات،و هو الأقوى(1)،و على هذا فلا تجب على الأجير بعد فراغه عن عمل النيابة و إن كان مستطيعا لها و هو في مكة،و كذا لا تجب على من تمكن منها و لم يتمكن من الحج لمانع،و لكن الأحوط الإتيان بها.

الأمر كما أفاده قدّس سرّه،فان الآية الشريفة و الروايات تنصان على أن العمرة واجبة على الناس كالحج.

منها:صحيحة الفضل أبي العباس عن ابي عبد اللّه عليه السّلام:«في قول اللّه:

وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّٰهِ قال:هما مفروضان» 1.

و منها:صحيحة معاوية بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام:«قال:العمرة واجبة على الخلق بمنزلة الحج على من استطاع،لأن اللّه عز و جل يقول: وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّٰهِ -الحديث-» 2.و منها غيرهما 3.و مقتضى اطلاقها عدم الفرق بين النائي و الحاضر.

و في مقابل ذلك طائفتان من الروايات:

احداهما:الروايات التي تنص على أن العمرة دخلت في الحج الى يوم القيامة.

منها:صحيحة الحلبي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«قال:دخلت العمرة في الحج الى يوم القيامة،لأن اللّه تعالى يقول: فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ،فليس لأحد الاّ أن يتمتع-الحديث-» 4و مثلها صحيحة معاوية بن عمار 5،و مقتضى اطلاق هذه الطائفة عدم الفرق بين النائي و غيره.

و الأخرى:الروايات التي تنص على أن المتعة انما كانت لمن لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام.


 

1) <page number=”54″ />الوسائل باب:1 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث:1.
2) الوسائل باب:1 من أبواب وجوب الحج و شرائطه الحديث: 5.
3) راجع الوسائل باب:1 من أبواب وجوب الحج و شرائطه.
4) الوسائل باب:3 من أبواب أقسام الحج الحديث:2.
5) الوسائل باب:3 من أبواب أقسام الحج الحديث:1.

 

تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۹ 55)


[مسألة 3:قد تجب العمرة بالنذر و الحلف و العهد و الشرط في ضمن العقد و الإجارة و الإفساد]

[3203]مسألة 3:قد تجب العمرة بالنذر و الحلف و العهد و الشرط في ضمن العقد و الإجارة و الإفساد،و تجب أيضا لدخول مكة بمعنى حرمته بدونها،فإنه لا يجوز دخولها إلا محرما إلا بالنسبة إلى من يتكرر دخوله و خروجه كالحطّاب و الحشّاش(1).

منها:صحيحة الفضلاء عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«قال:ليس لأهل مكة و لا لأهل مرو و لا لأهل سرف متعة،و ذلك لقول اللّه عز و جل: ذٰلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حٰاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ » 1.

و منها:صحيحة علي بن جعفر قال:«قلت لأخي موسى بن جعفر عليه السّلام:

لأهل مكة أن يتمتعوا بالعمرة إلى الحج،فقال:لا يصلح أن يتمتعوا لقول اللّه عزّ و جل: ذٰلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حٰاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ » 2.

و منها:صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام قال:«قلت لأبي جعفر عليه السّلام:قول اللّه عز و جل في كتابه: ذٰلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حٰاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ ، قال:يعني أهل مكة ليس عليهم متعة،كل من كان أهله دون ثمانية و أربعين ميلا ذات عرق و عسفان،كما يدور حول مكة فهو ممن دخل في هذه الآية،و كل من كان أهله وراء ذلك فعليهم المتعة» 3و منها غيرها 4.

و هذه الطائفة حاكمة على الطائفتين الاوليين،و تبين ان وظيفة من كان أهله حاضري المسجد الحرام هي الحج و العمرة المفردتان،و وظيفة من لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام التمتع بالعمرة الى الحج،و لا تجب عليه العمرة المفردة،و إن استطاع لها فحسب،و لا حج الإفراد.

بل كل من يتكرر دخوله مكة لجلب حاجات أهل البلد و متطلباته من الأطعمة و الألبسة و المواد الانشائية و البنائية و غيرها.و تدل على ذلك صحيحة رفاعة بن موسى في حديث:«قال:و قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:ان الحطابة و المجتلبة


 

1) <page number=”55″ />الوسائل باب:6 من أبواب أقسام الحج الحديث:1.
2) راجع الوسائل باب:6 من أبواب أقسام الحج.
3) الوسائل باب:6 من أبواب أقسام الحج الحديث:2.
4) الوسائل باب:6 من أبواب أقسام الحج الحديث:3.

 

تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۹ 56)


و ما عدا ما ذكر مندوب.

و يستحب تكرارها كالحج،و اختلفوا في مقدار الفصل بين العمرتين، فقيل:يعتبر شهر(1)،
أتوا النبي صلّى اللّه عليه و آله فسألوه،فاذن لهم أن يدخلوا حلالا» 1.

ثم إن الظاهر منها بمناسبة الحكم و الموضوع الارتكازية أنه لا موضوعية للحطابة و المجتلبة الاّ بلحاظ أن مهنتهما تتطلب ذلك،فاذن لا مانع من التعدي عن موردهما الى كل من تتطلب مهنته تكرر الدخول و الخروج فيها،كما اذا كان معلما أو مدرسا أو طالبا جامعيا أو طبيبا فيها يتطلب تكرر دخوله فيها و الخروج منها.نعم التعدي الى من لم يكن تكرر دخوله فيها مستندا الى مهنته،بل لغرض آخر،كما اذا كان له مريض فيها أو بستان يتطلب دخوله فيها متكررا،فهو لا يخلو عن اشكال بل منع،فان العرف لا يساعد على هذا التعدي،و لا يوجد دليل آخر عليه،و حينئذ فان تمكن من الاتيان بالعمرة في كل مرة فهو،و إن لم يتمكن و لو من جهة كونه حرجيا سقط ما هو حرجي.

هذا هو الصحيح،و تدل عليه روايات كثيرة تبلغ من الكثرة حد التواتر اجمالا.

منها:صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن ابي عبد اللّه عليه السّلام:«قال:في كتاب علي عليه السّلام في كل شهر عمرة» 2.

و منها:صحيحة يونس بن يعقوب قال:«سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام يقول:إن عليا عليه السّلام كان يقول:في كل شهر عمرة» 3.

و منها:صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:«كان علي عليه السّلام يقول:لكل شهر عمرة» 4.

و منها:موثقة اسحاق بن عمار قال:«قال ابو عبد اللّه عليه السّلام:السنة اثنا عشر


 

1) <page number=”56″ />الوسائل باب:51 من أبواب الاحرام الحديث:2.
2) الوسائل باب:6 من أبواب العمرة الحديث:1.
3) الوسائل باب:6 من أبواب العمرة الحديث:2.
4) الوسائل باب:6 من أبواب العمرة الحديث:4.

 

تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۹ 57)


……….

شهرا يعتمر لكل شهر عمرة» 1.

و منها:صحيحة علي بن جعفر عن أخيه عليه السّلام قال:«سألته عن العمرة متى هي؟قال:يعتمر فيما أحب من الشهور» 2.

و منها:الروايات التي تنص على أن أفضل العمرة عمرة رجب،و اذا أهل بالعمرة في رجب و أحل في غيره كانت عمرته لرجب،و في بعضها أنها أفضل من عمرة شهر رمضان.

و منها:الروايات التي تنص على أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله اعتمر ثلاث عمر كل ذلك توافق عمرته ذي القعدة.

فالنتيجة:إن هذه الروايات الكثيرة المتواترة اجمالا تنص بمختلف الألسنة على مشروعية العمرة في كل شهر.

و في مقابلها طائفتان من الروايات:

الأولى:الروايات التي تدل على مشروعية العمرة في كل عشرة أيام.

منها:رواية علي بن حمزة عن أبي الحسن موسى عليه السّلام:«قال:لكل شهر عمرة،قال:قلت له:يكون أقل من ذلك؟قال:لكل عشرة أيام عمرة» 3و مثلها روايته الأخرى. 4

و لكن هذه الطائفة ضعيفة من ناحية السند،و لا يمكن الاعتماد عليها.نعم مع الاغماض عن سندها تتقدم على الطائفة الأولى بالجمع الدلالي العرفي،و لا معارضة بينهما لكي يقال إنها لا تصلح أن تعارضها،على أساس أنها متواترة اجمالا،فتدخل هذه الطائفة في الأخبار المخالفة للسنة،و السبب في ذلك أن الطائفة الأولى تدل على عدم مشروعية العمرة في أقل من شهر بالاطلاق الناشئ من السكوت في مقام البيان،و قد ذكرنا في علم الأصول أن هذه الدلالة من أضعف مراتب الدلالات العرفية،و تتقدم عليها سائر المراتب،و بما أن هذه الطائفة ناصة في مشروعية العمرة في أقل من شهر،فهي بيان و رافع للإطلاق الناشئ من السكوت،و تتقدم عليه عرفا،و لا يصل الدور الى المعارضة بينهما


 

1) <page number=”57″ />الوسائل باب:6 من أبواب العمرة الحديث:8.
2) الوسائل باب:6 من أبواب العمرة الحديث:10.
3) الوسائل باب:6 من أبواب العمرة الحديث:9.
4) الوسائل باب:6 من أبواب العمرة الحديث:3.

 

تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۹ 58)


……….

تطبيقا للجمع الدلالي العرفي.

الثانية:الروايات التي تنص على أن العمرة في كل سنة مرة،و هي متمثلة في روايتين:

احداهما:صحيحة الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام:«قال:العمرة في كل سنة مرة» 1.

و الاخرى:صحيحة زرارة بن أعين عن ابي جعفر عليه السّلام:«قال:لا تكون عمرتان في سنة» 2.

و لكنهما لا تصلحان للمعارضة مع الطائفة الأولى،بل لا بد من تقديمها عليهما،اما صحيحة الحلبي فلأنها تدل على نفي مشروعية العمرة في أقل من سنة بالاطلاق الناشئ من السكوت في مقام البيان،و بما أن الطائفة الأولى تنص على أنها مشروعة في كل شهر،فهي حاكمة عليها و رافعة للسكوت،و أما صحيحة زرارة فهي و إن كانت ناصة في نفي مشروعية أكثر من عمرة واحدة في سنة،و تصلح أن تعارض تلك الطائفة من هذه الناحية،الاّ أنه لا بد من طرحها في مقابلها،باعتبار أنها داخلة في الأخبار المخالفة للكتاب و السنة.

فالنتيجة:إن الصحيح هو مشروعية العمرة في كل شهر فحسب لا أقل منه و لا أكثر.

ثم إن المراد بالشهر في هذه الروايات هو الشهر الهلالي،لأنه المتبادر منها عرفا،هذا إضافة الى وجود قرائن فيها تدل على أن المراد منه الشهر الهلالي دون ثلاثين يوما.

منها:قوله عليه السّلام في موثقة عمار:«السنة اثنا عشر شهرا يعتمر لكل شهر عمرة» 3.

و منها:ما ورد 4من التأكيد على عمرة رجب و أنها افضل من عمرة سائر الشهور،فانه يدل بوضوح على أن المراد من الشهر هو الشهر الهلالي دون


 

1) <page number=”58″ />الوسائل باب:6 من أبواب العمرة الحديث:6.
2) الوسائل باب:6 من أبواب العمرة الحديث:7.
3) الوسائل باب:6 من أبواب العمرة الحديث:8.
4) راجع الوسائل باب:3 من أبواب العمرة.

 

تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۹ 59)


و قيل عشرة أيام،و الأقوى عدم اعتبار فصل فيجوز إتيانها كل يوم(1)،و تفصيل المطلب موكول إلى محله.

ثلاثين يوما.

مر أن الاقوى هو اعتبار الفصل بين العمرتين بشهر و عدم ثبوت مشروعيتها في كل يوم،و لا يدل على مشروعيتها كذلك شيء من روايات الباب كما عرفت.

و دعوى:إن اختلاف الروايات انما هو من جهة اختلاف العمرة في مراتب الفضل،و هذا يعني أن العمرة في كل سنة أفضل من العمرة في كل شهر، و أنها في كل شهر أفضل منها في كل عشرة أيام،كما أنها في كل عشرة أيام أفضل منها في كل يوم،فالنتيجة ان الروايات انما هي في مقام بيان أن كلما امتدت فترة زمنية بين الاعتمارين كان الاتيان بالثاني آكد و أفضل،فاذا امتدت الى سنة كان التأكيد بالاتيان به أشد مما اذا امتدت الى شهر و هكذا،فاذن اختلاف الروايات في التحديد انما هو بلحاظ اختلاف مراتب الفضل و التأكيد عليه.

مدفوعة:بأن حمل الروايات على ذلك بحاجة الى قرينة تدل عليه،و الاّ فهي ظاهرة في أن التحديد فيها انما هو بلحاظ مشروعيتها لا بلحاظ مراتب فضلها،و من الواضح ان رفع اليد عن هذا الظهور بحاجة الى قرينة،و لا قرينة لا في نفس هذه الروايات و لا من الخارج،و مجرد اختلافها لا يصلح أن يكون قرينة على ذلك.

تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۹ 60)


[فصل في أقسام الحج]

فصل في أقسام الحج و هي ثلاثة بالإجماع و الأخبار:تمتع،و قران،و إفراد.

و الأول فرض من كان بعيدا عن مكة،و الآخران فرض من كان حاضرا أي غير بعيد.

و حدّ البعد الموجب للأول ثمانية و أربعون ميلا من كل جانب على المشهور الأقوى،لصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام:قلت له:قول اللّه عز و جل في كتابه: ذٰلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حٰاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ [البقرة 2:196]،فقال عليه السّلام:«يعني أهل مكة ليس عليهم متعة كل من كان أهله دون ثمانية و أربعين ميلا ذات عرق و عسفان كما يدور حول مكة فهو ممن دخل في هذه الآية،و كل من كان أهله وراء ذلك فعليه المتعة»،و خبره عنه عليه السّلام:سألته عن قول اللّه عز و جل: ذٰلِكَ الخ،قال:«لأهل مكة ليس لهم متعة و لا عليهم عمرة،قلت:فما حد ذلك؟قال:ثمانية و أربعون ميلا من جميع نواحي مكة دون عسفان و ذات عرق»و يستفاد أيضا من جملة من أخبار أخر.

و القول بأن حدّه اثنا عشر ميلا من كل جانب-كما عليه جماعة- ضعيف لا دليل عليه،إلا الأصل فإن مقتضى جملة من الأخبار وجوب التمتع على كل أحد و القدر المتيقن الخارج منها من كان دون الحد المذكور،و هو مقطوع بما مرّ،أو دعوى أن الحاضر مقابل للمسافر و السفر

تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۹ 61)


أربعة فراسخ،و هو كما ترى،أو دعوى أن الحاضر المعلق عليه وجوب غير التمتع أمر عرفي و العرف لا يساعد على أزيد من اثني عشر ميلا،و هذا أيضا كما ترى،كما أن دعوى أن المراد من ثمانية و أربعين التوزيع على الجهات الأربع فيكون من كل جهة اثنى عشر ميلا منافية لظاهر تلك الأخبار.

و أما صحيحة حريز الدالة على أن حدّ البعد ثمانية عشر ميلا فلا عامل بها(1)،

فيه أن طرح هذه الصحيحة و عدم العمل بها ليس من جهة عدم عمل الأصحاب بها،لما ذكرناه في علم الأصول من أن عدم عمل الأصحاب برواية معتبرة و اعراضهم عنها لا يوجب سقوطها عن الاعتبار لا نظريا و لا تطبيقيا.

اما الأول:فلأن الحجة انما هي رواية الثقة على أساس سيرة العقلاء الجارية على العمل بها،و من المعلوم ان اعراض الاصحاب و عدم عملهم بها لا يجعلها رواية غير ثقة حتى يوجب خروجها عن السيرة.

و اما الثاني:فلأن اعراضهم انما يكون كاشفا عن عدم صدورها عن المعصومين عليهم السّلام اذا توفر فيه أمران:

أحدهما:أن يكون هذا الإعراض من قدماء الاصحاب الذين يكون عصرهم متصلا بعصر أصحاب الأئمة عليهم السّلام و حملة الأحاديث.

و الآخر:أن لا يكون في المسألة ما يصلح أن يكون مدركا لإعراضهم عنها و منشأ له.

فاذا توفر فيه الأمران كان كاشفا عن عدم صدورها عن المعصومين عليهم السّلام و أنه وصل اليهم طبقة بعد طبقة و يدا بيد.

و لكن كلا الأمرين غير متوفر،اما الأمر الأول:فلأنه لا طريق لنا الى أنهم قد أعرضوا عنها،و مجرد أن فتاويهم المنقولة كانت على خلافها لا يدل على

تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۹ 62)


كما لا عامل بصحيحتي حماد بن عثمان و الحلبي(1)الدالتين على أن الحاضر من كان دون المواقيت إلى مكة.

الإعراض،لاحتمال أنها مستندة الى وجه آخر.

و أما الأمر الثاني:فلأن من المحتمل أن يكون منشأ عدم عملهم بها ترجيح صحيحة زرارة 1عليها،و مع هذا الاحتمال لا يكون كاشفا عن عدم صدور الرواية عنهم عليهم السّلام و أنه وصل اليهم يدا بيد،بل الوجه في رفع اليد عن هذه الصحيحة هو أن دلالتها على نفي الزائد على ثمانية عشر ميلا انما هي بالاطلاق الناشئ من السكوت في مقام البيان،و ذلك لأنها تدل على ثبوت هذا الحد بالنص،و على نفي الزائد بالاطلاق.

و بكلمة:إن لها مدلولين:

أحدهما:ايجابي،و هو دلالتها على تحديد البعد عن مكة بثمانية عشر ميلا و أن كل من كان منزله في امتداد شعاع هذا البعد فلا متعة له.

و الآخر:سلبي،و هو دلالتها على نفي اعتبار الزائد على هذا الحد.و الأول ناص بالوضع،و الثاني ظاهر بالاطلاق.و بما أن هذه الصحيحة لا تنافي صحيحة زرارة في مدلولها الايجابي،و انما تنافيها في مدلولها السلبي فلا تصلح أن تعارض صحيحة زرارة،باعتبار أنها ناصة في اعتبار الزائد،و هي ظاهرة في نفيه، و مقتضى الجمع الدلالي العرفي تقديم النص على الظاهر.

مر أن عدم عمل الأصحاب برواية لا يوجب سقوطها عن الاعتبار، و على هذا فبما أنهما تدلان على أن المراد من حاضري المسجد الحرام في الآية الشريفة من كان منزله دون المواقيت،بدون تحديد المسافة بينه و بين مكة و تعيينها كما،فتكون صحيحة زرارة 2التي هي محددة لتلك المسافة بينهما،


 

1) <page number=”62″ />الوسائل باب:6 من أبواب أقسام الحج الحديث:3.
2) المصدر السابق.

 

تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۹ 63)


و هل يعتبر الحد المذكور من مكة أو من المسجد؟وجهان،أقربهما الأول(1).

و من كان على نفس الحد فالظاهر أن وظيفته التمتع،لتعليق حكم الإفراد و القران على ما دون الحد.

و تدل على أنها لا تقل عن ثمانية و أربعين ميلا عن مكة حاكمة عليهما،و مبينة للمراد مما دون المواقيت فيهما،و أنه عبارة عن هذه المسافة المحددة تطبيقا لقاعدة حمل المجمل على المبين.

بل الثاني،و ذلك لأن عمدة الدليل على ذلك صحيحة زرارة،و حيث أن السؤال فيها عن المراد من حٰاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ 1في الآية الكريمة كان المتفاهم عرفا من التقدير فيها ان مبدأ المسافة يحسب من نفس المسجد دون آخر عمارة مكة،باعتبار ان الوارد في الآية الشريفة: حٰاضِرِي الْمَسْجِدِ لا حاضري مكة،فاذن ارادة كون مبدأ المسافة المحددة يحسب من آخر عمارة مكة بحاجة الى قرينة.

و مع الاغماض عن ذلك،و تسليم أن الصحيحة مجملة من هذه الناحية، فحينئذ يدخل المقام في مسألة اجمال المخصص،باعتبار أنها مخصصة لعموم الآية الشريفة،حيث أن مقتضاه وجوب حج التمتع على كل أحد غير أهل مكة، فان وظيفتهم حج الإفراد او القران،و الصحيحة تدل على أن من كان منزله دون ثمانية و أربعين ميلا فهو ملحق بأهل مكة،و على هذا فاذا شككنا في أن مبدأ هذه المسافة المحددة هل هو من المسجد أو من آخر عمارة مكة؟و حينئذ فاذا كانت الصحيحة مجملة من هذه الناحية،فلا محالة يؤخذ بالمقدار المتيقن منها، و هو ما كان مبدؤها من المسجد،و أما الزائد على ذلك فيرجع الى عموم الآية الشريفة.


 

1) <page number=”63″ />البقرة 2:196.

 

تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۹ 64)


و لو شك في كون منزله في الحد أو خارجه وجب عليه الفحص،و مع عدم تمكنه يراعي الاحتياط،و إن كان لا يبعد القول بأنه يجري عليه حكم
و بكلمة:إن قوله تعالى: فَإِذٰا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيٰامُ ثَلاٰثَةِ أَيّٰامٍ فِي الْحَجِّ وَ سَبْعَةٍ إِذٰا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كٰامِلَةٌ ذٰلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حٰاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ وَ اتَّقُوا اللّٰهَ وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللّٰهَ شَدِيدُ الْعِقٰابِ 1يدل باطلاقه على أن وظيفة كل من لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام هي حج التمتع،و المستثنى منه من كان أهله حاضري المسجد الحرام،و من المعلوم أن المنسبق منه أهل مكة و الساكنون فيها،لصدق عنوان الحاضر عليهم،و لا يصدق هذا العنوان على من كان أهله خارج المسجد الحرام،و عليه فلو لم يكن دليل آخر على توسعة حاضري المسجد الحرام لكان مقتضى الآية الشريفة وجوب حج التمتع على كل أحد الاّ أهل مكة.و لكن صحيحة زرارة الواردة في تفسير الآية الكريمة بما أنها تدل على توسعة حاضري المسجد الحرام و بيان المراد منه،فتكون حاكمة على الآية الكريمة بإلحاق من لم يكن أهله من حاضري المسجد الحرام حقيقة بالحاضر حكما،و هو من كان منزله دون ثمانية و أربعين ميلا في اطراف مكة،و على هذا فاذا فرض أن الصحيحة مجملة و لا ظهور لها في أن مبدأ هذه المسافة المحددة فيها يحسب من المسجد أو من آخر عمارة البلد؟فلا بد من الأخذ بالمقدار المتيقن منها،فانها لا تكون حجة الاّ فيه،و هو من كان منزله دون تلك المسافة من المسجد،و تدل على خروجه عن اطلاق الآية الكريمة،و أنه لا متعة عليه،و أما من كان منزله دون تلك المسافة من آخر عمارة البلد فلا يعلم بخروجه عن اطلاق الآية،فيشك في تقييده بغيره،و بما أنه شك في تقييد زائد فالمرجع هو اطلاقها لعدم المزاحم له فيه بعد ما لم يكن


 

1) <page number=”64″ />البقرة 2:196.

 

تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۹ 65)


الخارج فيجب عليه التمتع لأن غيره معلق على عنوان الحاضر(1)
الدليل الخاص حجة فيه.

مر أن المستفاد من الآية الشريفة بضميمة الروايات الواردة في تفسيرها،كصحيحة زرارة أن كل من كان بلده دون ثمانية و أربعين ميلا فلا متعة له،و نتيجة ذلك أن موضوع وجوب حج التمتع المستطيع الذي لم يكن أهله من حاضري المسجد الحرام،و على هذا فلا مانع من احراز موضوعه بالاستصحاب عند الشك في تحقق قيده العدمي،غاية الأمر مرة يعلم بأن البلد الذي هو عاش فيه دون تلك المسافة المحددة،و لكن كان يشك في أنه صار أهلا له حتى تنقلب وظيفته من التمتع الى الافراد او القران أو لا،ففي مثل ذلك لا مانع من استصحاب عدم كونه أهلا له،و به يحرز موضوع العام و هو من لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام،فان الجزء الأول محرز بالوجدان،و الثاني بالاستصحاب،و يترتب عليه أثره و هو وجوب حج التمتع،و أخرى يعلم بأنه أهل لذلك البلد و لكن كان يشك في أنه داخل تلك المسافة المعينة حتى تكون وظيفته حج الافراد أو القران،أو خارجها حتى تكون وظيفته حج التمتع،و في مثل ذلك لا مانع من احراز موضوع العام بالاستصحاب في العدم الأزلي.

بتقريب أنه في زمان لم يكن ذلك البلد موجودا،و لا اتصافه بما دون المسافة المذكورة،ثم وجد،و يشك في أن اتصافه به هل وجد أيضا أو لا؟فلا مانع من استصحاب عدم وجود اتصافه به،و بذلك يحرز موضوع الوجوب و هو من لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام،فان الجزء الأول و هو وجود المستطيع محرز بالوجدان،و الثاني و هو عدم كونه من حاضري المسجد الحرام بالاستصحاب.

و دعوى:أن هذا الاستصحاب انما يثبت موضوع العام على تقدير أن يكون المأخوذ فيه عنوانا عدميا،كعدم كون أهله من حاضري المسجد الحرام،

تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۹ 66)


……….

كما هو ظاهر الآية الشريفة،و لكن مقتضى قوله عليه السّلام في صحيحة زرارة الواردة في تفسيرها:«و كل من كان أهله وراء ذلك فعليهم المتعة» 1أن المأخوذ فيه عنوان وجودي و هو عنوان(وراء تلك المسافة)،و عليه فلا يمكن اثباته بالاستصحاب المذكور الاّ على نحو مثبت.

مدفوعة:بأن الظاهر من قوله عليه السّلام في ذيل الصحيحة أنه مأخوذ على نحو المعرفية الصرفة الى ما هو الموضوع لوجوب المتعة،و هو من لم يكن أهله دونها،باعتبار أنه لازم له في الخارج،و لا ينفك أحدهما عن الآخر،و يؤكد ذلك أمران:

الأول:انه لو كان لهذا العنوان موضوعية،و كذلك لعنوان ما دون المسافة، لزم من ذلك أن من كان أهله على رأس المسافة لم يكن مشمولا لشيء من العنوانين،مع أنه لا شبهة في أن وظيفته التمتع،و هذا ليس الاّ من جهة أنه لا موضوعية له.

الثاني:انه تأكيد لما تقدم،لا أنه تأسيس،حيث ان الصحيحة قد بيّنت وظيفة من عليه التمتع،و وظيفة من عليه الإفراد أو القران و موضوعيهما،فاذن لا محالة يكون الاتيان به بعد ذلك تأكيدا لما تقدم عليه،فمن أجل ذلك لا موضوعية له،و يؤكد ذلك أيضا أن المراد من اسم الاشارة فيه المسافة السابقة و هي دون ثمانية و أربعين ميلا،فاذن لا محالة يكون المراد من(وراء ذلك)هو الاشارة الى موضوع التمتع.

فالنتيجة:انه لا مانع من اجراء هذا الاستصحاب لإثبات موضوع العام على نحو الاستصحاب في العدم الأزلي.ثم إنه اذا فرض عدم جريان هذا الاستصحاب لسبب من الأسباب،فعندئذ يجب عليه الفحص للعلم الإجمالي اما بوجوب التمتع عليه او الإفراد أو القران،و إن لم يتمكن منه إما لعدم اتاحة الفرصة له أو لسبب آخر وجب عليه الاحتياط،و له طرق:


 

1) <page number=”66″ />الوسائل باب:6 من أبواب أقسام الحج الحديث:3.

 

تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۹ 67)


……….

الأول:أن يأتي بالتمتع في هذه السنة و بالافراد أو القران في السنة القادمة شريطة أن يكون واثقا و مطمئنا بقدرته على ذلك.

الثاني:أن يجمع بينهما في سنة واحدة،بأن ينوي الإحرام لعمرة التمتع، ثم يأتي بأعمالها،و بعد ذلك يحرم للحج،أي حج التمتع احتياطا و بقصد ما في الذمة،ثم يخرج من مكة الى ميقات أهله و يحرم منه لحج الافراد او القران كذلك،فاذا صنع ذلك علم بأن أحد الاحرامين صحيح،و الآخر ملغي،ثم يأتي بالحج بقصد ما في الذمة أعم من التمتع و الافراد أو القران،و بعد الفراغ من اعمال الحج يأتي بعمرة مفردة احتياطا،فاذا فرغ منها فقد حصل له اليقين بالفراغ سواء أ كانت ذمته مشغولة بالتمتع أم الافراد و القران،فعلى الأول صحت عمرته متعة،و حجه تمتعا لا افرادا،و أما عمرته المفردة فهي تقع مستحبة،و على الثاني بطلت عمرته متعة،و صح حجه افرادا لا تمتعا،و أما عمرته المفردة فهي واجبة.

و دعوى:انه لا موجب لبطلان عمرة التمتع بل تنقلب مفردة.

مدفوعة:بأن الانقلاب بحاجة الى دليل،و لا دليل عليه في المقام،و لا يكون الانقلاب موافقا للقاعدة،باعتبار أن عنوان عمرة التمتع و المفردة من العناوين القصدية المقومة،فاذن يكون معنى الانقلاب هو الحكم بأن ما قصد لم يقع،و ما وقع لم يقصد،و من المعلوم أن ذلك بحاجة الى دليل.

و بكلمة:أن عنواني التمتع و الافراد و إن كانا من العناوين القصدية،و اذا قام المكلف بالاتيان بالواجب فلا بد أن يكون بعنوانه الخاص و اسمه المخصوص المميز له شرعا،و الاّ لم ينطبق الواجب على ما أتى به،و لكن ذلك فيما اذا علم الواجب باسمه الخاص،و أما اذا لم يعلم الاّ اجمالا بأن ذمته مشغولة بحجة،و لكنه لا يدري أنها تمتع أو إفراد،فيكفي الاتيان بها بنية ما في الذمة، سواء أ كانت تمتعا أم افرادا،و معنى ذلك أنها إن كانت في الواقع تمتعا فقد نواها، و إن كانت في الواقع افرادا فكذلك باعتبار ان الواجب في هذا الفرض هو قصد

تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۹ 68)


……….

الجامع جزما،و قصد كل من العنوانين تقديرا و احتمالا،و لا يجب عليه أكثر من ذلك،بل لا يمكن الاّ تشريعا.نعم اذا كان ما في ذمته تمتعا او افرادا خاصة فلا بد من الاتيان به باسمه الخاص،و الاّ فلا ينطبق على المأتي به في الخارج.

الثالث:أن يحرم من الميقات بقصد الأعم من عمرة التمتع و حج الإفراد، و يدخل مكة و يأتي باعمال العمرة احتياطا،ثم يحرم للحج كذلك،و يمارس أعماله الى أن ينتهي منها،و بعد الانتهاء يعلم بفراغ ذمته سواء أ كانت مشغولة بحجة الإفراد أم التمتع،غاية الأمر على الأول بطلت عمرته متعة،و على الثاني صحت،و لكن هذا الاحتياط لا يمكن في التقصير،فان ذمته إن كانت مشغولة بالتمتع فهو من واجبات العمرة،و لا بد من الاتيان به،و إن كانت مشغولة بالإفراد فهو حرام لأنه في أثناء إحرامه.

نعم هنا طريق رابع للاحتياط،و لكنه مبني على القول بجواز تقديم العمرة المفردة على حج الإفراد كما هو الأظهر،و حاصل هذا الطريق أنه يحرم من الميقات بقصد الأعم من العمرة المفردة و التمتع،فيدخل مكة و يواصل اعمالها الى أن فرغ منها،و بعد الفراغ يأتي بطواف النساء احتياطا،ثم يجمع بين الاحرام للحج من مكة و الذهاب الى ميقات أهل أرضه اذا أمكن و الإحرام منه، و الاّ فمن خارج الحرم،فيواصل اعماله الى أن انتهى منها،و اذا انتهى برئت ذمته سواء أ كانت مشغولة بحج التمتع أم بالافراد.

فالنتيجة:ان وظيفة من يعلم بأن ذمته مشغولة بالحج و لكن لا يعلم أنه تمتع او افراد،و لا يتمكن من تعيين أحدهما بالأصل العملي،الاحتياط بالطريق الأول اذا لم يمكن بالطريق الثاني او الرابع،و الاّ تعين إذا قلنا بوجوب الحج فورا،أو أنه لا يكون واثقا بالتمكن منه في العام القادم إذا أخر.

ثم إن عنوان الحاضر في الآية الشريفة قد فسر في صحيحة زرارة بأهل مكة،و على هذا الأساس لا يكفي مجرد الحضور ما لم يصدق عليه عنوان أهل مكة،و من هنا اذا كان الشخص قاصدا البقاء في مكة سنة مثلا،ثم الرجوع الى

تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۹ 69)


و هو مشكوك،فيكون كما لو شك في أن المسافة ثمانية فراسخ أو لا فإنه يصلي تماما لأن القصر معلق على السفر و هو مشكوك.

ثم ما ذكر إنما هو بالنسبة إلى حجة الإسلام،حيث لا يجزئ للبعيد إلا التمتع و لا للحاضر إلا الإفراد أو القران،و أما بالنسبة إلى الحج الندبي فيجوز لكل من البعيد و الحاضر كل من الأقسام الثلاثة بلا إشكال،و إن كان الأفضل اختيار التمتع،و كذا بالنسبة إلى الواجب غير حجة الإسلام كالحج النذري و غيره.

[مسألة 1:من كان له وطنان أحدهما في الحد و الآخر في خارجه]

[3204]مسألة 1:من كان له وطنان أحدهما في الحد و الآخر في خارجه لزمه فرض أغلبهما لصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام:«من اقام بمكة سنتين فهو من أهل مكة و لا متعة له،فقلت لأبي جعفر عليه السّلام:أ رأيت إن كان له أهل بالعراق و أهل بمكة،فقال عليه السّلام:فلينظر أيهما الغالب»فإن تساويا فإن
بلده لا يصدق عليه عنوان الأهل،فاذا لم يصدق لم ينقلب الموضوع حتى ينقلب الحكم من التمتع الى الإفراد.

بقي هنا شيئان:

الأول:أن مبدأ المسافة المذكورة هل يحسب من آخر عمارة بلد الانسان،أو من منزله؟الظاهر الأول،لوضوح أن حكم سكان بلدة واحدة لا يختلف باختلاف منازلهم قربا أو بعدا من المسجد الحرام،فان المتفاهم العرفي من صحيحة زرارة التي هي في مقام تحديد المسافة بين المكلف و بين المسجد هو تحديدها بين بلده و بينه.

الثاني:أن الآية الشريفة و الروايات الواردة في تفسيرها بما أن موردها حجة الإسلام فلا تعم غيرها من أقسام الحج الواجب و المندوب،و عليه فيكون المكلف في تلك الأقسام مخير بين التمتع و الإفراد،و إن كان الأول أفضل سواء أ كان من حاضري المسجد الحرام أم لا.

تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۹ 70)


كان مستطيعا من كل منهما تخير بين الوظيفتين(1)و إن كان الأفضل اختيار التمتع،و إن كان مستطيعا من أحدهما دون الآخر لزمه فرض وطن الاستطاعة.

[مسألة 2:من كان من أهل مكة و خرج إلى بعض الأمصار ثم رجع إليها فالمشهور جواز حج التمتع له و كونه مخيرا بين الوظيفتين]

[3205]مسألة 2:من كان من أهل مكة و خرج إلى بعض الأمصار ثم رجع إليها فالمشهور جواز حج التمتع له و كونه مخيرا بين الوظيفتين، و استدلوا بصحيحة عبد الرحمن بن الحجاج عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«عن رجل من أهل مكة يخرج إلى بعض الأمصار ثم يرجع إلى مكة فيمرّ ببعض المواقيت أله أن يتمتع؟قال عليه السّلام:ما أزعم أن ذلك ليس له لو فعل و كان الإهلال أحب إليّ»و نحوها صحيحة أخرى عنه و عن عبد الرحمن بن أعين
في التخيير اشكال بل منع،و الأقوى وجوب الاحتياط بالجمع بينهما، و ذلك لأنه اذا كان مستطيعا في كلتا البلدتين و كانت اقامته في كل منهما على نسبة واحدة،ففي هذه الحالة يعلم اجمالا بوجوب الحج عليه،و لكن لا يدري أنه تمتع او افراد،و هذا ليس من جهة أنه مشمول لإطلاق أدلة وجوب الحج، بدعوى أنها باطلاقها تعم جميع انواعه الثلاثة من التمتع و الافراد و القران، و نتيجة ذلك أنه مخير بينهما،و ذلك لأن اطلاقها قد قيد بالروايات التي تنص على أن من لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام فوظيفته التمتع،و من كان أهله حاضري المسجد فوظيفته الإفراد أو القران،و على هذا الأساس فلا يعقل أن تظل أدلة وجوب الحج باقية على اطلاقها بالنسبة الى جميع انواعه،فان موضوع وجوب حج التمتع مقيد بمن لم يكن أهله من حاضري المسجد، و موضوع وجوب حج الافراد مقيد بمن كان أهله من حاضري المسجد،فيكون موضوع الأول نقيض الموضوع الثاني،فلا يعقل اجتماعهما في شيء واحد و انطباقهما على انسان فارد،فمن أجل ذلك لا يعقل بقاء الاطلاق في أدلة وجوب الحج.

تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۹ 71)


……….

و بكلمة ثانية:ان اطلاقات أدلة وجوب الحج من الآية الشريفة و الروايات قد قيدت بقيدين متناقضين،أحدهما عدمي و هو قيد لموضوع وجوب حج التمتع،و الآخر وجودي و هو قيد لموضوع وجوب حج الافراد،فلا يعقل أن يكون الشخص مكلفا بالجامع بينهما،على أساس أن التقابل بين موضوعيهما من تقابل التناقض،فانه إن كان من أهل مكة فوظيفته حج الافراد خاصة،و إن لم يكن من أهلها فوظيفته حج التمتع كذلك.

فالنتيجة:ان العلم الإجمالي بوجوب الحج عليه ليس من جهة وجود اطلاق في أدلة وجوبه الشامل لكل أنواعه الثلاثة،لما عرفت من عدم بقاء اطلاق فيها كذلك،بل من جهة أنه لا يحتمل سقوط وجوب الحج عنه في الواقع جزما و إن كان غير مشمول لإطلاق كل من دليلي وجوب حج التمتع و حج الافراد، باعتبار أن شمول اطلاق كلا الدليلين له غير معقول،لاستحالة كونه مجمعا لعنوانين متناقضين،و شمول اطلاق أحدهما خاصة له دون الآخر ترجيح من غير مرجح بعد ما كانت نسبة كل منهما اليه على حد سواء،و لكن مع ذلك لا يمكن سقوط التكليف بالحج عنه نهائيا،فلا محالة يكون أحد نوعي الحج واجبا عليه في الواقع في هذه الحالة،غاية الأمر أنه لا معين لذلك في مقام الإثبات،و مقتضى العلم الإجمالي بوجوبه هو الاحتياط بالجمع بين التمتع و الافراد بالطرق التي تقدمت.

و من هنا يظهر أنه لا وجه للتخيير بينهما أصلا،لما ذكرناه في علم الأصول من أن للتخيير تفسيرين:

الأول:أن يكون الوجوب المجعول في عالم الاعتبار و الجعل واحدا متعلقا بالجامع الانتزاعي بين فرديه،دون كل واحد منهما بحده الفردي.

الثاني:أن يكون الوجوب المجعول فيه متعددا و متعلقا بكل واحد من الفردين أو الأفراد بحده الفردي على نحو الوجوب المشروط،و هو بكلا تفسيريه لا ينطبق على المقام.

اما على التفسير الأول،فلأن الوجوب المجعول فيه و إن كان واحدا،

تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۹ 72)


عن أبي الحسن عليه السّلام،و عن ابن أبي عقيل عدم جواز ذلك و أنه يتعين عليه فرض المكي إذا كان الحج واجبا عليه،و تبعه جماعة لما دل من الأخبار على أنه لا متعة لأهل مكة،و حملوا الخبرين على الحج الندبي بقرينة ذيل الخبر الثاني،و لا يبعد قوة هذا القول(1)،مع أنه أحوط لأن الأمر دائر بين
الا أنه متعلق بالفرد بحده الفردي،يعني اما بالتمتع خاصة،أو الافراد كذلك،دون الجامع بينهما لكي يكون المكلف مخيرا في تطبيقه على أي منهما شاء.

و اما على التفسير الثاني،فهو واضح،لأن الحكم المجعول عليه في هذه الحالة حكم واحد متعلق إما بالتمتع فحسب،أو الإفراد كذلك،فليس المجعول هنا وجوبان مشروطان.

و اما التخيير العقلي الناشئ من التزاحم بين الواجبين اذا لم يكن ترجيح في البين،كما اذا كانا متساويين،فلا مورد له في المقام،على أساس أن المجعول فيه حكم واحد لا حكمان لكي يقع التزاحم بينهما في مرحلة الامتثال من جهة عدم قدرة المكلف على الجمع بينهما في هذه المرحلة.

فالنتيجة:ان وظيفة المكلف في هذه الحالة الاحتياط بمقتضى العلم الإجمالي بالجمع بين التمتع و الإفراد بأحد الانحاء السابقة.

في القوة اشكال بل منع،و الأظهر ما هو المشهور بين الأصحاب من جواز التمتع و إن كان الافراد أفضل،و ذلك لأن صحيحتى عبد الرحمن بن الحجاج 1تنصان على ذلك.و انما الكلام في أن موردهما أعم من الواجب و المندوب أو خصوص الواجب.و قد يستظهر منهما الثاني،بتقريب أن


 

1) <page number=”72″ />الوسائل باب:7 من أبواب أقسام الحج الحديث:1 و 2.

 

تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۹ 73)


……….

قوله عليه السّلام فيهما:«ما ازعم أن ذلك ليس له لو فعل» 1لا تناسب المندوب،اذ لا شبهة في جواز التمتع الندبي له،بل هو غير خفي على مثل عبد الرحمن بن الحجاج حتى يسأل عنه.

فيه:انه لا يدل على أن السؤال انما هو عن التمتع الواجب،بنكتة أن جوابه عليه السّلام يتضمن قسطا من التعجب عنه،و هذا يناسب أن يكون السؤال عن المندوب لا عن الواجب،و لعل منشأ سؤال مثل عبد الرحمن بن الحجاج عن ذلك هو أن المرتكز في ذهنه عدم مشروعية التمتع الواجب له بمقتضى الآية الشريفة،و أن وظيفته الإفراد او القران،و لذا سأل عن التمتع المستحب.نعم إن قوله عليه السّلام في ذيل الجواب:«و كان الإهلال أحب إليّ» 2يدل على أن السؤال عن التمتع الواجب،بقرينة أنه لا شبهة في أن التمتع الندبي افضل و أحب من الإفراد و القران،و تدل عليه روايات كثيرة بمختلف الألسنة،منها ذيل هذه الصحيحة الذي يؤكد على افضلية التمتع عن الإفراد و القران،و بما أن نسبة كلتا الصحيحتين الى الآية الشريفة بضميمة الروايات الواردة في تفسيرها نسبة المقيد الى المطلق فتوجب تقييد اطلاقها بغير موردهما،و هو إن من كان من أهل مكة اذا خرج منها الى بعض البلدان النائية ثم رجع اليها جاز له أن يحرم من الميقات للتمتع،و هذا يعني أن وظيفته في هذه الحالة التخيير بين التمتع و الإفراد أو القران.

و أما مع الاغماض عن ذلك،و تسليم أن موردهما أعم من حج التمتع الواجب و المستحب،فقد ادعى بوقوع التعارض بين اطلاق الصحيحتين و اطلاق الآية الشريفة بضميمة الروايات الواردة في تفسيرها بالعموم من وجه، باعتبار أن كلا منهما عام من جهة و خاص من جهة أخرى،فان الآية الشريفة عامة من جهة الخروج من مكة الى البلاد النائية،و عدم الخروج منها،و خاصة من جهة اختصاصها بالحج الواجب،و الصحيحتان عامة من جهة كون حج


 

1) <page number=”73″ />الوسائل باب:7 من أبواب أقسام الحج الحديث:2.
2) الوسائل باب:7 من أبواب أقسام الحج الحديث:2.

 

تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۹ 74)


……….

التمتع واجبا أو مستحبا،و خاصة بالخارج من مكة الى البلاد النائية،و مورد الالتقاء من كان من أهل مكة و خرج الى بلد ناء ثم رجع،فمقتضى الاطلاق الصحيحتين أن وظيفته التخيير بين التمتع و الإفراد،و مقتضى إطلاق الآية الشريفة أن وظيفته الافراد فحسب،و على هذا فبناء على ما ذكره السيد الاستاذ قدّس سرّه من أن مخالفة الرواية لإطلاق الكتاب ليست مخالفة للكتاب حتى تكون مشمولة للروايات التي تنص على طرح ما يخالف كتاب اللّه معللا بأن الإطلاق ليس مدلولا للكتاب،بل هو مدلول لمقدمات الحكمة منها عدم البيان، فبالنتيجة أنه مدلول لأمر عدمي،فاذن يقع التعارض بينهما،فيسقطان معا من جهة المعارضة،فيكون المرجع فيه الأصل العملي،لعدم وجود أصل لفظي في المسألة،و أما ما دل على أصل وجوب الحج فلا اطلاق له،لأنه في مقام بيان أصل تشريع وجوب الحج في الشريعة المقدسة،و على تقدير أن يكون له اطلاق فقد مر أنه قد قيد إما بقيد وجودي أو عدمي،و لا يعقل أن يظل الاطلاق باقيا على حاله،ضرورة أن المكلف لا يخلو من أن يكون أهله حاضري المسجد الحرام أو لا،فعلى الأول تكون وظيفته الافراد،و على الثاني التمتع،و لا ثالث في البين.نعم قد يكون الشخص مكلفا بالجامع بين التمتع و الإفراد على نحو التخيير في بعض حالات النوع الأول من المكلف بدليل خاص،و ذلك كمن كان من أهل مكة و خرج منها الى بلد ناء،ثم رجع اليها،فانه مخير بين الاحرام للتمتع أو الإفراد بنص خاص-كما تقدم-.و لكن هذا لا يرتبط بمحل الكلام في المقام،فان محل الكلام فيه انما هو في تقسيم المكلف في الآية الشريفة و الروايات الى نوعين،أحدهما من كان أهله حاضري المسجد الحرام، و الآخر من لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام،فوظيفة النوع الأول الإفراد، و النوع الثاني التمتع،و لا ثالث بينهما،فمن أجل ذلك لا يعقل أن تظل أدلة وجوب الحج من الآية الشريفة و الروايات باقية على اطلاقها،فان اطلاقها إما مقيد بالنوع الأول أو الثاني،و قد مر أن التقابل بين النوعين من تقابل التناقض.

تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۹ 75)


……….

و أما ورود دليل خاص في بعض حالات النوع الأول و أن المكلف في تلك الحالة مخير بين التمتع و الافراد فلا يكون مرده الى أنه نوع ثالث في مقابل النوعين الأولين،بل هو قسم من النوع الأول.

و أما قوله تعالى: فَإِذٰا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيٰامُ ثَلاٰثَةِ أَيّٰامٍ فِي الْحَجِّ وَ سَبْعَةٍ إِذٰا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كٰامِلَةٌ ذٰلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حٰاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ 1فلا ينعقد له ظهور في الاطلاق من جهة اقترانه بما هو بمثابة الاستثناء المتصل،و من الواضح أنه يمنع عن اجراء مقدمات الحكمة فيه،و بدون تلك المقدمات لا ينعقد له ظهور الاّ في المقيد و هو وجوب حج التمتع على من لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام،و عليه فاذا فرضنا أن اطلاق دليل المخصص قد سقط من جهة وجود المعارض له بالنسبة الى من كان من أهل مكة و خرج منها الى بلد ناء ثم رجع اليها،فلا يمكن التمسك باطلاق الآية الشريفة لإثبات وجوب حج التمتع عليه،لعدم الاطلاق له بالنسبة اليه،أي من كان أهله حاضري المسجد الحرام.

فالنتيجة:أنه لا يوجد في المسألة أصل لفظي من عموم أو اطلاق لكي يكون مرجعا فيها،فاذن يصل الدور الى الأصل العملي،و حيث أن أمر المسألة يدور بين التعيين و التخيير فالمرجع فيها أصالة البراءة عن التعيين دون أصالة الاحتياط،فانها انما تكون مرجعا في مسألتين:

إحداهما:مسألة التزاحم،فانه اذا دار الأمر فيها بين التعيين و التخيير فلا بد من الأخذ بالتعيين.

و الأخرى:مسألة الحجية،فانه اذا دار الأمر بين الحجية التعيينية و الحجة التخييرية تعين الأخذ بالأولى.

و النكتة في ذلك،أما في المسألة الأولى:فبما أن دوران الأمر فيها بين


 

1) <page number=”75″ />البقرة الآية:196.

 

تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۹ 76)


……….

التعيين و التخيير يكون في مرحلة الامتثال،فلذلك يجب الأخذ بالتعيين فيها تطبيقا لقاعدة أن الاشتغال اليقيني يتطلب البراءة اليقينية.

و اما في المسألة الثانية:فلأن ما يحتمل تعيّن حجيته فهو مقطوع الحجية إما تخييرا،او تعيينا،و الآخر مشكوك الحجية،و الشك فيها بما أنه مساوق للقطع بعدم ترتيب آثار الحجية عليه فيتعين الأخذ بالأول.

و أما في غير هاتين المسألتين فبما أن الشك في التعيين و التخيير فيها يكون في مرحلة الجعل و الاعتبار،فالمرجع فيها أصالة البراءة عن التعيين،لأن فيه كلفة زائدة،هذا.

و لنا في المقام تعليقان:

أحدهما:على ما ذكره السيد الاستاذ قدّس سرّه من أن مخالفة اطلاق الكتاب ليست مخالفة له.

و الآخر:على ما ذكره جماعة منهم السيد الاستاذ قدّس سرّه من أن التعارض بين اطلاق الصحيحتين و اطلاق الآية الشريفة بالعموم من وجه.

أما التعليق الأول:فقد ذكرنا في علم الأصول أنه لا فرق بين اطلاق الكتاب و عمومه،فكما أن عمومه مدلول لفظي له فكذلك اطلاقه،غاية الأمر أن منشأ الأول الوضع،و منشأ الثاني مقدمات الحكمة،فالمقدمات كالوضع جهة تعليلية لتكوين ظهور اللفظ في الاطلاق فيكون الاطلاق مدلولا للفظ حينئذ لا للمقدمات،و تمام الكلام هناك.و على هذا فاذا كان بين الاطلاقين تعارض بالعموم من وجه سقط اطلاق الصحيحتين عن الحجية،باعتبار أنه مخالف للكتاب،فلا يكون حجة،فاذن يكون المرجع في المسألة هو اطلاق الكتاب.

ثم إن الظاهر من الروايات التي تنص على أن«ما خالف كتاب اللّه فذروه، و ما وافق كتاب اللّه فخذوه»أن الساقط انما هو المخالف للكتاب سواء أ كان متمثلا في نفس الحديث أم في اطلاقه،و على هذا فبما أن اطلاق الصحيحتين مخالف للكتاب دون أصلهما،فهو الساقط عن الاعتبار لا أصلهما.

تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۹ 77)


……….

فالنتيجة:ان الرواية اذا كانت مخالفة للكتاب بالعموم من وجه،فالساقط انما هو خصوص مورد الالتقاء و المعارضة لا مطلقا.

و أما التعليق الثاني:فلأن الصحيحتين بما أنهما أخص من الآية الشريفة بلحاظ الموضوع،و الآية الشريفة بما أنها أخص منهما بلحاظ المحمول،فلا تعامل معهما معاملة الدليلين المتعارضين بالعموم من وجه،و ذلك لأن موضوع الصحيحتين اذا كان أخص من موضوع الآية الشريفة و كانت النسبة بينهما عموما و خصوصا مطلقا من هذه الناحية،فلا مانع من تطبيق قاعدة الجمع الدلالي العرفي بينهما،و هو حمل العام على الخاص،و أما ظهور الآية الشريفة في العموم فهو لا يصلح أن يكون قرينة على رفع اليد عن ظهورهما في عموم الحكم،فمن أجل ذلك لا يعامل معهما معاملة الدليلين المتعارضين بالعموم من وجه،فان المعيار في ترتيب أحكام التعارض بالعموم من وجه على الدليلين المتعارضين كذلك انما هو صالحية خصوصية كل منهما للقرينية في نفسها على الآخر،و أما اذا كانت خصوصية أحدهما صالحة للقرينية دون الآخر فلا تعارض في البين،و ما نحن فيه من هذا القبيل،فان الصحيحتين بملاك كونهما أخص من الآية الشريفة موضوعا فتصلحان للقرينية عليها تطبيقا لقاعدة حمل العام على الخاص،و أما الآية الشريفة بلحاظ ظهورها في الوجوب فلا تصلح أن تكون قرينة على رفع اليد عن ظهورهما في الأعم،لعدم توفر ملاك القرينية فيها كالأظهرية أو نحوها،هذا اضافة الى أنه لا يمكن حمل الصحيحتين على حج التمتع المندوب عرفا،باعتبار أنه ثابت لأهل مكة مطلقا،لا في هذه الحالة فحسب،بل هو أفضل من الافراد،فاذن حملهما عليه في هذه الحالة لا يمكن الاّ من باب التأكيد،و هو خلاف الظاهر،و عليه فبطبيعة الحال يكون المراد منهما اما خصوص حج التمتع الواجب أو الأعم منه و من المندوب،فتكون الصحيحتان بمثابة النص من هذه الناحية،فمن أجل ذلك لا بد من تقديمهما على الآية الشريفة،باعتبار أنهما أخص منها موضوعا،و أما محمولهما و إن كان أعم من

تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۹ 78)


التخيير و التعيين و مقتضى الاشتغال هو الثاني(1)خصوصا إذا كان مستطيعا حال كونه في مكة فخرج قبل الإتيان بالحج،بل يمكن أن يقال إن محل كلامهم صورة حصول الاستطاعة بعد الخروج عنها و أما إذا كان مستطيعا فيها قبل خروجه منها فيتعين عليه فرض أهلها(2).

محمولها الاّ انه غير قابل للتصرف و الحمل على حج التمتع المندوب عرفا،لأنه لغو و لا فائدة فيه الاّ التأكيد،مع أنهما ظاهرتان في التأسيس.

فالنتيجة:انه على تقدير تسليم أن موردهما أعم من الحج الواجب و المستحب،فمع ذلك لا معارضة بينهما و بين الآية الشريفة.

الصحيح هو الأول لما مر من أن المرجع هو أصالة البراءة عن التعيين الاّ اذا كان دوران الأمر بينهما في موارد التزاحم أو الحجية،فان العقل يحكم بالتعيين-كما تقدم-هذا،اضافة الى أنه لا يصل الدور الى الأصل العملي في المقام،فان المرجع فيه هو اطلاق الصحيحتين،و مقتضاه التخيير بين التمتع و الإفراد بدون فرق بين أن يكون موردهما خصوص التمتع الواجب أو الأعم، كما مر.

في التعيين اشكال بل منع،و الأظهر عدمه لإطلاق الصحيحتين،فان مقتضاه عدم الفرق بين أن يكون مستطيعا في مكة ثم خرج مستطيعا،أو انه استطاع في الخارج،فعلى كلا التقديرين يكون فرضه الجامع بين التمتع و الافراد في هذه الحالة،و هو مخير في تطبيقه على أي منهما شاء.

نعم تظهر الثمرة بين الفرضين في الأصل العملي على تقدير أن يصل الدور اليه،و ذلك لأنه إن كان مستطيعا في مكة وجب عليه حج الافراد،فاذا خرج منها كذلك ثم رجع،فبطبيعة الحال كان يشك في سقوط وجوب الإفراد عنه،و تبدله بوجوب الجامع،ففي مثل ذلك لا مانع من استصحاب بقاء وجوب الافراد عليه و عدم تبدله،و هذا بخلاف ما اذا استطاع في الخارج،فانه حينئذ

تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۹ 79)


[مسألة 3:الآفاقي إذا صار مقيما في مكة]

[3206]مسألة 3:الآفاقي إذا صار مقيما في مكة فإن كان ذلك بعد استطاعته و وجوب التمتع عليه فلا إشكال في بقاء حكمه سواء كانت إقامته بقصد التوطن أو المجاورة و لو بأزيد من سنتين.

و أما إذا لم يكن مستطيعا ثم استطاع بعد إقامته في مكة فلا إشكال في انقلاب فرضه إلى فرض المكي في الجملة،كما لا إشكال في عدم الانقلاب بمجرد الإقامة،و إنما الكلام في الحد الذي به يتحقق الانقلاب، فالأقوى ما هو المشهور من أنه بعد الدخول في السنة الثالثة لصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام:«من أقام بمكة سنتين فهو من أهل مكة و لا متعة له»الخ،و صحيحة عمر بن يزيد عن الصادق عليه السّلام:«المجاور بمكة يتمتع بالعمرة إلى الحج إلى سنتين فإذا جاوز سنتين كان قاطنا و ليس له أن يتمتع» و قيل بأنه بعد الدخول في الثانية لجملة من الأخبار،و هو ضعيف لضعفها بإعراض المشهور عنها(1)،مع أن القول الأول موافق للأصل،و أما القول
يشك في أن الواجب عليه في هذه الحالة هل هو الافراد تعيينا أو الجامع بينهما؟ فلا مانع من الرجوع الى أصالة البراءة عن التعيين،هذا على المشهور من جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية،و أما بناء على القول بعدم جريانه فيها فلا تظهر الثمرة بينهما في الأصل العملي أيضا،و تمام الكلام في محله.

فيه انه لا أثر لاعراضهم،لما مر من أنه انما يكون كاشفا عن وجود خلل في شروط حجيتها اذا كان من قدماء الأصحاب الذين يكون عصرهم متصلا بعصر أصحاب الأئمة عليهم السّلام،شريطة أن لا يكون في المسألة ما يصلح أن يكون مدركا لاعراضهم عنها.و قد تقدم منا غير مرة أنه لا طريق لنا الى احراز اعراضهم عنها،و على هذا فلا بد من النظر الى أن هذه الروايات هل تصلح أن تعارض الروايات التي تنص على تحديد فترة الإقامة في مكة الموجبة لانقلاب

تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۹ 80)


……….

الوظيفة من التمتع الى الافراد،أو لا تصلح أن تعارضها لإمكان الجمع الدلالي العرفي بينهما؟الظاهر هو الثاني،و ذلك لأن هذه الروايات بما أنها كانت في مقام التحديد،فيكون لها مدلولان،أحدهما مدلولها الايجابي،و الآخر مدلولها السلبي،و هو نفي الزائد،و بما أنها ناصة في الأول و ظاهرة في الثاني،فنرفع اليد عن ظهورها بقرينة نص تلك الروايات في اعتبار الزائد،و أن الحد المذكور لا يقل عن سنتين.

بيان ذلك:أن صحيحة الحلبي قال:«سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام:لأهل مكة أن يتمتعوا؟قال:لا،ليس لأهل مكة ان يتمتعوا،قال:قلت:فالقاطنين بها؟قال:اذا أقاموا سنة أو سنتين صنعوا كما صنع أهل مكة-الحديث-» 1ظاهرة في التخيير،و بما أن التخيير بين الأقل و الأكثر غير معقول،فالمتعين هو الأقل،فاذن تدل الصحيحة على كفاية اقامة سنة واحدة فيها بالمطابقة،و على نفي اعتبار الزائد عليها بالالتزام،و حيث أن دلالتها على نفي اعتبار الزائد بالطلاق الناشئ من سكوت المولى في مقام البيان،فتتقدم عليها الطائفة الأولى من الروايات كصحيحتي زرارة 2و عمر بن يزيد 3،باعتبار أنها ناصة في اعتبار الزائد،فاذن لا تصل النوبة الى المعارضة بينهما.

و مع الاغماض عن ذلك،و تسليم وجود المعارضة بينهما عرفا في السنة الثانية،فان مقتضى الطائفة الأولى عدم انقلاب وظيفته من التمتع الى الافراد فيها،و مقتضى الطائفة الثانية الانقلاب و أن وظيفته فيها الافراد،و في مثل ذلك هل تسقطان معا في مورد المعارضة و يرجع الى العام الفوقي،و هو اطلاق قوله تعالى:و ذٰلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حٰاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ 4أو تقديم الطائفة الأولى على الثانية من جهة أنها موافقة لإطلاق الآية الشريفة في مورد المعارضة،و الثانية مخالفة له؟فيه قولان:الصحيح هو القول الثاني،لما تقدم منا


 

1) <page number=”80″ />الوسائل باب:9 من أبواب أقسام الحج الحديث:3.
2) الوسائل باب:9 من أبواب أقسام الحج الحديث:1.
3) الوسائل باب:9 من أبواب أقسام الحج الحديث:2.
4) البقرة الآية:196.

 

تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۹ 81)


بأنه بعد تمام ثلاث سنين فلا دليل عليه إلا الأصل المقطوع بما ذكر،مع أن القول به غير محقق لاحتمال إرجاعه إلى القول المشهور بإرادة الدخول في السنة الثالثة،و أما الأخبار الدالة على أنه بعد ستة أشهر أو بعد خمسة أشهر فلا عامل بها(1)،مع احتمال صدورها تقية(2)و إمكان حملها على محامل أخر.

اجمالا من أن اطلاق الكتاب كعمومه مدلول له لا لمقدمات الحكمة،و على هذا فاذا كانت إحدى الطائفتين موافقة لإطلاق الكتاب،و الأخرى مخالفة له فلا بد من تقديم الأولى على الثانية،لأنها من أحد مرجحات باب التعارض.

و بذلك يظهر حال الطائفة الثالثة التي تدل على أن اقامة ستة أشهر تكفي لانقلاب وظيفته من التمتع الى الافراد.

منها:صحيحة حفص بن البختري عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«في المجاور بمكة يخرج الى أهله ثم يرجع الى مكة بأيّ شيء يدخل؟فقال:إن كان مقامه بمكة أكثر من ستة أشهر فلا يتمتع،و إن كان أقل من ستة أشهر فله أن يتمتّع» 1بتقريب أن قوله عليه السّلام:«إن كان مقامه بمكة أكثر من ستة أشهر فلا يتمتع»مطلق، و باطلاقه يعم ما اذا كان أكثر منها بشهر أو بشهرين أو سنة أو سنتين و هكذا، و هذا الاطلاق مقيد بصحيحتي زرارة و عمر بن يزيد اللتين تنصان على تحديد المقام بسنتين تطبيقا لقاعدة حمل المطلق على المقيد.

مر أن عدم عمل الاصحاب برواية لا يوجب طرحها و سقوطها عن الاعتبار،بل طرح هذه الأخبار،و عدم العمل بها في المقام انما هو من جهة ما ذكرناه.

فيه أن هذا الاحتمال ضعيف جدا،فان صدور الرواية عنهم عليهم السّلام تقية


 

1) <page number=”81″ />الوسائل باب:8 من أبواب أقسام الحج الحديث:3.

 

تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۹ 82)


و الظاهر من الصحيحين اختصاص الحكم بما إذا كانت الإقامة بقصد المجاورة،فلو كانت بقصد التوطن فينقلب بعد قصده من الأول،فما يظهر من بعضهم من كونها أعم لا وجه له،و من الغريب ما عن آخر من الاختصاص بما إذا كانت بقصد التوطن.

ثم الظاهر أن في صورة الانقلاب يلحقه حكم المكي بالنسبة إلى الاستطاعة أيضا فيكفي في وجوب الحج الاستطاعة من مكة(1)
منوط بتوفر أمرين فيها:

الأول:أن يكون لها معارض.

الثاني:أن تكون موافقة للعامة،فاذا توفر فيها الأمران فهي محمولة على التقية،و الاّ فلا مبرر للحمل عليها.نعم قد يعلم بصدورها تقية بغاية حفظ النفس او العرض او المال،و لكن ذلك انما هو في القضايا الخارجية الشخصية دون القضايا الحقيقية الكلية هذا اضافة الى أن هذه الأخبار لا تكون موافقة لمذهب العامة حرفيا،حيث انهم اعتبروا في انقلاب الوظيفة من التمتع الى الافراد نية الاقامة في مكة،بدون تحديد مدتها بفترة زمنية محددة كسنة أو أقل أو أكثر.

في اطلاقه اشكال بل منع،لأن الاستطاعة و الامكانية المالية من مكة انما تكفي لوجوب حج الإفراد عليه بعد الاقامة فيها سنتين اذا لم يكن عازما على الرجوع الى بلده بعد الحج،كالناوي للتوطن فيها،و أما اذا كان عازما على الرجوع فلا تكفي الاّ اذا كانت بمقدار يفي بمصارف حجه و الرجوع الى بلدته معا،فعندئذ يكون مستطيعا.و الوجه فيه أن المتفاهم العرفي من الاستطاعة في الآية الشريفة و الروايات المفسرة لها هو الامكانية المالية لنفقات الحج ذهابا و ايابا لمن يريد الرجوع،و أما اذا كانت عنده الامكانية لنفقاته ذهابا فقط فلا يكون مستطيعا.و ما نحن فيه كذلك،فان المجاور بمكة بعد السنتين تنقلب وظيفته من التمتع الى الإفراد،و حينئذ فان كان عنده مال أو حصل عليه في اثناء

تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۹ 83)


……….

هذه المدة فان كان وافيا بنفقات حجه و رجوعه الى بلده معا فهو مستطيع،و عليه أن يأتي بحج الافراد أولا ثم يرجع الى بلده،و الاّ فلا يكون مستطيعا.

و بكلمة أنّ الاستطاعة التي هي عبارة عن الامكانية المالية لدى الشخص لنفقات سفر الحج ذهابا و ايابا لمن يريد الرجوع،و ذهابا لمن لا يريد الرجوع، اذا توفرت وجب الحج بدون فرق بين أن تكون تلك الامكانية من بلدته أو محل اقامته،كما اذا سافر الى بلدة قريبة من الميقات كالمدينة المنورة بسبب من الأسباب و بقى فيها مدة و حصل على مال في تلك المدة،فان كان ذلك المال وافيا لنفقات سفر الحج له ذهابا منها و ايابا الى بلدته أو الى بلدة أخرى اذا أراد الرجوع الى تلك البلدة فهو مستطيع و الاّ فلا،و أما اذا أراد الاقامة في مكة فلا يعتبر في استطاعته عدا نفقات الذهاب اليها و اعمال الحج فيها،كما أنه اذا أراد الرجوع الى بلد الاستطاعة و الاقامة فيه فلا يعتبر فيها عدا نفقات الذهاب و الإياب اليه لا الى بلدته،فالمعيار في استطاعة الشخص انما هو بتمكنه المالي من نفقات سفر الحج ذهابا و ايابا لمن يريد الرجوع،و ذهابا لمن لا يريده،و على هذا الأساس فالمجاور في مكة اذا أقام سنتين فيها و دخل في الثالثة انقلبت وظيفته من التمتع الى الإفراد،و حينئذ فإن حصل على مال لا يفي للإنفاق على الحج و الرجوع الى بلده معا،و انما يفي لأحدهما فهل هو مستطيع لحج الافراد أو لا؟فيه وجهان.

قد يقال كما قيل:إنه مستطيع باعتبار أنه بمنزلة أهل مكة،فكما أن استطاعة أهل مكة تتحقق بوجود مال عندهم يفي لنفقات الحج و العود الى بيوتهم،فكذلك استطاعة المجاور،فاذا كان عنده مال كذلك فهو مستطيع.

و لكن الصحيح الوجه الثاني،و ذلك لأن استطاعته تختلف عن استطاعة أهل مكة،فان استطاعته انما تتحقق بوجود مال عنده يفي لنفقات حجه و الرجوع الى بلدته معا اذا كان عازما عليه-كما هو المفروض-لوضوح أن نفقة الرجوع كنفقة الذهاب جزء من الاستطاعة و لا تتحقق بدونها،فالمجاور

تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۹ 84)


……….

في مكة اذا كان عازما على الرجوع الى بلدته لا يستطيع على حج الافراد الاّ اذا حصل على مال يكفي لنفقته و نفقة رجوعه الى بلدته،و أما اذا لم يكن عنده مال الاّ بمقدار نفقة رجوعه الى بلدته،فلا يكون مستطيعا،بل ربما يكون اتيانه به في هذه الحالة يؤدي الى وقوعه في حرج،كما اذا كان بقاؤه فيها أكثر من تلك المدة حرجيا.

ثم إن الانقلاب انما هو في الوظيفة فحسب لا في الشرط،يعني أن المجاور بعد سنتين في مكة تنقلب وظيفته من التمتع الى الافراد دون شرطه و هو الاستطاعة المالية،و ذلك لأن للاستطاعة معنى واحدا في جميع الموارد بدون فرق بين حج التمتع و الافراد،لأنها عبارة عن الامكانية المالية و الأمن و السلامة في الطريق و عند ممارسة اعمال الحج،بدون فرق بين أن تكون الوظيفة حج التمتع او الإفراد،فالنائي يختلف عن الحاضر في الوظيفة المفروضة عليه من قبل اللّه تعالى،فان وظيفة الأول التمتع و الثاني الافراد أو القران،و كلتا الوظيفتين مشروطة بالاستطاعة،غاية الأمر أن الاستطاعة تختلف تطبيقا باختلاف الوظيفتين سعة و ضيقا،و على هذا فالمجاور اذا كان عازما على الرجوع الى بلدته بعد السنتين لم تتحقق استطاعته الاّ بتوفر الامكانية المالية عنده للحج و الرجوع الى بلدته معا،و الاّ فلا يكون مستطيعا.

فالنتيجة:أن استطاعة النائي لا تختلف عن استطاعة الحاضر،لا من حيث المبدأ و لا من حيث المنتهى.اما في الأول فلأنه لا يعتبر في استطاعة النائي أن تكون من بلدته،فلو سافر اختيارا أو قهرا الى الميقات و استطاع هناك وجب عليه التمتع و إن لم يكن مستطيعا من البلدة.و أما في الثاني فلأنه لا يعتبر في استطاعته أن تكون امكانيته المالية الى بلدته ايابا،فان ذلك انما يعتبر بالنسبة الى من يريد الرجوع اليه،و أما من لا يريد الرجوع فلا يعتبر ذلك في استطاعته، و من هنا لو استطاع في الميقات،و بنى على الرجوع اليه،و البقاء فيه دون بلدته، كفى في استطاعته ذهابا و ايابا اليه و إن لم تكلف الى بلدته.

تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۹ 85)


و لا يشترط فيه حصول الاستطاعة من بلده(1)فلا وجه لما يظهر من صاحب الجواهر من اعتبار استطاعة النائي في وجوبه لعموم أدلتها و أن الانقلاب إنما أوجب تغيير نوع الحج و أما الشرط فعلى ما عليه فيعتبر بالنسبة إلى التمتع،هذا.

و لو حصلت الاستطاعة بعد الإقامة في مكة لكن قبل مضي السنتين فالظاهر أنه كما لو حصلت في بلده فيجب عليه التمتع و لو بقيت إلى السنة الثالثة(2)أو أزيد،فالمدار على حصولها بعد الانقلاب.

الأمر كما أفاده قدّس سرّه حيث انه لا يشترط في وجوبه عليه استطاعته من بلدته،بل تكفي الاستطاعة من مكة شريطة أن تكون وافية بنفقات الحج و الرجوع معا،و الاّ فلا يكون مستطيعا كما مر.

فيه اشكال بل منع،و الأظهر هو انقلاب الوظيفة حتى في صورة ما اذا كان مستطيعا في بلده و ظلت استطاعته باقية الى السنة الثالثة فضلا عما اذا استطاع في أثناء السنتين،كما اذا فرض أنه دخل مكة في غير موسم الحج بعمرة مفردة،و بقى فيها ناويا للإقامة و لم يحج في السنة الأولى و لا في الثانية الى أن دخل في الثالثة،فاذا دخل فيها انقلبت وظيفته من التمتع الى الإفراد تبعا لانقلاب موضوعه الى موضوع الإفراد،باعتبار أن موضوع وجوب حج التمتع من لم يكن أهله حاضري المسجد الحرام،فاذا حضر فيه فترة،و صدق عليه هذا العنوان،كما اذا أقام فيه فترة زمنية لا تقل عن سنتين تبدل موضوع التمتع بموضوع الإفراد،و حينئذ ينتفى وجوب التمتع عنه بانتفاء موضوعه،و يتحقق وجوب الافراد بتحقق موضوعه،و على هذا فالاستطاعة حدوثا شرط لوجوب حج التمتع و بقاء شرط لوجوب حج الافراد،و لا مانع من ذلك،باعتبار أن وجوب الحج بكلا قسميه مشروط بها،فما دام موضوع حج التمتع موجودا فهي شرط لوجوبه،و اذا تبدل الى موضوع حج الافراد فهي تصبح شرطا لوجوبه.

تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۹ 86)


……….

و إن شئت قلت:إن مقتضى الآية الشريفة بضميمة الروايات الواردة في تفسيرها أن موضوع وجوب حج التمتع من لم يكن من أهل مكة أي مقيما فيها سنتين و دخل في الثالثة فكل مستطيع اذا لم يكن من أهل مكة فوظيفته التمتع، و كل مستطيع يكون من أهلها فوظيفته الافراد،فاذا كان التمتع واجبا على المستطيع في السنة الأولى و الثانية و لم يأت به لسبب أو اخر الى أن دخل في الثالثة تبدل موضوع وجوب التمتع،و هو من لم يكن من أهل مكة بموضوع وجوب الافراد،و هو من كان من أهلها،فانه بدخوله في الثالثة خرج عن موضوع الأول و دخل في موضوع الثاني،فاذا تبدل الموضوع تبدل الحكم تبعا، فاذن تبدل الوظيفة انما هو بتبع تبدل الموضوع،و لا فرق في ذلك بين أن تكون استطاعته قبل دخوله في السنة الثالثة أو بعده،فان الانقلاب و التبدل انما هو في الموضوع بالأصالة و في المحمول و هو الحج بالتبع،لا في الشرط و هو الاستطاعة،لأن الحج بكلا نوعيه مشروط بها،و لا فرق بينهما فيها الاّ في السعة و الضيق في مرحلة التطبيق،و من المعلوم ان هذا المقدار من الاختلاف لا يضر، فانه موجود بين افراد الاستطاعة في نوع واحد من الحج حسب اختلاف أفراد المكلف،و من الواضح أنه لا فرق بين أن يكون الشرط موجودا قبل الانقلاب و التبدل،أو يوجد بعده،لأن الموضوع اذا تبدل تبدل المحمول لا محالة،اذ لا يعقل بقاء المحمول بدون ما فرض موضوع له،من غير فرق فيه بين أن يكون المحمول فعليا و منجزا أو لا،نظير ما اذا سافر المكلف بعد دخول الوقت.

فالنتيجة:أن مقتضى القاعدة عدم الفرق بين أن تكون استطاعته قبل دخوله في السنة الثالثة أو بعد دخوله فيها،و يؤكد ذلك اطلاق الروايات في المسألة.

منها:قوله عليه السّلام في صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السّلام:«من أقام بمكة سنتين فهو من أهل مكة لا متعة له-الحديث-» 1،فان قوله عليه السّلام:«لا متعة له»


 

1) <page number=”86″ />الوسائل باب:9 من أبواب أقسام الحج الحديث:1.

 

تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۹ 87)


و أما المكي إذا خرج إلى سائر الأمصار مقيما بها فلا يلحقه حكمها في تعين التمتع عليه لعدم الدليل و بطلان القياس إلا إذا كانت الإقامة فيها بقصد التوطن و حصلت الاستطاعة بعده فإنه يتعين عليه التمتع بمقتضى القاعدة و لو في السنة الأولى،و أما إذا كانت بقصد المجاورة أو كانت الاستطاعة حاصلة في مكة فلا نعم الظاهر دخوله حينئذ في المسألة السابقة(1)فعلى القول بالتخيير فيها-كما عن المشهور-يتخير و على قول ابن أبي عقيل يتعين عليه وظيفة المكي.

مطلق من جهة أن استطاعته كانت قبل تكميل السنتين أو بعده.

و منها:قوله عليه السّلام في صحيحة عمر بن يزيد قال:قال أبو عبد اللّه عليه السّلام:

«المجاور بمكة يتمتع بالعمرة الى الحج الى سنتين،فاذا جاوز سنتين كان قاطنا و ليس له أن يتمتع» 1فانه مطلق،و مقتضى اطلاقه أنه لا متعة له اذا جاوز سنتين و إن كانت استطاعته من الأول و قبل التجاوز،فما هو المشهور بين الأصحاب من الفرق بين أن تكون استطاعته قبل دخوله في السنة الثالثة،و بين أن تكون بعده، فعلى الأول تكون وظيفته التمتع حتى في السنة الثالثة و هكذا،و على الثاني الافراد،بحاجة الى دليل،و الاّ فلا معنى للقول بأن الموضوع ينقلب دون الحكم.

و دعوى الاجماع على هذا الفرق لا أساس لها.

اما اولا:فلأن الاجماع بين المتأخرين غير ثابت.

و ثانيا:على تقدير تسليم ثبوته بينهم الاّ أنه لا يكشف عن ثبوته بين المتقدمين الذي هو العمدة،و هو الكاشف عن ثبوت المسألة في زمن المعصومين عليهم السّلام و وصولها إلينا يدا بيد.

تقدم الكلام فيها مفصلا.


 

1) <page number=”87″ />الوسائل باب:9 من أبواب أقسام الحج الحديث:2.

 

تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۹ 88)


[مسألة 4:المقيم في مكة إذا وجب عليه التمتع]

[3207]مسألة 4:المقيم في مكة إذا وجب عليه التمتع-كما إذا كانت استطاعته في بلده أو استطاع في مكة قبل انقلاب فرضه-فالواجب عليه الخروج إلى الميقات لإحرام عمرة التمتع،و اختلفوا في تعيين ميقاته على أقوال:

أحدها:أنه مهلّ أرضه،ذهب إليه جماعة،بل ربما يسند إلى المشهور كما في الحدائق لخبر سماعة(1)عن أبي الحسن عليه السّلام سألته عن المجاور أله أن يتمتع بالعمرة إلى الحج؟قال عليه السّلام:«نعم يخرج إلى مهلّ أرضه فليلبّ إن شاء»المعتضد بجملة من الأخبار الواردة في الجاهل و الناسي الدالة على ذلك بدعوى عدم خصوصية للجهل و النسيان و أن ذلك لكونه مقتضى حكم التمتع،و بالأخبار الواردة في توقيت المواقيت و تخصيص كل قطر بواحد منها أو من مرّ عليها بعد دعوى أن الرجوع إلى الميقات غير المرور عليه.

ثانيها:أنه أحد المواقيت(2)المخصوصة مخيرا بينها،و إليه ذهب جماعة أخرى لجملة أخرى من الأخبار،مؤيدة بأخبار المواقيت بدعوى عدم استفادة خصوصية كل بقطر معين.

فيه ان الخبر ضعيف سندا،حيث ان في سنده معلى بن محمد و هو لم يثبت توثيقه،و مجرد أنه من رجال أسناد كامل الزيارات لا يكفي،فاذن لا دليل على هذا القول.

هذا هو مقتضى اطلاقات الروايات التي تنص على أن كل من وجب عليه حج التمتع أن يحرم من أحد المواقيت التي وقتها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،فانها باطلاقها تشمل المقيم في مكة أيضا اذا كانت وظيفته التمتع،إذ يجب عليه حينئذ أن يخرج الى أحد المواقيت و يحرم منه،سواء أ كان ذلك ميقات أهل

تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۹ 89)


……….

أرضه أم لا.و أما ما في الروايات من أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قد عيّن لأهل كل منطقة ميقاتا فهو مبني على الغالب و التسهيل لحجاج تلك المنطقة،اذ لا يحتمل أن يكون لهذا التعيين خصوصية و كون أهل كل بلد ملزما بالاحرام من ميقات أهل أرضه بنحو اذا اختار طريقا آخر الى مكة لم يصح احرامه من ميقات أهل أرض ذلك الطريق،فان هذا غير محتمل و خلاف الضرورة الفقهية،و على هذا الأساس فيجوز للمقيم أن يخرج الى أي ميقات أراد و شاء.

و بكلمة أخرى:أن الروايات الكثيرة التي تنص على وجوب الاحرام من أحد المواقيت،و عدم جواز التجاوز عنها بدون احرام،تعم المقيم في مكة أيضا اذا كان متمكنا من الإحرام عن أحدها،و لا يسوغ له عندئذ ترك الإحرام منه.

منها:صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«قال:من تمام الحج و العمرة أن تحرم من المواقيت التي وقتها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لا تجاوزها الاّ و انت محرم-الحديث-» 1فإنها ناصة في أن الإحرام من المواقيت التي وقتها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من تمام الحج و العمرة،و لا يجوز تركه،و المقيم في مكة اذا فرض أنه قادر على أن يذهب الى أحد المواقيت و الإحرام منه وجب عليه ذلك،و لا يسوغ له تركه عامدا و ملتفتا الى الحكم الشرعي بمقتضى نص هذه الصحيحة و غيرها.

و دعوى:ان الصحيحة تدل على عدم جواز التجاوز عن المواقيت الاّ محرما،و هذا العنوان لا ينطبق على المقيم في مكة،فانه قد تجاوز عنها و أقام في مكة مدة،فاذن لا دليل على وجوب خروج المقيم الى أحد المواقيت و الإحرام منه.

مدفوعة:بان العرف لا يفهم منها خصوصية لعنوان التجاوز و موضوعية له،بل يفهم منها بمناسبة الحكم و الموضوع أن المقصود من ذلك عدم جواز


 

1) <page number=”89″ />الوسائل باب:16 من أبواب المواقيت الحديث:1.

 

تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۹ 90)


ثالثها:أنه أدنى الحل،نقل عن الحلبي و تبعه بعض متأخري المتأخرين،لجملة ثالثة من الأخبار.

و الأحوط الأول،و إن كان الأقوى الثاني(1)لعدم فهم الخصوصية
ترك الإحرام منها،و بما أن المقيم قادر على ذلك فلا يجوز له تركه.

فالنتيجة:أن مقتضى القاعدة هو أن على المقيم أن يخرج الى أحد المواقيت المعينة سواء أ كان ميقات أهل أرضه أم لا،اذ لا دليل على أن الواجب عليه الخروج الى خصوص ميقات أهل أرضه،نعم من جاوز الميقات بدون إحرام جاهلا أو ناسيا الى أن دخل الحرم وجب عليه على الأظهر أن يرجع الى ميقات أهل أرضه على تفصيل سيأتي في ضمن البحوث الآتية،هذا،و لكن الأظهر مع ذلك هو التخيير،يعني انه مخيّر بين الرجوع الى أحد المواقيت و بين الخروج من الحرم و الاحرام منه،كما سوف نشير اليه.

بل الظاهر التخيير بين الجميع،و الوجه في ذلك أن مقتضى القاعدة -كما مر-و إن كان خروج المقيم الى أحد المواقيت المعينة مخيرا بين ميقات أهل أرضه و بين سائر المواقيت.و لكن صحيحة الحلبي قال:«سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام لأهل مكة أن يتمتعوا؟فقال:لا،ليس لأهل مكة أن يتمتعوا،قال:

قلت:فالقاطنين بها،قال:اذا أقاموا سنة أو سنتين صنعوا كما يصنع أهل مكة، فاذا أقاموا شهرا فان لهم أن يتمتعوا،قلت:من أين؟قال:يخرجون من الحرم.

قلت:من أين يهلون بالحج؟فقال:من مكة نحوا ممن يقول الناس» 1ناصة في جواز الاحرام من خارج الحرم كجعرانة.

و تؤيد ذلك رواية سماعة عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«من دخلها بعمرة في غير أشهر الحج،ثم أراد أن يحرم فليخرج الى الجعرانة فيحرم منها-الحديث-» 2.


 

1) <page number=”90″ />الوسائل باب:9 من أبواب أقسام الحج الحديث:3.
2) الوسائل باب:8 من أبواب أقسام الحج الحديث:2.

 

تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۹ 91)


من خبر سماعة و أخبار الجاهل و الناسي و إن ذكر المهل من باب أحد الأفراد،و منع خصوصية للمرور في الأخبار العامة الدالة على المواقيت، و أما أخبار القول الثالث فمع ندرة العامل بها مقيدة بأخبار المواقيت أو محمولة على صورة التعذر.

ثم الظاهر أن ما ذكرنا حكم كل من كان في مكة و أراد الإتيان بالتمتع و لو مستحبا.

هذا كله مع إمكان الرجوع إلى المواقيت،و أما إذا تعذر فيكفي الرجوع إلى أدنى الحل(1)،بل الأحوط الرجوع إلى ما يتمكن من خارج
و عليه فتكون صحيحة الحلبي قرينة على رفع اليد عن ظهور الروايات العامة في وجوب الاحرام على المقيم في مكة من أحد المواقيت اذا كانت وظيفته التمتع و كان قادرا على ذلك،و خروجه من تلك العمومات على أساس دلالة الصحيحة على توسعة دائرة الاحرام بالنسبة اليه من الحد الذي يصدق عليه خارج الحرم الى أحد المواقيت.

فالنتيجة:هي أنه مخير في هذه الحالة بين أن يخرج من الحرم و يحرم من الجعرانة أو مكان آخر أبعد منها،أو يذهب الى أحد المواقيت المعينة و يحرم منه،فيكون الواجب عليه الإحرام من أحد هذه المواضع بنحو الوجوب التخييري،و قد ذكرنا في علم الأصول أن مرد الوجوب التخييري الى أن المجعول وجوب واحد متعلق بالجامع لا بالفرد بحده الفردي،لا الى وجوبات متعددة متعلقة بالافراد بحدودها الخاصة على نحو الوجوبات المشروطة على تفصيل ذكرناه هناك،و على هذا فالمقيم بمكة اذا استطاع و كان مكلفا بحج التمتع فعليه أن يخرج من الحرم لإحرام عمرة التمتع،فاذا خرج فهو مخير بين أن يحرم منه،أو يذهب الى أحد المواقيت و الإحرام منه.

بل مطلقا و إن لم يتعذر الرجوع الى أحد المواقيت المعروفة

تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۹ 92)


الحرم(1)مما هو دون الميقات،و إن لم يتمكن من الخروج إلى أدنى الحل أحرم من موضعه(2)،و الأحوط الخروج إلى ما يتمكن.

-كما مر-.

فيه ان الاحتياط ضعيف جدا و لا منشأ له،لما مر من أنه مخير بين الإحرام من خارج الحرم كالجعرانة أو نحوها،و الإحرام من أحد المواقيت الخمسة،و لا أولوية للخروج الى ما يتمكن مما هو أقرب الى المواقيت بعد تعذر الرجوع اليها.

هذا هو الصحيح،و هو المستفاد من التعليل الوارد في روايات الناسي و الجاهل،و هو قوله عليه السّلام:«فإن خشي أن يفوته الحج أحرم من مكانه» 1فانه يدل على أن المعيار انما هو بخوف الفوت بدون خصوصية للمورد،و به يظهر أنه لا منشأ للاحتياط بالخروج الى ما يتمكن.


 

1) <page number=”92″ />الوسائل باب:14 من أبواب المواقيت الحديث:1.

 

تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۹ 93)


[فصل في صورة حج التمتع و شرائطه]

فصل في صورة حج التمتع و شرائطه صورة حج التمتع على الإجمال أن يحرم في أشهر الحج من الميقات بالعمرة المتمتع بها إلى الحج،ثم يدخل مكة فيطوف فيها بالبيت سبعا و يصلي ركعتين في المقام،ثم يسعى لها بين الصفا و المروة سبعا،ثم يطوف للنساء احتياطا(1)و إن كان الأصح عدم وجوبه،و يقصّر،ثم ينشئ إحراما للحج من مكة في وقت يعلم أنه يدرك الوقوف بعرفة،و الأفضل إيقاعه يوم التروية،
فيه ان الاحتياط و إن كان استحبابيا،الاّ أنه لا منشأ له،نعم لا بأس به رجاء،و ذلك لأن منشأه اما ما نقله الشهيد قدّس سرّه من بعض الفقهاء الوجوب،أو رواية سليمان بن حفص المروزي عن الفقيه عليه السّلام:«قال:اذا حج الرجل فدخل مكة متمتعا فطاف بالبيت و صلى ركعتين خلف مقام ابراهيم عليه السّلام و سعى بين الصفا و المروة و قصر فقد حل له كل شيء ما خلا النساء لأن عليه لتحلة النساء طوافا و صلاة» 1.

اما الأول فهو غير ثابت،و أما الرواية فهي ساقطة سندا و دلالة،اما سندا فلأن سليمان بن حفص المروزي لم يثبت توثيقه،و مجرد أنه من رجال اسناد كامل الزيارات لا يكفي.و أما دلالة فلأنها تبتني على أن تكون الرواية مشتملة


 

1) <page number=”93″ />الوسائل باب:82 من أبواب الطواف الحديث:7.

 

تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۹ 94)


ثم يمضي إلى عرفات فيقف بها من الزوال إلى الغروب(1)،ثم يفيض و يمضي منها إلى المشعر فيبيت فيه و يقف به بعد طلوع الفجر إلى طلوع الشمس،ثم يمضي إلى منى فيرمي جمرة العقبة،ثم ينحر أو يذبح هديه و يأكل منه،ثم يحلق أو يقصّر،فيحل من كل شيء إلا النساء و الطيب، و الأحوط اجتناب الصيد أيضا،و إن كان الأقوى عدم
على كلمة(قصر)فعندئذ تنطبق الرواية على عمرة التمتع دون حج التمتع،الاّ أن اشتمال الرواية عليها غير معلوم،باعتبار أن الشيخ روى هذه الرواية في الاستبصار بدون كلمة(قصر)،فاذن لم تثبت هذه الكلمة،و عليه فتصبح الرواية مجملة،و لا ندري أن موردها عمرة التمتع أو الحج،هذا.اضافة الى أن هناك روايات تنص على عدم وجوب طواف النساء في عمرة التمتع.

بل له أن يتأخر عن أول الظهر بحوالي ساعة،و يدل على ذلك قوله عليه السّلام في صحيحة معاوية بن عمار الطويلة الواردة في كيفية حج النبي صلّى اللّه عليه و آله عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:«ان رسول الله صلّى اللّه عليه و آله أقام بالمدينة عشر سنين و لم يحج،ثم انزل اللّه عليه-و أذّن في الناس بالحج-الى أن قال…فخرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في أربع بقين من ذي القعدة-الى قوله عليه السّلام:حتى انتهوا الى نمرة و هي بطن عرفة بحيال الأراك فضربت قبته و ضرب الناس اخبيتهم عندها،فلما زالت الشمس خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و معه قريش و قد اغتسل و قطع التلبية حتى وقف بالمسجد فوعظ الناس و أمرهم و نهاهم ثم صلى الظهر و العصر بأذان واحد و اقامتين،ثم مضى الى الموقف فوقف به-الحديث-» 1فانها واضحة الدلالة على أن الوقوف الواجب في عرفة انما هو بعد الصلاة و الوعظ،و من الطبيعي أن مجموعهما لا يقل عن ساعة.


 

1) <page number=”94″ />الوسائل باب:2 من أبواب أقسام الحج الحديث:4.

 

تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۹ 95)


حرمته عليه من حيث الإحرام(1)،ثم هو مخير بين أن يأتي إلى مكة ليومه فيطوف طواف الحج و يصلي ركعتيه و يسعى سعيه فيحل له الطيب،ثم يطوف طواف النساء و يصلي ركعتيه فتحل له النساء،ثم يعود إلى منى لرمي الجمار فيبيت بها ليالي التشريق-و هي الحادي عشر،و الثاني عشر، و الثالث عشر-و يرمي في أيامها الجمار الثلاث،و أن لا يأتي إلى مكة ليومه
هذا هو الصحيح،و أما صحيحة معاوية بن عمار عن أبي عبد اللّه عليه السّلام:

«قال:اذا ذبح الرجل و حلق فقد أحل من كل شيء أحرم منه الاّ النساء و الطيب، فاذا زار البيت و طاف و سعى بين الصفا و المروة فقد أحل من كل شيء أحرم منه الاّ النساء،و اذا طاف طواف النساء فقد أحل من كل شيء احرم منه الاّ الصيد» 1فهي و إن دلت على أن حرمة الصيد تظل ثابتة بعد طواف النساء أيضا،الاّ أن الظاهر منها حرمته من حيث الحرم لا الاحرام،و ذلك لأمرين:

أحدهما:بقرينة أن الصيد في الحرم حرام على المحل و المحرم،و لا ترتبط حرمته بالاحرام.

و الآخر:بقرينة أن الاحرام موضوع لحرمة أشياء معينة على المحرم،فاذا احرم المكلف حرمت عليه تلك الاشياء،و تظل حرمتها باقية ما دام يظل المحرم باقيا على احرامه،فاذا خرج منه ارتفعت حرمتها بارتفاع موضوعها و منشأها، و من المعلوم أنه يخرج من الاحرام نهائيا بالانتهاء من اعمال الحج و طواف النساء،و أما حرمة الصيد التي جاءت من قبل الاحرام فهي ترتفع بارتفاعه،و أما حرمته التي نشأت بسبب دخوله في الحرم فهي تظل باقية ما دام في الحرم و إن خرج عن الإحرام و اصبح محلا،لأنها لا ترتبط بالاحرام،و انما ترتبط بدخول الحرم،و لا ترتفع الاّ بالخروج منه،و على ضوء هاتين القرينتين


 

1) <page number=”95″ />الوسائل باب:13 من أبواب الحلق و التقصير الحديث:1.

 

تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۹ 96)


بل يقيم بمنى حتى يرمي جماره الثلاث(1)يوم الحادي عشر و مثله يوم الثاني عشر،ثم ينفر بعد الزوال إذا كان قد أتقى النساء(2)
كانت الصحيحة ظاهرة في أن المراد من بقاء حرمة الصيد بعد طواف النساء هو حرمته من ناحية الحرم لا من ناحية الإحرام،و يؤكد ذلك أيضا نفس سياقها، فانه قد استثنى فيها أولا النساء و الطيب فقط،أي بدون ذكر الصيد،ثم بعد طواف الحج استثنى النساء فقط كذلك،ثم بعد طواف النساء استثنى الصيد،و هذا السياق يدل على أن حرمة الصيد لا ترتبط بالإحرام،فإن ما ترتبط حرمته به ارتفعت بالانتهاء من طواف النساء،باعتبار أنه بالانتهاء منه قد خرج عن الإحرام و أصبح محلا،فلا يعقل بقاء حرمته المرتبطة به.

فيه أنه لا يجب عليه أن يقيم فيه حتى ينتهي عن جماره الثلاث،لأن الواجب عليه أن يبيت فيه نصف الليل بدون فرق بين النصف الأول من الليل او الآخر منه،و أما في النهار فالواجب عليه رمي الجمار الثلاث فيه بدون فرق بين أول النهار أو آخره،و إن كان الأول أفضل،فاذا بات فيه النصف الأول من الليل جاز له الخروج منه الى مكة أو الى بلد آخر و يرجع بعد الزوال للرمي،أو اذا رمى أول النهار جاز له الخروج الى مكة أو الى مكان آخر،و ذلك لعدم الدليل على البقاء فيه حتى يرمي الجمار الثلاث،بل له أن يخرج منه أول النهار بدون رمي ثم يرجع آخر النهار للرمي،هذا اضافة الى النصوص الخاصة الدالة عليه، و تمام الكلام في محلة.

على المشهور،و لكنه لا يخلو عن اشكال بل منع،لعدم الدليل على الاّ رواية محمد بن المستنير،و هي ضعيفة سندا و إن كان الاحتياط في المسألة أولى و أجدر.

ثم إن حج التمتع مؤلف من عملين:أحدهما العمرة،و الآخر الحج،و لكل منهما واجبات،و واجبات عمرة التمتع خمسة:

تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۹ 97)


……….

الأول:الإحرام من أحد المواقيت الخمسة.

1-مسجد الشجرة التي هي على مقربة من المدينة المنورة.

2-الجحفة و هي قرية معمورة بين المدينة و مكة،و تبعد عن مكة المكرمة بحوالي مأتين و عشرين كيلومترا تقريبا.

3-قرن المنازل و يمر به من الطائف الى مكة.

4-وادي العقيق.

5-يلملم.

و صورة الإحرام أن يلبس المحرم ثوبي الإحرام،الإزار و الرداء،و ينوي الإحرام لعمرة التمتع من حجة الإسلام بقصد التقرب و أمل أن يقبل اللّه تعالى منه و يلبّي،فاذا لبى أصبح محرما و حرمت عليه اشياء معينة محدودة و يأتي بيانها في محرمات الاحرام و لبس ثوبي الاحرام واجب مستقل على الرجال دون النساء.

الثاني:الطواف،و صورته أن يقف الى جانب الحجر الاسود محاذيا له مراعيا أن تكون الكعبة الشريفة الى طرف اليسار،ثم ينوي طواف عمرة التمتع من حجة الإسلام،فيطوف حول الكعبة سبع مرات مبتدئا في كل مرة من محاذي الحجر الأسود و منتهيا في كل مرة اليه.

الثالث:صلاة الطواف،و هي ركعتان كصلاة الفجر،و ينوي صلاة الطواف من عمرة التمتع،و أن تكون خلف المقام،و الاّ ففي أي موضع من المسجد شاء، و إن كان الأولى و الأجدر أن يراعي الأقرب فالأقرب الى مقام ابراهيم عليه السّلام.

الرابع:السعي بين الصفا و المروة،و ينويه لعمرة التمتع من حجة الإسلام مضافا الى اللّه تعالى،و بادئا بالصفا و منتهيا الى المروة،ثم يعود من المروة الى الصفا الى أن تمت سبع اشواط.

الخامس:التقصير،بأن يأخذ مقدارا من شعره أو أظفاره،و لا يلزم أن يكون من مكان مخصوص.

تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۹ 98)


……….

هذه صورة موجزة لواجبات عمرة التمتع،و تفصيلها موكول الى محلها.

و واجبات حج التمتع متمثلة في ثلاثة عشر واجبا:

الأول:الاحرام من مكة،و صورته نفس صورة الاحرام لعمرة التمتع،غير أنه ينوي هنا الاحرام لحج التمتع قربة الى اللّه تعالى.

الثاني:الوقوف بعرفات،بأن يكون متواجدا فيها من ظهر اليوم التاسع من ذي الحجة الى الغروب،و له أن يتأخر عن أول الظهر بحوالي الساعة،و لا يجوز أن يغادر عرفات قبل الغروب،فاذا حل الغروب جاز أن يغادرها.

الثالث:الوقوف بالمشعر،فاذا وصل اليه من عرفات قضى بقية الليل فيه، سواء أنام أم لا،و الواجب هو تواجده فيه بين الطلوعين،أي من طلوع الفجر الى طلوع الشمس،و هذا من أهم عناصر الحج و أركانه.

الرابع:رمي جمرة العقبة،و وقته بين طلوع الشمس و غروبها.نعم يجوز للنساء و الصبيان و الشيوخ و الخائف و المرضى الافاضة من المشعر في الليل و أن يرموا بالليل.و يجب أن يكون بسبع حصيات على نحو التتابع عرفا لا دفعة واحدة،و يعتبر أن تكون تلك الحصيات من الحرم.

الخامس:الهدي،و هو عبارة عن الذبيحة التي يجب على الحاج بحج التمتع أن يذبحها أو ينحرها بعد الفراغ من رمي جمرة العقبة.

السادس:الحلق أو التقصير،و نقصد بالحلق حلق تمام الرأس، و بالتقصير أخذ شيء من الشعر أو الأظافر.و اذا انجز الحاج ذلك حل له كل شيء كان قد حرم عليه بسبب احرامه الاّ الطيب و النساء.

السابع:الطواف،و هو طواف الحج،و صورته نفس صورة طواف العمرة، غير أنه ينوي به طواف الحج قربة الى اللّه تعالى.

الثامن:صلاته،و صورتها نفس صورة صلاة طواف العمرة،غير أنه ينوي بها صلاة طواف الحج بقصد القربة.

التاسع:السعي بين الصفا و المروة على نحو ما تقدم في العمرة،غير أنه

تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۹ 99)


و الصيد،و إن أقام إلى النفر الثاني و هو الثالث عشر و لو قبل الزوال لكن بعد الرمي جاز أيضا،ثم عاد إلى مكة للطوافين و السعي،و لا إثم عليه في شيء من ذلك على الأصح،كما أن الأصح الاجتزاء بالطواف و السعي تمام ذي الحجة،و الأفضل الأحوط هو اختيار الأول بأن يمضي إلى مكة يوم النحر بل لا ينبغي التأخير لغده فضلا عن أيام التشريق إلا لعذر.

و يشترط في حج التمتع أمور:

ينوي به السعي للحج قربة الى اللّه تعالى.

العاشر:طواف النساء،و هو كطواف العمرة و الحج،غير أن الحاج رجلا كان او امرأة ينوي به طواف النساء بقصد التقرب الى اللّه تعالى.

الحادي عشر:صلاته،و صورتها نفس صورة صلاة طواف العمرة و الحج،غير أنه ينوي بها صلاة طواف النساء.

ثم إن بطواف الحج و صلاته و السعي بين الصفا و المروة يحل للحاج كل شيء ما عدا النساء،و بطواف النساء و صلاته تحل النساء لأزواجهن و الأزواج لزوجاتهم.

الثاني عشر:المبيت بمنى ليلة الحادي عشر و الثاني عشر،و المبيت يعني التواجد في منى إما من أول الليل الى نصفه،أو من منتصفه الى طلوع الفجر.

الثالث عشر:رمي الجمار الثلاث في نهار اليوم الحادي عشر و الثاني عشر،ابتداء من الجمرة الأولى و منتهيا الى جمرة العقبة.ثم يجوز له الخروج و الانصراف بعد حلول ظهر اليوم الثاني عشر،و بذلك يفرغ الحاج عن كل ما عليه من الواجبات.

هذه صورة موجزة لواجبات حج التمتع،و بيانها بشكل موسع يأتي في محلها بعونه تعالى.

تعالیق مبسوطة علی العروة الوثقی – جلد ۹ 100)


[أحدها:النية]

أحدها:النية(1)بمعنى قصد الإتيان بهذا النوع من الحج حين الشروع في إحرام العمرة،فلو لم ينوه أو نوى غيره أو تردد في نيته بينه و بين غيره لم يصح،نعم في جملة من الأخبار أنه لو أتى بعمرة مفردة في
نريد بالنية التي هي شرط لكل عبادة أن تتوفر فيها العناصر التالية:

الأول:نية القربة،لأن الحج عبادة و لا تصح كل عبادة بدون نية القربة.

الثاني:الخلوص في النية،و نقصد به عدم الرياء،فان الرياء في العبادة محرم و مبطل لها.

الثالث:أن ينوي الحاج الاسم الخاص للحج الذي يريد أن يأتي به المميز له شرعا،لأن كل عبادة اذا كان لها اسم خاص المميز لها شرعا لا بد أن يقصد ذلك الاسم الخاص لها حين الاتيان بها،و الاّ لم تقع تلك العبادة المسماة بذلك الاسم خارجا و إن كانت فريدة و لم تكن لها شريكة في العدد و الكم كصلاة المغرب،فانه اذا صلى ثلاث ركعات بدون أن يقصد اسمها الخاص لم تقع صلاة المغرب،و هذا معنى ان هذا الاسم و العنوان لها من العناوين القصدية المقومة.

و هذه العناصر الثلاثة لا بد من مقارنتها لكل اجزاء الحج من البداية الى النهاية،و لا يعني بالمقارنة أن لا تتقدم النية على الحج،بل أن لا تتأخر عن أول جزء من أجزائه و هو إحرام عمرة التمتع من حجة الإسلام،كما أن المراد من مقارنة النية لكل جزء من أجزائه ليس بمعنى أن يكون الحاج متنبها الى نيته انتباها تاما كما كان في اللحظة الأولى،فلو نوى و أحرم لعمرة التمتع من حجة الإسلام ثم ذهل عن نيته و واصل حجه على هذه الحالة،ثم تذكر صح حجه ما دامت النية كامنة في اعماقه و مرتكزة في اذهانه بحيث يلتفت اليها بأدنى منبه، و على هذا فمن يكون مكلفا بحج التمتع من حجة الإسلام فيجب عليه أن يحج بهذا الاسم الخاص المميز له شرعا،فإن لم يقصد ذلك أو قصد غيره أو تردد فيه

Pages: 1 2 3 4
Pages ( 1 of 4 ): 1 2 ... 4»